المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف الإسلام من الخمر والمخدرات: - المخدرات أخطر معوقات التنمية

[إبراهيم إمام]

الفصل: ‌موقف الإسلام من الخمر والمخدرات:

وما أودع الخالق سبحانه في مستكنات الأسرار في هذا الوجود. وهكذا يتحقق إعمار الأرض وتنمية الحضارة.

فأهم ما يميز الإنسان قدراته العقلية وإمكانياته اللغوية والرمزية، وما جبل عليه من اختيار وإرادة، ومحاولته حل المشكلات والتعلم والتدرب، فضلا عن نشاطه الفكري وتحليقه في التصور الإيجابي والتخيل البناء، فهو يرسم في ذهنه صورة للواقع ويرسم صورة أخرى لواقع جديد يريد أن يحققه بفضل ما أفاءه الله عليه من نعمة العقل والإدراك، بحيث يكون تحركه من الواقع الملموس والصورة المأمولة تحرك إنجاز وفاعلية.

ولا حرج في الإسلام من بلوغ الإنسان شأواً بعيدا في مجال التنمية طالما يتقي الله ويعمل لمرضاته، وفي تلك الحدود الربانية لا قيود على حريته في البحث والعلم والتنمية، بل إنه مطالب بذلك، ومكلف بإعمار الأرض وتحسين أحوال معيشته، والحصول على طيبات الرزق، والعمل المتواصل من أجل رقيه وسعادته.

ص: 52

‌موقف الإسلام من الخمر والمخدرات:

والنشاط الفكري للأفراد والجماعات البشرية وكذلك قدراتها على التنظيم والبحث العلمي والعمل الاقتصادي والإنتاج الصناعي والزراعي وغيره، كله مرهون بسلامة العقل الإنساني من أي قصور أو فتور أو تخدير، فالإقبال على الحياة، والاحتكاك بالواقع لتغييره إلى الأفضل شيمة الإنسان المسلم السوي، فهو يعالج الواقع أو يتحاور معه بالعمل الجاد والخيال الإيجابي القائم على التصور الفعلي، أما الشخص السلبي فإنه يركن إلى الوهم والخيال، ويظن أن المخدر هو منقذه من مرارة الواقع مع أنه يسلمه إلى الخيال المريض.

والإسلام الذي يؤكد قيمة الإنسان الذي كرمه الله واستخلفه في الأرض، لا يتضمن مفهوماً غريباً كمفهوم التخليص المسيحي اليهودي، لأن الإسلام يعتبر حياة الإنسان على الأرض شيئاً إيجابياً، وينظر إلى الأمام من أجل تحقيق الإرادة الإلهية في المستقبل، والسعادة الحقيقية، وإن أقرب تعبير إسلامي عن العمل الناجح والتنمية السليمة هو الفلاح، فالإسلام يتحدث عن الأمة الإسلامية النشطة البناءة المسئولة الفعالة في التاريخ والتي هي بحق خير أمة أخرجت للناس في سعيها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.

ص: 52

ولقد عد الإسلام إذهاب العقل والتحذير من الكبائر التي يعاقب عليها بالحد الشرعي وذلك حفاظاً على كيان المجتمع البشري ونشاطه الفعال في خدمة التنمية والأهداف السامية للإنسان، وقد قصد الشارع الإسلامي بتعاليمه وتكاليفه وأحكامه المحافظة على الأمور الضرورية الخمسة للناس وهي الدين والنفس والعقل والمال والنسل أو العرض، فكل ما يحفظ هذه الأمور الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأمور أو بعضها فهو مفسدة. لذا فقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم المسكرات والمخدرات، لما فيها من الأضرار الفادحة والمفاسد الكثيرة التي تتولد منها وتنشأ عنها بالنسبة للفرد والمجتمع.

ويستوي في نظر الإسلام كل مسكر، لآن المسكر في اللغة الخمر وكل ما يسكر ويذهب بالعقل من الخمرة وما فيها معناها كالحشيش والأفيون والمواد النفسية من العقاقير التي قذفت بها الحضارة الغريبة. وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل مسكر خمر وكل خمر حرام " رواه أحمد، وأبو داود، ومادة خمر - عند العرب - تدور في الأصل حول السّتر ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها ورأسها، ومنه خمروا آنيتكم أي غطوها 1.

فكل مسكر خمر مهما تعددت أشكاله وألوانه، ومهما وضع له الناس من مسميات وألقاب، فيدخل في ذلك كل ما ثبت إسكاره من أي مادة حتى ولو كانت خبزا وماء، كما روى عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت " لا أحل مسكرا وإن كان خبزا وماء ". وسواء كان نيئاً أو مطبوخاً، مأكولاً أو مشروباً، جامداً أو مائعاً، موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو لا. ويدخل في ذلك - بطبيعة الحال - الحشيش، والأفيون، والبيرة، والبوظة، والمواد المنومة barbiturates)) والمواد المنشطة (amphitamines) وكل ما يتعاطى لأغراض الكيف وتحقيق الشعور بالنشوة والراحة الموهوبة لأنها تضر الفرد والمجتمع على السواء، وذلك لأن تعاطيه يؤدي إلى أضرار مختلفة تتعلق بصحة الفرد البدنية والنفسية وقدراته وإمكاناته الإنتاجية، مما يؤثر على التنمية والرقي، ويعطل قوى الإعمار والإنشاء والبناء، ويتناقض مع كرامة الإنسان ومكانته السامية.

(1) نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات -رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة بالمملكة العربية السعودية.

ص: 53