المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الخلق، والانتباه إلى الأخلاق الحسنة الأخرى فيها، كل ذلك خوفاً - بسط القول والإسهاب في بيان حكم مودة المؤمن للكافر

[أبو فيصل البدراني]

الفصل: الخلق، والانتباه إلى الأخلاق الحسنة الأخرى فيها، كل ذلك خوفاً

الخلق، والانتباه إلى الأخلاق الحسنة الأخرى فيها، كل ذلك خوفاً من أن يتعدى الأمر إلى بغض المرأة لأنه لا يمكن أن يبغضها ويحبها في وقت واحد.

وعلى هذا يتيبن لنا أن البراء من المشركين ليس على مرتبة واحدة، بل هو مراتب متفاوتة، يتراوح بين قتالهم وهو أعلاها وبين بغض عملهم وهو أدناها، وبينهما مراتب كثيرة ، وهذه المراتب تختلف بحسب اختلاف أصناف المشركين وحالهم فمودة الزوجة الكتابية أو الوالدين المشركين لا تتنافى مع بغض الكفر الذي هم فيه وقد قال ربُّنا عز وجل حكاية عن بعض أنبيائه:{إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ القَالِين} .

أما محبَّة دين الزوجة الكتابية المحرَّف والميل إليه والإعجاب به فحرام شرعاً ، كما علَّمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن نقول:(ونخلع ونترك من يفجرك) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي، أي نطرح مودَّة العابد لغيرك، ولا نحبُّ سلوكه واعتقاده.

وعليه فما تقدم إنما هو أدلة تُخرج الزوجة الكتابية والوالدين ونحوهما مما ورد فيه الدليل من البغض لذات الشخص وإنما يبغض دينه وعمله.

وهذا المذهب الذي يظهر لي أنه الأقرب للصواب ومع ترجيحي لهذا المذهب فإني لا أسفه الآراء الأخرى؛ بل أحترم قولهم، وأرى أن لها وجهاً قوياً من النظر باستثناء القول الرابع الذي توسع في الترخص بمودة الكافر المسالم توسعاً فاحشاً يُخالف ظاهر نصوص الكاتب والسنة وظاهر مذهب السلف القائم على بغض الكافر ومنابذته إلا ما استثناه الشارع.

‌الفريق الرابع:

هنالك من أهل العلم من ذهب إلى أن الولاء المحرم هو الولاء لأهل الحرب من الكفار فقط دون المُسالمين منهم وأن موالاة الكافر المسالم الذي لا تخشى على نفسك من أن يضرك في دينك هي موالاة مكروهة ولا تصل إلى درجة التحريم حتى قال بعضهم بجواز صداقة الكافر المُسالم بإطلاق وقال بعضهم أن الموالاة هي نصرة أهل الحرب الكفار على المسلمين ، واستدل بقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" وقوله "وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" ووجه الاستدلال أن الله عز وجل وصف الكفار بأنهم أولياء بعض مع أنه لا يخفى على أحد بأن بين الكفار من البغضاء والتشاحن ما لا يُنكره أحد اطلع على أمورهم ، كما قال تعالى عنهم " بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى" ومع ذلك لم يكن البغض بينهم مانعاً من أن يصفهم الله بأنهم أولياء وبالتالي هذا يدل على أن الموالاة لا تعني المحبة ، بل الموالاة هي الحِلف والمناصرة فقط وعليه فهي خاصة بأهل الحرب ، ولا تعني الحب كما يتوهم البعض ، وقال بعضهم أن المحبة ليست شرطاً للولاء باستثناء ولاء العبد لربه فلا بد من وجود المحبة.

وعلى هذا فالموالاة ليست هي الأخوة الإيمانية بل هي أخص ، فهي خاصة بأهل الدار والدولة الواحدة ويدخل في هذه الولاية كل من انتسب إليها ولو كان ذمياً ولكن تكون ولاية ناقصة علماً بأن أهل الذمة الكفار هم الذين تولونا ونحن قبلنا وليس نحن من تولاهم ، وهم تحت رايتنا وسلطاننا وليس العكس ، والذي يدل على ما تقدم قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا

ص: 46

وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فالله عز وجل هنا نفى الولاية بين المؤمنين في دار الهجرة والمؤمنين في دار الحرب ومن المعلوم بأنه لم ينفي المحبة بينهم والأخوة.

