المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المصالح والغايات وراء تعدد الزوجات: - تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم - جـ ٦٠

[ملك غلام مرتضى]

الفصل: ‌المصالح والغايات وراء تعدد الزوجات:

‌المصالح والغايات وراء تعدد الزوجات:

وهي خمسة أقسام:-

(أ) المصالح التعليمية.

(ب) . المصالح التشريعية

(ج) .المصالح الاجتماعية

(د) المصالح السياسية.

(ر) .المصالح الشخصية

والآن لنتناول بإيجاز كل من هذه المصالح الخمس:

أ - المصالح التعليمية: المرأة كما هو معروف نصف المجتمع لذلك كان لابد للنبي صلى الله عليه وسلم أن يهيئ معلمات ومفتيات لتبصير نساء المسلمين بأمور دينهن.

فهذه هي الحكمة الأساسية وراء تعدد الزوجات، وقد عرفنا أن السيدة عائشة ظلت تدرس وتبلغ تعاليم الإسلام وتفتي في الكثير من المسائل الهامة ثماني وأربعين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وانتقل ربع الأحكام الشرعية إلى الأمة الإسلامية من خلال توجيهاتها ومساعيها، ومن هنا تتضح لنا المصلحة وراء زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة وهي صغيرة السن.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم (أشد حياء من العذراء في خدرها) وهكذا يكون الأنبياء فما كان يمكنه أن يرد على كل سؤال يوجه إليه من جانب النساء بكل صراحة فكان يجيب بأسلوب الكناية أو يستعين بإحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم، ومن رواية السيدة عائشة –رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار، سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الغسل من المحيض فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل، ثم قال لها:"خذي فرصة ممسكة (أي قطعة من القطن بها أثر الطيب) فتطهري بها"، قالت:"كيف أتطهر بها"، قال:"تطهري بها"، قالت:"كيف يا رسول الله أتطهر بها؟ ". فقال لها: "سبحان الله تطهري بها"، قالت: السيدة عائشة: "فاجتذبتها من يدها فقلت ضعيها في مكان كذا وكذا، وتتبعي بها أثر الدم".

وهكذا كان هناك الكثير من الأسئلة المحرجة لاسيما عن أحكام الحيض والنفاس والجنابة فكانت تجيب عنها زوجاته الطاهرات في أكثر الأحيان في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم والسنة المطهرة بعد القرآن الكريم هي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام وتشتمل على أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأعماله وتقريره ولا يمكن لأحد أن يعرف ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل أو تقرير إلا أن يكون معه في جميع الأوقات حتى خلال أوقات فراغه متابعاً لكافة

ص: 110

حالات فرحه وغضبه ويسره وعسره ويصاحبه في كل أمور حياته مهما كانت هامة أو بسيطة، عامة أو شخصية.

وهذا الشرف لم يقدره الله سبحانه وتعالى إلا لزوجاته صلى الله عليه وسلم اللاتي ظللن يصحبنه طوال حياته إلى لحظة انتقاله إلى الرفيق الأعلى. فلهذا نرى أن كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يستفتون أمهات المؤمنين -رضوان الله تعالى عليهن أجمعين- فيما يعن من أمور هامة في حياة المسلمين العامة والخاصة.

ويقول الإمام الزهري التابعي: "كانت عائشة أعلم الناس يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم". (طبقات ابن سعد: ج 2: قسم 2: ص 26) .

ب- المصالح التشريعية: كما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحقيق بعض الغايات التشريعية ومنها إبطال بعض العادات التي سادت زمن الجاهلية مثل التبني والتآخي.

كان بعض الناس من العرب يقول للآخر: "أنت ابني" فكان يتخذه ابنا حقيقيا فكان له حكم الأبناء من النسب في جميع الأحوال، في الزواج والطلاق ومحرمات النكاح ومحرمات المصاهرة والميراث.

