الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منتخبات من شعر المؤلف
…
وصف القلم:
يا يراعي لولا يد لك عندي
…
عفتُ نظمي في وصفك الأشعارا
يا يراع الأديب لولاك ما أصـ
…
ـبح حظ الأديب يشكو العثارا
غير أني أحنو عليك وإن لم
…
تك عونا في النائبات وجارا
أنت نعم المعين في الدهر لولا
…
أن للدهر همة لا تجارى
يتجلى في النفس شمس نهار
…
في دجى الليل تبعث الأنوارا
جمع الله فيه بين نقيضيـ
…
ـن فكان الظلام منه نهارا
فهو حينا نار تلظى وحينا
…
جنة الخلد تنثر الأزهارا
وتراه ورقاء1 تندب شجوا
…
وتراه رقطاء2 تنفث نارا
وتراه مغنيا إن شدا حر
…
ك بين الجوانح الأوتارا
وتراه مصورا يرسم الحسـ
…
ـن ويغري برسمه الأبصارا
فتخال القرطاس صفحة خد
…
وتخال المداد فيه عِذارا
هو جسر تمشي القلوب عليه
…
لتلاقي بين القلوب قرارا
صامت تسمع العوالم منه
…
أي صوت يناهض الأقدارا
فهو كالكهرباء غامضة الكنـ
…
ـه وتبدو بين الورى آثارا
كم أثار اليراع خطبا كمينا
…
وأمات اليراع خطبا مثارا
1 الورقاء: الحمامة.
2 الرقطاء: الحية الخبيثة.
قطرات من بين شقيه سالت
…
فأسالت من الدما أنهارا
كان غصنا فصار عودا ولكن
…
لم يزل بعد يحمل الأثمارا
كان يستمطر السماء فحال الـ
…
ـأمر فاستمطر العقول الغزارا
يسعد الناس باليراع ويلقى
…
ربه ذلة به وصغارا
وا شقاء الأديب هل وتر1 الدهـ
…
ـر فلا زال طالبا منه ثارا
أرفيق المحراث يحيا سعيدا
…
ورفيق اليراع يقضي افتقارا
ما جنى ذلك الشقاء ولكن
…
قد أراد القضاء أمرا فصارا
ليس للنسر من جناح إذا لم
…
يجد النسر في الفضاء مطارا
1 وتره: أصابه بثأر، يقول: كأن الدهر موتور لذلك الأديب، فهو يطالبه بالثأر.
حاسبوه على الذكاء وقالوا
…
حسبه صيته البعيد فخارا
أوهموه أن الذكاء ثراء
…
فمضى يسحب الذيول اغترارا
يحسب النقد للقصيدة نقدا
…
ويرى البيت في القصيدة دارا
ليس بدعا من هائم في خيال
…
أن يرى كل أصفر دينارا
إن بين المداد والحظ عهدا
…
وذماما لا يلتوي وجوارا
فاللبيب اللبيب من ودع الطر
…
س وولى من اليراع فرارا
على لسان عامل فقير:
زاحفتُ أيامي وزاحفنني
…
دهرا فلم تنكل ولم أنكل1
1 نكل: نكص وجبن.
لا عزمها واه ولا عزمتي
…
تصادم الجندل بالجندل
رمت فلم تبق على مفصل
…
لكنها طاشت عن المقتل
وليتها أصمت1 فما أبتغي
…
من عيشها إن أنا لم أقتل
لا خير في الصبر على غمرة
…
لا يأمل الصابر أن تنجلي
صبرت في البأساء صبر الذي
…
قيد إلى القتل فلم يحفل
لا فضل في الصبر لمستسلم
…
عي عن الفعل فلم يفعل
عشرون عاما لم تحل حالتي
…
ما أشبه الآخر بالأول
أغدو إلى المعمل في شملة2
…
خرقاء لم تكس ولم تشمل
1 أصمى الصيد: رماه فقتله.
2 الشملة: نوع من الأكسية.
