المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رسائل النحو واللغة - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - مقدمة ٢٠

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌ رسائل النحو واللغة

مجموع‌

‌ رسائل النحو واللغة

الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي

تحقيق

أسامة بن مُسَلَّم الحازمي

ص: 1

راجع هذا الجزء

محمد أجمل الإصلاحي

محمد عزير شمس

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله المتفرّد بالكمال، ذي الجلال والإكرام، القائل في محكم الفرقان:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]، والصلاة والسلام على سيد الأنام القائل ــ فيما رواه الشيخان ــ:"من يرد الله به خيرًا يفقِّهْهُ في الدين" صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فمما لا ريبَ فيه أن الله تبارك وتعالى قسم العلوم على الخلق كما قسم أرزاقهم، وجعل حظوظهم منهما متفاوتة، ودرجاتهم متباينة، فمنهم الغني في علمه وماله، ومنهم الفقير فيهما، ومنهم الغني في أحدهما الفقير في الآخر، وهذه سنّتُه الكونية الشرعية مذ خلق الإنسان إلى أن تنقضي الدنيا وتزول، يفتح على مَن يشاء من المتأخرين ويخصه من لدنه علمًا، كما فتح على بعض المتقدمين وخصَّهم بما شاء من العلم والفضل، والإنصاف أنَّ تقدّم الزمان وتأخره ليس برهانًا على الأفضلية حاشا القرون الثلاثة المفضلة، قال الجاحظ:"وكلامٌ كثير قد جرى على ألسنة الناس وله مضرة شديدة، وثمرة مُرَّة، فمِن أضرِّ ذلك قولهم: "لم يدع الأوَّل للآخر شيئًا" قال: فلو أنَّ علماء كل عصر مُذْ جرت هذه الكلمة في أسماعهم تركوا الاستنباط لِمَا لم يَنْتَهِ إليهم عمَّن قبلهم، لرأيتَ العلم مختلًّا. واعلم أنَّ العلم إنَّما هو معدن، فكما أنَّه لا يمنعك أنْ ترى ألوف وِقْرٍ قد أخرجت من معدن تبْرٍ أن

ص: 5

تطلب فيه، وأنْ تأخذ ما تجدُ ولو كقدْرِ تُومة

(1)

، كذلك ينبغي أن يكون رأيك في طلب العلم"

(2)

.

ومما يَحسُن إيراده ههنا الرسالة التي كتبها ابن فارس الإمام اللغوي ــ صاحب المجمل والمقاييس ــ لأبي عمرو محمد بن سعيد الكاتب حينما أنكر على أبي الحسن العجلي تأليفه كتابًا في الحماسة يضاهي به حماسة أبي تمام فقال له ــ كما في "يتيمة الدهر" للثعالبي (2/ 214) ــ: "

فماذا الإنكارُ؟ ! ولمهْ هذا الاعتراضُ؟ ! ومَنْ ذا حَظَر على المتأخِّر مضادَّة المتقدّم؟ ولِمهْ تأخذ بقول مَنْ قال: "ما ترك الأول للآخر شيئًا" وتدعُ قول الآخر: "كم ترك الأول للآخر"، وهل الدنيا إلا أزمان، ولكلِّ زمانٍ منها رجال؟ وهل العلوم بعد الأصول المحفوظة إلا خطرات الأوهام ونتائج العقول؟ ومَنْ قَصَر الآداب على زمانٍ معلوم، ووَقَفها على وقتٍ محدود؟

ولمهْ لا ينظر الآخِر مثلما نظر الأول حتى يؤلِّف مثل تأليفه، ويجمع مثل جمعه، ويرى في كلِّ مَثَلٍ رَأْيه؟

وما تقول لفقهاء زماننا إذا نزلت بهم من نوادر الأحكام نازلةٌ لم تَخطر على بال مَن كان قبلهم؟

أَوَ ما علمتَ أنَّ لكل قلب خاطرًا، ولكلّ خاطرٍ نتيجة؟ ولِمَهْ جاز أنْ يقال بعد أبي تمام مثل شعره ولم يَجُزْ أنْ يؤلَّف مثل تأليفه؟ ! ولِمَهْ حجَّرتَ

(1)

التومة: اللؤلؤة، جمعها تُوْمٌ، وتُومٌ. كما في القاموس.

(2)

نقل كلام الجاحظ الإمام عبد القاهر الجرجاني في "دلائل الإعجاز"(ص 292)، وانظر ما قاله ابن قتيبة في "الشعر والشعراء"(1/ 63).

ص: 6

واسعًا وحظرتَ مباحًا وحرَّمتَ حلالاً، وسددتَ طريقًا مسلوكًا؟

(1)

.

وهذا المجموع اللغوي أثر من آثار العلَّامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلِّمي ــ رحمه الله رحمة واسعة ــ مِن أكابر العلماء في القرن الرابع عشر، قد بلغ من العلم أطْورَيْه

(2)

، وإنَّه لذو بَزْلاء

(3)

، وإنَّه لنِقابٌ

(4)

، وإنَّه لشرَّاب بأَنْقُع

(5)

، وإنَّه ليصدق عليه قول أكثم بن صيفي:"الأمور تَشَابَهُ مُقْبلةً، ولا يعرفها إلا ذو الرأي، فإذا أدبرت عرفها الجاهل كما يعرفها العاقل".

والشيخ المعلِّمي قد اهتم بفن العربية في بواكير طلبه العلم وأحبها حبًّا خالط لحمه ودمه؛ إذ كان يؤلف وينسخ في النحو وهو دون العشرين كما في رسالة الحقائق الآتية حيث انتهى منها عام (1332 هـ)، واللطيفة البكرية قد انتهى منها ناسخها عام (1337 هـ)، ونسخ شرح التحفة الوردية لابن الوردي ــ وهي منظومة في النحو معروفة شرحها ابن الوردي نفسه ــ نسخها عام (1334 هـ)؛ إذْ قال في خاتمتها

(6)

: "تمت كتابته في النصف الثاني من السدس الأول من النصف الثاني من الثلث الثاني من الخمس الخامس من النصف الأول من الربع الأول من الثلث الأول من عام يا سلام بحسن

(1)

انظر بقية الرسالة في "اليتيمة"(2/ 214).

(2)

بكسر الراء وفتحها: أي أقصاه.

(3)

البزلاء: الرأي الجيد الصواب المحكم.

(4)

النقاب ــ بالتخفيف ــ: الرجل الفطن الذكي الفهم.

(5)

يضرب لمن جرَّب الأمور.

(6)

كما في الكشكول الآتي وصفه، وهي موجودة فيه (ص 58 ــ 110).

ص: 7

الختام (1334 هـ)، ثم ذكر أنه كاتبها لنفسه وأنه راجي رحمة ربه إذا حلَّ رمسه

وذكر دعاءً طويلاً فيه ابتهال.

ونسخ الزنجانية في الصرف هو وأخوه محمد في سنة (1330 هـ)

(1)

.

فالعربية من أول العلوم التي تلقَّاها بعد كتاب الله، فتدرج فيها حتى بلغ قاموس هذا الفن وقعره وأضحى من كبار علماء العربية في القرن الماضي، وإن كان جلُّ الناس عرف الشيخ محدِّثًا عالمًا بفن العلل والرجال إلا أن عِلْم الشيخ في العربية يضاهي علمه بالحديث ورجاله، قال العلَّامة العمودي ــ عندما ترجم له في بعض مجاميعه المخطوطة ــ:"لازَمَ المدارس العلمية والرشدية، وحاز العلم، وعلوم العربية، وتوحَّد في علم الإنشاء واللغة"

(2)

.

ولئن كان المعلمي ــ رحمه الله ــ من متأخري علماء العربية فلم يكبّلْه زمانه، ولم يقفْ ذهنه عند بعض القضايا النحوية والمسائل اللغوية التي استقرت رَدَحًا من الدهر في كتب الفنّ، بل غدا يناقش مسائل كان يستشكلها فيُبْدي رأيه فيها بمقتضى الصناعة النحوية واللغوية، وتارة يذهب إلى قولٍ لم يُسبَق إليه، وهذا تجده واضحًا في رسالة الطرائف، وفي تصريف (ذو)، وفي الرسالة السابعة وهو إشكال صرفي، وفي الخاطرة التي في قول الشاعر:"ولكنني من حبها لعميد"، وفي مسألة المعارف، فهو ــ رحمه الله ــ قد أخذ بقول القائل:"كم ترك الأول للآخر".

(1)

انظر: الكشكول (ص 189 ــ 203).

(2)

نقله د/عبد الله أبو داهش كما في مجلة عالم الكتب ع (2) سنة (1411 هـ) شوال (ص 185).

ص: 8

وسوف أتعرض هنا لبعض جهود الشيخ المعلِّمي رحمه الله في علوم العربية، وذلك بثلاثة أمور:

الأول: مؤلفاته.

الثاني: تحقيقاته لكتب العربية.

الثالث: نماذج من كلامه في المسائل اللغوية مع ذكر بعض ترجيحاته.

أولاً: مؤلفاته:

1 -

اللطيفة البكرية والنتيجة الفكرية في المهمات النحوية.

2 -

طرائف في العربية.

3 -

الحقائق النحوية.

4 -

مختصر شرح ابن جماعة على القواعد الصغرى لابن هشام.

5 -

نظم قواعد الإعراب الصغرى.

6 -

تلخيص الثمرات الجنية في الأسئلة النحوية للشيخ محمد جمال بن محمد الأمير المالكي (غير كامل).

7 -

تعليقات على متن الأجرومية (غير كامل).

8 -

اختصار كتاب درة الغواص للحريري.

9 -

مختصر متن الكافي في العروض والقوافي.

10 -

مقالات متنوعة في النحو واللغة وبعض الإعرابات والمسائل المشكلة، وأنظام لغوية.

ص: 9

ثانيًا: تحقيقاته لكتب اللغة العربية:

عمل المعلِّمي على تصحيح الكتب عندما كان ضمْنَ الفريق العامل في مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن ــ في الهند ــ قرابة خمسة وعشرين عامًا عاكفًا على التصحيح والتحقيق والتنقيح، فكان في بعضها مشاركًا لبعض العلماء في تصحيح كتاب ما، وكان في بعضها منفردًا، ولنقتصر هنا على ذكر الكتب اللغوية:

1 ــ الأمالي الشجرية، لأبي السعادات ابن الشجري.

طُبع بالهند في دائرة المعارف سنة (1349 هـ) ويقع في جزئين بتصحيح وتعليق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني، والسيد زين العابدين الموسوي.

2 ــ كتاب المعاني الكبير، لابن قتيبة الدينوري.

