الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الأكل لمن دعي إذا حضر
من دعي إلى وليمة أو غيرها فحضر هل يلزمه الأكل أم لا؟
المدعو في هذه الحالة لا يخلو من أمرين:
الأول: أن يكون المدعو مفطراً.
الثاني: أن يكون المدعو صائماً.
فأما الأمر الأول: وهو أن يكون المدعو مفطراً:
فاختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه يجب الأكل.
قال العراقي1: والوجه الثاني لأصحابنا أنه يجب الأكل واختاره النووي في تصحيح التنبيه وصححه في شرح مسلم في الصيام وبه قال أهل الظاهر ومنهم ابن حزم وتوقف المالكية في ذلك وعبارة ابن الحاجب في مختصره: ووجوب أكل المفطر محتمل. ا?.
واستدلوا على ذلك:
1-
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائماً فليصل وإن كان مفطراً فليطعم" وفي حديث ابن عمر "وإن كان مفطراً فليطعم" وفي حديث ابن مسعود قال "فإن كان مفطراً فليأكل
…
" وتقدمت2.
ووجه الدلالة أن هذا أمر لمن كان مفطراً أن يأكل والأصل في الأمر الوجوب.
القول الثاني: أنه لا يجب على المفطر الأكل.
1 طرح التثريب (7/80) .
2 ص: 102، 108.
قال العراقي1: وهو أصح الوجهين عند الشافعية وبه قال الحنابلة.
وقال النووي2: وأما المفطر ففي أكله وجهان أحدهما يجب وأقله لقمة وأصحها: أنه مستحب.
وقال ابن قدامة3: وأما الأكل فغير واجب صائماً كان أو مفطراً نص عليه أحمد.
وقال الحافظ ابن حجر4: ويؤخذ منه - يعني حديث جابر - أن المفطر لو حضر لا يجب عليه الأكل وهو أصح الوجهين عند الشافعية، وذكر نحو هذا الشوكاني5.
واستدلوا على ذلك:
1-
حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك".
أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وتقدم6.
قال ابن قدامة7 بعد حكاية القولين: ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك" حديث صحيح ولأنه لو وجب الأكل لوجب على المتطوع بالصوم فلما لم يلزمه الأكل لم يلزمه إذا كان مفطراً وقولهم المقصود الأكل قلنا بل المقصود الإجابة ولذلك وجبت على الصائم الذي لا يأكل. ا?.
1 طرح التثريب (7/80) .
2 الروضة (7/337) .
3 المغني (7/4) .
4 الفتح (9/247) .
5 النيل (6/203) .
6 ص: 107.
7 المغني (7/4) .
المناقشة:
مناقشة أدلة أصحاب القول الأول:
قال النووي1: ومن لم يوجبه اعتمد التصريح بالتخيير في الرواية الأولى - يعني حديث جابر - وحمل الأمر في الثانية - يعني حديث أبي هريرة وغيره - على الندب.
وقال الصنعاني2: وقال من لم يوجب الأكل: الأمر للندب والقرينة الصارفة إليه قوله "وله" أي لمسلم من حديث جابر رضي الله عنه نحوه وقال: "فإن شاء طعم وإن شاء ترك" فإنه خيره والتخيير دل على عدم الوجوب للأكل ولذلك أورده المصنف عقب حديث أبي هريرة.
مناقشة أدلة أصحاب القول الثاني:
ذكر العراقي3 عدة أجوبة عن حديث جابر هي:
الجواب الأول: قال ابن حزم4 لم يذكر فيه أبو الزبير أنه سمعه من جابر ولا هو من رواية الليث عنه فإنه أعلم له ما سمعه منه وليس هذا الحديث مما أعلم له عليه فبطل الاحتجاج به.
لكن يجاب عن هذا الجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن الحديث في صحيح مسلم وعنعنة المدلس في الصحيحين أو أحدهما محمولة على السماع.
