المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقال عليه السلام: (إذا حدثك الرجل ثم التفت فهي أمانة) - النصيحة الكافية لمن خصه الله بالعافية

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولالنصيحة لله

- ‌الفصل الأولاتباع الأوامرومن أوامره تعالى الطهارة

- ‌ومن آفات الصيام

- ‌ومنها في الزكاة

- ‌الفصل الثانينصرة الدين

- ‌الفصل الثالثالتسليم في الحكم

- ‌المطلب الأولرد المظالم

- ‌المطلب الثانيالمحارم

- ‌الفرع الأولالكذب

- ‌الفرع الثانيالغيبة

- ‌الفرع الثالثالفضيحة

- ‌الفرع الرابعالباطل

- ‌المطلب الثالثالنية على عدم العودة

- ‌الباب الثانيالنصيحة لرسوله

- ‌الفصل الأولاتباع سنته

- ‌الفصل الثانيإكرام قرابته

- ‌الفصل الثالثالشفقة على أمته

- ‌الباب الثالثالنصيحة لكتابه

- ‌الفصل الأولتدبر آياته

- ‌الفصل الثانيالعمل بمأموراته

- ‌الفصل الثالثتحسين تلاوته

- ‌الباب الرابعالنصحية لعامة المسلمين

- ‌الفصل الأولالذب عن أعراضهم

- ‌الفصل الثانيإقامة حرمتهم

- ‌الفصل الثالثالنصرة لهم

- ‌الباب الخامسالنصيحة لخاصة المسلمين

- ‌الفصل الأولالطاعة للأمراء

- ‌الفصل الثانيالتصديق للعلماء

- ‌الفصل الثالثالتسليم للفقراء

الفصل: وقال عليه السلام: (إذا حدثك الرجل ثم التفت فهي أمانة)

وقال عليه السلام: (إذا حدثك الرجل ثم التفت فهي أمانة) وقال عليه السلام: (المستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم) وهذا فيما لا تعلق الحق الغير به، فإذا شوور على غصب مال، وقتل نفس، أو الزنى بأهله، وجب تحذيره، بقدر الإمكان، ما لم يؤد إلى ضرر أعظم.

وتباح النميمة لتفريق كلمة الكفار والفساق.

ويحرم ذكر حال الزوجة في فراشها، إذ هي أمانة عند الزوج، وقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم أمر ذلك. وسئل ابن عمر عن سبب أمر وقع بينه وبين زوجته فقال: قبيح بالرجل أن يفشي سر أهله، ثم سئل عن سبب طلاقها فقال: لا يحل الكلام فيمن هي أجنبية عني.

وقد سمى الله النمام فاسقا فقال: (إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنوا) فلا يحل لمسلم نقل السماع عنه لفسقه، إلا بعد التثبت والتبين، ويقال: من نقل لك، نقل عنك، ومن قال لك قال فيك.

‌الفرع الرابع

الباطل

وأما الباطل: فكل شيء ليس من الحق، ولا يهدي إليه، قال الله سبحانه:(فَماذا بَعدَ الحَقِ إِلاّ الضَّلَل) .

ومن الباطل: السحر، والطلسمات، والعزائم، والأشكال، والموالد، والخط والفأل، والقرعة.

قيل: والمنطق والجدل، والكلام، والموسيقى، يريد إذا لم يكن الأربعة مقصودة لرد باطل أو إثبات حق، فلا يحل الكلام لمسلم في ذلك، تعلما، وتعليما، إلا لذلك. ولا بأس في ذلك بحثا ونظرا، من غير تعمد لمن كمل عقله وعلمه، وفرغت نفسه عن الهوى.

وفي الصحيح: (إِذا ذُكر القدر فأمسكوا) واتفق مالك والشافعي وأحمد وسيفان وأبو يوسف على تحريم الكلام في علم الكلام. وقال بعض شيوخنا: ليس في التوحيد مشكل إلا الكلام والرؤية والقدرة الاكتسابية، وكل ذلك يعتقد فيه الحق ولا يتعرض لما وراء ذلك من الشبه فلم يتكلف السلف رضي الله عنهم الكلام في التلاوة والمتلو، ولا في الاسم والمسمى، ولم يتكلفوا تأويل الصفات السمعية المعارض ظاهرها للمعقول بل يعتقدون كمال التنزيه، وفي التشبيه، ويقولون فيها ما قال مالك في الاستواء إذ قال: الاستواء معقول، والكيف غير معقول، والإيمان به واحب والسؤال عنه بدعة، وقد سئل الحسن رضي الله عنه عن الله فقال: إن سألت عن ذاته فليس كمثله شيء، وإن سألت عن صفاته فهو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وإن سألت عن أسمائه فهو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، وإن سألت عن أفعاله فكل يوم هو في شأن.

وقال الباجي عن شيخه السمناني: إن القول بأن النظر أول الواجبات مسألة من الاعتزال بقيت في المذهب على من اعتقدها نقلها ابن أبي جمرة وقال بعض العلماء: ن أردت السلامة في اعتقادك، فلا تتبع الشبه، ولا تطلب الكيفيات في أمور الآخرة.

ومن القبيح ما يقع للعوام، وينبغي للطالب، بل يجب عليه التحرز منه، ألفاظ منها: قولهم: إذا كان في السماء من يحميه، ما في الأرض من يؤذيه. وقولهم، عند وقوع نازلة، أو اعتراض عارض: أي شيء عملت تحت الله، وهذا مع كونه مشعرا بالجهة، مؤذن باعتقاد نسبة الظلم إلى الله تعالى.

وقولهم: يا حليما، لا يتعجل.

وإطلاق أشياء في أسماء الحق تعالى، مما لم يسم نفسه بها في كتابه، أو على لسان نبيه، وإن كان ذلك ثابتا معناه له تعالى، فالصحيح، أنه لا يجوز أن يسمى، إلا بما سمى به نفسه وإن كان مشتقا من أسمائه، ولا خلاف في منع غير المشتق، حتى قال بعضهم: إنه لا يجوز إطلاق الصفة في حقه تعالى، وإن كانت الصفات ثابتة له، إذ لم يطلقها على نفسه.

