المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الزكاة هي لغة: التطهير والنماء. وشرعا: اسم لما يخرج عن - إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين - جـ ٢

[البكري الدمياطي]

الفصل: ‌ ‌باب الزكاة هي لغة: التطهير والنماء. وشرعا: اسم لما يخرج عن

‌باب الزكاة

هي لغة: التطهير والنماء.

وشرعا: اسم لما يخرج عن مال، أو بدن، على الوجه الآتي.

وفرضت زكاة المال في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر.

ووجبت في ثمانية أصناف من المال: النقدين، والانعام،

ــ

باب الزكاة

لما أنهى الكلام على الركن الأعظم من أركان الإسلام - وهو الصلاة - شرع يتكلم على الركن الثاني منها، وهو

الزكاة.

والأصل في وجوبها - قبل الإجماع - قوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) *.

وأخبار كخبر بني الإسلام على خمس.

(قوله: هي لغة: التطهير والنماء) يعني أن الزكاة في اللغة جاءت بمعنى التطهير، وبمعنى النمو.

قال تعالى: * (قد أفلح من زكاها) * (1) أي طهرها.

ويقال: زكا الزرع إذا نما.

وجاءت أيضا فيها بمعنى المدح، قال تعالى: * (فلا تزكوا أنفسكم) * أي تمدحوها.

وبمعنى البركة، ويقال: زكت النفقة: إذا بورك فيها.

وبمعنى كثير الخير، يقال: فلان زاك، أي كثير الخير.

(قوله: وشرعا: اسم لما يخرج) أي لقدر يخرج إلخ، وسمي بذلك للمناسبة بينه وبين المعاني اللغوية المذكورة، وذلك لأن المال ينمو ببركة إخراجها ودعاء الآخذ لها، ولأنها تطهر مخرجها من الإثم، وتمدحه حين تشهد له بصحة الإيمان.

والقدر المخرج عن المال هو العشر فيما سقي بما لا مؤنة فيه، أو نصفه فيما فيه مؤنة، أو ربعه في الذهب والفضة والخمس في الركاز.

أو ما ورد عن الشارع في الحيوان، كبنت مخاض عن خمس وعشرين.

والقدر المخرج عن البدن، وهو صاع.

(وقوله: عن مال) هو ما سيذكره بعد بقوله النقدين إلخ.

وزكاة التجارة ترجع للنقد لأنها تقوم به، ثم إن المال المذكور بعضه حولي وبعضه غير حولي - كما ستعرفه.

(وقوله: أو بدن) أي أو ما يخرج عن البدن، وهو صاع زكاة الفطر.

ولا يشترط حول لوجوبها عمن ولد قبل الغروب.

(وقوله: على الوجه الآتي) أي من وجود الشروط، وانتفاء الموانع، ونية الدافع.

(قوله: وفرضت زكاة المال في السنة الثانية) اختلف في أي شهر منها.

والذي قال شيخنا البابلي أن المشهور عن المحدثين أنها فرضت في شوال من السنة المذكورة.

اه.

بجيرمي.

(قوله: بعد صدقة الفطر) أي بعد فرض صدقة الفطر، لأنها فرضت قبل العيد بيومين في السنة الثانية أيضا - كما في المواهب اللدنية.

(قوله: ووجبت) أي زكاة المال.

(قوله: في ثمانية أصناف من المال) أي بعد النقدين صنفين، والأنعام ثلاثة، وعروض التجارة داخلة في النقدين، لأنها تقوم بهما - كما علمت - وترجع هذه الثمانية إلى ضربين: ما يتعلق بالقيمة - وهو زكاة التجارة - وما يتعلق

(1) الشمس: 9.

(1)

الزكاة فريضة وركن من أركان الدين قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) التوبة الاية 103.

وقوله عزوجل: (وآتوا الزكاة) النساء الاية 76.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم " متفق عليه.

وللحديث: " بني الإسلام على خمس، ومنها وإيتاء الزكاة " متفق عليه

ص: 168

والقوت، والتمر، والعنب لثمانية أصناف من الناس.

ويكفر جاحد وجوبها، ويقاتل الممتنع عن أدائها، وتؤخذ منه - وإن لم يقاتل - قهرا (تجب على) كل (مسلم) ولو غير مكلف، فعلى الولي إخراجها من ماله.

وخرج

ــ

بالعين: وهو ثلاثة أنواع: نبات، وجوهر النقدين، وحيوان.

(قوله: النقدين الخ) بدل من ثمانية أصناف.

(وقوله: والأنعام) أي الإبل، والبقر، والغنم.

(قوله: والقوت) أي من الحبوب، كبر، وشعير، وأرز.

(قوله: والتمر، والعنب) عبر بعضهم عن هذين وعن القوت بالنابت، فإنه يشمل الزرع والنخل والكرم.

(قوله: لثمانية إلخ) متعلق بوجبت، أي وجبت في ثمانية أصناف من المال، لثمانية أصناف من الناس، وهم المذكورون في آية * (إنما الصدقات للفقراء) * إلخ.

(قوله: ويكفر جاحد وجوبها) أي الزكاة.

ومحله أن أنكر وجوبها على الإطلاق، بأن أنكر أصلها من غير نظر لأفرادها، أو أنكر بعض أفرادها الجزئية المجمع عليه، بخلاف المختلف فيه - كوجوبها في مال الصبي والركاز - فلا يكفر جاحده.

(قوله: ويقاتل الممتنع عن أدائها) أي الزكاة - كما فعل الصديق رضي الله عنه وكما يقاتل الممتنع من الأداء يقاتل الممتنع من أخذها.

وعبارة ش ق: ولو امتنع المستحقون من أخذها قاتلهم الإمام، لأن قبولها فرض كفاية، فيقاتلون على ذلك، لتعطيلهم هذا الشعار العظيم، كتعطيل الجماعة، بناء على أنها فرض كفاية، بل أولى.

أفاده الرملي.

اه.

(قوله: وتؤخذ) أي الزكاة.

(وقوله: منه) أي من الممتنع.

(وقوله: وإن لم يقاتل) الأولى تأخيره عن قوله قهرا.

(وقوله: قهرا) صفة لمصدر محذوف، أي تؤخذ أخذا قهرا، سواء قاتل الممتنع الإمام أم لا.

وفي البجيرمي ما نصه: والحاصل أن الناس فيها على ثلاثة أقسام: قسم يعتقد وجوبها ويؤديها، فيستحق الحمد، وفيه نزل قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * (1).

وقسم يعتقد وجوبها ويمتنع من إخراجها، فإن كان في قبضة الإمام أخذها من ماله قهرا، وإلا قاتله، كما فعلت الصحابة رضوان الله عليهم بمانع الزكاة.

وقسم لا يعتقد وجوبها، فإن كان ممن يخفى عليه - لكونه قريب عهد بالإسلام - عرفه أي الوجوب وينهى عن العود، وإلا حكم بكفره.

اه.

(قوله: تجب الخ) شروع في بيان شروط من تجب عليه زكاة الأموال التي هي: النقدان، والأنعام، والقوت، والتمر، والعنب.

وبدأ ببيان شروط من تجب عليه زكاة النقدين - لأنهما أشرف من بقية الأموال - إذ بهما قوام الدنيا، ونظام أحوال الخلق، لأن حاجات الناس كثيرة، وكلها تقضى بهما، بخلاف غيرهما من الأموال.

وذكر لمن تجب عليه زكاتهما خمسة شروط - متنا وشرحا - وهي: إسلام، وحرية، وتعين مالك، ونصاب وحول.

وبقي من الشروط: قوة الملك، ويعبر عنه بالملك التام، ليخرج به ما ملكه المكاتب، فلا زكاة فيه عليه، لضعف ملكه عن احتمال المواساة.

وتيقن وجود المالك: فلا زكاة في مال الحمل الموقوف له بإرث أو وصية، لعدم الثقة بحياته.

ومعظم هذه الشروط يأتي في غيره ممن تجب

عليه زكاة بقية الأموال - كما ستقف عليه.

(قوله: على كل مسلم) أي لقول الصديق رضي الله عنه في كتابه: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين.

رواه البخاري.

(قوله: ولو غير مكلف) غاية في المسلم، وهو الصبي والمجنون.

(قوله: فعلى الولي الخ) هذا بيان للمراد بلزومها على غير المكلف، يعني أن المراد بذلك أنها تلزم في ماله، ويلزم الولي إخراجها منه، فالمخاطب بالإخراج الولي.

قال في النهاية: ومحل وجوب ذلك عليه في مال الصبي والمجنون، حيث كان ممن يعتقد وجوبها على المولى عليه، فإن كان لا يراه - كحنفي - فلا وجوب.

والاحتياط له أن يحسب زكاته، فإذا كملا أخبرهما بذلك، ولا يخرجها، فيغرمه الحاكم.

قاله القفال.

وفرضه في الطفل ومثله المجنون - كما مر - والسفيه.

اه.

(فائدة) أجاب السبكي عن سؤال صورته: كيف تخرج الزكاة من أموال الأيتام من الدراهم المغشوشة والغش فيها ملكهم؟ بأن الغش إن كان يماثل أجرة الضرب والتخليص فيسامح به، وعمل الناس على الإخراج منها.

اه.

مغنى.

(1) التوبة: 60

ص: 169

بالمسلم الكافر الاصلي، فلا يلزمه إخراجها، ولو بعد الاسلام (حر) معين، فلا تجب على رقيق لعدم ملكه، وكذا المكاتب لضعف ملكه، ولا تلزم سيده، لانه غير مالك في (ذهب) ولو غير مضروب، خلافا لمن زعم

ــ

(ظريفة) للفخر الرازي: طلبت من المليح زكاة حسن * * على صغر من السن البهي فقال: وهل على مثلي زكاة * * على رأي العراقي الكمي؟ فقلت: الشافعي لنا إمام * * يرى أن الزكاة على الصبي فقال: اذهب إذا واقبض زكاتي * * بقول الشافعي - من الولي وتممه التقي السبكي فقال: فقلت له فديتك من فقيه * * أيطلب بالوفاء سوى الملي نصاب الحسن عندك ذو امتناع * * بخدك والقوام السمهري فإن أعطيتنا طوعا، وإلا * * أخذناه - بقول الشافعي (قوله: وخرج بالمسلم الكافر الأصلي) احترز بالأصلي عن المرتد، فإن فيه تفصيلا، وهو أنه إن ارتد بعد أن وجبت الزكاة عليه، أخذت منه مطلقا، سواء أسلم أم لا.

وإن وجبت عليه بعد أن ارتد فتوقف كبقية أمواله، إن عاد إلى الإسلام لزمه أداؤها، لتبين ملكه.

وإن مات مرتدا بان أن لا مال له من حين الردة ويكون فيئا.

(قوله: فلا يلزمه إخراجها)

بمعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا، فلا ينافي أنها تلزمه من حيث أنه يعاقب على تركها في الآخرة، كبقية الفروع المتفق عليها.

(قوله: ولو بعد الإسلام) أي فلا يلزمه أن يخرجها لقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (1).

وإنما لم تسقط الكفارة بالإسلام لأنها محض مواساة، فينبغي أن لا يتركها بعد الإسلام، بخلاف الزكاة، فإنها وإن كان فيها مواساة، لكن فيها شائبة معاوضة في مقابلة ما نما من المال.

وأيضا: فالكفارة شأنها ندرة الوقوع، فلا يشق إخراجها لعدم كثرتها، بخلاف الزكاة فإنها كثيرة الوقوع، فيشق إخراج ما استقر عليه حال كفره.

(قوله: حر) أي كله أو بعضه، فتجب الزكاة عليه، ولو كان مبعضا ملك ببعضه الحر نصابا.

(وقوله: معين) أي غير مبهم، فلا زكاة في ريع موقوف على جهة عامة، ولا في مال بيت المال.

ومن الأول: الموقوف على إمام المسجد أو مؤذنه، لأنه لم يرد به شخص معين، وإنما أريد به كل من اتصف بهذا الوصف - كما سيذكره:(قوله: فلا تجب على رقيق) محترز حر.

(وقوله: لعدم ملكه) تعليل لعدم الوجوب، فلو ملكه سيده مالا لم يملكه، فيكون باقيا على ملك سيده، فتلزمه زكاته.

(قوله: وكذا المكاتب) أي وكذا لا تجب على المكاتب، ولو كانت الكتابة فاسدة.

(قوله: لضعف ملكه) أي عن احتمال المواساة، ولذا لا تلزمه نفقة قريبة، ولا يرث ولا يورث.

(قوله: ولا تلزم) أي الزكاة، في مال المكاتب.

(وقوله: سيده) أي المكاتب.

(قوله: لأنه) أي السيد.

(وقوله: غير مالك) أي لمال المكاتب.

قال في الروض وشرحه: فإن زالت الكتابة لعجز أو عتق أو غيره، انعقد حوله من حين زوالها.

(قوله: في ذهب إلخ) متعلق بتجب.

أي تجب في ذهب وما عطف عليه.

(والأصل) في وجوبها فيهما - قبل الإجماع - قوله تعالى: * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * (1) والكنز: هو الذي لم تؤد زكاته.

ووجه دلالة الآية على وجوب الزكاة أنه توعد على عدم الزكاة بالعذاب، والوعيد على الشئ يقتضي النهي عنه، فكأنه قال لا تتركوا الزكاة.

والنهي عن الشئ أمر بضده، فكأنه قال: أدوا الزكاة وهو أمر والأمر للوجوب ولا تجب الزكاة في سائر الجواهر - كاللؤلؤ والياقوت والفيروزج - لعدم ورود الزكاة فيها.

ولأنها معدة للاستعمال - كالماشية العاملة.

(قوله: ولو غير مضروب) أي ولو كان الذهب غير مضروب، كسبيكة ذهب، فإنه تجب الزكاة فيه.

(قوله:

(1) الانفال: 38.

(2)

التوبة: 34

ص: 170

اختصاصها بالمضروب (بلغ) قدر خالصه (عشرين مثقالا) بوزن مكة تحديدا.

فلو نقص في ميزان وتم في آخر فلا زكاة، للشك.

والمثقال: اثنان وسبعون حبة شعير متوسطة.

قال الشيخ زكريا: ووزن نصاب الذهب بالاشرفي: خمسة وعشرون وسبعان وتسع.

وقال تلميذه - شيخنا - والمراد بالاشرفي: القايتبايي.

(و) في (فضة بلغت مائتي درهم) بوزن مكة: وهو خمسون حبة وخمسا حبة.

فالعشرة دراهم: سبعة مثاقيل ولا وقص فيهما

ــ

خلافا لمن زعم اختصاصها) أي الزكاة.

(قوله: بلغ قدر خالصه) أي الذهب، فلا زكاة في مغشوش حتى يبلغ خالصه ما ذكر، فتخرج زكاته خالصا أو مغشوشا خالصه قدرها، لكن يتعين على الوالي إخراج الخالص، حفظا للنحاس مثلا على

المولى.

وتقدم عن السبكي سؤال في ذلك.

(قوله: عشرين مثقالا) أي لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس في أقل من عشرين دينارا شئ، وفي عشرين نصف دينار.

رواه أبو داود بإسناد صحيح.

(قوله: بوزن مكة) أي ويعتبر ذلك بوزن مكة، للخبر الصحيح: المكيال مكيال المدينة، والوزن وزن مكة.

(قوله: فلو نقص الخ) تفريع على قوله تحديدا.

(قوله: فلا زكاة) أي واجبة فيه.

(وقوله: للشك أي في النصاب.

(قوله: والمثقال هو لم يتغير، جاهلية وإسلاما.

(قوله: متوسطة) أي معتدلة لم تقشر، وقطع من طرفيها ما كان دقيقا رفيعا.

(قوله: ووزن نصاب الذهب بالأشرفي) نسبة للسلطان الأشرف قايتباي، وليس المراد به من بنى جامع الأشرفية، وهو خليل البرسبائي - بضم الباء والراء، وسكون السين، وبموحدة بعدها مدة -.

(قوله: خمسة وعشرون) أي أشرفيا، وهو أقل وزنا من الدينار المعروف الآن.

(قوله: والمراد بالأشرفي: القايتبايي) أي لأنه الذي كان في زمن الشيخ زكريا، وبه يعلم نصاب ما زاد على وزنه من المعاملة الحادثة الآن، على أنه حدث أيضا تغيير في المثقال لا يوافق شيئا مما مر.

فليتنبه لذلك.

شرح م ر مع زيادة من الشوبري.

بجيرمي.

وقال في حواشي الإقناع: واعلم أن الذي تحرر أن النصاب في البنادقة والفنادقة سبعة وعشرون من كل منهما إلا ثلثا لأن البندقي ثمانية عشر قيراطا، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا، والقيراط ثلاث شعيرات، فكل ثلاثة مثاقيل أربعة بنادقة.

والفندقي كالبندقي في الوزن، لكنه - أي الفندقي - ليس سالما من الغش، وفي المحابيب خمسة وثلاثون محبوبا كاملة.

والدراهم المعروفة الآن كل عشرة منها سبعة مثاقيل، فتكون الأواقي الخمس مائتي درهم.

وقد كان في السابق درهم يقال له البغلي، وكان ثمانية دوانق.

ودرهم يقال له الطبري، أربعة دوانق.

فالدراهم مختلفة في الجاهلية، ثم أخذ نصف كل منهما وهو ستة دوانق، وجعل درهما في زمن عمر وعبد الملك بن مروان، وأجمع عليه المسلمون.

قال الأذرعي - كالسبكي - ويجب اعتقاد أنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين، ويجب تأويل خلاف ذلك.

اه.

م ر.

(قوله: وفي فضة) معطوف على ذهب، أي وتجب في فضة.

وسمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى.

وسميت الفضة بذلك لأنها تنفض ولا تبقى، وسمي المضروب من الذهب دينارا، ومن الفضة درهما، لأن الدينار آخره نار، والدرهم آخره هم، والمرء إن أحبهما قلبه معذب بين الهم في الدنيا، والنار في الآخرة، بسبب اكتسابهما من حرام أو عدم أداء زكاتهما.

وأنشد بعضهم في ذلك فقال: النار آخر دينار نطقت به * * والهم آخر هذا الدرهم الجاري والمرء بينهما - ما لم يكن ورعا - معذب القلب بين الهم والنار

(قوله: بلغت مائتي درهم) وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة.

والأوقية أربعون درهما بالنصوص المشهورة والإجماع.

قال البجيرمي: وقد حدث للناس عرف آخر، فجعلوها عبارة عن اثني عشر درهما، وعند الطيبي عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وبعضهم سمى هذه الأوقية: أوقية الطيبي.

اه.

وفي ش ق: وهي - أي المائتا درهم - ثمانية وعشرون ريالا ونصف تقريبا، هذا إن كان في كل ريال درهمان من النحاس، فإن كان فيه درهم فقط كانت خمسة وعشرين ريالا.

اه.

(قوله: بوزن مكة) أي لما تقدم تقريبا.

(قوله: وهو) أي الدرهم.

وعبارة التحفة: والمثقال لم يتغير جاهلية ولا إسلاما: ثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة لم تقشر، وقطع من طرفيها ما دق وطال.

ص: 171

كالمعشرات، فيجب في العشرين، والمائتين، وفيما زاد على ذلك، ولو ببعض حبة:(ربع عشر) للزكاة، ولا يكمل أحد النقدين بالآخر، ويكمل كل نوع من جنس بآخر منه.

ويجزئ جيد، وصحيح عن ردئ ومكسر، بل هو أفضل، لا عكسهما.

وخرج بالخالص المغشوش، فلا زكاة فيه حتى يبلغ خالصه نصابا.

(ك) - ما يجب

ــ

والدرهم اختلف وزنه جاهلية وإسلاما، ثم استقر على أنه ستة دوانق، والدانق: ثمان حبات وخمسا حبة، فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم.

فعلم أنه متى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا، ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان.

اه.

(قوله: وخمسا حبة) أي حبة شعير متوسطة - كما تقدم.

(قوله: فالعشرة دراهم) الأولى فعشرة الدراهم - بإدخال أل على الثاني - وذلك لأن القاعدة أن العدد المضاف إذا أريد تعريف الجزء الأخير، وهو المضاف إليه، فيصير الأول مضافا إلى معرفة، فيقال: ثلاثة الأثواب، ومائة الدرهم، وألف الدينار.

والعدد المركب إذا أريد تعريفه: يعرف الجزء الأول فقط، فيقال: الأحد عشر درهما.

والعدد المعطوف إذا أريد تعريفه: يعرف هو مع المعطوف عليه، فيقال: الأحد والعشرون درهما.

وقد نظم هذه القاعدة العلامة الأجهوري في قوله: وعددا تريد أن تعرفا * * فأن بجزأيه صلن إن عطفا وإن يكن مركبا فالأول * * وفي مضاف عكس هذا يفعل وخالف الكوفي في الأخير * * فعرف الجزأين - يا سميري نعم، ذكر العلامة الصبان في حاشية الأشموني عن شيخه أن منهم في التركيب الأول من لا يضيف بل يعرف الأول فقط، فيقول: هذه الخمسة أثوابا، وخذ المائة درهما، ودع الألف دينارا.

اه.

فلعل المؤلف جرى على ما ذكر.

فتنبه.

(قوله: ولا وقص فيهما) أي لا عفو في الذهب والفضة، فالزائد على النصاب بحسابه، ولو يسيرا، وذلك لإمكان التجزي في ذلك بلا ضرر، بخلافه في المواشي، فإنه لو حسب الزائد على النصاب فيها لتضرر هو والفقراء بالمشاركة فيه.

(قوله: كالمعشرات) الكاف للتنظير في عدم العفو عن الزائد.

(قوله: فيجب) دخول على المتن.

(وقوله: في العشرين) أي مثقالا بالنسبة للذهب.

(وقوله: والمائتين) أي درهما بالنسبة للفضة.

(قوله: وفيما زاد على ذلك) الأولى تأخيره عن فاعل الفعل وزيادة فبحسابه، بأن يقول: وفيما زاد على ذلك فبحسابه.

(وقوله: ربع عشر) فاعل يجب.

والمراد ربع عشر العشرين في الأول، وربع عشر المائتين في الثاني.

وإذا كان هناك زائد فبحسابه.

فإذا كان عنده خمسة وعشرون مثقالا، ففي العشرين نصف مثقال، وفي الخمسة ثمن مثقال، فالجملة خمسة أثمان مثقال، لخبر أبي داود وغيره بإسناد صحيح أو حسن، كما في المجموع: ليس في أقل من عشرين دينارا شئ، وفي عشرين نصف دينار.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: وفي الرقة ربع العشر.

(قوله: ولا يكمل أحد النقدين بالآخر) أي لا يكمل نصاب أحد النقدين إذا نقص عنه من النقد الآخر، لاختلاف الجنس، كما في الحبوب.

فلو كانت عنده مائة درهم فضة وعشرة مثاقيل من الذهب لا زكاة عليه فيهما، ولا يكمل نقص أحدهما بالآخر.

وعبارة الروض وشرحه: فإن نقص النصاب - ولو بعض حبة، ولو في بعض الموازين - أوراج رواج التام، لم تجب فيه الزكاة، لعموم الأخبار، ولا يكمل نصاب أحدهما بالآخر لاختلاف الجنس، كما لا يكمل التمر بالزبيب.

(قوله: ويكمل كل نوع الخ) يعني أنه يكمل نوع بنوع آخر من جنس واحد، فإذا كان عنده من جنس الذهب مثلا نوعان - كجيد وردئ، أو متوسط - وكل منهما ينقص عن نصاب، كمل أحدهما بالآخر، ويؤخذ من كل نوع بالقسط إن سهل بأن قلت الأنواع، وإن شق - بأن كثرت - أخذ من الوسط، كما في المعشرات.

(قوله: ويجزئ جيد إلخ) أي يجزئ إخراج نوع جيد عن نوع ردئ بلغ نصابا.

والمراد بالجودة: النعومة ونحوها - كاللين - وبالرداءة: الخشونة ونحوها - كاليبوسة - وإخراج نوع صحيح عن نوع مكسر.

(قوله: بل هو) أي إخراج الجيد عن الردئ، والصحيح عن المكسر، أفضل.

أي لأنه زاد خيرا.

(قوله: لا عكسهما) أي لا يجزئ عكسهما، وهو إخراج

ص: 172

ربع عشر قيمة العرض في (مال تجارة) بلغ النصاب في آخر الحول، وإن ملكه بدون نصاب.

ويضم الربح

ــ

الردئ عن الجيد، والمكسر عن الصحيح.

وإذا لم يجزئ ذلك، استرده المالك إن بين عند الدفع أنه عن ذلك المال، وإلا فلا يسترده - كما لو عجل الزكاة فتلف ماله قبل الحول وإذا جاز الاسترداد.

فإن بقي أخذه، وإلا أخذ التفاوت.

فيقوم المخرج بجنس آخر ليأخذ التفاوت منه.

ومحل عدم إجزاء المكسر عن الصحيح إن نقصت قيمته عنه - كما هو الغالب - وإلا اتجه الإجزاء.

كما بحثه في الإيعاب: (قوله: وخرج بالخالص المغشوش) هو المخلوط بما هو أدون منه.

(قوله: فلا زكاة فيه) أي المغشوش.

(قوله: حتى يبلغ خالصه نصابا) أي فحينئذ يخرج قدر الزكاة خالصا أو مغشوشا خالصه قدر

الزكاة، ويكون متطوعا بالنحاس.

(قوله: كما يجب ربع عشر الخ) شروع في بيان زكاة عروض التجارة.

والأصل فيها قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * قال مجاهد: نزلت في التجارة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته.

والبز بباء موحدة مفتوحة وزاي معجمة مشددة - يطلق على الثياب المعدة للبيع، وعلى السلاح.

قاله الجوهري.

وزكاة العين غير واجبة في الثياب والسلاح، فتعين الحمل على التجارة.

(واعلم) أن لزكاة التجارة شروطا ستة - زيادة على ما مر في زكاة النقدين -.

أحدهما: أن يكون ملك ذلك المال بمعاوضة ولو غير محضة، وذلك لأن المعاوضة قسمان: محضة، وهي ما تفسد بفساد مقابلها، كالبيع والشراء.

وغير محضة، وهي ما لا تفسد بفساد مقابلها كالنكاح.

ثانيها: أن تقترن نية التجارة بحال المعاوضة في صلب العقد أو في مجلسه، وذلك لأن المملوك بالمعاوضة قد يقصد به التجارة، وقد يقصد به غيرها، فلا بد من نية مميزة، إن لم يجددها في كل تصرف بعد الشراء بجميع رأس المال.

ثالثها: أن لا يقصد بالمال القنية، وهي الإمساك للانتفاع.

رابعها: مضي حول من الملك.

خامسها: أن لا ينض جميعه، أي مال التجارة من الجنس، ناقصا عن النصاب في أثناء الحول، فإن نض كذلك ثم اشترى به سلعة للتجارة، فابتداء الحول يكون من الشراء.

سادسها: أن تبلغ قيمته آخر الحول نصابا، وكذا إن بلغته دون نصاب ومعه ما يكمل به، كما لو كان معه مائة درهم فابتاع بخمسين منها وبلغ مال التجارة آخر الحول مائة وخمسين - فيضم لما عنده، وتجب زكاة الجميع.

اه.

ملخصا من البجيرمي.

(وقوله: قيمة العرض) - بفتح العين، وسكون الراء - اسم لكل ما قابل النقدين من صنوف الأموال.

ويطلق أيضا على ما قابل الطول.

وبضم العين ما قابل النصل في السهام.

وبكسرها: محل الذم والمدح من الإنسان.

وبفتح العين والراء معا.

ما قابل الجوهر.

واحترز بقوله قيمة: عن نفس العرض، فلا يجوز إخراج زكاته منه.

(واعلم) أن مال التجارة يقوم آخر الحول بما ملك به إن ملك بنقد ولو في ذمته، فإن ملك بغير نقد - كعرض،

ونكاح، وخلع - فبغالب نقد البلد.

(وقوله: في مال تجارة) متعلق بيجب.

ولا يخفى ما في عبارته من الركاكة.

إذ العرض الذي يجب ربع عشر قيمته هو مال التجارة.

ولو حذف لفظ العرض ولفظة: في - لكان أولى وأخصر.

والتجارة: هي تقليب المال المملوك بالمعاوضة بالنية - كشراء - سواء كان بعرض أم نقد أم دين - حال، أم مؤجل -.

وخرج بذلك ما ملك بغير معاوضة كإرث، فإذا ترك لورثته عروض تجارة لم تجب عليهم زكاتها، وكهبة بلا ثواب.

(قوله: بلغ النصاب في آخر الحول) هذا

ص: 173

الحاصل في أثناء الحول إلى الاصل في الحول إن لم ينض، أما إذا نض بأن صار ذهبا أو فضة وأمسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الاصل، بل يزكي الاصل بحوله، ويفرد الربح بحول ويصير عرض التجارة للقنية بنيتها، فينقطع الحول بمجرد نية القنية، لا عكسه.

ولا يكفر منكر وجوب زكاة التجارة - للخلاف فيه -.

ــ

مكرر مع قوله الآتي: أما زكاة التجارة إلخ، فالأولى: الإقتصار على أحدهما: إما هذا، وحذف ما سيأتي - وهو الأولى - أو حذف هذا، وإثبات ما يأتي.

(قوله: وإن ملكه الخ) غاية في وجوب ربع عشر قيمة العرض.

أي يجب ذلك، وإن اشتراه بأقل من نصاب.

(قوله: ويضم الخ) أي قياسا على النتاج مع الأمهات، ولعسر المحافظة على حول كل زيادة مع اضطراب الأسواق في كل لحظة ارتفاعا وانخفاضا.

وقوله: الربح الحاصل في أثناء الحول، أي بزيادة في نفس العرض كسمن الحيوان، أو بارتفاع الأسواق.

(قوله: إلى الأصل) أي أصل مال التجارة، وهو متعلق بيضم.

(وقوله: في الحول) متعلق بيضم أيضا، أي يضم إليه في الحول، فيكون حول الربح والأصل واحدا، ولا يفرد الربح بحول جديد.

(قوله: إن لم ينض الخ) قيد في الضم.

أي يضم إليه إن لم ينض بما يقوم به بأن لم ينض أصلا، أو نض بغير ما يقوم به.

ومعنى النض: أن يصير ناضا دراهم أو دنانير.

ويفسر بالبيع بالنقد الذي اشترى به تفسيرا باللازم.

قال أبو عبيدة: إنما يسمون النقد ناضا إذا تحول بعد أن كان متاعا، لأنه يقال ما نض منه شئ: أي ما حصل - كما في المصباح.

فلو اشترى عرضا بمائتي درهم، فصارت قيمته في الحول - ولو قبل آخره بلحظة - ثلثمائة، زكاة آخره.

(قوله: أما إذا نض) أي بما يقوم به: بأن اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم، وباعه بعد ستة أشهر بثلثمائة.

(قوله: بأن صار ذهبا أو فضة) تصوير للنض.

وعبارة التحفة مع الأصل: لا إن نض - أي صار ناضا ذهبا أو فضة - من جنس رأس المال النصاب (1)، وأمسكه إلى آخر الحول، أو اشترى به عرضا قبل تمامه، فلا يضم إلى الأصل، بل يزكى الأصل بحوله، ويفرد الربح بحول - في الأظهر - ومثله أصله (2) بأن يشتري عرضا بمائتي درهم، ويبيعه بعد ستة أشهر بثلاثمائة ويمسكها إلى تمام الحول، أو يشتري به عرضا يساوي ثلثمائة آخر الحول، فيخرج آخره زكاة مائتين، فإذا مضت ستة أشهر أخرى، أخرج عن المائة، لأن الربح متميز، فاعتبر بنفسه.

فعلم أنه لو نض بغير جنس المال: فكبيع عرض بعرض، فيضم الربح للأصل، وكذا لو كان (3)

رأس المال دون نصاب ثم نض بنصاب وأمسكه تمام حول الشراء.

اه.

بحذف.

(قوله: وأمسكه إلى آخر الحول) أي أو اشترى به عرضا قبل تمامه، فلا يضم إلى الأصل.