وقد صحح الكتاب أولاً العلَّامة المستشرق سالم كرنكو، وبعث بالنسخة إلى دائرة المعارف بعد أن شرح لهم ما قاساه من سقم الأصل وأنه مع ما عاناه وبذله من المجهود العظيم في تصحيح النسخة لا يثق بأنه لم يبق في النسخة شيء من الغلط، فأحيلت النسخة إلى المعلِّمي فتصفح الكتاب واستدرك بعض ما بقي، وطبع الكتاب في دائرة المعارف سنة (1368 هـ) في ثلاثة أجزاء، وقدَّم له المعلِّمي بمقدمة بلغت ثلاثًا وثلاثين صفحة

(1)

تحدَّث فيها عن مكانة الشعر القديم، وتدوينه، وتعريف أبيات المعاني، والمؤلفين في هذا الفن، ثم التعريف بابن قتيبة، ومكانته في معرفة الشعر

(1)

انظرها في "مقدمات الشيخ"(ص 203 - 242) ضمن هذه الموسوعة.

ص: 10

وكيف يختار الشعر، وكم أقسامه، ثم مكانته ــ أي ابن قتيبة ــ في علوم الأدب وغيرها، ثم ذكر من غضَّ من ابن قتيبة ودافَعَ عنه، ثم ذكر حياته وكيف كانت تتصف، ثم تراثه العلمي ومؤلفاته وأحال فيها على بعض الكتب، ثم تحدث عن كتاب المعاني الكبير ووصفه وأثبت أن لابن قتيبة كتابًا واحدًا في أبيات المعاني وهو هذا الكتاب، ثم ذكر عدة مزايا لكتاب المعاني الكبير، ثم شرح حال النسخة الخطية لهذا الكتاب، وعمل الدائرة، وتحدَّث عن التعليقات الموجودة في المطبوع، ثم أبدى شكره للمستشرق سالم كرنكو، وناشد ورجا أهل العلم والفضل فيما إذا عثر أحدهم على بقية هذا الكتاب المفقود أن يبادر بإخبار الدائرة، وأنهم إذا وقفوا على أخطاء في المطبوع أن يتكرموا بإطلاعهم ليتدارك ذلك في الطبعة الثانية، ثم أثنى على جهود دائرة المعارف العثمانية ودعا لهم.

ومن قرأ هذه المقدمة عرف علو كعب المعلِّمي في فهم اللغة، وصنعة الشِعر وأحوال العرب.

3 ــ كتاب الأمالي، لأبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي:

طُبع الكتاب بدائرة المعارف سنة (1369 هـ) بتصحيح الحبيب عبد الله بن أحمد بن العلوي الحسيني الحضرمي وساعده الشيخ عبد الرحمن المعلِّمي ــ كما قال الحبيب العلوي ــ: "فشرعنا في طبعه بمساعدة العلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني مصحح دائرة المعارف"، ويقع الكتاب في مجلد لطيف.

4 ــ إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم، للإمام أبي عبد الله الحسين بن أحمد المعروف بابن خالويه، طُبع بدائرة المعارف العثمانية،

ص: 11

وجاء في خاتمة الطبع:

ملاحظات شعبة التصحيح لدائرة المعارف:

"لا ريب أن الدكتور سالم الكرنكوي قد بذل جهده في استنساخ هذا الكتاب ومقابلته على النسختين المذكورتين والضبط والتصحيح على الألفاظ واللغات، فرتَّبه وعلق عليه الهوامش بأجمل أسلوب وإن حصلت له صعوبة شديدة في القراءة والمقابلة والمراجعة، لكنَّه استوفى العمل.

ثم استقصى النظر في هذا الكتاب حضرة الفاضل الأديب الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني، أحد رفقاء الجمعية، ونبَّه في الحواشي على بعض الخطأ من جهة النسخ بعلامة (ع. ي) فشكر الله سعيهما" اهـ.

5 ــ كتاب الاقتراح في علم أصول النحو، للإمام السيوطي، أفاد المحققان الدكتور أحمد سليم الحمصي، والدكتور محمد أحمد قاسم أن الكتاب طبع طبعته الثانية عام (1359 هـ) بتصحيح كلٍّ من عبد الرحمن بن يحيى اليماني والشيخ الفاضل سعيد بن عبد الله العمودي، والشيخ الفاضل أحمد بن محمد اليمني

(1)

. اهـ.

ثالثًا: نماذج من كلامه في المسائل اللغوية، مع ذكر بعض ترجيحاته:

كان المعلِّمي رحمه الله تعالى يميز تعليقاته من تعليقات غيره بحرف (ع) عندما يختتمها أو بحرف (ي) أو يجمع بينهما، وكان يرمز بحرف (ح) كثيرًا، وقد اخترنا نماذج من هذه التعليقات ممَّا يوضح دقة الشيخ في اللغة

(1)

انظر مقدمة التحقيق (ص 14) من ط جروس برس تصوير مكتبة الفيصلية، وقد التبس على المحققين مكان طبع الكتاب طبعته الأولى وطبعته الثانية.

ص: 12

وبعض ترجيحاته، وذلك من حواشيه على كتاب "المعاني الكبير" لابن قتيبة

(1)

:

- جاء في (ص 4) هامش رقم (2) عند بيت المرَّار العدوي يصف فرسًا، وذكر كلمة (جبب) فعلَّق المستشرق كرنكو: أن بهامش الأصل تصويبًا من قبل رجل اسمه (محمود) جعل كلمة (الجبب) بالتحريك ثم خطأه كرنكو وخطأ ابن قتيبة أيضًا.

فقال المعلِّمي معقبًا: "أقول: في اللسان وغيره كأدب الكاتب للمؤلف (ص 103) في تفسير الجُبة ــ بضم الجيم ــ أن جبة الفرس هي: موصل الوظيف في الذراع، وقيل غير ذلك مما يقاربه، ونقلوا عن الليث: "الجبة: بياض يطأ فيه الدابة بحافره" فعلى قول الجمهور: الجبة ذاك الموضع وعليه فلا يصح أن يمدح الفرس بأنه ذو جُبب ــ بضم الجيم ــ لأن كل فرس كذلك فلا مدح فيه، وأمَّا على قول الليث فالجبة بياض ذاك الموضع، فيصح أن يمدح الفرس بذلك، وأمَّا الجَبَبُ بفتح الجيم فهو اسمٌ للبياض في ذاك الموضع من القوائم اتفاقًا فكلام (محمود) هنا جيّد" اهـ.

- وفي (ص 9) هامش (3) عند قول لبيد: (على الإطراب) قال كرنكو: كذا ورد في الأصل ــ أي بالإهمال ــ ورواية ديوانه (على الأظراب) وكذا في كتب اللغة في مادة (ظ ر ب) اهـ.

قال المعلِّمي: "اختلف اللغويون في تفسير الأظراب في هذا البيت وأقرب الأقوال أنه جمع ظرب وهو الأكمة، ويحتمل أن يكون رواه بعضُهم

(1)

وسنذكر باقي هذه الفوائد في ملحق في آخر هذا المجموع اللغوي.

ص: 13

بكسر الهمزة على أنه مصدر لأظرب أي: أتى الظرب لكن لم يذكروا أنَّ الظرب تجمع على إظراب ولا أنه يقال: أظرب بمعنى أتى الظرب وهذا ممَّا يقوي ما وقع في الأصل وتفسير المؤلف ظاهره يوافق ما في الأصل ويمكن خلافه والله أعلم" اهـ.

- وفي (ص 18) حاشية رقم (5) عند قول ابن قتيبة: "يقال رهيقى: إذا كان يتقدم الخيل".

قال المعلِّمي: "كذا ولم أجده في المعاجم، إنما فيها قولهم في الصفة: "رَهِق" بفتح فكسر، وقولهم: "يعدو الرَّهَقَى? " بفتحات، وقولهم: "ناقة رهوق" بفتح فضم" اهـ.

- وجاء في (ص 19) هامش رقم (1) عند قول ابن قتيبة:

وقال آخر:

غشمشم يغشى الشجرْ

ببطنه يعدو الذكرْ

قال المعلِّمي: "في باب الغين من جمهرة الأمثال للعسكري، ومن مجمع الأمثال للميداني: "غشمشم يغشى الشجر" على أنه مَثَل، وقال الميداني: "الغشمشم: الجمل"، وذكرا في باب الباء: (ببطنه يعدو الذكر)، ولم أر مَنْ جمع بينهما على أنه شعر" اهـ.

- وفي (ص 40) هامش (4) قال كرنكو: في النقل: "عرهوج" آخره: جيم، وعلَّق عليه:"لم أجد هذه الكلمة في معاجم اللغة" اهـ.

قال المعلِّمي: "وإنما هو: "عرهوم" بالميم، والقصيدة ميمية، وعرهوم موجود في المعاجم" اهـ.

ص: 14

- وفي (ص 54) هامش (6) عند قول ابن قتيبة: "يقال: شائع وشاع مثل هائر وهار".

قال المعلِّمي: "هذا يوهم أن قولهم: "شاع" بضم العين "وهار" بضم الراء مقلوبان من "شائع" و"هائر" وهو خطأٌ حتمًا إنَّما القلب تحويل الحرف إلى غير محلّه ثم يكون لكل حرف حكم موقعه الجديد، وفي بيت الأجدع: "فهن شواعي" والتحقيق في "شاع" بضم العين "وهار" بضم الراء أنهما صفتان على وزن "فرح" بفتح فكسر، فقلب حرف العلة ألفًا لتحرّكه وانفتاح ما قبله. وراجع اللسان (هـ ور) و (روح) و (ص ون)، وقد زعم بعضهم: أن الأصل "شائع"، و"هائر" كما قيل في "حاجة" أن أصلها "حائجة" وهذا النظير مختلف فيه، ومَن أثبته يعدّه شاذًا، والأصل عدم الحذف، والله أعلم" اهـ. وهذه دراية بالصرف عالية، فلله درّه!

- وفي (ص 113) هامش (4) عند قول ابن قتيبة: وقال الراجز

إلخ.

قال المعلِّمي: "هكذا شكل في النقل وهو المعروف لكن يكون من الرَّمل، والمؤلف يقول: "قال الراجز" فإما أن يكون سقط شيء أو يكون بتنوين (حشرة) من باب: رجل حسنٌ الوجه بتنوين (حسن) ورفع الوجه، أو نصبه، أو يكون بكسر الشين وهي لغة لهذيل كما يؤخذ من اللسان" اهـ.