ومن ذلك، نسبة بعض الألفاظ المعجمة المجهولة المعنى، إلى أنها أسماؤه تعالى، حتى ربما فضلها بعض الجهال على المعربة لما يشاهد من خاصيتها، وقد سئل مالك عنها فقال: وما يدريك لعلها كفر، نقله المازري وكان بعض المسلمين يعزم على جان بحضرة بعض النصارى، وكان يضحك منه، فسأله عن ذلك، فقال: عجبا منك تسب ربك ونبيك، وأنت تظن أنك في شغل من ذلك.

ص: 6

ومن ذلك ما وقع لبعض الصوفية، من قولهم: أنا هو، وهو أنا، مما يوهم الاتحاد، والحلول، وهذا لا يجوز اتباعهم فيه، ولا يجوز لأحد أن يسلم لقائله حالة سماعه وإن ساغ له تأويله بعد وقوعه، وانقراضه، بما يوافق الحق، مع إقامة رسم الشرع فيه، وإن صح له اعتقاد قائله مسلما ونحوه وقد قتل الحلاج بإجماع أهل زمانه إلا أبا العباس بن سريج، فإنه قال: لا أدري ما أقول، وأخرج بسببه جماعة عن بلدانهم، ولم يكن ذلك قادحا فيهم، ولا في مخرجهم، ولا المنكر عليهم.

وقد وقع كثير من هذا النوع، كابن الفارض، وابن العربي، والششتري، وابن سعبين، مع إمامتهم، في العلم، وظهورهم بالديانة، فليتق المؤمن ذلك، مشفقا على دينه، فارّاً من موارد الغلط، راجعا لأصول الاعتقاد، قائما مع الحق بالكلام في القول لا في القائل وقائلا في مثل أولئك القوم: ما كان من قولهم موافقا للكتاب والسنة، فأنا أعتقده، ومالا فأنا أكل علمه إلى أربابه منزها قلبي عن اعتقاد ظاهره، وإياهم كذلك وقد نص على ذلك الشيخ ولي الدين العراقي في أجوبة المكيين فانظره.

ومن ذلك، قول: ياهو، في استغاثته بالله وندائه، لما في ذلك من الإيهام والتسوي، وعلل أخرى ذكرها النحاة، وغيرهم.

ومن ذلك إطلاق: شيء، وعين، وثابت، وحق، وذات، وغير ذلك من الأسماء المقتضية لإثبات الذات أو الصفات الخارجة عن الأسماء الحسنى التي لا تشعر بالأدب والافتقار، وإنما يجوز إطلاق هذه في باب التعليم.

كما أنه لا يجوز: ياهو، إلا إلى رجل استغرق في التعظيم، حتى لم يبق من رسومه غير الإشارة، ولم يجد حاله إلا في الإبهام، وهذا محكوم عليه، فيسلم له، كما نص عليه أئمة هذا الشأن، والله أعلم وبه التوفيق.

ومن ذلك قول الرجل لمن يعذله، ويلومه على تفريطه: ما وفقت لذلك، وهذه كلمة حق أريد بها باطل، وهو كقول الكفار (لَو شاءَ اللَهُ ما أَشرَكنا) يريدون الاحتجاج لأنفسهم بالقدر، فلو قالوا على جهة الأدب لكان حسنا، إذ لو شاء الله لهداهم أجمعين، وإنما كانوا في ذلك مذمومين، لقصدهم نقض الحكم بنفي الأسباب، رجوعا للقدر. وليس وصفة تعالى بالحكيم، بأولى من وصفه بالقدير، ولا بالعكس، فالقيام مع جهة تعطيل للأخرى.

ومن ذلك قول الرجل لمن يسأله عن حاله السيىء كيف هو؟ أن يقول: كيف قدر الله فينسب القبيح إلى الله مولاه، من غير احتشام، ويتسخط قضاءه، إذ يرد ذلك إليه، بإشعار الغبن، حتى كأن الله لم يقدر، إلا ذلك.

ومن ذلك، قول بعضهم لمن يساله عن حاله: بخير من الله، بشر من نفسي، وهذا إشعار باعتقاد الفاعلية، وإن كان أدبا، والاكتشافء بقوله: بخير كاف في الجواب، والمؤمن بخير على كل حال، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك قول بعضهم لمن يسأله عن حاله:

أقولُ بِخَيرٍ وَلَكِنّهُ

كَلامٌ يَدورُ عَلى الأَلسنِ

وهذا أيضا جمع إساءة الأدب مع الله بعدم الرضا بما آتاه، والتعرض للشكوى بما يرد عليه منه. وتتبع ذلك يطول، وقد شفا فيه الغليل ابن خليل السكوني، وأبو إسحاق بن دهاق في جزئيهما في لحن العامة، فمن أراد ذلك ليطالع كلامها، لكن بشروط ثلاثة: أحدهما: أن ينظر ذلك لنفسه، لا لينتقص به غيره.

والثاني: أن يكون ذلك بعد إحكامه الاعتقاد، في جميع أموره.

الثالث: ألا يكثر القلقلة بذلك، فيشوش على عوام المؤمنين، وخاصتهم.

وهذه الشروط لازمة، لمن أراد مطالعة كتاب تلبيس إبليس على الصوفية.

ويزاد عليها: تحسين الظن بهم، بنفي ذلك مرة، وتأويله أخرى، والتسليم للقائل فيهم، إذ لم يتكلم إلا بعلم، واحترامهم إذا كانوا على قدم الصدق مع الحق.

ولا يبعد أن يكون للولي الهفوة والهفوات، والزلة والزلات، وإنما العظيم عند الله الإغترار والعناد والخروج عن الحق إلى ضد المراد، فليسئل الله العافية.

