المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خاتمة في حكم الغنيمة - إرشاد العباد في فضل الجهاد

[حسن البيطار]

الفصل: ‌خاتمة في حكم الغنيمة

‌خاتمة في حكم الغنيمة

وإنما ذكرتُ حُكمها في هذه النبذة تفاؤلاً بحصولها، فأقول: الغنيمة، معناها لغة: الربح.

وشرعًا: مال أو ما ألحق به، حصل لنا من كفار أصليين مما هو لهم بقتال منّا، أو إيجاف خيل أو رِكاب أو نحو ذلك، ولو بعد انهزامهم في القتال أو قبل شهر السلاح حين التِقاء الصفين.

ومن الغنيمة ما أُخذ من دارهم سرقة أو اختلاسًا أو لُقَطة، أو ما أَهْدَوْا لنا أو صالحونا عليه، والحرب قائم. ومن قتل قتيلًا أُعطي سَلَبه إن اشترط له الِإمام (1) لخبر الشيخين:"مَن قَتَل قتيلاً فله سَلَبه"(2).

وروى أبو داود أنَّ أبا طلبة رضي الله عنه قَتَل يوم خيبر عشرين

(1) قوله: إن اشترط له الِإمام

هذا هو المفتى به عند سيِّدنا الِإمام الأعظم، وعند الشافعي يعطى السلب مطلقًا سواء شرطه الِإمام أم لا. اهـ من هامش المخطوط.

(2)

البخاري (8/ 36)، ومسلم (3/ 1371) من حديث أبي قتادة.

ص: 42

قتيلًا وأخذ سَلَبهم (1).

والسلب: ثياب القتيل التي هي عليه، والخف، وآلة الحرب كدرع وسلاح ومركوب، وآلته من نحو سرج ولجام، وكذا سوار ومنطقة وخاتم ونفقة معه.

وتقسم الغنيمة بعد ذلك -أي: بعد إعطاء السلب وإخراج المؤن- خمسة أخماس متساوية؛ فيعطى أربعة أخماسها من عقار ومنقول لمن شهد الوقعة بنيَّة القتال، وهم الغانمون؛ لِإطلاق الآية الكريمة وعملًا بفعله صلى الله عليه وسلم في أرض خيبر، سواء أقاتل مَنْ حَضَر بنيَّة القتال مع الجيش أم

لا؛ لأنَّ المقصود تهيُّؤُه للجهاد وحصوله هناك، فإن تلك الحالة باعثة على القتال، ولا يتأخَّر عنه في الغالب، مع تكثيره سواد المسلمين، وكذا من حضر لا بنيَّة القتال وقاتل في الأظهر، ومن لم يحضر أو حضر لا بنيَّة القتال ولم يقاتل لم يستحق شيئًا.

ويُدفع للفارس ثلاثة أسهم، له سهم ولفرسه سهمان للاتباع فيهما، رواه الشيخان (2).

ومن حضر بفرس يركبه يُسهم له وإن لم يقاتل عليه إذا كان يمكنه ركوبه، ولا يعطى إلَاّ لفرس واحد وإن كان معه أكثر منها؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير إلَاّ لفرس وكان معه يوم خيبر أفراس (3).

(1) أخرجه أبو داود (2718) من حديث أنس وقال بعده: "هذا حديث حسن".

(2)

البخاري (6/ 67)، ومسلم (3/ 1383) من حديث ابن عمر.

(3)

أخرجه النسائي (6/ 228)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 326)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 283) من حديث الزبير، وهو صحيح.

ص: 43

ويُدفع للراجل سهم واحد؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك يوم خيبر، متفق عليه (1).

ولا يُسهم إلَاّ لمن استكملت فيه سِتّ شرائط: الإِسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورية والصحة، فإن اختلَّ شرط من ذلك رُضِخَ له، ولم يُسْهَمْ لواحد منهم؛ لأنهم ليسوا من أهل الجهاد.

والرضخ: اسم لما دون السهم من العطاء، مُفوَّض قدره للِإمام أو نائبه، حيث لم يَرِدْ فيه تحديد، فيُرجع فيه إلى رأيه، ويُفاوِتُ على قَدْر نفع المُرضَخ له.

