الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسئولية التعليم
المنهج بين الماضي والحاضر
بقلم عبد الله قادري عميد كلية اللغة العربية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .
أما بعد فإن الله تعالى خلق الإنسان في الأرض ليكون خليفة فيها يقوم بعمارتها وإصلاحها على أساس واحد، وهو عبادة الله تعالى التي تشمل نشاط ابن آدم كله - روحياً أم عقلياً أم جسمياً - كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ}
والحصر المذكور في الآية حقيقي وليس إضافياً ولا ينافي هذا ما هو واقع من بعض البشر من أنهم لا يعبدون الله العبادة الاختيارية الشرعية كالوثنيين واليهود والنصارى والشيوعيين.
كما أنه لا ينافي وجود عصاة من المسلمين يخرجون عن عبادة الله في بعض تصرفاتهم وما يقع من المسلمين من الأعمال التي لا يقصدون بها وجه الله من المباحات، لأن
الله تعالى أراد من عباده - شرعاً - أن يكون نشاطهم كله مبتغي به وجهه، سواء كان فعلاً - كالواجب والمندوب والمباح - أو تركاً- كترك المحرم والمكروه - وهي الأحكام الخمسة المذكورة في كتب أصول الفقه، ولا تخرج أفعال الإنسان وتروكه عن هذه الأحكام.
فإذا ابتغى الإنسان بذلك كله وجه الله فقد حقق معنى قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} تحقيقاً كاملاً وإن قصر في شيء من ذلك فقد قصر في شيء خلقه الله من أجله.
والتقصير الحاصل من المخلوق لا يؤثر في الحصر الحقيقي الذي أراده الخالق سبحانه وتعالى من عبده شرعاً.
والنصوص الدالة على أن الله أراد من عبده أن يكون عابداً له في كل لحظة لا تحصى كثرة، ومنها قوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} .
وبدلاً من سوق النصوص في وقت لا يتسع لذكرها أنبه على قاعدة يمكن لمن عرفها - وما أقل العارفين لها - أن يفتح أي صفحة من صفحات كتاب الله ليجد أن الله تعالى يربط أصول الإسلام وفروعه به سبحانه فيقول في العبادة مثلاً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم} وإذا أمر بالاستعانة بالصبر والصلاة كما في قوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} جعل نفسه مع من استجاب لأمره فقال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وإذا أباح لعباده المؤمنين الطيبات من رزقه أمرهم بشكره كما قال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} ورد على مبيحي الربا قياساً على البيع بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ثم قال بعد ذلك: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} .
وهكذا لا يأمر الله بأمر أو ينهى عن شيء أو يمدح صفة أو يذم أخرى إلى ربط سبحانه ذلك به بأساليب متنوعة، وعلى قارئي القرآن أن يتدبروا ذلك ويتأملوا في كثرة اسم الجلالة، والرب أو غيرهما من أسماء الله ليعلم حق العلم أن كل حركة يتحركها العبد أو سكنة يسكنها في عمره كله ينبغي أن يقصد بها وجه الله تعالى ليحقق العبادة في عمره كله.