المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ومن الكتب التي أفردت لبيان مناقبه والترجمة لحياته: - المسائل الماردينية

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ومن الكتب التي أفردت لبيان مناقبه والترجمة لحياته:

‌ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية

رحمه الله

لقد أعتنى بالترجمة لشيخ الإسلام رحمه الله كثير من أهل العلم، وكانت مناقبه ومآثره العلمية موضعًا للبحث والإشادة عبر القرون السابقة منذ وفاته رحمه الله.

‌ومن الكتب التي أُفرِدت لبيان مناقبه والترجمة لحياته:

(1)

"العقود الدرية عن مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" للحافظ أبي عبد الله بن عبد الهادي رحمه الله (1).

(3)

"الرد الوافر" لابن ناصر الدين الدمشقي (2).

(3)

"الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" للحافظ أبي حفص عمر بن علي البزار رحمه الله (3).

(4)

الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية" لمرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (4).

(5)

"رسالة قصيرة في فضل شيخ الإسلام ابن تيمية ومحبته أهل العلم" لعبد الله ابن حامد الشافعي رحمه الله (5).

(6)

"القول الجلي في ترجمة الشيخ تقي الدين الحنبلي" للشيخ

(1) أحدث طبعاته هي طبعة دار الفاروق الحديثة.

(2)

طبعة المكتب الإسلامي (1393 هـ) بتحقيق/ زهير الشاويش.

(3)

طبعته دار الكتاب الجديد ببيروت (1396 هـ) بتحقيق د. صلاح الدين المنجد.

(4)

دار الفرقان - مؤسسة الرسالة (1404 هـ) بتحقيق نجم عبد الرحمن خلف.

(5)

مكتبة ابن تيمية في الكويت بتحقيق محمد بن إبراهيم الشيباني.

ص: 9

محمد صفي الدين البخاري الحنفي (1).

ومن أحدث الأبحاث المتعلقة بهذا الأمر، هي بحوث الندوة العالمية عن "شيخ الإسلام ابن تيمية وأعماله الخالدة" المنعقدة في 18/ 3، و1، 2/ 4/ 1408 هـ في الجامعة السلفية ببنارس الهند، وقد انتقيت منها بحثين، ألا وهما:

البحث الأول: كلمة موجزة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله حول حياة شيخ الإسلام.

البحث الثاني: تعريف موجز عن شيخ الإسلام ابن تيمية ودعوته ومآثره العلمية، بقلم الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي.

قال سماحة الشيخ العلامة ابن باز -حمه الله- كما في (ص 49 - 52) من بحوث الندوة:

"الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى إله وأصحابه. أما بعد:

فقد سرني كثيرًا ما علمت من عزم الأخوة القائمين على

(1) وهي رسالة في الدفاع عن شيخ الإسلام تبرئته من المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة في الأصول والفروع.

ص: 10

الجامعة السلفية في مدينة بنارس بالهند، على عقد ندوة علمية عن حياة شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله وعن مآثره العلمية وجهوده الدعوية وجهاده في سبيل الله ودعوته للأمة الإسلامية إلى العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد طلبوا مني -جزاهم الله خيرًا- أن تكون لي مشاركة فيها بمقال عن شيخ الإسلام، ولما كان هذا عملاً جليلًا وخطوة مباركة نحو التعريف بشيخ الإسلام ومؤلفاته؛ ولإظهار فضله وعلمه؛ ولإزالة بعض الشبه التي قد تكون عالقة بأذهان بعض المسلمين حول حياة شيخ الإسلام ودعوته، فقد رأيت أن اشترك مع الأخوة الأفاضل أصحاب البحوث والمقالات في هذه الندوة بكلمة مختصرة؛ لعدم تمكني من البسط في ذلك؛ لكثرة مشاغلي، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق القائمين على الندوة لجميع البحوث التي تُقرأ في الندوة واعدادها إعدادًا علميًا ونشرها في كتاب، ينتفع به المسلمون ويعلمون به دعوة شيخ الإسلام ومنهجه وأسلوبه في الدعوة إن شاء الله. فأقول وبالله التوفيق وعليه التكلان في كل صغير وكبير:

إن ابن تيمية: هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني الدمشقي رحمه الله.

وُلد في مدينة حران يوم الإثنين عاشر ربيع الأول من سنة إحدى وستين وستمائة من الهجرة، وتربى في بيت علم وفضل، فأبوه وجدُه كلاهما من كبار علماء عصره وقد نشأ في تصون وصلاح

ص: 11

وطهارة وتقى، هكذا شهد له كل من اعتنى بتاريخه من معاصريه وتلاميذه. وأخذ العلم من كبار مشايخ عصره. عَني بالتفسير، وبالحديث، وسمع الكتب الستة، و"المسند" للإمام أحمد ومعاجم الطبراني، وما لا يحصى من الكتب والأجزاء. وأخذ الفقه وأصوله عن والده وغيره من المشايخ، وبرع فيهما وأحكم الفرائض ونظر في الكلام والفلسفة وبرز في ذلك كله على أهله.

