المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة ثلاث وعشرين ومائتين - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ١٦

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة ثلاث وعشرين ومائتين

"‌

‌أحداث سنة ثلاثٍ وعشرين ومائتين

":

فيها تُوُفّي: عبد الله بن صالح كاتب الَّليْث، وخالد بن خِداش، ومحمد بن سِنَان العَوْفيّ، ومحمد بن كثير العَبْديّ، وموسى بن إسماعيل التَّبُوذَكيّ، ومُعَاذ بن أسد المَرْوَزِيّ.

"قدوم الأفشين بغداد":

وفيها قَدِم الأفشين بغداد، في ثالث صفر ببابَك الخُرَّميّ وأخيه. وكان المعتصم يبعث إلى الأفشين منذ فَصَلَ عن بَرْزَنْد كلّ يوم بفَرَسٍ وخِلْعة، كلّ ذلك من فَرَحه بأسْر بابَك1.

"ذكر ما رتبه المعتصم من البريد":

ومن عناية المعتصم بأمرِ بابك أنّه رتّب البريد من سامِرّاء إلى الأفشين بحيث أنّ الخبر يأتيه في أربعة من أيّام من مسيرة شهر. فلمّا قدِم ببابَك أنزلوه بالمطيرة.

"تنكُّر المعتصم لرؤية بابَك":

فلمّا كان في جَوْف الليل أتى أحمد بن أبي دؤاد متنكرًا2، فنظر إلى بابَك وشاهدَهُ، وَرَدّ إلى المعتصم فأخبره. فلم يَصْبر المعتصم حَتّى أتي متنكرًا، فتأمّلهُ وبابَك لا يعرفه.

"ديانة بابَك":

وكان، لعنه الله، ثَنَويًّا على دِين ماني، ومَزْدَكْ، يقول بتناسُخ الأرواح، ويَسْتَحِلّ البنت وأُمَّها.

وقيل: كان وَلَدَ زِنا، وكانت أمّه عَوْراء تُعْرَف برمية العِلْجَة. وكان عليّ بن مَزْدكان يزعمُ أنّه زنى بها، وأنّ بابَك منه.

وقيل: كانت فقيرة من قُرى آذْرَبَيْجان، فزنى بها نَبَطيّ، فحملت منه بابَك،

1 انظر تاريخ الطبري "9/ 52"، والكامل في التاريخ "6/ 477".

2 أي: متخفيًا.

ص: 6

ورُبّي بابَك أجيرًا في قريته. وكان بتلك الجبال قومٌ من الخُرَّميّة ولهم مُقَدَّمان: جاوِنْدان وعِمران. فتفرَّس جاوِنْدان في بابَك الشجاعة، فأستأجره من أُمّهِ، فأحبّته امرأة جاوِندان، وأطلعتْه على أمور زوجها، ثمّ قُتِل جاوِنْدان في وقعة بينه وبين ابن عمٍّ لهُ، فزعمت امرأته أنّه استخلف بابَك، فصدّقها الْجُنْد وانقادوا له، فأمرهم أن يقتلوا بالّليل مَن وجدوا من رجلٍ أو صبيّ. فأصبح خلقٌ مُقَتَّلين. ثمّ انضم إليه طائفة من قُطّاع الطريق، وطائفة مِن الفلّاحين والشُّطّار1. ثمّ استفحل أمره، وعظُم شرُّه، وصار معه عشرون ألف مقاتل. وأظهر مذهب الباطنيّة، واستولى على حصون ومدائن، وقتل وسبى إلى أن أظفر الله به. فأركبه المعتصم فيلًا، وألبسه قِباءً من ديباج، وقَلَنْسُوَة سَمُّور مثل الشَّرْبُوش، وخَضَبوا الفِيل بالحِنّاء، وطافوا به2.