- وفي (ص 121) حاشية (1): قال المعلِّمي: "في النقل هنا وفي الموضع الآتي بعدُ "نبأة" بسكون الباء بعدها همزة مفتوحة ويأتي فيما بعد تفسيره بقوله "مشرفة" وفي اللسان وغيره: "النبأة: النشز" لكن الشعر فيما يظهر من الرجز هو لأبي النجم، وأبو النجم معروف بالرجز فيظهر أن الكلمة

ص: 15

(نباة) بفتح الباء بعدها ألف، وأصله "نبأة" بسكون الباء تليها همزة إلا أنه خفف كما تخفف "مرأة وكمأة" وإن قال سيبويه:"هو قليل""اهـ.

- وفي (ص 217) هامش (1) عند قول الشاعر:

فذاحت بالوتائر ثم بدَّتْ يديها عند جانبه تهيلُ

قال في (جانبه): "في النقل: "جانية" وبهامشه: "ورواية الديوان ــ عند جانبها ــ ولعله الصواب" أقول: وعلى رواية: "جانبها" يكون الضمير للجثة والجيفة المفهوم من قوله: "حمار

قتيل" والذي في اللسان (ذاح): "جانبه" وهو الموافق لصورة الكلمة في الأصل ويوضحه قول المؤلف في التفسير: "عند جانب القبر" والقبر مفهوم من قول الشاعر: (قتيل) وإنما لم يقل المؤلف: "عند جانب الحمار أو القتيل" لمكان قول الشاعر: "تهيل" فتدبّر. اهـ.

- وفي (ص 236) هامش (2) عند قول الشاعر:

* كعين الكلب في هبًّى قباع *

قال المعلِّمي: "في النقل "هبى" بفتحة واحدة على الباء المشددة وكتب في الهامش: "في لسان العرب (2/ 278) قال ابن سيده: كذا وقع في نوادر ثعلب قال والصحيح: (هبًّى) بالتنوين قباع ــ من الهبوة ــ وفي اللسان (20/ 226) قال ابن قتيبة في تفسيره

" فذكر عبارة اللسان وهي ملخصة من عبارة المؤلف، وعبارة المؤلف صريحة أنَّ "هبى" عنده بالتنوين لأنه عنده من (هـ ب و) جمع هابٍ مثل (غزى) جمع غازٍ فالألف لام الكلمة انقلبت عن حرف العلة، وإنَّما يمتنع التنوين إذا كان من (هـ ب ب) فتكون الألف زائدة للتأنيث" اهـ.

ص: 16

وأما ترجيحاته فننقل بعضًا منها خشية الإطالة، فمن ذلك:

قوله في مسألة الاحتجاج بالأحاديث النبوية في المسائل النحوية حيث يقول في الأنوار الكاشفة (ص 249) في معرض ردّه على أبي ريَّة قال: "ثم ذكر ــ أي أبو ريَّة ــ ص (254) كلام النحاة في الاستدلال بالأحاديث، وهذا لا يهمنا، مع أنَّ الحقّ أنَّ ابن مالك توسع، وأنه كما مرَّ ص (60) يمكن بالنظر في روايات الأحاديث وأحوال رواتها أن يعرف في طائفة منها أنها بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم أو بلفظ الصحابي أو بلفظ التابعي ــ وهو ممن يحتجّ به في العربية ــ لكن تحقيق ذلك يصعب على غير أهله، فلذلك أعرض قدماء النحاة عن الاحتجاج بالحديث ووجدوا في المتيسر لهم من القرآن وكلام العرب ما يكفي" اهـ.

- وفي كتاب المعاني الكبير (1/ 25) عند قول المرَّار العدوي:

يَصْرعُ العَيْرينِ في نَقْعَيهما

أحوذيٌّ حين يَهْوِي مُسْتمرْ

قال: "في بعض نسخ المفضليات (نقعهما) وليس بجيد إذ المعنى أنه يصرع أحدهما ثم يلحق الآخر فيصرعه فالجيّد أن يكون ما بينهما متباعدًا ليكون ذلك أدل على قوة الفرس، وإذا كان ما بينهما متباعدًا كان لكل منهما نقع على حدة" اهـ.

- وفي (1/ 74) في قول الفرزدق:

ووفراء لم تخرز بسير وكيعة

ص: 17

قال: "في النقل واللسان (وك ع): "تحرز"، وفي التاج (وف ر)

(1)

: "تخرز" وهو الصواب.

- وفي (1/ 274) عند قول ابن هرمة:

زجرت لها طيرًا فيزجر صاحبي

وأقول هذا زائد لم يحمد

قال: "كذا ويأتي مثله في النصف الثاني إلا أنه زاد في الأصل فشكل "يحمد" ــ بضمٍّ ففتح ثم فتح بتشديد ــ كأنه محاولة لإقامة الوزن، والصواب ــ إن شاء الله تعالى ــ: "رائد لم يحمد" الرائد الذي يبعثه القوم يرتاد لهم موضعًا للنجعة و"يحمد" بضم فسكون فكسر، وقد فسَّره المؤلف هنا بقوله: "لم يأت موضعًا محمودًا"، وفسَّره في النصف الثاني بقوله: "لم يأت ما يحمد عليه"، وفي اللسان (ح م د): "أحمد الأرض: صادفها حميدة

وأحمد الرجل فعل ما يحمد عليه" فصواب إنشاد البيت هكذا:

وجرت لها طير فيزجر صاحبي

وأقول هذا رائد لم يحمد" اهـ

(1)

هكذا في المطبوع ولم أجده في مادة (وف ر) وإنَّما وجدته في (وك ع).

ص: 18

* محتوى المجموع

يحوي هذا المجموع اثنتي عشرة رسالة موزَّعةً على ثلاثة أقسام، نذكرها بالإجمال ثم نفصِّلها

(1)

:

القسم الأول: الرسائل النحوية والصرفية، وفيه:

1 -

اللطيفة البكرية والنتيجة الفكرية في المهمات النحوية.

2 -

حقائق في النحو مستقربة.

3 -

مختصر شرح ابن جماعة على القواعد الصغرى لابن هشام الأنصاري.

4 -

نظم قواعد الإعراب الصغرى.

5 -

طرائف في العربية.

6 -

الكلام على تصريف (ذو).

7 -

إشكال صرفي وجوابه.

8 -

ضَبْطُ فِعْلين في مَتْن الأزهار، وانتقاض واعتراض.

- فائدتان (خاطرةٌ ــ ومسألةٌ في المعارف).

القسم الثاني: الرسائل اللغوية والأدبية، وفيه:

9 -

اختصار كتاب "درة الغواص في أوهام الخواص" للحريري.

10 -

فوائد لغوية منتقاة من كتاب "الكنز المدفون والفلك المشحون".

(1)

هذه الرسائل تنشر لأول مرة، ولم يسبق أنْ طُبِعَ منها شيءٌ سِوى رسالتيْ: اللطيفة البكرية، والمناظرة الأدبية.

ص: 19

11 -

مناظرة أدبية بين المعلِّمي وبين الشاعر الأديب محمد بن علي السنوسي.

- شرح بيت ومعناه.

- أنظام لغوية.

القسم الثالث: الرسائل العروضية، وفيه:

12 -

مختصر متن الكافي في العروض والقوافي.

- نظم بحور العروض.

تنبيه: كانت هناك بعض الرسائل النحوية للمعلمي لم تكتمل كشرحه على متن الآجرومية، وتلخيصه للثمرات الجنية في الأسئلة النحوية للمالكي، ولعله أكملها لكن الموجود ضمن رسائله المخطوطة ناقص

(1)

.

ولنبدأ بالتعريف بها رسالةً رسالةً على حسب ترتيبها في الأقسام الثلاثة من هذا المجموع.

القسم الأول: (الرسائل النحوية والصرفية):

الرسالة الأولى: اللطيفة البكرية

(2)

:

- العنوان:

"اللطيفة البكرية والنتيجة الفكرية في المهمات النحوية"، هكذا أسماها الشيخ المعلِّمي رحمه الله تعالى، كما وجد على صفحة العنوان.

(1)

والنقص في هذين الكتابين كثير، فهما غير صالحين للنشر.

(2)

تمَّ نشرها للمرة الأولى بتحقيقي ووضع شرح يسير عليها عن دار عالم الفوائد عام (1421?)، وقد حذفت ههنا كثيرًا من التعليقات.

ص: 20

- سبب التأليف:

بين الشيخ رحمه الله أن الباعث على تأليف هذه الرسالة هو سؤال ورد عليه من بعض الناس، يطلب منه التحدث عن الاسم المبني، والاسم الممنوع من الصرف.

قال الشيخ رحمه الله: "جعلتُها جوابًا لمن سألني التكلّم على المبني والممنوع فرأيت إطلاق عنان اليراع في سائر الأبواب، إيماءً وتلويحًا أتم للفائدة".اهـ.

وهذه العبارة موجودة على حاشية قد ضرب المؤلف عليها بالقلم.

- زمن التأليف:

يبدو أن الشيخ رحمه الله قد ألَّف هذه الرسالة وعُمُره بضعٌ وعشرون سنة، ذلك لأن ناسخ الرسالة قد انتهى منها سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة، والشيخ قد ولد سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، والعنوان قد يرمز إلى هذا، حيث إن معنى "البِكر" ــ بكسر الباء ــ هو أول كل شيء، وكل فعلةٍ لم يتقدمها مثلها. قاله صاحب القاموس.

فالرسالة ــ والله أعلم ــ من بواكر مؤلفات الشيخ رحمه الله.

- مصادر المؤلف:

وجد على الورقة الأولى مِنَ الرسالة إعلانٌ للشيخ رحمه الله، يذكر فيه المصادر التي جمع منها هذه اللطيفة، وننقله كما هو.

قال رحمه الله: "إعلان: كل ما حررته فمستفادٌ من "الهمع" للسيوطي، و"شرح الكافية" للرضي، وحاشيتي الصبان، والخضري على شرحي الألفية،

ص: 21

ورسالة للسيد أحمد دحلان في المبنيات، أفاض الله على الجميع غيوث كرمه، وغمرهم بِحُلَلِ نعمه، فمن توهم خللاً فليتثبت، ويطالع الكتب المذكورة وغيرها، فإن وجد التصريح بما قلنا، أو الإيماء إليه، وإلا فلينظر مُنْصِفًا لا مُتَعسِّفًا، فلعله يجد ــ إن شاء الله تعالى ــ لذلك وجهًا، وإلا نقل ما يخالفه، والإجماع أو الأصحية على بطلانه، عالمًا أن الفكر قد يسهو، واليراع قد يطغو، وصلى الله على رسوله محمد، وإخوانه من النبيين والملائكة المخصوصين بالعصمة عن كل عيب ووصمة، وعلى آله وذوي قرابته وأنصاره وصحابته، والحمد لله رب العالمين" اهـ.

وقوله هنا: "ويطالع الكتب المذكورة وغيرها

" إلخ، يفهم منه أن المصادر الأساسية لهذه الرسالة هي ما ذكره في الإعلان السابق، وأن الشيخ قد أخذ من مصادر أخرى لم يصرح بها.