(قوله: ويفرد الربح بحول) أي فإذا تم حوله زكاة، ولا يقال إن شرط وجوب الزكاة النصاب، والربح ليس نصابا كاملا.

لأنا نقول إن الإخراج ليس عنه وحده، بقطع النظر عما بيده، بل المعتبر في وجوب الإخراج أن يضمه لما عنده.

اه.

بجيرمي.

(قوله: ويصير عرض التجارة) أي كله أو بعضه إن عينه، وإلا لم يؤثر - على الأوجه اه.

حجر وفي المغني: قال الماوردي: ولو نوى ببعض عرض التجارة ولم يعينه، ففي تأثيره وجهان -: أقربهما - كما قال شيخي - إنه يؤثر، ويرجع في التعيين إليه، وإن قال بعض المتأخرين: أقربهما المنع.

اه.

(وقوله: للقنية) - بكسر القاف، وضمها - الحبس للانتفاع.

قال ع ش: ويصدق في دعواه ذلك - وإن دلت القرينة - على خلاف ما ادعاه.

اه.

وفي التحفة: لو نوى القنية لاستعمال المحرم - كلبس الحرير - فهل تؤثر هذه النية؟ قال المتولي: فيه وجهان: أصلهما أن من عزم على معصية وأصر: هل يأثم أو لا؟ اه.

والظاهر أن مراده بأصر: صمم، لأن التصميم: هو الذي اختلف في أنه هل يوجب الإثم أو لا؟ والذي عليه المحققون أنه يوجبه.

ومع ذلك، الذي يتجه ترجيحه أنه لا أثر لنيته هنا، وإن أثرت ثم.

اه.

(وقوله: بنيتها) أي القنية.

(قوله: فينقطع الخ) مفرع على صيرورة عرض التجارة

(1)(قوله: النصاب) يأتي محترزه.

اه.

سم.

(2)

(قوله: ومثله أصله) أي الربح، وهو رأس المال، فلا يضم إلى، بل يفرد بحول والربح بحول آخر، وهذا يغني عنه ما قبله، أه.

مولف.

(3)

(قوله: وكذا لو كان الخ).

قال سم: انظر هذا مع ما في الروض وشرحه - كغيرهما - مما نصه وإذا اشترى عرضا بعشرة من الدنانير وباعه في أثناء الحول بعشرين منها ولم يشتر بها عرضا، زكى كلا من العشرتين لحوله بحكم الخلط إلخ، فإنه دل على أنه لا ضم هنا.

فليراجع.

اه.

مولف

ص: 174

(وشرط) لوجوب الزكاة في الذهب والفضة، لا التجارة (تمام نصاب) لهما (كل الحول) بأن لا ينقص المال عنه في جزء من أجزاء الحول.

أما زكاة التجارة فلا يشترط فيها تمامه، إلا آخره، لانه حالة وجوب.

(وينقطع) الحول (بتخلل زوال ملك) أثناءه بمعاوضة أو غيرها.

نعم، لو ملك نصابا ثم أقرضه آخر بعد ستة أشهر لم ينقطع الحول.

فإن كان مليا أو عاد إليه أخرج الزكاة آخر الحول، لان الملك لم يزل بالكلية، لثبوت بدله في ذمة

ــ

للقنية، أي وإذا انقطع احتاج إلى تجديد قصد مقارن للتصرف.

اه.

تحفة.

(قوله: لا عكسه) معطوف على عرض التجارة، أي لا يصير عرض القنية للتجارة بنية التجارة، لأن القنية: الحبس للانتفاع، والنية محصلة له.

والتجارة: التقليب بقصد الأرباح، والنية لا تحصله.

(قوله: لا يكفر منكر وجوب زكاة التجارة) أي كما لا يكفر منكر زكاة الثمار والزروع في الأرض الخراجية، والزكاة في مال غير المكلف، وذلك لاختلاف العلماء في وجوبها، ولا يكفر إلا منكر الزكاة المجمع عليها - كما مر.

(قوله: للخلاف فيه) أي في وجوب زكاة مال التجارة، أي لأن الإمام أبا حنيفة لا يقول

بوجوب زكاة مال التجارة.

(قوله: وشرط لوجوب الزكاة إلخ) أي زيادة على ما مر من الشروط، وهذا الشرط متضمن لأمرين: الحول، والنصاب.

ولو قال: وشرط حول، ووجود نصاب من أول الحول إلى آخره.

لكان أولى.

(قوله: لا التجارة) أي لا مال التجارة، وإن ملك بأحد النقدين وكان التقويم به.

(قوله: تمام نصاب) أي نصاب تام، فالإضافة من إضافة الصفة للموصوف.

(وقوله: لهما) أي الذهب والفضة.

(وقوله: كل الحول) ظرف متعلق بتمام.

(قوله: بأن لا ينقص إلخ) تصوير لتمام النصاب في كل الحول.

(وقوله: المال) المراد به الذهب والفضة.

ولو قال بان لا ينقصا - بألف التثنية العائدة إليهما - لكان أولى، إذ المقام للإضمار.

(وقوله: عنه) أي النصاب.

(قوله: أما زكاة التجارة) محترز قوله لا التجارة.

(قوله: فلا يشترط فيها) أي في زكاة التجارة.

(وقوله: تمامه) أي النصاب.

(وقوله: لا آخره) أي الحول - أي لا جميعه، ولا طرفيه.

وذلك لأن الاعتبار فيها بالقيمة، ويعسر مراعاة القيمة كل وقت، لاضطراب الأسعار انخفاضا وارتفاعا.

(وقوله: لأنه حالة الوجوب) تعليل لاعتباره آخر الحول، أي وإنما اعتبر آخر الحول لأنه وقت الوجوب.

فلو تم الحول وقيمة العرض دون النصاب وليس معه يكمله به من جنس ما يقوم به، فلا تجب الزكاة فيه.

ومحل اعتبار آخر الحول: إن لم ترد عروض التجارة في أثناء الحول إلى نقد تقوم به، بأن بقيت عنده، أو بيعت بعرض آخر، أو بيعت بنقد لا تقوم به، فإن ردت في أثنائه إلى النقد المذكور - فإن كان نصابا دام الحول، وإن نقص عن النصاب انقطع الحول، لتحقق نقص النصاب حينئذ.

فلو اشترى عرضا آخر بعد ذلك ابتدئ حول جديد من حين شرائه.

(قوله: وينقطع الحول) أي حول زكاة الذهب والفضة، لا التجارة، بدليل قوله بمعاوضة، فإن هذا لا يأتي فيها - كما ستعرفه.

وأما زكاة التجارة فقد بين أنها ينقطع حولها بنية القنية، ويعلم بالأولى انقطاعه بزوال الملك بغير المعاوضة.

ولو أخر هذا وذكره بعد بيان زكاة الماشية، لكان أولى.

إذ ما ذكره له تعلق بكل ما سيأتي.

وعبارة الإرشاد مع شرحه: وينقطع حول تجارة بنية قنية وينقطع حول غيرها - وهو زكاة العين - يتخلل زوال ملك في أثناء الحول بمعاوضة أو غيرها.

اه.

(قوله: بتخلل زوال ملك أثناءه) أي الحول.

(وقوله: بمعاوضة) أي في غير التجارة، أما هي: فلا تضر فيها المعاوضة أثناء الحول.

(وقوله: أو غيرها) أي غير المعاوضة - كهبة بلا ثواب، أو موت فلو زال ملكه كله أو بعضه في الحول ببيع أو غيره انقطع الحول، فلو عاد بشراء أو غيره استأنف الحول، لانقطاع الأول بما فعله، فصار ملكا جديدا، فلا بد له من حول جديد.

ولو مات المالك في أثناء الحول استأنف الوارث حوله من وقت الموت.

(قوله: نعم، لو ملك نصابا الخ) استدراك على انقطاع الحول بتخلل زوال الملك، وهو استدراك صوري - كما تفيده العلة.

(قوله: لم ينقطع الحول) أي

بل يبني على ما مضى من الستة أشهر.

قال في فتح الجواد: صرح به الشيخ أبو حامد وجعله أصلا مقيسا عليه.

وجزم به الرافعي في زكاة التجارة أثناء تعليل، وتبعوه.

ونظر فيه البلقيني ثم أجاب بأنا لما بنينا مع حصول بدل مخالف - وهو العرض - فلأن نبني مع حصول بدل موافق - وهو بدل العرض - أولى.

قال: ولا يخرج هذا على مبادلة النقود لعدم القصد إليها في القرض، وإنما القصد به الإرفاق.

اه.

وبه يتضح الرد على من زعم أن ذلك مفرع على الضعيف أن الزكاة تجب

ص: 175

المقترض.

(وكره) أن يزيل ملكه ببيع أو مبادلة عما تجب فيه الزكاة (لحيلة) بأن يقصد به دفع وجوب الزكاة، لانه فرار من القربة.

وفي الوجيز: يحرم.

وزاد في الاحياء: ولا يبرئ الذمة باطنا، وأن هذا من الفقه الضار.

وقال ابن الصلاح: يأثم بقصده، لا بفعله.

قال شيخنا: أما لو قصده لا لحيلة، بل لحاجة، أو لها وللفرار، فلا كراهة.

(تنبيه) لا زكاة على صيرفي بادل ولو للتجارة في أثناء الحول بما في يده من النقد غيره من جنسه أو غيره.

وكذا لا زكاة على وارث مات مورثه عن عروض التجارة حتى يتصرف فيها بنيتها، فحينئذ يستأنف حولها.

(ولا

ــ

على الصيارفة.

اه.

بحذفه.

(وقوله: الرد على من زعم إلخ) في حاشية ش ق ما يوافق من زعم ذلك، ونص عبارته: قوله: نعم الخ - هذا استدراك مبني على ضعيف، والمعتمد وجوب الاستئناف في حق كل من المقترض والمقرض، أما الأول فظاهر، لأن النصاب لم يدخله في ملكه إلا بقبضه، وإن لم يتصرف فيه.

وأما الثاني، فلأنه خرج عن ملكه بالقرض.

فتجب عليه الزكاة إذا تم الحول من القرض، بمعنى أنها تستقر في ذمته، ولا يجب الإخراج إلا إذا وجب له النصاب.

اه.

بتصرف.

(قوله: فإن كان) أي المقترض مليا، أي موسرا.

(وقوله: أو عاد) أي النصاب إليه، أي المقرض، فإن لم يكن مليا ولم يعد إليه النصاب استقرت الزكاة في ذمته حتى يعود.

(قوله: أخرج الزكاة آخر الحول) فاعل الفعل يعود على القرض، فالزكاة في المال الذي أقرضه واجبة عليه، لأن ملكه لم يزل بالقرض رأسا، لأنه بقي بدله في ذمة المقترض، وكذلك تجب على المقترض إذا بقي ما اقترضه عنده حولا كاملا من القرض.

(قوله: لأن الملك الخ) تعليل لعدم انقطاع الحول.

(وقوله: لثبوت بدله) أي النصاب المقرض.

(قوله: وكره أن يزيل ملكه) أي تنزيها، وقيل تحريما، وأطالوا في الإنتصار له.

اه.

فتح الجواد.

(قوله: ببيع) متعلق بيزيل.

(قوله: أو مبادلة) أي من جنس واحد كذهب بذهب، أو من جنس آخر كذهب بفضة.

(قوله: عما تجب فيه الزكاة) متعلق بيزيل، أي يزيل ملكه عن المال الذي تجب فيه الزكاة.

(قوله: لحيلة) متعلق بكره، واللام للتعليل، أي وكره ذلك إذا كان لأجل الحيلة.

(قوله: بأن يقصد) تصوير لزوال الملك للحيلة.

(قوله: لأنه) أي زوال الملك بهذا القصد، وهو تعليل للكراهة.

(قوله: وفي الوجيز يحرم) أي زوال الملك بقصد الفرار.

(قوله: ولا يبرئ الذمة) أي زوال ملكه عنه لحيلة لا يبرئ ذمته عن الزكاة باطنا، فتتعلق بذمته فيه.

وعبارة المغنى: وقال في الوجيز: يحرم إذا قصد بذلك الفرار من الزكاة، وزاد في الإحياء: أنه لا تبرأ الذمة في الباطن، وأن أبا يوسف كان يفعله.

ثم قال: والعلم علمان: ضار ونافع.

قال: وهذا من العلم الضار.

اه.

(قوله: بقصده) أي قصده بزوال الملك دفع وجوب الزكاة - يعني إذا قصد بزوال الملك عما تعلقت به الزكاة الدفع المذكور: أثم -

أي من جهة قصده ذلك، وأما نفس الفعل: فهو جائز، لا يتعلق به إثم.

(قوله: أما لو قصده الخ) محترز قوله لحيلة.

(قوله: بل لحاجة) أي قصد زوال الملك لحاجة، أي ضرورة، كاحيتاجه إلى بيع ما تعلقت به الزكاة لينتفع بثمنه.

(قوله: أولها وللفرار) أي أو قصد ذلك للحاجة وللفرار معا.

قال في المغنى.

فإن قيل يشكل عدم الكراهة فيما إذا كان للحاجة، وللفرار بما إذا اتخذ ضبة صغيرة لزينة وحاجة فإنه يكره.

أجيب بأن الضبة فيها اتخاذ، فقوى المنع، بخلاف إزالة الملك، فإن فيها ترك اتخاذ.

اه.

بتصرف.

(قوله: تنبيه إلخ) هو مما شمله قوله وينقطع بتخلل زوال ملك.

(قوله: لا زكاة على صيرفي) أي لتخلل زوال الملك أثناء الحول.

(قوله: بادل إلخ) وكلما بادل استأنف الحول، ولذلك قال ابن سريج بشر الصيارفة أن لا زكاة عليهم.

(قوله: ولو للتجارة) أي ولو كانت المبادلة - أي المعاوضة - بقصد التجارة فإنه لا زكاة عليه.

قال في التحفة: لأن التجارة في النقدين ضعيفة نادرة بالنسبة لغيرهما، والزكاة الواجبة زكاة عين، فغلبت وأثر فيها انقطاع الحول.

اه.

(وقوله: بما في يده) هو وما قبله متعلقان ببادل.

(قوله: من النقد) بيان لما.

(وقوله: غيره) مفعول بادل، أي بادل شخصا غيره.

(وقوله: من جنسه) أي كذهب بذهب، أو فضة بفضة.

(وقوله: أو غيره) أي غير جنسه، بأن لا يكون كذلك، كذهب بفضة، أو عكسه.

(قوله: وكذا لا زكاة على وارث إلخ) أي لتخلل زوال الملك

ص: 176

زكاة في حلي مباح، ولو) اتخذه الرجل بلا قصد لبس أو غيره، أو اتخذه (لاجارة)، أو إعارة لامرأة، (إلا) إذا اتخذه (بنية كنز) فتجب الزكاة فيه.

(فرع) يجوز للرجل تختم بخاتم فضة، بل يسن في خنصر يمينه أو يساره، للاتباع.

ولبسه في اليمين

ــ

أيضا، وانتقاله من المورث للوارث فلا بد من نية من الوارث مقرونة بتصرف، كبيع وغيره.

(قوله: فحينئذ إلخ) أي فحين إذ تصرف الوارث فيها بنية التجارة يستأنف الحول، فابتداؤه من حين التصرف المقرون بالنية، لا من الموت، بخلاف غير عروض التجارة، فإنه يستأنف الحول فيها من الموت، لأنها غير محتاجة إلى نية.

(قوله: ولا زكاة في حلي مباح) أي إن علمه.

فإن لم يعلمه، بأن ورثه ولم يعلمه حتى مضى حول، فتجب زكاته، لأنه لم ينو إمساكه لاستعمال مباح.

وخرج بقوله مباح: غيره، وهو المحرم: كحلي النساء اتخذه الرجل ليلبسه، وبالعكس - كما في السيف والمنطقة - فتجب الزكاة فيه.

ومنه الميل للمرأة وغيرها، إلا إن اتخذه شخص من ذهب أو فضة لجلاء عينه، فهو مباح فلا زكاة فيه.

والمكروه: كضبة فضة كبيرة لحاجة، وصغيرة لزينة.

قال في النهاية: ولو اتخذه لاستعمال محرم فاستعمله في المباح في وقت، وجبت فيه الزكاة، وإن عكس، ففي الوجوب احتمالان، أو جههما عدمه، نظرا لقصد الابتداء.

فإن طرأ قصد محرم ابتدأ لها حولا من وقته، ولو اتخذه لهما وجبت قطعا.

اه.

وعدم وجوب الزكاة في الحلي المباح مذهبنا، وكذا عند مالك، ورواية مختارة عن أحمد.

وأما عند أبي حنيفة فتجب الزكاة في الحلي مطلقا، أي سواء كان لرجل أو امرأة.

(قوله: ولو

اتخذه الرجل الخ) غاية في عدم وجوب الزكاة في الحلي يعني لا زكاة في؟ حلي مباح، سواء اتخذه امرأة أو رجل لم يقصد شيئا، لا لبسا ولا غيره.

ووجه عدم وجوب الزكاة في هذه، أن الزكاة إنما تجب في مال نام، والنقد غير نام، وإنما ألحق بالنامي لتهيئه للإخراج، وبالصياغة بطل تهيؤه له.

(وقوله: أو غيره) معطوف على لبس.

أي أو بلا قصد غير اللبس.

(قوله: واتخذه لإجارة الخ) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا ثانية، أي ولا زكاة فيه، ولو اتخذه لإجارة أو إعارة لمن يجوز له استعماله، وهو المرأة.

ووجه عدم وجوب الزكاة في هذه أنه صار معدا لاستعمال مباح، فأشبه العوامل من النعم.

(قوله: إلا إذا اتخذه بنية كنز) أي بأن اتخذه ليدخره ولا يستعمله، لا في محرم ولا غيره، كما لو دخره ليبيعه عند الاحتياج إلى ثمنه.

ولا فرق في هذه الصورة بين الرجل والمرأة.

والفرق بينها وبين صورة ما لو لم يقصد شيئا أصلا - لم تجب فيها الزكاة - أن قصد الكنز صارف لهيئة الصياغة عن الاستعمال، فصار مستغنى عنه - كالدراهم المضروبة.

(قوله: فتجب الزكاة فيه) مفرع على ما بعد إلا.

(قوله: (فرع) الأولى: فروع - بالجمع.

(قوله: يجوز للرجل) ومثله الخنثى، بل أولى.

(قوله: بخاتم فضة) وهو الذي يلبس في الإصبع، سواء ختم به الكتب أو لا، وأما ما يتخذ لختم الكتب من غير أن يصلح لأن يلبس فلا يجوز اتخاذه من ذهب ولا فضة.

ومثل خاتم الفضة: خاتم حديد، أو نحاس، أو رصاص، لخبر الصحيحين: التمس ولو خاتما من حديد.

وفي سنن أبي داود: كان خاتمه صلى الله عليه وسلم من حديد، عليه فضة.

وأما خبر: مالي أرى عليك حلية أهل النار لرجل وجده لابسا خاتم حديد، فهو ضعيف.

(قوله: بل يسن) إضراب انتقالي، ولو قال من أول الأمر: سن للرجل تختم الخ.

لكان أخصر.

(قوله: في خنصر يمينه) متعلق بيسن، ويصح تعلقه بيجوز.

وخرج بالخنصر: غيره، فيكره وضع الخاتم فيه.

وقيل يحرم.

وعبارة شرح الروض بعد كلام: لو تختم في غير الخنصر - ففي حله وجهان قال الأذرعي قلت: أصحهما التحريم، للنهي عنه، ولما فيه من التشبيه بالنساء.

اه.

والذي في شرح مسلم عدم التحريم، فعنه: والسنة للرجل جعل خاتمه في الخنصر، لأنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد، لكونه طرف، ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها، بخلاف غير الخنصر.

ويكره له جعله في الوسطى والسبابة، للحديث، وهي كراهة تنزيه.

اه.

(قوله: للاتباع) دليل لسنية التختم بخاتم الفضة، وهو أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة.

(قوله: ولبسه في اليمين أفضل) أي ولبس الخاتم في خنصر اليمين أفضل من لبسه في خنصره اليسار.

(وسئل) ابن حجر: هل الأفضل لبس الخاتم باليمين أو اليسار؟ (فأجاب) بقوله: ورد في أحاديث إيثار اليمين، وفي أخرى إيثار اليسار، وقد بينتها وما يتعلق بها في شرح الشمايل للترمذي.

ص: 177

أفضل.

وصوب الاذرعي ما اقتضاه كلام ابن الرفعة من وجوب نقصه عن مثقال للنهي عن اتخاذه مثقالا، وسنده حسن، لكن ضعفه النووي.

فالاوجه أنه لا يضبط بمثقال بل بما لا يعد إسرافا عرفا.

قال شيخنا: وعليه، فالعبرة بعرف أمثال اللابس.

ولا يجوز تعدده، خلافا لجمع، حيث لم يعد إسرافا.

وتحليته آلة حرب، كسيف ورمح، وترس، ومنطقة - وهي ما يشد بها الوسط - وسكين الحرب - دون

ــ

(والحاصل) أن الأفضل عندنا لبسه في اليمين، للحديث الصحيح: كان يحب التيامن في شأنه كله أي مما هو من باب التكريم.

ولا شك أن في التختم تكريما أي تكريم، فيكون في اليمين.

واعترض بعض الناس قول مالك رضي الله عنه يكره في اليمين ويكون في اليسار فإنه يلزم (1) عليه الاستنجاء بالخاتم، مع أن أكثر الخواتيم فيا نقش القرآن والأذكار إلخ.

اه.

من الفتاوي.

(قوله: من وجوب نقصه) أي الخاتم، وهو بيان لما.

(قوله: للنهي عن اتخاذه مثقالا) أي في صحيح ابن حبان وسنن أبي داود، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للابس الخاتم الحديد: ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟ فطرحه، فقال: يا رسول الله: من أي شئ أتخذه؟ قال: اتخذه من ورق، ولا تتمه مثقالا.

(قوله: وسنده) أي الحديث المتضمن للنهي.

(وقوله: حسن) عبارة النهاية: والخبر المذكور ضعفه المصنف في شرحي المهذب ومسلم.

وقال النيسابوري: إنه منكر.

واستغر به الترمذي، وإن صححه ابن حبان وحسنه ابن حجر.

اه.

(قوله: فالأوجه أنه) الضمير يعود على الخاتم المباح.

أي مقداره بدليل الاستدراك بعده، ولولاه لصح رجوعه للمنهي عنه.

(وقوله: لا يضبط بمثقال) المناسب أن يقول لا يضبط بمثقال) المناسب أن يقول لا يضبط بأقل من مثقال ولا بأكثر.

(قوله: بل بما لا يعد إسرافا عرفا) أي بل يضبط مقداره بما لا يعد إسرافا في العرف، فما عده العرف إسرافا حرم سواء كان مثقالا، أو أقل، أو أكثر، وإلا فلا.

(قوله: قال شيخنا وعليه) أي على الضبط المذكور.

(وقوله: فالعبرة بعرف أمثال اللابس) أي في البلد التي هو فيها.

وعبارة المغنى: وهو - أي العرف - عرف تلك البلد، وعادة أمثاله فيها، فما خرج عن ذلك كان إسرافا - كما قالوه في خلخال المرأة -.

اه.

قال الكردي وفي الإمداد: ينبغي أن العرف لو اختلف باختلاف المحال أو الحرف ونحوهما، يقيد أهل كل محل أو حرفة بعرفة، وحينئذ لو انتقل بعض أهل بلد اعتيد أن خاتمهم مثقالان إلى بلد اعتيد فيها مثقال فقط، فهل العبرة ببلد المنتقل أو بلد المنتقل إليه؟ ثم ذكر ما يفيد أنه متردد في ذلك.

اه.

(قوله: ولا يجوز تعدده) أي الخاتم لبسا، أما اتخاذا ليلبس واحدا بعد واحد فجائز.

كما صرح به في التحفة، وعبارتها: وأل في الخاتم للجنس، فيصدق بقوله في الروضة وأصلها: لو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة ليلبس الواحد منها بعد الواحد جاز.

وظاهره جواز الاتخاذ، لا اللبس.

واعتمده المحب الطبري، لكن صوب الأسنوي جواز اتخاذ خاتمين فأكثر ليلبسها كلها معا.

ونقله عن الدرامي وغيره، ومنع الصيدلاني أن يتخذ في كل يد زوجا.

وقضيته: حل زوج بيد، وفرد بأخرى.

وبه صرح

الخوارزمي.

والذي يتجه اعتماده كلام الروضة الظاهرة في حرمة التعدد مطلقا، لأن الأصل في الفضة التحريم على الرجل، إلا ما صح الإذن فيه، ولم يصح في الأكثر من الواحد.

ثم رأيت المحب علل بذلك، وهو ظاهر جلي، على أن التعدد صار شعارا للحمقاء والنساء، فليحرم من هذه الجهة، حتى عند الدارمي وغيره.

اه.

(وقوله: خلافا لجمع، حيث لم يعد إسرافا) أي خلافا لجمع جوزوا التعدد حيث لم يعد إسرافا.

فحيث: متعلقة بمحذوف، ويجوز تعلقها بخلافا.

وممن اعتمد جواز التعدد حينئذ: الخطيب في مغنيه، وعبارته: وتوحيد المصنف رحمه الله الخاتم وجمع ما بعده: قد يشعر بامتناع التعدد، اتخاذا ولبسا، وهو خلاف ما في المحرر.

والذي ينبغي اعتماده: ما أفاده شيخي من أنه جائز، ما لم يؤد إلى سرف.

اه.

بحذف.

ومثله في النهاية.

(قوله: وتحليته) مصدر مضاف إلى فاعله العائد على الرجل، معطوف على تختم، أي ويجوز للرجل أن يحلي آلة حرب، أي وإن كانت عند من لم يحارب، لأن إغاظة الكفار -

(1)(قوله: يلزم إلخ) ممنوع للتصريح بندب تحويله إلى اليمين عند إرادة الاستنجاء.

انتهى.

ص: 178

سكين المهنة - والمقلمة: بفضة، بلا سرف، لان ذلك إرهابا للكفار، لا بذهب، لزيادة الاسراف والخيلاء.

والخبر المبيح له ضعفه ابن القطان، وإن حسنه الترمذي.

وتحليته مصحفا.

قال شيخنا: أي ما فيه قرآن، ولو للتبرك، كغلافه بفضة.

وللمرأة تحليته بذهب إكراما

ــ

ولو ممن بدارنا - حاصلة مطلقا.

وخرج بالرجل: غيره - من امرأة وخنثى - فلا يجوز له تحليلته آلة حرب بذهب ولا فضة، وإن جاز له المحاربة بآلتها وبآلة حرب أوعيتها: كالقراب، وغمد السيف، فلا يجوز تحليتها.

وقال سم: يحتمل أن غلاف السيف كهو، والتحلية جعل عين النقد في محال متفرقة مع الإحكام حتى تصير كالجزء، ولا مكان فصلها مع عدم ذهاب شئ من عينها فارقت التمويه الآتي أنه حرام.

(قوله: كسيف إلخ) أمثلة لألة الحرب.

(قوله: وترس) بضم فسكون، المسمى بالدرقة، وتتخذ من حديد وجلد ونحوهما، ليتقى بها المحارب سهام العدو.

(قوله: ومنطقة) بكسر الميم.

(قوله: وهي) أي المنطقة.

(وقوله: ما يشد بها الوسط) أي كالسبتة، وتسمى الآن بالحياصة، وجعلها من آلة الحرب لأنها تنفع فيه من حيث كونها تمنع وصول السهم للبدن، فالمراد بالآلة - فيما مر - كل ما ينفع في الحرب - كذا في البجيرمي.

(قوله: وسكين الحرب) أي التي تتخذ للحرب، كالجردة.

(قوله: دون سكين المهنة) أي دون السكين التي تتخذ للمهنة - أي الخدمة - كقطع اللحم وغيره.

فلا يجوز تحليتها.

(قوله: والمقلمة) هي بكسر الميم، وعاء الأقلام، ثم إنه يحتمل أنه معطوف على سكين المهنة أي ودون المقلمة.

ويحتمل عطفه على المهنة فيصير لفظ سكين مسلطا عليه، أي ودون سكين المقلمة، وهو المقشط - كما نص عليه البجيرمي -.

ويرد على هذا أن ع ش جعل من سكين المهنة المقشط، إلا أن يكون من ذكر الخاص بعد العام.

وعبارة المغني: وأما سكين المهنة والمقلمة فيحرم تحليتهما

على الرجل وغيره، كما يحرم عليهما تحلية المرآة والدواة.

اه.

وهي تؤيد الاحتمال الأول.

(قوله: بفضة) متعلق بتحلية.

(قوله: بلا سرف) متعلق بيجوز المقدر، أو بتحلية.

أما التحلية مع السرف فتحرم، لما فيه من زيادة الخيلاء.

(فائدة) السرف مجاوزة الحد، ويقال في النفقة: التبذير، وهو الإنفاق في غير حق.

فالمسرف: المنفق في معصية، وإن قل إنفاقه.

وغيره: المنفق في الطاعة، وإن أفرط.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الحلال إسراف، وإنما السرف في ارتكاب المعاصي.

قال الحسن بن سهل: لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف.

وقال سفيان الثوري: الحلال لا يحتمل السرف.

وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته: ما نفقتك؟ قال الحسنة بين السيئتين ثم تلا قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا)(1) * الآية.

اه.

(قوله: لأن في ذلك) أي ما ذكر من تحلية آلة الحرب، وهو تعليل للجواز.

(وقوله: إرهابا للكفار) أي وإغاظة لهم.

(قوله: لا بذهب) معطوف على بفضة، وهو تصريحك بالمفهوم، أي لا يجوز له التحلية بذهب.

(قوله: والخبر المبيح له) أي للذهب، أي التحلية به.

وذلك الخبر هو أن سيفه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح كان عليه ذهب وفضة.

(وقوله: ضعفه ابن القطان الخ) عبارة التحفة: وخبر أن سيفه صلى الله عليه وسلم الخ: يحتمل أنه تمويه يسير بغير فعله صلى الله عليه وسلم قبل ملكه له، ووقائع الأحوال الفعلية تسقط بمثل هذا، على أن تحسين الترمذي له معارض بتضعيف ابن القطان.

اه.

(قوله: وتحليته مصحفا) معطوف على تختم أيضا، أي ويجوز تحلية الرجل - وكذا غيره - مصحفا.

قال سم: وينبغي كما قاله الزركشي: إلحاق اللوح المعد لكتابة القرآن بالمصحف في ذلك.

اه.

شرح الرملي.

أقول: ينبغي إلحاق التفسير - حيث حرم مسه - بالمصحف، بل على قول الشارح - يعني ما فيه قرآن - لا فرق.

اه.

(قوله: أي ما فيه القرآن) تفسير مراد للمصحف، أي أن المراد به كل ما فيه قرآن، سواء كان كله أو بعضه.

(وقوله: ولو للتبرك) أي ولو كانت كتابة القرآن بقصد التبرك، كالتمائم، فإنه يجوز تحليته، فلا يشترط أن تكون للدراسة.

(قوله: كغلافه) أي كتحلية غلاف المصحف، أي ظرفه المعد له، فإنها جائزة.

وفي البجيرمي: وكذا كيسه، وعلاقته، وخيطه، لا كرسيه.

اه.

(قوله: بفضة) متعلق بتحلية.

(1) الفرقان: 67

ص: 179

فيهما.

وكتبه بالذهب حسن.

ولو من رجل، لا تحلية كتاب غيره، ولو بفضة.

والتمويه حرام قطعا مطلقا.

ثم إن حصل منه شئ بالعرض على النار حرمت استدامته، وإلا فلا، وإن اتصل بالبدن، خلافا لجمع.

ويحل الذهب والفضة - بلا سرف - لامرأة، وصبي - إجماعا - في نحو السوار، والخلخال، والنعل، والطوق.

وعلى الاصح في المنسوج بهما.