ولم يطرق بابًا من أبواب العلم إلا وقد فتحه الله له على مصراعيه. حتى قال فيه أحد معاصريه: قد ألان الله له العلوم كما ألان لداود الحديد، كان إذا سُئل عن فن من العلم، ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدًا لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من جميع الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك. ولا يعرف أنه ناظر أحدًا فانقطع منه، ولا تكلم في علم من العلوم، سواء أكان من علوم الشرع أم من غيرها، إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه، وكان له اليد الطُوْلَى في حسن التصنيف.

وقد درس رحمه الله جميع المذاهب والآراء في العقدية المنتشرة في عصره فدرس مذهب الأشاعرة ودرس الفلسفة والمنطق وآثارهما السيئة على الإسلام وعقيدته. وكان شديد الحرص على معرفة آراء الصحابة واتجاهاتهم الفقهية.

وعلى ضوء هذه الدراسة العميقة للكتاب والسُنَّة وبهذا الحرص الشديد على الوصول إلى الحق وبعقله الكبير تأهل رحمه الله لِما لم

ص: 12

يتأهل له الآخرون لا في عصره ولا فيما سبق من العصور القريبة من عصره، وبلغ رتبة المجتهد المطلق حيث توافرت فيه جميع الشروط المطلوبة للاجتهاد.

وقد نهج رحمه الله المنهج الذي عاد بالإسلام إلى عهد الصحابة في عقائده وأصوله وفروعه، ودافع عن الإسلام الصحيح بكل ما أُوتي من قوة البرهان والحجة، ولم يبالِ في هذا السبيل بأي إنسان، ما دام الدليل معه، وبذلك أزال ما علق بالإسلام من شُبَه وبدع. والتف المسلمون العارفون به حوله واستفادوا منه النور الذي قذف الله في قلبه ونشروه للعالم. كما كثر مخالفوه وأعداؤه ولا غرابة في هذا. فإن الداعي إلى الحق لا بد أن يواجه من يوجد العراقيل في سبيل دعوته من أهل الأهواء والبدع، ولكنه لا يبالي بلومة لائم ولا يخاف الأذى والمشاكل التي تعترض طريقه. وهذا كان ديدن شيخ الإسلام في حياته كلها. فإنه كان رحمه الله قويًا في إيمانه، مخلصًا لدعوته، جريئًا في الحق، مواصلًا دعوته، وصابرًا محتسبًا في الله. ما زال يزيح الستار عن الوجه الوضَّاء للإسلام ويدعو إلى الإسلام الصحيح حتى لقي ربه.

ومن أجل هذا كله اتفق أئمة ذلك العصر على تسميته بشيخ الإسلام وأثنوا عليه بأنه شيخ الإسلام، وبحر العلوم، وترجمان القرآن، وأوحد المجتهدين ونحو هذه الألفاظ. وقد ساق الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي أقوال كثير من الأئمة في الثناء على شيخ الإسلام في كتابه "الرد الوافر".

ص: 13

وقد ذكر الحافظ ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" 2/ 393 قول ابن الزملكاني -وهو من هو في العلم والفضل والإمامة والرياسة- عن شيخ الإسلام: أنه لم ير من خمسمائة سنة، أو قال أربعمائة سنة - الشك من الناقل- وغلب ظنه أنه قال: من خمسمائة سنة، أحفظ منه.

وقال الحافظ الذهبي: ولقد نصر السنة المحضة، والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون انظر "الرد الوافر" ص/ 34 و"الأعلام العلية" 23 - 30 وقال في مكان آخر: وهو أعظم من أن يصفه كلمي، وينبه على شأوه قلمي، فإن سيرته وعلومه ومعارفه ومحنه وتنقلاته: تحتمل أن توضع في مجلدين. فالله تعالى يغفر له، ويسكنه أعلا جنته، فإنه كان رباني الأمة وفريد الزمان وحامل لواء الشريعة وصاحب معضلات المسلمين، رأسًا في العلم، يبالغ في أمر قيامه بالحق والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مبالغة ما رأيتها ولا شاهدتها من أحد، ولا لاحظتها من فقيه.