كأنها برقع مصرية
…
لا تحجب الوجه عن المجتلي
تنم عن جسمي كما نم عن
…
نفسي غزير المدمع المرسل
يميل بي الهم مميل النقا
…
بين جنوب الريح والشمأل
فمن رآني ظن بي نشوة
…
أجل بكأس الحزن لا السلسل
أقضي نهاري مقبلا مدبرا
…
كأنني الآلة في المعمل
وصاحب المعمل لا يرتضي
…
مني بغير الفادح المثقل
فإن شكوت النزر1 من أجره
…
برح بي شتما ولم يجمل
حتى إذا عدت إلى منزلي
…
وجدت سوء العيش في المنزل
أرى أيامي يشتكين الطوى
…
إلى يتامى جوَّع نحَّل
1 النزر: القليل.
أبيت والأجفان في سهدها
…
كأنما شُدَّت إلى يذبل1
بين صغار سهد في الدجى
…
يذرون دمع الثاكل المرمل
بين ضعيف الخطو لم يعتمد
…
وشاخص في المهد لم يحول2
يدعون أما تتلظى أسى
…
حذار يوم الحادث المثكل
ووالدا عيَّ بإسعافهم
…
في العيش عي الفارس الأعزل
ما زال ريب الدهر ينتابني
…
بالمعضل الفادح فالمعضل
حتى رماني بالتي لم تدع
…
إلا بقايا الروح في هيكل3
فها أنا اليوم طريح الضنى
…
وليس غير الصبر من معقل
1 جبل معروف.
2 لم يعتمد: أي لم يتكل في مشيه على نفسه، والمحول: الذي بلغ حولا.
3 يريد بها الحمى.
في لفحة الرمضاء لا أتقي
…
وهبة النكباء لا أصطلي1
هذا هو البؤس فهل من فتى
…
تم له في البؤس ما تم لي
وقال ينعى على جماعة الفوضويين مذهبهم في قتل الملوك، ويشير إلى حادثة الفوضوي الذي وضع منذ سنوات قنبلة في طريق الفونس الثالث عشر ملك أسبانيا وهو عائد من الكنيسة مع عروسه في يوم حفلة قرانه، فأصابت القنبلة خيل المركبة وقتلت بعض الحاشية، ونجا الملك وعروسه وقبض على الفوضوي فقتل:
أيها الفاتك الأثيم رويدا
…
كل يوم تكيد للتاج كيدا
لا أرى التاج في البرية إلا
…
فلكا دائرا وأخذا وردا
يتخطى الرءوس رأسا فرأسا
…
ماشيا في العصور عهدا فعهدا
1 الرمضاء: شدة الحر، والنكباء: الريح الباردة.
فمحال أن يهدم المرء صرحا
…
أعجز الدهر بأسه أن يهدا
عبثا تقتل الملوك وعذرا
…
لك فيهم لو كنت تحمل حقدا
آفة العقل أن يرى الحمد ذما
…
ويرى الخطة الدنيئة حمدا
لا يبالي بالموت من عرف المو
…
ت ومن لا يرى من الموت بدا
غير أن الآجال فينا حدود
…
كل حي تراه يطلب حدا
أي جفن أجريت منه دموعا
…
كان لولاك في السماكين بعدا
أي روع أسكنته في فؤاد
…
كان في فادح الحوادث جلدا
ما بكى الفونس خشية بل غراما
…
ودموع الغرام أشرف قصدا
إن قلب الجبان يخفق رعبا
…
غير قلب المحب يخفق وجدا
كان بين الحياة والموت شبر
…
بُدّل النحس في مجاريه سعدا
فرأينا القتيل يعمر قصرا
…
وغريم القتيل يعمر لحدا
أنت تقضي والله يقضي بعدل
…
في البرايا والله أكبر أيدا1
جمرة أطفأ القضاء لظاها
…
فغدا جمرها سلاما وبردا
إن للمالك الكريم قلوبا
…
وقفت بينه وبينك سدا
فافتدته فكن خير فداء
…
لمليك وكان نعم المفدى
في الوجديات:
سقاها وحيا تربها وابل القطر
…
وإن أصبحت قفراء في مهمه قفر
طواها البلى طي الشباب رداءه
…
وليس لما يطوي الجديدان2 من نشر
1 الأيد: القوة.
2 الجديدان: الليل والنهار.