ويحل لهن التاج - وإن لم يعتدنه - وقلادة فيها دنانير معراة قطعا،

ــ

(قوله: وللمرأة تحليته بذهب) يعني أنه يجوز للمرأة تحلية المصحف بذهب، لعموم خبر أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها.

والطفل كالمرأة.

وأما الخنثى فليس هنا مثلها.

بل مثل الرجل، فيحرم عليه ذلك.

(قوله: إكراما فيهما) أي في التحلية بفضة من الرجل، وفي التحلية بذهب من المرأة، وهو علة الجواز.

(قوله: وكتبه بالذهب

حسن) المناسب ذكره بعد قوله: والتمويه حرام مطلقا، ويجعله كالاستثناء منه، وذلك لأنه الكتابة بالذهب إنما تكون بالتمويه، وإنما جازت كتابة حروف القرآن به، وحرم في المكتوب عليه القرآن ونحوه كجلده، للفرق بينهما، بأنه يغتفر في إكرام حروف القرآن ما لا يغتفر في نحو ورقه وجلده، على أنه لا يتأتى إكرامها إلا بذلك، فكان مضطرا إليه، بخلاف غيرها، فإنه يمكن إكرامه بالتحلية، فلم يحتج للتمويه فيه رأسا.

(قوله: لا تحلية الخ) معطوف على وتحليته مصحفا، وهو مفهومه، أي لا يجوز تحلية كتاب غير المصحف.

وعبارة المغني: واخترز المصنف بتحلية المصحف على تحلية الكتب، فلا يجوز تحليتها على المشهور.

قال في الذخائر: سواء فيه كتب الحديث وغيرها.

ولو حلي المسجد أو الكعبة أو قناديلها بذهب أو فضة حرم، لأنها ليست في معنى المصحف، ولأن ذلك لم ينقل عن السلف، فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة، إلا ما استثنى.

اه.

(وقوله: ولو بفضة) غاية في عدم الجواز، أي لا تجوز تحلية كتاب غيره، ولو كانت بفضة.

(قوله: والتمويه حرام) أي فعل التمويه حرام.

(وقوله: مطلقا) أي سواء كان في آلة الحرب أو المصحف أو غيرهما، وسواء كان للمرأة أو للرجل بذهب أو فضة، وسواء حصل منه شئ بالعرض على النار أم لا.

(فإن قلت) لم حرم بالنسبة للمصحف ونحو غلافه، مع أن العلة في جواز التحلية الإكرام وهو حاصل بكل؟ (قلت) لكنه في التحلية لم يخلفه محظور، بخلافه في التمويه، لما في من إضاعة المال، وإن حصل منه شئ.

(قوله: ثم إن حصل منه) أي التمويه بمعنى المموه، وأفاد كلامه أن حرمة التمويه مطلقا بالنسبة لأصل الفعل، وأما بالنظر للاستدامة فإن حصل منه شئ بالعرض على النار حرمت، وإلا فلا، وعبارة سم - في مبحث الآنية - قال في شرح العباب: وبما تقرر - من أن التفصيل إنما هو في الاستدامة، وأن الفعل حرام مطلقا - يجمع بين ما قاله الشيخان هنا من حل المموه بما لا يحصل منه شئ وما قاله النووي في الزكاة واللباس واقتضاه كلام الرافعي من تحريمه.

اه.

(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يحصل منه شئ بالعرض فلا تحرم استدامته.

(قوله: وإن اتصل بالبدن) أي لا تحرم استدامته، وإن اتصل المموه بالبدن.

(قوله: خلافا لجمع) مرتبط بقوله والتمويه حرام.

أي خلافا لجمع نازعوا في حرمة التمويه مطلقا وجوزوه في نحو المصحف.

وعبارة سم: قوله حرمة التمويه هنا: الوجه عدم الحرمة، وإضاعة المال لغرض، جائزة.

م ر.

اه.

وقوله: هنا: أي بالنسبة للمصحف.

(قوله: ويحل الذهب والفضة) أي لبسهما، للحديث المار بالنسبة للمرأة، ولأن الصبي ليس له شهامة تنافي خنوثة الذهب والفضة، بخلاف الرجل.

اه.

شرح الروض.

(قوله: إجماعا) أي يحل ذلك بالإجماع.

(قوله: في نحو السوار) متعلق بمحذوف حال من فاعل يحل، أي ويحلان حال كونهما متخذين في نحو السوار كالخاتم بالإجماع.

(واعلم) أن هذه الظرفية - كالتي بعدها - لا تخلو عن شئ، فكان الأولى والأخصر أن يقول: ويحل نحو سوار من الذهب والفضة، إجماعا، والمنسوج بهما على الأصح.

فتنبه.

(قوله: والخلخال) بفتح فسكون، كبلبال: حلي يلبس في الساق.

(قوله: والنعل) مثله القبقاب.

(قوله: والطوق) هو الذي يلبس في العنق.

(قوله: وعلى الأصح) معطوف على قوله إجماعا.

أي ويحلان حال كونهما متخذين في المنسوج.

بهما من الثياب على الأصح، لأن ذلك من جنس الحلي.

وخرج بقولي من الثياب: الفرش - كالسجادة المنسوجة بهما - فتحرم، لأنها لا تدعو للجماع، كالملبوس.

(قوله: ويحل لهن) أي للنسوة، والأولى لهما - أي للمرأة والصبي - لتقدم ذكرهما.

(وقوله: التاج) هو ما يلبس على الرأس، وكان من

ص: 180

وكذا مثقوبة، ولا تجب الزكاة فيها.

أما مع السرف: فلا يحل شئ من ذلك، كخلخال وزن مجموع فردتيه مائتا مثقال، فتجب الزكاة فيه.

(و) تجب على من مر (في قوت) اختياري من حبوب (كبر)، وشعير، (وأرز)، وذرة،

ــ

الذهب أو الفضة.

(قوله: وإن لم يعتدنه) أي وإن لم تعتد النسوة لبسه، فإنه يحل لهن.

وعبارة الروض وشرحه.

وكذا يحل لهن التاج إن تعودنه، وإلا فهو لباس عظماء الفرس، فيحرم.

وكأن معناه أنه يختلف بعادة أهل النواحي، فحيث اعتدنه جاز، وحيث لم يعتدنه لا يجوز، حذرا من التشبه بالرجال.

وذكر مثله في المجموع هنا وقال فيه - في باب ما يجوز لبسه - والمختار، بل الصواب، حله مطلقا، بلا ترديد، لعموم الخبر، ولدخوله في اسم الحلي.

اه.

(قوله: وقلادة) معطوف على التاج، أي ويحل لهن قلادة.

(قوله: فيها دنانير معراة) هي التي تجعل لها عرى من ذهب أو فضة، وتعلق بها في خيط كالسبحة، فإنها لا زكاة فيها - كما سيذكره - لأنها صرفت بذلك عن جهة النقد إلى جهة أخرى.

(وقوله: قطعا) أي بلا خلاف.

(قوله: وكذا مثقوبة) أي ومثل المعراة في الحل: المثقوبة.

قال في التحفة بعده على الأصح في المجموع لدخولها في اسم الحلي، وبه رد الأسنوي وغيره ما في الروضة وغيرها من التحريم، بل زعم الأسنوي أنه غلط، لكنه غلط فيه.

ومما يؤيد غلطه قوله: تجب زكاتها لبقاء نقديتها، لأنها لم تخرج بالثقب، عنها.

اه.

والوجه أنه لا زكاة فيها، لما تقرر أنها من جملة الحلي، إلا إن قيل بكراهتها، وهو القياس، لقوة الخلاف في تحريمها.

اه.

وقال سم: اعتمد م ر ما في الروضة - أي من التحريم - اه.

(قوله: ولا تجب الزكاة فيها) أي في المذكورات من السوار والخلخال وغيرهما.

وفي بعض نسخ الخط فيهما - بالتثنيه - فيكون راجعا للدنانير المعراة والمثقوبة.

(قوله: أما مع السرف الخ) محترز قوله بلا سرف.

وقال ع ش: المراد بالسرف في حق المرأة أن تفعله على مقدار لا يعد مثله زينة.

اه.

والفرق بين الإسراف والتبذير.

أن الأول هو صرف الشئ فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي، والثاني: صرف الشئ فيما لا ينبغي - كما قاله الكرماني على البخاري.

اه.

وقد تقدم في فائدة كلام أبسط مما هنا.

(قوله: فلا يحل شئ من

ذلك) أي مما ذكر من نحو السوار وما بعده.

(قوله: كخلخال إلخ) تمثيل للسرف.

(وقوله: وزن مجموع فرديته) أي لاحداهما فقط، خلافا لمن وهم فيه.

(قوله: مائتا مثقال) قال في التحفة: لم يرتض الأذرعي التقييد بالمائتين، بل اعتبر العادة، فقد تزيد وقد تنقص.

وبحث غيره أن السرف في خلخال الفضة أن يبلغ ألفي مثقال، وهو بعيد، بل ينبغي الاكتفاء فيه بمائتي مثقال كالذهب.

اه.

(قوله: فتجب الزكاة فيه) أي في الخلخال جميعه، لا قدر السرف فقط.

(تتمة) لم يتعرض لبيان زكاة المعدن والركاز.

وحاصل ذلك أن ما استخرج من معادن الذهب أو الفضة يخرج منه إن بلغ نصابا بأربع العشر، لعموم خبر وفي الرقة ربع العشر.

ولخبر الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة.

ولا يعتبر فيه االحول، بل يخرج حالا، لأنه إنما يعتبر للتمكن من تنمية المال، والمستخرج من معدن نماء في نفسه، وإنما اعتبر النصاب لأن ما دونه لا يحتمل المواساة - كما في سائر الأموال الزكوية - وما يوجد من الركاز - وهو دفين الجاهلية - ففيه الخمس إن بلغ نصابا، ولا يعتبر الحول فيه، بل يخرج حالا، كزكاة المعدن، ويصرف الخمس وربع العشر في القسمين مصرف الزكاة - على المعتمد.

(قوله: وتجب الخ) لما أنهى الكلام على ما يتعلق بزكاة النقدين والتجارة، شرع يتكلم على ما يتعلق بزكاة القوت، والأصل فيها قوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (1) وقوله تعالى: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) * (2) فأوجب الإنفاق مما أخرجته الأرض، وهو الزكاة، لأنه لا حق فيما أخرجته غيرها.

(قوله: على من مر) أي المسلم الحر المعين.

(قوله: في قوت) أي مقتات، وهو ما يقوم به البدن غالبا، لأن الاقتيات ضروري للحياة، فأوجب الشارع منه شيئا لأرباب الضرورات.

وخرج به ما يؤكل تداويا، أو تنعما، أو تأدما كالزيتون، والزعفران، والورس، والخوخ، والمشمش، والتين، والجوز، واللوز، والتفاح - فلا تجب الزكاة في شئ منها، لأنها لا تستعمل للاقتيات.

(وقوله: اختياري) أي يقتات في حالة الاختيار.

وخرج به ما يقتات في حالة الاضطرار - كحب حنظل،

(1) الانعام: 141.

(2)

البقرة: 267

ص: 181

وحمص، ودخن، وباقلاء، ودقسة.

(و) في (تمر وعنب) من ثمار (بلغ) قدر كل منهما (خمسة أوسق) وهي بالكيل: ثلثمائة صاع.

والصاع: أربعة أمداد.

والمد: رطل وثلث (منقى) من تبن) وقشر لا يؤكل معه غالبا.

ــ

وغاسول، وترمس - فلا تجب الزكاة في شئ منها.

(قوله: من حبوب) بيان لقوت.

(قوله: كبير إلخ) تمثيل للقوت من الحبوب، وذكر ثمانية أمثلة.

والبر - بضم الموحدة - ويقال له قمح.

وحنظلة: كانت الحبة منه - حين نزل من الجنة - قدر بيضة النعامة، وألين من الزبد، وأطيب من رائحة المسك، ثم صغرت في زمن فرعون، فصارت الحبة قدر بيضة

الدجاجة، ثم صغرت حين قتل يحيى بن زكريا، فصارت قدر بيضة الحمامة، ثم صغرت فصارت قدر البندقة، ثم قدر الحمصة، ثم صارت إلى ما هي عليه الآن.

فنسأل الله أن لا تصغر عنه.

نقله ش ق عن الأجهوري.

ومثل البر: اللوبياء، والجلبان، والماش - وهو نوع من الجلبان - وإنما وجبت الزكاة في جميع ذلك لورود بعضها في الأخبار، وألحق به الباقي.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل حين بعثهما إلى اليمن: لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والتمر، والزبيب.

فالحصر فيه إضافي، أي بالنسبة إلى ما كان موجود عندهم، لخبر الحاكم، وقال صحيح الإسناد عن معاذ أنه صلى الله عليه وسلم قال: فيما سقت السماء والسيل والبعل، العشر.

وفيما سقي بالنضح نصف العشر.

وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القناء والبطيخ والرمان والقصب فعفو - عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(قوله: وأرز) بفتح الهمزة، وضم الراء، وتشديد الزاي - وهو أشهر لغاته.

والشائع على الألسنة رز - بلا همزة - وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند أكله، لأنه خلق من نوره.

(فإن قيل) إن الأشياء كلها خلقت من نوره.

(أجيب) بأنه خلق من نوره بلا واسطة، وكل الأشياء التي تنبت من الأرض فيها داء ودواء، إلا الرز: فإن فيه دواء، ولا داء فيه.

(قوله: وحمص) بكسر الحاء مع فتح الميم المشددة أو كسرها وما اشتهر على الألسنة من ضم الحاء وتشديد الميم المضمومة فليس بلغة.

(قوله: ودخن) بضم الدال المهملة وإسكان الخاء المعجمة: نوع من الذرة، إلا أنه أصغر منها.

(قوله: وباقلا) بالتشديد مع القصر، أو بالتخفيف مع المد: وهي الفول.

(قوله: ودقسة) قال في القاموس: وهي حب كالجاورش.

(قوله: وفي تمر، وعنب) معطوف على في قوت، وصنيعه يقتضي أنهما ليسا من القوت، وليس كذلك، فلو قال أولا وهو من الحبوب كبر الخ، ثم قال ومن الثمار كتمر وعنب، لكان أولى.

ويحتمل إن قول الشارح من ثمار مؤخر من النساخ، وأن الأصل ومن ثمار في تمر وعنب.

وعبارة المنهاج تختص بالقوت - وهو من الثمار: الرطب، والعنب.

ومن الحب: الحنطة، والشعير، والأرز، والعدس.

وسائر المقتات اختيارا.

اه.

(قوله: منهما) أي من المذكورين: القوت، والتمر والعنب.

(وقوله: خمسة أوسق) أي أقله ذلك، وما زاد فبحسابه، فلا وقص فيها.

والمراد أنها لا تجب فيما دون خمسة أوسق، لخبر الشيخين: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة.

والأوسق: جمع وسق - بالفتح على الأشهر - مصدر بمعنى الجمع، قال الله تعالى: * (والليل وما وسق) * (1) أي جمع.

(قوله: وهي) أي خمسة الأوسق.

(وقوله: ثلمائة صاع) أي لأن الوسق ستون صاعا فإذا ضربت خمسة الأوسق في الستين صاعا كانت الجملة ثلثمائة صاع.

(قوله: والصاع أربعة أمداد) وإذا ضربت أربعة الأمداد في ثلثمائة الصاع صارت الجملة ألفا ومائتي مد.

(قوله:

والمد رطل وثلث) أي بالبغدادي، وجملة خمسة الأوسق بالأرطال: ألف وستمائة رطل.

وضبطت بالكيل المصري: ستة أرادب وربع أردب.

وقال بعض المحققين: النصاب الآن بالكيل المصري أربعة أرادب وويبة، لأن الكيل الآن نقص عدده عما كان، بسبب ما يكال به الآن، حتى صارت الأرادب وويبة مقدار ستة الأرادب وربع الأردب المقدرة نصابا سابقا، فالتفاوت بينهما إردبان وكيلة.

(قوله: منفي) حال من فاعل بلغ بالنسبة للقوت فقط، وإن كان صنيعه يقتضي رجوعه له ولقسيمه، أي يعتبر في القوت بلوغه خمسة أوسق حال كونه منقى، أي مصفى من تبنه لأنه لا يدخر فيه، ولا يؤكل معه، ويغتفر قليل لا يؤثر في الكيل، وحال كونه منقى من قشره الذي لا يؤكل معه

(1) الانشقاق: 17

ص: 182

واعلم أن الارز مما يدخر في قشره ولا يؤكل معه، فتجب فيه إن بلغ عشرة أوسق (عشر) للزكاة.

(إن سقي بلا مؤنة) كمطر، (وإلا) أي وإن سقي بمؤنة كنضح (فنصفه) أي نصف العشر.

وسبب التفرقة: ثقل المؤنة في هذا، وخفتها في الاول، سواء أزرع ذلك قصدا، أم نبت اتفاقا - كما في المجموع - حاكيا فيه الاتفاق، وبه يعلم ضعف قول الشيخ زكريا في تحريره تبعا لاصله: يشترط لوجوبها أن يزرعه مالكه أو نائبه، فلا زكاة فيما

ــ

في الغالب، فإن كان يؤكل معه في الغالب - كذرة - فلا يعتبر تنقيته منه فيدخل قشره في الحساب وأما غير القوت فيعتبر بلوغه خمسة أوسق حال كونه تمرا إن تتمر الرطب، أو حال كونه زبيبا إن تزبب العنب، وإن لم يتتمر الأول أو لم يتزبب الثاني: فيعتبر ذلك حال كونه رطبا أو عنبا، وتخرج الزكاة منهما في الحال.

(قوله: واعلم أن الأرز) ومثله العلس بفتحتين، وهو نوع من الحنطة.

قال في التحفة: وهو قوت نحو أهل صنعاء في كل كمام حبتان وأكثر.

اه.

(قوله: فتجب) أي الزكاة.

(وقوله: فيه) أي في الأرز، ومثله ما مر.

(قوله: وإن بلغ عشرة أوسق) أي اعتبارا لقشرة الذي ادخاره فيه أصلح له وأبقى بالنصف، وبعد ذلك له أن يخرج الواجب عليه حال كونه في قشره، وله أن يخرجه خالصا لا قشر عليه.

(قوله: عشر للزكاة) انظر موقعه من الإعراب؟ وظاهر صنيعه أنه مبتدأ، والجار والمجرور بعده خبر.

أي عشر يخرج للزكاة.

ويرد عليه أن عشر نكرة، ولا يجوز الابتداء بها، ويمكن على بعد جعل الجار والمجرور صفة له، ويكون هو المسوغ وجملة الشرط بعده خبر المبتدأ، ولو قال - كسابقه - ويجب فيما ذكر عشر إلخ، أو أبقى المتن على ظاهره، ولم يقدر عند قوله وفي قوت المتعلق وهو تجب، لكان أولى وأخصر.

وعليه: يكون الجار والمجرور خبرا مقدما.

وقوله عشر: مبتدأ مؤخرا، ويكون المعنى عليه: والعشر واجب في القوت إن سقي بلا مؤنة.

ثم ظهر صحة جعل بدلا من الضمير المستتر في تجب العائد على الزكاة، بناء على أنه لا يشترط في البدل صحة إحلاله محل المبدل منه، أما على اشتراط ذلك فلا يصح، لأنه يلزمه عليه إسناد المبدوء بتاء الغيبة للاسم الظاهر المذكر، وهو لا يجوز.

ومنع العلامة الصبان - في حاشية الأشموني - إبدال الظاهر من ضمير الغيبة المستتر، وقال: فلا يقال هند أعجبتني جمالها - على الإبدال.

فتنبه.

(قوله: إن سقي) أي ما ذكر من القوت وما عطف عليه.

(قوله: بلا مؤنة) أي بلا مؤنة كثيرة، بأن لم يكن هناك مؤنة أصلا، أو مؤنة قليلة.

ولو سقي بما فيه مؤنة

وغيره وجب القسط من كل، باعتبار عيش الزرع والثمر ونمائها، لا بأكثر المدتين، ولا بعدد السقيات.

فلو كانت المدة من وقت الزرع إلى وقت الإدراك ثمانية أشهر، واحتيج في أربعة منها إلى سقيتين فسقي بالمطر، وفي الأربعة الأخرى إلى سقيتين فسقي بالنضح، وجب ثلاثة أرباع العشر، أو احتاج في ستة منها إلى سقيتين فسقي بماء السماء، وفي شهرين إلى ثلاث سقيات فسقي بالنضح، وجب ثلاثة أرباع العشر، وربع نصف العشر.

(قوله: كمطر) تمثيل لما كان بغير مؤنة، ومثله ماء انصب إليه من جبل، أو نهر، أو عين.

(قوله: أي وإن سقي) الأولى بأن سقي، بباء التصوير.

(قوله: كنضح) أي نقل الماء من محله إلى الزرع بحيوان أو غيره.

(قوله: فنصفه) أي فالواجب نصف العشر.

والأصل فيه - وفيما قبله - خبر البخاري: فيما سقت السماء أو العيون أو كان عثريا، العشر.

وفيما سقي بالنضح، نصف العشر.

(قوله: وسبب التفرقة) أي بين ما سقي بلا مؤنة حيث كان واجبه العشر، وما سقي بمؤنة حيث كان واجبه نصف العشر.

(قوله: ثقل المؤنة في هذا) أي فيما سقي بمؤنة.

(وقوله: وخفتها في الأول) أي فيما سقي بلا مؤنة، ولا يقال إن بين خفتها وبين بلا مؤنة تنافيا، لأن خفتها تثبت أصل المؤنة، وبلا مؤنة ينفيه، لأنا نقول المراد من المؤنة المنفية الكثيرة، وهو يصدق بوجودها مع خفتها - كما علمت - ثم إن المراد بخفتها أن شأنها ذلك، وإلا فقد لا تكون هناك مؤنة أصلا - كما علمت أيضا -.

(قوله: سواء الخ) تعميم في وجوب الزكاة في القوت، وما عطف عليه، ولو قدمه على قوله عشر الخ لكان أولى.

(وقوله: أزرع ذلك قصدا) أي زرعه مالكه أو نائبه عمدا.

(وقوله: أم نبت اتفاقا) أي كأن وقع الحب بنفسه من يد مالكه عند حمل الغلة مثلا، أو بإلقاء نحو طير في أرضه، فنبت.

(قوله: كما في المجموع) أي كما ذكره فيه، وهو راجع للتعميم.

(وقوله: حاكيا) أي الإمام النووي، وهو حال من الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور.

(وقوله: فيه) أي في المجموع أو في التعميم.

(قوله: وبه يعلم الخ) أي بما حكاه في المجموع من الاتفاق على التعميم المذكور

ص: 183

انزرع بنفسه، أو زرعه غيره بغير أذنه.

ولا يضم جنس إلى آخر لتكميل النصاب، بخلاف أنواع الجنس، فتضم.

وزرعا العام يضمان إن وقع حصادهما في عام.

(فرع) لا تجب الزكاة في مال بيت المال، ولا في ريع موقوف من نخل أو أرض على جهة عامة

ــ

يعلم إلخ.

(قوله: ويشترط الخ) مقول قول الشيخ زكريا، لكن بنوع تصرف في عبارته، ونصها: وشرط وجوبها أن يبلغ خمسة أوسق، وأن يزرعه مالكه أو نائبه، فلا زكاة فيما انزرع بنفسه أو زرعه غيره بغير إذنه، كنظيره في سوم الماشية.

انتهت.

قال في التحفة - بعد أن ساق العبارة المذكورة وضعفها -: وفي الروضة وأصلها - ما حاصله - إن ما تناثر من حب مملوك بنحو ريح أو طير، زكي.

وجرى عليه شراح التنبيه وغيرهم، فقالوا: ما نبت من زرع مملوك بنفسه.

زكي.

وعليه، يفرق بين هذا والماشية بأن لها نوع اختيار، فاحتيج لصارف عنه، وهو قصد إسامتها، بخلافه هنا.

وأيضا فنبات القوت

بنفسه نادر، فألحق بالغالب، ولا كذلك في سوم الماشية، فاحتيج لقصد مخصص، ويظهر أن يلحق بالمملوك ما حمله سيل إلى أرضه مما يعرض عنه فنبت، وقصد تملكه بعد النبت أو قبله.

اه.

وكتب ش ق على قول التحرير المار ما نصه: هو قول مرجوح، والمعتمد خلافه، بل المعتبر تمام الملك وإن لم يباشر المالك - ولا نائبه - زراعته، كأن وقع الحب بنفسه من يد مالكه عند حمل الغلة مثلا، أو بإلقاء نحو طير.

كأن وقعت العصافير على السنابل فتناثر الحب ونبت، فتجب الزكاة في ذلك أن بلغ نصابا.

وخرج بالملك المذكور ما نبت من حب حمله السيل من دار الحرب إلى أرضنا غير المملوكة لأحد فلا زكاة فيه، لأنه فئ، والمالك غير معين.

أما لو كانت مملوكة فيملكه من نبت بأرضه.

ومثل ما حمله السيل إلى الأرض غير المملوكة: ثمار النخل المباح بالصحراء، وما وقف من ثمار بستان أو حب قرية على المساجد والربط والقناطر والفقراء والمساكين، فلا زكاة في شئ من ذلك.

ولو حمل الهواء أو الماء حبا مملوكا فنبت بأرض - فإن أعرض عنه مالكه فهو لصاحب الأرض، وعليه زكاته، وإن لم يعرض عنه فهو له، وعليه زكاته، وأجره مثل الأرض لصاحبها.

اه.

(قوله: ولا يضم جنس إلى آخر) أي كضم الحنطة إلى الأرز، أو التمر إلى العنب.

وهذا مجمع عليه في التمر والزبيب.

ومقيس في نحو البر والشعير.

قال في التحفة: يقع كثيرا أن البر يختلط بالشعير، والذي يظهر أن الشعير إن قل - بحيث لو ميز لم يؤثر في النقص - لم يعتبر، فلا يجزئ إخراج شعير، ولا يدخل في الحساب، وإلا لم يكمل أحدهما بالآخر.

فما كمل نصابه أخرج عنه من غير المختلط.

اه.

(قوله: بخلاف أنواع الجنس فتضم) أي فيضم نوع منه إلى نوع آخر منه، وذلك كتمر معقلي فيضم إلى برني، وكبر مصري فيضم إلى شامي، لاتحاد الاسم، ويخرج من كل بقسطه، لأنه لا مشقة فيه، فإن عسر التقسيط - لكثرة الأنواع - أخرج الوسط.

لا أعلاها، ولا أدناها - رعاية للجانبين - فإن تكلف وأخرج من كل بقسطه فهو أفضل.

(قوله: وزرعا العام يضمان) العام ليس بقيد، بل المدار على حصادهما في عام واحد، ولو كانا زرعي عامين.

ولو قال والزرعان يضمان إن وقع الخ، لكان أولى وأخصر.

(قوله: إن وقع حصادهما في عام) أي بأن يكون بين حصادي الأول والثاني دون اثني عشر شهرا عربية، ولا عبرة بابتداء الزرع، لأن الحصاد هو المقصود، وعنده يستقر الوجوب.

قال في المغنى: وهل المراد بالحصاد أن يكون بالفعل أو بالقوة؟ قال الكمال ابن أبي شريف: تعليلهم يرشد إلى الثاني.

اه.

(تتمة) لم يتعرض لوقت وجوب الزكاة في القوت وما عطف عليه، وحاصله أن وقته إذا بدا صلاح الثمر - ولو في بعضه - لأنه حينئذ ثمرة كاملة.

وقبله بلح أو حصرم.

والمراد ببدو الصلاح: بلوغه صفة يطلب فيها غالبا، فعلامته في

الثمر المتلون أخذه في حمرة أو سواد أو صفرة، وفي غير المتلون - كالعنب الأبيض - لينه وتمويهه، وهو صفاؤه، وجريان الماء فيه.

وإذا اشتد الحب ولو في البعض أيضا لأنه حينئذ قوت، وقبله بقل.

ومع وجوبها بما ذكر لا يجب الإخراج إلا بعد التصفية والجفاف فيما يجف، بل لا يجزئ قبلهما.

(قوله: فرع الخ) هذا الفرع له تعلق بجميع الأصناف التي تتعلق بها الزكاة، وهو محترز قول الشارح فيما مر معين، فكان الأولى أن يقدمه هناك، أو يؤخره عن بيان زكاة النعم.

فتنبه.

ص: 184

- كالفقراء والفقهاء والمساجد - لعدم تعين المالك.

وتجب في موقوف على معين واحد، أو جماعة معينة - كأولاد زيد -، ذكره في المجموع.

وأفتى بعضهم في موقوف على إمام المسجد أو المدرس بأنه يلزمه زكاته - كالمعين -.

قال شيخنا: والاوجه خلافه، لان المقصود بذلك: الجهة: دون شخص معين.

(تنبيه) قال الجلال البلقيني في حاشية الروضة، تبعا للمجموع: إن غلة الارض المملوكة أو الموقوفة على معين، إن كان البذر من مال مالكها أو الموقوف عليه: فتجب عليه الزكاة فيما أخرجته الارض.

فإن كان البذر من مال العامل وجوزنا المخابرة، فتجب الزكاة على العامل، ولا شئ على صاحب الارض، لان الحاصل له أجرة أرضه.

وحيث كان البذر من صاحب الارض، وأعطي منه شئ للعامل، لا شئ على العامل، لانه أجرة عمله.

اه.

ــ

(قوله: في مال بيت المال) إضافة مال إلى بيت لأدنى ملابسة، أي مال المسلمين المحفوظ في بيت المال.

(قوله: ولا في ريع موقوف) هذا التركيب إضافي، أي لا تجب الزكاة في ريع الشئ الموقوف.

والمراد بالريع: ما يستخرج منه من الفوائد.

(وقوله: من نخل أو أرض) بيان لموقوف.

(قوله: على جهة عامة) متعلق بموقوف.

(قوله: كالفقراء إلخ) تمثيل للجهة العامة.

(قوله: لعدم تعين المالك) تعليل لعدم وجوب الزكاة فيما ذكر.

(قوله: وتجب) أي الزكاة.

(قوله: في موقوف) أي ريع موقوف.

(قوله: على معين واحد) أي كزيد.

(قوله: في موقوف) أي شئ موقوف من أرض أو نخل أو غيرهما.

(قوله: على إمام المسجد) أي من يصلي في هذا المسجد إماما.

(قوله: أو المدرس) أي في هذا المسجد مثلا.

(قوله: بأنه) متعلق بأفتى، وضميره يعود على من ذكر من الإمام والمدرس.

(قوله: يلزمه زكاته) أي الموقوف، أي ريعه.

(قوله: قال شيخنا) عبارته: وأفتى بعضهم في موقوف على إمام المسجد أو المدرس بأنه يلزمه زكاته كالمعين، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه خلافه، لأن المقصود بذلك الجهة، دون شخص معين.

كما يدل عليه كلامهم في الوقف.

اه.

(وقوله: لأن المقصود بذلك: الجهة) أي كل من اتصف بهذا الوصف، لا شخص معين.

(قوله: إن غلة الأرض الخ) مقول القول، والغلة هي الريع المار، وقد علمته.

(قوله: المملوكة) بالجر، صفة للأرض.

(قوله: أو الموقوفة على معين) احترز به عن الموقوفة على غير معين، فإنه لا تجب فيه الزكاة - كما مر آنفا.

(قوله: من مال مالكها) أي الأرض، وهذا بالنسبة لما إذا كانت مملوكة.

(وقوله: أو الموقوف عليه) أي أو من مال الموقوف عليه، وهذا بالنسبة لما إذا كانت موقوفة، فكلامه على اللف والنشر المرتب.

(قوله: فتجب عليه) أي من ذكر من المالك، أو الموقوف عليه المعين.

(قوله: فإن كان البذر من مال العامل) أي الذي يعمل في الأرض ويزرعها.

(قوله: وجوزنا المخابرة) أي وجرينا على أنها جائزة، أي صحيحة.

وهذا ليس بقيد، بل لو جرينا على أنها فاسدة يكون الحكم كذلك، لأن فاسد

الإجارة كصحيحها، فتكون الزكاة واجبة على العامل، لأن الزرع ملك له، وعليه لمالك الأرض أجرتها فقط.