فمن أمثلة ذلك: أنه لما عدد المنصوبات على منوال ما ذكره السيوطي في "الهمع" لم يُعرِّف المفعول لأجله، والمفعول المطلق بتعريف السيوطي، بل ذكر حد ابن آجروم في مقدمته المشهورة، وسمى المفعول المطلق مصدرًا.

ومن ذلك أيضًا: أن الشيخ رحمه الله عقد خاتمة في آخر الكتاب، أورد فيها مسائل من كتاب "مغني اللبيب" لابن هشام، أو "قواعد الإعراب" لابن هشام أيضًا. والله أعلم.

- وصف المخطوط:

كان اعتمادي في تحقيق هذه الرسالة على مخطوط محفوظ ضمن

ص: 22

مؤلفات الشيخ ورسائله المودعة بمكتبة الحرم المكي الشريف، تحت الرقم العام (4703)، وتقع في ثمان ورقات، كل صفحة منها تحتوي على واحدٍ وعشرين سطرًا، وبعض الصفحات دون ذلك، وكان تاريخ نسخها عام (1337 هـ)، والناسخ لها هو: أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن يحيى بن عبد الكريم الضمدي، بعناية جامعها الشيخ عبد الرحمن المعلِّمي، رحمه الله رحمة واسعة.

والمخطوط مكتوب بخط الضمدي، والذي يظهر ــ والله أعلم ــ أن الرسالة نسخت أولًا بخط الناسخ المذكور، ثم حررها الشيخ بقلمه مرة أخرى، وأضاف عليها، وأنقص منها، فعادت مسوّدة كما بدأت.

* * * *

الرسالة الثانية: حقائق في النحو مستقربة:

إن معرفة اصطلاحات وحدود كل فنّ مطلب ضروري لكل دارس، إذْ بها يستطيع المرء أن يضبط الفن الذي يحاول دراسته ومعرفته، قال أبو العباس ابن تيمية عند كلامه على مسألة الحد

(1)

: "

وهذا الحد هم متفقون على أنه من الحدود اللفظية، مع أن هذا هو الذي يحتاج إليه في إقراء العلوم المصنّفة بل في قراءة جميع الكتب، بل في جميع أنواع المخاطبات، فإن مَن قرأ كتب النحو والطب أو غيرهما لابدَّ أن يعرف مراد أصحابها بتلك الأسماء، وتعرف مرادهم بالكلام المؤلَّف، وكذلك من قرأ كتب الفقه

(1)

انظر: الرد على المنطقيين (ص 49 ــ 51) تحقيق عبد الصمد شرف الدين ط الهند 1368 هـ.

ص: 23

والكلام والفلسفة وغير ذلك، وهذه الحدود معرفتها من الدين في كل لفظ هو في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قد تكون معرفتها فرض عين، وقد تكون فرض كفاية؛ ولهذا ذمَّ الله تعالى مَنْ لم يعرف هذه الحدود بقوله تعالى:{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: 97] والذي أنزله على رسوله فيه ما قد يكون الاسم غريبًا بالنسبة على المستمع كلفظ "ضيزى" و"قسورة" و"عسعس" وأمثال ذلك.

وقد يكون مشهورًا لكن لا يعلم حدّه، بل يعلم معناه على سبيل الإجمال كاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج، فإن هذه ــ وإن كان جمهور المخاطبين يعلمون معناها على سبيل الإجمال، فلا يعلمون مسماها على سبيل التحديد الجامع المانع إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي التي يقال لها الأسماء الشرعية

(ثم ذكر أمثلة على ذلك ثم قال): "وبالجملة فالحاجة إلى معرفة الحدود ماسة لكل أُمّة، وفي كل لغة، فإن معرفتها من ضرورة التخاطب الذي هو النطق الذي لابدَّ منه لبني آدم

" انتهى بتصرف.

ولهذا اجتهد العلماء قديمًا وحديثًا في وضع تعريفات لمصطلحات كل فنّ.

وفي مجال النحو العربي تعددت المؤلفات التي تُعنى بالحدود والتعريفات

(1)

.

وممَّن أسهم في التأليف في هذا النوع الشيخ المعلِّمي رحمه الله، فله

(1)

للاستزادة ومعرفة هذه المؤلفات راجع مقدمة د/ سليمان العايد لتحقيق كتاب الحدود للفاكهي (ص 123 ــ 129).

ص: 24

هذه الرسالة التي أسماها: "حقائق في النحو مستقربة"، وهي على طريقة السؤال والجواب ــ وهذه الطريقة تعليميَّةٌ نافعة ــ

(1)

وقد استصفى المعلِّمي مسائلها من كتب الفنّ المعتبرة فجاءت محكمة النظام، بديعة الأسلوب، قوية السبك.

- العنوان:

كما تقدم أن المعلِّمي سمَّى رسالته (حقائق في النحو مستقربة)، وقد وضع العنوان هكذا:"هذه حقائق في النحو مستقربة يحسن حفظها"، وكتب هذه العبارة مرتين على وجه الصفحة الأولى من الرسالة أحدهما بخط واضح مشكول، وفيه شيء من الزخرفة التقليدية، والآخر كُتب بخط رديء وغير واضح أيضًا.

والحقائق جمع حقيقة، والحقيقة في اللغة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه

(2)

.

منهج المؤلف في الحقائق:

أورد المؤلف ثلاثًا وستين ومائة حقيقة مسوقةً بطريق السؤال والجواب، واضعًا السؤال بين قوسين، متبعًا في ترتيب المسائل والحدود طريقة غالب متأخري النحاة، ويكاد الناظر يجزم بأنه اتبع منهج ابن الحاجب في كافيته

(1)

وقد استخدمت منذ القِدم كما جاء في حديث جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم في سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة.

(2)

لسان العرب (10/ 52). وانظر في تعريف الحقيقة بتوسع: تعريفات الجرجاني (ص 40)، والكليات للكفوي (2/ 187).

ص: 25

المشهورة ــ ولا غرو فإنَّ متن الكافية وشروحه كان المتداول والمعول عليه في قطر اليمن عامة في فترة حياة المعلِّمي وما قبلها ــ والدليل على أنه نهج نَهْجَ الكافية كثرة اعتماده عليها في الحدود والتعاريف

(1)

.

وممَّا تميّز به أنه متحرر لا يتقيد بمذهب أو قول، فتراه على سبيل المثال في المنصوبات يقول:"والأصح أنها سبعة عشر" وفي الفعل الماضي يرى أنه يضم للمجانسة إذا اتصل به واو الجماعة وغير ذلك من المسائل.

مصادر المؤلف:

لم يحدد المؤلف مصادره ولم يشر إليها، فاجتهدتُ في التعرف عليها، وتوصلت إلى مظانِّها بعد جهد، ومن المسائل ما لم أقف عليها في مصدر إلا ما ذكره ههنا كتعريفه للظرف بنوعيه المكاني والزماني غير المبهم، والأكوان المقدرة الثمانية في متعلق الجار والمجرور والظرف. ونَقْلُ المؤلف من المصادر كان تارة بالنص الحرفي، وتارة بتصرف يسير. وقد رتبت المصادر بحسب كثرة اقتباس المؤلف منها:

أـ كافية ابن الحاجب

(2)

:

1 -

تعريف الكلمة (ص 59).

2 -

المعرفة والنكرة (ص 165، 166).

3 -

المعارف (ص 165) إلا أنه أسقط النداء منها تبعًا لبعض النحاة.

4 -

تعريف الضمير (ص 143) وتقسيمه إلى متصل ومنفصل.

(1)

كما تجده في المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في هذه الرسالة.

(2)

العزو على ط مكتبة دار الوفاء الأولى (1407 هـ) تحقيق طارق نجم.

ص: 26

5 -

الموصول (ص 152).

6 -

المعرب والمبني (ص 60).

7 -

الظواهر من المعربات (ص 61).

8 -

علل الاسم الممنوع من الصرف مأخوذة من الكافية (ص 62)، وهي عبارة عن بيتين من الشعر نظم فيها العلل التسع.

9 -

تعريف المرفوع (ص 68).

10 -

تعريف المبتدأ (ص 74).

11 -

مواضع وجوب تقديم المبتدأ على الخبر (ص 77).

12 -

تعريف الخبر (ص 74) بزيادة قيد الفائدة.

13 -

مواضع وجوب تقديم الخبر على المبتدأ (ص 78).

14 -

ذكر للفاعل تعريفين الأول: مأخوذ من الكافية بحذف كلمة (قدم عليه) كما في (ص 68).

15 -

مواضع وجوب تقديم الفاعل من الكافية (ص 68) وزاد عليها موضعًا كما نبهت عليه في التعليق.

16 -

تعريف نائب الفاعل (ص 72).

17 -

خبر (إنَّ) واسم (ما) و (لا) المشبهتين بـ (ليس)(ص 81 و 83).

18 -

التوابع من الكافية (ص 128).

19 -

المفعول به (ص 87).

20 -

مواضع وجوب تقديم المفعول (ص 69)، ثلاثة منها فقط.

ص: 27

21 -

المفعول فيه (ص 100).

22 -

المفعول معه (ص 102).

23 -

المفعول لأجله (ص 101).

24 -

التعريف الأول للمفعول المطلق (ص 84).

25 -

الحال (ص 103).

26 -

التمييز (ص 107).

27 -

المنادى (ص 89).

28 -

عطف النسق (ص 132).

29 -

التأكيد (ص 135).

30 -

البدل وأقسامه (ص 137).

31 -

تعريف المجرور (ص 121).

32 -

الفعل المضارع (ص 190).

33 -

نوعا المثنى (ص 60) و (142).

34 -

الفعل الماضي (ص 189).

35 -

الأمر (ص 201).

36 -

حكم مبني الشبه وألقابه (ص 142).

37 -

تعريف أسماء الأفعال والأصوات والمركبات (ص 156) و (157) و (158).

ص: 28

ب ــ شروح الفاكهي على القطر والملحة والمتمِّمة:

1 -

تعريف الاسم والفعل والحرف من شرحه على المتممة (ص 4).

2 -

تعريف الإضافة من شرحه على الملحة (ص 19).

3 -

جمع التكسير من شرحه على الملحة (ص 17).

4 -

تعريف الفاعل من شرحه على الملحة (ص 23).

5 -

التعريف الثاني للمفعول المطلق من شرحه على الملحة (ص 27).

6 -

المنادى من شرح الفاكهي على الملحة (ص 41).

7 -

تعريف المشبه بالمضاف من شرحه على الملحة (ص 42).

8 -

الاستثناء والمستثنى من شرحه على الملحة (ص 33).