ومن العظائم، الكلام في تفسير القرآن بالرأي، من غير استناد إلى علم، وهو تحريف إن خالف، وإثم إن صادف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من قال في القرآن برأيه فصادف فقد أخطأ، وإن أخطأ فقد كفر) .

ومن تحريفه: ترقيعه بالألحان، كالغناء، والهذ في قراءته، حتى يسقط الحروف ويخل بها، وكل ذلك حرام إجماعا.

ص: 7

ومن الباطل: الغناء، والشعر المذكور في القدود، والخدود، والشعور، والخمور، وما يرجع إلى ذلك، والزمر، والطبلن والشبابة، ونحو ذلك، وإن قيل بجواز بعض ذلك، فقول من لا يعتد قوله.

فقد جاء في تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النّاسِ مَن يَشتَري لَهوَ الحَديثِ) أنه الغناء، وسئل مالك عنه فقال: أمن الحق هو قالوا: لا، قال:(فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَاّ الضَّلل) وقال ابن المبارك: السماع ينبت النفاق في القلب وقال بعض السلف: السماع مرقاة الزنا.

وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه: من كان من فقراء هذا الزمان آكلا لأموال الظلمة، مؤثرا للسماع ففيه نزعة يهودية، قال سبحانه:(سَمَّاعونَ لِلكَذِبِ أَكَّالونَ لِلسُّحتِ) .

وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: سألت أستاذي عن السماع فأجابني بقوله تعالى: (إِنَّهُم أَلفَوا ءاباءَهُم ضالِّينَ) وقال ابن العربي: السماع في هذا الزمان لا يحل أن يقول به مسلم.

وقال أيضا: السماع كله بطر، وما سمع الشيوخ الأتقياء إلا تنازلا، لإصلاح أبدانهم لألاّ تنتهك، أو لإخوانهم، حتى يلقوا إليهم الحق في قالب الباطل، مع أنه لا نص من الشارع، بجواز ولا منع، عند توفر الشروط.

وقال ابن مسعود لقوم وجدهم يذكرون جماعة. والله لقد جئتم ببدعة ظلما، أو لقد فقتم أصحاب محمد علما.

ويقال: إن الرقص أحدثه أصحاب السامري لما لقوا العجل. وما ينسبونه للنبي صلى الله عليه وسلم من التواجد عند إنشاده: لسعت حية الهوى كبدي....

فباطل، وكذا كل الأحاديث التي يستشهدون بها في هذا النوع.

وسئل مالك عن جماعة، يأكلون كثيرا، وذكرت له أحولهم، فضحك، ثم قال: مجانين هم ومن قال بجواز السماع، فإنما قال ذلك عند توفر شروطه الثلاثة التي هي: وجود الزيادة به في الإيمان، والنشاط به في العبادة.

الثاني: السلامة مما ينكره ظاهر الشرع، كالاجتماع مع النساء، وسماعهن، مما يوجب تحريك الشهوة عندهم، وكذا الأحداث.

والثالث: ألاّ يكون مقصودا غيره على وضعه، من غير رقص، ولا صراخ، ولا إساءة أدب في الذكر، وغيره، مع كون ذلك مرة في العمر، ولا يحضره مقتدى به، إلا مختفيا، والله أعلم.

والصواب لك أن تتكلم، حيث تعلم أنه يشتهى كلامك، إلا لضرورة فادحة بقدرها، كنت في هذا كله كبيرا أو صغيرا، كان المشتهى ذكرا أو أنثى.

ويحرم الإطراء بالمدح، والمدح بالمحرم، كالظلم بما يقوي عليه، أو يرجع إليه، كالشجاعة فيه، والثناء على أهل البدع، والأهواء كالزمخشري وكتابه، إذ في ذلك حط لأهل السنة، وترفيع له عليهم، ودلالة للخلق على ما فيه مهلكة، وإن سلم منها، فلا يسلم منها غيره، وربما كان سبب تورطه ثناؤه، وقال صلى الله عليه وسلم:(لا تقولوا لمنافق سيد فإنه إن كان سيدا فقد أسخطتهم الله تعالى) وقال لرجل مدح عنده رجلا: (قطعت عنق صاحبك) وقال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) يعني مع اعتقاد إباحته، وقال (ملعون من سب والديه، قالوا: يا رسول الله كيف يسب والديه؟ قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) وقال لامرأة لعنت ناقة لها: (لا تصحبنا ناقة ملعونة) وقال: (من قال لمؤمن: يا كافر، إن كان كما قال وإلا فقد باء فيها) وقال: (إذا دعى العبد على ظالمه قال الله تعالى: عبدي أنت تدعو على من ظلمك ومن ظلمت يدعو عليك، فإن اردت أن أستجب لك أستجب عليك) وقال: (من حلف بغير دين الاسلام فهو كما قال) يعني إن كان معتقدا تعظيمه، وقال (من حلف بالأمانة فليس منا) وقال:(إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) وقال: (لا تحلفوا بطلاق ولا عتاق فإنها من أيمان الفساق) . وقال (ويل للصانع من غد وبعد غد، والتاجر من لا والله وبلى والله) وقال: (إن الله يحب أن يحلف به فاحلفوا به فاحلفوا بالله وبروا واصدقوا) وقال: (من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله) وقال: (من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق) .

ص: 8

وقال: (كل يمين وإن عظمت فكفارتها كفارة اليمين بالله ما لم يكن طلاقا أو عتاقا) وبه أخذ الليث وجماعة من العلماء، وقالت عائشة: لغو اليمين لا والله وبلى والله الجاري على الألسن. ونهى سبحانه وتعالى عن كثرة الحلف وعدم التثبت فيه فقال الله تعالى: (وَلا تَجعَلوا اللَهَ عُرضَةً لأَِيمانِكُم) وثبت عنه عليه السلام أنه آلى من نسائه شهران وكان أكثر أيمانه: (لا ومقلب القلوب) .