وعبارة الروض وشرحه: وتجب الزكاة على مالك الثمار والحبوب.

وإن كانت الأرض مستأجرة أو ذات خراج.

اه.

والمخابرة: هي معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من العامل - كما سيأتي - والمعتمد فيها عدم الصحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: من لم يذر المخابرة، فليؤذن بحرب من الله ورسوله.

(قوله: ولا شئ على صاحب الأرض) أي لا زكاة عليه، سواء كان مالكا أو موقوفا عليه.

(قوله: لأن الحاصل له الخ) أي لان الشئ الذي يحصل لصاحب الأرض يأخذه مما استخرجته الأرض أجرة أرضه، وهي لا زكاة فيها.

وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) عمن أكرى مزرعة لأحد على أن له شيئا معلوما من الغلة كل سنة، فهل يجب عليه - إذا أخذ تلك الأجرة - أن يؤدي زكاتها إذا بلغت نصابا أو لا؟ وإذا كانت الأجرة نقدا، ماذا حكمها؟ (فأجاب) بقوله: لا تلزمه زكاة الأجرة إن كانت حبا إلا إذا كان للتجارة ووجدت فيه شروطها، ولا تلزمه زكاتها إذا كانت نقدا إلا إن مضى عليه حول من حين ملكها وهي نصاب.

اه.

بتصرف.

(قوله: وحيث كان البذر من صاحب الأرض إلخ) هذه هي المزارعة، لأنها معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك - كما سيأتي - والمعتمد فيها أيضا عدم الصحة.

(قوله: وأعطي منه شئ للعامل) الفعل مبني للمجهول، وأسند إلى مفعوله الثاني ومفعوله الأول

ص: 185

وتجب الزكاة لنبات الارض المستأجرة مع أجرتها على الزارع.

ومؤنة الحصاد والدياس على المالك.

ــ

للعامل، واللام زائدة.

أي وأعطى المالك العامل في مقابلة عمله شيئا من البذر، والمراد مما تخرجه الأرض بعد بذرها ببذر المالك.

(قوله: لا شئ على العامل) أي لا زكاة عليه.

(قوله: لأنه أجرة عمله) أي لأن ما يأخذه مما استخرجته الأرض إنما هو أجرة عمله، وهي لا زكاة فيها.

(قوله: وتجب الزكاة لنبات الأرض المستأجرة) مثلها الأرض الخراجية، فتجب الزكاة فيها مع الخراج.

وعبارة الروض: وتجب وإن كانت الأرض مستأجرة أو ذات خراج.

وقال في شرحه: فتجب الزكاة مع الأجرة أو الخراج.

ثم قال: وأما خبر: لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم فضعيف، قاله في المجموع، وعبارة التحفة: لو أجر الخراجية، فالخراج على المالك، ولا يحل لمؤجر أرض أخذ أجرتها من حبها قبل أداء زكاته، فإن فعل لم يملك قدر الزكاة، فيؤخذ منه عشر ما بيده، أو نصفه، كما لو اشترى زكوبا لم تخرج زكاته، ولو أخذ الإمام أو نائبه - كالقاضي - الخراج على أنه بدل من العشر، فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد أو التقليد، والأصح إجزاؤه - أو ظلما.

لم يجز عنها، وإن نواها المالك وعلم الإمام بذلك.

وقول بعضهم يحتمل الإجزاء.

يرد بأن الفرض أنه قاصد الظلم، وهذا صارف عنها، وقولهم يجوز دفعها لمن لا يعلم أنها زكاة، لأن العبرة بنية المالك: محله عند عدم الصارف

من الآخذ، أما معه - كأن قصد بالأخذ جهة أخرى - فلا، وبهذا يعلم أن المكس لا يجزئ عن الزكاة إلا إن أخذه الإمام أو نائبه، على أنه بدل عنها باجتهاد أو تقليد صحيح، لا مطلقا، خلافا لمن وهم فيه.

اه.

وقوله: بدل من العشر: أي في الزكاة، وقوله: كأخذ القيمة: أي في الزكاة في غير عروض التجارة.

(وسئل) ابن حجر عن أخذ السلطان الجائر العشور المعهودة في ذا الزمن باسم الزكاة ونوي به المأخوذ منه الزكاة، فهل يسقط به الغرض أولا فأجاب بقوله: نعم يسقط بأخذه على الوجه المذكور فرض الزكاة عن المأخوذ منه، لأن الإمام الجائر كالعادل في الزكاة وغيرها، ويقع لبعض التجار - الذين ليس لهم كبير تقوى، ويغلب عليهم البخل والخزي - أنهم يكثرون الأسئلة عما يأخذه منهم أعوان السلاطين من الملوك: هل يقع عنهم من الزكاة إذا نووها؟ فنجيبهم بما هو المعروف المقرر.

وبسط الكلام فيه بعض شراح الإرشاد من أن ذلك لا يحسب من زكواتهم.

لأن الإمام لم يأخذه باسم الزكاة، بل باسم الذب عنهم وعن أموالهم، فهو وأعوانه يعتقدون أن ذلك حق له في أموال التجار يستحق أخذه قهرا عليهم، ولو سمع هو أو بعض أعوانه عن بعض التجار أنه يدفع ذلك لهم باسم الزكاة: لما قبلوا منه ذلك، وأخذوه قهرا عليه على غير هذا الوجه، بل ربما آذوه وسبوه، والدفع للإمام أو نائبه العام إنما يجزئ عن الزكاة حيث لم يمتنع الإمام أو نائبه من أخذه على هذا الوجه، أو يأخذه بقصد مغاير له، فحينئذ لا يمكن حسبان ما أخذه عن الزكاة.

وبقي مانع آخر من ذلك، وهو أن الدفع إلى السلطان غير ممكن، وإنما يقع الدفع لنائبه العام أو الخاص، والدفع للنائب العام

وهو الوزير الأعظم، أو نحوه - متعسرا أيضا، وإنما الواقع والمتيسر الدفع إلى النائب الخاص، وهذا النائب الخاص لا يولونه على أخذه زكاة بوجه، وإنما يولونه على أخذ العشور، ومرادهم بها المكوس - كما هو معلوم من أحوالهم، وعباراتهم، وعاداتهم - فمن أراد الدفع إليهم باسم الزكاة ولم يدفعها لإمام ولا لنائبه فيها فكيف تجزئ عنه؟ فليتأمل ذلك، وليشع لهم، فإن بعض فسقة المتفقهة والتجار ربما حسبوا ما يؤخذ منهم من المكوس من الزكوات الواجبة عليهم، وما دروا أنها * (يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جباهم، وجنوبهم، وظهورهم) * وتقول لهم ملائكة العذاب * (هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) *.

أعاذنا الله من ذلك وأمثاله بمنه وكرمه.

اه.

(قوله: ومؤنة الحصاد والدياس على المالك) هذه المسألة مستقلة، وليست مرتبطة بما قبلها - أعني قوله: وتجب الزكاة لنبات الأرض المستأجرة وإن كان هو ظاهر منعه ووجه عدم ارتباطها به أنه إن أريد بالمالك مالك الأرض الذي هو المؤجر فلا يصح لأنه ليس عليه شئ أصلا لأنه مؤجر يستلم أجره أرضه فقط وإن أريد به مالك -، د،، الزرع الذي هو المستأجر، فلا يصح اختصاص الحكم المذكور به.

وأيضا لو كان هذا هو المراد، لقال

عليه بالضمير العائد على الزراع.

إذا علمت ذلك، فكان الأولى للشارح أن يقدم هذه المسألة قبيل

(1) التوبة: 35

ص: 186

(و) تجب على من مر للزكاة (في كل خمس إبل شاة) جذعة ضأن لها سنة، أو ثنية معز لها سنتان، ويجزئ الذكر، وإن كانت إبله إناثا، لا المريض إن كانت إبله صحاحا (إلى خمس وعشرين) منها.

ففي عشر شاتان، وخمسة عشر ثلاث، وعشرين إلى الخمس والعشرين أربع، فإذا كملت الخمس والعشرون (فبنت مخاض) لها سنة، هي واجبها إلى ست وثلاثين.

سميت بذلك لان أمها آن لها أن تصير من المخاض - أي

ــ

الفرع، أو يفصلها عما قبلها بترجمة مستقلة، كأن يقول: فرع إلخ.

دفعا لما يوهمه صنيعه.

ومعنى ما ذكر: إن مؤنة الحصاد والدياسة - ومثلهما مؤنة جذاذ الثمر وتجفيفه - تكون من خالص مال المالك للزرع، سواء كان مالكا للأرض أيضا أم لا - بأن كان مستأجرا لها - لا من مال الزكاة.

وكثيرا ما يخرجون ذلك من التمر أو الحب، ثم يزكون الباقي، وهو خطأ، ويدل لما ذكرته عبارة الروض وشرحه، ونصها:(فرع) مؤنة الجفاف، والتصفية، والجذاذ، والدياس والحمل، وغير ذلك - مما يحتاج إلى مؤنة - على المالك، لا من مال الزكاة.

اه.

ومثلها عبارة شرح المنهج، والتحفة، والنهاية، والمغنى.

فتنبه.

(قوله: وتجب الخ) شروع في بيان مقدار نصاب النعم.

ما يجب إخراجه منه.

(وقوله: على من مر) أي المسلم الحر المعين.

وتضمن من الشروط ثلاثة، وبقي منها أن تبلغ نصابا وأسامة مالك لها كل الحول، ومضى حول في ملكه، وأن لا تكون عوامل.

(قوله: للزكاة) متعلق بتجب.

(قوله: في كل خمس إبل: شاة إلخ) بدأ بالإبل لأنها أشرف أموال العرب.

والأصل فيما ذكره فيها ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه، أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين على الزكاة: بسم الله الرحمن الرحيم.

هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: في أربع وعشرين من الإبل، فما دونها الغنم في كل خمس: شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين: ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر.

فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين: ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين: ففيها حقه طروقة الجمل.

فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين: ففيها جذعة.

فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين، ففيها بنتا لبون.

فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففي كل أربعين: بنت لبون، وفي كل خمسين حقه وقوله: في الحديث لا يعطه أي الزائد، بل يعطى الواجب.

(واعلم) أن هذا العدد تعبدي، لا يسأل عن حكمته، بل يتلقى عن الشارع بالقبول.

(قوله: جذعة ضأن) بدل من شاة.

(وقوله: لها سنة) أي تحديدية، لكن لو أجذعت مقدم أسنانها - أي أسقطته - بعد ستة أشهر، أجزأت.

فالأول منزل منزلة البلوغ بالسن، والثاني منزل منزلة البلوغ بالاحتلام.

(وقوله: أو ثنية معز) أو: للتخيير، فهو مخير بين الجذعة والثنية.

(وقوله: لها سنتان) أي تحديدا.

(قوله: ويجزئ الذكر إلخ) أي لصدق اسم الشاة عليه، فإنها تطلق على الذكر والأنثى، إذ تاؤها للوحدة لا للتأنيث،

ولأنها من غير الجنس، وبه فارق منع إخراج الذكر عن الإناث في الغنم.

(قوله: لا المريض الخ) أي لا يجزئ المريض إن كانت إبله صحاحا، أي سليمة.

ومقتضى التقييد بما ذكر أنه يجزئ المريض إن كانت إبله غير صحاح، وهو ضعيف، والمعتمد عدم إجزاء المريض مطلقا - كما صرح به في التحفة - ونصها: ويشترط - كما صححه في المجموع، خلافا لما قد يقتضي تصحيحه كلام الروضة وأصلها - صحة الشاة وكمالها، وإن كانت الإبل مريضة أو معيبة، لأن الواجب هنا في الذمة، فلم يعتبر فيه صفة المخرج عنه، بخلافه فيما يأتي بعد الفصل.

فإن لم يجد صحيحة فرق قيمتها دراهم - كمن فقد بنت المخاض مثلا فلم يجدها، ولا ابن لبون ولا بالثمن، فيفرق قيمتها للضرورة.

اه.

(وقوله: بخلافه فيما يأتي) أي وهو أنه لا تؤخذ مريضة ولا معيبة من الغنم إلا من مثلها.

(قوله: إلى خمس وعشرين) متعلق بمحذوف، أي ويستمر وجوب الشاة في كل خمس إبل إلى أن يبلغ عددها خمسا وعشرين، فإذا بلغ عددها ذلك وجب فيها بنت مخاض.

(وقوله: منها) أي الإبل.

(قوله: ففي عشر الخ) تفريع على ما قبله.

(قوله: وخمسة عشر: ثلاث) أي وفي خمسة عشر: ثلاث شياه.

(قوله: وعشرين إلخ) أي وفي عشرين إلى الخمس والعشرين أربع شياه، والغاية ليست داخلة.

(قوله: فإذا كملت) أي استكملت.

(قوله: فينت مخاض) أي بنت ناقة مخاض.

فإن عدمها فابن لبون، أو

ص: 187

الحوامل -.

(وفي ست وثلاثين) إلى ست وأربعين (بنت لبون) لها سنتان.

سميت بذلك لان لها أمها آن لها أن تضع ثانيا، وتصير ذات لبن.

(و) في (ست وأربعين) إلى إحدى وستين: (حقة) لها ثلاث سنين، وسميت بذلك لانها استحقت أن تركب، ويحمل عليها، أو أن يطرقها الفحل.

(و) في (إحدى وستين: جذعة) لها أربع سنين.

سميت بذلك لانها يجذع مقدم أسنانها، أي يسقط.

(و) في (ست وسبعين: بنتا لبون.

و) في (إحدى وتسعين: حقتان.

و) في (مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون.

ثم) الواجب (في كل أربعين بنت لبون.

و) في كل (خمسين حقة.

و) يجب (في ثلاثين بقرة - إلى أربعين - تبيع) له سنة، سمي بذلك لانه يتبع أمه.

(و) في

ــ

حق وإن كان أقل قيمة منها.

(قوله: لها سنه) أي إن بنت المخاض ما كان لها سنة، أي وطعنت في الثانية.

وكذا يقال فيما بعد، لأن الأسنان المذكورة تحديدية.

(قوله: هي) أي بنت المخاض.

(وقوله: واجبها) أي الخمس والعشرين.

(وقوله: إلى ست وثلاثين) أي ويستمر هذا الواجب فيها إلى أن يبلغ عددها ستا وثلاثين.

والغاية ليست بداخلة.

(قوله: سميت) أي الناقة التي تخرج عن الخمس والعشرين.

(وقوله: بذلك) أي بنت مخاض.

(قوله: لأن أمها آن) هو بمد الهمزة: من الأوان، بمعنى الوقت، أي قرب.

(وقوله: أن تصير من المخاض) وعبارة الرملي لأن لها أمها بعد سنة من ولادتها أن لها أن تحمل مرة أخرى، فتصير من المخاض.

اه.

ولا يخالف كلام الشرح، لأنها تسمى بهذا الاسم إلا بعد بلوغ السنة.

(قوله: وفي ست وثلاثين) أي وتجب في ست وثلاثين من الإبل.

(وقوله: إلى ست وأربعين) أي ويستمر هذا الواجب - أعني بنت اللبون - إلى أن تبلغ ستا وأربعين (قوله: بنت لبون) أي بنت ناقة لبون، ولا يؤخذ ابن اللبون، وألحق عنها عند فقدها.

والفرق بينها وبين بنت المخاض: أن كلا منهما يزيد على بنت المخاض بقوته على ورود الماء والشجر، وامتناعه من صغار السباع بنفسه، ولم يزد بذلك على بنت اللبون لوجود تلك القوة فيها أيضا، فلم يجزئ

عنها.

(قوله: سميت) أي الناقة التي تخرج عن الست والثلاثين.

(وقوله: بذلك) أي بنت اللبون.

(قوله: وفي ست وأربعين) أي وتجب في ست وأربعين.

(وقوله: حقه) - بكسر الحاء - ويجزئ عنها بنتا لبون.

(قوله: وفي إحدى وستين) أي وتجب في إحدى وستين من الإبل.

(وقوله: جذعة) - بفتحتين -: ما قبل الثني، ويجزئ عنها حقتان، أو بنتا لبون، لإجزائهما عما زاد.

(قوله: سميت) أي الناقة التي تجزئ عن الإحدى والستين.

(وقوله: بذلك) أي بالجذعة.

(قوله: وفي ست وسبعين بنتا لبون) وهذا تعبدي، لا بالحساب، وإلا فمقتضى الحساب أن يجب في اثنين وسبعين بنتا لبون، لأن بنت اللبون وجبت في ست وثلاثين، فلو اعتبر الحساب لوجب في اثنتين وسبعين: بنتا لبون.

(قوله: في إحدى وتسعين: حقتان) أي تعبدا، لا بالحساب، كما في الذي قبله، وإلا بأن اعتبر الحساب، لما وجبت الحقتان إلا في اثنتين وتسعين، ومثله يقال فيما بعد.

(قوله: وفي مائة وإحدى وعشرين: ثلاث بنات لبون) فإن نقصت الواحدة لم يحسب سوى الحقتين.

(قوله: ثم الواجب في كل أربعين إلخ) ظاهره يقتضي أنه متى زاد على مائة وإحدى وعشرين - ولو واحدة - يتغير الواجب، ويكون في كل أربعين إلخ.

ويستقيم الحساب.

وليس كذلك، بل إنما يتغير الواجب بزيادة تسع على المائة والإحدى والعشرين، ثم بزيادة عشر عشر، ويستقيم الحساب.

ففي مائة وثلاثين: حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين: حقتان وبنت لبون.

وهكذا.

(قوله: ويجب في ثلاثين بقرة الخ) شروع في بيان نصاب البقر.

وأول النصاب فيه ثلاثون.

والبقر شامل للعراب والجواميس من الذكور والإناث.

والثور خاص بالذكر.

والأصل فيما ذكره فيه: ما رواه الترمذي وغيره، عن معاذ رضي الله عنه، قال: بعثتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني إن أخذ من كل أربعين بقرة مسنة، ومن كل ثلاثين: تبيعا.

وصححه الحاكم وغيره.

(قوله: تبيع) لو أخرج تبيعة أجزأت - بطريق الأولى - لأنها أنفع من الذكر، لما فيها من الدر والنسل.

وتبيع بمعنى تابع، كما يؤخذ من قوله لأنه يتبع أمه.

(قوله: له سنة) أي وطعن في الثانية.

(قوله: سمي) أي ما يخرج عن الثلاثين من البقر.

(وقوله: بذلك) أي بتبيع.

(قوله: لأنه يتبع

ص: 188

(أربعين) إلى ستين: (مسنة) لها سنتان، سميت بذلك لتكامل أسنانها.

(و) في (ستين: تبيعان، ثم في كل ثلاثين: تبيع.

و) في كل (أربيعن: مسنة.

و) يجب (في أربعين غنما) إلى مائة وإحدى وعشرين: (شاة.

و) في (مائة وإحدى وعشرين) إلى مائتين وواحدة (شاتان.

و) في (مائتين وواحدة) إل ثلثمائة (ثلاث) من الشياه.

(و) في (أربعمائة: أربع) منها، (ثم في كل مائة: شاة) جذعة ضأن لها سنة، أو ثنية معز لها سنتان.

وما بين النصابين يسمى وقصا.

ولا يؤخذ خيار كحامل ومسمنة للاكل.

وربى وهي حديثة العهد بالنتاج بأن يمضي لها من ولادتها نصف شهر - إلا برضا مالك.

(وتجب الفطرة) أي زكاة الفطر.

سميت بذلك لان وجوبها به.

وفرضت - كرمضان - في ثاني سني

ــ

أمه) أي في المرعى.

ويجمع على أتبعة كرغيف وأرغفة.

(قوله: وفي أربعين: مسنة) لو أخرج عن أربعين، تبيعين، أجزأ على الصحيح.

(قوله: سميت) أي البقرة.

(قوله: بذلك) أي بمسنة.

(قوله: وفي ستين: تبيعان) أي يجب في ستين بقرة: تبيعان.

(قوله: ثم في كل ثلاثين: تبيع) أي ثم بعد الستين بزيادة عشرة عشرة يتغير الواجب، ويكون في كل ثلاثين: تبيع، وفي كل أربعين: مسنة.

(قوله: ويجب في أربعين غنما الخ) شروع في بيان نصاب الغنم، وأول نصابها

أربعون، فلا زكاة في أقل من ذلك، ويصدق مخرجها في عددها إن كان ثقة، وإلا عدت، والأسهل عند مضيق تمر به واحدة واحدة، وبيد كل من المالك والساعي - أو نائبهما - قضيب، يشيران به إلى كل واحدة، أو يصيبان به ظهرها، لأن ذلك أبعد عن الغلط.

(واعلم) أنه يجزئ في الغنم نوع آخر: كضأن عن معز، وعكسه، كما يجزئ أرحبية عن مهرية، وعكسه في الإبل وعراب عن جواميس وعكسه في البقر.

(قوله: وفي مائتين وواحدة إلى ثلثمائة) صوابه إلى أربعمائة، إذ ما بين المائتين والواحدة والأربعمائة: وقص لا يتغير فيه الواجب.

تأمل.

(قوله: ثم في كل مائة: شاة) أي لحديث أنس في ذلك، رواه البخاري.

ونقل الشافعي أن أهل العلم لا يختلفون في ذلك، ولو تفرقت ماشية المالك في أماكن: فهي كالتي في مكان واحد، حتى لو ملك أربعين شاة في بلدين لزمته الزكاة، ولو ملك ثمانين في بلدين.

وفي كل أربعون لا يلزمه إلا شاة واحدة، وإن بعدت المسافة بينهما، خلافا للإمام أحمد، فإنه يلزمه عنده عند التباعد شاتان.

اه.

مغنى.

(قوله: وما بين النصابين) أي في الإبل والبقر والغنم يسمى وقصا.

قال في التحفة: أكثر ما يتصور من الوقص في الإبل تسعة وعشرون ما بين إحدى وتسعين ومائة وإحدى وعشرين.

وفي البقر: تسع عشرة ما بين أربعين وستين.

وفي الغنم: مائة وثمانية وتسعون ما بين مائتين وواحدة وأربعمائة.

اه.

(قوله: ولا يؤخذ خيار) لقوله صلى الله عليه وسلم: إياك وكرائم أموالهم ولقول عمر رضي الله عنه: ولا تؤخذ الأكولة، ولا الربى، ولا الماخض - أي الحامل - ولا فحل الغنم.

نعم: ما كانت ماشيته كلها كذلك أخذ منها، إلا الحوامل، فلا يطالب بحامل منها.

(قوله: كحامل) تمثيل لخيار.

(وقوله: ومسمنة) - بالجر - عطف على حامل.

(وقوله: للأكل) اللام تعليلية، متعلقة بمسمنة.

(قوله: وربى) بضم الراء وتشديد الباء الموحدة والقصر، ووزنها فعلى: بضم الأول والقصر، وجمعها: ربات، ومكسرها: رباب - بالكسر.

(قوله: وتجب الفطرة) لما أنهى الكلام على بيان زكاة الأموال وشرائطها، شرع في بيان زكاة الأبدان وشرائطها، فقال: وتجب الفطرة، وهي بكسر الفاء: الخلقة، قال الله تعالى: * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) *.

وتطلق في اصطلاح الفقهاء على القدر المخرج عن البدن، ولذلك فسرها المؤلف به، فقال - أي زكاة الفطرة - والإضافة فيه من إضافة الشئ إلى أحد سببيه، وهما إدراك جزء من شوال، وإدراك آخر جزء من رمضان.

والأصل في وجوبها: خبر ابن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس: صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، من المسلمين.

وخبر أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا

(1) الروم: 30

ص: 189

الهجرة.

وقول ابن اللبان بعدم وجوبها غلط - كما في الروضة - قال وكيع: زكاة الفطر لشهر رمضان - كسجدة

السهو للصلاة - تجبر نقص الصوم، كما يجبر السجود نقص الصلاة - ويؤيده ما صح أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث.

(على حر) فلا تلزم على رقيق عن نفسه، بل تلزم سيده عنه، ولا عن زوجته، بل إن كانت أمة فعلى سيدها، وإلا فعليها - كما يأتي -.

ولا على مكاتب لضعف ملكه، ومن ثم لم تلزمه زكاة ماله ولا نفقة أقاربه، ولاستقلاله لم تلزم سيده عنه، (بغروب) شمس (ليلة فطر) من رمضان، أي بإدراك آخر جزء منه وأول

ــ

من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب.

فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت.

رواهما الشيخان.

(قوله: سميت) أي الفطرة، بمعنى القدر المخرج عن البدن.

(وقوله: بذلك) أي بزكاة الفطر.

(قوله: لأن وجوبها) أي الفطرة بالمعنى المذكور.

(وقوله: به) أي بالفطر.

قال ابن قاسم: وجوبها به صادق مع كون الوجوب بغيره أيضا معه، فهو لا ينافي كون الوجوب بالجزءين.

اه.

وتسمى أيضا صدقة البدن، وزكاة الأبدان وزكاة الفطر - بمعنى القدر المخرج - فالإضافة بيانية، أو بمعنى الخلقة - فهي على معنى اللام - أي أنها تزكية للنفس، أو تنمية لعملها.

(قوله: وفرضت) أي زكاة الفطر.

(قوله: كرمضان) أي كصيام رمضان.

(قوله: في ثاني سني الهجرة) لم يبين في أي يوم في الشهر.

وعبارة المواهب اللدنية: وفرض زكاة الفطر قبل العيد بيومين.

اه.

ع ش.

(قوله: وقول ابن اللبان الخ) عبارة التحفة: ونقل ابن المنذر الإجماع على وجوبها، ومخالفة ابن اللبان فيه غلط صريح - كما في الروضة.

(قوله: قال وكيع) هو شيخ الإمام الشافعي رضي الله عنه، ومن كلام الشافعي رضي الله عنه: شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور * * ونور الله لا يهدى لعاصي (قوله: زكاة الفطر لشهر رمضان) أي بالنسبة لشهر رمضان.

(قوله: كسجدة السهو للصلاة) أي بالنسبة للصلاة.

(قوله: تجبر إلخ) بيان لوجه الشبه، فالجامع بينهما مطلق الجبر.

(وقوله: نقص الصوم) أي بالنسبة لمن يصوم.

(قوله: ويؤيده) أي يؤيد جبرها لنقص الصوم الذي قال به وكيع ما صلح إلخ، ويؤيده أيضا خبر: إن صوم رمضان معلق بين السماء والأرض، لا يرفع إلا بزكاة الفطر.

وهو كناية عن توقف تمام ثوابه، حتى تؤدى الزكاة، فلا ينافي حصول أصل الثواب بدونها.

(قوله: على حر) متعلق بتجب، أي تجب على حر، وهذا بيان للمخرج - بكسر الراء - فتجب عليه ولو كان كافرا، لا عن نفسه، إذ لا طهرة له، بل عن ممونه المسلم كزوجته بأن أسلمت وتخلف، وتجزئ هنا بلا نية لتعذرها من المؤدى عنه دائما، ومن المؤدي هنا، فغلب فيها سد الحاجة.

اه.

فتح الجواد.

(قوله: فلا تلزم) أي لا تجب.

(وقوله: على رقيق) أي كله، فإن كان مبعضا ففيه تفصيل، وهو أنه إن لم تكن مهايأة يلزمه من الفطرة عن نفسه قسطه بقدر ما فيه من الحرية، وإن كانت مهايأة لزمت من وقع زمن الوجوب في نوبته، إما هو وإما سيده.

(قوله: بل تلزم) أي زكاة الفطرة.

(وقوله: سيده) أي الرقيق.

(وقوله: عنه) أي ويخرجها عنه، أي الرقيق، فهو متعلق بمقدر.

(قوله: ولا عن زوجته) معطوف على قوله عن نفسه، وضمير زوجته يعود على الرقيق.

(قوله: بل إن كانت) أي زوجة الرقيق،

والإضراب انتقالي.

(قوله: فعلى سيدها) أي فالزكاة واجبة على سيدها.

(قوله: وإلا فعليها) وإن لم تكن أمة بأن كانت حرة، فالزكاة واجبة عليها.

(وقوله: كما يأتي) أي في قوله: وعلى الحرة الغنية المزوجة لعبد، لا عليه.

(قوله: ولا على مكاتب) معطوف على رقيق من عطف الخاص على العام، لأن المكاتب قن ما بقي عليه درهم، أي ولا تلزم على مكاتب: لا عن نفسه، ولا عن زوجته.

(قوله: لضعف ملكه) أي فهو لا يحتمل المواساة.

(قوله: ومن ثم) أي من أجل ضعف ملكه لم تلزمه زكاة ماله.

(قوله: ولاستقلاله) أي بالتصرف.

(وقوله: لم تلزمهم) أي الفطرة، سيده، ومحله إذا كانت الكتابة صحيحة، فإن كانت فاسدة لزمته قطعا.

(وقوله: عنه) أي المكاتب.

(قوله: بغروب شمس ليلة فطر) لفظ غروب مضاف إلى شمس، وهي مضافة لليلة، من إضافة الشئ إلى ملابسه، إذ الشمس إنما تضاف للنهار، لا لليل.

ص: 190

جزء من شوال.

فلا تجب بما حدث بعد الغروب من ولد، ونكاح، وملك قن، وغنى، وإسلام.

ولا تسقط بما يحدث بعده من موت، وعتق، وطلاق، ومزيل ملك.

ووقت أدائها من وقت الوجوب إلى غروب شمس يوم الفطر.

فيلزم الحر - المذكور - أن يؤديها قبل غروب شمسه، (عمن) أي عن كل مسلم (تلزمه نفقته) بزوجية،

ــ

ويصح تنوين شمس ونصب ليلة على الظرفية المتعلقة بغروب، أي تجب بغروب لشمس ليلة الفطر من رمضان، وذلك لإضافتها إلى الفطر من رمضان في خبر الشيخين السابق: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان.

إلخ.

ولما تقرر أنها طهرة للصائم، فكانت عند تمام صومه.

(قوله: أي بإدراك الخ) تفسير مراد لوجوبها بغروبها ليلة فطر من رمضان، أي أن المراد بذلك إدراك آخر جزء من رمضان وأول جزء من شوال، لأن الوجوب نشأ من الصوم والفطر، فأسند إليهما لئلا يلزم التحكم، وهذا بيان لأقل ما يتحقق به السبب الأول، وإلا فالسبب الأول هو رمضان - كلا أو بعضا - أي القدر المشترك بين كله وبعضه، بدليل قولهم: له تعجيل الفطرة من أول رمضان لأنه لو لم يكن كذلك لكان تقديمها أول رمضان تقديما على السببين، وهو ممتنع.

(قوله: فلا تجب الخ) مفرع على مفهوم قوله بغروب ليلة فطر، المفسر بإدراك الجزأين.

(قوله: بما حدث) أي عما حدث، فالباء بمعنى عن.

(قوله: بعد الغروب) أي أو معه.

(قوله: من ولد الخ) بيان لما، وذلك بأن وضعت زوجته بعد الغروب أو معه، فلا زكاة على أبيه، لعدم إدراك الابن الجزأين.

(وقوله: نكاح) أي بأن عقد عليها بعد الغروب، أو معه، فلا تجب زكاتها عليه، لعدم إدراكها الجزأين عنده.

(قوله: وملك قن) بأن اشترى عبدا بعدما ذكر، أو معه، فلا زكاة عليه - لما ذكر.

(قوله: وغنى) أي بأن طرأ الغنى له، أو لقريب تلزمه نفقته بعد ما ذكر أو معه.

(قوله: ولا تسقط الخ) معطوف على فلا تجب، فهو تفريع أيضا، لكن على منطوق ما مر.

(وقوله: بعده) أي الغروب، وإنما لم تسقط لإدراكه الجزأين.

(قوله: من موت الخ) بيان لما.

(وقوله: وعتق) أي لعبده بعد الغروب، فلا تسقط عن السيد زكاته لإدراك العبد الجزأين وهو في ملكه.