الوجه الثاني: أن أبا الزبير صرح بالتحديث كما عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار5.
1 شرح مسلم (9/236) .
2 سبل السلام (3/276) .
3 طرح التثريب (7/8) .
4 المحلى (9/25) .
(8/28) وتقدم تخريج هذا الحديث.
الجواب الثاني: قال ابن حزم أيضاً ثم لو صح لكان الخبر الذي فيه إيجاب الأكل زائداً على هذا وزيادة العدل لا يحل تركها.
قلت1: ليس هذا صريحاً في إيجاب الأكل فإن صيغة الأمر ترد للاستحباب وأما التخيير الذي في حديث جابر فإنه صريح في عدم الوجوب فالأخذ به وتأويل الأمر متعين، والله أعلم. ا?.
الجواب الثالث: قال النووي2: من أوجب تأول تلك الرواية على من كان صائماً.
قال العراقي3 وأشار والدي رحمه الله في الرواية الكبرى من الأحكام إلى تأييد هذا التأويل بأن ابن ماجه4 روى حديث جابر هذا في الصوم من نسخته من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عنه بلفظ "من دعي إلى طعام وهو صائم فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك" والروايات يفسر بعضها بعضا وقد أخرج مسلم رواية ابن جريج هذه ولم يسق لفظها بل قال إنها مثل الأولى وقد عرفت زيادة هذه الفائدة فيها وهذا الجواب أقوى هذه الأجوبة. ا?.
وهذا الوجه يجاب عنه بأن هذه الزيادة "وهو صائم" أخرجها ابن ماجه، قال: حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا أبو عاصم أنبأنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر به ورجال إسناده ثقات لكن أبا الزبير عنعنه.
ورواه ابن نمير ويزيد بن سنان وعمرو بن علي بن بحر كلهم عن أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير بدون هذه الزيادة وأبو الزبير صرح بالتحديث عند الطحاوي5.
1 أي العراقي.
2 شرح مسلم (9/236) .
3 طرح التثريب (7/80) .
4 تقدم تخريجه ص: 107 وذكر نحو هذا الوجه الحافظ ابن حجر في الفتح (9/248) .
5 تقدم تخريج هذا الحديث ص: 107.
أما الأمر الثاني: وهو أن يكون المدعو صائماً:
إذا حضر المدعو وكان صائماً فقال النووي1 لا خلاف أنه لا يجب عليه الأكل. ا?.
وهذا الأمر لا يخلو من أحوال2 هي:
الأولى: أن يكون الصوم فرضاً مضيقاً فيحرم الفطر كما قاله النووي3.
وقال ابن قدامة4: إن كان المدعو صائماً صوماً واجباً أجاب ولم يفطر لأن الفطر غير جائز فإن الصوم واجب والأكل غير واجب.
الثانية: أن يكون الصوم فرضاً موسعاً كالنذر المطلق وقضاء رمضان فقال النووي5: فإن لم نجوز الخروج منه حرم الفطر وإلا فقيل هو كصوم النفل.
الثالثة: أن يكون الصوم نفلاً:
وهذه الحالة اختلف العلماء فيها فذهب بعض أهل العلم إلى استحباب الفطر.
قال في الإنصاف6: الصحيح من المذهب استحباب الأكل لمن صومه نفل أو هو مفطر قاله القاضي وصححه في النظم وقدمه في المحرر والفروع وتجريد العناية وغيرهم وقيل يستحب الأكل للصائم إن كان يجبر قلب داعيه وإلا كان إتمام الصوم أولى.
واستدلوا على ذلك:
1-
حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: "صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً فأتاني هو وأصحابه فلما وضع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعاكم أخوكم وتكلف لكم ثم قال: أفطر وصم يوماً مكانه إن شئت".
1 شرح مسلم (9/236) .
2 والبعض يجعلها حالتين إما أن يكون الصوم فرضاً أو نفلاً.
3 الروضة (7/337) .