مرابض آساد ومأوى أراقم
…
تجاور في قيعانها الغيل بالجحر1
يكاد يضل النجم في عرصاتها2
…
ويزورّ عن ظلمائها البدر من ذعر
لقد فعلت أيدي السوافي بنؤيها3
…
وأحجارها ما يفعل الدهر بالحر
وقفت بها في وحشة الليل وقفة
…
أثار شجاها كامن الوجد في صدري
ذكرت بها العهد القديم الذي مضى
…
ولم يبق منه غير بالٍ من الذكر
وعيشا حسبناه من الحسن روضة
…
كساها الحيا منه أفانين من زهر
فأنشأت أبكي والأسى يتبع الأسى
…
إلى أن رأيت الصخر يبكي إلى الصخر
وما حيلة المحزون إلا لواعج
…
تفيض بها الأحشاء أو عبرة تجري
1 الأراقم: الحميات، والغيل: موضع الأسد.
2 العرصات جمع عرصة، وهي ساحة الدار.
3 السوافي: الرياح، والنؤي: الحفير حول الخباء أو الخيمة يمنع السيل.
وما أنس م الأشياء لا أنس ليلة
…
جلاها الدجى قمراء في ساحة القصر
كأن النجوم في أديم سمائها
…
سفائن فوضى سابحات على نهر
كأن الثريا في الدجنة طرة1
…
مرصعة الأطراف باللؤلؤ النثر
كأن سهيلا حاسد كلما رأى
…
أخا نعمة يرميه بالنظر الشزر2
كأن السها3 حق تعرض باطل
…
إليه فألقى دونه مسبل الستر
كأن الدجى فحم سرى في سواده
…
من الفجر نار فاستحال إلى جمر
كأن نسيم الفجر في الجو خاطر
…
من الشعر يجري في فضاء من الفكر
وفي القصر بين الظل والماء غادة
…
تميس بلا سكر وتنأى بلا كبر
1 الطرة: الشعر المقدم في الجبهة.
2 سهيل: نجم معروف بشدة الاحمرار والخفقان.
3 السها: نجم ضعيف.
تريك عيونا ناطقات صوامتا
…
فما شئت من خمر وما شئت من سحر
لهوتُ بها حتى قضى الليل نحبه
…
وأدرجه المقدار في كفن الفجر
لعمرك ما راحت بلبي صبابة
…
ولا نازعتني مهجتي سورة1 الخمر
ولا هاجني وجد ولا رسم منزل
…
عفاء ولكن هكذا سنة الشعر
ومن كان ذا نفس كنفسي قريحة
…
من الهم لا يُعنى بوصل ولا هجر
كأني ولم أسلخ2 ثلاثين حجة
…
ولم يجر يوما خاطر الشيب في شعري
أخو مائة يمشي الهوينا كأنه
…
إذا ما مشى في السهل في جبل وعر
إذا شاب قلب المرء شاب رجاؤه
…
وشاب هواه وهو في ضحوة العمر
1 سورة الخمر: حدتها.
2 سلخ عامه: أمضاه.
حييت بآمالي قلما كذبنني
…
قنعت فلم أحفل بقل ولا كثر
وأصبحت لا أرجو سوى الجرعة التي
…
أذوق إذا ما ذقتها راحة القبر
وليست حياة المرء إلا أمانيا
…
إذا هي ضاعت فالحياة على الأثر
جزى الله عني اليأس خيرا فإنه
…
كفاني ما ألقى من الأمل المر
وراض جماحي للزمان وحكمه
…
بما شاء من عدل وما شاء من جور
فما أنا إن ساء الزمان بساخط
…
ولا أنا إن سر الزمان بمغتر
وقال في شأن غني من الأغنياء غلبته المدنية الحديثة على بساطته الطبيعية، فابتنى قصرا فخما كان سببا في فساد حاله، وسوء مصيره:
يا صاحب القصر الذي شاده
…
فاستنفد المذخور من وجده1
أقمته كالطود في هضبة
…
ترد عادي الدهر عن قصده
1 الوجد: الغنى والسعة.