ولو قال لعبده أنت حر مع آخر جزء من رمضان، وجبت

على العبد، لإدراكه الجزأين وهو حر، بخلاف ما لو قال أنت حر مع أول جزء من ليلة شوال: فلا تجب على أحد.

(قوله: وطلاق) أي بأن طلق زوجته بعد الغروب، فلا تسقط عنه فطرتها، لإدراكها الجزأين وهي في ذمته.

(قوله: ومزيل ملك) أي ببيع لعبده أو عتق له أو موته، فهو من ذكر العام بعد الخاص.

(قوله: وقت أدائها إلخ) فإن أخرها عن هذا الوقت كانت قضاء - كما سيذكره.

(قوله: فيلزم الخ) دخول على المتن.

(وقوله: الحر المذكور) أي في قوله آنفا على حر.

(وقوله: أن يؤديها) أي الفطرة.

(وقوله: قبل غروب شمسه) أي يوم الفطر.

(قوله عمن) متعلق بيؤديها، وهذا بيان للمؤدى عنه، ولا يقال إن كلام المصنف قاصر على ما إذا اختلف المؤدى والمؤدي عنه، ولم يستفد منه ما إذا أراد أن يخرج عن نفسه، لأنا نقول إن من: صادقة بنفس المؤدى وبغيره.

نعم، يكون في العبارة إظهار في مقام الإضمار بالنسبة إليه على تفسير الشارح من بكل مسلم، إذا التقدير عليه: فيلزم الحر أن يؤديها عن المسلم الذي هو نفسه.

ولا يخفى ما فيه.

ويوجد في بعض نسخ الخط: وعمن تلزمه - بزيادة واو العطف - وعليه: فهو معطوف على مقدر، أي تجب الزكاة على حر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته.

(وقوله: أي عن كل مسلم) أي ولو كان المخرج كافرا، لأنها تجب على الكافر عن رقيقه، وقريبه المسلمين، وزوجته بأن أسلمت وتخلف هو، لا عن نفسه - كما تقدم - إذ لا طهرة له - وهذا في أصلي.

أما المرتد، فإن أسلم: لزمته عن نفسه وممونه، وإلا فلا.

(وقوله: يلزمه نفقته) أشار بذلك إلى ضابط من تلزم فطرته، وهو أن يقال كل من لزمته نفقته لزمته فطرته، واستثنى من منطوق هذا الضابط مسائل.

منها: العبد لا يلزمه فطرة زوجته - حرة كانت أو أمة - وإن وجبت عليه نفقتهما في كسبه ونحوه، لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه، فلا يكون أهلا لفطرة غيره.

ومنها الابن - لا يلزمه فطرة زوجة أبيه، أو مستولدته، وإن وجبت نفقتهما على الابن لإعسار الأب، لأن النفقة لازمة للأب مع إعساره، فيتحملها عنه ابنه، بخلاف الفطرة: فليست لازمة له مع إعساره، فلا يتحملها عنه ابنه.

ويستثنى من مفهومه: المكاتب كتابة فاسدة، فلا تلزم السيد نفقته، وتلزمه فطرته.

والأمة المزوجة المسلمة لزوجها ليلا ونهارا مع كونه عبدا ومعمرا، فلا يلزم سيدها نفقتها، ويلزمه فطرتها.

(قوله: بزوجته) الباء سببية متعلقة بتلزمه، فمدخول الباء وما عطف

ص: 191

أو ملك، أو قرابة، حين الغروب.

(ولو رجعية) أو حاملا بائنا، ولو أمة، فيلزم فطرتهما كنفقتهما.

ولا تجب عن زوجة ناشزة، لسقوط نفقتها عنه، بل تجب عليها إن كانت غنية.

ولا عن حرة غنية غير ناشزة تحت معسر، فلا تلزم عليه لانتفاء يساره، ولا عليها لكمال تسليمها نفسها له.

ولا عن ولد صغير غني، فتجب من ماله، فإن

ــ

عليه، بيان لسبب لزوم النفقة.

(قوله: أو قرابة) المراد بها قرابة الأبوة أو النبوة.

قال ع ش: وهل يثاب المخرج عنه أو لا؟ فيه نظر.

والأقرب الثاني.

فليراجع - كما قيل به في الأضحية من أن ثواب الأضحية للمضحي، ويسقط بفعله الطلب عن أهل البيت.

اه.

(قوله: حيين الغروب) متعلق بتلزمه، أو بمحذوف صفة لكل من زوجية وما بعدها.

(قوله: ولو

رجعية) غاية لمن تلزمه نفقته، أي تجب الفطرة عمن تلزمه نفقته، ولو كان من تلزمه نفقته زوجة رجعية، أي طلقها طلاقا رجعيا ولم تنقض عدتها قبل غروب ليلة العيد.

(قوله: أو حاملا بائنا) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا لمن ذكر، أي تجب الفطرة عنه ولو كان حاملا، وقد طلقها طلاقا بائنا.

والمناسب تقديم بائنا وجعل حاملا قيدا له، بأن يقول أو بائنا حاملا، وخرج به: ما إذا كانت بائنا غير حامل، فلا تجب فطرتها عليه، لسقوط نفقتها.

وعبارة البجيرمي: والبائن الحامل دون الحائل، أي لأن النفقة واجبة لها دونها، إذ وجود الحمل اقتضى وجوب النفقة، فيقتضي وجوب الفطرة أيضا.

وقد يفرق بأن النفقة لها مدخل في نحو الحمل وزيادته، ولا كذلك الفطرة، إلا أن يقال على بعد لو لم يجب إخراج فطرة الحامل على الغير لوجبت عليها، وقد تخرج ما تحتاج إليه في اليوم الذي يلي يوم الفطرة، ولا تجد ما تقتات به في ذلك اليوم، فيحصل لها وهن في بدنها، فيتعدى لحملها، فأوجبنا الفطرة خلوصا من ذلك.

اه.

(قوله: ولو أمة) غاية في الرجعية، وفي الحامل البائن، والمراد أنها أمة للغير وتزوجها، ثم طلقها طلاقا رجعيا أو بائنا وهي حامل منه، ففطرتها على زوجها، للزوم نفقتها عليه، لا على سيدها.

(قوله: فيلزم) أي الزوج، فمفعوله محذوف.

(وقوله: فطرتهما) أي الرجعية، والحامل البائن فاعله.

(وقوله: كنفقتهما) أي كوجوب نفقتهما عليه.

(قوله: ولا تجب عن زوجة ناشزة) في الكردي ما نصه: قال في الإيعاب: ومثلها كل من لا نفقة لها - كغائبة ومحبوسة بدين وغير ممكنة، ولو لنحو صغر، ومعتدة عن شبهة - بخلاف نحو مريضة، لأن المرض عذر عام.

اه.

(قوله: لسقوط نفقتها) أي بسبب نشوزها.

(وقوله: عنه) أي عن زوجها.

(قوله: بل تجب عليها) أي بل تجب فطرتها عليها، لا عليه.

قال ش ق: نعم، لو نشزت الزوجة وعادت قبل الغروب، وجبت لها فطرتها عليه.

وإن لم تجب نفقتها، لأنها حينئذ في طاعته.

وكذا لو حيل بينها وبين زوجها، فيجب عليه فطرتها، دون نفقتها.

اه.

(قوله: إن كانت غنية) خرج به ما إذا كانت معسرة، فلا يجب عليها شئ.

(قوله: ولا عن حرة) أي ولا تجب الفطرة عن زوجة حرة.

وخرج بها: الأمة المزوجة، ففطرتها على سيدها - كما سيذكره - لأن له أن يسافر بها ويستخدمها، ولأنه اجتمع فيها شيئان: الملك والزوجية، والملك أقوى، ونقض ذلك بما إذا سلمها ليلا ونهارا والزوج موسر، فإن الفطرة واجبة على الزوج، قولا واحدا.

قال السبكي: ويمكن الجواب عنه بأنها عند اليسار لم تسقط عن السيد، بل تحملها الزوج عنه.

(وقوله: غنية) مثلها الفقيرة بالأولى.

(وقوله: غير ناشزة) خرج به الناشزة، ففطرتها عليها - كما تقدم آنفا.

(قوله: تحت معسر) أي زوج حر معسر وإنما قيدت بالحر - وإن كان الرقيق من المعسرين - لأن المؤلف جرى على أنها إذا كانت تحت رقيق يلزمها فطرة نفسها - كما سيذكره بقوله: وعلى الحرة الغنية

المزوجة لعبد إلخ - وهو ضعيف، كما ستعرفه.

(قوله: فلا تلزم عليه) أي لا تجب الفطرة على زوجها المعسر.

(قوله: ولا عليها) أي ولا تجب فطرة نفسها عليها، لكن يسن لها أن تخرجها عن نفسها، وكذا كل من سقطت فطرته لتحمل الغير لها - يسن له أن يخرج عن نفسه، إن لم يخرجها المتحمل.

وخرج بفطرتها فطرة غيرها - كأمتها وبعضها - فإنها تلزمه.

ولو كان الزوج حنيفا يري وجوب فطرتها على نفسها وهي شافعية ترى الوجوب على الزوج، فلا وجوب على واحد منهما، لعدم اعتقاد كل أنها عليه.

قال الكردي: وفي عكس ذلك يتوجه الطلب عليه عملا بعقيدته، وعليها عملا بعقيدتها، فأي واحد منهما أخرج عنها كفى، وسقط الطلب عن الآخر، لكن الشافعي يوجب الإخراج من غالب قوت البلد، والحنفي لا يوجب ذلك، فإن كان الغالب البر، وأخرج الزوج الشافعي عنها بمقتضى مذهبه كفى، حتى عندها.

وإن أخرجت عن

ص: 192

أخرج الاب عنه من ماله جاز، ورجع إن نوى الرجوع.

وفطرة ولد الزنا على أمه.

ولا عن ولد كبير قادر على كسب.

ولا تجب الفطرة عن قن كافر، ولاعن مرتد، إلا أن عاد للاسلام.

وتلزم على الزوج فطرة خادمة الزوجة، إن كانت أمته، أو أمتها وأخدمها إياها، لا مؤجرة، ومن صحبتها، - ولو بأذنه، على المعتمد -.

وعلى

ــ

نفسها على مقتضى مذهبها.

فينظر في الذي أخرجته، فإن كان من التمر، أو الزبيب، أو الشعير، أو القيمة، أو غير ذلك - ما عدا البر - فلا يكفي ذلك في عقيدة الشافعي، فيلزمه أن يخرج عنها بحسب عقيدته صاعا من البر.

وإن أخرجت الزوجة عن نفسها من البر، فالواجب منه - عند الحنفية - نصف صاع، بخلاف بقية الأقوات الواجب منها عندهم صاع، لكن نصف الصاع عندهم أربعة أرطال بالبغدادي، والواجب عند الشافعية صاع كامل من غالب قوت البلد، والصاع عندهم خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، فإذا أخرجت الزوجة عن نفسا نصف صاع من البر لزم الزوج الشافعي إخراج رطل وثلث بالبغدادي عنها، حتى يكمل الصاع عنده، وهذا لم أقف على من نقحه، وقد أوضحته في الأصل.

اه.

(قوله: ولا عن ولد صغير غني) معطوف على عن زوجة ناشزة، أي لا تجب عن ولد صغير على أبيه.

وخرج بالغني: الفقير، ففطرته على أبيه، كما علم من قوله: أو قرابة.

(قوله: فتجب) أي الزكاة من ماله، أي الولد الصغير.

(قوله: فإن أخرج الأب عنه) أي الولد.

(وقوله: من ماله) أي من مال نفسه، لا من مال الصغير.

(وقوله: جاز) أي إخراجه، ووقع عن زكاته.

وعبارة الروض وشرحه: وتسقط عن ولده الصغير الغني بإخراجه لها عنه من مال نفسه، لأن له ولاية عليه، ويستقل بتمليكه، فيقدر كأنه ملكه ذلك، ثم تولى الأداء عنه.

أما الوصي والقيم فلا يخرجان عنه من مالهما إلا بإذن القاضي.

اه.

(وقوله: ورجع) أي الأب على مال الولد الصغير.

(وقوله: إن نوى الرجوع) أي عند الإخراج.

(قوله: وفطرة ولد الزنا على أمة) أي لأنها يلزمها نفقته.

ومثله ولد الملاعنة، ففطرته عليها، لوجوب نفقته عليها.

ولو اعترف الزوج بعد إخراجها لم ترجع عليه بها، كما لا ترجع عليه بالنفقة لكونه منفيا عنه حال الإخراج ظاهرا، ولم يثبت نسبه إلا

من حين استلحاقه، ولأن ذلك منها على سبيل المواساة.

وقضية هذا أنه لو كان بإجبار حاكم رجعت.

أفاده ش ق.

(قوله: ولا عن ولد كبير) معطوف أيضا على عن زوجة ناشزة، أي ولا تجب عن ولد كبير على أبيه، بل تجب عليه، فلو أخرجها عنه أبوه من ماله لا تسقط عنه إلا بإذنه، لعدم استقلاله.

(قوله: قادر على كسب) أي أو عنده مال، ولو قال غني - كالذي قبله - لكان أولى.

(قوله: ولا تجب الفطرة عن قن كافر) أي ولا عن زوجة كافرة، ولا عن قريب كافر.

وعبارة المنهاج مع التحفة: لكن لا يلزم المسلم فطرة العبد والقريب والزوجة الكفار، وإن لزمه نفقتهم، لما مر.

ويظهر في قن سبي - ولم يعلم إسلامه سابيه - أنه لا فطرة عنه في حال صغره، وكذا بعد بلوغه - إن لم يسلم - عملا بالأصل.

بخلاف من في دارنا وشككنا في إسلامه، عملا بأن الغالب فيمن بدارنا الإسلام.

اه.

(قوله: ولا عن مرتد الخ) أي ولا تجب عن مرتد، قنا كان أو زوجة، أو قريبا، إلا إن عاد إلى الإسلام.

فزكاته قبله موقوفة.

(قوله: وتلزم على الزوج) أي تجب عليه.

(وقوله: فطرة خادمة الزوجة الخ) أي لأنها حينئذ تلزمه نفقتها، فلزمته فطرتها.

(وقوله: وأخدمها) أي الزوجة.

(وقوله: إياها) أي الأمة.

ويجوز العكس، فيجعل الضمير الأول للأمة، والثاني للزوجة.

والمراد أنه جعل أمتها تخدمها.

وفي سم ما نصه: (فرع) حيث وجبت فطرة الخادمة، فينبغي أن محله ما لم يكن لها زوج موسر، وإلا ففطرتها على زوجها، لأنه الأصل في وجوب فطرتها، فحيث أيسر ففطرتها عليه، وإلا فعلى زوج المخدومة، وإن وجبت نفقتها على زوجها، لأن النفقة تجب على المعسر، بخلاف الفطرة، وفي هذه الحالة لها نفقتان: واحدة على زوجها بالزوجية، والأخرى على زوج المخدومة بالإخدام، ولها فطرة، لأن الفطرة لا تتعدد.

اه.

(قوله: لا مؤجرة) أي لا تلزمه فطرة الخادمة إن كانت أجنبية مؤجرة، أي ولو كانت الإجارة فاسدة لعدم وجوب نفقتها عليه.

قال ع ش: ومثل هذا ما يكثر وقوعه في مصرنا وقراها من استئجار شخص لرعي دوابه مثلا بشئ معين، فإنه لا فطرة له، لكونه مؤجرا إجارة إما صحيحة، أو فاسدة، بخلاف ما لو استخدمه بالنفقة أو الكسوة - أي غير المقدرة - فتجب فطرته كخادم الزوجة.

اه.

(وقوله: ومن صحبتها الخ) أي ولا من صحبت زوجته لتخدمها بنفقتها، لأنها في معنى المؤجرة، فلا يلزمه فطرتها، كما

ص: 193

السيد فطرة أمته المزوجة لمعسر، وعلى الحرة الغنية المزوجة لعبد - لا عليه ولو غنيا.

قال في البحر: ولو غاب الزوج، فللزوجة اقتراض نفقتها للضرورة، لا فطرتها، لانه المطالب، وكذا بعضه المحتاج.

وتجب الفطرة على من مر، عمن ذكر (إن فضل عن قوت ممون) له تلزمه مؤنتة من نفسه وغيره (يوم عيد وليلته) وعن ملبس،

ــ

أن المؤجرة لا يلزمه فطرتها.

(قوله: ولو بإذنه) في النهاية إسقاط ولو، وهو الأولى، إذ الخلاف إنما هو فيما إذا كان ذلك بإذنه.

(وقوله: على المعتمد) أي عند النووي.

واعتمد الرافعي في النفقات وجوب فطرتها، وجزم به المتولي، وقال في النهاية: والأوجه حمل الأول - أعني عدم الوجوب - على ما إذا كان لها مقدر من النفقة لا تتعداه، والثاني - أعني

الوجوب - على ما إذا لم يكن لها مقدر وتأكل كفايتها كالإماء.

اه.

بتصرف.

(قوله: وعلى السيد فطرة إلخ) أي وتجب على السيد فطرة أمته المزوجة، لما مر أنه اجتمع فيها شيآن الزوجية والملك، وهو أقوى منها.

(وقوله: لمعسر) خرج به الموسر، ففطرتها عليه، لا على السيد، قولا واحدا.

وتقدم عن السبكي أنها لم تسقط عن السيد بل تحملها الزوج عنه.

(قوله: وعلى الحرة إلخ) أي وتجب الفطرة على الحرة الغنية المزوجة لعبد.

وما جرى عليه المؤلف من أنها تلزمها، ضعيف.

والمعتمد - الذي صرح به النووي في منهاجه - أنها لا تلزمها.

ونص عبارته: ولو أعسر الزوج - أو كان عبدا - فالأظهر أنه يلزم زوجته الحرة فطرتها، وكذا سيد الأمة.

(قلت): الأصح المنصوص، لا تلزم الحرة.

والله أعلم.

اه.

ثم رأيته في شرح الروض نبه على ما نبهت عليه، وعبارته: وما ذكره كأصله من إنها تلزم زوجته الحرة ذكره في موضوع من المجموع مثله، وذكر في آخر منه كالمنهاج أنها لا تلزمها وهو ما جرى عليه في الإرشاد وشرحه، وهو المعتمد.

ومشيت عليه في شرح البهجة، وإن كان قد يفرق بين المعسر والعبد: بأن الأول أهل للتحمل في الجملة، بخلاف الثاني: فوجبت فطرة زوجته عليها، دون فطرة زوجة الأول.

اه.

(قوله: لا عليه) أي لا تجب على العبد، وإن أوجبنا نفقتها في كسبه، لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه، فكيف يتحمل عن غيره؟ (وقوله: ولو غنيا) محل تأمل إذ مفاده أن العبد بملك ويوصف بالغنى، وليس كذلك.

نعم، على القديم يملك بتمليك سيده ملكا ضعيفا، فلعل المؤلف جرى عليه.

وفي المغنى ما نصه: وعلى القديم يملك بتمليك سيده ملكا ضعيفا، ومع ذلك لا زكاة عليه، ولا على سيده، على الأصح.

فإن قلنا يملك بتمليك غير سيده، فلا زكاة أيضا عليه، لضعف ملكه - كما مر - ولا على سيده لأنه ليس له.

اه.

(قوله: ولو غاب الزوج) أي ولم يترك لزوجته نفقة.

(قوله: فللزوجة اقتراض نفقتها) أي بإذن القاضي.

فإذا حضر طالبته بوفاء ما اقترضته لأنه دين عليه.

(قوله: للضرورة) أي لتضررها بترك النفقة بخلاف الفطرة.

(وقوله: لا فطرتها) أي لا يجوز اقتراض فطرتها.

(وقوله: لأنه المطالب) أي لأن الزوج هو المخاطب بإخراجها.

(وقوله: وكذا بعضه) أي ومثل الزوجة - في جواز الاقتراض للنفقة: لا للفطرة - بعضه: أي بعض الغائب أصله أو فرعه، فيجوز له أن يقترض عليه للنفقة، لا للفطرة.

(قوله: وتجب الفطرة الخ) دخول على المتن.

(قوله: على من مر) أي على الحر.

(وقوله: عمن ذكر) أي عن كل مسلم تلزمه نفقته.

(قوله: إن فضل) أي زاد.

والمراد حال الوجوب.

فوجود الفاضل بعده لا يوجبها إتفاقا.

لكن يندب أن يخرجها باقتراض أو نحوه وتقع واجبة، لأن ندب الإقدام لا ينافي الوقوع واجبا، كما يشهد له نظائره.

وعبارة المنهج وشرحه: ولا فطرة على معسر وقت الوجوب، وإن أيسر بعده، وهو من لم يفضل عن قوته وقوت ممونه يومه وليلته

إلخ.

اه.

والفرق بين ما هنا وبين الكفارة - حيث تستقر في ذمته إذا عجز عنها - أن اليسار هنا شرط للوجوب، وثم للأداء، وكأن حكمته أن هذه مواساة فخفف فيها، بخلاف تلك.

(قوله: عن قوت ممون) لو عبر بالمؤنة - كما عبر بها فيما بعد - لكان أولى، لشمولها الملبس والمسكن وغيرهما.

ويستغنى بها حينئذ عن قوله الآتي وعن ملبس الخ.

(وقوله: له) أي لمن، وهو الحر.

(قوله: تلزمه مؤنته) الجملة صفة لممون.

(وقوله: من نفسه) بيان لممون.

(وقوله: وغيره) أي من زوج، وقريب، ورقيق، وحيوان مملوك له.

(قوله: يوم عيد) متعلق بقوت، أي قوت في يوم عيد.

(وقوله: وليلته) المراد بها المتأخرة عن يومه - كما في النفقات - وإنما لم يعتبر زيادة على اليوم والليلة المذكورين لعدم ضبط ما وراءهما.

ص: 194

ومسكن، وخادم يحتاج إليهما هو أو ممونه.

(وعن دين) - على المعتمد، خلافا للمجموع - ولو مؤجلا، وإن

رضي صاحبه بالتأخير.

(ما يخرجه فيها) أي الفطرة.

(وهي) أي زكاة الفطر (صاع) وهو أربعة أمداد، والمد، رطل، وثلث - وقدره جماعة بحفنة بكفين معتدلين - عن كل واحد (من غالب قوت بلده) أي بلد المؤدى عنه.

ــ

(قوله: وعن ملبس الخ) معطوف على عن قوت، أي وإن فضل عن ملبس إلخ.

(وقوله: ومسكن) بفتح الكاف وكسرها.

(قوله: يحتاج إليهما) في شرح المنهج: يحتاجها - بضمير المؤنث العائد على الثلاثة - وهو الصواب.

فشرط في الملبس أن يكون هو أو ممونه محتاجا إليه، وكذلك المسكن والخادم.

والمراد أنه يحتاجها مطلقا، لا في خصوص اليوم والليلة - كالقوت - بدليل إنه قيد به فيه، وأطلق هنا.

ويشترط في الثلاثة المذكورة أن تكون لائقة به، فلو كانت نفيسة لا تليق به فيلزمه إبدالها بلائق - أن أمكن - وإخراج التفاوت.

(قوله: وعن دين على المعتمد) أي عند شيخ الإسلام وابن حجر.

والمعتمد عند الرملي والخطيب: أن الدين لا يمنع وجوب الفطرة.

وعبارة المغني: ولا يشترط كونه فاضلا عن دينه ولو لآدمي.

كما رجحه في المجموع، كالرافعي في الشرح الصغير، وجزم به ابن المقري في روضه: واقتضاه قول الشافعي رضي الله عنه والأصحاب - لو مات بعد أن هل شوال، فالفطرة في ماله مقدمة على الديون، وبأن الدين لا يمنع الزكاة، وبأنه لا يمنع نفقة الزوجة والقريب فلا يمنع إيجاب الفطرة، وما فرق به من أن زكاة المال متعلقة بعينه والنفقة ضرورية، بخلاف الفطرة فيهما لا يجدي، فالمعتمد ما تقرر، وإن رجح في الحاوي الصغير خلافه، وجزم به المصنف في نكته، ونقله عن الأصحاب.

اه.

(قوله: ولو مؤجلا) غاية في الدين الذي يشترط فضل ما يخرجه عنه.

(قوله: وإن رضي الخ) غاية ثانية له، وهي تناسب الدين الحال.

أي ولو رضي صاحب الدين الحال بالتأخير، أي تأخير قبضه - وكان عليه أن يعبر بدل إن - بلو - لأن تعبيره يوهم أنه غاية في الغاية، وليس كذلك.

(قوله: ما يخرجه فيها) فاعل فضل، ولا يخفى ما في عبارته من الإظهار في مقام الإضمار، ومن ظرفية الشئ في نفسه، وذلك لأن الفطرة في اصطلاحهم عين ما يخرجه، فيكون التقدير: وتجب الفطرة - أي القدر المخرج - إن فضل ما يخرجه وهذا موجب للركاكة.

فلو قال وتجب الفطرة إن فضلت إلخ، وحذف قوله ما يخرجه فيها، لكان أخصر وأولى.

(قوله: وهي الخ) المناسب وهو، بضمير المذكر العائد على ما يخرجه الذي هو أقرب مذكور.

(وقوله: صاع) أي نبوي.

ومعياره موجود، وهو قد حان بالكيل المصري، وينبغي أن يزيد شيئا يسير الاحتمال اشتماله على طين أو تبن أو نحو ذلك.

وقد ذكر القفال الشاشي في محاسن الشريعة معنى لطيفا في إيجاب الصاع، وهو أن الناس تمتنع غالبا من الكسب في العيد وثلاثة أيام بعده، ولا يجد الفقير من يستعمله فيها، لأنها أيام سرور وراحة عقب الصوم.

والذي يتحصل من الصاع عند جعله خبزا ثمانية أرطال من الخبر، فإنه خمسة أرطال وثلث - كما سيأتي - ويضاف إليه نحو الثلث من الماء، فيكفي المجموع الفقير في أربعة الأيام، كل يوم رطلان.

وفي هذه الحكمة نظر، لأن الصاع لا يختص به شخص واحد، بل يجب دفعه للأصناف الثمانية.

اللهم إلا أن يقال إنه نظر لقول من يجوز دفعها الواحد، ولأن ما ذكره - من كونه يضاف إليه نحو الثلث من الماء - لا يظهر في نحو التمر واللبن.

اللهم إلا أن يجاب بأن ذلك بالنظر للغالب.

(قوله: وهو) أي صاع.

(قوله: والمد رطل وثلث) أي بغدادي، وهو عند الرافعي: مائة وثلاثون درهما، وعند النووي: مائة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم.

والأصل في ذلك: الكيل.

وإنما قدر بالوزن استظهارا، وهذا فيما شأنه الكيل، ومنه اللبن.

أما ما لا يكال أصلا - كالأقط والجبن إذا كان قطعا كبارا - فمعياره الوزن لا غير - كما في الربا - (قوله: وقدره) أي المد.

(وقوله: بحفنه) بفتح الحاء، وسكون الفاء - قال في المصباح: وهي ملء الكفين والجمع حفنات.

مثل سجدة وسجدات.

اه.

(وقوله: بكفين الخ) متعلق بمحذوف صفة لحفنة - أي حفنة كائنة بكفي رجل معتدلين - فلا يعتبر صغرهما جدا، ولا كبرهما كذلك.

(قوله: عن كل واحد) متعلق بمحذوف صفة لصاع، أي صاع واجب عن كل واحد.

وذكر هذا - مع أن قوله المار عمن تلزمه نفقته يغني عنه - ليفيد تخصيص الصاع بواحد، ولا يجزئ عن أكثر من واحد.

(قوله: من غالب قوت بلده) متعلق بمحذوف صفة لصاع أيضا.

والمراد بالغالب: غالب قوت السنة، لا غالب قوت وقت الوجوب، فأهل الأرياف الذين يقتاتون الذرة في غالب

ص: 195

فلا تجزئ من غير غالب قوته، أو قوت مؤد، أو بلده، لتشوف النفوس لذلك.

ومن ثم وجب صرفها لفقراء بلده مؤدى عنه.

فإن لم يعرف - كأبق - ففيه آراء: منها: إخراجها حالا.

ومنها: أنها لا تجب إلا إذا عاد.

وفي قول: لا شئ.

ــ

السنة، والقمح ليلة العيد - مثلا - يجب عليهم الذرة.

وأهل مصر يجب عليهم القمح، فإن غلب في بعض البلد جنس، وفي بعضها جنس آخر، أجزأ أدناهما في ذلك الوقت.

(قوله: أي بلد المؤدى عنه) أي نفسه أو ممونه، ومحل اعتبار بلده: إن كان قوته مجزئا، فإن لم يكن مجزئا اعتبر أقرب المحال إليه، ويدفع زكاته لأهله، فإن كان بقربه محلان متساويان قربا، تخير بينهما.

(قوله: فلا تجزئ) أي الزكاة.

(قوله: من غير غالب قوته) أي بلد المودى عنه، وهذا

محترز قوله غالب.

وفي بعض النسخ: من غالب قوته - بحذف لفظ غير - وعليه، يكون محترز بلده، ويكون ضمير قوته عائدا على المؤدى عنه، وهذا هو الموافق لعبارة فتح الجواد، وشرح الروض.

ونص الأولى: فلا تجزئ من غالب قوته أو قوت مؤد أو بلده.

اه.

ونص الثانية مع الأصل فالواجب غالب قوت بلد المؤدى عنه لا غالب قوت المؤدى عنه، أو المؤدي، أو بلده، كثمن المبيع.

اه.

(قوله: أو قوت مؤد) معطوف على لفظ غير على النسخ التي بأيدينا وعلى قوته على ما في بعض النسخ، والمعنى على الأول: ولا تجزئ من قوت المؤدي - بكسر الدال -.

والمعنى على الثاني: ولا تجزئ من غالب قوت المؤدي - بكسرها أيضا -.

(وقوله: أو بلده) أي المؤدي، وهذا ما قبله محترز الضمير في قوت بلده العائد على المؤدى عنه.

(قوله: لتشوف النفوس) أي نفوس المستحقين، وهو علة لوجوب كون الصاع من غالب قوت بلد المؤدى عنه، وعدم إجزاء غيره، أي وإنما وجب ما ذكر ولم يجزئ غيره، لتشوف نفوس المستحقين - أي انتظارها، وتطلعها لذلك - أي غالب قوت ما ذكر، لا لغيره.

(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل تشوف النفوس لذلك.

(قوله: وجب صرفها لفقراء بلد مؤدى عنه) أي إذا اختلف بلد المؤدى عنه - بفتح الدال - وبلد المؤدي - بكسرها - بأن كان الرقيق أو الزوجة مثلا ببلد، والسيد أو الزوج ببلد آخر، صرفت من غالب قوت بلد الرقيق أو الزوجة على مستحقي بلديهما، لا بلد السيد أو الزوج، لتشوف نفوسهم لذلك.

قال ع ش: وهل يجب عليه التوكيل في زمن - بحيث يصل الخبر إلى الوكيل فيه قبل مجئ وقت الوجوب - أم لا؟ فيه نظر.

والأقرب: الثاني.

اه.

(قوله: فإن لم يعرف) أي المؤدى عنه: أي بلده.

وهذا مقابل لمحذوف قيد لقوله وجب صرفها إلخ، وهو أن عرف.

(قوله: كآبق) أي لم يعلم محله الذي هو فيه، أما إذا علم تعين قولا واحدا - كما تقدم -.

ودخل تحت الكاف: منقطع الخبر - الذي لم يدر محله - من قريب أو زوجة.

(قوله: ففيه آراء) أي ففي وجوب صرف فطرته أقوال.

(واعلم) أنه في المنهاج أجرى الآراء المذكورة فيمن انقطع خبره، وشارحنا أجراها فيمن لم يعرف محله.

والظاهر أنهما متلازمان، فلا خلف بين العبارتين، وذلك لأنه يلزم من عدم معرفة محله انقطاع خبره، وبالعكس.

(قوله: منها) أي من تلك الآراء، وهذا هو المعتمد.

(قوله: إخراجها حالا) أي ليلة العيد ويومه.