والخمسُ الباقي بعد أربعة أخماس الغانمين يقسَّم أثلاثًا: لليتيم والمسكين وابن السبيل، وقدم فقراء ذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب من الأصناف الثلاثة عليهم؛ لجواز الصدقات لغيرهم لا لهم، ولا

حق لأغنيائهم، وذِكْرُ الله تعالى في الآية للتبرك، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم سقط بموته.

وعند الشافعي يقسَّم السهم الخامس بعد ذلك على خمسة أسهم؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ

} [الأنفال: 41].

الأول: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصرف بعده لمصالح المسلمين.

والثاني: سهم لذوي القربى وهم آل النبي صلى الله عليه وسلم.

والثالث: سهم اليتامى؛ للآية المذكورة، جمع يتيم، وهو صغير ذكر وأنثى، لا أب له.

(1) أخرجه البخاري (6/ 67)، ومسلم (3/ 1383) من حديث ابن عمر، وأخرجه مسلم (3/ 1439) من حديث أبي قتادة.

ص: 44

والرابع: سهم المساكين، ويدخل فيهم الفقراء.

والخامس: سهم ابن السبيل، وهو منشئُ سفرٍ مباح لا مال معه يوصله إلى وطنه.

وبقية مباحث ما يتعلَّق بالغنيمة من أحكام النساء والذراري والأسرى مذكورة في كتب الفقه، ليست هذه النُّبذةُ محلَّ بسطها، وفي هذا القدر كفاية لذوي الهمم العوال، مُغنية لكمال الموفقين من الرجال. فرحم الله امرأً نظر إلى المقول ولم ينظر إلى من قال وسدل بعد الستر بعد التأمل في المقال.

اللهُمَّ عَذِّب الكَفَرة الذين يصدون عن سبيلك، ويقاتلون أوليائك ويكذبون رسلك، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القوم الظالمين.

اللهُمَّ زلزل أقدامهم ونكِّس أعلامهم واجعلهم هم وأموالهم وأولادهم غنيمة للمسلمين.

اللهُمَّ بَدِّد شملهم، اللَّهُمَّ فَرِّق جمعهم، اللَّهُم فُلَّ حَدّهم، اللهمَّ اجعل الدائرة عليهم، اللهُمَّ أرسل العذاب إليهم، اللَّهُمَّ أخرجهم عن دائرة اللطف والحلم، واسلبهم مدر الِإمهال، وغل أيديهم، واربط على قلوبهم، ولا تبلِّغهم فينا الآمال.

اللهُمَّ مَزِّقهم كل مُمزَّق مزَّقته لأعدائك، وانتصر لنا انتصارك لأوليائك وأنبيائك ورسلك. اللهُمَّ انصرنا نصرك لأحِبَّائك على أعدائك.

اللهمَّ لا تمكِّن الأعداء فينا ولا منَّا، ولا تسلِّطهم بذنوبنا علينا.

اللهُمَّ إنَّا آمالنا في فضلك عظيمة، وأعمالنا غير مستقيمة، فلا

ص: 45

تحرمنا من فضلك وكرمك بما ضيَّعنا من حقوقكَ وانتهكنا من حُرَمك، وتقطع عنَّا ما عوَّدتنا من جزيل نعمتك يا أرحم الرَّاحمين.

إلهي أنت قلتَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فها نحن متوجِّهون إليك بكليتنا فلا تردَّنا، واستجب لنا كما وعدتنا.

اللَّهُمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصلحهم وأصلح ذات بينهم، وألِّف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الِإيمان والحكمة، وثبِّتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يشكروا نِعمتك

التي أنعمتَ عليهم، وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوِّك وعدوّهم إله الحق، واجعلنا منهم.

اللهُمَّ صَلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمَّد، وعلى آله وأصحابه، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} [الصافات: 180 - 182].

تمَّت في 2 شهر جمادى الثاني سنة ألف ومائتين وسبعين (1).

* * *

(1) فرغت من مقابلته بأصله المخطوط في يوم السبت 24 رمضان 1420 هـ بين المغرب والعشاء في المسجد الحرام، تجاه الكعبة المشرفة، وقد عارضه معي الأخ الشيخ نظام يعقوبي والشيخ رمزي دمشقية جزاهما الله عني خير الجزاء.

ص: 46