9 -

الإغراء من شرحه على الملحة (ص 37)، وأمثلته من نظم الملحة للحريري.

10 -

التعجب من شرحه على الملحة (ص 36).

11 -

عطف البيان من شرحه على الملحة (ص 48).

12 -

النعت من شرحه على الملحة (ص 49).

13 -

العلة في شبه المضارع بالاسم من شرحه على القطر (1/ 72).

ج ــ فرائد النحو الوسيمة شرح الدرة اليتيمة للشيخ علي بن حسين المالكي المكي.

1 -

تعريف الاسم والفعل والحرف (ص 4).

2 -

تقسيم المجرور (ص 89).

ص: 29

3 -

معنى اعتوار المعاني خاصةً مأخوذة بأمثلتها من الشرح (ص 20).

د ــ أوضح المسالك وشرحه التصريح:

1 -

ما يجب استتار الضمير فيه من التصريح (1/ 100).

2 -

جمع التكسير من التصريح (2/ 299).

3 -

التعريف الثاني للفاعل من الأوضح. وانظر: التصريح (1/ 267).

4 -

تعريف المشبه بالمضاف من التصريح (2/ 167).

هـ ــ شرح الشذور وقطر الندى لمصنفهما ابن هشام:

1 -

تعريف المفرد من القطر (ص 8).

2 -

المفعول به من شرح الشذور (ص 278)

(1)

.

3 -

التأكيد من شرح الشذور (ص 550).

4 -

النعت من شرح قطر الندى (ص 283).

وـ همع الهوامع للسيوطي:

1 -

ما يجب استتار الضمير فيه من الهمع (1/ 214).

2 -

مواضع وجوب تقديم المفعول به بعضها من الهمع (3/ 10).

3 -

العلة في شبه المضارع بالاسم. الهمع (1/ 53 ــ 54).

ز ــ شرح الرضي على الكافية

(2)

:

1 -

مواضع وجوب حذف فعل المصدر (1/ 354 ــ 355).

(1)

ط الدقر.

(2)

ط جامعة الإمام محمد بن سعود.

ص: 30

2 -

تعليل بناء المنادى المفرد العلم والنكرة المقصودة (1/ 412).

3 -

العلة في شبه المضارع بالاسم (4/ 817).

4 -

نوعا المبني (1/ 39)، (3/ 109).

ح ــ القواعد الصغرى لابن هشام بشرح الأزهري

(1)

:

1 -

معنى التعلق، ومواطن وجوب حذف متعلق الجار والمجرور والظرف من شرح الأزهري (ص 57).

ط ــ شرح الجامي على الكافية المسمى بالفوائد الضيائية:

1 -

تعريف الوضع (لوحة: 2).

ي ــ التعريفات للجرجاني:

1 -

تعريف الوضع (ص 111).

2 -

المفرد (ص 98).

الملاحظات:

بدت لي بعض الملاحظات أحببت أن أذكرها باختصار مع العلم أنها لا تمس الرسالة بأدنى شيء من النقص أو العيب، فهي كشجة عبد الحميد

(2)

:

(1)

ط البابي الحلبي بهامش تمرين الطلاب.

(2)

قال الثعالبي في ثمار القلوب (ص 95): "تضرب مثلاً للعورة تصيب الإنسان الجميل فلا تشينه بل تزيده حُسنًا، فكان عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب من أجمل أهل دهره فأصابته شجة في وجهه فلم تشنه بل استحسنها الناس، وكان النساء يخططن في وجههن شجة عبد الحميد" اهـ.

ص: 31

فأول الملاحظات:

عدم ذكره لبعض أبواب النحو كباب الاشتغال، والتنازع، والاختصاص، والترخيم، والاستعانة، والندبة، ولم يذكر حدّ التنوين وأنواعه، ولا حدّ الحكاية، ولا المنسوب، ولعل تركه لها من أجل طلب الإيجاز والاختصار ثم الاقتصار على المشهور المتداول.

ثانيًا: اكتفاؤه بالمثال أحيانًا عن الحدّ كما صنع في (المعرف بأل) حيث قال: "مثل الرجل ــ الكتاب".

ثالثًا: نفيه لحقيقة شيء ثابت في المصادر التي استقى منها، فمن هذا ما ذكره في أقسام مبني الشبه حيث قال:"ولا حقيقة للكنايات" والأمر خلاف هذا كما تجده في محله من هذه الرسالة.

رابعًا: تركه لشيء قد ذكر في محله، أو في موطن آخر، فمثال الأول: ما جاء في المنصوبات إذْ عدَّ العاشر والحادي عشر الإغراء والتحذير فعرَّف الأول ومثَّل له، وترك الثاني. ولعله اكتفى بتعريف الضد وهو نوع من أنواع الحدود كما يقال: الشر خلاف الخير.

ومثال الثاني: أنه لم يذكر في المرفوعات خبر (لا) التي لنفي الجنس، بينما ذكر في المنصوبات اسم (لا) التي لنفي الجنس وابن الحاجب وجماعة من النحاة قد عدّوا خبر (لا) التي لنفي الجنس من المرفوعات.

وكذلك ذكر ألقاب المبني (ضم، وفتح، وكسر، ووقف)، ولم يذكر ألقاب المعرب وهي (الرفع، والنصب، والجر، والجزم) وأمَّا ما ذكره بقوله: (ثم إلام ينقسم الاسم بعد هذا) إلى مرفوع ومنصوب ومجرور، فهذا تقسيم للاسم باعتبار حالاته الإعرابية.

ص: 32

خامسًا: ذِكْره الشيءَ مرتين كما فعل في (المبني) فإنه في الموضع الأول كان حدًّا له، والموضع الثاني كان تقسيمًا له، وكما في تعريف الحرف فإنه عرَّفه أولاً عند تقسيم الكلمة ثم أعاد التعريف في حرف الجر.

وصف المخطوط:

الرسالة تقع في مجموع محفوظ بمكتبة الحرم المكي، وهو عبارة عن دفتر كبير كتب على غلافه الأول:"كشكول مهم ومفيد ومنوَّع، الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلِّمي (ت 1386 هـ) (138) ورقة مقاس 24.5×19 سم القرن الرابع عشر الهجري بيد المؤلف، فهرسة د/ ياسين ناصر الخطيب (وعليه توقيعه) " اهـ.

ورقم هذا المجموع العام (4104) يبدأ بمذاكرة في مادة من مواد الشرع بين القاضي عبد الله العمودي، والشيخ المعلِّمي، والإدريسي، وينتهي عند صفحة (276) بقوله:"فائدة في غير المنصرف"، والمجموع أكثره يشتمل على رسائل لغوية وفوائد نحوية وقصائد شعرية وتلخيص لبعض الكتب.

ونصيب رسالة الحقائق من هذا المجموع يقع من صفحة (120) وينتهي إلى صفحة (129)، وهي بخط واضح وبها بعض التخريجات، وقد كتبت بخط النسخ العادي بقلم مؤلفها رحمه الله، وانتهى منها يوم الأربعاء 25 من شهر شوال عام (1332 هـ)

(1)

.

* * * *

(1)

وهذا يدل على بكور اشتغال المؤلف بالعربية، فتأليفه لهذه الرسالة يقع ما بين الثامنة عشرة من عمره والتاسعة عشرة ــ كما تقدم التنبيهُ عليه ــ.

ص: 33

الرسالة الثالثة: مختصر شرح ابن جماعة على القواعد الصغرى لابن هشام:

لابن هشام الأنصاري الإمام المعروف صاحب الأوضح والقطر والشذور كتاب لطيف يقال له: "الإعراب عن قواعد الإعراب" كان لبنةً أُولى لكتاب عظيم فريد في بابه ألا وهو "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب"، فقد قال في مقدمة المغني: "

وممَّا حثني على وضعه أنني لما أنشأت في معناه المقدمة الصغرى المسماة بـ "الإعراب عن قواعد الإعراب" حسن وقعها عند أُولي الألباب، وسار نَفْعها في جماعة الطلاب

إلخ".

ثم إنه رحمه الله اختصر الإعراب عن قواعد الإعراب بكتاب أطلق عليه فيما بعد "القواعد الصغرى" ولشدة تشابههما وشهرة الأصل دون المختصر التبس أمرهما على بعض الناس فزعم أنهما كتاب واحد

(1)

، وفرَّق بعضهم وهو الصواب

(2)

، لوجود اختلاف يسير بينهما، فالكتاب الأول فيه أربعة أبواب (الجملة وأحكامها ــ الجار والمجرور ــ في تفسير كلمات يحتاج إليها المعرب ــ في الإشارات إلى عبارات محررة مستوفاة) بينما المختصر فيه ثلاثة أبواب (في الجملة ــ في الظرف والجار والمجرور ــ فيما يقال عند ذكر أدوات يكثر دورها في الكلام).

وفي باب الأدوات جعلها ابن هشام في الأصل عشرين كلمة ورتبها بطريقة مجيء كل حرف على نوع من الأنواع، بينما في المختصر جعلها

(1)

كما رآه فخر الدين قباوة في مقدمة تحقيقه لشرح الكافيجي (ص 8).

(2)

انظر كتاب "ابن هشام آثاره ومذهبه النحوي" للدكتور علي فودة نيل (ص 38).

ص: 34

خمسًا وعشرين وسردها سردًا دون ذكر الأوجه والأنواع إلا في بعض الكلمات فدلَّ على أنَّ بينهما فرقًا، وأمَّا قول ابن هشام السابق: "

لمَّا أنشأت في معناه المقدمة الصغرى المسماة بـ "الإعراب عن قواعد الإعراب

إلخ" فهي صغرى نسبة لكتاب المغني، وكذا عندما يطلق عليها بعض النحاة القواعد الصغرى يريد هذا المعنى والله أعلم.

وقد نصَّ أيضًا ابن هشام في مقدمة القواعد الصغرى أو ما تسمى بالنكت، على أنه اختصرها من قواعد الإعراب فهو يقول:"هذه نكتٌ يسيرة اختصرتها من "قواعد الإعراب" تسهيلًا على الطلاب وتقريبًا على أولي الألباب

إلخ"

(1)

.

ورسالتنا هذه هي عبارة عن اختصار لواحد من شروح ابن جماعة على هذه القواعد الصغرى، ولمَّا يُطْبَعْ بعدُ

(2)

.

تنبيهٌ: بعد انتهائي من تحقيق الرسالة اطلعت على نشرة لشرح نكت ابن هشام تحقيق ودراسة السيد أحمد محمد عبد الراضي وهي من منشورات مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة سنة 1430? - 2009 م وقد أطلق عليها:

(1)

انظر مقالات هامة لابن هشام، تحقيق نسيب نشاوي (ص 139)، وقد أطلق عليها "نكتة الإعراب".