قال في التحفة: واستشكل وجوبها حالا بأنها تجب لفقراء بلد المؤدى عنه، وذلك متعذر.

وتردد الأسنوي وغيره بين استثنائها، أي من اعتبار فقراء بلد المؤدى عنه وإخراجها في آخر بلد عهد وصوله إليه، لأن الأصل بقاؤها فيها وإعطاؤها للقاضي، لأن له نقلها وتفرقتها، أي ما لم يفوض قبضها لغيره.

والذي يتجه في ذلك أنه يدفع البر للقاضي ليخرجه في أي محال ولايته شاء، وتعين البر لإجزائه هنا على كل تقدير، لما يأتي أنه يجزئ عن

غيره، وغيره لا يجزئ عنه، فإن تحقق خروجه - أي المؤدي عنه - عن محل ولاية القاضي فالإمام.

فإن تحقق خروجه عن محل ولايته أيضا بأن تعدد المتغلبون ولم ينفذ في كل قطر إلا أمر المتغلب فيه - فالذي يظهر أنه يتعين الاستثناء للضرورة حينئذ.

اه.

بتصرف.

(قوله: منها) أي الآراء.

(وقوله: لا تجب إلا إذا عاد) أي المؤدي عنه إلى بلد المؤدي - كزكاة المال الغائب - وأجاب صاحب الرأي الأول بأن التأخير إنما جوز هناك للنماء، وهو غير معتبر في زكاة الفطر.

(قوله: وفي قول إلخ) المناسب لما قبله أن يقول: ومنها أنه الخ.

(قوله: لا شئ) أي يجب مدة غيابه، لأن الأصل براءة الذمة.

نعم، يلزمه إذا عاد الإخراج لما مضى - كذا قبل - تفريعا على الثالث، وفيه نظر، لأنه يلزمه عليه اتحاده مع

ص: 196

(فرع) لا تجزئ قيمة ولا معيب ومسوس ومبلول - أي إلا إن جف وعاد لصلاحية الادخار والاقتيات -، ولا اعتبار لاقتياتهم المبلول إلا أن فقدوا غيره، فيجوز.

(وحرم تأخيرها عن يومه) أي العبد - بلا عذر، كغيبة مال أو مستحق.

ويجب القضاء - فورا - لعصيانه.

ويجوز تعجيلها من أول رمضان، ويسن أن لا تؤخر عن الصلاة العيد، بل يكره ذلك.

نعم، يسن تأخيرها

ــ

الثاني، إلا أن يقال ظاهر كلامهم - بل صريحه - أنها على الثاني وجبت.

وإنما جاز له التأخير إلى عوده رفقا به لاحتمال موته، فعليه - لو أخرجها عنه في غيبته أجزأه لو عاد، وأما على الثالث: فلا يخاطب بالوجوب أصلا، ما دام غائبا، فلا يجزئ الإخراج حينئذ.

فإن عاد خوطب بالوجوب الآن - للحال، ولما مضى - وحينئذ فالفرق بين القولين ظاهر.

اه.

تحفة.

(قوله: لا تجزئ قيمة) أي لصاع الفطرة بالاتفاق عندنا، فيتعين إخراج الصاع من الحب أو غيره من القوت الغالب.

(قوله: ولا معيب) أي ولا يجزئ إخراج صاع معيب - بنحو غش، أو سوس - أو قدم غير طعمه أو لونه أو ريحه، فيتعين إخراج صاع سليم من العيب.

(قوله: ومسوس) بكسر الواو المشددة، وهو معطوف على معيب، من عطف الخاص على العام.

وعبارة التحفة: ومعيب ومنه مسوس.

اه.

(قوله: ومبلول) أي ولا يجزئ حب مبلول بماء أو غيره.

(قوله: أي إلا إن جف) أي المبلول ولا حاجة لذكر أي التفسيرية (قوله: وعاد) أي بعد جفافه.

(وقوله: لصلاحية الادخار) الإضافة للبيان، أي صلاحية هي الادخار والاقتيات، فلو لم يعد لذلك لا يجزئ إخراجه.

(قوله: ولا اعتبار لاقتياتهم المبلول) مثله غيره من كل معيب.

(وقوله: إلا إن فقدوا غيره فيجوز) الذي في التحفة والنهاية والمغنى: أنه إذا لم يوجد في البلد قوت مجزئ، أخرج المجزئ من غالب قوت أقرب البلاد إليه.

وعبارة التحفة: والذي يوافق كلامهم أنه يلزمه إخراج السليم من غالب قوت أقرب المحال إليهم، وقد صرحوا بأن ما لا يجزئ لا فرق بين أن يقتاتوه، وأن لا، ولا نظر إلى ما هو من جنس ما يقتات وغيره كالمخيض، لأن قيام مانع الإجزاء به صيره كأنه من غير الجنس.

اه.

وكتب سم: قوله إخراج السليم: لو فقد السليم من الدنيا، فهل يخرج من الموجود، أو ينتظر وجود السليم، أو يخرج القيمة؟ فيه نظر.

والثاني قريب.

اه.

وقال ع ش: توقف فيه - أي في

كلام سم - شيخنا، وقال: الأقرب الثالث، أخذا مما تقدم فيما لو فقد الواجب من أسنان الزكاة من أنه يخرج القيمة، ولا يكلف الصعود عنه، ولا النزول مع الجيران.

اه.

(قوله: وحرم تأخيرها) أي الفطرة، أي إخراجها.

وذلك لأن القصد إغناء المستحقين في يوم العيد، لكونه يوم سرور.

(قوله: بلا عذر) فإن وجد لم يحرم التأخير.

قال ع ش: ليس من العذر هنا انتظار الأحوج.

(قوله: كغيبة مال الخ) تمثيل للعذر، وظاهر كلامه أنه لا فرق في غيبة ماله بين أن تكون لمرحلتين أو دونها.

وعبارة التحفة: (تنبيه) ظاهر قولهم هنا كغيبة مال: أن غيبته مطلقا لا تمنع وجوبها، وفيه نظر - كإفتاء بعضهم أنها تمنعه مطلقا، أخذا مما في المجموع أن زكاة الفطر إذا عجز عنها وقت الوجوب لا تثبت في الذمة.

والذي يتجه في ذلك تفصيل يجتمع به أطراف كلامهم، وهو أن الغيبة إن كانت لدون مرحلتين لزمته، لأنه حينئذ كالحاضر، لكن لا يلزمه الاقتراض، بل له التأخير إلى حضور المال.

وعلى هذا يحمل قولهم كغيبة مال أو لمرحلتين، فإن قلنا بما رجحه جمع متأخرون - أنه يمنع أخذ الزكاة، لأنه غني - كان كالقسم الأول، أو بما عليه الشيخان - أنه كالمعدوم فيأخذها - لم تلزمه الفطرة، لأنه وقت وجوبها فقير معدم، ولا نظر لقدرته على الاقتراض لمشقته - كما صرحوا به.

اه.

(قوله: أو مستحق) معطوف على مال، أي وكغيبة مستحق.

(قوله: ويجب القضاء فورا) أي فيما إذا أخرها بلا عذر.

(وقوله: لعصيانه) أي بتأخيرها.

قال في التحفة: ومنه يؤخذ أنه لو لم يعص به - لنحو نسيان - لا يلزمه الفور، - وهو ظاهر - كنظائره.

اه.

قال سم: نعم، إن انحصر المستحقون وطالبوه وجب الفور.

كما لو طولب الموسر بالدين الحال.

اه.

(قوله: ويجوز تعجيلها من أول رمضان) أي لأن السبب الأول - وهو جزء من رمضان - غير معين، فجاز تعجيلها من أوله.

(قوله: ويسن أن لا تؤخر) أي الفطرة - أي إخراجها - عن صلاة العيد، فالسنة إخراجها قبل صلاة العيد للاتباع.

وهذا جري على الغالب من فعل الصلاة أول النهار، فإن أخرت استحب الأداء أول النهار.

(قوله: بل يكره ذلك) أي تأخيرها عن صلاة

ص: 197

لانتظار نحو قريب أو جار ما لم تغرب الشمس.

ــ

العيد.

قال في التحفة: للخلاف القوي في الحرمة حينئذ.

وقد صرحوا بأن الخلاف في الوجوب يقتضي كراهة الترك، فهو في الحرمة يقتضي كراهة الفعل.

اهـ (قوله: نعم، يسن الخ) استدراك على كراهة التأخير.

(والحاصل) أن للفطرة خمسة أوقات: وقت جواز، ووقت وجوب، ووقت فضيلة، ووقت كراهة، ووقت حرمة.

فوقت الجواز أول الشهر.

ووقت الوجوب إذا غربت الشمس.

ووقت فضيلة قبل الخروج إلى الصلاة.

ووقت كراهة إذا أخرها عن صلاة العيد - إلا لعذر من انتظار قريب، أو أحوج - ووقت حرمة إذا أخرها عن يوم العيد - بلا عذر - (وقوله: لانتظار نحو قريب أو جار) دخل

تحت نحو الصديق، والصالح، والأحوج.

(قوله: ما لم تغرب الشمس) أي يسن تأخيرها مدة عدم إخراج وقتها، وهو بغروب الشمس.

فإن خرج وقتها أثم بذلك.

وفي سم ما نصه: عبارة الناشري لو أخر الأداء إلى قريب الغروب - بحيث يتضيق الوقت - فالقياس أنه يأثم بذلك.

لأنه لم يحصل الإغناء عن الطلب في ذلك اليوم، إلا أن يؤخرها لانتظار قريب أو جار، فقياس الزكاة أنه لا يأثم ما لم يخرج الوقت.

اه.

(تتمة) من وجد بعض الواجب عليه قدم نفسه، لخبر الشيخين: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول.

وخبر مسلم: إبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شئ فلأهلك، فإن فضل شئ فلذي قرابتك.

ثم زوجته - لأن نفقتها آكد - ثم ولده الصغير - لأنه أعجز ونفقته منصوصة مجمع عليها - ثم الأب وإن علا - لشرفه - ثم الأم كذلك - لولادتها - ثم الولد الكبير الفقير، ثم الأرقاء.

وفي ع ش ما نصه (فرع) خادم الزوجة - حيث وجبت فطرتها - يكون في أي مرتبة ينبغي أن يكون بعد الزوجة، وقبل سائر من عداها، حتى ولده الصغير وما بعده، لأنها وجبت بسبب الزوجية المقدمة على سائر من عداها.

اه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 198

فصل (في أداء الزكاة)(يجب أداءها) أي الزكاة، وإن كان عليه دين مستغرق حال لله أو لآدمي، فلا يمنع الدين وجوب الزكاة - في الاظهر - (فورا) ولو في مال صبي ومجنون، حاجة المستحقين إليها (بتمكن) من الاداء.

فإن أخر أثم، وضمن، إن تلف بعده.

نعم، إن أخر لانتظار قريب، أو جار، أو أحوج، أو أصلح، لم يأثم، لكنه يضمنه إن

ــ

فصل في أداء الزكاة أي في بيان حكم الأداء من كونه فوريا أو لا، والمراد بالأداء: دفع الزكاة لمستحقيها.

وبالزكاة: زكاة المال - كما قيد به في المنهج وغيره - لأن غالب ما يأتي في هذا الفصل من الأحكام يتعلق بها.

(قوله: يجب أداؤها) أي على من وجدت فيه الشروط السابقة.

(قوله: وإن كان الخ) غاية في الوجوب.

(وقوله: عليه) أي على من بيده نصاب، وهو مستكمل للشروط المارة.

فالضمير يعود على معلوم من السياق.

(وقوله: دين مستغرق) أي للنصاب الذي بيده.

(وقوله: حال) ومثله المؤجل بالأولى.

(وقوله: لله) متعلق بمحذوف صفة لدين، أي دين حال ثابت لله تعالى: ككفارة ونذر.

(وقوله: أو لآدمي) أي كالقرض.

(قوله: فلا يمنع الدين وجوب الزكاة) أي لإطلاق النصوص الموجبة لها، ولأن مالك النصاب نافذ التصرف فيه.

والفرق بين زكاة المال - حيث أن الدين لا يمنعها - وزكاة الفطر - حيث إن الدين يمنعها على المعتمد عند ابن حجر، وشيخ الإسلام كما مر - أن الأولى متعلقة بعين المال فلم يصح الدين مانعا لها لقوتها.

بخلاف الثانية، فإنها طهرة للبدن، والدين يقتضي حبسه بعد الموت.

ولا شك أن رعاية

المخلص عن الحبس مقدمة على رعاية المطهر.

(وقوله: في الأظهر) أي أظهر الأقوال: ثانيها يمنع مطلقا.

ثانيها يمنع في المال الباطن، وهو النقد والعرض، دون الظاهر، وهو المواشي والزروع والثمار.

(قوله: فورا) أي لأنه حق لزمه، وقدر على أدائه، ودلت القرينة على طلبه، وهي حاجة الأصناف.

نهاية.

(قوله: ولو في مال صبي ومجنون) غاية للفورية، لا لأصل الوجوب.

أي يجب إخراجها على الفور، ولو كانت في مال صبي ومجنون.

وبه يندفع ما يقال أن هذا مكرر مع قوله في أول الباب: تجب على كل مسلم ولو غير مكلف.

وحاصل الدفع أن ما هنا مأخوذ غاية للفورية، وما هناك مأخوذ غاية للوجوب.

والمخاطب بإخراجها الولي، فإن أخر أثم، ويلزم المولى إخراجها إذا كمل - كما نص عليه في التحفة - وعبارتها: ولو أخرها المعتقد للوجوب أثم، ولزم المولى - ولو حنفيا فيما يظهر - إخراجها إذا كمل.

اه.

(قوله: لحاجة المستحقين إليها) علة للفورية: أي إنما وجبت على الفور لاحتياج المستحقين إليها: أي فورا.

وكان الأولى زيادته، وإن كان معلوما.

وعبارة شرح المنهج: لأن حاجة المستحقين إليها ناجزة.

اه.

(قوله: يتمكن من الأداء) متعلق بيجب، وهو شرط في أدائها على الفور.

أي إنما يجب على الفور إذا تمكن منه، وذلك لأن التكليف بدون التمكن تكليف بما لا يطاق، أو بما يشق.

نعم، أداء زكاة الفطر موسع بليلة العيد ويومه - كما مر.

(قوله: فإن أخر) أي الأداء، وهو مفهوم قوله فورا.

(قوله: أثم) أي بتأخيره.

(قوله: وضمن) أي حق المستحقين، بأن يدفع ما كان يدفعه عند وجود المال.

(قوله: أن تلف) أي المال.

(قوله: بعده) أي التمكن، وهو متعلق بكل من أخر وتلف، أي أخر بعد

ص: 199

تلف، كمن أتلفه، أو قصر في دفع متلف عنه، كأن وضعه في غير حرزه بعد الحول، وقبل التمكن.

ويحصل التمكن (بحضور مال) غائب سائر أو قار بمحل عسر الوصول إليه، فإن لم يحضر لم يلزمه الاداء من محل

آخر، وإن جوزنا نقل الزكاة (و) حضور (مستحقيها) أي الزكاة، أو بعضهم، فهو متمكن بالنسبة لحصته، حتى لو تلفت ضمنها.

ومع فراغ من مهم ديني أو دنيوي - كأكل، وحمام - (وحلول دين) من نقد، أو عرض تجارة

ــ

التمكن، وتلف بعده.

واحترز به عما إذا أخر لكونه غير متمكن: فلا يأثم به، أو تلف المال وهو غير متمكن فلا يضمن حق المستحقين.

(قوله: نعم، الخ) استدراك من قوله أثم.

(قوله: لانتظار قريب) أي لا تلزمه نفقته.

(قوله: لم يأثم) محله ما لم يشتد ضرر الحاضرين، وإلا أثم بالتأخير، لأن دفع ضررهم فرض، فلا يجوز تركه لحيازة الفضيلة.

(قوله: لكنه لضمنه إن تلف) أي بآفة سماوية.

(قوله: كمن أتلفه) الكاف للتنظير، أي نظير من أتلف المال الذي وجبت فيه الزكاة، فإنه يضمن حق المستحقين، سواء كان المتلف له المالك أم غيره، لكنه يلزم غيره بدل قدر الزكاة.

(وقوله: أو قصر الخ) أي أو تلف بنفسه، لكنه قصر في دفع المتلف عنه فيضمن حق المستحقين أيضا.

وخرج بذلك ما إذا لم يقصر، فلا يضمن ذلك سواء كان التلف بعد الحول وقبل التمكن، أم قبله.

(وقوله: عنه) متعلق بدفع.

(قوله: كأن وضعه في غير حرزه) تمثيل لتقصيره في دفع المتلف.

(قوله: بعد الحول) متعلق بكل من أتلف ومن قصر.

(قوله:

ويحصل التمكن) أي من الأداء، وهو دخول على المتن.

(قوله: بحضور مال) متعلق بيحصل.

(قوله: سائر) صفة ثانية لمال.

وإسناد السير إليه على سبيل المجاز العقلي.

ومحل اشتراط حضوره ما لم يكن المال أو وكيله مسافرا معه، وإلا وجب الإخراج في الحال.

(قوله: أو قار بمحل) أي ثابت في محل، وهو ضد السائر.

(قوله: عسر الوصول إليه) أي إلى ماله القار، والجملة صفة لقار.

واحترز به عما إذا سهل الوصول إليه - بأن أمن الطريق - فإنه يجب عليه أداء زكاته إذا مضى زمن يمكن أن يحضره فيه، وإن لم يحضره بالفعل فالمدار على القدرة.

أفاده بجيرمي.

(قوله: فإن لم يحضر) أي المال الغائب.

(قوله: لم يلزمه) أي المالك.

(وقوله: الأداء من محل آخر) أي أداء الزكاة عن المال الغائب في موضع آخر غير موضع المال، وإنما لم يلزم أداء الزكاة عنه لاحتمال تلفه قبل وصوله إليه.

قال في المغنى: نعم، إن مضى بعد تمام الحول مدة يمكن المضي إلى الغائب فيها صار متمكنا - كما قاله السبكي - ويجب عليه الإعطاء.

اه.

(قوله: وإن جوزنا نقل الزكاة) غاية لعدم لزوم أداء الزكاة في محل آخر، أي لا يلزمه إذا لم يحضر ذلك، وإن جرينا على القول الضعيف بجواز نقل الزكاة.

(قوله: وحضور مستحقيها: أي الزكاة) أي مستحقي قبضها، وهم من تدفع له الزكاة من إمام أو ساع أو مستحقها، ولو في الأموال الباطنة لاستحالة الإعطاء من غير قابض، ولا يكفي حضور المستحقين وحدهم، حيث وجب الصرف إلى الإمام بأن طلبها من الأموال الظاهرة، فلا يحصل التمكن بذلك: نهاية.

بتصرف.

(قوله: أو بعضهم) معطوف على مستحقيها، أي أو حضور بعض المستحقين.

قال ع ش: ويكفي في التملك حضور ثلاثة من كل صنف وجد.

اه.

(قوله: فهو) أي من وجبت عليه الزكاة.

(وقوله: متمكن) أي من الأداء.

(وقوله: بالنسبة لحصته) أي البعض.

(قوله: ضمنها) أي حصة البعض الحاضر.

(قوله: ومع فراغ) معطوف على بحضور مال، والأولى: التعبير بالباء الجارة بدل مع، أي ويحصل التمكن بما ذكر، وبخلو المالك من مهم ديني - كصلاة - أو دنيوي - كأكل وحمام - ويعتبر ما ذكر كله بعد جفاف في الأثمار، وتنقية من نحو تبن في حب، وتراب في معدن.

(قوله: وحلول دين) معطوف على بحضور مال.

والواو بمعنى أو، أي ويحصل التمكن بحضور مال، أو بحلول دين له على آخر.

(قوله: من نقد أو عرض تجارة) بيان للدين الذي تتعلق به الزكاة.

وخرج به المعشرات والسائمة، فلا زكاة فيهما إذا كانتا دينا، وذلك لأن علة الزكاة في المعشرات: الزهو في ملكه، ولم يوجد.

وفي الماشية: السوم والنماء، ولا سوم ولا نماء فيما في الذمة، بخلاف النقد، فإن علة الزكاة فيه النقدية، وهي حاصلة مطلقا في المعينة وفيما في الذمة.

وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: والدين إن كان ماشية لا للتجارة - كأن أقرضه أربعين شاة، أو أسلم إليها فيها ومضى عليه حول قبل قبضه، أو

كان غير لازم كمال كتابة - فلا زكاة فيه، لأن السوم في الأولى شرط، وما في الذمة لا يتصف بالسوم، ولأنها إنما تجب في

ص: 200

(مع قدرة) على استيفائه، بأن كان على ملئ حاضر باذل، أو جاحد عليه بينة، أو يعلمه القاضي، أو قدر هو على خلاصه، فيجب إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه، لانه قادر على قبضه.

أما إذا تعذر استيفاؤه بإعسار، أو مطل، أو غيبة، أو جحود ولا بينة، فكمغصوب فلا يلزمه الاخراج إلا إن قبضه.

وتجب الزكاة في مغصوب وضال، لكن لا يجب دفعها إلا بعد تمكن بعوده إليه.

(ولو أصدقها نصاب نقد) وإن كان في الذمة، أو

ــ

مال نام، والماشية في الذمة لا تنمو، بخلاف الدراهم، فإن سبب وجوبها فيها كونها معدة للصرف، ولا فرق في ذلك بين النقد وما في الذمة.

ومثل الماشية: المعشر في الذمة، فلا زكاة فيه، لأن شرطها الزهو في ملكه، ولم يوجد، وأما دين الكتابة فلا زكاة فيه، إذ للعبد إسقاطه متى شاء بتعجيز نفسه.

اه.

بحذف.

(قوله: مع قدرة على استيفائه) متعلق بمحذوف صفة لحلول، أي ويحصل التمكن بحلول كائن مع قدرة على استيفاء الدين.

(قوله: بأن كان) أي الدين، وهو تصوير للقدرة على استيفاء الدين.

(قوله: على ملئ) أي موسر.

(قوله: حاضر) أي في البلد.

(قوله: باذل) أي للدين الذي عليه.

وفي التحفة زيادة مقر، وهو المناسب لذكر مقابله، هنا وهو جاحد، فكان الأولى زيادته، وإن كان البذل يستلزم الإقرار.

(قوله: أو جاحد) أي للدين.

(وقوله: عليه بينة) الجملة صفة لجاحد، أي جاحد موصوف بكونه عليه بينة، وهي شاهدان، أو شاهد ويمين.

(قوله: أو يعلمه القاضي) أي أو لم يكن عليه بينة، لكن القاضي يعلم بأن عليه دينا لفلان المدعي، أي وقلنا يقضي القاضي بعلمه، وإلا فلا فائدة في علمه.

(قوله: أو قدر هو على خلاصه) أي أو لم يكن هناك بينة ولم يعلمه القاضي، ولكن الدائن له قدرة على خلاص دينه، بأن يكون قويا أو يمكنه الظفر بأخذ دينه.

وعبارة التحفة: وقضية كلام جمع أن من القدرة ما لو تيسر له الظفر بقدره من غير ضرر، وهو متجه، وإن قيل إن المتبادر من كلامهما خلافه.

اه.

وقال سم.

هذا ظاهر إن تيسر الظفر بقدره من جنسه، أما لو لم يتسير للظفر إلا بغير جنسه، فلا يتجه الوجوب في الحال، إذ هو غير متمكن من حقه في الحال، لأنه لا يملك ما يأخذه ويمتنع عليه الانتفاع به والتصرف فيه بغير بيعه لتملك قدر حقه من ثمنه فلا يصل إلى حقه إلا بعد البيع.

اه.

(قوله: فيجب إخراج الزكاة في الحال) مفرع على التمكن بحلول الدين.

(قوله: وإن لم يقبضه) أي الدين.

وهو غاية لوجوب الإخراج في الحال، وهي للرد.

وعبارة المغني مع الأصل: وإن تيسر أخذه وجبت تزكيته في الحال، لأنه مقدور على قبضه - كالمودع - وكلامه يفهم أنه يخرج في الحال، وإن لم يقبضه، وهو المعتمد المنصوص في المختصر.

وقيل لا، حتى يقبضه فيزكيه لما مضى.

اه.

(قوله: لأنه) أي الدائن قادر على قبضه، أي الدين.

وهو تعليل لوجوب إخراج زكاته حالا، مع عدم قبضه من المدين.

(قوله: أما إذا تعذر استيفاؤه) أي الدين، وهو مفهوم قوله مع قدرة على استيفائه.

(وقوله: بإعسار) متعلق بتعذر، وهو محترز قوله ملئ.

(وقوله: أو مطل) محترز باذل.

(وقوله: أو غيبة) محترز حاضر.

(وقوله: أو جحود ولا بينة) أي ولم يعلمه

القاضي ولم يقدر الدائن على خلاصه، وهذا محترز قوله أو جاحد إلخ.

(قوله: فكمغصوب) جواب أما، أي فهو كمال مغصوب في حكمه.

(قوله: فلا يلزم الخ) تفريع على التشبيه.

(وقوله: الإخراج) أي للزكاة.

(وقوله: إلا إن قبضه) أي الدين.

(قوله: وتجب الزكاة الخ) لو قدم هذا في الباب المار وذكره بعد الأصناف التي تجب فيها الزكاة - كالمنهاج - لكان أنسب بقوله فكمغصوب، لأن هذا حوالة، وهي تكون على شئ متقدم.

(قوله: وضال) أي ضائع لم يهتد إليه.

قال في التحفة: ومنه - أي الضال -: الواقع في بحر، والمدفون المنسي محله.

اه.

وكالضال: المسروق، والمجحود.

(قوله: لكن لا يجب دفعها) أي الزكاة.

(وقوله: إلا بعد تمكن) أي من المال المغصوب أو الضال.

(وقوله: بعوده إليه) تصوير للتمكن، ومثل العود إذا كان له به بينة، أو يعلمه القاضي، أو يقدر هو على خلاصه - كما مر في تصوير التمكن من الدين -: وإذا تمكن بما ذكر يزكي للأحوال الماضية، بشرط أن لا ينقص النصاب بما يجب إخراجه، فإذا كان نصابا فقط، وليس عنده من جنسه ما يعوض قدر الواجب لم تجب زكاة ما زاد على الحول الأول.

وإذا كان المال ماشية اشترط أن تكون سائمة.

(قوله: ولو أصدقها) أي أصدق الزوج زوجته.

(وقوله: نصاب) نقد أي نصاب نقد الذهب أو الفضة.

(قوله: وإن كان في الذمة) أي وإن كان النصاب الذي أصدقها إياه ليس بمعين، بل في ذمة الزوج، فإنه يلزمها زكاته.

ص: 201

سائمة معينة (زكته) وجوبا، إذا تم حول من الاصداق، وإن لم تقبضه ولا وطئها.

لكن يشترط - إن كان النقد في الذمة - إمكان قبضه، بكونه موسرا حاضرا.

(تنبيه) الاظهر أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة.

وفي قول قديم - اختاره الريمي -: لانها تتعلق بالذمة، لا بالعين.

فعلى الاول أن المستحق للزكاة شريك بقدر الواجب، وذلك لانه لو امتنع من إخراجها أخذها الامام منه قهرا.

كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته.

ولم يفرقوا في الشركة بين

ــ

(قوله: أو سائمة معينة) معطوف على نقد.

أي أو أصدقها نصاب سائمة معينة، أي أو بعضه ووجدت خلطة معتبرة.

وخرج بالمعينة، التي في الذمة، فلا زكاة فيها، لأنه يشترط في السائمة قصد السوم، ولا سوم فيما في الذمة بخلاف صداق النقد: تجب فيه الزكاة، وإن كان في الذمة، لعدم السوم فيه.

قال في التحفة: نعم، المعشر كالسائمة، فإذا أصدقها شجرا أو زرعا معينا - فإن وقع الزهو في ملكها لزمتها زكاته.

اه.

(قوله: زكته) أي زكت النصاب من النقد، والسائمة المعينة.

(قوله: إذا تم حول من الإصداق) أي وقصد السوم في السائمة.

(قوله: وإن لم تقبضه ولا وطئها) غاية في وجوب الزكاة فورا.

أي تجب الزكاة عليها وإن لم تقبض الصداق ولا وطئها الزوج، لأنها تملكه ملكا تاما وإن كان لا يستقر إلا بالدخول أو القبض، ولو طلقها قبل الدخول بها وبعد الحول رجع في نصف الجميع شائعا إن أخذ الساعي الزكاة من غير المعين المصدق أو لم يأخذ شيئا.

وإن طلقها قبل الدخول قبل تمام الحول عاد إليه نصفها، ولزم كلا منهما نصف شاة عند تمام حوله إن دامت الخلطة، وإلا فلا زكاة على واحد منهما، لعدم تمام النصاب.

(قوله: الأظهر أن الزكاة تتعلق بالمال) أي الذي تجب الزكاة في عينه، فخرج مال التجارة، لأن الزكاة تتعلق بقيمته، لا بعينه،

فيجوز بيعه ورهنه - كما سيذكره -.

(قوله: تعلق شركة) عبارة الروض وشرحه: إذا حال الحول على غير مال التجارة تعلقت الزكاة بالعين، وصار الفقراء شركاءه - حتى في الإبل - بقيمة الشاة، لأن الواجب يتبع المال في الصفة، حتى يؤخذ من المراض مريضة، ومن الصحاح صحيحه - كما مر - ولأنه لو امتنع من الزكاة أخذها الإمام من العين - كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من القسمة.

وإنما جاز الأداء من مال آخر: لبناء الزكاة على الرفق.

اه.

وعبارة التحفة: وإنما جاز الإخراج من غيره - على خلاف قاعدة المشتركات - رفق بالمالك، وتوسعه عليه، لكونها وجبت مواساة، فعلى هذا: إن كان الواجب من غير الجنس - كشاة في خمس إبل - ملك المستحقون منها بقدر الشاة، وإن كان من الجنس - كشاة من أربعين - فهل الواجب شائع، أي ربع عشر كل شاة أم شاة منها مبهمة وجهان الأصح: الأول.

اه.

(قوله: إنها) أي الزكاة.

(قوله: تتعلق بالذمة) أي ذمة من وجبت في ماله الزكاة كالفطرة.

(وقوله: لا بالعين) أي عين المال الذي وجبت الزكاة فيه.

(قوله: فعلى الأولى) هو أنها تتعلق بالمال تعلق شركة، أي وعلى الثاني لا يكون المستحق شريكا في المال بقدر الواجب، وهو جزء من كل شاة في مسألة الشياة مثلا، فحذف المقابل للعلم به.

(قوله: ولم يفرقوا إلخ) يعني أن الشركة من حيث هي لم يفرقوا في صحتها بين أن تكون في الأعيان، أو في الديون.

وقد علمت أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة، فلا فرق حينئذ في ذلك المال المتعلقة به الزكاة بين أن يكون عينا، أو دينا.

ومراده بسياق هذه العبارة: بيان ما يترتب عليها من الفوائد، وهو ما ذكره بقوله: فلا يجوز لرب الدين الخ.

وعبارة شرح الروض: قال الأسنوي: ولم يفرقوا في الشركة بين العين والدين، فيلزم منه أمور، منها: أنه لا يجوز لرب الدين أن يدعي بملك جميعه، ولا الحلف عليه، ولا للشهود أن يشهدوا به، بل طريق الدعوى والشهادة أن يقال أنه باق في ذمته، وإنه يستحق قبضه، لأن له ولاية التفرقة في القدر الذي ملكه الفقراء.

قال غيره: ومنها أن يقول لزوجته بعد مضي حول - أو أحوال - إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق.

فتبرئه، فلا يقع الطلاق حينئذ، لأنه علق الطلاق على البراءة من جميع الصداق، ولم يحصل، لأن مقدار الزكاة لا يسقط بالبراءة، فطريقها أن تعطى الزكاة، ثم تبرئه.

اه.