فخرج من مجموع الأحاديث، والآيات أنه لا ينبغي كثرة الأيمان، ولا فقدها رأسا، لما في ذلك من عدم التعظيم في الجانبين.

وقال الله تعالى في الظهار (وَإِنَّهُم لَيَقولونَ مُنكَراً مِنَ القَولِ وَزورا) وقال عز من قائل: (وَلا تَنابَزوا بِالأَلقاب) وقال سبحانه: (لا يَسخَر قَومٌ مِن قَومٍ) الآية وقال: (وَلا تَجَسَّسوا) والتجسس: السؤال عن أحوال الأشخاص من حيث القبائح. وقال تعالى: (وَقولوا لِلنّاسِ حُسناً) وقال عز وعلا: (وَلا تَسُبوا الَّذَينَ يَدعونَ مِن دُونِ اللَهِ فَيَسُبوا اللَهَ عَدوا بِغَيرِ عِلم) الآية، وقال جل جلاله:(ياأَيُها الَّذَينَ ءامَنوا اتَّقوا اللَهَ وَقولوا قَولاً سَديداً، يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم) وقال تعالى: (لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِالمَنِّ وَالأَذى) .

وقال تعالى: (وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضاً) ثم أجمل الكل في قوله: (لا خَيرَ في كَثيرٍ مِن نَجواهُم إِلاّ مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعروفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ الناسِ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ اِبتِغاءَ مَرضاتِ اللَهِ فَسوفَ نُؤتِيهِ أَجراً عَطيما) فحصر الشر بذكر الخير ونهى سبحانه عن النجوى (إِنَّما النَّجوى مِنَ الشَيطانِ لَيَحزُنَ الَّذَينَ ءامنوا وَلَيسَ بِِضارِّهِم شَيئاً إِلَاّ بِإِذنِ اللَهِ) وقال: (فَلا تَتَناجَوا بِالإِثمِ وَالعُدوان) وقال عليه السلام: (لا يتناجى اثنان دون واحد) .

قال العلماء: وكذلك الجماعة إذا أفردوا واحدا منهم، ولا بأس باثنين دون اثنين وجماعة دون جماعة إن أمنت الفتنى. وقال عليه السلام:(من ترك المراء وهو محق بنيت له بيتا في أعلى الجنة ومن ترك المراء وهو مبطل بنيت له بيتا في ربض الجتة) وقال: (إن الله يبغض الألد الخصم) وقال: (آية المنافق ثلاثة: إذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر وإذا ائتمن خان) .

وقال عليه السلام: (إن الله رفع عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب) . وقال (أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك) وقال: (أحب الأسماء إلى الله ما عبد وما حمد وأصدقها الحارث وهمام) وقال: (سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي) قيل: ذلك خاص بزمانه عليه السلام. وقال: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر)، وقال:(لا تسبوا البرغوث فإنه أيقظ نبيا للصلاة) وقال: (لا تسبوا الريح فإنها مسخرة) وقال: (لا تسبوا الديكة فإنها توقظ للصلاة)، وقال:(ما سبَّ قوم أميرهم إلا حرموا خيره) وقال: (الكلام في الفتنة دم يقطر) وقال: (من يرد هوان قريش أهانه الله) وقال: (إياكم والنذر فإنما يستخرج به من البخيل) وقال: (لا يقل أحدكم: أعطني إن شئت وليعزم المسألة فإنه لا مكره له) وقال: (لا يقل أحدكم: ما شاء الله وشاء فلان وليقل: ما شاء الله ثم شاء فلان) وقال: (حدثوا الناس بما يعقلون أتريدون أن يكذب الله ورسوله) وقال: (لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي) وقال: (إياكم ولو فإن لو تفتح عمل الشيطان) وقال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به وليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وأمتني ما كانت الوفاة خيرا لي) وقال: (اذكروا موتاكم بخير فإنهم أفضوا إلى ما قدموا)، وقال:(لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء) وقال: (إن الله ينهاكم عن وأد البنات وعقوق الأمهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) .

وقال: (المؤمن يعذب ببكاء أهله عليه) .

ص: 9

قال العلماء: إذا أوصى به أو كان من عادته، ولم يوص بتركه. وقال:(ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية) وقال: (إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذيء) وهو الذي يظهر ما يكني الناس عنه وقال: (احثوا التراب في وجوه المداحين) وقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى وقولوا عبد الله ورسوله) وقال: (لا تخيروا بين الأنبياء) يعين بالخصائص والأقيسة، إذ التفضيل لا تقتضيه الخصائص بل هو بأمر من الله. وقال:(من حق المسلم على المسلم أن يبر قسمه ويجيب دعوته) وقال: (لا تقولوا قوس قزح ولكن قولوا: قوس الله فإن قزح اسم الشيطان لعنه الله)، وقال:(إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ شاتمه أو سابه فليقل: إني صائم) وقال: (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت ومن لغى فلا جمعة له) وقال: (من سئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار) وقال: (لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموهم) وقال في أمراء الجور فيمن دخل عليهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم: (عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وقال: (البخيل كل البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي) وقال: (من سمع الأذان ولم يجب فقد جفا) وقال فيما يروى عن ربه: (من أحدث فلم يتوضأ فقد جفاني ومن أحدث فتوضأ ولم يصل فقد جفاني، ومن أحدث فتوضأ فصلى فدعة ولم يستجب له فقد جفوته ولست برب جاف) وقال: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة) وقال: (إذا سألتم الله فاعظموا المسألة فإن الله لا يتعاظمه شيء قالوا: إذا نكثر يا رسول الله قال: الله أكثر) وقال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) وقال مولانا جلت قدرته، ذاما للألداء في الخصومة والتفيهق في الكلام والتعزز بالإثم:(وَمِنَ الناسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ في الحَياةِ الدُّنيا) الآية. وذم عليه السلام الثرثارين، والمتفيهقين والمتحذلقين في الكلام، ونهى عليه السلام عن النعي وعن قول الرجل ابتداءً: عليك، ونهى عمر رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم، وقال: إنها خب.