4 المغني (7/4) .
5 روضة الطالبين (7/337)
(8/322) .
أخرجه البيهقي1 - وحسن سنده الحافظ -2 والطبراني3.
ورواه الطيالسي4، والدارقطني5 ولم يذكرا "إن شئت".
1 في السنن (4/279) كتاب الصيام، باب التخيير في القضاء وإن كان صومه تطوعاً من طريق إسماعيل بن أبي أويس ثنا أبو أويس عن محمد بن المنكدر عن أبي سعيد به.
2 في الفتح (4/210) وفي هذا التحسين نظر من وجهين، هما:
الأول: الكلام في إسماعيل بن أبي أويس وأبيه من قبل حفظهما فقد تكلم فيهما غير واحد.
وقال الحافظ في إسماعيل: صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه، وقال في أبيه: صدوق يهم.
التقريب (108، 309) وقال في التلخيص (3/198) : لما ساقه من طريق إسماعيل عن أبيه عن ابن المنكدر وفيه لين.
الوجه الثاني: قال الحافظ في التلخيص (3/198) : وابن المنكدر لا يعرف له سماع من أبي سعيد وعدم السماع محتمل عند من قال إن أبا سعيد توفى سنة ثلاث وستين أو أربع أو خمس وستين كما قاله الحافظ، وقيل: مات سنة أربع وسبعين.
وولادة ابن المنكدر قبل الستين بيسير فإنه توفى سنة (130هـ) وبلغ نيفاً وسبعين سنة كما قاله ابن عيينة ولهذا قال الحافظ: فيكون مولده على هذا قبل سنة ستين بيسير.
أما على القول بأن وفاة أبي سعيد سنة أربع وسبعين فإن السماع محتمل وممكن ولاسيما أن ابن المنكدر مدني وأبي سعيد توفى بالمدينة.
التقريب (232، 508) تهذيب الكمال (26/509) و (10/300) تهذيب التهذيب (9/274) .
3 في الأوسط (4/152 رقم 3264) من طريق عطاف بن خالد المخزومي ثنا حماد بن أبي حميد حدثني محمد بن المنكدر به وقال: لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد تفرد به حماد ابن أبي حميد وهو محمد بن أبي حميد أهل المدينة يقولون حماد بن أبي حميد.
وقال الهيثمي في المجمع (3/54) : وفيه حماد بن أبي حميد وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات.
4 في مسنده (263 رقم 2203) ومن طريقه البيهقي في السنن (7/263،264) حدثنا محمد ابن أبي حميد عن إبراهيم بن عبيد الله بن رفاعة عن أبي سعيد به فجعله عن إبراهيم لا عن ابن المنكدر كما في الطريق السابق.
5 في السنن (2/177) كتاب الصيام، باب تبييت النية من الليل وغيره. من طريق حماد بن خالد عن محمد بن أبي حميد عن إبراهيم بن عبيد قال: صنع أبو سعيد طعاماً
…
» الحديث. وقال: هذا مرسل. وقال ابن الملقن عقب قول الدارقطني هذا: لأن إبراهيم تابعي كما قاله الحافظ أبو موسى في كتابه معرفة الصحابة وأبعد ابن حبان حيث ذكره فيهم وقال أحمد في حقه: ليس بمشهور بالعلم.
قلت: ومع إرساله محمد بن أبي حميد واه، قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه لا جرم. قال البيهقي في خلافياته: إسناد هذا الحديث مظلم ومحمد بن أبي حميد ضعيف الحديث قلت وشيخ الدارقطني فيه هو أحمد بن محمد بن سوار قال هو فيه: يعتبر بحديثه ولا يحتج عليه. وقال الخطيب: ما رأيت أحاديثه إلا مستقيمة. أ. هـ
البدر المنير كتاب الصداق باب الوليمة والنثر الحديث الرابع عشر. وقال الحافظ عقب رواية الدارقطني: وهو مرسل لأن إبراهيم تابعي ومع إرساله فهو ضعيف لأن محمد بن أبي حميد متروك. ورواه أبو داود الطيالسي من هذا الوجه فقال عن إبراهيم بن أبي حميد عن أبي سعيد وصححه ابن السكن وهو متعقب يضعف ابن أبي حميد. ا?.