وعبارة المغني: (فائدة) قال السبكي: إذا أوجبنا الزكاة في الدين، وقلنا تتعلق بالمال تعلق شركة، اقتضى أن يملك أرباب الأصناف ربع

ص: 202

العين والدين، فلا يجوز لربه أن يدعي ملك جميعه، بل إنه يستحق قبضه.

ولو قال: بعد حول إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق، فأبرأته منه لم تطلق، لانه لم يبرأ من جميعه، بل مما عدا قدر الزكاة، فطريقها أن يعطيها ثم تبرئه.

ويبطل البيع، والرهن في قدر الزكاة فقط، فإن فعل أحدهما بالنصاب، أو ببعضه بعد الحول صح لا في قدر الزكاة - كسائر الاموال المشتركة على الاظهر -.

نعم، يصح في قدرها في مال التجارة، لا الهبة في قدرها فيه.

(فرع) تقدم الزكاة ونحوها من تركة مديون ضاقت عن وفاء ما عليه من حقوقه الآدمي وحقوق الله

ــ

عشر الدين في ذمة المدين، وذلك يجز إلى أمور كثيرة واقع فيها كثير من الناس - كالدعوى بالصداق، والديون - لأن المدعي غير مالك للجميع، فكيف يدعي به؟ إلا إن له القبض لأجل أداء الزكاة فيحتاج إلى الاحتراز عن ذلك في

الدعوى، وإذا حلف على عدم المسقط: ينبغي أن يحلف أن ذلك باق في ذمته إلى حين لم يسقط، وإنه يستحق قبضه حين حلفه، ولا يقول إنه باق له.

اه.

ومن ذلك أيضا: ما لو علق الطلاق على الإبراء من صداقها، وقد مضى على ذلك أحوال، فأبرأته منه، فإنه لا يقع الطلاق، لأنها لا تملك الإبراء من جميعه.

وهي مسألة حسنة؟ فتفطن لها فإنها كثيرة الوقوع.

اه.

(قوله: ولو قال) أي الرجل لزوجته.

(وقوله: إن أبرأتني من صداقك) أي الذي وجبت فيه الزكاة.

(قوله: لم تطلق) أي لعدم وجود الصفة المعلق عليها، وهي البراءة من جميعه، لتعلق الزكاة فيه.

(قوله: فطريقها) أي طريق البراءة لصحيحة المقتضية لصحة وقوع الطلاق المعلق عليها، أي الحيلة في ذلك.

(وقوله: أن يعطيها) أي يعطي زوجته قدر الزكاة مما في ذمته من الصداق لتعطيه المستحقين، أي أو توكله في الإعطاء منه لهم.

وفي بعض نسخ الخط: إن تعطيها - بالتاء الفوقية - فيكون الضمير المستتر للزوجة، والبارز للزكاة.

(قوله: ويبطل البيع إلخ) هذا مرتب على كون الزكاة متعلقة بالمال تعلق شركة.

وعبارة المنهاج مع التحفة: فلو باعه - أي الجميع الذي تعلقت به قبل إخراجها - فالأظهر - بناء على الأصح - أن تعلقها تعلق شركة بطلانه في قدرها - لأن بيع ملك الغير من غير مسوغ له باطل، فيرده المشتري على البائع وصحته في الباقي، فيتخير المشتري إن جهل، بناء على قولي تفريق الصفقة.

اه.

بحذف.

(قوله: فإن فعل أحدهما) أي البيع أو الرهن.

(وقوله: صح) أي ما فعله من البيع أو الرهن.

(وقوله: لا في قدر الزكاة) أي لا يصح قدر الزكاة، وهذا مبني على جواز تفريق الصفقة - كما علمت.

(قوله: كسائر الأموال المشتركة) أي فإنه يبطل البيع والرهن في حصة الشريك ويصحان في قدر حصته فقط، بناء على جواز تفريق الصفقة أيضا.

(قوله: على الأظهر) متعلق بقوله صح.

لا في قدر الزكاة، ومقابله: لا يصح مطلقا، وهو مبني على عدم جواز تفريق الصفقة، أو يصح مطلقا.

وعبارة المنهاج: فلو باعه قبل إخراجها، فالأظهر بطلانه في قدرها وصحته في الباقي.

قال في المغنى: والثاني بطلانه في الجميع، والثالث صحته في الجميع، والأولان قولا تفريق الصفقة.

اه.

(قوله: نعم، يصح) أي ما ذكر من البيع والرهن في قدرها - أي الزكاة - أي كما يصح في بقية مال التجارة، وذلك لأن متعلقها القيمة دون العين، وهي لا تفوت بالبيع.

(قوله: لا الهبة) أي لا تصح الهبة في قدر الزكاة في مال التجارة، فالهبة كبيع ما وجبت الزكاة في عينه.

قال ع ش: ومثل الهبة: كل مزيل للملك بلا عوض - كالعتق ونحوه -، ولكن ينبغي سراية العتق للباقي، كما لو أعتق جزءا له من مشترك، فإنه يسري إلى حصة شريكه.

اه.

(قوله: تقدم الزكاة الخ) يعني إذا اجتمع في تركة حق الله - كزكاة، وحج، وكفارة، ونذر، - وحق آدمي - كدين - قدم حق الله على حق الآدمي، للخبر الصحيح: فدين الله أحق

بالقضاء.

ولأنها - ما عدا الحج - تصرف للآدمي، ففيها حق آدمي مع حق الله تعالى.

وقيل: يقدم حق الآدمي، لأنه مبني على المضايقة.

وقيل يستويان، فيوزع المال عليهما.

(قوله: ونحوها) أي كحج، وكفارة، ونذر.

(قوله: من تركة مديون) متعلق بتقدم، أي تقدم الزكاة ونحوها، أي استيفاؤهما من تركة مديون على غيرهما من حقوق الآدمي.

(قوله: ضاقت عن وفاء ما عليه) أي ضاقت التركة ولم تف بجيمع ما على الميت.

(قوله: حقوق الآدمي وحقوق الله) بيان لما.

ص: 203

- كالكفارة، والحج والنذر والزكاة -.

كما إذا اجتمعتا على حي لم يحجر عليه.

ولو اجمتعت فيها حقوق الله

فقط قدمت الزكاة إن تعلقت بالعين، بأن بقي النصاب، وإلا بأن تلف بعد الوجوب والتمكن استوت مع غيرها، فيوزع عليها.

(وشرط له) أي أداء الزكاة، شرطان.

أحدهما: (نية) بقلب، لا نطق (كهذا زكاة) مالي.

ولو بدون

ــ

(قوله: كالكفارة إلخ) تمثيل لحقوق الله تعالى.

(قوله: كما إذا الخ) الكاف للتنظير، أي وذلك نظير ما إذا اجتمعتا - أي حقوق الله وحقوق الآدمي - على حي لم يحجر عليه، فإن الزكاة ونحوها تقدم في ماله الذي ضاق عنهما.

وخرج بقوله لم يحجر عليه: ما إذا حجر عليه، فإنه يقدم حق الآدمي جزما.

وعبارة التحفة: وخرج بتركة: اجتماع ذلك على حي ضاق ماله، فإن لم يحجر عليه قدمت الزكاة جزما، وإلا قدم حق الآدمي جزما، ما لم تتعلق هي بالعين، فتقدم مطلقا.

اه.

(قوله: ولو اجتمعت فيها) أي في التركة.

(قوله: حقوق الله فقط) أي كزكاة، وكفارة.

(قوله: وإن تعلقت) أي الزكاة.

(وقوله: بالعين) أي بعين المال.

والمراد بها ما قابل الذمة بدليل تصويره فدخل زكاة مال التجارة فإنها - وإن تعلقت بالقيمة - لكن ليست في الذمة.

(وقوله: بأن بقي النصاب) تصوير لتعلقها بالعين.

(قوله: وإلا) أي وإن لم تتعلق بالعين، بل بالذمة.

(وقوله: بأن تلف) أي النصاب.

وهو تصوير لعدم تعلقها بالعين.

ومعنى استوائهما: أنه لا يقدم أحدهما على الآخر.

(قوله: بعد الوجوب) أي وجوب الزكاة في النصاب بأن حال عليه الحول وهو موجود.

(وقوله: والتمكن) أي وبعد التمكن، أي من أداء الزكاة، وهو يكون بما سبق ذكره.

وذكر الوجوب لا يغني عن ذكر التمكن، لأن وجوب الزكاة بتمام الحول، وإن لم يتمكن من الأداء.

(قوله: استوت) أي الزكاة.

(وقوله: مع غيرها) أي من حقوق الله، كالكفارة، والحج، والنذر.

(قوله: فيوزع) أي التركة.

وذكر الضمير على تأويلها بالمال.

(وقوله: عليها) أي على الحقوق المتعلقة بالله المجتمعة.

وفي نسخة فتوزع - بالتاء الفوقية - عليهما - بضمير التثنية - فيكون عائدا على الزكاة على غيرها.

والمراد بتوزيعها عليهما: تقسيمها بينهما بالقسط، فيدفع ما خص الزكاة لها، وما خص الحج له.

قال في النهاية وهذا عند الإمكان اه.

قال ع ش: أما إذا لم يكن التوزيع، كأن كان ما يخص الحج قليلا بحيث لا يفي به، فإنه يصرف للممكن منهما.

اه.

وقال في البجيرمي: وحاصل ذلك أن قوله فيستويان: أي في التعلق، أي لا يقدم أحدهما على الآخر، وبعد ذلك يوزع المال الموجود على قدرهما بالنسبة.

فإذا كان قدر الزكاة خمسة، والحج أجرته عشرة،

فالمجموع خمسة عشر، فالزكاة ثلث فيخصها الثلث، والحج الثلثان.

وبعد ذلك لا شئ يجب في الزكاة سوى ذلك.

وأما الحج: فإن كان الذي خصه يفي بأجرته فظاهر، وإن كان لا يفي فيحفظ إلى أن يحصل ما يكمله ويحج به، ولا يملكه الوارث.

هكذا قرر بعضهم.

اه.

(قوله: وشرط له الخ) أي زيادة على الشروط المارة في وجوب الزكاة.

(وقوله: أي أداء الزكاة) تفسير لضمير له، أي شرط لأداء الزكاة، أي لدفع المال عن الزكاة.

والمراد: لإجزاء ذلك، ووقوعه الموقع.

(قوله: شرطان) يفيد أن النية شرط، مع أنها ركن في الزكاة.

وعبارة شرح الروض: وهي ركن - على قياس ما في الصلاة وغيرها - فقوله تشترط نية أي تجب.

اه.

(قوله: أحدهما نية) أي ما لم يمت المالك بعد الحول ويرثه المستحقون، فإنهم يأخذون بقدر الزكاة مما تركه المورث باسم الزكاة، وما بقى باسم الإرث، وسقطت النية.

اه.

م ر.

سم.

ولو شك في نية الزكاة بعد دفعها - هل يضر أو لا؟ والذي يظهر: الثاني.

ولا يشكل بالصلاة، لأنها عبادة بدنية، بخلاف هذه.

وأيضا هذه توسع في نيتها، لجواز تقديمها وتفويضها إلى غير المزكي ونحو ذلك.

فليتأمل.

شوبري.

اه.

بجيرمي.

(قوله: لا نطق) يحتمل أنه مجرور ومعطوف على قلب، وأنه مرفوع معطوف على نية، لكن مع تقدير متعلق له، والتقدير على الأول: لا نية بنطق.

وعلى الثاني: ولا يشترط نطق بالنية، وهذا الثاني هو الملائم للمعنى، بخلاف الأول فإنه لا معنى له، وذلك لأن النية هي القصد، وهو لا يكون بالنطق، بل بالقلب.

وعبارة غيره: ولا يشترط النطق بالنية، ولا يجزئ النطق وحده - كما في غير الزكاة.

اه.

(قوله: كهذا زكاة مالي) تمثيل للنية.

ومثله هذا زكاتي - من غير أن يزيد مالي - أو هذا زكاة - من غير إضافة أصلا - والإضافة ليست شرطا، وإن كان صنيعه حيث زاد لفظ

ص: 204

فرض، إذ لا تكون إلا فرضا (أو صدقة مفروضة).

أو هذا زكاة مالي المفروضة.

ولا يكفي: هذا فرض مالي، لصدقه بالكفارة والنذر.

ولا يجب تعيين المال المخرج عنه في النية.

ولو عين لم يقع عن غيره، وإن بان المعين تالفا، لانه لم ينو ذلك الغير.

ومن ثم لو نوى إن كان تالفا فعن غيره فبان تالفا وقع عن غيره.

بخلاف ما لو قال: هذه زكاة مالي الغائب إن كان باقيا، أو صدقة، لعدم الجزم بقصد الفرض.

وإذا قال فإن كان تالفا

ــ

مالي.

وغير المتن بحذف التنوين يفيد الاشتراط.

(قوله: ولو بدون فرض) أي تكفي هذه النية، ولو من غير زيادة فرض فيها.

(قوله: إذ لا تكون إلخ) تعليل للاكتفاء بهذه النية من غير ذكر الفرض.

أي وإنما اكتفى بها، ولم يحتج إلى قصد الفرضية كالصلاة، لأن الزكاة لا تقع إلا فرضا، بخلاف الصلاة، فإنها لما كانت تقع فرضا وغيره احتاجت إلى ذلك للتمييز.

نعم، الأفضل ذكر الفرضية.

معها (قوله: أو صدقة مفروضة) مثله فرض الصدقة، إذ لا وجه للفرق بينهما، خلافا لابن المقري.

واحتجاجه بشموله لصدقة الفطر يرده أن ذلك لا يضر، بدليل إجزاء الصدقة المفروضة.

وهذه زكاة مع وجود ذلك الشمول.

اه.

سم.

(قوله: ولا يكفي هذا فرض مالي) مثله في عدم الإكتفاء: هذا صدقة مالي.

(قوله: لصدقة إلخ) أي شمول هذا فرض مالي للكفارة والنذر.

قال في التحفة: قيل هذا ظاهر إن كان عليه شئ من ذلك غير

الزكاة.

ويرد بأن القرائن الخارجية لا تخصص النية، فلا عبرة بكون ذلك عليه أو لا، نظرا لصدق منويه بالمراد وغيره.

اه.

(قوله: ولا يجب تعيين المال الخ) يعني لا يجب تعيين المال المزكى في النية، بأن يقول فيها: هذا زكاة غنمي، أو إبلي، أو بقري، لأن الغرض لا يختلف به كالكفارات، فإنه لا يجب تعيينها بأن يقيد بظهار أو غيره.

فلو أعتق من عليه كفارتان لقتل وظهار مثلا رقبتين بنية كفارة ولم يعين، أجزأ عنهما، أو رقبة كذلك أجزأت عن إحداهما مبهمة، وله صرفه إلى إحداهما، ويتعين ما صرفه إليه، فلا يمكن من صرفها بعد ذلك للأخرى، ولو تعدد عنده المال المتعلقة به الزكاة.

فكذلك لا يجب عليه أن يعين في النية المال الذي يريد أن يخرج عنه، وذلك كأن كان عنده خمس إبل وأربعون شاة فأخرج شاة ناويا الزكاة ولم يعين أجزأ، وإن ردد فقال: هذه أو تلك فلو تلف أحدهما أو بان تلفه جعلها عن الباقي.

وكأن كان عنده من الدراهم نصاب حاضر، ونصاب غائب.

فأخرج خمسة دراهم بنية الزكاة مطلقا، ثم بان تلف الغائب، فله جعل المخرج عن الحاضر.

(قوله: ولو عين الخ) الأولى التفريع، لأن المقام يقتضيه، يعني لو عين في نيته المال المخرج عنه، كأن عين في المثال الأول الشاة عن الخمس الإبل، وفي المثال الثاني الخمسة الدراهم عن الغائب، لم يقع ما أخرجه من زكاة المعين عن غيره، أي غير ما عينه في النية.

(قوله: وإن بان المعين تالفا) غاية لعدم وقوعه عن غيره.

قال في الروض: فإن بان - أي ماله الغائب - تالفا لم يقع، أي المؤدى عن غيره ولم يسترد، إلا إن شرط الاسترداد.

قال في شرحه: كأن قال هذه زكاة مالي الغائب، فإن بان تالفا استرددته.

اه.

(قوله: لأنه لم ينو ذلك الغير) أي غير ما عينه في نيته، وهو علة لعدم وقوعه عنه.

(قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن سبب عدم وقوعه عن الغير فيما مر كونه لم ينوه، ولو نوى أن هذا زكاة مالي الغائب مثلا، وإن كان تالفا فهو زكاة عن غيره، فبان تالفا فإنه يقع عن ذلك الغير، لأنه نواه.

وعبارة الروض مع شرحه: وإذا قال هذه زكاة عن المال الغائب، فإن كان تالفا فعن الحاضر، فبان تالفا، أجزأته عن الحاضر، كما تجزئه عن الغائب لو بقي.

ولا يضر التردد في عين المال بعد الجزم بكونه زكاة ماله.

ويخالف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت إن دخل الوقت، وإلا فعن الغائب - حيث لا تجزئه - لاعتبار التعيين في العبادات البدنية، إذ الأمر فيها أضيق، ولهذا لا يجوز فيها النيابة.

اه.

(قوله: بخلاف ما لو قال الخ) عبارة الروض وشرحه: بخلاف ما لو قال هذه زكاة مالي الغائب، فإن كان تالفا فعن الحاضر، أو صدقة.

فبان تالفا، لا يجزئ عن الحاضر.

كما لا يجزئ عن الغائب هذه زكاة مالي الغائب إن كان باقيا أو صدقة، لأنه لم يجزم بقصد الفرض.

وإن قال هذه زكاة مالي الغائب، فإن كان تالفا فصدقة، فبان تالفا وقع صدقة، أو

باقيا وقع زكاة.

ولو قال: هذه زكاة عن الحاضر أو الغائب، أجزأه عن واحد منهما، وعليه الإخراج عن الآخر.

ولا يضر التردد في عين المال - كما مر نظيره.

والمراد بالغائب هنا: الغائب عن مجلس المالك في البلد، أو الغائب عنها في بلد

ص: 205

فصدقة.

فبان تالفا، وقع صدقة، أو باقيا، وقع زكاة.

ولو كان عليه زكاة وشك في إخراجها، فأخرج شيئا ونوى: إن كان علي شئ من الزكاة فهذا عنه، وإلا فتطوع.

فإن بان عليه زكاة أجزأه عنها، وإلا وقع له تطوعا - كما أفتى به شيخنا -.

ولا يجزئ عن الزكاة قطعا، إعطاء المال للمستحقين بلا نية.

(لا مقارنتها) أي النية (للدفع) فلا يشترط ذلك، (بل تكفي) النية قبل الاداء إن وجدت (عند عزل) قدر الزكاة عن المال (أو إعطاء وكيل) أو إمام، والافضل لهما أن ينويا أيضا عند التفرقة، (أو) وجدت (بعد أحدهما) أي بعد عزل قدر الزكاة أو التوكيل

ــ

آخر.

وجوزنا النقل للزكاة، كأن يكون ماله ببلد لا مستحق فيه، وبلد المالك أقرب البلاد إليه.

اه.

بتصرف.

(قوله: أو صدقة) معطوف على زكاة مالي.

(وقوله، لعدم الجزم إلخ) أي لكونه مترددا بين جعلها عن الفرض وجعلها صدقة.

(قوله: وإذا قال: فإن كان تالفا الخ) أي قال هذا بعد قوله المار: هذا زكاة مالي الغائب إن كان باقيا.

(قوله: فبان) أي ذلك المال الذي نوى جعل الزكاة عنه.

(وقوله: أو باقيا) أي أو بان باقيا.

(وقوله: وقع) أي ما أخرجه عنه زكاة له.

(قوله: ولو كان عليه زكاة وشك إلى قوله كما أفتى به شيخنا) الذي ارتضاه في التحفة في نظير هذه المسألة خلافه، وهو أنه إن لم يبن له شئ وقع عما في ذمته، وإن بان لا يقع، كوضوء الاحتياط.

ونصها: ولو أدى عن مال مورثه بفرض موته وارثه له ووجوب الزكاة فيه، فبان كذلك، لم يجزئه، للتردد في النية، مع أن الأصل عدم الوجوب عند الإخراج وأخذ منه بعضهم أن من شك في زكاة في ذمته، فأخرج عنها إن كانت، وإلا فمعجل عن زكاة تجارته مثلا، لم يجزئه عما في ذمته، بان له الحال أو لا، ولا عن تجارته لتردده في النية، وله الاسترداد إن علم القابض الحال، وإلا فلا - كما يعلم مما يأتي - وقضية ما مر في وضوء الاحتياط: أن من شك أن في ذمته زكاة فأخرجها أجزأته، إن لم يبن الحال عما في ذمته للضرورة، وبه يرد قوله ذلك البعض: بان الحال أو لا.

اه.

(قوله: ولا يجزئ إلخ) هذا محترز قوله: أحدهما نية، والمراد أنه لو دفع الزكاة للمستحقين بلا نية لا تقع الموقع، أي وعليه الضمان للمستحقين.

وعبارة الروض وشرحه: ومن تصدق بماله - ولو بعد تمام الحول، ولم ينو الزكاة - لم تسقط زكاته، كما لو وهبه أو أتلفه، وكما لو كان عليه صلاة فرض فصلى مائة صلاة نافلة، فإنه لا تجزئ عن فرضه.

اه.

(قوله: لا مقارنتها) معطوف على نية.

(قوله: للدفع) أي للمستحقين.

(قوله: فلا يشترط ذلك) أي ما ذكر من مقارنتها له.

والأنسب والأخصر أن يقول: فلا تشترط بحذف اسم الإشارة، وبتأنيث الفعل.

(قوله: بل تكفي النية) أي نية الزكاة.

(وقوله: قبل الأداء) أي الدفع للمستحقين، وتعبيره أولا بالدفع، وثانيا بالأداء، للتفنن.

(قوله: وإن وجدت) أي النية، وهو قيد في الاكتفاء بها قبل الأداء.

(وقوله: عند عزل قدر الزكاة عن المال) أي تمييزه عنه، وفصله منه.

(قوله: أو إعطاء وكيل) أي أو عند إعطاء وكيل عنه في تفرقة الزكاة على المستحقين.

ولا يشترط نية الوكيل عند الصرف للمستحقين، لوجود النية من المخاطب بالزكاة مقارنة لفعله، إذ المال

له، وبه فارق نية الحج من النائب، لأنه المباشر للعبادة.

(قوله: أو إمام) معطوف على وكيل، أي وتكفي النية عند إعطاء إمام الزكاة، لأن الإمام نائب المستحقين، فالدفع إليه كالدفع إليهم، ولهذا أجزأت وإن تلفت عنده، بخلاف الوكيل.

قال في التحفة مع الأصل: والأصح أن نيته - أي السلطان - تكفي عن نية الممتنع باطنا، لأنه لما قهر قام غيره مقامه في التفرقة، فكذا في وجوب النية.

ثم قال: أفتى شارح الإرشاد الكمال الرداد فيمن يعطي الإمام أو نائبه المكس بنية الزكاة، فقال: لا يجزئ ذلك أبدا ولا يبرأ عن الزكاة بل هي واجبة بحالها، لأن الإمام إنما يأخذ ذلك منهم في مقابلة قيامه بسد الثغور، وقمع القطاع والمتلصصين عنهم وعن أموالهم.

وقد أوقع جمع ممن ينسب إلى الفقهاء - وهم باسم الجهل أحق - أهل الزكاة، ورخصوا لهم في ذلك فضلوا وأضلوا.

اه.

وقد تقدم كلام عن الفتاوي أبسط من هذا، فارجع إليه إن شئت.

(قوله: والأفضل لهما) أي للوكيل والإمام.

(قوله: أن ينويا) أي الزكاة، خروجا من الخلاف.

(وقوله: أيضا) أي كما ينوي الموكل أو الدافع للإمام.

(وقوله: عند التفرقة) أي تفرقة الزكاة للمستحقين، والظرف متعلق بينويا.

(قوله: أو وجدت إلخ) أي وتكفي النية إن وجدت بعد أحدهما، فهو معطوف على وجدت، بقطع النظر عن قوله قبل الأداء، وإلا

ص: 206

(وقبل التفرقة) لعسر اقترانها بأداء كل مستحق.

ولو قال لغيره: تصدق بهذا.

ثم نوى الزكاة قبل تصدقه بذلك، أجزأه عن الزكاة.

ولو قال لآخر: اقبض ديني من فلان، وهو لك زكاة، لم يكف، حتى ينوي هو بعد قبضه، ثم يأذن له في أخذها وأفتى بعضهم أن التوكيل المطلق في إخراجها يستلزم التوكيل في نيتها.

قال شيخنا: وفيه نظر، بل المتجه أنه لا بد من نية المالك، أو تفويضها للوكيل.

وقال المتولي وغيره: يتعين نية الوكيل إذا وقع

ــ

لزم التكرار الموجب للركاكة، إذ الأداء هو التفرقة، فيصير التقدير عليه، بل تكفي النية قبل الأداء إن وجدت بعد أحدهما، وقبل الأداء.

(قوله: أي بعد عزل إلخ) تفسير للأحد.

(قوله: أو التوكيل) أي أو بعد التوكيل، وسكت عن وجودها بعد إعطائها للإمام مراعاة للمتن.

ولو قال: أو إعطاء وكيل أو إمام لوفى بجميع ما ذكره متنا وشرحا.

قال في متن المنهاج: ولو دفع إلى السلطان كفت النية عنده.

فإن لم ينو لم يجز.

وقال سم: محله ما لم ينو بعد الدفع إليه وقبل صرفه، وإلا أجزأ.

اه.

(قوله: وقبل التفرقة) معطوف على بعد أحدهما، أي أو وجدت بعده.

وقبل التفرقة، أي تفرقة الزكاة وأدائها للمستحقين.

(قوله: لعسر اقترانها) أي النية، وهو علة لعدم اشتراط مقارنتها للدفع.

(قوله: ولو قال لغيره الخ) الأولى التفريع، لأنه مرتب على عدم وجوب المقارنة للدفع، والاكتفاء بوجودها بعد الدفع للوكيل وقبل التفرقة.

(قوله: ثم نوى) أي المالك.

(قوله: قبل تصدقه) أي الوكيل.

(وقوله: بذلك) أي بالمال الذي دفعه للوكيل للصدقة.

(قوله: أجزأه عن الزكاة) أي لما مر أن العبرة بنية الموكل، وأنها تجزئ بعد الدفع للوكيل وقبل التفرقة.

(قوله: ولو قال لآخر الخ) هذه المسألة لا يظهر لها ارتباط هنا، وساقها في التحفة مؤيدا بها كلاما ذكره قبلها، ونصها: ولو أفرز قدرها بنيتها لم يتعين لها إلا بقبض المستحق لها بإذن المالك، سواء زكاة المال والبدن.

وإنما تعينت الشاة المعينة للتضحية،

لأنه لا حق للفقراء ثم في غيرها، وهنا حق المستحقين شائع في المال، لأنهم شركاء بقدرها، فلم ينقطع حقهم إلا بقبض معتبر.

وبه يرد جزم بعضهم بأنه لو أفرز قدرها بنيتها كفى أخذ المستحق لها من غير أن يدفعها إليه المالك.

ومما يرده أيضا قولهم لو قال لآخر: اقبض ديني من فلان وهو لك زكاة، لم يكف، حتى ينوي هو بعد قبضه، ثم يأذن له في أخذها.

فقولهم: ثم إلخ: صريح في أنه لا يكفي استبداده بقبضها، ويوجه بأن للمالك بعد النية والعزل أن يعطي من شاء ويحرم من شاء، وتجويز استبداد المستحق يقطع هذه الولاية فامتنع.

اه.

وخالفه م ر: فقال: ولو نوى الزكاة مع الإفراز فأخذها صبي أو كافر ودفعها لمستحقها، أو أخذها المستحق ثم علم المالك، أجزأه.

اه.

(قوله: لم يكف) أي لم يجز عن الزكاة، وذلك لامتناع اتحاد القابض والمقبض على المعتمد.

(وقوله: حتى ينوي إلخ) أي فإنها تكفي لعدم اتحاد ذلك، لأنه وكله أولا في القبض عنه فقط، ثم بعده صار وديعة في يد الوكيل، ثم أذن له في أخذها زكاة عنه.

(وقوله: هو) أي الدائن.

(وقوله: بعد قبضه) أي الدين من المدين، فالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله.

ويصح أن تكون من إضافة المصدر لفاعله، والمفعول محذوف، أي بعد قبض الآخر الدين من المدين.

(وقوله: ثم يأذن) أي ثم بعد نيته الكائنة بعد القبض يأذن لذلك الآخر.

(وقوله: في أخذها) أي الزكاة.

والإضافة لأدنى ملابسة، أي في أخذ ما استلمه من الدين على أنه زكاة عنه.

(قوله: وأفتى بعضهم إلخ) هذا مرتبط بما يفهم من قوله بل تكفي عند عزل أو إعطاء وكيل من أنه لا بد من نية الموكل، ولا تكفي نية الوكيل.

قال سم في الناشري نقلا عن غيره ما يوافق هذا الإفتاء، حيث قال: إذا وكله - أي شخصا - في تفرقة الزكاة، أو في إهداء الهدي، فقال: زك، أو أهد، لي هذا الهدي.

فهل يحتاج إلى توكيله في النية؟ قال الحرادي: لا يحتاج إلى ذلك، بل يزكي ويهدي الوكيل، وينوي.

لأنه قوله: زك، اهد، يقتضي التوكيل في النية.

وهذا الذي قاله مقتضى ما في العزيز والروضة، من أنه لو قال رجل لغيره: أد عني فطرتي.

ففعل، أجزأ.

- كما لو قال: اقض ديني.

اه.

وأقول: كلام الشيخين هنا يقتضي خلاف ذلك.

اه.

(قوله: إن التوكيل المطلق) أي غير المقيد بالتفويض في النية بأن يقول له وكلتك في إخراج زكاتي من مالي وإعطائها للمستحقين، ولا يتعرض للنية.

(قوله: يستلزم التوكيل في نيتها) أي الزكاة.

وعليه، فلا يحتاج لنية الموكل، بل يكفي لنية الوكيل.

(قوله: وفيه) أي إفتاء بعضهم من أن التوكيل يستلزم نيتها.

(قوله: بل المتجه الخ) صرح به في الروض، ونصه: ولو دفع إلى الإمام بلا نية، لم يجزه نية

ص: 207

الفرض بماله، بأن قال له موكله أد زكاتي من مالك، لينصرف فعله عنه.

وقوله له ذلك متضمن للاذن له في النية.

وقال القفال: لو قال لغيره أقرضني خمسة أؤدها عن زكاتي، ففعل، صح.

قال شيخنا: وهو مبني على رأيه بجواز

اتحاد القابض والمقبض.

(وجاز لكل) من الشريكين (إخراج زكاة) المال (المشترك بغير إذن) الشريك (الآخر) كما قاله الجرجاني، وأقره غيره، لاذن الشرع فيه.

وتكفي نية الدافع منهما عن نية الآخر - على

ــ

الإمام، كالوكيل.

اه.

قال في شرحه: فإنه لا تجزئه نيته عن الموكل، حيث دفعها إليه بلا نية، كما لو دفعها إلى

المستحقين بنفسه.

اه.

(قوله: أو تفويضها) أي النية للوكيل، بأن قال له: وكلتك في دفع الزكاة، وفوضت لك نيتها.

وعبارة الروض وشرحه: وله تفويض النية إلى وكيله في الأداء إذا كان أهلا لها، لإقامته إياه مقام نفسه فيها.

اه.

(قوله: قال المتولي وغيره إلخ) هذا استدراك على عدم الاكتفاء بنية الوكيل، فكأنه قال: لا تكفي إلا في هذه المسألة، فإنها تكفي، بل تتعين.

وكان المناسب زيادة أداة الإستدراك كما في فتح الجواد، وعبارته: نعم، تتعين نية الوكيل الخ.

اه.

(قوله: يتعين نية الوكيل) أي بأن يقصد أن ما يخرجه زكاة موكله.

(قوله: إذا وقع الفرض) أي وهو القدر الذي يجب عليه في ماله.

