المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ذكر مقر الأرواح

وعن أبي هريرة مرفوعاً:) ما من عبد يمر على رجل يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا عرفه، ورد عليه السلام (.

وفي الأربعين الطائية روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:) آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان يحبه في دار الدنيا (.

قال ابن القيم: الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به الميت وسمع سلامه، وأنس به ورد عليه، وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم، فإنه لا يُوَقَّت.

قال وهو أصح من أثر الضحاك الدال على التوقيت.

قال: قد شرع صلى الله عليه وسلم لأمته أن يسلموا على أهل القبور سلام من يخاطبونه ممن يسمع ويعقل.

‌ذكر مقر الأرواح

عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش (.

وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) لما أصيب أصحابكم بأحد جعل الله أرواحهم في

ص: 56

حواصل طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش (.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) الشهداء على بارق نهر الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية (.

وعن أبي بن كعب قال: الشهداء في قباب في رياض الجنة يبعث إليهم ثور وحوت فيعتركان بهما، فإذا احتاجوا إلى شيء عقر أحدهما صاحبه فيأكلون فيجدون فيه طعم كل شيء في الجنة (.

وعن أنس أن حارثة لما قتل، قالت أمه: يا رسول الله قد علمت منزلة حارثة، فإن يكن في الجنة أصبر، وإن يكن في غير ذلك ترى ما أصنع؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) إنها جنات كثيرة وإنه في الفردوس الأعلى (.

ص: 57

وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:) إنما نسمة المؤمن طائر يتعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه (.

وعن أم هانىء أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزاور إذا متنا، وبر بعضنا بعضاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) يكون بأنعم طير يتعلق بالشجر، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها (.

وعن أم بشر بن البراء أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يتعارف الموتى؟ قال:) تربت يداك النفس الطيبة طير خضر في الجنة فإن كان الطير يتعارفون في رؤوس الشجر فإنهم يتعارفون (.

وعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: لما حضرت كعباً الوفاة أتته أم بشر بن

ص: 58

البراء وقالت: يا أبا عبد الرحمن إن لقيت فلاناً فأقرئه مني السلام قال لها: يغفر الله لك يا أم بشر نحن أشغل من ذلك، فقالت: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:) إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حيث شاءت ونسمة الكافر في سجّين مسجونة (قال: بلى قالت هو ذلك.

وفي مراسيل عمرو بن الحبيب قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أرواح المؤمنين فقال:) في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت قالوا يا رسول الله وأرواح الكفار؟ قال: محبوسة في سجّين (.

وعن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام التقيا، فقال أحدهما لصاحبه: إن لقيت ربك قبلي فأخبرني بماذا لقيت؟ فقال: أو تلقى الأحياء الأموات؟ قال: نعم. أما المؤمنون فإن أرواحهم في الجنة وهي تذهب حيث شاءت.

وعن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين كالزرازير تأكل من ثمر الجنة وأخرجه ابن منده مرفوعاً.

ص: 59

وعن كعب قال: جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي فيها أرواح المؤمنين الشهداء تسرح في الجنة، وأرواح آل فرعون في أجواف طير سود وعلى النار تغدو وتروح وإن أطفال المؤمنين في عصافير في الجنة.

وعن هذيل قال: إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تروح وتغدو على النار وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر، وأولاد المسلمين لم يبلغوا الحلم في عصافير من عصافير الجنة ترعى وتسرح.

وعن ابن عمرو قال: أرواح المؤمنين في صور طير بيض في ظل العرش وأرواح الكافرين في الأرض السابعة.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم ير الخلائق أحسن من المعراج الذي يراه الميت حين يشق بصره إلى السماء فإن ذلك عجبه فصعدت أنا وجبريل فاستفتحت باب السماء فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح

ص: 60

طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين (.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:) إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة (.

