المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان فضيلة الصبر - تأملات قرآنية - المغامسي - جـ ٢٧

[صالح المغامسي]

فهرس الكتاب

- ‌ تأملات في سورة النحل [2]

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)

- ‌بيان المراد بالعدل والإحسان

- ‌بيان معنى قوله تعالى (وإيتاء ذي القربى)

- ‌بيان معنى قوله تعالى (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذا بدلنا آية مكان آية)

- ‌حكم نسخ القرآن بالقرآن ونسخه بالسنة

- ‌بيان ما وقع من نسخ الحكم قبل وقوعه

- ‌تفسير قوله تعالى: (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها)

- ‌بيان معنى قوله تعالى: (وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)

- ‌بيان معنى قوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)

- ‌بيان المشاكلة اللفظية في قوله تعالى (بمثل ما عوقبتم به)

- ‌بيان حكم الظفر

- ‌بيان جرم الخيانة

- ‌بيان فضيلة الصبر

- ‌بيان معية الله تعالى للمتقين والمحسنين

- ‌الأسئلة

- ‌حكم الاستنجاء باليد اليمنى

- ‌مصير الذنب الذي قد تاب المرء منه

- ‌حكم لعن الكافر المعين

- ‌حكم أخذ مال المدين الكاذب في الوعد بالوفاء

- ‌حكم الدعاء لمن يظن تركه للصلاة

- ‌حكم المسح على الأحذية في الوضوء

- ‌حكم تارك صلة بعض أرحامه

- ‌حكم حلق شعر الصدر

- ‌حكم الصلاة عن يسار الإمام لازدحام المكان

- ‌دليل جواز نسخ القرآن بالسنة

الفصل: ‌بيان فضيلة الصبر

‌بيان فضيلة الصبر

يقول تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126].

ولا يوجد شيء يدني المرء من عظيم المنازل ورفيع الدرجات من الصبر، فقد صبر يوسف عليه الصلاة والسلام على مكر إخوانه، وعلى ظلم امرأة العزيز، وعلى السجن، فأورثه الله جل وعلا ما أورثه.

وراء مضيق الخوف متسع الأمن وأول مفروح به غاية الحزن فلا تيأسن فالله ملك يوسف خزائنه بعد الخلاص من السجن والله جل وعلا يبتلي قبل أن يمكن، فإذا صبر العبد وأظهر لله جل وعلا الرضاء بالمقدور، وأذعن لله ولأمره ونهيه؛ بوأه الله جل وعلا منزلة أعلى ودرجة أرفع، ولهذا دعا الله نبيه وندبه إلى الصبر، فقال:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126].

يقول لنبيه: {وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127]، فالصبر يطلب من الله، فالمرء في كل أحواله، في تربيته لأبنائه، في صبره على أذى زوجته وفي غير ذلك يصبر مستعيناً بالله.

يروى أن رجلاً من الصالحين جاءه رجل فطلب منه أن يتزوج ابنته وهو لا يعرفه، فوافق، فلما أدخلت عليه المرأة إذا هي عوراء عرجاء وفيها من كل العاهات، فصبر خمسة عشر عاماً لا يكلم أحداً بأن في زوجته شيئاً، فكانت من شدة ما بها من الأمراض والعاهات تتعلق به، فصارت من حبها له وتعلقها به تمنعه من أن يذهب إلى أصحابه، ثم صارت تمنعه من صلاة الجماعة من فرط شغفها به، فصار يحضر صلاة وأخرى لا يحضرها، فلا يخرج خوفاً من أن يجرح مشاعرها لضعفها وكونها محرومة من كل شيء، فصبر عليها خمسة عشر عاماً، ثم ماتت، فلما ماتت كان أهل حيه يحبونه حباً جماً، وهم لا يدرون هذه القضية كلها، ولكن الله أورث قلوبهم محبته، وفي ذات يوم انفرد به رجل، فقال: يا أبا عثمان! إني سائلك عن مسألة، وأخذ عليه الأيمان المغلظة بأن يجيبه فوافق، فقال: إنني أرى الله أورثك حب الناس، فما السريرة التي بينك وبين الله حتى أورثك الله هذا الحب؟ فاعتذر عن الإجابة، فلما أقسم عليه قال: إنني تزوجت امرأة، فذكره له القصة، فقال: صبرت عليها خمسة عشر عاماً ما كلمت في أمرها أحداً من الخلق، حتى إن أهلي لا يعرفونها، فصبرت عليها خشية من أنني لو طلقتها لم يتزوجها أحد.

وهو غير ملزم شرعاً بالصبر عليها، ولكن بمثل هذا الصبر ونحوه من التجلد على أذى الناس ومكر الحاقدين، وحسد الأعداء وغير ذلك ينال الإنسان رفيع الدرجات.

ص: 15