التلخيص (3/198) .
والحاصل أن هذا الحديث له طريقان:
الأول: عن ابن أبي أويس ولا يصل درجته إلى الحسن لما تقدم.
والثاني: مداره على ابن أبي حميد وهو ضعيف بل قيل فيه: متروك كما تقدم، ولعل الاختلاف منه لضعفه فمرة يرويه عن ابن المنكدر، ومرة يرويه عن إبراهيم بن عبيد كلاهما عن أبي سعيد، ومرة عن إبراهيم مرسلاً، وتارة يذكر "إن شئت" وتارة لا يذكرها.
ثم إن هذا الحديث قد يقال إنه يعارض الأحاديث المتقدمة كحديث أبي هريرة وجابر وابن عمر وابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خير المدعو بين أن يطعم أو يترك، وفي بعضها أنه أمره إن كان صائماً أن يدعو ولم يأمره بالفطر كما في حديث أبي سعيد إلا أن يحمل حديث أبي سعيد إن صح على أن هذا راجع إلى صاحب الدعوة فإن كان يشق عليه عدم الفطر فإنه يفطر وإن كان صيامه لايؤثر في نفس الداعي فيدعو له وينزل كل حديث موضعه، والله أعلم.
2-
قالوا إن في الأكل إجابة لدعوة أخيه المسلم وإدخال السرور في قلبه1.
قال ابن قدامة2: وإن كان صوماً تطوعاً استحب له الأكل لأن له الخروج من الصوم فإذا كان في الأكل إجابة أخيه المسلم وإدخال السرور على قلبه كان أولى وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعة فاعتزل رجل من القوم
…
" الحديث وإن أحب إتمام الصيام جاز لما روينا في الخبر المتقدم ولكن يدعو لهم ويبارك ويخبرهم بصيامه ليعلموا عذره فتزول عنه التهمة في ترك الأكل وقد روى أبو حفص بإسناده عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم فقال: "إني صائم ولكنني أحببت أن أجيب الداعي فأدعو بالبركة".
1 المغني (7/4) .
2 المصدر السابق.
وعن عبد الله قال: إذا عرض على أحدكم طعام وهو صائم فليقل إني صائم وإن كان مفطراً فالأولى له الأكل لأنه أبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه ولا يجب ذلك عليه.
وقال أصحاب الشافعي فيه وجه آخر أنه يلزمه الأكل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإن كان مفطراً فليطعم" ولأن المقصود منه الأكل فكان واجباً. ا?.
القول الثاني: ذهب طائفة من أهل العلم إلى جواز الفطر وتركه1.
وممن ذهب إلى هذا بعض الشافعية والحنابلة2.
ودليل هذا القول:
1-
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائماً فليصل وإن كان مفطراً فليطعم" أخرجه مسلم، وشاهده من حديث ابن عمر وجابر وابن مسعود3.
وفي لفظ لحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره "إذا دعي أحدكم وهو صائم فليقل إني صائم".
ووجه الدلالة أنه لو كان الفطر مرغب فيه لحث عليه وقال "فليطعم".
2-
حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك" أخرجه مسلم4.
ووجه الدلالة أنه خير المدعو بين الأكل وعدمه سواء كان صائماً أم مفطراً ولم يرغب في أحدهما.
3-
حديث عائشة رضي الله عنها قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: "ياعائشة
1 شرح مسلم للنووي (9/236) طرح التثريب (7/79) .
2 المصدر السابق
3 تقدم ص: 102، 107، 108.
4 تقدم ص: 107.