وأما النهي عما يخص بجانبه عليه السلام، كرفع الصوت عليه، وقول: راعنا، وندائه من وراء الحجرات، ودعائه كدعائنا، فقد ارتفعت أحكامه بوفاته. نعم بقي توجه الطلب بذلك في مسجده، وبين يدي قبره، لأن حرمته ميتا كحرمته حيا. وينبغي أن يتأدب بأدبه مع من كان من نسبته من عالم أو ولي أو صالح ونحوه، بهذه الآداب. وقال صلى الله عليه وسلم:(ما من قوم يجلسون مجلسا لا يذكرون الله فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة) .

وفرائض اللسان المجردة عن الأفعال خمسة: الشهادتان، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مرة في العمر، والقول بالحق، والقضاء بالعدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرط ذلك، لا رماية في عماية، كما يفعله بعض أهل هذا الزمان، فنسأل الله العافية والسلامة بمنه وكرمه.

ويستعان على حفظ اللسان بثلاث أشياء: شغله بالذكر الدائم، والخلوة عن الخلق، وقلة المطعم.

ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه، وكان بعض السلف، يضع في فمه حجرا، وبعضهم يكتب كلامه، وذكر النسائي رحمه الله تعالى عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه دخل على سيدنا عمر بن الخطاب فوجده يجذب لسانه فكلمه في ذلك فقال: مده يا عمر، هذا أوردك المهالك، وقال عليه الصلاة والسلام:(وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) وقال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وقال بعض السلف: لو كان الكلام فضة لكان الصمت ذهبا، وفي الخبر:(النجاة في الصمت) .

قال العلماء رضي الله عنهم: وإذا استوى الكلام والصمت في المصلحة فالمقدم الصمت وقتل شهيد في المعترك فقال قائل: هنيئا لك الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام:(وما يدريك لعله كان يبخل بما يعنيه ويتكلم فيما لا يعنيه) ومن أراد السلامة من آفات اللسان فليكثر من قراءة: قل أعوذ برب الناس، وسورة القدر، وسورة القدر، إلى غير ذلك مما ذكر أصحاب الخواص من السماء القهرية، ونحوها.

الغصن الثاني المحارم السمعية

ص: 10

والمحارم السمعية هي غير اللسانية، فكل ما لا يجوز اللغو به لا يجوز سماعه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(المستمع شريك القائل)، وقال في السامع للغيبة إنه أحد المغتابين وقال:(من تسمع حديث قوم من غير إذنهم صب في أذنه الآنك يوم القيامة) ، وقال مولانا جلت قدرته (فَبَشِر عِبادِ، الَّذَينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَبِعون أَحسنَنَهُ) وقال: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ) الآية، وقال في وصف عباده المخلصين:(وَإِذا مَروا بِاللَغوِ مَروا كِراماً وَإِذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلاماً)(وَإِذا سَمِعوا الَلغوَ أَعرَضُوا عَنهُ) الآية، وقال:(وَالَّذَينَ هُم عَنِ اللَغوِ مُعرِضون) .

وفي هذا المعنى لبعض الشعراء:

تَحَرَّ مِن الطُّرقِ أَوساطِها

وَعدِّ عَن الجانِبِ المُشتَبِه

وَسَمعُكَ صُن عَن سَماعِ القَبيحِ

كَصونِ اللِسانِ عَنِ النُّطقِ بِه

فَإِنَّكَ عِندَ سَماعِ القَبيحِ

شَريكٌ لِقائِلِهِ فانتَبِه

الغصن الثالث المحارم النظرية والمحارم النظرية كثيرة: ومنها: النظر للمرأة أو الصبي بشهوة نفس.

ومنها: النظر في كتاب الرجل من غير إذنه.

ومنها: التطلع إلى ما ستر عنك من حاجة أو غيرها.

ومنها: إجالة النظر، فيما أذن لك في دخوله، من بيت ونحوه بغير إذن.

ومنها: التطلع إلى عورة أحد من الخلق، ومنها الفخذان، إلا أن أمرهما خفيف.

ومنها: نظر الرجل إلى عورة نفسه لغير ضرورة وفي تحريمه وكراهته قولان حكاهما ابن القطان في أحكام النظر، ويقال: إن فاعله يبتلى بالزنا ونحوه وقد جرب.

ومنها: النظر إلى الجبابرة بعين التعظيم، والرضا بأحوالهم، واتباعهم البصر تعظيما.

ومنها: النظر بالاحتقار لأحد من الخلق، وكيف تحتقر من لا تقطع بأنك خيرا منه.

ومنها: النظر بالشزر لغير متكبر ولا ظالم لقصد زجره.

ومنها: النظر إلى الضعفاء من المؤمنين بعين السخرية والاستهزاء.

ومنها: الغمز، وهو كسر مؤخرة العين إشارة إلى احتقار، أو إيقاع فعل، أو إشعار بشيء.

ومنها: النظر فيما لا يحل كتبه ولا تعلمه لقصد ذلك. ويكره نظر أحد الزوجين لفرج صاحبه، لأنه يؤذي البصر، ويذهب بالحياء، وقد يرى ما يكره فيؤدي إلى البغضاء - وقالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، ولا رأى ذلك مني، وإن كنا نغتسل من إناء واحد تختلف أيدينا فيه.

وسئل سفيان الثوري عن النظر إلى أبواب أهل الدنيا المزوقة فقال: إنما صنعوها لينظر إليها ولو لم ينظر إليها لما صنعوها.

وقال بعض السلف: اللوطيون ثلاثدة، قوم بالفعل، وقوم بالنظر، وقوم بالمصافحة.

