الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إزالة الشبهة عن حديث التربة
فضيلة الشيخ عبد القادر السّندي
المحاضر بكلية الحديث الشريف بالجامعة
معنى الحديث
وأما معنى هذا الحديث فهو معنى واضح كما يظهر ذلك من ترجمة الباب التي عقدها الإمام النووي رحمه الله تعالى إذ قال: (باب ابتداء الخلق، وخلق آدم عليه السلام أي أنه قصد رحمه الله تعالى من هذه الترجمة أن ابتداء الخلق كان يوم السبت كما في هذا الحديث لا في يوم الأحد كما زعمه من زعمه من بعض أهل التفسير والتاريخ وقد تكلم على هذا الموضوع الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه (تاريخ الأمم والملوك) وذهب إلى إن ابتداء الخلق كان يوم الأحد بناء على سياقه تلك الأسانيد الضعيفة الواهية الآتية ثم رد عليه الإمام الفقيه المحدث والمؤرخ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبى الحسن الخثعمي السهيلي المولود بمدينة مالقة سنة 508 هـ والمتوفى بمصر سنة 581 هـ في كتابه البارع النفيس الروض الأنف في تفسير ما اشتمل عليه أحاديث السيرة النبوية للإمام عبد الملك بن هشام المتوفى سنة 218هـ. وأنا أسوق تلك الأسانيد والمتون التي ساقها الإمام أبو جعفر ثم اعتمد عليها ولا يجوز الاعتماد عليها كما سوف يظهر لك جليا واضحا إن شاء الله تعالى إذ قال رحمه الله تعالى في تاريخه1: واختلف السلف في اليوم الذي ابتدأ الله عز وجل فيه خلق السموات والأرض، فقال بعضهم: ابتدأ في ذلك يوم الأحد ثم قال: ذكر من قال ذلك ثم ساق إسناده بقوله: حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد بن عبد الله، عن الشيباني، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال عبد الله بن سلام: أن الله تبارك وتعالى ابتدأ الخلق، فخلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين.
1 تاريخ الطبري 1/22-24
قلت: رجال هذا الإسناد كلهم ثقات ولكنه موقوف على عبد لله بن سلام رضي الله تعالى عنه وهو معروف رضي الله عنه بروايته عن أهل الكتاب وليس في قوله هذا حجة وقد ثبت أنه روى هذا القول عن أهل الكتاب وليس هو بمرفوع كما سوف يأتي تفصيله قريبا إن شاء الله تعالى، ثم ساق أبو جعفر رحمه الله تعالى إسناده الثاني عن طريق أبا معشر السندي عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه بنحو ما تقدم آنفا وهذا الإسناد لا يحتج به لكونه ضعيفا ولكن المعنى قد ثبت عن طريق الإسناد المتقدم، ثم ساق إسناده الثالث عن طريق شيخه محمد بن حميد الرازي أبي حيان- وهو متهم بالكذب عن كعب الأحبار، وفيه: إن الله بدأ بخلق السماوات والأرض يوم الأحد والاثنين وهذا الإسناد لو كان صحيحا لما كان فيه حجة لما قلت بمثله في عبد الله بن سلام رضي الله عنه وكعب الأحبار رحمه الله تعالى، أكثر رواية عن أهل الكتاب. وقد أجمع علماء التفسير على ذلك ولكن الإسناد ضعيف جدا لا يحتج بمثله.
ثم ساق الإمام أبو جعفر رحمه الله تعالى إسناده الرابع في هذا الموضع بقوله: حدثني محمد بن أبي منصور الآملي، حدثنا على بن الهيثم.- هكذا في المطبوعة- والصحيح على بن الميثم بالميم- عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك في قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام} قال من أيام الآخرة كل يوم مقداره ألف سنة ابتدأ الخلق يوم الأحد اهـ.
قلت: هذا إسناد موضوع مكذوب مختلق على الإمام الضحاك بن المزاحم الهلالي أبى القاسم الخراساني وهو من الطبقة الخامسة، وكانت وفاته بعد المائة بمدة وفي إسناد هذا المتن المقطوع على بن الميثم العوفي أحد الرافضة، قال الحافظ في لسان الميزان 1حكى عنه النظام قال: كنا نكلمه فيذكر ما يذهب إليه ثم ذكر الحافظ بقية الكلام وفيه أثبت أنه كان كذابا.
وفي هذا الإسناد رجل يسمى المسيب بن شريك قال الإمام الذهبي في الميزان: هو أبو سعيد التميمى الشقرى الكوفي، عن الأعمش، قال يحيى: ليس بشيء، وقال أحمد: ترك الناس حديثه، وقال البخاري سكتوا عنه، وقال مسلم وجماعة: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف ثم ذكر بقية الجرح.
