المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حوادث سنة أربع وستين: المتوفون في هذه السنة - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٥

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الخامس

- ‌الطبقة السابعة: الحوادث من سنة 61 إلى 70

- ‌حوادث سنة واحد وستين

- ‌حوادث سنة اثنتين وستين: المتوفون في هذه السنة

- ‌حوادث سنة ثلاث وستين: المتوفون في هذه السنة

- ‌حوادث سنة أربع وستين: المتوفون في هذه السنة

- ‌حوادث سنة خمس وستين: المتوفون في هذه السنة

- ‌حوادث سنة ست وستين: المتوفون في هذه السنة

- ‌حوادث سنة سبع وستين: المتوفون في هذه السنة

- ‌حوادث سنة ثمان وستين: المتوفون في هذه السنة

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ:

- ‌حوادث سنة سبعين: المتوفون في هذه السنة

- ‌الطبقة الثامنة

- ‌حوادث سنة إحدى وسبعين

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ:

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ:

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ:

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ:

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ:

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ:

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ:

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ:

- ‌حَوَادِثُ سَنَةِ ثَمَانِينَ:

- ‌الفهرس العام للكتاب:

- ‌الطبقة السابعة:

- ‌الطبقة الثامنة:

الفصل: ‌حوادث سنة أربع وستين: المتوفون في هذه السنة

‌حوادث سنة أربع وستين: المتوفون في هذه السنة

تُوُفِّيَ فِيهَا: رَبِيعَةُ الْجُرَشِيُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ بِمَرْجِ رَاهِطٍ1، وَشَقِيقُ بْنُ ثَوْرٍ السَّدُوسِيُّ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَمَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، وَابْنُهُ ثَوْرٌ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ فِي آخرها، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الأموي، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: لَمَّا فَرَغَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ الْمُرِّيُّ مِنَ الْحَرَّةِ، تَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيَّ، فَأَدْرَكَ مُسْلِمًا الْمَوْتُ، وَعَهِدَ بِالْأَمْرِ إِلَى حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرِ، فَقَالَ: انْظُرْ يَا بَرْذَعَةَ الْحِمَارِ، لَا تُرْعِ سَمْعَكَ قُرَيْشًا، وَلَا تَرُدَّنَّ أَهْلَ الشَّامِ عَنْ عَدُوِّهِمْ، وَلَا تُقِيمَنَّ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى تُنَاجِزَ ابْنَ الزُّبَيْرِ الْفَاسِقَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَعْمَلْ عَمَلًا قَطُّ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ قَتْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَا أَرْجَى عِنْدِي مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَدِمَ حُصَيْنٌ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ بَايَعَهُ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ الْحَنَفِيُّ الْحَرُورِيُّ، فِي أُنَاسٍ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَجَرَّدَ أَخَاهُ الْمُنْذِرَ لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ مِمَّنْ شَاهَدَ الْحَرَّةَ، ثُمَّ لَحِقَ بِهِ فَقَاتَلَهُمْ سَاعَةً، ثُمَّ دعى إلى الْمُبَارَزَةِ، فَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَخَرَّ مَيِّتًا، وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى قُتِلَ، صَابَرَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الْقِتَالِ إِلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ حَاصَرُوهُ بِمَكَّةَ شَهْرَ صَفَرَ، وَرَمَوْهُ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَكَانُوا يُوقِدُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَأَقْبَلَتْ شَرَرَةٌ هَبَّتْ بِهَا الرِّيحُ، فَأَحْرَقَتِ الْأَسْتَارَ وَخَشَبَ السَّقْفِ، سَقْفُ الْكَعْبَةِ، وَاحْتُرِقَ قَرْنَا الْكَبْشِ الَّذِي فَدَى اللَّهُ به إِسْمَاعِيلَ، وكانا فِي السَّقْفِ. قَالَ: فَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَنَادَى بِأَهْلِ الشَّامِ: إِنَّ طَاغِيَتَكُمْ قَدْ هَلَكَ، فَغَدَوْا يُقَاتِلُونَ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِلْحُصَيْنِ بن نُمَيْرٍ: أُدْنُ مِنِّي أُحَدِّثُكَ، فَدَنَا، فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ: لَا نُقَاتِلُكَ، فَائْذَنْ لَنَا نَطُفْ بِالْبَيْتِ وَنَنْصَرِفْ، فَفَعَلَ.