هذه جملة أقوال هذا الفريق ، وهذا المذهب ضعيف بلا شك ويُخالف صريح قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) وقد تأول أصحاب هذا المذهب قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً

الآية) فقال أحدهم في معناها (فهو نهي المؤمنين أن يتخذوا لأنفسهم بطانة من الكافرين الموصوفين بتلك الأوصاف على القول بأن قوله لا يألونكم

إلخ نعوت للبطانة هي قيود للنهي، وكذا على القول بأنه كلام مستأنف مسوق للتعليل، فالمراد واحد، وهو أن النهي خاص بمن كانوا في عداوة المؤمنين على ما ذكر، وهو أنهم لا يألونهم خبالاً وإفساداً لأمرهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. فهذا هو القيد الأول، والثاني قوله عز وجل: ودوا ما عنتم أي تمنوا عنتكم، أي وقوعكم في الضرر الشديد والمشقة. والثالث والرابع قوله: قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر أي قد ظهرت علامات بغضائهم لكم من كلامهم، فهي لشدتها مما يعوزهم كتمانها ويعز عليهم إخفاؤها، على أن ما تخفي صدورهم منها أكبر مما يفيض على ألسنتهم من الدلائل عليه،

ثم قال: وأنت ترى أن هذه الصفات التي وصف بها من نهي عن اتخاذهم بطانة لو فرض أن اتصف بها من هو موافق لك في الدين والجنس والنسب لما جاز لك أن تتخذه بطانة لك إن كنت تعقل، فما أعدل هذا القرآن الحكيم وما أعلى هديه وأسمى إرشاده! لقد خفي على بعض الناس هذه التعليلات والقيود فظنوا أن النهي عن المخالف في الدين مطلقاً، ولو جاء هذا النهي مطلقاً لما كان أمراً غريباً، ونحن نعلم أن الكافرين كانوا إلباً على المؤمنين في أول ظهور الإسلام إذ نزلت هذه الآيات ولا سيما اليهود الذين نزلت فيهم على رأي المحققين، ولكن الآيات جاءت مقيدة بتلك القيود لأن الله - تعالى - وهو منزلها - يعلم ما يعتري الأمم وأهل الملل من التغير في الموالاة والمعاداة كما وقع من هؤلاء اليهود فإنهم بعد أن كانوا أشد الناس عداوة للذين آمنوا في أول ظهور الإسلام قد انقلبوا فصاروا عوناً للمسلمين في بعض فتوحاتهم كفتح الأندلس وكذلك كان القبط عوناً للمسلمين على الروم في مصر فكيف يجعل عالم الغيب والشهادة الحكم على هؤلاء واحداً في كل زمان ومكان أبد الأبيد؟ ألا إن هذا مما تنبذه الدراية. ولا تروي غلته الرواية .... ثم قال: ما أشبه هذا النهي في قيوده بالنهي عن اتخاذ الكفار أنصاراً وأولياء، إذ قيد بقوله عز وجل: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون

انتهى) ، (قلتُ لو رجع هذا القائل لكلام أهل التفسير

ص: 47

المحققين لعلم أنه قد أبعد وذهب مذهباً بعيداً إلا أن الأمانة العلمية تلزم مني استيعاب الأقوال كلها ولو كان بعضها مرجوحاً).

واستدل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه وهو جواز موالاة الكافر المسالم بمعظم أدلة الفريق الثاني والثالث التي سلفت.

ومما استدلوا به قوله تعالى} لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {، قالوا ما كان من مشركي مكة هو الكفر بما جاء المسلمين من الحق وإخراج الرسول والمسلمين من ديارهم وهذه الصفات بمجموعها لا تنطبق إلا على المشركين من أهل مكة المحاربين ومجموعها هو علة النهي عن موادتهم وقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. (استئناف هو منطوق لمفهوم الأوصاف التي وصف بها العدو في قوله تعالى) وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم) وقوله) إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء)، المسوقة مساق التعليل للنهي عن اتخاذ عدو الله أولياء، استثنى الله أقواما من المشركين غير مضمرين العداوة للمسلمين وكان دينهم شديد المنافرة مع دين الإسلام.

فإن نظرنا إلى وصف العدو من قوله) لا تتخذوا عدوي وعدوكم (وحملناه على حالة معاداة من خالفهم في الدين ونظرنا مع ذلك إلى وصف يخرجون الرسول وإياكم، كان مضمون قوله) لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين إلى آخره، بياناً لمعنى العداوة المجعولة علة للنهي عن الموالاة وكان المعنى أن مناط النهي هو مجموع الصفات المذكورة لكل صفة على حيالها.