"قطع أطراف بابَك وقتله":

ثمّ أمَر المعتصم بأربعته فقُطِّعَت، ثمّ قُطع رأسه وطِيف به بسامرّاء. وبعث بأخيه إلى بغداد، ففُعِل به نحو ذلك، واسمه عبد الله. ويُقال إنّه كان أشجع من بابَك. فيقال إنّه قال لأخيه بابَك قُدّام الخليفة: يا بابَك قد عملتَ ما لم يعملْه أحد، فأصبِرْ صبرًا لم يصبرْه أحد.

فقال: سوف ترى صبري.

فلمّا قُطِعت يدُه مسح بالدَّم وجهه، فقالوا: لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: قولوا للخليفة إنّك أمرتَ بقطع أربعتي وفي نفسك أنّك لا تكويهما وتدع دمي ينزف، فخشيت إذا خرج الدّم أن يصفرّ وجهي، فترون أنّ ذلك من جَزَع الموت. فعطيت وجهي بالدم لهذا.

فقال المعتصم: لولا أنّ أفعاله لا تُوجِب الصَّنيعة والعَفْوَ لكان حقيقًا بالاستبقاء.

ثمّ ضُرِبت عُنُقه، وأُحْرِقت جُثّته، وفُعِل ذلك بأخيه، فما منهما مَن صاح.

ويقال إنّ بابَك قتل مائةً وخمسين ألفًا، وما ذلك ببعيد.

1 أي: اللصوص.

2 انظر تاريخ الطبري "9/ 53".

ص: 7

"ما وجده المؤلّف بخط ابن جماعة":

ووجدتُ بخطّ رفيقنا ابن جماعة الكِنانيّ أنّه وجد بخطّ ابن الصّلاح، رحمه الله، قال: اجتمع قومٌ مِن الأُدباء، فأحصَوا أنّ أبا مسلم قتل ألفي ألف، وأن قتلى بابك بلغوا ألف ألف وخمسمائة ألف.

"الحرب بين الأفشين وطاغية الروم":

وفيها سار الأفشين بالجيوش، فالتقى طاغيةَ الروم، فاقتتلوا أيّامًا، وثبت كِلا الفريقين، وقُتِل خلقٌ منهما، ثمّ انهزم الطّاغية ونزل النّصْر. وكان هذا الكلب قد حَصرَ زِبَطْرة وافتتحها عَنْوةً، وقتل وسبى وحرق الجامع1.

"فتح عمورية":

وفيها خرّب المعتصم أَنْقِرة وغيرها، وأنكى في بلاد الروم وأوطأهم خوفًا وذُلًّا، وافتتح عَمُّورية كما هو مذكور في ترجمته. وكانت نكايته في الروم مما لم يُسْمع لخليفةٍ بمثله، فإنّه قد شتّت جُموعهم، وخرّب ديارهم؛ وكان ملكهم تُوفيل بن ميخائيل بن جرجس قد نزل على زِبَطْرة في مائة ألف، ثمّ أغار على مَلْطِية، وعَمّ بلاؤه وفي ذلك يقول إبراهيم بن المهديّ:

يا غيرة الله قد عاينت فانتقمي

هَتَك النّساء وما منهنّ يرتكبُ

هَبِ الرجالَ على أجرامها قُتِلَتْ

ما بالُ أطفالها بالذَّبْح تُنْتَهَبُ؟

فلمّا سمِع المعتصم هذا الشِّعْر خرج لوقته إلى الجهاد، وجرى ما جرى.

وكان على مقدّمته أشناش التُّرْكيّ، وعلى مَيْمنته إيْتاخ التُّركيّ، وعلى المَيْسَرة جعفر بن دينار، وعلى الساقة بغا الكبير وعلى القلب عُجَيْف، ودخل من الدُّروب الشّاميّة، وكان في مائتي ألف على أقلّ ما قيل، والمكثر يقول: كان في خمسمائة ألف.

ولما افتتح عَمُّورية صمّم على غزو القُسْطنطينيّة، فأتاه ما أزعجه من أمر العبّاس بن المأمون، وأنّه قد بُويع، وكاتبَ طاغية الروم، فَقَفَلَ المعتصم، وقبض على العبّاس ومُتَّبعيه وسجنهم.

1 انظر تاريخ الطبري "9/ 55-57".

ص: 8