وَذَكَرَ عَوَانَةُ بْنُ الْحَكَمِ، أَنَّ الْحُصَيْنَ سَأَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ مَوْعِدًا بِاللَّيْلِ، فَالْتَقَيَا بِالْأَبْطَحِ، فَقَالَ لَهُ الْحُصَيْنُ: إِنْ يَكُ هَذَا الرَّجُلُ قد هلك، فأنت أحق الناس بهذا

1 إحدى أشهر الأماكن في ديار الشام، وكانت عنده مواقع حاسمة.

ص: 25

الأمر، هلم نبايعك، ثم اخرج معي إلى الشَّامِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وُجُوهُ أَهْلِ الشَّامِ وَفُرْسَانُهُمْ، فَوَاللَّهِ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثْنَانِ، وَأَخَذَ الْحُصَيْنُ يُكَلِّمُهُ سِرًّا، وَابْنُ الزُّبَيْرِ يَجْهَرُ جَهْرًا، وَيَقُولُ: أَفْعَلُ، فَقَالَ الْحُصَيْنُ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ لَكَ رَأْيًا، أَلَا أَرَانِي أُكَلِّمُكَ سِرًّا وَتُكَلِّمُنِي جَهْرًا، وَأَدْعُوكَ إِلَى الْخِلَافَةِ وَتَعِدُنِي الْقَتْلَ! ثُمَّ قَامَ وَسَارَ بِجَيْشِهِ، وَنَدِمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَأَرْسَلَ وَرَاءَهُ يَقُولُ: لَسْتُ أَسِيرُ إِلَى الشَّامِ، إِنِّي أَكْرَهُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ، وَلَكِنْ بَايِعُوا لِي الشَّامَ، فَإِنِّي عَادِلٌ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ سَارَ الْحُصَيْنِ، وَقَلَّ عَلَيْهِمُ الْعَلْفُ، وَاجْتَرَأَ عَلَى جَيْشِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ، وَجَعَلُوا يَتَخَطَّفُونَهُمْ وَذُلُّوا، وَسَارَ مَعَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ1.

وَقَالَ غَيْرُهُ: سَارَ مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا صَدَرَ عَنِ الْأَبْوَاءِ هَلَكَ، وَأَمَّرَ عَلَى جَيْشِهِ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ الْكِنْدِيَّ، فَقَالَ: قَدْ دَعَوْتُكَ، وَمَا أَدْرِي أَسْتَخْلِفُكَ عَلَى الْجَيْشِ، أَوْ أُقَدِّمُكَ فَأَضْرِبُ عُنُقَكَ، قَالَ: أصلحك اللَّهُ، سَهْمُكَ، فَارْمِ بِهِ حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ: إِنَّكَ أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ جَافٌّ، وَإِنَّ قُرَيْشًا لَمْ يُمَكِّنْهُمْ رَجُلٌ قَطُّ مِنْ أُذُنِهِ إِلَّا غَلَبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ، فَسِرْ بِهَذَا الْجَيْشِ، فَإِذَا لَقِيتَ الْقَوْمَ فَاحْذَرْ أَنْ تُمَكِّنَهُمْ مِنْ أُذُنَيْكَ، لَا يَكُونُ إِلَّا الْوِقَافُ ثُمَّ الثِّقَافُ ثُمَّ الانصراف2.