هل عندكم شيء؟ " قالت فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء، قال: "فإني صائم"، قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية أو جاءنا زَوْر قالت فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يارسول الله أهديت لنا هدية أو جاءنا زَوْر وقد خبأت لك شيئاً قال: "ما هو؟ " قلت: حيس، قال: "هاتيه" فجئت به فأكل ثم قال: "قد كنت أصبحت صائماً".
أخرجه مسلم1 واللفظ له وأبو داود2 والترمذي3 والنسائي4 وزاد5 "وأصوم يوماً مكانه".
1 في صحيحه (2/808 رقم 1154) كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال وجواز فطر الصائم نفلاً من غير عذر.
2 في السنن (2/824 رقم 2455) كتاب الصوم، باب في الرخصة في ذلك -أي النية في الصيام-.
3 في السنن (3/102 رقم 734) كتاب الصوم، باب صيام المتطوع بغير تبييت.
4 في السنن (4/194 رقم 2323 حتى 2328) كتاب الصيام، باب النية في الصيام، وفي الكبرى (2/114، 115 رقم 5633 حتى 5637) كتاب الصيام، باب النية في الصيام.
كلهم من طريق طلحة بن يحيى بن عبيد الله حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة به. وعند النسائي أيضاً عن طلحة عن مجاهد عن عائشة به وعن طلحة عن عائشة بنت طلحة ومجاهد عن عائشة به.
5 وزاد أي النسائي في الكبرى (2/249 رقم 3300) كتاب الصيام، باب مايجب على الصائم التطوع إذا أفطر، والدارقطني في السنن (2/177) كتاب الصيام، باب تبييت النية من الليل وغيره، والبيهقي في السنن (4/275) كتاب الصيام باب صيام التطوع والخروج منه قبل تمامه.
كلهم من طريق سفيان بن عيينة حدثتنيه طلحة بنت يحيى عن عمته عائشة عن عائشة به.
قال النسائي عقبه: هذا خطأ قد روى هنا الحديث جماعة عن طلحة فلم يذكر أحداً منهم "ولكن أصوم يوماً مكانه".
وقال الدارقطني عقبه: لم يروه بهذا اللفظ عن ابن عيينة غير الباهلي - محمد بن عمرو بن العباس - ولم يتابع على قوله "وأصوم يوماً مكانه" ولعله شبه عليه والله أعلم لكثرة من خالفه عن ابن عيينة. لكن لم ينفرد به الباهلي فقد رواه الشافعي ومحمد بن منصور كما عند النسائي عن سفيان فالتفرد من سفيان.
وقال البيهقي عقب إخراجه بدون ذكر القضاء: هكذا رواه جماعة عن سفيان بن عيينة وكذلك رواه جماعة عن طلحة بن يحيى ولم يذكر واحداً منهم القضاء في هذا الحديث.
ثم ساقه من طريق سفيان بذكر القضاء فقال: وكان أبو الحسن الدارقطني يحمل في هذا اللفظ على محمد بن عمرو الباهلي هذا ويزعم أنه لم يروه بهذا غيره ولم يتابع عليه وليس كذلك فقد حدث به ابن عيينة في آخر عمره وهو عند أهل العلم بالحديث غير محفوظ.
ثم ساقه من طريق الشافعي عن ابن عيينة به بذكر القضاء وقال: وروايته عامة دهره لهذا الحديث لايذكر فيه هذا اللفظ مع رواية الجماعة عن طلحة بن يحيى لا يذكره منهم أحد منهم سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وعبد الواحد بن زياد ووكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد القطان ويعلي بن عبيد وغيرهم فدل على خطأ هذه اللفظة والله أعلم.
وقد روى من وجه آخر عن عائشة ليس فيه هذه اللفظة. ا?.
وقال المزني: - معرفة السنن والآثار (6/336) - سمعت الشافعي سمعت سفيان عامة مجالسه لا يذكر فيه "سأصوم يوماً مكانه" ثم عرضته عليه قبل أن يموت بسنة فأجاب فيه "سأصوم يوماً مكانه".