(2)

وابن جماعة شَرَح القواعد الكبرى بأكثر من شرحٍ منها: "أوثق الأسباب"، وشَرَح القواعد الصغرى بأكثر من شرحٍ أيضًا منها:"أقرب المقاصد" ومنها: "حدائق الأعراب". انظر كتاب ابن هشام الأنصاري لفودة (ص 38)، وهدية العارفين (2/ 182).

ص: 35

(شرح نكت ابن هشام المصري من قواعد الإعراب) تأليف ابن جماعة، وعند المقابلة بين الرسالتين وجدت اختلافًا كبيرًا بينهما، ثم إنَّ أخانا الشيخ محمد أجمل الإصلاحي أفاد أن الكتاب طبع بتحقيق هشام محمد عواد الشويكي في مجلة الجامعة الإسلامية بغزة عام 2007 م لكنّه في الأخير تردد بين كون النسخة التي اعتمد عليها الشويكي مختصرة من شَرحٍ، أو أنَّ ابن جماعة شَرحَ الكتاب مرتين، وعند رجوعي لنشرة الشويكي تمَّ مقابلتها مع رسالتنا هذه فظهر أن نشرة عبد الراضي السابقة الذكر هي عين نشرة الشويكي، وأن الأمر ليس فيه جديد، وليست نسخة الشويكي التي اعتمد عليها مختصرةً من شرح، بل هو شرحٌ مختلفٌ جدًا عن تلك النشرتين، وابن جماعة ــ كما هو معلوم ــ له أكثر من شرح على القواعد الكبرى والصغرى، والشرح الذي اختصره المعلمي يبقى إلى ساعتي هذه أنه لم ينشر ــ والله أعلم ــ.

والشارح هو محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني، ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة بينبع، أخذ عن جده ابن جماعة صاحب تذكرة السامع، وعن البلقيني، وناظر الجيش، كان متعدد المعارف والعلوم وله التصانيف الكثيرة، مات سنة تسعة عشرة وثمانمائة

(1)

.

عنوان الرسالة:

لم يضع لها عنوانًا محددًا، وإنما وجد على الصفحة الأولى هذه

(1)

راجع ترجمته في الضوء اللامع (7/ 171).

ص: 36

العبارة: "القواعد الصغرى لمحمد بن هشام مع بعض تقريرات من شرحها لابن جماعة ــ كما نبهت عليها ــ".

ويقصد بالتنبيه أنه وضع حرف (م) للمتن، وحرف (ش) للشرح، وهذه العبارة صريحة في نسبة الكتاب للمعلمي، ووجود ضرب في بعض المواطن من الرسالة يؤكد النسبة.

وقد عَنْونْتُ لها بـ (مختصر شرح ابن جماعة على القواعد الصغرى لابن هشام).

وصف المخطوط:

الرسالة تقع في الكشكول الذي تقدم وصفه، وتبدأ من صفحة (29) إلى صفحة (35) وهي بخط المؤلف النسخي المعتاد وليس بها تاريخ نسخ، لكن يحتمل أنها في الثلاثينات من القرن الرابع عشر لاهتمام المؤلف بفن النحو في تلك الحقبة عندما كان باليمن في أول شبابه، وقد صححت النصَّ وعلقت عليه إنْ لزم الأمر فيه، ونبهت على بعض الأغلاط الواقعة بما تجده في الهوامش معتمدًا على مغني اللبيب وشروح قواعد الإعراب.

* * * *

الرسالة الرابعة: نظم قواعد الإعراب الصغرى:

هذه المنظومة عبارة عن نظم متن القواعد الصغرى لابن هشام مع شيءٍ من شرح ابن جماعة عليها الذي تقدم الحديث عنه آنفًا، وهي من بحر الرجز، وتقع في مئتي بيتٍ.

ص: 37

ونسبتها للمعلمي ثابتةٌ من وجوه:

1 ــ قوله في أول بيت منها:

* يستمنح الرحمنَ خيرًا عبده *

فهي إشارة إلى اسمه الأول (عبد الرحمن).

2 ــ أنَّها بخط المعلمي، فإن قيل: إنه يمكن أن يكون نسخها فقط، فجوابه: أنَّهُ وُجد ضرب على بعض الكلمات والأبيات كما في قوله:

فيه مسائل فما لفظٌ أفاد

فهو كلام وهو جملةٌ أفاد

كان الشطر الثاني: "فجملةٌ وهو كلام قد أفاد".

وقوله:

كل كلام جملةٌ لا عكس

وهو الصحيح ليس فيه لبس

كان الشطر الثاني: "وهو الصحيح افهم عداك النحس".

وهذا الضرب والطمس كثير، ستجد في هوامش التحقيق ما يبين ذلك، ويؤكد أن النظم للمعلمي.

3 ــ في آخر النظم كان قد عدَّ الأبيات (198) ثم أعاد النظر وصوَّبه إلى (200) وختمه بذكر اسمه وتوقيعه، وهذا يجزم بأن النظم له.

مميزات المنظومة:

1 -

سلاسة النظم وسهولته مع حسن الترتيب.

2 -

الالتزام بما في الأصل مع الزيادات التي أوردها من شرح ابن جماعة، وكانت منتقاة لا حشو فيها.

ص: 38

3 -

رقَّم الناظم بعض المسائل الموجودة بالأصل مع زيادات توضيحية أثبتها في الهامش باسم المؤلف.

4 -

لعلها أول منظومة للقواعد الصغرى، إذ إنِّ غالبهم نظم "الإعراب عن قواعد الإعراب"

(1)

.

وصف المخطوط:

النظم كتب بخط المعلِّمي المعتاد، وقد عَنْون له في أعلى الصفحة الأولى بـ"نظم قواعد الإعراب الصغرى"، ووضع بين الأبيات فواصل تشبه الأقواس، وبعض الكلمات قد ضبط ضَبْط قلمٍ، وعليه ضرب في بعض المواضع، وتخريجات يسيرة، وهو يقع في الكشكول الذي سبق وصفه، ويبدأ من (ص 179) إلى (ص 182)، والأبيات مدمجة كأنها منثورة، بعضُها داخل في بعض.

* * * *

الرسالة الخامسة: طرائف في العربية:

بحث المعلمي فيها خَمْسَ مسائل تتعلق باللغة العربية نحوها وصرفها وهي كما يلي:

1 ــ الإشارة وعلاقتها بنشأة اللغة.

2 ــ تصريف لفظة (تنّور).

(1)

وقد قدَّم الناظم في هذه المنظومة حرف (لمَّا) على (لو) خلافًا للأصل، وكذا ترجيحه معنى السين في أنه أضيق في مدة الاستقبال من (سوف)، وقد ترك الناظم المقالة الثانية لابن مالك في (ريث).

ص: 39

3 ــ تصريف كلمة (تفّاح).

4 ــ ضمير الشأن والقِصّة.

5 ــ بَحْثٌ في الفعل (كاد).

المسألة الأولى:

تحدث الشيخ رحمه الله عن بداية اللغة ونشأتها، وذلك بقولٍ اشتهر قديمًا وحديثًا لدى العلماء، ألَا وهو حكاية الأصوات المسموعة، وذكر على هذا أمثلةً، ثم جعل له حظًّا من الوجاهة سواءٌ قيل: إنَّ اللغة من وضع البشر أو إنها من تعليم الله سبحانه لآدم عليه السلام.

وثَمَّت قول آخر وهو المناسبة بين الألفاظ والمعاني باختلاف صفات الحروف وترتيبها وحركاتها، وجعله أيضًا وجيهًا، ثم إنَّ كلا القولين لا يفسِّر إلَّا جزءًا ضئيلاً من اللغة.

والقول الثالث الذي خطر للمؤلف ــ ولم ير أحدًا تعرَّض له ــ هو الإشارة، ومقصوده بالإشارة الإشارة باللسان والشفتين مع إصدارِ صوت مناسب لها، وضرب لهذا الوجه أمثلةً عديدة، فمِنْ ذلك اسم الإشارة (ذا) للمذكر و (ذي) للمؤنث، وقد بيَّنتُ أنَّ السهيلي وابن القيم قد تعرَّضا لهذا قبل المؤلف.

ومن الأمثلة أيضًا ضمير المتكلّم (أنا)، ويُلْحق به بقيَّة الضمائر

(1)

.

وكذلك من الأمثلة لفظ (الماء) و (مَصَّ).

(1)

لم يتعرض لها المؤلف بتوجيه.

ص: 40

وأيضًا كلمة (بَلَع) و (لفظَ) و (نَفَث) و (ذَوْق).

و(نَبذَ) و (قرب) و (بلغ) و (مضَغَ)، وهذه الكلمات من (بَلَع) وحتى (مضَغَ) قسَّمها المؤلف إلى إشارةٍ حسية، وأخرى معنويّة.

ثم إنَّ الطريقة التي أتى بها (وهي الإشارة) مستفادة ممَّا ذكره ابن جني وغيره من حكاية الأصوات المسموعة ومِن ملاحظة صفات الحروف وترتيبها، كما بيَّنه بقوله رحمه الله:"فإذا ضممتَ هذه الطريقة مع التوسع في الإشارة المعنوية، وإلى ما ذكروه من حكاية الأصوات، وإلى ما ذكره ابن جنّي وغيره من صفات الحروف شدة ورخاوة وغير ذلك كثُر عدد الكلمات التي يمكن تطبيقها".

المسألة الثانية:

تعرَّض فيها المؤلف رحمه الله إلى تصريف لفظة (تنّور) وهو الموقد الذي يُخْبَز فيه، وقد عَقَد المؤلف الصلةَ بين هذه اللفظة ومادّة (ن ور) التي اشْتُق منها كلمتا (النار ــ والنور) بأثرٍ رُوي عن علي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى:{وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40، المؤمنون: 27]، وهذه العلاقة في الاشتقاق يقررها المؤلف ليتوصل إلى الوجه الذي اختاره، وإن اعترضها بعضُ الأئمة ونفى أن يكون للنار والنور علاقةٌ بالتنور.

ثم لمَّا كان ظاهرًا أن تُجْعَل التاءُ زائدةً ــ إذا قلنا: إنَّ التنور من مادة (ن ور) ــ فإنَّه يُشكل عليه أنَّ وزن (تَفُّعْل) بالتضعيف مفقود في كلام العرب فلِهذا قال الجمهور: إنَّ الزيادة وقعت في الواو وليست في التاء، فيكون وزن (تنّور) حينئذٍ عندهم (فَعُّول) أو (فَنْعُول) وهاتان صيغتان موجودتان في

ص: 41

كلام العرب، وعليه فالكلمة من مادة (تنر)، هذا تقرير الجمهور

(1)

، ويعكّر عليه أمور منها:

عدم المناسبة في الاشتقاق، وأيضًا مادة (تنر) أَصْلٌ لا يُعرف له نظير، ومنها أنَّه لا يجتمع نون وراء في كلمة عربية، والاعتراضان الأوّلان لهما حظٌّ من النظر، وأمَّا الأخير فليس على إطلاقه.

