الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم
الحمد لله على منة الإسلام والشكر له على نعمة السمع والبصر والكلام، وأستغفر الله من جميع الآثام، والصلاة والتسليم على محمد خير الأنام، وعلى آله وأصحابه الكرام.
أما بعد فالنصحية من الإيمان، والتحقق بها من علامات الإيقان، وأعظم الناس جهلا من جهل نفسه وأهمل أحواله حتى دخل رمسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) وقال عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله قال: الله ولرسوله ولكتابه وعامة المسلمين وخاصتهم) .
فالنصيحة لله، باتباع أمره، ونصرة دينه، والتسليم له في حكمه والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم باتباع سنته، ن وإكرام قرابته والشفقة على أمته.
والنصيحة لكتابه، بتدبر آياته، واتباع مأموراته، وتحسين تلاوته. والنصيحة لعامة المسلمين، بالذب عن أعراضهم، وإقامة حرمتهم والنصرة لهم في جميع أحوالهم، جلبا ودفعا.
والنصيحة لخاصتهم، بالطاعة للأمراء، إلا في محرم مجمع عليه، والتصديق للعلماء إلا فيما لا يهدي العلم إليه، وللفقراء بالتسليم فيما لا إنكار يجب عليه.
الباب الأول
النصيحة لله
الفصل الأول
اتباع الأوامر
ومن أوامره تعالى الطهارة
ومن آفاتها الوسوسة، وأصلها جهل بالسنة أو خبال في العقل. ومتبعها متكبر، مزك لنفسه، مسيء الظن بعباد الله، معتمد على عمله معجب به، متبع للشيطان.
والخلاص منها بالتلهي عنها، والعلم بأن أحدا لن يقدر الله حق قدره، وإن عمل، ماعمل، واعتقاد أنه متعبد بعمله، لا مكسب له، والإكثار من قول: سبحان الله الملك الخلاق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز.
وجاء الشيطان لابن المبارك في وضوءه فقال له: لم تمسح رأسك، فقال: البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والله الذي لا إله غيره لقد مسحت رأسي.
ومنها كثرة لطم الوجه، ولا يفعله إلا النساء وضعفة الرجال.
ومنها الاستعجال بصب الماء من دون الجبهة، ونفض اليدين قبل إيصال الماء إلى الوجه وبترك إمرار اليد على مغابنه وذلك نقص لواجب.
ومنها الإكتفاء ببعض الرأس للشافعية، مع إمكان مسح الكل وإن لم يكن واجبا، فقد فات الفضل، والخلاف قوي فيها، ولا مشقة تدرك الماسح في ذلك، وكذلك التهاون بالتنشق والتدلك ونحوه مما هو كمال في مذهبهم واجب عند غيرهم، بخلاف البسملة عند المالكية إذ فيها الكراهة، وإن لم يكن المنع عندهم فالنقص حاصل، نعم، وهي زيادة في الصلاة، والأحاديث لا يقتضيها ظاهرها، والتعوذ أثقل منها.
ومنها كثرة صب الماء في الغسل، والطول فيه، وذلك أيضا غلو في الدين، فقد تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنابة بعد الإقامة ودخل بيته واغتسل ثم رجع ولم يعد الإقامة وما ذلك إلا لسرعة الأمر.
ومنها كثرة الحديث على الوضوء، حتى يتفرق القلب، والإفراط في الذكر، والتزام هذه الأذكار الأعضائية، حتى لو تكلم ابتدأها، وهذه بدعة عظيمة، نعم لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أذكار الوضوء، غير الشهادتين آخره والتسمية أوله مع ضعف حديثها والكلام فيه.
وقال بعض العلماء: الحضور في الصلاة بقدر الحضور في الوضوء، وقد جرب ذلك فصح.
وإدمان الوضوء موجب سعة الخلق وسعة الرزق، ومحبة الحفظة، ودوام الحفظ من المعاصي والمهلكات، فقد جاء: الوضوء سلاح المؤمن، وهو محرب.
وتأخير غسل الجنابة يورث الوسواس، ويمكن الخوف من النفس ويقلل البركة في الحركات.
ويقال: إن الأكل على الجنابة يورث الفقر، والكلام في الخلاء يورث الصمم، والبول في المستحم يورث الوسواس.
والبول في الماء الراكد يورث النسيان كأكل سؤر الفأر، والتفاح الحامض وكنس البيت بالخرقة، وأكل الكسبرة الخضراء وقراءة كتابة القبور والنظر إلى المصلوب والمشي بين الجملين المقطورين، وطرح القمل على الطريق، وإدمان النظر إلى البحر، ذكر ذلك أبو طالب المكي في آخر كتاب قوت القلوب.
وتجديد الوضوء بعد صلاة به، موجب لتنوير القلب والقالب.
ومن أوامره تعالى الصلاة:
ومن آفاتها تأخيرها لغير عذر ومزاحمة الوقت بها لغير ضرورة وترك الجماعة، والتهاون حتى تفوت ركعة أو تكبيرة الإحرام، فقد قيل بوجوبها. وفي الصحيح (من صلى العشاء والصبح في جماعة لم يزل في ذمة الله حتى يمسي، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) .
