المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الإرسال بين اللغة والاصطلاح: - القول الفصل في العمل بالحديث المرسل

[حسن مظفر رزق]

الفصل: ‌ الإرسال بين اللغة والاصطلاح:

والمرسل على مراتب:

- أعلاها: ما أرسله صحابي ثبت سماعه.

- ثم صحابي له رؤية فقط ولم يثبت سماعه.

- ثم المخضرم.

- ثم المتقن كسعيد بن المسيب.

- ويليها من كان يتحرى في شيوخه، كالشعبي ومجاهد.

- ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد كالحسن.

- أما مراسيل صغار التابعين كقتادة، والزهري، وحميد الطويل، فإن غالب رواية هؤلاء عن التابعين.

قال أبو داود في رسالته: "وأما المراسيل فقد كان أكثر العلماء يحتجون بها فيما مضى مثل سفيان الثوري، ومالك، والأوزاعي. حتى جاء الشافعي- رحمه الله فتكلم في ذلك وتابعه عليه أحمد وغيره". وقد وضعت قواعد معينة من قبل الفقهاء والأصوليين لتمييز المرسل المقبول والمردود لحفظ شطر السنة من الإهمال وإثراء الأحكام الشرعية بما تحويه هذه الأحاديث من أحكام ورقائق.

يتلخص في الاحتجاج بالمرسل عدة أقوال:

1-

حجة مطلقا.

2-

لا يحتج به مطلقاً.

3-

يحتج به إن أرسله أهل القرون الثلاثة.

4-

يحتج به إنْ لم يرو إلا عن عدل.

5-

يحتج به إن أرسله صحابي.

صنف في المراسيل أبو داود، ثم أبو حاتم، ثم البرديجي، ثم الخطيب البغدادي، ثم النووي، ثم الحافظ العراقي. ومن المتأخرين الحافظ أبو سعيد العلائي، والعجمي، وابن الهادي.

ص: 31

(3)

‌ الإرسال بين اللغة والاصطلاح:

المرسل وجمعه مراسيل بإثبات الياء وحذفها أيضاً، وأصله من (رسل) التي تحمل عدة معاني حسب إشتقاقاتها اللغوية.

ا- تقول: (أرسل) : (أطلق وأهمل) 1 فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده براو معروف2، أو أهمل ذكر راوٍ من رواة الإسناد.

2-

(استرسل) : الطمأنينة إلى الإنسان والثقة فيما يحدثه3. وكأنَّ التابعي الذي قد ذكر الحديث اطمأن ووثق بصحة ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم ووثق بمن أخذ الحديث عنه، فلم

1 ابن منظور: لسان العرب. ج ا 1 ص283.

2 العلائي: جامع التحصيل في أحكام المراسيل ص 14.

3 الزييدى: تاج العروس. ج 7 ص345.

ص: 31

يذكره. قال القرافي في (شرح التنقيح) : "إنه ما سكت عنه (الراوي) إلا وقد جزم بعدالته، فسكوته كإخباره بعدالته"1.

3-

أرسل الحديث: لم يقيده2 وكأن الراوي لم يقيد روايته باتصال الإسناد فأسقط ذكر الصحابي الذي تحمله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4-

مرسال: يقال: ناقة مرسال أي سريعة السير3؛ فكأن المرسل أسرع فيه عَجِلاً فحذف بعض إسناده.

5-

أرسالاً: جاء القوم أرسالا أي قطعاً متفرقين4، قال ابن سيده: الرَّسَل بفتح الراء والسين: القطيع من كل شئ والجمع أرسال، وجاءوا رسلة أي جماعة، فكأنه تصور من هذا اللفظ الاقتطاع، فقيل للحديث الذي قطع إسناده وبقي غير متصل: مرسل، أي كل طائفة منهم لم تلق الأخرى ولا لحقتها5.