وذهب جمعٌ من الأئمة إلى أن كلمة (تنّور) أعجميّة هربًا من تلك الإشكالات، قال السمين الحلبي في الدرّ (4/ 98):"وقيل: هو أعجميٌّ، وعلى هذا فلا اشتقاق له".

وردَّ هذا القول غير واحد من العلماء، وقالوا: لا تخلو الكلمة من أمرين:

أحدهما: أن تكون عربيةً خالصة.

ثانيهما: أن تكون اشتركت فيها جميع اللغات، وعمَّ بها كل لسان.

وهذه الإشكالات التي مضت أدَّت إلى أن يخطر ببال المؤلف رحمه الله وَجْهٌ في تصريف (تنور) يراه أسلمَ من جميع ما تقدَّم، وذلك أن اللفظة عنده مشتقة من مادة (ن ور) ــ كما قال ثعلب ــ ولكنَّ وزنها في الأصل كان على (فَعُّول)، ثم جرى لها قلب ــ بتقديم العين على الفاء فصار (وَنُّور) بوزن

(1)

وأمَّا الإمام ثعلب فذهب إلى أنه مشتق من مادة (ن ور) ووزنه حينئذ (تَفْعول)، ورد عليه ابن جني في الخصائص (3/ 285)، واعتذر لثعلب أبو حيان في البحر المحيط (5/ 199)، وأمَّا الأستاذ أحمد شاكر فقد جوَّد رأي ثعلب كما في تحقيقه للمعرَّب (ص 84).

ص: 42

(عَفُّول) ثم أبدلت الواو الأولى تاءً فأصبح (تنُّور) واستدل لهذا القول بأمثلة عديدة من كلام العرب حصل فيها قلب وإبدال، ثم أبدى إشكالاً في هذا القول وأجاب عنه بوجهين.

ولا شكَّ أنَّ هذا الوجه سالمٌ من الاعتراضات السابقة، وموافق للاشتقاق.

وبعد بحثٍ وُفِّقْتُ ــ ولله الحمدُ والمنَّةُ ــ لنقْلٍ وجدتُه في الفائق للزمخشري (1/ 156)، والمجموع المغيث لأبي موسى المديني (1/ 244) عن الإمام أبي الفتح محمد بن جعفر الهَمَذَاني

(1)

(ت 371 هـ ــ أو 376 هـ) اختار في تصريف (تنّور) ما اختاره الشيخ المعلِّمي رحمه الله، وبهذا يكون مسبوقًا إليه، ولئن دلَّ هذا على شيءٍ إنَّما يدلُّ على رسوخ قدم المؤلف، وتمكّنه من علم العربية، فهو لم يطَّلع على قول الهمداني، ومع ذلك وافقه، وزاد عليه في التقرير ودفع الإشكالات.

المسألة الثالثة:

تكلم فيها المؤلف على كلمة (تُفَّاح) ــ وهو الثمرُ المعروف ــ وبيَّن رحمه الله أنَّ مادة (ت ف ح) لا يُعْرَف لها اشتقاقات غير لفظةِ (تُفَّاح)، وقد أشار إلى هذا ابن فارس في المقاييس (1/ 350)، واقتصر أكثر أئمة اللغة على هذا، وأمَّا كلمتا (تَفْحة) و (التفَّاحتان) فتفرَّد فيهما إمامان، فالأولى معناها الرائحة الطيّبة وأثبتها أبو الخطاب الأخفش الكبير وحده وهو معروف بالتفرّد، ومَن جاء بعده من أصحاب المعاجم فهو ناقل عنه، وقد

(1)

راجع ترجمته في معجم الأدباء لياقوت (18/ 101).

ص: 43

تأوّلها المؤلف بقوله: "فإنْ صحَّ ــ أي لفظ تَفْحة ــ فمأخوذ من التفَّاح نفسه".

وأمَّا الثانية ــ وهي التفاحتان ــ فقد انفرد بها أبو الحسن الهُنائي المشهور بـ (كُراع النّمل)(ت 310 هـ) فقد جاء في كتابه "المنجد"(ص 152): "وتُفَّاحتا الفرس: رؤوس الفخذين إلى أمِّ الوَركيْن"

(1)

، ولم أجد هذا المعنى لغيره، وتناقلها عنه غير واحد كصاحب المحكم، والمجد وأشاروا إلى تفرّده بقولهم:"عن كراع"

(2)

.

والحاصل أنَّ مادة (ت ف ح) ليس لها مشتقات سوى كلمة (تفّاح) لذا رأى المؤلف أنَّ هذه الكلمة غير مأخوذة من تلك المادة النادرة، بل قد تكون من مادة معروفة لها اشتقاقات عديدة وهي مادة (ف وح)، واحتجَّ لهذا بالمناسبة بين (التفّاح) والفعل (فاح) في كون ذلك الثمر تصدر منه رائحة فوَّاحة، وهي مناسبةٌ ظاهرة.

ثم قوَّى هذا بالصناعة الصرفية، وبذكر نظائر لتلك الكلمة.

وقد أكثرتُ المراجعةَ والبحث في بطون المصادر اللغوية وغيرها، فلم أظفر بقولٍ لأحدهم يذهب فيه مَذْهب المعلّمي رحمه الله لكلمة (تفَّاح)، والله تعالى أعلم.

المسألة الرابعة:

تعرَّض فيها المؤلف رحمه الله لِضمير الشأن والقصة ــ كما يسميه

(1)

في الأساس (1/ 94) جعل قول كراع مجازًا فانظره.

(2)

وله في المعاجم تفردات كثيرة.

ص: 44

البصريون ــ، وأهلُ الكوفة يسمونه ضمير المجهول

(1)

.

وممَّا تميّز واختصَّ به كونه يعود على متأخّرٍ لفظًا ورتبةً، فبيَّن فهمه بما نشأ عليه، ثم وقف على بعض كلام النحاة واستأنس به حين وجده قريبًا من فهمه.

وتعرَّض أيضًا لمسألة تأنيث ضمير القصة وتذكيره وهي مسألة خلافية بيَّنتُ المذاهبَ فيها ــ كما تجده في الهوامش ــ.

وعلى هذا يكون المؤلف رحمه الله قد خالف الجمهور، ووافق بعض مَن سبقه من الأئمة والله أعلم.

المسألة الخامسة:

تكلّم فيها المؤلف رحمه الله تعالى على قضيَّةٍ شائكة قد وقع الخلاف المستطير فيها قديمًا وحديثًا.

فمن الأصول المعتَرفِ بها وضعًا أنَّ النَّفْي إذا ورد على لفظةٍ انتفت، وإذا لم يرد عليها كانت في حكم الإثبات، غير أنَّ (كاد) أتت في بعض الأساليب بما يخالف تلك القاعدة ممَّا جعل الأئمة يضطربون فيها، ويذهبون بها إلى مذاهب شتى قد تصل إلى خمسة أو ستة أقوال.

استفتح المؤلف رحمه الله المسألة بتقسيم (كاد) في الاستعمال إلى ثلاثة أوجه:

(1)

وانظر كلام ابن الحاجب في الإيضاح (1/ 471) عن سبب التسمية، وعن اختصاص ضمير الشأن بأشياء من دون الضمائر الأخرى. انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (2/ 404).

ص: 45

الأول: أن لا يكون قبلها ولا بعدها نَفْي، فَحَكَى الاتفاق على أنَّ معناها حينئذٍ (قارب) أو يزاد عليه (ولم يفعلْ) وهذا تصريح بمفهوم المخالفة.

الوجه الثاني الذي ذكره المؤلف لـ (كاد): أن يقع النفي بعد الفعل، ومراده بالفِعْل (كاد) ونظيرها (قارب).

الوجه الثالث لـ (كاد): أن يتقدّم النفي على الفعل (ومراده بالفعل ــ أيضًا ــ كاد ونظيره قارب)، فأمَّا (قارب) فإنَّه إذا تقدَّم النفي عليه نحو: ما قارب التلميذُ أن ينجحَ أفهم النفي وهو عدم النجاح جَرْيًا على القياس.

وأمَّا أخوه (كاد) فعلى خلاف هذا، فإنَّك إذا قلت: ما كاد التلميذُ ينجحُ، صار المعنى ثبوت نجاحه، وهذا مخالف لقياس لغتهم.

وقد وقفت على نصٍّ قديم لأبي عبيدة معمر بن المثنّى (ت 210 هـ) يشير إلى أنَّ استعمال (كاد) منفيةً قد يكون أحيانًا من باب التقديم والتأخير والقلب وهذا أحد استعمالاتها عنده، حيث قال في كتاب "المجاز" (2/ 67):{لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} لبابِ كاد مواضع: موضع للمقاربة وموضع للتقديم والتأخير، وموضعٌ لا يدنو لذلك وهو لم يدنُ لأنْ يراها ولم يرها فخرج مخرج: لم يرها ولم يكد، وقال في موضع المقاربة: ما كدتُ أعْرف إلّا بعد إنكار، وقال في الدنو: كاد العروسُ أن يكون أميرًا، وكاد النعام يطير"

(1)

اهـ.

هذا وإنّي رأيت الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور قد توافق مع المعلِّمي

(1)

قارن بين هذا وبين ما نقلته عن ابن يعيش والكفوي حتى يتضح لك معنى التقديم والتأخير.

ص: 46

في هذه المسألة، فقال في تفسير التحرير والتنوير (1/ 559) ــ بعد أن تكلَّم على كاد والاختلاف فيها ــ:"وزعم بعضهم أنَّ قولهم: ما كاد يفعلُ، وهم يريدون أنَّه كاد ما يفعل أنَّ ذلك من قبيل القلب الشائع، وعندي أنَّ الحقَّ هو المذهب الثاني وهو أنَّ نفيها في معنى الإثبات، وذلك لأنَّهم لمَّا وجدوها في حالة الإثبات مفيدةً معنى النفي جعلوا نَفْيها بالعكس كما فعلوا في (لو) و (لولا) ويشهد لذلك مواضع استعمال نفيها فإنك تجد جميعها بمعنى مقاربة النفي لا نفي المقاربة، ولعل ذلك من قبيل القلب المطَّرد، فيكون قولهم: "ما كاد يَفْعل، ولم يكد يفعل" بمعنى: كاد ما يفعل، ولا يبعُد أن يكون هذا الاستعمال من بقايا لغة قديمة من العربية تجعل حرفَ النفي الذي حقُّه التأخير مقدَّمًا، ولعلَّ هذا الذي أشار إليه المعري بقوله:"جرت في لساني جرهمٍ وثمود"، ويشهد لكون ذلك هو المراد تغيير ذي الرمة بيته

(1)

، وهو من أهل اللسان وأصحاب الذوق، فإنَّه وإنْ كان من عصر المولدين إلا أنَّه لانقطاعه إلى سكنى باديته كان في مرتبة شعراء العرب حتى عُدَّ فيمن يُحتجُّ بشعره وما كان مثله ليُغيّر شعره بعد التفكر لو كان لصحته وجه، فما اعتذر به عنه ابن مالك في شرح التسهيل ضعيف

(2)

، وأمَّا دعوى المجاز فيه فيضعفها اطراد هذا الاستعمال حتى في آية:{لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} فإنَّ الواقفَ في الظلام إذا مدَّ يده يراها بعناء، وقال تأبط شرًا:[فأُبْتُ إلى فَهْمٍ وما كدتُ آيبًا] وقال تعالى: {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} "اهـ.