وقد ذكر لي بعض العلماء عن بعض السجانين، أنه كان يسأل من يساق إليه عن هاتين الصلاتين، فلم يجد أحدا ممن دخل عنده صلاهما تلك الليلة جماعة مدة أربعين سنة. وقد سألت كثيرا ممن تقع عليه الدواهي فأجده مفرطا فيهما، وما وجدت أحدا قد أصابته مصيبة كبيرة ممن صلاهما، وما فاتتني منهما ركعة قط إلا رأيت أثرها في يومي، وفقنا الله للقيام بهما بمنه وكرمه.
وأركان الصلاة وعمدها بإجماع ثمانية: النية، والإحرام، والقراءة والقيام، والركوع، والسجود، والجلوس، والإنصراف.
فالنية: قصد وجه الله تعالى، بالعبادة المعينة، إقبالا عليها، وإعراضا عن غيرها، فإن اعترته وسوسة أجنبية دفعها، وإن كانت مما تقدم له قريبا، فقال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا لم يدخل في الصلاة بل لم يزل فيما كان فيه. وتجهيز عمر الجيش في الصلاة قيام بفرض في فرض.
وحكى بعض العلماء الإجماع على وجوب حضور القلب في الصلاة والإجماع على أنه لا يجب في كلها، بل في جزء منها، وينبغي أن يكون عند الإحرام، انتهى. وقال الإمام أبو حامد: النوافل جوابر الفرائض، فمن فاته الحضور مثلا في ركعة، صلى من النوافل ما يجتمع له فيه من الحضور قدر ما فاته فيها.
ويعين على الحضور فيها، الفكرة، قبلها، وإدمان الطهارة والحضور فيها، وخفة المعدة، واستواء القامة في القامة في القيام، وقراءة سورة الناس قبل دخولها.
ويدفعها بعد الحصول، أن يطعن بسبابته اليمنى في فخذه الأيسر والتزم في التكبير خمسا: جزمها فعلا، وإعرابا، واقتران لفظها بالنية، من غير وسوسة ولا تفريط، وإرسال اليدين معها، لا قبلها ولا بعدها، والاحتراز في ألفاظها من اللحن زيادة ونقصا، ووصلها بما بعدها من دعاء، أو قراءة، حسب المذهب، من غير تراخ حتى يجتمع الفكر فيها. ومن آفات القراءة: اللحن، والتكلف في المخارج والتطريب، والتلحين. فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، وذم فاعلها.
ومنها: أن يدخل الصلاة، فيقف مفكرا فيما يقرأ من الآيات المناسبة، وهذا أيضا مذهب للخشوع مدخل للبدعة.
ومنها أن تكون له سور معلومة، لا يقرأ بغيرها، نحو: السماء ذات البروج في العصر، عملا بما ذكره بعضهم من أن خاصيتها: عدم الدماميل، والذي عندي أن كلامه ينبغي حملة على قراءتها بعد الصلاة، إذ البدعة شر كلها، والخير كله في اتباع السنة.
ومنها: أن يداوم على القراءة ببعض سورة، لما في ذلك من مخالفة الكمال في فضل العبادات.
ومنها: التعجيل في الركوع قبل الفراغ من القراءة، حتى ربما قرأ وهو راكع، وهذا مبطل، إن وقع في الفاتحة، عند الجمهور، ومنهي عنه في غيرها.
ومنها: التخفيف جدا لغرض الإمامة، والتطويل، حتى يذهب الخشوع، أو يؤذي من خلفه، والجهر فيما يسر فيه، حتى يؤذي محاذيه مع أن ذلك عند بعض العلماء يوجب نقصا تاما في الصلاة.
ومنها في الركوع: تخفيفه جدا أو تطويله جدا، والمسابقة بها قبل التكبير، والتكبير قبل الهوي له، والدعاء فيه، وإن جاز ذلك مع التسبيح.
ومنها في الرفع: تخفيفه، حتى لا يقع الاعتدال، أو تطويله حتى يبعد، والجهر فيما بعده من الأذكار، وذكرها عند من مذهبه إنكارها.
ومنها في السجود: التزام قانون واحد من دعاء أو تسبيح، والقراءة فيه، واتباع وساوس النفس، إذ الشيطان لا يوسوس حال السجود بل ينعزل بناحية يبكي كما جاء في الحديث، وعدم إطالته، أو تقصيره، أو ذكر أحد فيه، وإن جاز ذلك.
ومنها في الرفع: ترك اليدين في الأرض وإن أبيح بمذهب، وعدم استواء الجلسة وغن أجيز ببعض المذاهب، وترك وضع اليدين على الركبتين، إذ قيل بوجوبه، كالدعاء بين السجدتين رب اغفرلي، ونحوه من غير إفراط ولا تفريط.
ومنها في الجلوس: الإقعاء المنهي عنه بمذهبه وإن جاز ذلك عند غيره.
وفي القيام: الصفن، والصفد، والصلب والاختصار، ونقص القامة بحط الرأس إلى محل القدمين، والمأمور به: جعل البصر في محل السجود، وهو يقضي باستواء القامة في القيام.