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/210) وابن عيينة كان في آخر عمره تغير.
ووجه الدلالة جواز الخروج من صوم النفل.
4-
حديث أم هانئ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر".
أخرجه النسائي1 والحاكم2 والبيهقي3.
1 في السنن الكبرى (2/251 رقم 3309) كتاب الصيام، باب الرخصة للصائم المتطوع أن يفطر وذكر اختلاف الناقلين لحديث أم هانئ في ذلك.
2 في المستدرك (2/439) كتاب الصوم، باب صوم التطوع.
3 في السنن (4/276) كتاب الصيام، باب صيام التطوع والخروج منه قبل إتمامه.
كلهم من طريق سماك بن حرب عن أبي صالح عن أم هانئ به.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتلك الأخبار المعارضة لهذا لم يصح منها شيء، ووافقه الذهبي.
وهذا الطريق فيه أمران:
الأول: ضعف أبي صالح مولى أم هانئ.
والثاني: الاختلاف على سماك فيه مع مافيه من كلام فمرة يرويه هكذا ومرة عن ابن أم هانئ عن جدته أم هانئ، ومرة يسميه ويقول: عن هارون بن أم هانئ، ومرة عن رجل عن يحيى بن جعدة عن أم هانئ.
أخرج ذلك النسائي في الكبرى (4/250،251 رقم 3304 حتى 3308) والبيهقي بعضها (4/278، 279) .
وأخرجه أحمد (6/341) والترمذي والسياق له (3/100 رقم 732) كتاب الصوم، باب ماجاء في إفطار الصائم المتطوع، والنسائي في الكبرى (2/250 رقم 3303) وابن عدي في الكامل (2/601) والبيهقي (4/276) من طريق شعبة قال: كنت أسمع سماك بن حرب يقول: حدثني أحد بني أم هانئ فليقت أفضلهم وكان اسمه جعدة وكانت أم هانئ جدته فحدثني عن جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها بشراب فشرب ثم ناولها فشربت فقالت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمين نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر".
قال شعبة فقلت له أأنت سمعت هذا من أم هانئ؟ قال: لا أخبرني أبو صالح وأهلنا عن أم هانئ، هذا لفظ الترمذي وغيره قال "أمير نفسه".
وهذا الطريق مداره على أبي صالح أو مجهول أو جعدة ولم يسمعه من أم هانئ كما في هذا الطريق.
قال النسائي (2/252) : وأما جعدة فإنه لم يسمعه من أم هانئ.
وأخرجه أبو داود (4/825 رقم 2456) كتاب الصوم، باب في الرخصة في ذلك من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن أم هانئ بنحوه.
وحسنه العراقي في تخريج الإحياء نقلاً عن آداب الزفاف للألباني (156) ولكن في هذا التحسين نظر لضعف يزيد بن أبي زياد.
التقريب (601) .
وقال الترمذي: "وحديث أم هانئ في إسناده مقال والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم
…
".
وقال النسائي عقب سياق طرقه واختلاف فيه: هذا الحديث مضطرب
…
فقد اختلف على سماك بن حرب فيه فسماك بن حرب ليس ممن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث لأنه كان يقبل التلقين.
وأما حديث جعدة فإنه لم يسمعه من أم هانئ ذكره عن أبي صالح عن أم هانئ وأبو صالح هذا اسمه باذان وقيل باذام وهو مولى أم هانئ وهو الذي يروي عنه الكلبي.
قال ابن عيينة عن محمد بن قيس عن حبيب بن أبي ثابت قال: كنا نسمي أبا صالح دُوزوزن وهو بالفارسية كذاب، وأبو صالح والد سهيل بن أبي صالح اسمه ذكوان ثقة مأمون. ا?.
والحاصل أن الحديث روى عن أم هانئ من طرق هي:
الأول: عن أبي صالح عنها وأبو صالح ضعيف.
