الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
السيد نور الدين بن نعمة الله الجزائري
(1) :
نورُ الحقّ المتشعشع كنارٍ على عَلم، المهتدي بسناه الحائرون في غياهب الظُلَم، ونوره الذي يزهر على شقائقه في حدائقه، ويعطّر الأرواح بنشر حقائقه، ومحتد العلم المؤسّس على التقوى بنيانه، المشيّدة بالمجد جدرانه، المتوقّدة للوفود نيرانه الممتنعة في حماه جيرانه، المرصوصة بالعزّ حيطانه السامكة إلى السماك مقاصيره وإيوانه، ومربع الفضل الزاهرة نجوم سمائه، الماطرة مواقيت أنوائه، ومرتع البذل المتدفقة بالفيض عيونه المتدلية بالثمرات غصونه، وعصام الشرع وموْئلُه وسناده الذي عليه معوّله، إلى محاسن تخضع لها الرّقاب، ومكارم تحقّق إليها الأعقاب، ومحامد هتفت بها العواتق في الخدور، وهوت إليها أفئدة العظماء والصُّدور، من نسب شائقة إلى الملكوت راياته، متلوة في الملأ الأعلى آياته، وشرف ذرّ عليه في غلالته وورثه عن عصبته وكلالته، وحسب قرن بين التالد والطريف، وانبسط في ظِلّ عريشه الوريف، ولهج معترفاً به كل وضيع وشريف، وتواضع زانهُ الوَقارُ رزانةً ورجح قسطاس العدول وزانةً، وتؤدة وسكينة وإخبات، وحلم وتروّ وثبات، وعذوبة ورقّة وغزل، وفكاهة حلوة في غير هزل، وبشر في مهابة، وبشاشة في غير دُعابة، وطلاقة وجهٍ وسيم،
(1) والد صاحب تذييل السلافة، ولد سنة 1088 هـ وتوفي سنة 1158 هـ بتستر ودفن عند المسجد الجامع في البلد بوصية منه وعليه قبة معروفة له ذكر في أكثر كتب التراجم والتذكرات في المنطقة.
وتلطّف أروح من النّسيم، ولفظ أروق من الراح، وأرقّ من الماء القراح، ونفس قويّة، وفطرة عالية عَلَويّة، وها هو مدّ الله في سعادته، وأبّد أيام إفادته، قد ذرَف على السبعين، وهو يُعين ولا يستعين ويقوم بالأعباء من حفظ النِّظام، وفصل الخصام، وتنفيذ الأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الجماعات، وإمامة الجمعات، وقضاء الحقوق والتدريس والخطابة والنقابة، والنظر في مصالح كثيرة للخلق لا تنتظم بغيره، ومراقبة الوفود، وإصدارهم بالصّلات والرُّفود، وأمّا الأدب فهو نادرة عصره، ورُواقُ قصره ونطاق خصره، وأمير مصره، بل سناد ظهره، ووحيد دهره، تنثال المعاني على ذهنه وتنهار، وتتوارد الأسجاع إلى لفظه توارد الفراش إلى النّار، إن خطب انقطع خطيب خوارزم، وبان الفشل على وجه أبي حزم، أو كتب مادَ الميداني والبديع الهمداني، وطرب صاحب الأغاني، ومسلم صريع الغواني، أو أملى التقط الجوهريُّ جواهر كلماته، وحصر الحريريُّ في مقاماته، ونضب ماء ابن ميّاح وأصبح ابن نباتة هشيماً تذروه الرياح.
وإنّي وإن أطريت في وصفه، وقاه الله ريبَ المَنون، لربّما تسارَعتْ إليّ الظنون فلأكفّ عن سرد مناقبه الجليلة، وقصيرة بطويلة.
وُلِد دام عزّه في عشر التسعين بعد الألف بدار المؤمنين تُستَر بعد انتقال والديه إليها من الجزائر بسبب الفتنة التي نشأت هناك في السنة الثامنة والسبعين، وذلك حين توجّه العسكر من القسطنطينية
العظمى إلى البصرة لاستخلاصها من يد واليها حسين باشا بن علي باشا بن افراسياب الدَيري، واشتعال نائرة القتال إلى أن آل الأمر إلى ما آل، من اختلال رأي الوالي وفساده، وسكون ريحه وإصلاد زناده، فخرج منها مذموماً مدحوراً وأتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، حتى ألقى عصاه في البلاد الهندية وحيل بينه وبين الاُمنيَّة، إلى أن حلّت به المنيّة على ما هو مذكور في كتاب "زاد المسافر" وغيره من الموضوعات في هذا الشأن. (1)
* * *
(1) زاد المسافر ولهنة المقيم والحاضر، تأليف العلامة الشيخ فتح الله بن علوان الكعبي الدورقي.