قلت: لا يصلح للاعتبار والشواهد، والمتابعات فضلا أن يكون حجة والله تعالى أعلم.
ثم ساق أبو جعفر رحمه الله تعالى إسناده الخامس بقوله: حدثنى المثنى، حدثنا الحجاج. حدثنا أبو عوانة. عن أبي بشر، عن مجاهد قال: بدأ الخلق يوم الأحد.
1لسان الميزان 1/265
قلت: المثنى فما هذا الإسناد هو المثنى بن إبراهيم الآملى ولم أجد له ترجمة في المراجع التي بين يدي والغالب على الظن أنه مجهول ولو كان الإسناد صحيحا لما كان فيه حجة لأنه كلام مقطوع من قول مجاهد بن جبر المكي رحمه الله تعالى وقد خالف قوله هذا نص صحيح مرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سوف يأتي قريبا.
وأثر مجاهد السابق أخرجه الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره 1 وهو برقم 14773 وقال في تفسيره بعد سياق الإسناد عن مجاهد رحمه الله تعالى بدأ خلق العرش والماء، والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وكان بدأ الخلق يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وجميع الخلق في يوم الجمعة وتهودت اليهود يوم السبت ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدون ثم استوى على العرش اهـ. هكذا ساق الإسناد والمتن في التفسير عن مجاهد بن جبر المكي يرحمه الله تعالى وكان من الواجب عليه رحمه الله تعالى أن يسوق الإسناد والمتن المرفوع الصحيح الذي ساقه في تاريخه وهو إسناد صحيح ومتن مرفوع عن طريق شيخيه القاسم بن بشر بن معروف، والحسين بن علي الصدائي كما سوف يأتي قريبا وقد مضى في تخريج الحديث سابقا.
والجواب عن هذا الإسناد الأخير مع صحة إسناده إلى مجاهد بن جبر المكي رحمه الله تعالى بأنه متن مقطوع ولو كان موقوفا صحيح الإسناد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم تكن فيه حجة البتة لثبوت حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده والبيهقي في الأسماء والصفات والنسائي في السنن الكبرى وابن مردويه في تفسيره وابن جرير الطبري في تاريخه وهو ينص على أن ابتداء الخلق كان في يوم السبت كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
ثم قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: وقال آخرون: اليوم الذي ابتدأ الله فيه في ذلك اليوم السبت ثم قال رحمه الله تعالى: ذكر من قال ذلك، ثم ساق اسناده بقوله: حدثنا ابن حميد، قال حدثنا سلمة بن الفضل، قال حدثني محمد بن اسحاق قال: يقول أهل التوراة: ابتدأ الخلق يوم الأحد وقال أهل الأنجيل ابتدأ الله الخلق يوم الإثنين ونقول نحن المسلمون فيما انتهى الينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ الله الخلق في يوم السبت وقد مضى ذكرنا الخبرين. غير انا نعيد من ذلك في هذا الموضع بعض ما فيه من الدلالة على حجة قول كل فريق منهما.
1 تفسير الطبري: 12/482
فأما الخبر عنه بتحقيق ما قال القائلون كان ابتدأ الخلق يوم الأحد فما حدثنا به هناد بن السري، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي سعد البقال عن عكرمة، عن ابن عباس، قال هناد: وقرأت سائر الحديث أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين أ?.
قلت: الإسناد الأول الذي ساقه عن محمد بن إسحاق عن طريق محمد بن حميد الرازي أبى حيان وهو متهم بالكذب وقد مضى الكلام فيه ولا يثبت بمثل هذا الإسناد شيء الا إنما اسند إلى ابن إسحاق من قوله من ابتداء الخلق عند أهل التوراة وأهل الإنجيل، وأهل الإسلام فهو ثابت عنه رحمه الله تعالى وقد حذفه الإمام العلامة ابن هشام المعافري عند اختصاره سيرة ابن إسحاق وقد أثبته الإمام المحدث الشيخ أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي في الروض الأنف وهو شرحه لأحاديث سيرة ابن هشام المختصرة كما يأتي ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى في موضعه.