هذا ما يتعلق بهذا اللفظ من حيث اللغة، وأما من ناحية الاصطلاح فلتعريف الحديث المرسل ومعرفة حده ينبغي علينا التمييز بينه وبين المنقطع والمعضل. أما المنقطع فقد ذهب الفقهاء والخطيب وابن عبد البر وغيرهم من المحدثين أن المنقطع ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه، وأكثر ما يستعمل في رواية منْ دون التابعي عن الصحابي. وقيل: هو ما اختل منه رجل قبل التابعي محذوفاً كان أو مبهماً6. والمعضل- وهو بفتح الضاد- يقولون: (أعضله معضل) وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر7.

لقد عَرَّف الحاكم الحديث المرسل فقال: "إنّ مشايخ الحديث لم يختلفوا في أنَّ الحديث المرسل: هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي، فيقول التابعي: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-8. وهكذا عبر ابن الصلاح تبعاً للحاكم.

1 القرافي: شرح التنقيح. ص164.

2 أحمد بن فارس بن زكريا: معجم مقاييس اللغة. ج 1 ص 393.

3 الشيخ أحمد رضا: معجم متن اللغة ج اص 393.

4 السخاوى: فتح المغيث شرح ألفية الحديث للقراقى. ص128.

5 العلائي: جامع التحصيل في أحكام المراسيل. ص 14.

6 السيوطى: تدريب الراوي. ج اص 207.

7 نفس المصدر. ص 211.

8 الحاكم: معرفة علوم الحديث ص25.

ص: 32

يقتضي كلام الحاكم أن إرسال صغار التابعين ومتأخريهم يلحق بالمرسل، وإن كان ما يروون عمن أدركوه من الصحابة يسيراً، وجل رواياتهم إنما هي عن التابعين.

إنّ خلاصة أقوال المحدثين في الحديث المرسل بأنه: ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق على التابعي الكبير، واختلافهم في التابعي الصغير هل هو مرسل أو منقطع. وقد وافق المحدثين جماعة من الأئمة كابن فورك، أبي نصر بن الصباغ، أبى المظفر بن السمعاني، وكذلك القرافي.

أما مشايخ أهل الكوفة فيقول الحاكم عنهم: "بأن كل من أرسل الحديث من التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من العلماء فإنه عندهم مرسل محتج به"1. وهذا قول معظم الحنفية إلا من أطلق الإرسال على قول الراوي من الأعصار الثلاثة الأولى: قال النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في كتابه "الكفاية": "لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس بمدلس، هو راوية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه، نحو رواية سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير ومحمد بن المنكدر والحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة وغيرهم من التابعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثابته في غير التابعين نحو رواية ابن جريج عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ورواية مالك بن أنس عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ورواية حماد بن أبي سليمان عن علقمة، وكذلك رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه كرواية سفيان الثوري، وشعبة عن الزهري، وكان نحو ذلك ما لم نذكره، فالحكم في الجميع عندنا واحد2.

والمشهور في الفقه والأصول أن (المرسل قول الإمام) لما من أئمة النقل وهو من له أهلية الجرح والتعديل (الثقة قال: عليه الصلاة والسلام كَذا مقول القول (مع حذف من السند وتقييده) أي القائل أو الإمام القائل (بالتابعي أو الكبير منهم) أي كعبد الله بن عدي وقيس بن أبى حازم (إصطلاح) من المحدثين فدخل في التعريف (المنقطع) بالاصطلاح المشهور للمحدثين (والمعضل) المشهور عندهم3. وهو كقول الخطيب وبه قال الشيخ موفق الدين الحنبلي في الروضة4 والآمدي في الأحكام5 والغزالي في المستصفى6.

1 الحاكم: معرفة علوم الحديث. ص 26.

2 الخطيب البغدادي: الكفاية. ص 384.

3 ابن همام الدين: تيسير التحرير. ج 1 ص 102.

4 موفق الدين الحنبلي: الروضة. ص 64.

5 الآمدى: الإحكام في أصول الأحكام، ج2. ص112.

6 الغزالى: المَستصفي. ج ا. ص 169.

ص: 33