(1)

روى القصة المرزباني بإسناده في الموشح (ص 235).

(2)

شرح التسهيل (1/ 399).

ص: 47

وصف المخطوط:

يقع المخطوط في (13) ورقة تقريبًا، مقاس (23×16 سم) كُتب بخطّ المعلِّمي نفسه، وهو خط واضح ولكن يكثر فيه الضرب حتى يصل إلى صفحة أو صفحتين أحيانًا، ويكثر فيه أيضًا التخريجات، وكان يكرّر كتابة بعض المسائل، ويُضيف إليها في مواضع أخرى.

وهو محفوظ بمكتبة الحرم المكي الشريف برقم (4709) وعنون لها المعلّمي نفسه بـ (طرائف في العربية).

* * * *

الرسالة السادسة: الكلام على تصريف (ذو):

تعرَّض المؤلف في هذه المقالة لبحث لفظة (ذو) بمعنى صاحب، والتي تُعدّ من الأسماء الخمسة على رأي الفراء والزجاج، ومن الستةِ على رأي الجمهور، وجلا الأمرَ في تصريفها، حيث إنه نقل كلام الأئمة من أصحاب المعاجم وأهل اللغة، وعقّب عليهم بزيادة توضيح يزيل الإشكال عنها؛ لأنَّ الأصل في الأسماء مجيئُها على ثلاثة أحرف و (ذو) ظاهرها حرفان، وبالرجوع إلى حقيقة تصريفها نجد أنه وقع في لامها حَذْفٌ بالاعتباط، وكان الأصل أن تبدل لامُها ألفًا لكونها متحركةً مفتوحًا ما قبلها، والدليل على هذا رجوعُها ــ أعني الألف ــ في المثنى كما جاء في قوله تعالى:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن: 48]، والتثنية والجمع يَردَّان الأشياء إلى أصولها ــ كما هو مقرر في محله ــ.

قال السهيلي في نتائج الفكر: "وأمَّا (ذو مالٍ) فكان الأظهر فيه أن يكون حرفُ العلّة حرفَ إعراب، وأن يكون الاسم على حرفين ــ كما هو في بعض

ص: 48

الأسماء المبهمة كذلك ــ يدلّك على ذلك قولهم في الجمع: (ذوو مالٍ، وذوات مال) إلا إنه قد جاء في القرآن: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} و {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} وهذا ينبئ أن الاسم ثلاثي، ولامه ياء، انقلبت ألفًا في تثنية المؤنث خاصةً"

(1)

.

ثم استرسل السهيلي في بيان تصريف (ذو ــ وذات) بكلام فيه نكتٌ ألمح إليها المعلِّمي دون أن يقف على كلام السهيلي.

ولْتعلم أنَّ سبب الإشكال الذي من أجله بيَّن المعلِّمي وغيره تصريف (ذو وذات) هو أنَّ لام الكلمة حُذِفَ في المفرد المذكر، والمفرد المؤنث، وفي جمعي المذكر والمؤنث، ورجعتْ ــ أعني اللام ــ في المثنى كما في {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} على غير الأصل، وكان الأصل أن يقال:(ذاتا) وقد ورد بقلّةٍ، فلا يظننَّ ظانٌّ أن نحو:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} و {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} صيغة جمع لـ (ذات) كَلَّا، بل هي تثنيةٌ بردِّ اللام على غير الأصل، والله أعلم.

* * * *

الرسالة السابعة: إشكال صرفي وجوابه:

استشكل المؤلف لِمَ لمْ يعامل جمع (خطيئة) وبابه معاملة جمع (رسالة، وصحيفة، وعجوز) مع أنَّ وزن المفرد فيهما واحد وهو (فعيلة) ويجمعان ــ أيضًا ــ على (فعائل) في أحد تصاريف (خطايا) وبابه

(2)

.

(1)

راجع نتائج الفكر (ص 80).

(2)

انظر التصريح للأزهري فقد بيَّن الأعمال الخمسة التصريفية في كلمة (خطايا) كما في (2/ 371).

ص: 49

وهذا الاستشكال له وجهٌ وجيه، وهو نوع من أنواع التماس العلل في مسائل الصرف، فقديمًا وقع الخلاف بين البصريين والكوفيين في تصريف ووزن كلمة (خطايا) وبابه، وقد بسط الخلاف ابن الأنباري في كتابه الإنصاف

(1)

.

ومن خلال البحث في كتب الصرف والنحو وجدت الأئمة يعللون قلب الهمزة الثانية ياءً لاجتماع همزتين في كلمة واحدة، ثم بعد هذا يبدلون مكان الياء ألفًا كما في (مدارا) ثم إلى آخر ما يكون من تصريف الكلمة، قال أبو عثمان المازني ــ كما في المنصف (2/ 54) ــ:"اعلم أنك إذا جمعت "خطيئة ورزيئة" على فعائل قلتَ: "خطايا ورزايا"، وما أشبه هذا ممَّا لامه همزةٌ في الأصل لأنك همزت ياء "خطيئة ورزيئة" في الجمع كما همزت ياء "قبيلة وسفينة" حيث قلت: "قبائل وسفائن"، وموضع اللام من خطيئة مهموز فاجتمع همزتان فقلبت الثانية ياءً لاجتماع الهمزتين فصارت "خطائيُ" ثم أبدلت مكان الياء ألفًا كما فعلت ذلك في "مدارا ومعايا" وما أشبه ذلك فصارت "خطاءا" وتقديرها "خطاعا" والهمزة قريبة المخرج من الألف فكأنك جمعت ثلاث ألفات، فلما كان كذلك أبدلوا من الهمزة ياءً فصارت "خطايا" فلا تستنكر هذا التفسير وتطويله، فإنَّ هذا الباب يدور على هذا فاعلم ذاك" اهـ.

فكأنَّ المعلِّمي ــ رحمه الله ــ يرى أن هذا التعليل غير كافٍ لرفع الإشكال، وبدا له أنَّ الجواب عن ذلك هو رفع اللبس، بأن لا يكون جمع (خطايا) ونحوه ــ إذا عومل معاملة رسائل ــ مشبهًا المصدر، وشرح كيف

(1)

انظر (2/ 805).

ص: 50

يكون الالتباس ــ بما ستراه قريبًا في كلامه ــ.

وبيَّن المؤلف ــ كالمورد على نفسه إشكالاً ــ لِمَ لم يُهْمَزْ نحو (دعاوى وفتاوى) كما هُمِزَ عجائز وبغايا في أحد تصاريفه؟

أجاب: بأنَّ مفرد دعاوى وفتاوى ليست الواو فيهما كالتي في عجوز وبَغُوي، والقاعدة التي توجب قلب الواو همزة شرطها أن تكون الواو زائدة وحرف مدّ، فلذلك لم تعامل معاملة رسالة أو خطيئة فهي خارجة عن القاعدة ووزنها يكون (فعالى أو فعالي) فبالفتح جعلها المؤلف ملحقة ببغايا، وبالكسر ملحقة بعجائز، وبهذا ينحل الإشكال، ويزول الإبهام.

وصف الأصل:

استفتح المؤلف المقالة بذكر الكلمات المُشْكلة، وجعلها على ستة أعمدة، ثم ذكر البسملة، ودعاء:"اللهم وفق للصواب"، ثم أوضح الإشكال وأجاب عنه بما ظهر له.

والمخطوط كتب بخط المؤلف، وفي آخره ذكر اسمه ــ وهذا دليل على نسبة المقالة إليه ــ وهو غير مؤرخ، وغير مُعَنْون، ويقع في الصفحة الخامسة من الكشكول الذي سبق وصفه.

* * * *

الرسالة الثامنة: ضَبْطُ فِعْلين فِي مَتْنِ الأزهار، واعتراض وانتقاض:

وُجِّه سؤالٌ للمؤلف عن عبارةٍ وردت في متن الأزهار اشتملت على فعلين، وهما (يرق ــ يعتق) كيف يُضبطان وما الدليل على ذلك.

ومتن الأزهار كتاب من كتب الفقه الهادوي ألَّفه الإمام أحمد بن يحيى

ص: 51

الملقب بالمهدي (ت 840) وسمَّاه: الأزهار في فقه الأئمة الأطهار، وعليه شروح كثيرة.

وقد بحث المؤلف المسألة مستعينًا ببعض المعاجم كالمصباح والأساس للزمخشري وغيرها من الكتب، وترجح له أنهما بفتح الفاء وكسر العين، فاعترض عليه معترض رمز لاسمه بحرف (ع) ولعله العلَّامة القاضي عبد الله العمودي، فأجاب المؤلف عن الاعتراض الأول، ثم عاد المعترض مرة أخرى يعترض على الجواب فنقض المؤلف اعتراضه.

وصف المخطوط:

المخطوط يقع في خمس أوراق متفرّقة ضمن مجموع فيه خطابات وفوائد متنوعة وهو برقم (4707)، وهذه الأوراق ــ فيما يبدو ــ بقلم ناسخ لم يُذْكَر اسمه، وذلك أن المؤلف صرَّح داخل الرسالة بقوله:"ليس بخطي ولا أمليته كذلك"، ثم حررها المؤلف وذلك لوجود تعديل وضرب على بعض الكلمات ووجود تخريجات يسيرة، وأمَّا الاعتراضات فهي بخط مغاير، وبأسفل الصفحة.

وقد استعمل في الرسالة في بعض الكلمات (أم) الحميرية كما في قوله (أمعرب).

العمل في الرسالة:

نسخت المخطوط ثم قابلته بالأصل ورتَّبتُ الأجوبة والاعتراضات بما ظهر لي، وقد كرر المؤلف بعض الكلام فرأيت إثباته للفائدة، والرسالة ليست معنونة.

* * * *

ص: 52