وعن وهب بن منبه قال:) إن لله في السماء السابعة داراً يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين فإذا مات من أهل الدنيا أحد تلقته الأرواح يسألونه عن أخبار الدنيا كما يسأل الغائب عن أهله إذا قدم عليهم (.

وعن ابن عمر أنه عزى أسماء بابنها عبد الله بن الزبير وجثته مصلوبة فقال: لا تحزني فإن الأرواح عند الله في السماء وإنما هذه جثة.

وعن عبد الله بن الزبير عن العباس بن عبد المطلب قال: ترفع أرواح المؤمنين إلى جبريل فيقال: أنت ولي هذه إلى يوم القيامة.

وعن المغيرة بن عبد الرحمن قال: لقي سلمان الفارسي عبد الله بن سلام فقال له: إن مت قبلى فأخبرني بما تلقى، وإن مت

ص: 61

قبلك أخبرتك. قال: وكيف وقد مت؟ فقال) إن الروح إذا خرج من الجسد كان بين السماء والأرض حتى يرجع إلى جسده (.

وعن ابن عباس في قوله تعالى: (اللَهُ يَتَوَفّى الأَنفُسَ حينَ مَوتِها وَالَّتي لَم تَمُت في مَنامِها فَيُمسِكُ الَّتي قَضى عَلَيها المَوتُ وَيُرسِلُ الأُخرى إِلى أَجَلٍ مُسَمّى (قال: سبب ممدود ما بين المشرق والمغرب بين السماء والأرض، فأرواح الموتى وأرواح الأحياء إلى ذلك السبب تتعلق النفس الميتة بالنفس الحية، فإذا أذن لهذه الحية بالانصراف إلى جسدها لتستكمل رزقها، فأمسكت الميتة، وأرسلت الأخرى (.

وفي الفردوس ولم يسنده ولده من حديث أبي الدرداء:) الميت إذا مات دير به حول داره شهراً وحول قبره سنة، ثم يرفع إلى السبب الذي تلتقي فيه أرواح الأحياء والأموات (.

وعن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال: أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، وأنفس الكافرين في سجين.

وقال ابن القيم: البرزخ هو الحاجز بين الشيئين، وكأنه أراد في أرض بين الدنيا والآخرة.

ص: 62

وعن مالك بن أنس قال: بلغني أن أرواح المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت.

وعن عبد الله عمرو قال: أرواح الكفار تجمع ببرهوت - سبخة بحضرموت - وأرواح المؤمنين تجمع بالجابية.

وعن عروة بن رويم قال: الجابية تجيء إليها كل روح طيبة.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: أرواح المؤمنين في بئر زمزم، وأرواح الكافرين في واد يقال له برهوت.

وعن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين تجمع بأريحاً، وأرواح المشركين تجمع بظافر من حضرموت.

وعن وهب بن منبه قال: إن أرواح المؤمنين إذا قبضت ترفع إلى ملك يقال له رميائيل وهو خازن أرواح المؤمنين.

ص: 63

وعن أبان بن ثعلب عن رجل من أهل الكتاب قال: الملك الذي على أرواح الكفار يقال له دوحة.

وعن كعب قال: الخضر على منبر من نور بين البحر الأعلى والبحر الأسفل وقد أمرت دواب الأرض أن تسمع له وتطيع، وتعرض عليه الأرواح بكرة وعشية.

هذا مجموع ما وقفنا عليه من الأحاديث والآثار في مقر الأرواح، وقد اختلفت أقوال العلماء فيه بحسب اختلاف هذه الآثار.

قال ابن القيم: والتحقيق أنه لا خلاف، وأن الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت، ولا تعارض بين الأدلة فإن كلاً منها وارد على فرق من الناس بحسب درجاتهم.