وفاة يزيد بن معاوية:

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ نَعْيُ يَزِيدَ لَيْلًا، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يَرُدُّونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، قال ابن عون: فقمت فِي مَشْرَبةٍ لَنَا فِي دَارِ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَصِحْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا أَهْلَ الشَّامِ، يَا أَهْلَ النِّفَاقِ وَالشُّؤْمِ، قَدْ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَاتَ يَزِيدُ، فَصَاحُوا وَسَبُّوا وَانْكَسَرُوا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا جَاءَ شَابٌّ فَاسْتَأْمَنَ، فَأَمَّنَّاهُ، فَجَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ، وَأَشْيَاخٌ جُلُوسٌ فِي الْحِجْرِ، وَالْمِسْوَرُ يَمُوتُ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ الشَّابُّ: إِنَّكُمْ مَعْشَرُ قُرَيْشٍ، إِنَّمَا هَذَا الْأَمْرُ أَمْرُكُمْ، وَالسُّلْطَانُ لَكُمْ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا فِي طَاعَةِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، وَقَدْ هَلَكَ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَأْذَنُوا لَنَا فَنَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَنَنْصَرِفُ إِلَى بِلَادِنَا، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى رَجُلٍ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَا، وَلَا كَرَامَةَ، فَقَالَ ابْنُ صَفْوَانَ: لِمَ! بَلَى نَفْعَلُ ذَلِكَ، فَدَخَلَا على المسور

1 خبر ضعيف: فيه انقطاع. وانظر: تاريخ الطبري "5/ 502، 503".

2 تاريخ خليفة "254"، "255".

ص: 26

فَقَالَ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [آل عمران: 114] ، الْآيَةَ، قَدْ خَرَّبُوا بَيْتَ اللَّهِ، وَأَخَافُوا عُوَّادَهُ، فَأَخِفْهُمْ كَمَا أَخَافُوا عُوَّادَهُ، فَتَرَاجَعُوا، وَغُلِبَ الْمِسْوَرُ وَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ1.

قُلْتُ: وَكَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ قَدْ أَصَابَهُ مِنْ حَجَرِ الْمَنْجَنِيقِ شَقَّهُ فِي خَدِّهِ فَهَشَمَ خَدُّهُ.

وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ جَمَاعَةٍ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ دَعَاهُمْ إِلَى نَفْسِهِ، فَبَايَعُوهُ، وَأَبَى عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَا: حَتَّى تَجْتَمِعَ لَكَ الْبِلَادُ وَمَا عِنْدَنَا خِلَافٌ، فَكَاشَرَهُمَا ثُمَّ غَلَظَ عَلَيْهِمَا سنة سِتَّ وستين2.

البيعة لابن الزبير:

وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ مَوْتُ يَزِيدَ بَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، لَمَّا خَطَبَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى نَفْسِهِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَدْعُو إِلَى الشورى، فبايعوه في رجب.

البيعة لمعاوية بن يزيد:

وَلَمَّا هَلَكَ يَزِيدُ بُويِعَ بَعْدَهُ ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ، فَبَقِيَ فِي الْخِلَافَةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقِيلَ: شَهْرَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ مُتَمَرِّضًا، والضحاك بْنُ قَيْسٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا احْتُضِرَ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ فَأَبى وَقَالَ: مَا أَصَبْتُ مِنْ حَلَاوَتِهَا، فَلَمْ أَتَحَمَّلْ مَرَارَتَهَا3! وَكَانَ لَمْ يُغَيِّرْ أَحَدًا مِنْ عُمَّالِ أَبِيهِ.

وَكَانَ شَابًّا صَالِحًا، أبيض جميلًا وَسِيمًا، عَاشَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَرَادَتْ بَنُو أُمَيَّةَ عُثْمَانَ هَذَا عَلَى الْخِلَافَةِ، فَامْتَنَعَ وَلَحِقَ بِخَالِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.

وقَالَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عِنْدَ موت معاوية: أقيموا أمركم قبل أن

1 خبر ضعيف: فيه الواقدي.

2 انظر السابق.