وقال عليه الصلاة والسلام: (من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما نظر في جمر جهنم)، وقال:(إنما جعل الإذن من أجل البصر) وجاء في تفسير قوله تعالى: (يَعلَمُ خائِنَةَ الأَعين) ، هو الرجل يكون بين قوم، فتجوز عليه المرأة فيسارقها النظر، وفي قوله تعالى:(قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضوا مِن أَبصارِهِم) الآية، أمر، وتعليل، وتهديد.

ولا يجوز الخلوة بالصبي الجميل، وإن أمنت فتنته، قاله الشافعي، رضي الله عنه، ولا بالمرأة الأجنبية، بوجه، ولا بحال، فإن النساء حبائل الشيطان.

والنظر بالعين هو سبب الحين، وهو قوس إبليس، الذي إذا ضرب به لم يخطيء.

ثم الأمر كما قال بعض الشعراء وأحسن:

وَأًنتَ إِذا أرسَلتَ طَرفَكَ رائِداً

لِقَلبِكَ يَوماً أَتعَبتُكَ المَناظِرُ

رَأَيتُ الَّذي لا كُلَّهُ أَنتَ قادرُ

عَليهِ وَلا عَن بَعضِهِ أَنتَ صابِرُ

وماحفظ أحد بصره إلا حفظ الله قلبه.

ومن أعظم الآفات، صحبة المردان، وتتبع الرخص، والتأويلات ولا يجوز لذي مروءة كشف راسه، ولا مشيه حافيا، إلا أن يكون عادة في بلاده لا يقبح، وأما كشف الكتفين ونحوهما فمطلقا إلا من ضرورة.

ويجوز للطبيب، والشاهد نظر وجه المرأة، وما لا بد له في ذلك منه من عورة، وغيرها بعذر الضرورة، لا ما وراء ذلك.

كما يجوز للخاطب نظر الوجه ونحوه.

وأحكام النظر كثيرة لابن القطان عليها تأليف نحو خمسة عشر كراسة، فليطالعه من أراد استيفاء أحكامه.

الغصن الرابع المحارم الفرجية والمحارم الفرجية أربعة:

ص: 11

أحدهما: اللواط وهو أعظمها، ويكفيك أن الله خسف بفاعليه ورجمهم ب (حِجارَةً مِن سِجيلٍ مَنضود، مُّسَوَّمَةً عِ، دَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظالمِين بِبَعيد) قيل: هو من يفعل فعلهم، ويذكر أن حجرا من أحجارهم كان في بيت بمصر، وكان بأسفلها رجلان يفعلان ذلك فخرق السقف، ونزل عليهما، وكان هذا في زمان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

الثاني: الزنا بالمحصوك أو غيرها من السراري، وهو أعظم الزنا لتعلق حق العباد به، وهو في حق المحصن أعظم من غيره، وأقل منه الزنا بغير المحصنة لغير المحصن، إذا كانت غير مملوكة بعقد ولا ملك.

وقال يوسف عليه السلام لما راودته امرأة العزيز: (إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظالمون) قيل: معناه لا يسعد الزناة، ويذكر أن الله تعالى يقول في بعض الكتب المنزلة (أنا الله لا إله إلا أنا رب الكعبة أغني الحاج ولو بعد حين وأفقر الزاني ولو بعد حين) .

والثالث: الوطء فيما دون الفرج، وأعظمه ما كان شبيها باللواط، ثم ما كان في محصنة، ثم كذلك، ودبر الزوجة في التحريم كغيره، إلا أنه لا يوجب حدا، لقوة الشبهة فيه، ونسب إلى مالك إباحته فسئل عن ذلك فأنكره وتلا:(نِساؤُكُم حَرثٌ لَكُم) الآية، وقال: هل يكون الحرث إلا في محل الزرع.

وإنما عظم حكم الأدبار، لأنها مضادة للحكمة، ومعاندة للربوبية، بجعل المخرج مدخلا، ثم ما في ذلك من المفاسد الطبيعية والعادية، وإلا فالزنا أعظم مفسدة، إذ يؤدي إلى اختلاط الأنساب.

والرابع: الاستمناء، وجمهور العلماء على تحريمه، ومن قال به لضرورة فبشروط، وقد قال أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: ليت شعري لو كان فيه نص من الشارع بالجواز أكان ذو همة يرضاه لنفسه.

ويذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما: الخضخضة خير من الزنا، وقد قال الإمام أحمد: هي كالحجامة، ومن عمل بها لغير خوف الزنا عزر.

ويدل على تحريمه الحصر في قوله تعالى: (إلَاّ عَلى أَزواجِهِم) الآية، وإقران ملك اليمين بالزوجة دليل على أن المراد الإناث، وما ينسب إلى الشافعي من إباحته ذلك باطل، وإنما قال به الشيعة قبحهم الله.

والاحتلام بصورة محرمة عقوبة، وبغير صورة نعمة، وبصورة شرعية كرامة.

ويعين على حفظ الفرج قراءة سورة الفلق، والدوام على قوله: سبحان الملك القدوس، وكثرة قراءة: والسماء والطارق.

وينهى عن مس الذكر باليمين، وعن اتيان الزوجة بعد وقوع الاحتلام، قيل: وذلك يورث الجنون في الولد، والإتيان على شق يورث الخاصرة، وعدم الملاعبة توجب كون الولد جاهلا غبيا، والرفق بالمرأة حتى يلتقي ماؤها وماء الرجل موجب للمحبة منها له، ومن أراد ذلك فلا يدنوا منها حتى تغلوا نفسها وتقارَّ عيناها، وتطلب التزامه، ومقدمة ذلك أن يكثر ملاعبتها وغمز ثدييها وحك فرجه مع فم شفريها.

وإن أراد تكوين ذكر فليأمرها بالنوم على شقها الأيمن عند فراغه، والأنثى بالعكس، وللبطالة بنومها على ظهرها، ونحوها.

ولا ينبغي أن يغفل الأذكار الشرعية في ذلك، كقوله عند الجماع: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، وعند الفراغ في نفسه: الحمدلله الذي خلق من الماء بشرا. الآية.