قال: وعلى كل تقدير فللروح بالبدن اتصال بحيث يصح أن تخاطب ويسلم عليها ويعرض عليها مقعدها وغير ذلك مما ورد، فإن للروح شأناً آخر فتكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة بالبدن إذا سلم المسلم على صاحبه رد عليه السلام وهي مكانها هناك، وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد، فيعتقد أن الروح من حيث ما يعهد من الأجسام التي إذا بلغت مكاناً لم يمكن أن تكون في غيره وهذا غلط محض، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء موسى قائماً في قبره، ورآه في السماء السادسة، والروح هناك كانت في مثال البدن ولها اتصال بالبدن حيث يصلي في قبره ويرد السلام، فالروح ترد عليه

ص: 64

وهو في الرفيق الأعلى، ولا تباين بين الأمرين فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، وقد مثل ذلك بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في أرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم من صلّى عليَّ عند قبري سمعته، ومن صلى عليَّ نائياً بلغته (.

هذا مع القطع بأن روحه في عليين مع أرواح الأنبياء وهو الرفيق الأعلى أو في حاجز بين السماء والأرض أو سجين ولها اتصال بالبدن حيث يدرك ويسمع ويصلي ويقرأ، وإنما يستغرب هذا لكون الشاهد الدنيوي ليس فيه ما يشابه هذا، وأمور الآخرة والبرزخ على نمط غير المألوف في الدنيا إلى أن قال: والحاصل أنه ليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد وكلها على اختلاف محلها وسائر مقارها، لها اتصال بأجسادها في قبورها يحصل لها من النعيم أو العذاب المقيم ما كتب.

وقال الحافظ ابن حجر: أرواح المؤمنين في عليين، وأرواح الكافرين في سجين، ولكل روح بجسدها اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في الحياة الدنيا بل أشبه شيء به حال النائم، وإن كان هو أشد من حال النائم اتصالاً.

قال: وبهذا يجمع بين ما ورد أن مقرها في عليين أو سجين أو بئر، وما نقله ابن عبد البر عن الجمهور أنها عند أفنية قبورها.

قال: ومع ذلك فهي مأذون لها في التصرف وتأوي إلى محلها من عليين أو سجين.

قال: وإذا نقل الميت من قبر إلى قبر فالاتصال المذكور مستمر وكذا إذا تفرقت الأجزاء.

وقال صاحب الإفصاح: المنعم على جهات مختلفة، منها ما هو طائر في أشجار مختلفة في الجنة، ومنها ما هو في حواصل طير خضر.

ومنها: ما هو في حواصل طير كالزرازير.

ومنها: ما هو في أشجار الجنة.

ومنها: ما هو في صور تخلق لهم من ثواب

ص: 65

أعمالهم.

ومنها: ما تسرح وترد إلى جثتها تزورها.

ومنها: ما تتلقى أرواح المقبوضين.

ومنها: ما هو في كفالة ميكائيل.

ومنها: ما هو في كفالة آدم.

ومنها: ما هو في كفالة إبراهيم.

قال القرطبي: وهذا قول حسن يجمع الأخبار حتى لا تتدافع.

وذكر البيهقي في كتاب) عذاب القبر (نحوه لما ذكر حديث ابن مسعود في أرواح الشهداء وحديث ابن عباس ثم أورد حديث البخاري عن البراء قال: لما توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) إن له مرضعاً في الجنة (.

ثم قال يحكيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابنه إبراهيم بأنه يرضع في الجنة، وهو مدفون بالبقيع في قبره بالمدينة.

قال النسفي في بحر الكلام: الأرواح على أربعة وجوه: أرواح الأنبياء تخرج من جسدها وتصير صورتها مثل المسك والكافور، وتكون في الجنة تأكل وتشرب وتنعم وتأوي بالليل إلى قناديل العرش وأرواح المطيعين من الشهداء تخرج من جسدها وتكون في أجواف طير خضر في الجنة، تأكل وتشرب وتنعم، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش وأرواح الطائعين بربض الجنة، لا تأكل ولا تنعم، ولكن تنطلق إلى الجنة.

وأرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض في الهواء.

ص: 66