المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منهج الفقيه مرعي الكرمي في كتابه "ما يفعله الأطباء والداعون - إخلاص الوداد في صدق الميعاد

[مرعي الكرمي]

الفصل: ‌منهج الفقيه مرعي الكرمي في كتابه "ما يفعله الأطباء والداعون

‌مَنْهَجُ الْفَقِيهِ مَرْعِي الكَرْمي في كِتَابِه "مَا يَفْعَلُه الأَطِبَّاءُ وَالدَّاعُونَ

"

اهتمَّ الفقيه مرعي الكرمي بموضوع الطَّاعون اهتمامًا بالغًا دفعه لتصنيف أكثر من كتاب فيه، فقد جمع في رسالته:"تَحْقِيق الظُّنُونِ بِأَخْبَارِ الطَّاعُون"(1)، عدَّة نصوص حول موضوع الطَّاعون، وجعله في عشرين فصلًا تناول في كل فصل منه مسألة من مسائله، وناقشها في ضوء كلام العلماء.

ويظهر جيِّدًا من خلال المقارنة الأولية لكتاب "تحقيق الظنون" مع رسالة "ما يفعله الأطبَّاء والدَّاعون"، أنَّ هذا الأخير يكاد يكون مختصرًا لكتابه الأصل تحقيق الظنون؛ إذ تحدَّث فيه عن قضيتين مهمَّتين، هما: جدوى الأدعية والأذكار في دفع الطَّاعون، والتساؤل عن دَوْرِ الطب في دفع الطَّاعون عن الناس. وقد وجدته يحيل في كتابه "ما يفعله الأطباء والداعون" على كتاب "تحقيق الظنون".

(1) مخطوط تحصَّلت على مصورة منه، تقع في 40 ق.

ص: 10

ولم يكتف بتصنيف هذين الكتابين؛ بل عقد أبوابًا في كتابه: "سلوان المصاب بفرقة الأحباب"(1)، تكلم فيها عن الطَّاعون، ويكاد يكون ما ذكره في "سلوان المصاب" شبه تكرار لما تناوله في كتابيه السابقين.

ولم تذكر لنا المصادر سبب اهتمام شيخنا مرعي الكرمي بموضوع الطَّاعون، وهل كان ذلك استجابة لمن طلب منه جمع مسائل عن الطَّاعون كما صرَّح به في مقدمة "ما يفعله الأطبَّاء والدَّاعون"، أو لانشغال الناس في عصره بهذا الموضوع.

ويمكن تلخيص أهم معالم منهجه في هذه الرسالة في النقاط التالية:

* افتتح كتابه بالحديث عن اختلاف العلماء في جدوى التداوي للطاعون من جهة، وتساءل هل ينفع فيه ما ورد من الأدعية والأذكار؟ فنقل كلام العلماء في ذلك وخلافهم، واستأنس بكلام الحافظ ابن القيم والسيوطي، مع الاستشهاد ببعض النصوص عن ابن سينا في الطب.

* بيَّن حقيقة الطَّاعون عند المتقدمين والخلاف فيه، وكان الشيخ مرعي يتدخَّل بتوجيه ما يراه مناسبًا من النصوص، أو ردّ ما يستبعده فكره ورأيه.

* حاول ترجيح كلام أهل العلم والشرع على كلام الأطباء في مسألة وقت ظهور الطَّاعون، وتحديد الأطباء لذلك ببعض الفصول من

(1) نشر دار الحرمين بالقاهرة عام 1420 هـ.

ص: 11

السنة، وهي قضية واضحة لمن قارن بعض النصوص التراثية، إذ يجد بِكُلِّ جَلاءٍ أنَّ علماء الشرع كانوا أَدَقَّ في عدة قضايا عن الطَّاعون من الأطباء كابن سِينا، وَابْنِ النَّفِيس وغيرهم ممن تكلَّموا في مصنفاتهم الطبية عن الطَّاعون (1).

* وأكَّد الشيخ مرعي الكرمي على أنَّ السبب الأكبر في ظهور الطَّاعون وتَفَشِّيه هو ما يقترفه الناس من ذنوب وفواحش، مستشهدًا في ذلك بالأدلة الواردة من السنَّة النبوية.

* استفاد من نُصُوص العلماء الذين سبقوه في التصنيف في الطَّاعون، كابن حجر في كتابه "بذل الماعون"، وخاصة أثناء الحديث عن الألفاظ المشكلة في بعض النصوص النبوية، والسيوطي، وزكريا الأنصاري.

* رَجَّحَ مَذْهبَ جَمَاعَةٍ مِن العلماء في إفادة التداوي والعلاج من الطَّاعون، وإجراءاتهم في هذا الباب، وهي تدابير اشتهرت في تلك العصور.

* رَدَّ بعض الاعتقادات المنحرفة في اتَّقاء الطَّاعون، والتي سادت بين بعض النَّاس في عصره.

* أورد بعض الأدعية والأذكار التي تقال عند الابتلاء بوباء الطَّاعون من السنَّة النبوية، ومن كلام بعض العلماء، في بعضها مَقَالٌ نبَّهت عليه في موضعه.

(1) حاول د. محمد البار مقارنة بعض النصوص الواردة بخصوصها في مقدمته لكتاب السيوطي في الطَّاعون ص 51، 57.

ص: 12

* خَتَم كِتَابَه بِإِبْطَالِ كَلامِ المُنَجِّمِين، وتَوضِيحِ أَنَّ تَخَرُّصَاتِهم ضَرْبٌ من الرجم بالغيب، وأَكَّدَ عَلَى عَدَمِ جَوَاز تصديقهم في ما يَدَّعُونه وَيَتَقَوَّلُونَه، وذلك في ضوء الآيات والأحاديث الواردة في التأكيد على انفراد الرب جلَّ وعلا بعلم الغيب، وكذب من ادَّعاه لنفسه كائنًا مَن كان، {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65].

ص: 13