المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الإطلاق الخاص للمحكم والمتشابه: - المتشابه

[عبد المجيد بن محمد الوعلان]

الفصل: ‌ثانيا: الإطلاق الخاص للمحكم والمتشابه:

‌ثانياً: المحكم والمتشابه في الاصطلاح

(1)

:

للمحكم والمتشابه إطلاقان: عام وخاص:

‌أولاً: الإطلاق العام للمحكم والمتشابه:

‌أ- معنى المحكم:

هو البين الواضح الذي لا يفتقر في بيان معناه إلى غيره، وذلك لوضوح مفرداته وإتقان تركيبها

(2)

. فهو كالمفسر في أحد استعماليه عند الأصوليين

(3)

.

‌ب- معنى المتشابه:

يقال لكل ما غمض ودق، فهو يحتاج في فهم المراد منه إلى تفكر وتأمل، إذ أنه محتمل لمعاني كثيرة ومختلفة، فهو كالمشكل؛ لأنه دخل في شكل غيره فأشبهه وشاكله

(4)

.

‌ثانياً: الإطلاق الخاص للمحكم والمتشابه:

اختلفت عبارات العلماء في تحديد معنى الإحكام والتشابه الذي وردت به بعض نصوص الكتاب والسنة، وبصورة أخص قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} [آل عمران: 7]

(5)

.

(1)

انظر: القائد إلى تصحيح العقائد تأليف عبد الرحمن المعلمي، علق عليه الشيخ ناصر الدين الألباني ص 186 - 189، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة. ودفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب لمحمد الأمين الشنقيطي ص 38، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الأولى.

(2)

انظر: الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي تحقيق عبدالله دراز، ص 3/ 85، توزيع عباس الباز، مكة، الطبعة الثانية. وتفسير ابن كثير تقديم يوسف المرعشلي ص 1/ 352، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية. والجامع لأحكام القرآن للقرطبي تحقيق عبدالله التركي 5/ 17، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى.

(3)

انظر: الحدود لأبي الوليد سليمان الباجي تحقيق نزيه حماد ص 46 - 47، مؤسسة الزغبي، بيروت عام 1392 هـ.

(4)

انظر: تأويل مشكل القرآن لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ص 74 - 75، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية، مصر. والحدود ص 47.

(5)

سورة آل عمران: 7.

ص: 5

القول الأول: المحكم ما عرف معناه والمراد منه، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه، كوقت قيام الساعة، وخروج المسيح الدجال، ونزول عيسى عليه السلام وبعضهم يدخل فيه الحروف المقطعة في أوائل السور

(1)

.

وهذا مذهب جابر بن عبد الله رضي الله عنه ومقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري وغيرهما، كما حكاه القرطبي واستحسنه

(2)

، وهو اختيار أبي جعفر الطبري

(3)

.

القول الثاني: المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً، والمتشابه ما احتمل أكثر من وجه: قال محمد بن جعفر بن الزبير: " المحكمات هي التي فيها حجة الرب، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه، والمتشابهات لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد"، ونقل هذا المذهب عن مجاهد وابن اسحاق، واستحسنه ابن عطيه

(4)

، وهو المنقول عن الشافعي، وأحمد في رواية، وعزاه ابن الجوزي إلى الشافعي وابن الأنباري

(5)

.

وقال ابن الوزير: " فهؤلاء رجعوا بالمحكم إلى النص الجلي، وما عداه متشابه"

(6)

.

القول الثالث: المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان، والمتشابه ما احتاج إلى بيان

(7)

: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، لأنه قال في كتاب: الرد على الزنادقة والجهمية

(8)

: " بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن" ثم ذكر آيات وأخذ يفسرها ويبينها. وقال الإمام أحمد -في موضع-: " المحكم الذي ليس فيه اختلاف، والمتشابه الذي يكون في موضع كذا وفي موضع كذا"

(9)

.

(1)

انظر: زاد المسير في علم التفسير لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ص 1/ 350 - 351، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة. ومعالم التنزيل لأبي محمد الحسين الفراء البغوي تحقيق محمد النمر وأخرون ص 1/ 322، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى. وشرح الكوكب المنير لابن النجار تحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد ص 2/ 142، طبعة جامعة الملك عبدالعزيز 1400 هـ، ومجموع الفتاوى جمع عبدالرحمن بن قاسم 17/ 419 طبعة عالم الكتب، الرياض عام 1412.