ومتى اختلط ريقه بريق الزوجة أكد المحبة وهو كالتنفس في وجهها، نعم وتقبيل العينين موجب للفرقة.

ويقال: ثلاثة تهرم، وربما قتلت: مناكحة العجوز، والنوم على الشبع، ودخول الحمام على الشبع.

ويحب أن تكون نفسه طيبة على النفقة عليها، لأن ذلك من الواجبات، فيؤجر عليها، ولا يجامعها في ثوبها، إذ ليس من السنة.

ولا يعطيها شيئا عند تمكينها منه، فإن ذلك شبيه بالزنا، ولا سيما إن أضيف إلى ذلك إعطاء شيء آخر عند ذلك، ذكر ذلك ابن الحاج في مدخله، فإن ذلك شبيه بالزنا، وكان ذلك يعرف عند بعض أهل المغرب بحل السراويل.

ولا يكثر عليها حتى تمل، ولا يقل حتى تتضرر. وحقها في كل جمعة مرتان، وأحفظه لصحته إن كان معتدل المزاج في الجمعة مرة ولا يبث حديثها لغيرها.

ولا يطلقها إلا لضرر يلحقها منه، فإن طلقها لا يتعرض لذكرها، وإن سئل عنها، فذلك هو الإمساك بالمعروف، والتسريح بالاحسان.

ولا يطيعها في محرم، متفق عليه. ولا يمنعها من مباح، غير مستبشع.

ص: 12

ولا يؤيسها من مطلوب. ولا يسارع لها في مطلبها، فلا ترجع عنه. ويكلمها معروفا بالصلاة، ونحوها، ويعلمها فرائض دينها، كالحيض والغسل، وحقوق الزوجية، وإقامة البيت. وقد أكثر العلماء في هذا الباب، فليطالعه من أراده من كتاب المدخل لابن الحاج، فقد شفى فيه الغليل.

ويستعين عليها، بأن يقرأ عليها حين دخوله عليها: إذا جاء نصر الله والفتح، وألم نشرح، ويستودعها الله في كل صباح، ومساء.

وإذا خاف عليها الفاحشة، أو على ولده، وضع يده على رقبتها، ثم قال يا رقيب سبعا، الله خير حافظا وهو أرحم الراحمين، فإن الله يحفظها.

فإن أصابه اعتراض، فليكتب الفاتحة سبعا، وسورة القدر خمسا وعشرين مرة في آنية، ثم يمحيها بماء الحمص الذي بات فيه ليلة ويشربه ثلاثة أيام على الريق، فإن لم يحله فليوكل أمره إلى الله فيما أصابه فقد عزت الحيلة.

ومن له روجات تعين عليه العدل بينهن، إلا فيما لا يملكه، والله الموفق.

الغصن الخامس المحارم البطنية والمحارم البطنية أربعة: أكل الحرام، كالخنزير، والميتة، والدم.

وشرب الخمر، من أي نوع كان، وهو جماع الإثم.

وأكل المال الباطل، ومنه ما يؤخذ على الغناء والنياحة والمدح، واللهو بل كل شيء لا غرض له ينتفع به في عالم الجسم.

وأكل الربا، والسحت، وهو: كل مال كسب عن بيع فاسد، أو كان غصبا، أو تعديا، أو سرقة، أو خيانة، أو غلولا، أو غير ذلك.

وجاء في الحديث: (من أكل الحلال أطاع الله، أحب أم كره، ومن أكل الحرام عصا الله أحب أم كره) . ويقال التوفيق بين الماء والدقيق.

وقال بعض الفقراء: كل ما شئت فمثله تفعل، واصحب من شئت فأنت على دينه. فتعين على المؤمن طلب الحلال، ومعرفة أحكام البيع، والإجارة، والهدية، والصدقة، وتمييز الشبهة.

أما البيع ففرائضه أربع: استواء علمهما بالسلعة.

ومعرفة قدر الثمن والمثمون، وصفته: وكونه مما يباح التعامل به، وفيه، وله.

وحب كل من المتبايعين لأخيه ما يحب لنفسه، في البيع.

وأما الأجارة ففرائضها أربعة: العلم بقدر العمل، والأجرة.

والوفاء بالعمل، والأجرة. والنصح في ذلك كله.

وكون ذلك مما يباح التعاقد فيه.

وأما الهدية، فشرائطها أربعة: كونها لقصد التحابب.

وسلامة المهدي من حق المهدي له.

والمكافأة عليها بما أمكن.

والبراءة من التهمن في حق الآخذ، والمعطي.

وأما الصدقة فشرائطها أربعة: إعطاؤها لله وإخراجها له.

ووجود الاستحقاق في الآخذ، وصحة القصد في المعطي.

والشكر له على قبول السائل، وتسخير المعطي.

وشكر كل واحد منهما صاحبه، على ما واجهه من إحسانه على يديه.

وأما القول في الشبهة، فتقريبه، أن حد الشبهة: تعارض احتمالين، ومثاراتها كثيرة، والأهم منها ما شك في تحليله، وحرمته.

فمنه: ما فقد حكمه، وشك في مبيحه، كقصيد وجد في ماء، لا يدري أقاتله الجارح، أو الغرق فهذا يحرم.

وما علم حله، وشك في محرمه بعلامةن فهذا لا يحرم، ولكن يستحب الورع، وشك بلا علامة وسوسة.

وما طرأ عليه محلل بغلبة الظن، كصيد غاب، ولم يوجد فيه غير سهمه، فهذا يحل أيضا، إلا أن يكون به أثر غيره.

ولو طرأ عليه المحرم حر، ن كإنائين اشتبها، قال الأذرعي: يحرم الذوق، فلو تميز الحل بعلامة عمل عليها.

ولو اختلط: حرام منحصر، بحلال كمذكاة بعشر ميتات، ورضيعة بعشر نسوة حرما.

وغير منحصر بغير منحصر، كأموال زماننا لا يحرم، إلا بقرينة، كأموال الظلمة وفيه نظر، قاله البلالي.