3 خبر صحيح: أخرجه أبو زرعة "757" في تاريخ دمشق، وانظر: البداية "8/ 256"، وتاريخ الخلفاء "ص/ 334" للسيوطي.

ص: 27

يَدْخُلَ عَلَيْكُمْ شَامَكُمْ، فَتَكُونُ فِتْنَةً، فَكَانَ رَأْيُ مَرْوَانَ أَنْ يُرَدَّ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَيُبَايِعُهُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ هَارِبًا مِنَ الْعِرَاقِ، وَكَانَ عِنْدَمَا بَلَغَهُ مَوْتُ يَزِيدَ خَطَبَ النَّاسَ، وَنَعَى إِلَيْهِمْ يَزِيدَ وَقَالَ: اخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَمِيرًا، فقَالُوا: نَخْتَارُكَ حَتَّى يَسْتَقِيمَ أَمْرُ النَّاسِ، فَوَضَعَ الدُّيُونَ وَبَذَلَ الْعَطَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ سَلَمَةُ الرياحي بِنَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ، فَدَعَا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَمَالَ النَّاسُ إِلَيْهِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَزْدِيُّ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ: اخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ، قَالُوا: نَخْتَارُكَ، فَبَايَعُوهُ وَقَالُوا: أَخْرِجْ لَنَا إِخْوَانَنَا، وَكَانَ قَدْ مَلَأَ السُّجُونَ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّهُمْ يُفْسِدُونَ عَلَيْكُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَهُمْ، فَجَعَلُوا يُبَايِعُونَهُ، فَمَا تَتَامَّ آخِرُهُمْ حَتَّى أَغْلَظُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا فِي نَاحِيَةِ بَنِي تَمِيمٍ1.

وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَجَعَلُوا يَمْسَحُونَ أَيْدِيَهُمْ بِجُدُرِ بَابِ الْإِمَارَةِ، وَيَقُولُونَ: هَذِهِ بَيْعَةُ ابْنِ مَرْجَانَةَ، وَاجْتَرَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى نَهَبُوا خَيْلَهُ مِنْ مَرْبَطِهِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: فَهَرَبَ بِاللَّيْلِ، فَاسْتَجَارَ بِمَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو رَئِيسِ الْأَزْدِ، فَأَجَارَهُ.

ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ بَايَعُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيَّ بَبَّةَ، وَرَضُوا بِهِ أميرًا عليهم، واجتمع الناس لتتمة الْبَيْعَةِ، فَوَثَبَتِ الْحَرُوريَّةُ عَلَى مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَتَلُوهُ، وَهَرَبَ النَّاسُ، وَتَفَاقَمَ الشَّرُّ، وَافْتَرَقَ الْجَيْشُ فرقتين، وكانوا نحوًا من خَمْسِينَ أَلْفًا، وَاقْتَتَلُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَكَانَ عَلَى الْخَوَارِجِ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ.

وَقَالَ الزُّبَيْرِ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ إِنَّ مَسْعُودًا جَهَّزَ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مِائَةً مِنَ الْأَزْدِ، فَأَقْدَمُوهُ الشَّامَ.

وَرَوَى ابْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ الْجَهْضَمِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ زِيَادٍ: إِنِّي لَأَعْرِفُ سُورًا كَانَ فِي قَوْمِكَ، قَالَ الْحَارِثُ: فَوَقَفْتُ عَلَيْهِ فَأَرْدَفْتُهُ عَلَى بَغْلَتِي، وَذَلِكَ لَيْلًا، وَأَخَذَ عَلَى بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قُلْتُ: بَنُو سُلَيْمٍ، قَالَ: سَلِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ مَرَرْنَا عَلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ جُلُوسٌ مَعَهُمُ السِّلَاحُ، فَقَالُوا: مَنْ ذَا؟ قُلْتُ: الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ، قَالُوا: امْضِ رَاشِدًا، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا وَاللَّهِ ابْنُ مَرْجَانَةَ خَلْفَهُ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ، فَوَضَعَهُ فِي كَوْرِ عِمَامَتِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدُ من هؤلاء؟ قلت:

1 تاريخ الطبري "5/ 505".