أزرته الأبراج في جوها
…
فانتظم الأنجم في عقده
أطلعت فيه كوكبا دانيا
…
أغنى عن الشاسع في بعده
قلصت ظل الليل عنه وما
…
رعيت حق الله في مده
أنشأت روضا زاهرا حوله
…
يعطر الكون شذا نده
ورحت بالرتبة في صدره
…
تدل دل الملك في جنده
كأنما الرتبة كل الذي
…
ينيله الكوكب من سعده
هب أنه اللوفر1 في حسنه
…
أو قصر بوكنهام2 في جده
وهبك روكفيلر3 تحوي الذي
…
يضلل الحاسب في عده
فالمال إن أجهده ربه
…
فالفقر والعدم مدى جهده
1 اللوفر: قصر في باريس.
2 قصر في لندن.
3 أحد الأغنياء في أمريكا.
والمال كالطائر إن هوّمت
…
حراسه طار إلى فنده1
والمجد للمال وكل الذي
…
تراه من مجد فمن مجده
هذا شهاب ساطع مشرق
…
والليلة الليلاء من بعده
بنيت للبنك فأغنيته
…
بجدك المبذول عن جده
بنيت ما لو قدَروا قدرَه
…
لقيل هذا الميت في لحده
وأدتَ فيه الأمل المرتجى
…
حيا ولم تأس على وأده
أغمدت فيه صارما طالما
…
تثلم الدهر على حده
واريتَ فيه ولدا ليته
…
قضى قرير العين في مهده
1 هوم: هز رأسه من النعاس، والفند: الجبل.
وليته ما شب في زخرف
…
يبكي يد الدهر على رغده
فليس من يأسى على مطلب
…
ناء كمن يأسى على فقده
غدرت بالبيت الذي بثك الـ
…
ـود فلم تبق على وده
هدمته والمجد ظل له
…
فما بقاء الظل من بعده
لكنت من كوخك في نعمة
…
تذيب قلب الدهر من حقده
وكان ينتابك مسترفدا
…
من بت محتاجا إلى رفده
فاليوم لا القصر كما ترتجي
…
منه ولا الكوخ على عهده
واليوم رب القصر يذري دما
…
من جفنه آنا ومن كبده
يدعو إليه الموت من بعد ما
…
نالت يد الأيام من أيده
واسود ذاك الجون من جلده
…
وابيض ذاك الجون من فوده1
هل يعلم الشرقي أن الردى
…
سر بصدر الدهر لم يبده
وأنه يفجؤنا بالأسى
…
يوما خروج السيف من غمده
وأن هذا الدهر في هزله
…
يغر بالكاذب من وعده
فهزله أنفذ من جده
…
ورهوه أسرع من وخده2
ويح لمصر ولأبنائها
…
مما يريغ3 الدهر من كده
نعيش بالهم ونرضى به
…
عيشا ونقضي العمر في نقده
كشارب الكأس يرى عابسا
…
منه ولا يقوى على رده
1 الجون: وصف للأبيض والأسود، والفود: ناحية الرأس.
2 الرهو: السير السهل، والوخد: السير السريع.
3 يريغ: يريد.
فإن لمحنا بارقا خاطفا
…
لا نسمع القاصف من رعده
نسرع خوض البحر في جزره
…
وجزره ينبئ عن مده
والكل ظمآن يرى صادرا
…
وما قضى الإربة من ورده
وقال في الحكم:
إذا ما سفيه نالني منه نائل
…
من الذم لم يحرج بموقفه صدري
أعود إلى نفسي فإن كان صادقا
…
عتبت على نفسي وأصلحت من أمري
وإلا فما ذنبي إلى الناس إن طغى
…
هواها فما ترضى بخير ولا شر
وقال يهنئ الشيخ محمد عبده بعودته من إحدى رحلاته في أوروبا:
راح يباري النجم في جده
…
وعاد كالسيف إلى غمده
رأى السرى والسهد مهر العلا
…
فجد وارتاح إلى سهده
لا يبصر الخطب جليلا ولا
…
تلوي به الأهوال عن قصده
مسدد العزم إذا ما مضى
…
يحار صرف الدهر في رده
كالسيف يجلوه القراع1 ولا
…
يأخذ ضرب الهام من حده
كان لمصر بعد توديعه
…
صبابة الصادي إلى ورده
واليوم قد عاد لها كل ما
…
ترجو من النعمة في عوده
وافترّ عنه ثغرها مثلما
…
يفتر ثغر الروض عن ورده
بدا وقد حفت به هيبة
…
كأنما عثمان في برده
ما فيه من عيب سوى أنه
…
يحسده الناس على مجده
ما حيلة الحساد في نعمة
…
أسبغها الله على عبده
1 القراع: الضراب.
