الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجب - كخطوة أولى - على كل من يريد فهم القرآن، أن يخلى ذهنه ما أمكن من جميع ما استقر فيه من قبل من التصورات والنظريات .. ثم يكب على دراسته بقلب مفتوح وأُذن واعية وقصد نزيه لفهمه.
أما الذين يدرسونه واضعين طائفة من التصورات في أذهانهم مقدما، فما يقرؤون بين دفتيه إلا تصوراتهم أنفسهم، ولا يجدون شيئًا من رائحة القرآن. ولا يصلح هذا المنهج لدراسة أي كتاب من الكتب، فكيف بالقرآن الذي لا يفتح كنوز معانيه أبدا للذين يدرسونه باتباع مثل هذا المنهج (1).
ويقول عبد الكريم الخطيب: فالقرآن الكريم، لا يُقبل إلا على من يُقبل عليه، ولا يمنح خيره وبركته إلا لمن يعرف قدره، ويطرق بابه في أدب وولاء وخشوع (2).
ويؤكد سيد قطب على هذا المعنى، ويعتبره من أهم العوامل التي جعلت الصحابة ينتفعون بالقرآن، ويرتفعون به إلى السماء .. يقول رحمه الله:
وقد نجح الصحابة في التعامل مع القرآن، والتفاعل به، لأنهم كانوا حريصين على ألا يستقوا إلا من نبعه الرباني الصافي، ولأن الرجل منهم كان يخلع على عتبة القرآن كل ماضيه، ويدخل عالم القرآن بدون مقررات مسبقة، لتتم صياغته صياغة قرآنية فريدة، ولأنهم تلقوه للتنفيذ والعمل لا للثقافة والمتاع، أو التذوق والاطلاع (3).
الإكثار من تلاوة القرآن:
اعلم أخي بأننا كلما أقبلنا على القرآن كلما أعطانا من خيره، وكلما ازدادت فترات لقائنا به كلما ازددنا له فهما، وتأثرًا، وإيمانًا
…
فلنجتهد في ذلك، ولنُطِل فترة المكث معه، ولا يكن همنا وقت القراءة: متى سننتهي من الجزء أو السورة بل ليكن كل منا:
متى سأتأثر؟ متى سأبكي؟ متى سيقشعر جلدي؟! متى سيَوْجل قلبي؟!
يقول عبد الله بن مسعود: اقرؤوا القرآن وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة (4).
ومما يساعد على الوصول لهذه الأهداف هو إطالة فترة المكث مع القرآن وعدم قطع القراءة بأي أمر من الأمور -ما أمكن ذلك- حتى لا نخرج من جو القرآن، وسلطان الاستعاذة، خاصة في البداية، ويُفضل أن يكون اللقاء بالقرآن في مكان هادئ -قدر المستطاع- وبعيدًا عن الضوضاء ليساعد المرء على التركيز وعدم شرود الذهن، ولا ننس الوضوء والسواك قبل القراءة.
القراءة من المصحف وبصوت مسموع وبترتيل:
فالترتيل له وظيفة كبيرة في الطَّرْق على المشاعر ومن ثمَّ استثارتها وتجاوبها مع الفهم الذي سيولده التدبر، لينشأ بذلك الإيمان حينما يتعانق الفهم مع التأثر.
وهنا تبرز أهمية تعلم أحكام التلاوة حتى تتحقق الفائدة من الترتيل. فلا بد وأن يجتهد كل منا في تعلم أحكام التلاوة والنطق الصحيح للآيات في أسرع وقت حتى يتسنى له الانتفاع بالقرآن.
أما القراءة من المصحف فلها فوائد عظيمة في عدم شرود الذهن، ومن ثم حدوث الفهم والتأثر.
ومع الترتيل علينا أن نجتهد في تحسين أصواتنا بالقرآن ما أمكن، فالصوت الحسن يزيد من تأثير القرآن على المشاعر، لذلك قال صلى الله عليه وسلم:«حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حُسنا» (5).
القراءة بصوت حزين:
ومع القراءة الهادئة المرتلة علينا أن نجتهد في صبغ قراءتنا بالحُزن، فإن الصوت الحزين له تأثير عجيب وسريع على المشاعر. يقول صلى الله عليه وسلم:«أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله» (6).
(1) المبادئ الأساسية لفهم القرآن لأبي الأعلى المودودي- دار القلم - ص 48، 49.
(2)
مقالات الإسلاميين في رمضان لمحمد موسى الشريف ص 444.
(3)
معالم في الطريق لسيد قطب.
(4)
شعب الإيمان للبيهقي (2042).
(5)
صحيح الجامع الصغير (3145).
(6)
صحيح الجامع الصغير (194).