ص: 28

الَّذِينَ كُنْتُ تَزْعُمُ أَنَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، هَؤُلَاءِ بَنُو نَاجِيَةَ، فَقَالَ: نَجَوْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ قَدْ أَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ، فَهَلْ تَصْنَعُ مَا أُشِيرَ بِهِ عَلَيْكَ، قَدْ عَرَفْتَ حَالَ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو وَشَرَفَهُ وَسِنَّهُ، وَطَاعَةَ قَوْمِهِ لَهُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَذْهَبَ بِي إِلَيْهِ، فَأَكُونُ فِي دَارِهِ، فَهِيَ أَوْسَطُ الْأَزْدِ دَارًا، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَصَدَّعَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ، فَأُشْعِرَ مَسْعُودٌ وَهُوَ جَالِسٌ يُوقِدُ لَهُ بِقَصَبٍ عَلَى لَبِنَةٍ، وَهُوَ يُعَالِجُ أَحَدَ خُفَّيْهِ بِخَلْعِهِ، فَعَرَفَنَا فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ طَوَارِقِ السُّوءِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَفَتُخْرِجُهُ بَعْدَمَا دَخَلَ عَلَيْكَ بَيْتَكَ! فَأَمَرَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَ ابْنِهِ عَبْدِ الْغَافِرِ، وَرَكِبَ مَعِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَطَافَ فِي الْأَزْدِ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ زِيَادٍ قَدْ فُقِدَ، وَإِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ نُلْطَخَ بِهِ، فَأَصْبَحَتِ الْأَزْدُ فِي السِّلَاحِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ قَدْ فَقَدُوا ابْنَ زِيَادٍ فَقَالُوا: أَيْنَ تَوَجَّهَ، مَا هُوَ إِلَّا فِي الْأَزْدِ؟ قَالَ خَلِيفَةُ: قَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ: فَسَارَ مَسْعُودٌ وَأَصْحَابُهُ يُرِيدُونَ دَارَ الْإِمَارَةِ، وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ، وَقَتَلُوا قَصَّارًا كَانَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، وَنَهَبُوا دَارَ امْرَأَةٍ، وَبَعَثَ الْأَحْنَفُ حِينَ عَلِمَ بذَلِكَ إِلَى بَنِي تَمِيمٍ، فَجَاءُوا، وَدَخَلَتِ الْأَسَاوِرَةُ الْمَسْجِدَ فَرَمَوْا بِالنُّشَّابِ، فَيُقَالُ: فَقَأُوا عَيْنَ أَرْبَعِينَ نَفْسًا. وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى مَسْعُودٍ فَقَتَلَهُ، وَهَرَبَ مَالِكُ بْنُ مِسْمَعٍ، فَلَجَأَ إِلَى بَنِي عَدِيٍّ، وَانْهَزَمَ النَّاسُ1.