(2)

انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ص 5/ 17.

(3)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن المعروف بتفسير ابن جرير الطبري لمحمد بن جرير الطبري ضبط وتعليق محمود شاكر ص 3/ 205، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى.

(4)

انظر: تفسير الطبري 3/ 204، وتفسير البغوي 1/ 323، وتفسير القرطبي 5/ 18، وشرح الكوكب المنير 2/ 142.

(5)

انظر: زاد المسير 1/ 351.

(6)

إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد لأبي عبدالله محمد اليماني المشهور بابن الوزير ص 88، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، .

(7)

انظر: العدة في أصول الفقه لأبي يعلى محمد بن الحسين الفراء تحقيق أحمد المباركي 2/ 684 - 685، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى. والمسودة في أصول الفقه جمعها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد الحنبلي، تحقيق وتعليق محمد محي الدين عبدالحميد ص: 161، دار الكتاب العربي، بيروت، وشرح الكوكب المنير 2/ 142، وزاد المسير لابن الجوزي 1/ 350 - 351، وتفسير البغوي 1/ 323، ومجموع الفتاوى 17/ 422.

(8)

ص: 53 ضمن عقائد السلف لنشار، طبعة منشاة المعارف بالاسكندرية، عام 1971 ..

(9)

المسودة ص: 161، وانظر: العدة 2/ 685.

ص: 6

القول الرابع: المحكم: الناسخ، والمتشابه: المنسوخ، روي عن ابن عباس وابن مسعود وقتادة والضحاك والربيع والسدي

(1)

، ويميل شيخ الإسلام ابن تيمية

(2)

إلى أن النسخ هنا هو المذكور في قوله تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج: 52]

(3)

، فالمحكم هو جميع القرآن، والمتشابه هو ما يلقيه الشيطان ثم ينسخه الله ويزيله.

القول الخامس: روى الخطيب البغدادي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7]

(4)

"هي التي في الأنعام {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: 151 - 153]

(5)

، ثلاث آيات، والمتشابهات الحروف المتقطعة"

(6)

. وروي عن ابن عباس ومقاتل بن حيان أن المتشابه هو الحروف المقطعة من غير إشارة إلى معنى المحكم

(7)

، والظاهر أن المحكم في هذه الرواية هو ما سوى الحروف المقطعة

(8)

.

والشوكاني رحمه الله لا يصف هذه الأقوال المتقدمة في تعريف المحكم والمتشابه بالاختلاف، وذلك أن أهل كل قول قد عرفوا المحكم ببعض صفاته، وعرفوا المتشابه بما يقابلها، ويظهر ذلك عند التأمل في الأقوال، ولهذا يرى أن التعريف الذي يجمعها هو أن يقال:" المحكم الواضح المعنى الظاهر الدلالة، إما باعتبار نفسه أو باعتبار غيره، والمتشابه ما لا يتضح معناه، أو لا تظهر دلالته باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره"

(9)

.

(1)

انظر: الفقيه والمتفقه لأحمد بن علي الخطيب البغدادي، تحقيق عادل الغرازي 1/ 200، الطبعة الأولى، دار ابن الجوزي، الدمام، وتفسير الطبري 3/ 204، وزاد المسير 1/ 350 - 351، وتفسير القرطبي 5/ 18، وإيثار الحق ص 88.

(2)

انظر: المسودة ص: 162.

(3)

سورة الحج: 52.

(4)

سورة آل عمران: 7.

(5)

سورة الأنعام: 151 - 153.

(6)

الفقيه والمتفقه 1/ 201، وانظر: تفسير البغوي 1/ 323.

(7)

انظر: تفسير ابن كثير 1/ 353، وزاد المسير 1/ 351، وتفسير البغوي 1/ 323، ومجموع الفتاوى 17/ 420، وإيثار الحق ص 88.

(8)

انظر: تفسير القرطبي 5/ 18.

(9)

انظر: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي الشوكاني تحقيق عبدالرحمن عميرة 1/ 527، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الثانية. منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة عثمان بن علي حسن ص 2/ 473 - 477، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة السابعة.

ص: 7