الثاني: عن جعدة عنها وجعدة لم يسمع منها.
الثالث: عن عبدا لله بن الحارث عنها لكن في سنده يزيد بن أبي زياد.
الرابع: عن يحيى بن جعدة عنها لكن الراوي عن يحيى رجل لم يسم.
الخامس: عن هارون بن أم هانئ – المخزومي - عنها وهارون مجهول.
التقريب (570) .
السادس: عن سماك عن ابن أم هانئ عنها ويحتمل أن يكون ابن أم هانئ هو هارون كما في الطريق الخامس ويحتمل أن يكون جعدة ولم يسمع منها ويحتمل أن يكون يحيى بن جعدة فإنه ابن ابنها وهو ثقة ويروي عنها والأقرب أنه هارون لأن سماك يروي عن هارون وجعدة فبينه وبين يحيى بن جعدة واسطة لم يسم، والله أعلم.
وهذه الطرق كلها مدارها على سماك عدا الطريق الثاني والثالث وفيها مافيها.
وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (4/278) : هذا الحديث مضطرب متناً وسنداً
…
وأطال في بيان ذلك.
ووجه الدلالة أنه جوز للصائم المتطوع الفطر والإمساك.
5-
حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال: "آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء، متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال: كل، قال: إني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، قال: فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال: نم فنام ثم ذهب يقوم فقال: نم فلما كان في آخر الليل قال سلمان: قم الآن فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان".
أخرجه البخاري1 والترمذي2.
ووجه الدلالة: إفطار أبي الدرداء وهو صائم صوم تطوع وأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
وهذه الأدلة تدل على جواز الفطر إذا كان الصوم تطوعاً.
1 في صحيحه (2/694، 695 رقم 1867) كتاب الصوم، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له. وأخرجه برقم (5788) .
2 في السنن (4/608، 609 رقم 2413) كتاب الزهد باب (63) .
الترجيح:
والأظهر والله أعلم ما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال1:وأعدل الأقوال أنه إذا حضر الوليمة وهو صائم إن كان ينكر قلب الداعي بترك الأكل فالأكل أفضل وإن لم ينكر قلبه فإتمام الصوم أفضل.
ولا ينبغي لصاحب الدعوة الإلحاح في تناول الطعام للمدعو إذا امتنع فإن كلا الأمرين جائز فإذا ألزمه بما لا يلزمه كان من نوع المسألة المنهي عنها، ولا ينبغي للمدعو إذا رأى أنه يترتب على امتناعه مفاسد أن يمتنع فإن فطره جائز، فإن كان ترك الجائز مستلزماً لأمور محظورة ينبغي أن يفعل ذلك الجائز وربما يصير واجباً. ا?.
وقال الحافظ ابن حجر2: وهل يستحب له الفطر إن كان صومه تطوعاً؟ قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة: إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم وأطلق الروياني وابن الفراء استحباب الفطر وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل، وأما من يوجبه فلا يجوز عنده الفطر كما في صوم الفرض ويبعد إطلاق استحباب الفطر مع وجود الخلاف ولاسيما إذا كان وقت الإفطار قد قرب. ا?.
وقال نحوه العراقي3.
وقال الأبيّ4: وإن كان في صوم تطوع جاز له الفطر إلا أن يشق على
1 الاختيارات (241) .
2 الفتح (9/247) النيل (6/203) .
3 طرح التثريب (7/79) .
4 إكمال إكمال المعلم (5/95) .
صاحب الوليمة فيكون له الفطر أفضل.
وقال النووي1: وإن كان نفلاً - أي الصوم - جاز الفطر وتركه فإن كان يشق على صاحب الطعام صومه فالأفضل الفطر وإلا فإتمام الصوم، والله أعلم.
1 شرح مسلم للنووي (9/236) وانظر روضة الطالبين (7/337) عون المعبود (10/203) .