المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌متى كان خلق آدم

‌متى كان خلق آدم

أخرج الحاكم أبو عبد الله في مستدركه 1 حديثا بإسناده الصحيح، إذ قال رحمه الله تعالى: أخبرني عبد الله بن موسى الصيدلاني، ثنا إسماعيل بن قتيبه، ثنا أبو بكر بن أبى شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن بكر، بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها أحد، قال الله تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} وقد كان فيها قبل أن يخلق- آدم- بألفي عام الجن بنو الجان، فأفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فلما قال الله:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} يعنون الجن بني الجان، فلما افسدوا في الأرض بعث عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور، قال: فقالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها كما فعل أولئك الجن بنو الجان؟ قال: فقال الله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} ثم قال الحاكم -مبينا درجة إسناد هذا الحديث-: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الإمام الذهبي في التلخيص: صحيح وعزاه السيوطي في الدر المنثور2 إلى الحاكم في المستدرك وصححه ثم ذكر الحديث بطوله.

والشاهد في هذا الحديث هو أن آدم عليه الصلاة والسلام لم يكن خلقه داخلا في الأيام الستة المذكورة في القرآن الكريم وإن خلقه قد تأخر عن خلق السماوات والأرض مدة طويلة، كما في هذا الحديث الصحيح الذي أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، وابن أبى حاتم في تفسيره ونقله ابن كثير في تفسيره 3 بإسناد ابن أبى حاتم، وفيه خطأ في إسناده في النسخة المطبوعة، وهو بعد ذكر الإسناد يقول عن مجاهد عن عبد الله بن عمر وهذا خطأ مطبعي وقع في جميع نسخ ابن كثير المطبوعة والصحيح عن مجاهد عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما وإن كان قد ثبت سماع مجاهد عن العبادلة الأربعة إلا أن هذا الإسناد الذي ساقه ابن كثير عن تفسير ابن أبى حاتم وهو مخطوط لا يصح السماع عن طريقه عن

1 المستدرك، 2/261.

2 الدر المنثور،1/44-45.

3 تفسير ابن كثير، 1/123.

ص: 54

عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما والله أعلم بالصواب. ولهذا يقول العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في "الأنوار الكاشفة" 1: ويجاب عن الوجه الثاني بأنه ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل أن خلق آدم كان في الأيام الستة ولا في القرآن ولا السنة ولا المعقول أن خالقية الله عز وجل وقفت بعد الأيام الستة، بل هذا معلوم البطلان، وفي آيات خلق أدم في أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهرا، فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السماوات والأرض. فتدّبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان يتضح لك إن شاء الله تعالى أن دعوة مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد اهـ.

قلت: وقد نص القرآن الكريم على تأخير خلق آدم عليه الصلاة والسلام كما في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} والشاهد في هذه الآية الكريمة أن الله تعالى أخر خلق آدم عليه الصلاة والسلام عن خلق الملائكة كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المتقدم والذي أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، وابن أبى حاتم في تفسيره كما نقله الإمام ابن كثير وإلى هذا المعنى يشير قوله جل وعلا في سورة الرحمن {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

قال العلامة الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره 2 حدثنا أبو كريب قال ثنا عبيد الله بن موسى، عن أبى حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء، دفتاه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، عرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة يخلق بكل نطرة، ويحيا ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء.

وقد أورده الإمام ابن كثير في تفسيره 3 وسكت عن بيان درجة إسناده.

1 الأنوار الكاشفة،190.

2 تفسير الطبري، 27/ 135.

3 تفسير ابن كثير،6/ 491.

ص: 55

قلت: وفي إسناده أبو حمزة الثمالي واسمه ثابت بن أبى صفية الثمالي بضم المثلثة، قال الحافظ في التقريب 1: كوفي ضعيف رافضي من الخامسة، مات في خلافة أبي جعفر ورمز له بأنه من رجال أبى داود في السنن وابن ماجة، والشاهد في هذه الرواية الضعيفة التي هي تصلح للاستشهاد هو معنى كل يوم هو في شأن أي: يخلق، ولهذه الهواية الموقوفة التي لها حكم الرفع لو صح إسنادها شاهد قوي أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره وذلك من مرسل قتادة بن دعامة السدوسي إذ قال ابن جرير الطبري حدثنا ابن بشار قال: ثنا مروان، قال ثنا أبو العوام، عن قتادة {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن} قال: يخلق خلقا، ويميت ميتا، ويحدث أمرا.. هذا الإسناد رجاله كلهم ثقات يحتج بهم وقد ثبت بذلك هذا المعنى أي أنه يخلق كل يوم ويميت ويحدث الأمر، ويوم السبت داخل في الأيام التي يخلق فيها الرب سبحانه وتعالى خلقه فلو كان الأحد هو أول الأيام التي ابتدأ الله فيها الخلق لكان قول اليهود والنصارى صادقا كما سبق الرد عليه من قبل العلامة السهيلي على الطبري. ومع أن تلك الأسانيد التي ساقها الإمام أبو جعفر وفيها أن الأحد هو أول الأيام الستة هي موضوعة ومنكرة كما مضى تحقيقه وبيانه في الكلام على إسناد حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