انظر "العقود الدرية": ص/ 39 - 40، ولا يخفى أن هذه الكلمة الموجزة لا تكفي أبدًا لبيان ما كان عليه شيخ الإسلام من الدرجة العليا في جميع ميادين العلم وما قام به من الجهاد العلمي؛ لإرساخ دعائم النهضة الدينية في عصره، والدعوة إلى الكتاب والسُنَّة، ونبذ كل ما علق بهذا الدين من أفكار وآراء لا تمتُّ إليه بصلة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير.

ص: 14

وكانت وفاته رحمه الله ليلة الإثنين في العشرين من ذي القعدة، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة عن ثمان وستين سنة إلا قليلًا. فرضي الله عنه وأرضاه ورفعه درجاته في المهديين ونفعنا والمسلمين بعلومه إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين". اهـ

وقال د. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي:

"وُلد شيخ الإسلام عام 661 هـ في مدينة حران، وعاش في بيئة عريقة في العلم والدين والتقوى، وكانت الحنابلة بكثرة كاثرة في حران ودمشق بعد سقوط عاصمة الخلافة (بغداد) عام 656 هـ إثر غارات التتر، وقد حوت عددًا كبيرًا من أهل العلم في مختلف الفنون، وكانت دُوْرُ العلم منتشرة، كما كانت للحنابلة شوكة بانتشار علمائهم ومدارسهم.

وأما من الناحية العقائدية فكان المذهب الأشعري -المرفوض لدى الإمام الأشعري نفسه- هو المذهب السائد في البلدان الإسلامية لدعم الأمراء والسلاطين لهذا المذهب من عصر السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى عصور المماليك.

وكانت الحنابلة على مذهب الإمام أحمد في الأصول والفروع، وكانت بينهم وبين الأشاعرة مناظرات ومناقشات، وكانت البدع والخرافات منتشرة في صفوف المسلمين مع رواج الفلسفة، والكلام، والمنطق، والتصوف، والشعوذة والرفض والباطنية في أمة الإسلام كما كان عصره يموج بالاضطراب السياسي، والمنازعات

ص: 15

الحربية، ومن جهة أخرى كان أمراء الدول والسلاطين يعتمدون على المشايخ والقضاة في شئون الدولة الدينية لما لأهل العلم من تأثير على قلوب جماهير المسلمين وعقولهم. وكان عصره شبيهًا بعصرنا هذا، مليئًا بالاضطرابات الفكرية، والسياسية، والاجتماعية والاقتصادية فتأثر بها، وأثر فيها بمشاركته الفعالة؛ لإصلاح شئون الإسلام والمسلمين.

وقد نفع الله بجهوده المخلصة الأمة الإسلامية من عصره إلى يومنا هذا بما لا ينكره إلا مكابر أو جاهل، ودعوته السلفية في نمو وازدهار ورقي يومًا بعد يوم، على رغم أنوف الحاقدين والحاسدين.

وصدّق الله قول القائل: كل صاحب بدعة، ومن ينتصر له، لو ظهروا لا بد من خمودهم، وتلاشي أمرهم، وهذا الشيخ تقي الدين ابن تيمية، كلما تقدمت أيامه تظهر كرامته، ويكثر محبوه وأصحابه.

وقال الحافظ ابن حجر: شهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس، وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باقٍ إلى الآن على الألسنة الزكية، ويستمر غدًا كما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره، أو تجنب الإنصاف.

ركز شيخ الإسلام جهوده من عنفوان شبابه على شرح العقيدة السلفية، وإبراز منهج المحدثين في الأصول والفروع، ودارت؛ لأجله مناظرات عظيمة، ومعارك شديدة بينه وبين معاصريه من علماء الكلام، والفلسفة، والفقه، والتصوف، وفي سبيله سجن واعتقل، وأوذي مرات عديدة، كما توجه شيخ الإسلام إلى إصلاح أحوال

ص: 16

المسلمين السياسية، وقاد مسيرة الجهاد ضد التتر والروافض، وقد اشتهر أمره في هذه المجالات حيث صارت بعض الجوانب الأخرى من جهوده وخدماته مغمورة في خَضَّم هذه الخدمات التي انبهرت بها العقول، وأذعنت لها القلوب.

برز شيخ الإسلام في جميع العلوم والفنون، واشتغل بالتعليم والتدريس والتصنيف والوعظ والإرشاد والدعوة والإفتاء وتحرير الفتاوى.

وقد التزم في كتاباته وفتاواه منهج المحدثين النقدي، واعتنى باستخدام النصوص الصحيحة في بحوثه وكتاباته، وقد منحه الله الحافظة الواعية التي هي أساس العلم والعمل والتأمل، وحضور البديهة، والاستقلال الفكري، والإخلاص في طلب الحق، والطهارة من أدران الهوى، مع فصاحته، وقدرته البيانية، والشجاعة والصبر، وقوة الاحتمال، وقوة الفراسة والهيبة.

