المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رسالة "ما يفعله الأطباء والداعون بدفع شر الطاعون - إخلاص الوداد في صدق الميعاد

[مرعي الكرمي]

الفصل: ‌رسالة "ما يفعله الأطباء والداعون بدفع شر الطاعون

‌رسالة "مَا يَفْعَلُه الأَطِبَّاءُ وَالدَّاعُونَ بِدَفْعِ شَرِّ الطَّاعُون

"

عَرَّف المُتَقَدِّمُون الطَّاعُونَ بِتَعَارِيف مختلفة، بحسب ما تَوَفَّر لهم من مَعْلُومَاتٍ عَن هذا الوَبَاء في ذلك الوقت، وقد حَدَّهُ علماء الطب الحديث بقولهم: الطَّاعون سَبَبُه بَكتِرْيَا عُضْوِية عُنْقُودِية تَصْطَبغ سَلْبًا بِصِبْغَة جرام، وتعتبر بَرَاغِيثُ الفِئْرَانِ النَّاقِلَ الأساسي لميكروب الطَّاعون، وتَتَغَذَّى هذه البَرَاغِيثُ عَلَى الدم (1).

والطَّاعون عند أهل الطب عدة أنواع بالنظر إلى نوعيتها وخطورتها (2)، ويعتبر بنو إسرائيل أول من أصيب به في القديم؛ إذ انتشر بينهم الفساد والزنا والربا، فعاقبهم الله عز وجل بالطاعون ابْتِلاءً لَهُم وتأدِيبًا؛ وقد جعله الله تعالى سُنَّةً كَونيَّةً، وَوَعِيدًا إِلهِيًّا لِلنَّاس إِذا هُم عصوه جلَّ وعلا، وخالفوا أمره بِنَشر الفساد بينهم، ولهذا صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَمْ تَظْهَر الفَاحِشَةُ في قَوْمٍ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَاّ فَشَا فِيهِم

(1) مقدمة د. محمد البار لكتاب ما رواه الواعون للسيوطي ص 8، 35.

(2)

نفس المرجع ص 53.

ص: 7

الطاعُونُ والأَوْجَاعُ التي لَم تَكُنْ مَضَت في أَسْلَافِهِم" (1).

ويمكن القول بأنَّ علماء المسلمين أَوْلَوا اهتمامًا كبيرًا بالحديث عن مرض الطَّاعون، وتفصيل الكلام عنه سواء كان ذلك ضمن شروحهم على كتب الحديث والسنن، أو بالتصنيف المستقل فيه؛ بل إنَّ النصوص التي وصلتنا من تراثنا الإِسلامي عن الطَّاعون في كلام الفقهاء والمحدِّثين تَفُوقُ نُصُوصَ الأطبَّاء المتقدِّمين عنه؛ إذ لا نجد عند هؤلاء سِوَى إِشَارَاتٍ مُتَوَاضِعَة لا تُقَاسُ بِتَفْصيل العلماء من أهل الفقه والحديث إطلاقًا.

وهكذا نجد أنَّ الإِمام البخاري قد عَقَد تحت كتاب الطب بابين في الكلام عن الطاعون، وبَوَّبَ الإِمام مسلم في صحيحه بابًا مُستَقِلًا، وكذا باقي كتب السنَّة النبويَّة، ويأتي بجانب ذلك كله مصنفات العلماء المستقلة عن الطَّاعون، والتي لا يزال تراثنا المجيد يزخر بنصيب وافر منها.

ويُعَد "كتاب الطواعين" لابن أبي الدنيا (281 هـ) أَوَّلَ مُصَنَّفِ عن الطَّاعون، اعتمد عليه جَمْعٌ مِن الحفَّاظ الذين ألفوا بعده في هذا الموضوع كالحافظ ابن حجر، والسيوطي، وفقيهنا مرعي الكرمي، ثم توالت بعد ذلك المصنَّفات إلى غاية القرن الرابع عشر الهجري.

وفي محاولة لإِحصاء هذه المصنَّفات بلغت قرابة سبعين كتابًا في

(1) رواه ابن ماجه في السنن ح (4019)، والدَّاني في السنن الواردة في الفتن ح (326)، وإسناده صحيح.

ص: 8

الطَّاعون (1)، لا يزال أغلبها دفين قبور المخطوطات، ولم ير منها نور الطباعة سوى كتاب الحافظ ابن حجر، والسيوطي، وابن كمال باشا؛ مما يدعو الباحثين إلى محاولة النظر فيها، وانْتِقَاء ذَاتِ الأَصَالَةِ منها لتحقيقها، حتى يَتَسَنَّى بذلك لدارسي هذا الموضوع الإِفادة من نصوص العلماء المتقدِّمين على ضوء نتائج علم الطب الحديث.

(1) انظر عن المصنفات في موضوع الطَّاعون: مقدمة الباحث أحمد عصام الكاتب، لكتاب بذل الماعون ص 29، 41، ود. محمد البار في مقدمة ما رواه الواعون ص 81، 99.

ص: 9