وأما قول الشيخ عبد القادر القرشي في الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2 وقد روى مسلم أيضا خلق الله التربة يوم السبت، واتفق الناس على أن يوم السبت لم يقع فيه خلق وأن ابتداء الخلق يوم الأحد.

فقلت: لم أقف على هذا الاتفاق الذي أشار إليه العلامة القرشي رحمه الله تعالى وإنما هو قول للعلامة أبي جعفر الطبري في تاريخه ولم ينقل الاتفاق وكان يرد بذلك على الإمام محمد بن إسحاق صاحب السيرة القائل بأن ابتداء الخلق كان في يوم السبت وقد أيده العلامة السهيلي في الروض الأنف كما مضى، ورد على ابن جرير الطبري ردا علميا ونقله العلامة المعلمي في الأنوار الكاشفة وأيده بالأدلة العقلية والنقلية كما مضى أنفا. وخالفهم الإمام العلامة الحافظ ابن القيم في المنار المنيف 3 إذ قال رحمه الله تعالى: ويشبه هذا ما

1 التقريب،1/116.

2 جواهر المنية في طبقات الحنفية، 2/429.

3 المنار المنيف، ص84.فصل19.

ص: 56

وقع فيه الغلط من حديث أبي هريرة، ثم ذكر الحديث، ثم قال وهو في صحيح مسلم ولكن وقع الغلطة في رفعه، وإنما هو من قول كعب الأحبار كذلك قال إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير. وقال غيره من علماء المسلمين أيضا وهو كما قالوا لأن الله أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وهذا الحديث يقتضي أن مدة التخليق سبعة أيام والله تعالى أعلم. اهـ.

وهكذا نقل الإمام ابن كثير في تفسيره ثم ذهب إلى تضعيف الحديث، وأمانة العلم تقتضي نقل كلام أهل العلم هنا في هذا الموضع، وإني مع ضعف إدراكي وقلة بصيرتي وحيلتي أطمئن إلى ما قاله الإمام البيهقي في الأسماء والصفات والعلامة ابن إسحاق صاحب السيرة والسهيلي في الحوض الأنف وأخيرا العلامة عبد الرحيم بن يحي المعلمي في الأنوار الكاشفة، وأزال التعارض الظاهري الواقع بين الحديث ونص القرآن الكريم. وما ذكره الشيخ عبد القادر القرشي من الاتفاق فغير موجود، بل نصُّ القرآن الكريم يخالف هذا الاتفاق إن وجد {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} كما سبق تفسيره عن ابن عباس وقتادة رضي الله تعالى عنهما. وأما ما نقله الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عن الإمام البخاري رحمه الله تعالى- عن أبو هريرة عن كعب وهو أصح.

قلت: وقد ثبت عن كعب الأحبار أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد كما سبق بيانه وفي هذا الحديث الذي أخرجه مسلم لو كان ما ذكره الإمام البخاري في تاريخه صحيحا لكان التعارض واقعا بين قولي كعب الأحبار كما لا يخفى فما هو الراجح.

وقال الشيخ أحمد عبد الرحمن الساعاتي في الفتح الرباني 1 بعد إيراده حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: وقوله يوم السبت فيه رد زعم اليهود أنه ابتدأ في خلق العالم يوم الأحد وفرغ يوم الجمعة، واستراح السبت، قالوا: ونحن نستريح فيه كما استراح الرب. وهذا من جملة غباوتهم، وجهلهم، إذ التعب لا يتصور إلا على حادث. قال تعالى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ثم ذكر تخريج الحديث. وأورد في الحديث الساعاتي في نفس المجلد 2 وأحال على الصفحة الثامنة من هذا المجلد.

1 الفتح الرباني،8/20.

2 الفتح الرباني،28/20.

ص: 57