وقال الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَدِمَ الشَّامَ، وَقَدْ بَايَعَ أَهْلُهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، مَا خَلَا أَهْلِ الْجَابِيَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَبَايَعَ هُوَ وَمَرْوَانُ وَبَنُو أُمَيَّةَ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ مُعَاوِيَةَ، فِي نِصْفِ ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمَّ سَارُوا فَالْتَقَوْا هُمْ وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ بِمَرْجِ رَاهِطٍ، فَاقْتَتَلُوا أَيَّامًا فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَ الضَّحَّاكُ فِي سِتِّينَ أَلْفًا، وَكَانَ مَرْوَانُ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَأقَامُوا عِشْرِينَ يَوْمًا يَلْتَقُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ لِمَرْوَانَ: إِنَّ الضَّحَّاكَ فِي فُرْسَانِ قَيْسٍ، وَلَنْ تَنَالَ مِنْهُمْ مَا تُرِيدَ إِلَّا بِمَكِيدَةٍ، فَسَلْهُمُ الْمُوَادَعَةَ، وَأَعِدَّ الْخَيْلَ، فَإِذَا كَفُّوا عَنِ الْقِتَالِ فادهمهم2، قَالَ: فَمَشَتْ بَيْنَهُمُ السُّفَرَاءُ حَتَّى كَفَّ الضَّحَّاكُ عَنِ الْقِتَالِ، فَشَدَّ عَلَيْهِمْ مَرْوَانُ فِي الْخَيْلِ، فَنَهَضُوا لِلْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْبِئَةٍ، فَقُتِلَ الضَّحَّاكُ، وَقُتِلَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ فُرْسَانِ قَيْسٍ3. وسنورد من أخباره في اسمه.

1 تاريخ خليفة "258".

2 أي فجأهم بغتة.

3 تاريخ خليفة "259".

ص: 29

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَمَّا مَاتَ يَزِيدُ انْتَقَضَ أَهْلُ الرَّيِّ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ عَامِرُ بْنُ مَسْعُودٍ أَمِيرُ الْكُوفَةِ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدٍ الدَّارَمِيَّ. وَكَانَ إِصْبَهْبَذَ الرَّيِّ1يَوْمَئِذٍ الْفَرُّخَانُ، فَانْهَزَمَ الْفَرُّخَانُ وَالْمُشْرِكُونَ.

وَفِيهَا ظَهَرَتِ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ بِمِصْرَ، ودعوا إلى عبد اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانُوا يَظُنُّونَهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ، وَلَحِقَ بِهِ خَلْقٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى الْحِجَازِ، فَبَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مِصْرَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جَحْدَمٍ الْفِهْرِيَّ، فَوَثَبُوا عَلَى سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ فَاعْتَزَلَهُمْ.

وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ هُرُوبِ ابْنِ زِيَادٍ اصْطَلَحُوا عَلَى عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ الْجُمَحِيِّ، فَأَقَرَّهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ.

وَفِيهَا هَدَمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْكَعْبَةَ لَمَّا احْتَرَقَتْ، وَبَنَاهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا -الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَمَتْنُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَأَدْخَلْتُ الْحِجْرَ فِي الْبَيْتِ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ، بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ" 2، وَقَالَ:"إِنَّ قُرَيْشًا قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ، فَتَرَكُوا مِنْ أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ الْحِجْرَ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى هَذَا"، وَقَالَ:"إِنَّ قَوْمَكِ عَمِلُوا لَهَا بَابًا عَالِيًا، لِيُدْخِلُوا مَنْ أَرَادُوا، أَوْ يَمْنَعُوا مَنْ أَرَادُوا".

فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَبِيرًا، وَأَلْصَقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَوُلِّيَ الْحَجَّاجُ عَلَى مَكَّةَ أَعَادَ الْبَيْتَ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَنَقَضَ حَائِطَهُ مِنْ جِهَةِ الْحِجْرِ فَصَغَّرَهُ، وَأَخْرَجَ مِنْهُ الْحِجْرَ، وَأَخَذَ مَا فَضَلَ مِنَ الْحِجَارَةِ، فَدَكَّهَا فِي أَرْضِ الْبَيْتِ، فَعَلَا بَابُهُ، وسد الباب الغربي3.

1 إصبهبذ: هو رئيس بلاد طبرستان، وكل من يتولى الحكم فيها يطلق عليه ذلك اللقب.

2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "2/ 180"، ومسلم "1333"، والنسائي "5/ 216"، وأحمد "6/ 239، 253، 262"، والبيهقي "5/ 89" في سننه الكبري.

3 انظر: تاريخ خليفة "ص/ 261"، وتاريخ الطبري "5/ 524، 530، 540" صحيح التوثيق "5/ 96".

ص: 30