وقال في حادثة عربية وقعت بين أسماء بنت أبي بكر الصديق وولدها أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير حينما حاصره الحجاج في مكة حتى أحرجه، ثم عرض عليه التسليم فاستشار أمه، فأشارت عليه بالاستقتال، فقاتل حتى قتل:
إن أسماء في الورى خير أنثى
…
صنعت في الوداع خير صنيع
جاءها ابن الزبير يسحب درعا
…
تحت درع منسوجة من نجيع1
قال يا أم قد عييتُ بأمري
…
بين أسر مر وقتل فظيع
خانني الصحب والزمان فما لي
…
صاحب غير سيفي المطبوع
وأرى نجمي الذي لاح قبلا
…
غاب غني ولم يعد لطلوع
بذل القوم لي الأمان فما لي
…
غيره إن قبلتُه من شفيع
فأجابت والجفن قفر كأن لم
…
يك من قبل موطنا للدموع
1 النجيع: الدم.
واستحالت تلك الدموع بخارا
…
صاعدا من فؤادها المصدوع
لا تسلم إلا الحياة وإلا
…
هيكلا شأنه وشأن الجذوع
إن موتا في ساحة الحرب خير
…
لك من عيش ذلة وخضوع
إن يكن قد أضاعك الناس فاصبر
…
وتثبت فالله غير مضيع
مت هماما كما حييت هماما
…
واحي في ذكرك المجيد الرفيع
ليس بين الحياة والموت إلا
…
كرة في سواد تلك الجموع
ثم قامت تضمه لوداع
…
هائل ليس بعده من رجوع
لمست درعه فقالت لعهدي
…
بك يابن الزبير غير جزوع
إن بأس القضاء في الناس بأس
…
لا يبالي ببأس تلك الدروع
فنضاها عنه وفرّ إلى المو
…
ت بدرع من الفخار منيع
وأتى أمه النعي فجادت
…
بعد لأي بدمعها الممنوع
وقال في الشيب:
ضحكات الشيب في الشعر
…
لم تدع في العيش من وطر
هن رسل الموت سانحة
…
قبله والموت في الأثر
يا بياض الشيب ما صنعت
…
يدك العسراء بالطرر
أنت ليل الحادثات وإن
…
كنت نور الصبح في النظر
ليت سوداء الشباب مضت
…
بسواد القلب والبصر
فالصبا كل الحياة فإن
…
مر مرت غبطة العمر
وقال على سبيل الفكاهة في شأن كلب اسمه "بيل" وفي لسيده، فطوقه طوقا من الذهب وأوصى له بخمسة آلاف دينار:
ليهنك يا "بيل" الجلال وعزة
…
يكاد لها القلب الكسير يطير
ملكت على الزهد الألوف وكلنا
…
إلى قطرة مما ملكت فقير
إذا كان هذا الطوق كالتاج قيمة
…
فأنت بألقاب الملوك جدير
وما المال إلا آية الجاه في الورى
…
فحيث تراه فالمقام خطير
ولو كان بين الجاه والفضل لحمة
…
لزالت عروش جمة وقصور
فيا بيل لا تجزع فرب متوج
…
شبيهك إلا منبر وسرير
وما أنت في جهل المقادير آية
…
فمثلك بين الناطقين كثير
لئن فاتك النطق الفصيح كما ترى
…
فسهمك من نطق الفؤاد وفير
وفيت بعهد للصديق وما وفى
…
بعهد صديق جرول1 وجرير
1 جرول: لقب الحطيئة الشاعر، وجرير شاعر معروف.