وأما سياق الإسناد الذي ساقه الإمام أبو جعفر الطبري عن طريق شيخه هناد بن السري التميمي، والذي فيه إن ابتداء الخلق كان يوم الأحد والاثنين فهو إسناد ضعيف جدا ولا يحتج بمثله- ولا يصلح للاعتبار فضلا أن يكون حجة لأن في إسناده راويين ضعيفين وهما أبو بكر بن عياش الكوفي المقرئ قال الإمام الذهبي في الميزان1 قال أبو نعيم: لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا منه، وكان يحيى بن سعيد لا يعبأ به إذا ذكر عنده كلح وجهه، وقال الإمام أحمد: كثير الغلط جدا وفي إسناد هذا الخبر أبو سعد البقال وهو سعيد ابن مرزبان العبسي مولاهم أبو سعد البقال الكوفي الأعور ضعيف مدلس، قال الإمام الذهبي في الميزان2: كوفي مشهور تركه الفلاس، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه، وقال أبو زرعة: صدوق مدلس، وقال البخاري منكر الحديث.
قلت: هذا الإسناد الذي ساقه الإمام محمد بن جرير الطبري في تاريخه لا يحتج به لو كان منفردا فكيف إذا عارضه حديث صحيح أخرجه مسلم والإمام أحمد في مسنده وابن جرير الطبري في تاريخه بإسناد صحيح. ثم قال أبو جعفر: وأما الخبر عنه بتحقيق ما قاله القائلون من أن ابتداء الخلق كان يوم السبت فما حدثني به القاسم بن بشر بن
1 الميزان،4/ 499-503
2 الميزان، 2/157-158.
معروف، والحسين بن على الصدائي قالا: حدثنا حجاح قال: ابن جريج أخبرنا إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبى هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم ذكر الحديث الذي أنا بصدد الكلام حوله، ثم قال أبو جعفر رحمه الله تعالى -في نهاية هذا الحديث الصحيح إسنادا ومتنا-: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: اليوم الذي ابتدأ الله تعالى ذكره فيه خلق السماوات والأرض يوم الأحد لإجماع السلف من أهل العلم على ذلك، فأما ما قال ابن إسحاق في ذلك فإنه إنما استدل بزعمه على أن ذلك كذلك؛ لأن الله عز ذكره فرغ من خلق جميع خلقه يوم الجمعة وذلك يوم السابع وفيه استوى على العرش وجعل ذلك اليوم عيدا للمسلمين، ودليله على ما زعم أنه استدل به على صحة قوله، فيما حكينا عنه من ذلك، هو الدليل على خطئه فيه؛ وذلك أن الله تعالى أخبر عباده في غير موضع من تنزيله أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم ذكر الإمام أبو جعفر هذه الآيات القرآنية التي نصت على أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ا?.
قلت: وكان من الواجب على الإمام أبى جعفر رحمه الله تعالى أن يقارن بين هذه الأسانيد التي ساقها في ترجيح أحد القولين في ضوء صحة هذه الأسانيد، وإلا لم يكن لسياقه هذا لتلك الأسانيد الكثيرة كبير فائدة، مادام ذهب أخيرا إلى تركها كليا؛ لأن القرآن يعارضها وكان يكفي له رحمه الله تعالى في أول القول أنها معارضة بآيات القرآن الكريم كما فصل أخيرا دون أن ينظر نظرته العلمية في ترجيح هذه الأسانيد صحة وضعفا، ومن هنا قد تصدى له في الرد عليه الإمام العلامة الحافظة عبد الرحمن السهيلي في الروض الأنف1 إذ قال رحمه الله تعالى (قال المؤلف) أي ابن إسحاق: وكان اليهود إنما اختاروا السبت لأنهم اعتقدوه اليوم السابع ثم زادوا في كفرهم، أن الله استراح فيه -تعالى الله عن قولهم-، لأن بدأ الخلق عندهم الأحد، وآخر الستة الأيام التي خلق الله فيها الخلق الجمعة وهو أيضا مذهب النصارى، فاختاروا الأحد لأنه أول الأيام في زعمهم وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم للفريقين بإضلال اليوم وقال في صحيح مسلم: أن الله خلق التربة يوم السبت، فبين- الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث- أن أول الأيام التي خلق الله فيها الخلق السبت، وآخر الأيام الستة الخميس وكذلك قال ابن إسحاق فيما ذكر عنه الطبري ا?.
1 الروض الأنف، 2/270.
