المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: الإحكام والتشابه في القرآن - المتشابه

[عبد المجيد بن محمد الوعلان]

الفصل: ‌المبحث الأول: الإحكام والتشابه في القرآن

‌المبحث الأول: الإحكام والتشابه في القرآن

وصف الله سبحانه وتعالى القرآن كله بأنه محكم، كما وصفه بأنه كله متشابه، فقال تعالى في وصف القرآن بالإحكام:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: 1]

(1)

، وقال:{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)} [يونس: 1]

(2)

.

ومعنى كونه محكماً، أي: في "اطراده في البلاغة، وانتظامه في سلك الفصاحة، واستواء أجزاء كلماته في أداء المعنى من غير حشو يستغنى عنه، أو نقصان يخل به، واختصار القول الطويل الدال على المعنى الكثير"

(3)

.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإحكام الكلام إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغي في أوامره، والقرآن كله محكم بمعنى الإتقان"

(4)

.

والمقصود أن معنى كون القرآن كله محكماً، أي: أن ألفاظه ومعانيه متقنة، وأن المعاني المرادة بألفاظه ظاهرة بينة لا خلل فيها ولا اختلاف"

(5)

، فالقرآن يصدق بعضه بعضا.

وكما وصف الله تعالى القرآن كله بالإحكام، فقد وصفه بأنه كله متشابه، وذلك في قوله سبحانه:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23]

(6)

.

ومعنى كونه متشابهاً: أي يشبه بعضه بعضاً في الصحة والفصاحة والحسن والبلاغة، ويصدق بعضه بعضاً

(7)

.

(1)

سورة هود: 1

(2)

سورة يونس: 1.

(3)

قانون التأويل أبو بكر محمد بن العربي تحقيق محمد السليماني ص 373، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية.

(4)

الرسالة التدمرية 3/ 60 ضمن مجموع الفتاوى.

(5)

انظر: التفسير الكبير لفخر الدين الرازي 7/ 167، المطبعة البهية، الطبعة الأولى. تأسيس التقديس ص 230، البرهان في علوم القرآن للزركشي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم 2/ 68، طبعة المكتبة العصرية، بيروت، عام 1419. الإتقان في علوم القرآن للسيوطي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم 3/ 3، طبعة المكتبة العصرية، بيروت، عام 1418، أقاويل الثقات ص 46 - 48، فتح القدير 1/ 531.

(6)

سورة الزمر: 23.

(7)

انظر: التفسير الكبير للرازي 7/ 167، تأسيس التقديس ص 230، الإتقان للسيوطي 3/ 3، أقاويل الثقات ص 49، فتح القدير 1/ 531.

ص: 8

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالمتشابه هنا هو تماثل الكلام وتناسبه، بحيث يصدق بعضه بعضاً، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، بل يأمر به أو بنظيره، أو بملزوماته، وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر، بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته، إذا لم يكن هناك نسخ، وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بنقيض ذلك

وهذا التشابه يكون في المعاني وإن اختلفت الألفاظ.

فهذا التشابه العام لا ينافي الإحكام العام، بل هو مصدق له، فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضاً، لا يناقض بعضه بعضاً"

(1)

.

وكما وصف الله تعالى القرآن بأنه كله محكم، وكله متشابه على المعاني السابقة، فقد وصف بعضه بالإحكام وبعضه بالتشابه، وذلك في قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]

(2)

.

وهذا يسمى الإحكام الخاص والتشابه الخاص.

"والتشابه الخاص هو مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر، بحيث يشتبه على بعض الناس أنه هو أو هو مثله، وليس كذلك. والإحكام - الخاص- هو الفصل بينهما، بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر"

(3)

.

وهذا الإحكام الخاص والتشابه الخاص هو الذي وقع الخلاف في تعيين المراد به على أقوال كثيرة، وإن كان بعضها قريباً من بعض، وداخلاً في بعض، وعامتها يرجع إلى اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، أي: إن بعضهم قد يذكر نوعاً من المتشابه، ويذكر الآخر نوعاً ثان، وليس بين القولين تضاد في نفس الأمر

(4)

.

والحق أن القرآن كله محكم باعتبار، كما أن كله متشابه باعتبار آخر، وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار ثالث.

فمعنى كونه محكماً، أي أنه في غاية الإحكام، وقوة الاتساق، كما أنه بالغ في الحكمة الغاية القصوى، إذ إن أخباره كلها حق وصدق، لا تناقض فيها ولا اختلاف.

كما أن أحكامه كلها عدل، وكل ما أمر به فهو خير وهدى، وكل ما نهى عنه فهو شر وضلال.

ومعنى كونه متشابهاً: أي في الحسن، والصدق، والهدى، والنفع.

وأما وصف بعضه بالإحكام والبعض الآخر بالتشابه فالمراد بالإحكام والتشابه هنا ما تقرر في المعنى الاصطلاحي لهذين اللفظين من الإحكام الخاص والتشابه الخاص

(5)

.

(1)

الرسالة التدمرية 3/ 61 - 62، ضمن مجموع الفتاوى.

(2)

سورة آل عمران: 7.

(3)

الرسالة التدمرية 3/ 62 ضمن مجموع الفتاوى.

(4)

موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة 1/ 369 - 371.

(5)

قواعد التفسير ص 2/ 661.

ص: 9