ومنحصر حلال، بغير منحصر حرام، يحرم الجميع.

وعكسه حلال.

ويجب البحث عما علم غالبا كونه حراما وإلا فورع إن استند إلى دليل وحرام إن لم يستند لأنه إذاية، وسوء ظن بصاحبه.

ولو اشتبه بما له حرام، أخرج مثله منه، ومن غيره أولى.

وفي الأخذ من الولاة للشيوخ طرق، وهذا مع الجهل، وعدم الميل المخرج عن الحق وإلا فحرام إجماعا.

ومن مظان الورع: الجبن الرومي، لا غيره، إذ يذكر أن فيه أنفحة الميتة، وشحم الخنزير، ولا يحرم لعدم الجزم بذلك.

ص: 13

ومنها: أكل السميط، لما علم من حال أصحابه، وأنهم لا يغسلون المذبح، فيتحلل الدم في الماء، ويخالط أجزاء اللحم، بحيث لا يمكن انفكاكه عنه والقول بطهارة الغسل، لا ينبغي العمل عليه، لما علم بالضرورة، من أن ما دخل بالنار لا يخرج بالماء، بل إن كان الماء باردا زاده شدة.

ومنها: أكل هذه النقانق، للجهل فيما يعمل فيها من البندق والحمص، ومقدار ما يدخلها عند القلي، وهذا بخلاف الهريسة، إذ ما فيها من اللحم مستهلك في القمح، ذكر ذلك ابن الحاج في مدخله.

وكان بعض المشايخ يأخذ من صدقة الزكاة، ولا يأخذ من صدقة التطوع، لأن ذلك مال الله، وكان بعضهم يأخذ التطوع ولا يأخذ الزكاة، لعدم التحقق بشروطها، وكل على هدى.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي) وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله أربعون درهم فقد ألحف) وقد قال: (من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)، وقال:(المسألة كلها كدوح إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان)، وقال:(ما جاءك من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه فإنما هو رزق ساقه الله إليك)، وقال:(من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله، ومن أخذها يريد أداءها أدى الله عنه)، وقال:(اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول) وقال: (كفى المرء إثما أن يضيع من يعول)، وقال:(لأن يأخذ أحدكم حبلة يحتطب خير من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه)، قال العلماء: من وجد كفاية عن الأسباب فالله أغناه، وإلا فلا يجوز لأحد أن يقعد عن الأسباب اتكالا على الناس، وهو قادر على الاكتساب.

والشبع من الحلال مبدأ كل شر، فكيف به من الحرام، وقال سفيان: أشبع الونجي وكده وقال: كل ما شئت ولا تشرب، واجتمع رأي سبعين صديقا على أن كثرة النوم من كثرة شرب الماء.

وقال صلى الله عليه وسلم: (حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث للطعام وثلث للماء وثلث للنفس) .

وحد الجوع المتوسع: أن تشتهي الخبز وحده، والجوع المفرط: أن تشتهي كل خبز.

وكثرة الشبع، تذهب الفطنة، وتفسد الذهن، وتعين على المعاصي فقد قيل: البطن إذا جاع شبع سائر الجسد، وإذا شبع جاع سائر الجسد، والجوع المفرط مفسدن للفكر، مقو للخيالات، مقس للقلب.

وليس من السنة البسلمة، والحمدلة، عند كل لقمة، بل المشروع الحديث على الطعام، إلا أن يغلب حال على رجل فيسلم له.

ويعين على الجوع أن يذكر الشخص كل يوم: يا صمد من غير شبيه، ولا شيء كمثله، ثلاثمائة وخمسين مرة، وأظن أنه إذا كتب لصاحب الخمر هذا العدد، وسقيه بماء الدوالي لم يشربه بعد، وكذا إذا سقي طرح الفاخت والحمام والله أعلم.

ويقرأ على الطعام، المخوف منه، سورة قريش ثلاثا، وعلى البطن، إذا خيف شبعها وجوعها سورة القدر، وإذا عطش على الريق وأراد شرب الماء، فليأكل، لقمة، ثم يقول على الماء: يا ماء، بئر زمزم يقرئك السلام، فإنه إذا شرب بعد ذلك لا يضره. ومما يعالج به عطش الليل إخراج الرجل من تحت اللحاف، ويدفع الحرارة المنصبة في البطن إخراج الريح من بين الأسنان.

ومن قبيح العوائد المبادرة بالأكل قبل الجماعة، والذوق عند نزول الطعام قبل توفر الدواعي إلى الأكل، وذلك مستفاد من قوة الشره، وقلة المروءة.

وآداب الأكل كثيرة، فمن أرادها فليطالع كتاب الأكل من الإحياء، ففيه ملح، وطرف، وآداب لا تكاد توجد في غيره، والله أعلم.

الغصن السادس المحارم القلبية والمحارم القلبية أربع: الريا: وأصله الطمع ودواؤه الورع.

والعجب: وأصله الكبر، ودواؤه رؤية المنة لله تعالى، وأنك لا تستحق شيئا من حيث أنت.

والبخل: وأصله خوف الفقر، وداواؤه العلم بأن الدنيا زائلة، وحالها حائل.

والغضب: وأصله رؤية النفس، ودواؤه النظر في مقبحاته فكرا، ونقلا.

فمن الكبر يتولد عدم الإنصاف، وبطر الحق، واحتقار الخلق، والترفع عن عباد الله، واتباع الهوى وإنكار الكرامات، وادعاؤها إلى غير ذلك.

ومن خوف الفقر، يتولد الحسد، والشح، والغصب، والتعدي، والسرقة، وأكل مال اليتيم، والربا، وأكل المال بالباطل، إلى غير ذلك من الإذايات المتعلقة بالمال.

ومن رؤية النفس، والشفقة عليها يتولد الحقد، والمكر، والخديعة، وطلب التشفي، ونحو ذلك.

ص: 14