قلت: هكذا رد العلامة السهيلي على القائلين بأن الأحد هو الأول من الأيام التي وقع فيه الخلق مستدلا من هذا الحديث الذي أنا بصدد الكلام حوله، وعليه اعتمد ابن إسحاق في قوله وغيره من أصحاب الحديث والتاريخ والسير. ثم قال العلامة السهيلي في الروض1: في تسمية هذه الأيام بالاثنين إلى الخميس ما يشد قول من قال أن أول الأسبوع الأحد وسابعها السبت كما قال أهل الكتاب، ليس الأمر كذلك؛ لأنها تسمية طارئة وإنما كانت أسماءها في اللغة القديمة شيار، داول، واهون، ذجبار، ددبار، ومونس، والعروبة، وأسماءها بالسريانية قبل هذا أبو جاد، هو، زحطى، إلى آخرها، ولو كان الله تعالى ذكرها في القرآن بهذه الأسماء المشتقة من العدد لقلنا هي تسمية صادقة على المسمى به، ولكنه لم يذكر فيها إلا الجمعة والسبت وليسا من المشتقة من العدد، ولم يسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأحد والاثنين إلى سائرها إلا حاكيا للغة قومه لا مبتدئا لتسميتها، ولعل قومه إن يكونوا قد أخذوا معاني هذه الأسماء من أهل الكتاب المجاورين لهم، فالفوا عليها هذه الأسماء أتباعا لهم، وإلا فقد قدمنا ما ورد في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام إن الله خلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد الحديث. والعجب من الطبري على تبحره في العلم كيف خالف مقتضى هذا الحديث، واعنف في الرد على ابن إسحاق وغيره، ومال إلى قول اليهود في أن الأحد هو الأول ويوم الجمعة السادس لا وتر، وإنما الوتر في قولهم يوم السبت مع ما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام أضلته اليهود والنصارى وهداكم الله إليه وما احتج به الطبري من حديث آخر فليس في الصحة كالذي قدمناه اهـ.
قلت: هكذا رد العلامة السهيلي على الإمام أبى جعفر الطبري مع تبحره في العلم على ترجيحه بلا مرجح، وذهابه إلى قول اليهود والنصارى وتركه هذه السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ساق إسنادها عن طريق شيخيه القاسم بن بشر بن المعروف والحسين بن على بن يزيد الصدائي وكلاهما معروف بالعدالة والضبط. وأما تعارض هذا الحديث أعني حديث أبى هريرة رضي الله تعالى عنه بنص القرآن الكريم الوارد في سبع مواضع في كتاب الله تعالى فسوف يأتي الكلام حوله عند الكلام على معنى خلق آدم عليه الصلاة والسلام الذي ورد ذكره في هذا الحديث الشريف وأن خلقه قد تأخر عن خلق السماوات والأرض وما بينهما بآلاف السنين وليس هناك تعارض البتة كما يأتي مفصلاً.
1 الروض الأنف، 2/271.
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله تعالى في الأنوار الكاشفة1 في الرد على أبي رية:
أما الوجه الثالث فالآثار القائلة إن ابتداء الخلق يوم الأحد ما كان منها مرفوعا فهو أضعف من هذا الحديث بكثير- أي حديث أبى هريرة الذي أنا بصدد الكلام حوله والذي أخرجه مسلم وغيره- وأما غير المرفوع فعامته من قول عبد الله بن سلام، وكعب ووهب ومن يأخذ عن الاسرائيليات اهـ.
قلت: وقد بحثت هذه الأسانيد التي أشار إليها العلامة المعلمي رحمه الله تعالى، فإن الأمر كما ذكر رحمه الله تعالى بل أشد وأعظم مما ذكر ثم قال رحمه الله تعالى: وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليدا لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت، وانتشرت فلم ير ضرورة إلى تغييرها، لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت، وانتشرت لا يعد اعترافا بمناسبتها لما أخذت فيه أو بينت عليه، إذ قد أصبحت لا تدل على ذلك، وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى: إن هذا ذكره السهيلي في الحوض الأنف وهو كما قال رحمه الله تعالى، وكلامه كما ترى وجيه سديد. وهنا اكتفى بالكلام حول الجزء الأول على معنى الحديث وقد ثبت بهذا أن ابتداء الخلق كان يوم السبت كما في هذا الحديث الصحيح.
وأما الكلام حول الجزء الثاني من معنى هذا الحديث فهو خلق آدم عليه السلام ثم عدم ورود ذكر خلق السماوات في الحديث لفظا فإني أفرد الكلام حوله مبتدءً على خلق آدم عليه الصلاة والسلام وأنه خلق متأخر عن خلق السموات والأرض بآلاف السنين ثم جمع في هذا الحديث بين الخلقين المتقدم والمتأخر، ومن هنا ظهر التعارض الظاهري بين القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف الذي تكلم عليه تخريجا وإسنادا.
وإلى هذا المعنى الواضح البين أشار الإمام أبو عبد الله الحاكم في مستدركه.
1 الأنوار الكاشفة، ص191