وإن نظرنا إلى أن وصف العدو هو عدو الدين، أي مخالفه في نفسه مع ضميمة وصف وقد كفروا بما جاءكم من الحق، كان مضمون لا ينهاكم الله إلى آخره تخصيصا للنهي بخصوص أعداء الدين الذين لم يقاتلوا المسلمين لأجل الدين ولم يخرجوا المسلمين من ديارهم. وأياً ما كان فالمنهي عن موالاته هو الكافر المحارب دون غيره هذا وإن كان الكافر المسالم ُتكره موالاته وقالوا كذلك بأن قوله تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ {النهي عن الشيء بسبب من الأسباب لا يتناول من لم يتحقق فيهم، ولا ينافي زوال النهي بزوال سببه ولذلك قال تعالى بعد هذا النهي في هذه السورة " الممتحنة ": (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" فهذه الآيات نص صريح في كون النهي عن الولاية لأجل العداوة، وكون القوم حرباً، لا لأجل الخلاف في الدين لذاته. وقد أباح الله للمسلمين نكاح الكتابيات على ما فطر عليه القلوب من

ص: 48

حب الزوجية وقوله"وجعل بينكم مودة ورحمة" والمصاهرة إنما تكون بعد التحاب بين أهل الزوجين، والارتباط بينهما بروابط الائتلاف، وأقل ما فيها محبة الرجل لزوجته، وهي على غير دينه، قال تعالى "خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" والله يقول لخيار المؤمنين"ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم" ويقول محمد رشيد رضا بتصرف يسير مني في تفسير المنار عند قوله تعالى (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ عن حب آبائهم المشركين كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ، قال (الله عز وجل لم ينه المسلمين، بل حذرهم أن يكونوا أحب إليهم من الله ورسوله، وجهاد ما في سبيله ; لأن هذا لا يجتمع مع الإيمان الصحيح كذلك نهاهم في سورة المجادلة عن موادة من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم إذا كانت لأجل المحادة، كما يفيده ترتيب النهي على فعلها، فإن المودة هي المعاملة الحبية، والمحادة شدة العداوة والبغضاء، فاشتراك المؤمن المحب لله ورسوله مع المحاد لله ولرسوله في المودة المرتبة على صفتيهما جمع بين الضدين، فهو في معنى موالاتهم بل أخص منها

انتهى). ومراده رحمه الله بكلامه أن المودة المنهي عنها إنها هي المودة لأجل ما هم عليه من المحادة لله ورسوله، فمثل هذه المودة لا تجتمع مع الإيمان، فلا يمكن أن يجتمع في قلب رجل واحد محبة الله ورسوله، مع محبة من يحاد الله ورسوله، بحيث يكون الباعث على هذه المحبة هو هذه المحادة، فهذان ضدان لا يجتمعان، بخلاف الجمع بين محبة الله ورسوله والمؤمنين محبة دينية شرعية، وبين محبة أعداء الله ورسوله والمؤمنين محبة جبلية بشرية.

وقال محمد رشيد رضا رحم الله أيضاً في تفسيره المنار عن قوله تعالى "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون".

(ولو كان معنى الركون في اللغة الميل اليسير مهما يكن نوعه كما زعم الزمخشري ومقلدوه، لكان هذا الوعيد الشديد على قليل منه على قلته في نفسه مما لا يمكن أن تراد به حقيقته ; لأنه أشد الوعيد على ما لا يستطيع بشر اتقاءه إلا بعصمة خاصة من الله - تعالى - كما سترى في تفسيرهم له، أما والحق ما قلناه، وهو أن الركون إلى الشخص أو الشيء هو الاعتماد عليه والاستناد إليه وجعله ركنا شديدا للراكن، فأجدر بقليله أن يتعذر اجتنابه على أكمل البشر إلا بالعصمة والتثبيت الخاص من الله عز وجل، فكيف ينهى جميع المؤمنين عن الميل اليسير إلى من وقع منه أي نوع من الظلم؟

لم يكن ميل النفس الطبعي من المؤمنين إلى أولادهم وأرحامهم المشركين الظالمين ولا البر بهم والإحسان إليهم محظورا عليهم ; لأنه ليس من الركون إليهم الخاص بالولاية لهم والاعتماد عليهم وهو المنهي عنه، ولا من الميل إليهم لأجل الظلم. ولما فعل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فعلته التي هي أقرب إلى الولاية الحربية منها إلى صلة الرحم كما تأولها، أنزل الله - تعالى - سورة الممتحنة التي نهى فيها عن ولاية المشركين الظالمين المقاتلين في الدين والمودة فيها وقال: -

ص: 49