الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابع: في معنى "أصول الفقه".
الخامس: في تعريف "علم أصول الفقه".
أما الفصل الأول فقد بيَّن فيه أن أصول الفقه لابدَّ أن تكون قطعية، وذكر اعتراض بعض العلماء على ذلك وجوابه، ثم ما يرِد على ذلك ومناقشته.
والفصل الثاني في الأحكام، ذكر فيه معنى الحكم أولًا، ثم قسَّمه قسمين: الأول: الحكم التكليفي، وهو خمسة (الوجوب، والندب، والإباحة، والكراهية، والتحريم). والثاني: الحكم الوضعي. والموجود من هذه الرسالة ينتهي بالكلام على المسائل المتعلقة بالحكم التكليفي. ولم نجد في مسوّدات المؤلف بقية المباحث، فلا ندري هل كتبها ولم تصل إلينا، أو لم ينشط لكتابتها بسبب انشغاله بأعمال أخرى. ولو كملت لكانت رسالة محرَّرة في الأصول تناسب المبتدئين والمتوسطين.
ومن تواضع المؤلف أنه ينصح طلبة العلم في مقدمتها أن لا يعدُّوه عالمًا، بل يعتبروه واحدًا من جملتهم، يذاكرهم على حسب وسعه. ولا يعتمدوا على قوله ما لم يجدوه موافقًا لقولِ أحدٍ من أئمة العلم ومطابقًا للدليل وقويًّا في النظر. وهذا منه غاية التواضع والإنصاف، وعدم التبجُّح برأيه والاعتداد بنفسه. فرحمه الله رحمة واسعة.
(5) رسالة في التعصب المذهبي:
توجد أربع صفحات في مكتبة الحرم المكي برقم [4786] ضمن دفتر يحتوي على أشياء مختلفة، وهي في الكلام على نشأة التعصب المذهبي عند أتباع الأئمة وكيفية معالجته. بدأها بذكر أن الدين شرع الله تعالى،
فيؤخذ من كتابه وسنة رسوله مباشرةً إن تيسّر ذلك، وإلّا فبواسطة مُخبِر موثوقٍ به عنهما.
ومن المعلوم أن العالم قد تعزُب عنه بعض دلالات الكتاب والسنة، وقد لا تبلغه السنة، وقد يخطئ في التصحيح والتضعيف والترجيح، إلى غير ذلك من الأسباب التي يقع بها العالم في الخطأ في اجتهاده. ومن كان له ممارسة للسنة وطالع كتب الأئمة ومسائلهم مثل الشافعي ومالك وأبي حنيفة علم يقينًا أن كثيرًا من الأحاديث الثابتة لم تبلغهم البتة، أو بلغتْهم من وجهٍ لا يثبت، ولذلك كان كلٌّ منهم إذا تبيَّن له خطأ قولٍ من أقواله رجع عنه.
لم يكن أولئك الأئمة يشعرون بأنها ستنشأ لهم مذاهب على هذا النحو المشاهد أو قريب منه، فإنهم كانوا ينهون أصحابهم عن تقليدهم وتقليد غيرهم، ويأمرونهم بالنظر واتباع الدليل. وكان العاميّ يستفتي مَن يجده من العلماء دونَ تقيُّدٍ بمعيَّن. واستمر الأمر كذلك إلى أصحاب الأئمة وأصحاب أصحابهم، ثم ضعفت الهمم، وقلَّ العلماء، وانتشرت أسباب الهوى، فنشأ التقيُّد بالمذاهب ثم استحكم، وصار المتفقِّهة يتنافسون، كلٌّ يحاول الزيادة في أتباع مذهبه، وأوقع ذلك في محنٍ وفتنٍ معروفة.
وأخذ الفقهاء من كل مذهب يحاولون أن يجعلوه كافيًا، فاشتغلوا بالتفريع على أقوال الإمام وأصوله، وألحقوا بها ما لم يذكره بالمقايسة والتشبيه والرأي المحض، مع التفنن في فرض صور نادرة بل مستحيلة. ثم جعلت الطبقة الثانية أقوال من قبلها أصولًا يلحقون بها ما لم يُذكر من الفروع، وهلمَّ جرًّا.
ومن شأن تلك الاجتهادات أن تؤدّي كثيرًا إلى ما يخالف نصوص الشرع ومقاصده، وإلى ما يخالف كلام الأئمة وقدماء أصحابهم، وهذا هو الواقع. كما أن كثرة الاختلاف في كل مذهب وتعارض التصحيح والترجيح مما لا يخفى على أحد، وإن حاول المتأخرون التخفيف من ذلك.
ومع انتشار هذه المذاهب فلم تُطبِق الأمة على هجر الكتاب والسنة، بل بقي النظر في التفسير وجمع السنة وترتيبها والكلام في الروايات وجمع الأدلة واستنباطها من الكتاب والسنة مستمرًّا. ومن وطَّن نفسه على الإنصاف علم أنه يقع من المتقيدين من علماء المذاهب في كثير من المواطن ميلٌ عن الإنصاف وحيفٌ على الأدلة، يوقعهم في ذلك حرصُهم على الانتصار للمذهب.
هذه خلاصة مباحث هذه الرسالة التي دعا فيها المؤلف فقهاء المذاهب إلى سلوك جادّة الصواب، والاعتناء بالكتاب والسنة، والكلام على الأحاديث والاستنباط منها دون تعصُّب، كما كان عليه الأئمة المتقدمون.
وفي الختام أرجو أن أكون قد وُفّقت في قراءة هذه الرسائل والتعليق عليها، وأدعو الله أن ينفع بها طلاب العلم وأهله، ويجزي المؤلف خير الجزاء على ما قام به من خدمة لعلوم الشريعة، إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين.
محمد عزير شمس
مكة المكرمة 28/ 4/ 1433