وكذلك كان بعض الناس يقول للآخر: "أنت أخي" فكان يتخذه أخاً حقيقيا بنفس الطريقة وكان يحل له كل ما يحل للأخ الحقيقي ويحرم عليه كل ما يحرم على الأخ الحقيقي أيضا.

فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم عادة التبني بزواجه بمطلقة متبناه زيد وهي أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش. الحق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى أيضا من ألسنة الناس ويتردد في هذا الزواج فنزلت الآية: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} . فالنقطة الهامة أنه ما كان لأي إنسان غير النبي يستطيع أن يبطل عادة التبني إذا لم يبطلها النبي صلى الله عليه وسلم لخشيته من الناس. ففرض الله على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الزواج ليبطل نظام التبني.

وبالمثل فقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم عادة التآخي بزواجه بأم المؤمنين السيدة عائشة لأنها ابنة أخيه في الإسلام سيدنا أبي بكر الصديق. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق أن ذكرنا "أنت أخي في الإسلام" ولا يعني هذا أنك أخي من ناحية النسب. ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين التآخي في الإسلام والأخوة على أساس النسب.

ص: 111

ج- المصالح الاجتماعية: حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يربط أهم وأبرز أعضاء الأمة الإسلامية بعضهم ببعض عن طريق المصاهرة فمثلا زواجه بالسيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق والسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب جاء تتويجا للوشائج الوثيقة التي ربطت بينه وبين أهم وأعظم أصحابه وهما سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر بن الخطاب اللذان أسديا خدمات جليلة للإسلام والمسلمين وقد تقلد كل منهما أمور المسلمين بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ومن ناحية أخرى فقد زوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعض بناته بسيدنا عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وقربهما إليه وقد كان هذا حافزا لهما بالتضحية في سبيل الله بكل شيء. وهكذا صار سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي من أعاظم الرجال وأتقاهم وأقربهم إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم.

د- المصالح السياسية: ونرى الكثير من المصالح السياسية التي تحققت من وراء زيجات النبي صلى الله عليه وسلم فمثلا زواجه بالسيدة جويرية بنت سيد بني المصطلق، وعتق أسرى بني المصطلق فأسلموا وتخلوا عن أعمال قطع الطريق وغاراتهم التي كانوا يشنونها ضد المسلمين ولا نرى أية مؤامرة يحيكها بنو المصطلق ضد المسلمين بعد هذا الزواج.

وهكذا زواجه بالسيدة صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني قريظة قد خفف بل قضى على موقف العداء الذي وقفه اليهود ضد الإسلام ووضع حداً لمؤامرتهم ضد النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الزواج. وهكذا زواجه بالسيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان سيد قريش، فنرى أبا سفيان الذي كان ألد أعداء الإسلام قبل إسلامه، خفيفا غير ممعن في عداوته ضد الإسلام حتى جاء إلى المدينة المنورة يلتمس تجديد عقد صلح الحديبية ولا نراه يأتي غازيا إلى المدينة المنورة بأحزابه بعد هذا الزواج.

وزواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة ميمونة أخت زوج سيد بعض قبائل سعت فسادا في الأرض واغتالت سبعين من كبار الصحابة بالمكر والخديعة، كان له أثر بالغ في تلطيف مخاصمة هذه القبائل للمسلمين.

ر- المصالح الإنسانية: وهناك المصالح الإنسانية أيضا وراء بعض زيجاته صلى الله عليه وسلم، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعض النساء رأفة بهن بسبب ظروفهن الخاصة، وكانت هناك بعض النساء العجائز اللاتي مات عنهن أزواجهن فلم يبق لهن سند أو معين في الحياة أو هناك الأمهات اللاتي افتقدن الكفيل لهن ولأطفالهن، وكانت هناك بعض الأرامل اللاتي لو رجعن إلى أهلهن لعذبن عذاباً شديدا ولفتن فتونا كبيراً، فتزوجهن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيانة لهن ورعاية

ص: 112