وأطبق أهل العلم على الثناء البالغ على شيخ الإسلام، وعلى إمامته في كثير من الجوانب العلمية والإصلاحية، وقد صرح غير واحد منهم أنهم لم يروا مثله ولا رأى هو مثل نفسه، وقد ذكر الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي ما يقارب تسعين من أهل العلم الذين لقبوه بشيخ الإسلام. وهو من أئمة الإسلام الذين اشتهروا بكثرة التآليف المتنوعة، وتحرير الفتاوى، وقد تميز بين أهل العلم والفن بكثرة استدلاله بالنصوص الشرعية الصحيحة، وآثار السلف الثابتة مع مراعاة قواعد الرواية والدراية، واتباع مناهج الفقهاء المحدثين في

ص: 17

أختيار الأدلة الصحيحة، والتنبيه على صحة الحديث وسقمه.

وقد ترك ثروة علمية عظيمة في شرح أصول الإسلام ومقاصده، والرد على أهل الزيغ والإلحاد.

وكان سر نجاح دعوته -بعد توفيق الله عز وجل وتأييده- إخلاصه ومعرفته التامة بالحديث وعلومه وآثار السلف، وبمناهج المحدثين، والاعتماد على فقههم وبصيرتهم، ولعل هذا هو السر في بقاء علومه، ودعوته ومنهجه، على الرغم من المحاولة المستمرة للقضاء على مؤلفاته، ومؤلفات أصحابه، إذ من النادر رواج المؤلفات التي تؤلف في أبواب الردود والمناقشات، وفي المسائل الفقهية المتنوعة، إلا أن مؤلفات شيخ الإسلام كانت مدعمة بالأدلة النقلية والعقلية التي تُلْفِت أنظار أهل العلم، وتحثهم على الاحتفاظ بها، والاستفادة منها على مر الدهور وفي أحلك الظروف.

ومما يجب التنويه والإشادة بذكره أن شيخ الإسلام ابن تيمية مع نبوغه في العلوم والفنون، وتفوقه على معاصريه كان أشد الناس مراعاة لآداب الإسلام وأخلاقه القيمة في معاملته معهم، وكان من أدق الناس في نقل أفكار منافسيه، وأحرصهم على الإنصاف مع خصومه في أثناء التأليف والمناظرة، وإعطاء كل ذي حق حقه.

وما انتقم من أحد بل عفا عن أعدائه عند المقدرة، وقد حاولوا النيل منه مرارًا بل القضاء على حياته، ولكن حينما تمكن منهم عفا عنهم! وقال: رد أما أنا فهم في حل من حقي ومن جهتي" وكان القاضي زين العابدين بن مخلوف قاضي المالكية يقول بعد ذلك: "ما

ص: 18

رأينا أتقى من ابن تيمية، ولم نبق ممكنًا في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا عنا".

ولم يتردد في مجابهة الحكام، والسلاطين، والعلماء، والمشايخ بكلمة الحق، مع زهده عن المناصب الدنيوية.

توفي شيخ الإسلام عام 728 هـ، وعمر سبع وستون سنة، والمدة الزمنية التي استمر فيها بتأليف الكتب والرسائل، وتحرير الفتاوى تحتوي على أكثر من نصف قرن، وقد تنوعت مؤلفاته إلا أنها تدور حول شرح مذهب السلف الصالح في الأصول والفروع، وفي إثبات أن منهجهم وطريقهم هو أعلم وأحكم وأسلم في جميع أبواب الدين، وأن طريق أهل التأويل والتخييل والرأي من الفلاسفة والمتكلمين والمتفقهة والمتوصفة والروافض والملاحدة والباطنية وغيرهم من أهل الأهواء والبدع طريق باطل ومنهج خاطئ.

شخَّص شيخ الإسلام داء المسلمين المفتونين بالمنطق والفلسفة والكلام في أنهم وقعوا في تأويل نصوص الكتاب والسنة متأثرين بالفلسفة والمنطق والكلام والتصوف كما درس أحوال الفرق الضالة والمبتدعة.

وهذه المؤلفات والرسائل تربو على ثلاث مائة مجلد، بل هي تبلغ خمس مائة مجلد، وقد صرح الذهبي بأنها تصل إلى ألف مصنف بل أكثر إلا أن المؤلفات التي وصلت إلينا مطبوعة أو مخطوطة، وصل إلينا من أسمائها ما يبلغ (591) مؤلف. وفيها (102) كتاب يتعلق بالتفسير وعلومه، و (41) كتابًا في الحديث وعلومه، و (138)

ص: 19