فعش صامتا واقنع بحظك واغتبط
…
فما النطق إلا آفة وشرور
ضلال يرى الإنسان فضلا لنفسه
…
وساعده في المكرمات قصير
وما المرء إلا صدقه ووفاؤه
…
وكل كبير بعد ذاك صغير
وماذا يفيد المرء حسن بيانه
…
إذا عيّ بالنطق الفصيح ضمير
مدحتك يا بيل لأني شاعر
…
وأنت على حسن الجزاء قدير
ولو كنت تدري ما أقول لقمت لي
…
بما لم يقم للمادحين أمير
في الوجديات:
جرى الدمع حتى ليس في الجفن مدمع
…
وقاسيت حتى ليس في الصبر مطمع
وما أنا من يبكي ولكنه الهوى
…
يريد من الأسد الخضوع فتخضع
فلله قلبي ما أجل اصطباره
…
وأثبته والسيف بالسيف يقرع
ولله قلبي ما أقل احتماله
…
إذا ما نأى عنه الحبيب المودع
إذا لاح لي سيف من الخطب رعتهُ
…
وإن لاح لي سيف من اللحظ أجزع
وأقتاد ليث الغاب والليث مخدر
…
ويقتادني الظبي الغرير فأتبع
وليل أضل الفجر فيه طريقه
…
فلم يدر لما ضل من أين يطلع
سهرتُ به أرعى الكواكب والكرى
…
عصي على الأجفان والدمع طيِّع
أود لو ان الطيف مَنَّ بزورة
…
وكيف يزور الطيف من ليس يهجع
لقد عشت دهرا ناعم البال خاليا
…
من الهم لا أشكو ولا أتوجع
أروح ولي في معهد الغي مربع
…
وأغدو ولي في مسرح اللهو مرتع
فما زلت أبغي الحب حتى وجدته
…
فلما أردت القرب كان التمنع
فلم يبق لي عن ذلك الحب مهرب
…
ولم يبق لي في ذلك القرب مطمع
كأني في جو الصبابة ريشة
…
بأيدي السوافي ما لها الدهر موقع
كأني في بحر الهيام سفينة
…
أحاط بها موج الردى المتدفع
كأني في بيداء دهماء مجهل
…
تضل رخاء في دجاها وزعزع
فلا أنا فيها واجد من يدلني
…
ولا نجمها يبدو ولا البرق يلمع
فمهلا رويدا أيها اللائم الذي
…
يجرعني في لومه ما يجرع
نصحت فلم أسمع وقلت فلم أطع
…
فما نصح حب لا يطيع ويسمع
فيا حب هذا القول لو كان مجديا
…
ويا نعم ذاك النصح لو كان ينفع
قضى الله ألا رأى في الحب لامرئ
…
وذاك قضاء نافذ ليس يدفع
مررت على الدار التي خف أهلها
…
وطال بلاها فهي قفراء بلقع
معاهد كانت آهلات وكان لي
…
مصيف تقضَّى في رباها ومربع
فيا ليت شعري هل يعودنَّ عيشنا
…
بمعهدها والشمل بالشمل يجمع
فتُقضى لُبانات وتطفى لواعج
…
وتبرد أكباد وتنضب أدمع
فما أنس م الأشياء لا أنس ليلة
…
تجشمت فيها الهول والهول مفزع
ولا مؤنس إلا ظلام ووحدة
…
ولا مسعد إلا فؤاد مروع
ولا صاحب إلا المطية حولها
…
ذئاب تعادي في الفلاة وأضبع
ولا عين إلا النجم ينظر باهتا
…
ويعجب لي ماذا بنفسي أصنع
إذا ما تشكت من كلال مطيتي
…
وقد كلمتها ألسن السوط تسرع
أسير بها سير السحاب كأنني
…
بأذرعها عرض الفدافد أذرع
إلى أن تنورت الخيام ولاح لي
…
ضياء بدا من جانب الخدر يسطع
فأقدمت نحو الحي والحي هاجع
…
وخضت سواد القوم والقوم صرع
ولا عهد لي من قبل أين خباؤها
…
ولكن هداني نشرها المتضوع
فبت وباتت يعلم الله لم يكن
…
سوى أذن تصغي وعين تمتع
نخال دوي الريح في الجو واشيا
…
بنا وضياء البرق عينا فنفزع
ولا عين إلا خوفنا وارتياعنا
…
ولا ناظر يرنو ولا أذن تسمع
وأعذب ورد راقٍ ما كان نيله
…
عزيزا وأحلى القرب قرب ممنع
فكانت برغم الدهر أحسن ليلة
…
رأيت بعمري بل هي العمر أجمع
وما راعنا إلا هدير حمامة
…
على فنن عند الصباح ترجِّع
فقمت ولم تعلق بذيلي ريبة
…
ولا كان إلا ما يشاء الترفع
وودعتها والحزن يغلب صبرنا
…
وأحشاؤنا من حسرة تتقطع
فقالت أهذا آخر العهد بيننا
…
وهل لتلاقينا معاد ومرجع
فقلت ثقي يا فوز بالله إنها
…
"سحابة صيف عن قليل تقشع"
وسرتُ وقلبي في الخيام مخلَّفٌ
…
ولي نحو قلبي والخيام تطلُّع
حنانيك رفقا أيها الدهر واتئد
…
فحسبي ما ألقى وما أتجرع
ورحماك بي فالسيل قد بلغ الزبى
…
ولم يبق في قوس التصبر منزع
على أنني أصبحت لا متخوفا
…
بلاء ولا إن نالني الرزء أجزع
فقد اعتصمت بالصبر نفسي وفوضت
…
إلى الله ما يعطي الزمان ويمنع
بول وفرجيني:
يا بني القفر سلاما عاطرا
…
من بني الدنيا عليكم وثناء
وسقى العارض من أكواخكم
…
معهد الصدق ومهد الأتقياء
كنتم خير بني الدنيا ومن
…
سعدوا فيها وماتوا سعداء
عشتم من فقركم في غبطة
…
ومن القلة في عيش رخاء
لا خصام لا مراء بينكم
…
لا خداع لا نفاق لا رياء
خلق بر وقلب طاهر
…
مثل كأس الخمر معنى وصفاء
ووفاء ثبت الحب به
…
وثبات الحب في الناس الوفاء
أصبحت قصتكم معتبرا
…
في البرايا وعزاء البؤساء
يجتلي الناظر فيها حكمة
…
لم يسطرها يراع الحكماء
حكم لم تقرءوا في كتبها
…
غير أن طالعتمو صحف الفضاء
وكتاب الكون فيه صحف
…
يقرأ الحكمة فيها العقلاء
إن عيش المرء في وحدته
…
خير عيش كافل خير هناء
فالورى شر وهمّ دائم
…
وشقاء لا يدانيه شقاء
وفقير لغني حاسد
…
وغني يستذل الفقراء
وقوي لضعيف ظالم
…
وضعيف من قوي في عناء
في فضاء الأرض منأى عنهم
…
ونجاء منهم أي نجاء
إن عيش المرء فيهم ذلة
…
وحياة الذل والموت سواء
ليت "فرجيني" أطاعت "بولسا"
…
وأنالته مناه في البقاء
ورثت للأدمع اللاتي جرت
…
من عيون ما درت كيف البكاء
لم يكن من رأيها فرقته
…
ساعة لكنه رأى القضاء
فارقته لم تكن عالمة
…
أن يوم الملتقى يوم اللقاء
ما "لفرجيني" وباريس أما
…
كان في القفر عن الدنيا غناء
إن هذا المال كأس مزجت
…
قطرة الخمرة فيه بدماء
لا ينال المرء منه جرعة
…
لم يكن في طيها داء عياء
عرضوا المجد عليها باهرا
…
يدهش الألباب حسنا ورُواء
وأروها زخرف الدنيا وما
…
راق فيها من نعيم وثراء
فأبته وأبى الحب لها
…
نقض ما أبرمه عهد الإخاء
ودعاها الشوق للقفر وما
…
ضم من خير إليه وهناء
فغدت أهواؤها طائرة
…
بجناح الشوق يزجيها الرجاء
يأمل الإنسان ما يأمله
…
وقضاء الله في الكون وراء
ما لهذا الجو أمسى قاتما
…
ينذر الناس بويل وبلاء
ما لهذا البحر أضحى مائجا
…
كبناء شامخ فوق بناء
وكأن الفلك في أمواجه
…
ريشة تحملها كف الهواء
ولفرجيني يد مبسوطة
…
بدعاء حين لا يجدي دعاء
لهفي والماء يطفو فوقه
…
هيكل الحسن وتمثال الضياء
زهرة في الروض كانت غضة
…
تملأ الدنيا جمالا وبهاء
من يراها لا يراها خلقت
…
مثل خلق الناس من طين وماء
ظنت البحر سماء فهوت
…
لتباري فيه أملاك السماء
هكذا الدنيا وهذا منتهى
…
كل حي ما لحي من بقاء