(وقوله: بماله) الباء بمعنى من، وضميره يعود على الوكيل، أي من مال الوكيل.

(قوله: بأن قال له إلخ) تصوير لوقوع الفرض من مال الوكيل.

(قوله: لينصرف إلخ) علة لتعيين نية الوكيل في هذه الصورة، أي وإنما تعينت نيته لينصرف فعل الوكيل عن الموكل، أي ليقع أداؤه الزكاة من ماله عنه.

(قوله: وقوله له ذلك) أي قوله الموكل للوكيل أد زكاتي من مالك (قوله: متضمن للإذن له) أي للوكيل.

(وقوله: في النية) أي نية الزكاة، وما ذكر من أن القول المذكور يتضمن الإذن فيها مؤيد للإفتاء المار.

وقد علمت عن سم أن كلام الشيخين يقتضي خلافه.

(قوله: وقال القفال: لو قال) أي من وجبت عليه الزكاة.

(قوله: ففعل) أي ذلك الغير ما أمر به.

(قوله: صح) أي ما فعله من الاقتراض وأداء الزكاة عنه.

(قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد، وعبارته: وقال القفال إلى آخر ما ذكر الشارح.

ثم قال بعده: ويفرق بين هذه وما قبلها بأن القرض ثم ضمني، وهو لا يعتبر فيه قبض، فلا اتحاد.

اه.

وقوله: وما قبلها: هي مسألة المتولي.

(قوله: بجواز اتحاد القابض والمقبض) أي بجواز أن يكون القابض والمقبض واحدا - كما هنا، فإن المقبض هو المقرض، وهو أيضا القابض بطريق النيابة عن موكله في إخراج الزكاة عنه.

والجمهور على منعه، فعليه لا يصح ما فعله الوكيل من إقراضه، وأداء الزكاة عنه.

(قوله: وجاز لكل من الشريكين إلخ)(اعلم) أن المؤلف تعرض لبيان حكم النصاب المشترك، ولم يتعرض لبيان الشركة فيه وأقسامها وشروطها، وكان عليه أن يتعرض أولا لذلك - كغيره - ثم يبين الحكم.

وقد أفرد الكلام على ذلك الفقهاء بترجمة مستقلة، وحاصله أن الشركة هنا في أن يكون المال الزكوي بين مالكين مثلا، وتنقسم قسمين: شركة شيوع، وشركة جوار، ويعبر عن الأولى بخلطة الأعيان، وعن الثانية بخلطة الأوصاف.

وضابط الأولى: أن لا يتميز مال أحد الشريكين عن مال الآخر، بل يستحق كل منهما في جميع المال جزءا شائعا، وذلك كأن ورث اثنان مثلا نصابا، أو أوصي لهما به، أو وهب لهما.

وضابط الثانية: أن يتميز مال كل منهما عن الآخر، فيزكى المالان في القسمين كمال واحد، ويشترط فيهما كون مجموع المال نصابا أو أقل منه، ولأحدهما نصاب،

وكون المالين من جنس واحد، لا غنم مع بقر، وكون المالكين من أهل الزكاة، ودوام الشركة كل الحول.

ويشترط في الثاني - بالنسبة للماشية - أن يتحد مشرب - وهو موضع شرب الماشية - ومسرح - وهو الموضع الذي تجتمع فيه - ثم تساق إلى المرعى، ومراح - بضم الميم - وهو مأواها ليلا - وراع لها، وفحل، ومحلب - وهو مكان الحلب بفتح اللام.

وبالنسبة للتمر والزرع: أن يتحد ناطور - وهو حافظ الزرع - والشجر، وجرين - وهو موضع تجفيف الثمر - وبيدر - وهو موضع تصفية الحنطة - وبالنسبة للنقد وعروض تجارة أن يتحد دكان، ومكان حفظ، وميزان، وكيال، ومكيال، ونقاد - وهو الصيرفي - ومناد - وهو الدلال -.

(قوله: إخراج الخ) أي سواء كان من نفس المال المخرج أو من غيره.

(قوله: لإذن الخ) تعليل لجواز إخراج أحد الشريكين ذلك.

أي وإنما جاز ذلك لإذن الشارع فيه، أي ولأن المالين بالخلطة صارا كالمال الواحد، فيرجع حينئذ المخرج على شريكه ببدل ما أخرجه عنه.

(قوله: وتكفي نية الدافع منهما) أي من

ص: 208

الاوجه.

(و) جاز (توكيل كافر، وصبي في إعطائها المعين) أي إن عين المدفوع إليه، لا مطلقا، ولا تفويض النية إليهما لعدم الاهلية.

وجاز توكيل غيرهما في الاعطاء والنية معا.

وتجب نية الولي في مال الصبي والمجنون، فإن صرف الولي الزكاة بلا نية ضمنها، لتقصيره.

ولو دفعها المزكي للامام بلا نية ولا إذن منه له فيها لم تجزئه نيته.

نعم، تجزئ نية الامام عند أخذها قهرا من الممتنع، وإن لم ينو صاحب المال.

(و) جاز

ــ

الشريكين.

وعبارة التحفة: ولكل من الشريكين إخراج زكاة المشترك بغير إذن الآخر.

وقضيته - بل صريحه - أن نية أحدهما تغني عن الآخر، ولا ينافيه قول الرافعي: كل حق يحتاج لنية لا ينوب فيه أحد إلا بإذن.

لأن محله في غير الخليطين، لإذن الشرع فيه.

اه.

(قوله: على الأوجه) أي المعتمد.

ومقابله يقول: ليس لأحدهما الانفراد بالإخراج بلا إذن الآخر والانفراد بالنية.

(قوله: وجاز توكيل كافر وصبي) من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل، أي وجاز توكيل المالك كافرا أو صبيا، أي مميزا.

ومثلهما السفيه.

وعبارة التحفة مع المنهاج: وله - إذا جاز له التفرقة بنفسه - التوكيل فيها لرشيد، وكذا لنحو كافر ومميز وسفيه، إن عين له المدفوع له.

وأفهم قوله له، أن صرفه بنفسه أفضل.

اه.

(قوله: في إعطائها) أي الزكاة.

وهو متعلق بتوكيل.

(قوله: أي إن عين المدفوع إليه) يعني يجوز توكيل المالك كافرا أو صبيا إن عين المالك لهما المستحق الذي تدفع الزكاة له.

وقال سم: قضية ما يأتي عن فتوى شيخنا الشهاب الرملي - من أنه لو نوى عند الإفراز كفى أخذ المستحق - أنه يكفي أخذ المستحق من نحو الصبي والكافر، وإن لم يعين له المدفوع إليه.

اه.

(قوله: لا مطلقا) أي لا يجوز توكيل من ذكر مطلقا، أي من غير تعيين المدفوع إليه.

(قوله: ولا تفويض النية إليهما) أي ولا يجوز تفويض النية إلى الكافر والصبي.

والمراد من الصبي: غير المميز.

كما في التحفة، وعبارتها: ويجوز تفويض النية للوكيل الأهل، لا كافر، وصبي غير مميز، وقن.

اه.

ومفهومها جواز تقويضها للمميز، قال سم: لكن عبارة شرح الروض كالصريحة في عدم الجواز، أي جواز تفويضها للمميز.

وعبارة البهجة وشرحها صريحة في عدم

الجواز.

وعبارة العباب: ولو وكل أهلا في الدفع والنية جاز، ونيتهما جميعا أكمل.

أو غير أهل - ككافر، وصبي مميز، وعبد في إعطاء معين لا مطلقا - صح، واعتبرت نية الموكل.

اه.

وهو كالصريح فيما ذكر.

اه.

(قوله: لعدم الأهلية) أي أهلية الكافر والصبي، للنية.

وهو تعليل لعدم جواز تفويض النية لهما، وهو يؤيد ما في شرح البهجة من عدم جواز تفويض النية للمميز، لأنه ليس أهلا لنية الواجب.

(قوله: وجاز توكيل غيرهما) أي غير الكافر والصبي، وهو المسلم المكلف، أو المميز - على ما مر.

وعبارة شرح بأفضل لابن حجر صريحة في الأول، ونصها: ويجوز تفويضها للوكيل إن كان من أهلها، بأن يكون مسلما مكلفا.

اه.

(قوله: في الإعطاء) أي إعطاء الزكاة للمستحقين، وهو متعلق بتوكيل.

(وقوله: والنية) أي نية الزكاة، وهذا هو محل الفرق بين الكافر والصبي وبين غيرهما.

ويفرق بينهما أيضا بجواز توكيل غيرهما مطلقا، عين له المدفوع له أو لا.

(قوله: وتجب نية الولي) أي للزكاة، لأنها واجبة وقد تعذرت من المالك، فقام بها وليه، كالإخراج.

(قوله: في مال الصبي والمجنون) أي في إخراج زكاة مالهما، والسفيه مثلهما، فينوي عنه وليه.

قال في شرح المنهج: وظاهر أن الولي السفيه مع ذلك أن يفوض النية له كغيره.

اه.

وفي التحفة: قال الأسنوي: والمغمى عليه قد يولى غيره عليه - كما هو مذكور في باب الحجر - وحينئذ ينوي عنه الولي أيضا.

اه.

(قوله: فإن صرف الولي الزكاة) أي دفعها عن الصبي والمجنون للمستحقين.

(وقوله: بلا نية) أي من غير أن ينوي الزكاة مما صرفه لهم.

(قوله: ضمنها) أي مع عدم وقوعها الموقع.

وعبارة غيره: لم تجزئ ويضمنها.

اه.

(قوله: لتقصيره) أي بدفعها من غير نية.

(قوله: ولو دفعها) أي الزكاة.

(قوله: المزكي) هو المالك أو وليه.

(قوله: للإمام) متعلق بدفعها.

ومثل الإمام نائبه، كالساعي.

(قوله: بلا نية) أي بلا نية المزكي الزكاة.

(قوله: ولا إذن منه) أي من المزكي له، أي الإمام فيها، أي النية.

قال سم: مفهومه الإجزاء إذا أذن له في النية ونوى، وحينئذ فيحتمل أنه وكيل المالك في الدفع إلى المستحق، فلا يبرأ المالك قبل الدفع للمستحق، إذ لا يظهر صحة كونه نائب المالك ونائب المستحق أيضا حتى يصح قبضه، ويحتمل خلافه.

اه.

(قوله: لم تجزئه نيته) أي لم تجزئ المزكي نية الإمام الزكاة، لأنه نائب المستحقين.

ولو دفع المزكي

ص: 209

للمالك - دون الولي - (تعجيلها) أي الزكاة (قبل) تمام (حول)، لا قبل تمام نصاب في غير التجارة، و (لا) تعجيلها (لعامين) في الاصح.

وله تعجيل الفطرة من أول رمضان.

أما في مال التجارة فيجزئ

ــ

إليهم من غير نية لم تجزئه، فكذا نائبهم.

وكتب سم: قوله لم يجزئ: ينبغي أنه لو نوى المالك بعد الدفع إليه أجزأ، إذا وصل للمستحقين بعد النية.

اه.

(قوله: نعم، تجزئ نية الإمام) قال في فتح الجواد: فإن لم ينو - أي الإمام - أثم، لأنه حينئذ كالولي، والممتنع مقهور، كالمحجور عليه، فيجب رد المأخوذ أو بدله، والزكاة بحالها على من هي عليه.

اه.

(وقوله: عند أخذها) قال في شرح الروض - كما قاله البغوي والمتولي - لا عند الصرف إلى المستحقين.

كما بحثه ابن الأستاذ، وجزم به القمولي.

اه.

وما بحثه ابن الأستاذ وجزم به القمولي هو ما اعتمده شيخنا الشهاب الرملي، وكتب بهامش شرح الروض أنه القياس، لأنهم نزلوا السلطان في الممتنع منزلته، ولذا صحت نيته عند الأخذ، فتصح عند الصرف أيضا.

اه.

سم (قوله: وإن لم ينو صاحب المال) غاية في إجزائها من الإمام، أي تجزئ منه مطلقا، سواء نوى صاحب المال أم لا.

وهي للرد على الضعيف القائل بأنها لا تجزئ نية الإمام إذا لم ينو صاحب المال لانتفاء نيته المتعبد بها.

وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: والأصح أن نيته - أي الإمام - تكفي في الإجزاء، ظاهرا وباطنا، لقيامه مقامه في النية - كما في التفرقة - وتكفي نيته عند الأخذ أو التفرقة، والثانية لا تكفي.

اه.

(قوله: وجاز للمالك الخ) أي لما صح أنه صلى الله عليه وسلم رخص في التعجيل للعباس قبل الحول، ولأن لوجوبها سببين: الحول والنصاب.

وما له سببان يجوز تقديمه على أحدهما - كتقديم كفارة اليمين على الحنث - ويشترط في إجزاء المعجل شروط: أن يبقى المالك أهلا للوجوب إلى آخر الحول، أو دخول شوال في تعجيل الفطرة، وأن يبقى المال أيضا إلى آخره، فلو مات، أو تلف المال، أو خرج عن ملكه ولم يكن مال التجارة، لم يقع المعجل زكاة.

وأن يكون القابض في آخر الحول مستحقا، فلو مات، أو ارتد قبله، أو استغنى بغير المعجل، لم يحسب المدفوع إليه عن الزكاة، لخروجه عن الأهلية عند الوجوب.

وفي إجزاء المعجل عند غيبة المال أو الآخذ عن بلد الوجوب وقته خلاف، فقال حجر: لا يجزئه، لعدم الأهلية وقت الوجوب.

وقال م ر: يجزئه، وإذا لم يقع المعجل عن الزكاة - لفقد شرط من الشروط السابقة - استرد المالك، إن كان شرط الاسترداد إن عرض مانع، أو قال له عند الدفع هذه زكاة مالي المعجلة.

فإن لم يشترط عليه ولم يعلمه القابض لم يسترد، ويكون تطوعا، لتفريط الدافع بسكوته.

(وقوله: دون الوالي) أما هو فلا يجوز له التعجيل عن موليه، سواء الفطرة وغيرها.

نعم، إن عجل من ماله جاز، ولا يرجع به على الصبي، وإن نوى الرجوع، لأنه إنما يرجع عليه فيما يصرفه عنه عند الاحتياج.

أفاده ع ش.

(قوله: قبل تمام حول) أي وبعد انعقاده، بأن يملك النصاب في غير التجارة وتوجد نيتها مقارنة لأول تصرف.

اه.

تحفة.

(قوله: لا قبل تمام نصاب) أي لا يجوز تعجيلها قبل تمام النصاب، وذلك لعدم انعقاد حولها حينئذ.

(وقوله: في غير التجارة) أما هي فيجوز تعجيل زكاتها قبل تمام النصاب فيها، وذلك لأن انعقاد حولها لا يتوقف على تمام النصاب - كما تقدم في مبحثها - فلو اشترى عرضا لها لا يساوي مائتين، فعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساويهما، أجزأ المعجل.

(قوله: ولا تعجيلها لعامين) أي ولا يجوز تعجيلها لهما، لأن زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها، فكان

كالتعجيل قبل كمال النصاب.

ورواية أنه صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عامين: مرسلة أو منقطعة، مع احتمالها أنه تسلف منه صدقة عامين مرتين، أو صدقة مالين لكل واحد حول منفرد.

وإذا عجل لعامين أجزأه ما يقع عن الأول.

وقيده السبكي بما إذا ميز واجب كل سنة، لان المجزئ شاة معينة، لا مشاعة ولا مبهمة.

اه.

تحفة.

(قوله: في الأصح) مقابله يجوز تعجيلها لهما، للحديث المار.

قال في المغنى: وصحح هذا الأسنوي وغيره، وعزوه للنص.

وعلى هذا يشترط أن يبقى بعد التعجيل نصاب، كتعجيل شاتين من ثنتين وأربعين شاة.

اه.

(قوله: وله تعجيل إلخ) هذا وقد تقدم في مبحث الفطرة، فكان المناسب تقديم هذا على قوله ولا تعجيلها لعامين، ويأتي بما يدل على التشبيه، كأن يقول كما جاز له تعجيل الفطرة.

(وقوله: من أول رمضان) أي لانعقاد السبب الأول، إذ هي وجبت بسببين: رمضان، والفطر منه.

وقد وجد أحدهما، فجاز تقديمها على الآخر - كما مر.

(قوله: أما في مال التجارة الخ) محترز قوله في غير التجارة.

ص: 210

التعجيل، وإن لم يملك نصابا.

وينوي عند التعجيل: كهذه زكاتي المعجلة.

(وحرم) تأخيرها - أي الزكاة - (بعد تمام الحول والتملك) وضمن إن تلف بعد تمكن، بحضور المال والمستحق، أو أتلفه بعد حول ولو قبل التمكن.

كما مر بيانه.

(و) ثانيهما: (إعطاؤها لمستحقيها) أي الزكاة.

يعني من وجد من الاصناف الثمانية المذكورة في آية: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله، وابن السبيل) *.

ــ

(قوله: وينوي عند التعجيل) أنظر ما المراد بذلك؟ فإن كان المراد أنه ينوي الزكاة عند التعجيل - أي الإعطاء للزكاة قبل وقتها - فليس بلازم، لأن نية الزكاة المعجلة كغيرها، وقد تقدم أنه لا يشترط مقارنتها للإعطاء، بل يكفي وجودها عند عزل قدر الزكاة عن المال، أو إعطاء وكيل.

وإن كان المراد أنه ينوي نفس التعجيل، فلا يصح وإن كان مثاله (1) يدل عليه، إما أولا فلوجود لفظ عند، وأما ثانيا فلم يشترط أحد لإجزاء الزكاة المعجلة نية التعجيل وإن كان هو وصفا لازما لإخراج الزكاة قبل وقتها.

وعبارة المنهاج: وإذا لم يقع المعجل زكاة استرد، إن كان شرط الاسترداد إن عرض مانع، والأصح أنه لو قال هذه زكاتي المعجلة فقط - أي ولم يرد على ذلك - استرد، لأنه عين الجهة، فإذا بطلت رجع، كالأجرة.

اه.

بزيادة.

وعبارة الروض وشرحه: متى عجل المالك أو الإمام دفع الزكاة، ولم يعلم الفقير أنه تعجيل، لم يسترد، فإن علم ذلك - ولو بقول المالك هذه زكاة معجلة، وحال عليه الحول وقد خرج الفقير أو المالك عن أهلية الزكاة ولو بإتلاف ماله، استرده، أي المعجل، ولو لم يشترط الرجوع للعلم بالتعجيل وقد بطل، وإن قال هذه زكاتي المعجلة، فإن لم تقع زكاة فهي نافلة، لم يسترد.

ولو اختلفا في علم التعجيل - أي في علم القابض به - فالقول قول الفقير بيمينه، لأنه الأصل عدمه.

اه.

وإذا علمت، فكان الأولى للشارح أن يأتي بعبارة غير هذه العبارة التي أتى بها، بأن يقول مثلا ويسترد الزكاة المعجلة إن عرض سبب يقتضيه وعلم ذلك القابض، كأن قال له هذه زكاتي المعجلة، وذلك لأنه يفرق بين قوله هذه زكاتي فقط، وبين قوله هذه زكاتي المعجلة.

فيسترد بالثانية ولا يسترد بالأولى، لتفريطه بترك ما يدل على

التعجيل فيها.

فتنبه.

(قوله: وحرم تأخيرها الخ) هذه المسألة قد ذكرها الشارح بأبسط مما هنا، وليس لها تعلق بالتعجيل، فالأولى إسقاطها.

(قوله: وضمن) أي قدر الزكاة لمستحقيه.

(قوله: أن تلف) أي المال الذي تعلقت الزكاة به.

(قوله: بحضور المال) متعلق بتمكن.

(وقوله: والمستحق) أي وحضور المستحق.

(قوله: أو أتلفه) أي أتلف المال المتعلقة به الزكاة، المالك أو غيره.

ومثله ما لو تلف بنفسه وقصر في دفع المتلف عنه - كما مر.

(قوله: ولو قبل التمكن) أي ولو حصل الإتلاف بعد الحول وقبل التمكن من الأداء، فإنه يضمن قدر الزكاة للمستحقين.

(قوله: وثانيهما) أي ثاني شرطي أداء الزكاة، وقد أفرد الفقهاء هذا الشرط بترجمة مستقلة، وقالوا، باب قسم الصدقات.

واختلفوا في وضعه، فمنهم من وضعه هنا - كالمؤلف، والروض، تبعا للإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم - ومنهم من وضعه بعد الوديعة وقبيل النكاح - كالمنهاج، تبعا للإمام الشافعي في المختصر - ولكل وجهة، لكن وضعه هنا أحسن، لتمام تعلقه بالزكاة.

(قوله: إعطاؤها) أي الزكاة.

(قوله: يعني من وجد الخ) أي إن المراد بالمستحقين الأصناف الثمانية المذكورون في الآية.

ومحل كونهم ثمانية إذا فرق الإمام، فإن فرق المالك فهم سبعة، وقد جمع بعضهم الثمانية في قوله: صرفت زكاة الحسن لم لا بدأت بي؟ * * فإني أنا المحتاج لو كنت تعرف فقير، ومسكين، وغاز، وعامل، * * ورق، سبيل، غارم، ومؤلف (قوله: في آية إنما الصدقات إلخ) قد علم من الحصر بإنما، أنها لا تصرف لغيرهم، وهو مجمع عليه، وإنما

(1)(قوله: وإن كان مثاله) هو قولة: كهذه زكاتي المعجلة.

اه مولف.

ص: 211

والفقير: من ليس له مال ولا كسب لائق، يقع موقعا من كفايته وكفاية ممونه، ولا يمنع الفقر، مسكنه وثيابه - ولو للتجمل في بعض أيام السنة - وكتب يحتاجها، وعبده الذي يحتاج إليه للخدمة، وماله الغائب

ــ

الخلاف في استيعابهم، أي فعندنا يجب استيعابهم، وعند غيرنا لا يجب.

قال البجيرمي: والمعنى عند الشافعي رضي الله عنه إنما تصرف لهؤلاء لا لغيرهم، ولا لبعضهم فقط، بل يجب استيعابهم.

والمعنى عند الإمام مالك وأبي حنيفة: إنما تصرف لهؤلاء لا لغيرهم، وهذا يصدق بعدم استيعابهم، ويجوز دفعها لصنف منهم، ولا يجب التعميم.

وقال ابن حجر في شرح العباب: قال الأئمة الثلاثة وكثيرون: يجوز صرفها إلى شخص واحد من الأصناف.

قال ابن عجيل (1) اليمني ثلاث مسائل في الزكاة يفتى فيها على خلاف المذهب، نقل الزكاة، ودفع زكاة واحد إلى واحد، ودفعها إلى صنف واحد.

ا.

ج.

اه.

(قوله: للفقراء إلخ) أي مصروفة لهم.

وبدأ بالفقراء لشدة حاجتهم، وإنما أضيف الصدقات للأربعة الأولى بلام الملك - أي نسبت إليهم بواسطتها - وإلى الأربعة الأخيرة بفي الظرفية، للإشعار بإطلاق الملك في

الأربعة الأولى لما يأخذونه، وتقييده في الأربعة الأخيرة بصرف ما أخذوه فيما أخذوه له، فإن لم يصرفوه فيه أو فضل منه شئ استرد منهم.

وإنما أعاد في الظرفية ثانيا في سبيل الله وابن السبيل، إشارة إلى أن الأولين من الأربعة الأخيرة يأخذان لغيرهما، والأخيرين منها يأخذان لأنفسهما.

اه.

بجيرمي.

ملخصا.

(قوله: والفقير الخ) شروع في تعريف الأصناف على ترتيب الآية الشريفة.

(قوله: من ليس له مال الخ) أي بأن لم يكن عنده مال ولا كسب أصلا، أو كان عنده كسب لا يليق به، أو كان له مال أو كسب يليق، لكن لا يقعان موقعا من كفايته وكفاية ممونه.

فكلامه صادق بثلاث صور، ولا بد في المال والكسب أن يكونا حلالين، فلا عبرة بالحرامين - كالمكس وغيره من أنواع الظلم - وأفتى ابن الصلاح بأن من في يده مال حرام وهو في سعة منه، يحل له أخذ الزكاة إذا تعذر عليه وجه إحلاله.

(وقوله: لائق) صفة لكسب، فلا عبرة بغير اللائق.

ولذلك أفتى الغزالي بأن أرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب يجوز لهم أخذ الزكاة.

(قوله: يقع موقعا الخ) الجملة صفة لكل من مال ومن كسب، وكان الأولى أن يقول يقعان موقعا - بألف التثنية - لأن عبارته توهم أنه صفة للأخير فقط.

والمعنى أنه ليس عنده مال يقع موقعا، ولا كسب يقع موقعا، أي يسدان مسدا، ويغنيان غنى.

قال في المصباح: وقع موقعا من كفايته: أي أغنى غنى.

اه.

وذلك كمن يحتاج إلى عشرة مثلا، وعنده مالا يبلغ النصف، أو يكتسب ما لا يبلغ ذلك، كأربعة أو ثلاثة أو اثنين.

قال الشوبري: نعم، يبقى النظر فيما لو كان عنده صغار ومماليك وحيوانات، فهل نعتبرهم بالعمر الغالب، إذ الأصل بقاؤهم وبقاء نفقتهم عليه، أو بقدر ما يحتاجه بالنظر للأطفال ببلوغهم، وإلى الأرقاء بما بقي من أعمارهم الغالبة، وكذلك الحيوانات؟ للنظر في ذلك مجال.

وكلامهم يومئ إلى الأول، لكن الثاني أقوى مدركا، فإن تعذر العمل به تعين الأول.

حجر.

اه.

(قوله: ولا يمنع الفقر إلخ) كالفقر: المسكنة.

فلو أخر هذا عن تعريف المسكين وقال ولا يمنع الفقر والمسكنة لكان أولى.

(وقوله: مسكنه) أي الذي يليق به.

قال في التحفة: أي وإن اعتاد السكنى بالأجرة، بخلاف ما لو نزل في موقوف يستحقه على الأوجه فيهما، لأن هذا كالملك، بخلاف ذاك.

اه.

(قوله: وثيابه الخ) أي ولا يمنع الفقر أيضا ثيابه، ولو كانت للتجمل بها في بعض أيام

(1)(قوله: قال ابن عجيل إلخ) سئل شيخنا وأستاذنا - أطال الله بقاءه - عن نقل زكاة المال من أرض الجاوة إلى مكة والميدينة رجاء ثواب التصدق على فقراء الحرمين، هل يوجد في مذهب الشافعي قول بجواز نقلها في ذلك ئ فأجاب - بما صورته.

(اعلم) - رحمك الله - إن مسألة نقل الزكاة فيها اختلاف كثير بين العلماء، والمشهور في مذهب الشافعي امتناع نقلها إذا وجد المستحقون لها في بلدها.

ومقابل المشهور جواز النقل، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وكثير من المجتهدين، منهم الامام البخاري،

فإنه نرجم المسألة بقوله: باب أخذ الصدقة من الاغنياء - وترد على الفقراء حيث كانوا.

قال شارحه القسطلانى: ظاهره أن المولف يختار جواز نقل الزكاة من بلد المال.

وهو أيضا مذهب الحنفية والاصح عند الشافعية والمالكية عدم الجواز: انتهى.

وفى المنهاج والتحفة للعلامة ابن حجر: والأظهر منع نقل الزكاة.

وإن نقل مقبله أكثر العلماء، وانتصر له.

انتهى.

إذا تأملت ذلكء علمت أن القول بالنقل يوجد في مذهب الإمام الشافعي، ويجوز تقليده، والعمل بمقتضاه.

والله أعلم.

اه مولف

ص: 212

بمرحلتين، أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه والدين المؤجل والكسب الذي لا يليق به.

وأفتى بعضهم أن حلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها.

وصوبه شيخنا.

والمسكين: من قدر على مال أو كسب يقع موقعا من حاجته ولا يكفيه كمن يحتاج لعشرة وعنده ثمانية ولا

ــ

السنة، كالعيد والجمعة.

قال في التحفة: وإن تعددت إن لاقت به أيضا على الأوجه، خلافا لما يوهمه كلام السبكي.

ويؤخذ من ذلك صحة إفتاء بعضهم بأن حلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها.

اه.

(قوله: وكتب) أي ولا يمنع الفقر أيضا كتب، وإن تعددت أنواعها.

فإن تعددت من نوع واحد بيع ما زاد على واحد منها، إلا إن كانت لنحو مدرس، واختلف حجمها.

وعبارة شرح الرملي: ولو تكررت عنده كتب من فن واحد بقيت كلها لمدرس، والمبسوط لغيره فيباع الموجز، إلا أن يكون فيه ما لبس في المبسوط فيما يظهر.

أو نسخ من كتاب، بقي له الأصح، لا الأحسن.

اه.

وأما المصحف الشريف فيباع مطلقا، لأنه تسهل مراجعة حفظته، فلو كان بمحل لا حافظ فيه ترك له - كما في سم.

(قوله: يحتاجها) حال من الثلاثة قبله: وهي المسكن، والثياب، والكتب.

ولا يقال إن الأخير نكرة وهي لا تجئ الحال منها.

لأنا نقول عطفها على المعرفة سوغ ذلك.

وخرج ما لا يحتاج إليه من الثلاثة، فإنه يمنع الفقر، فلا يعطى من الزكاة.

(قوله: وعبده الخ) أي ولا يمنع الفقر عبده الذي يحتاج إليه.

قال في التحفة: ولو لمروأته - أي منصبه - لكن إن اختلت مروأته بخدمته لنفسه، أو شقت عليه مشقة لا تحتمل عادة.

اه.

(وقوله: للخدمة) خرج به المحتاج إليه للزراعة فإنه يمنع الفقر.

أفاده ش ق.

(قوله: وماله الغائب) أي ولا يمنع الفقر ماله الغائب، فيأخذ إلى أن يصل له، لأنه معسر الآن، لكن بشرط أن لا يجد من يقرضه ما يكفيه إلى أن يصل ماله.

(وقوله: بمرحلتين) خرج به الغائب إلى دون مرحلتين، فحكمه كالمال الحاضر عنده، فلا يعطى شيئا.

(وقوله: أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه) أي أو ماله الحاضر، والحال أنه قد حال بين المالك وبين المال حائل، كسبع، أو ظالم، فيعطى حينئذ بالشرط المتقدم.

وبعضهم أدخل هذا في الغائب، لأنه غائب حكما.

فإن لم يحل بينه وبينه حائل لم يعط شيئا.

(قوله: والدين المؤجل) أي ولا يمنع الفقر أيضا دين له على آخر مؤجل، فيعطى حينئذ، لكن بالشرط المار آنفا.

ولا فرق فيه بين أن يحل قبل مضي زمن مسافة القصر أو لا، لأن الدين لما كان معدوما لم يعتبر له زمن، بل أعطى إلى حلوله وقدرته على خلاصه،

بخلاف المال الغائب، ففرق فيه بين قرب المسافة وبعدها.

أفاده م ر.

(قوله: والكسب الخ) أي ولا يمنع الفقر الكسب.

(وقوله: الذي لا يليق به) أي شرعا لحرمته، أو عرفا لإخلاله بمروءته، فهو حينئذ كالعدم.

فلو لم يجد من يستعمله إلا من ماله حرام، أو فيه شبهة قوية، أو كان من أرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب وهو يخل بمروءته، كان له الأخذ من الزكاة فيهما، وأما قوله في الإحياء: إن ترك الشريف نحو النسخ والخياطة عند الحاجة، حماقة ورعونة نفس وأخذه الأوساخ عند قدرته أذهب لمروءته - فمحمول على إرشادة للأكمل من الكسب.

أفاده الرملي.

(قوله: اللائق) بالنصب صفة لحلي.

(قوله: المحتاجة) بالنصب صفة لحلي أيضا.

وعليه، فأل الموصولة واقعة على الحلي، وفاعل الصفة يعود على المرأة، وضمير به يعود على أل، وهو الرابط.

فالصلة جرت على غير من هي له، أي الحلي الذي تحتاج المرأة للتزين به.

ويصح جره صفة للمرأة، وعليه، فأل واقعة على المرأة، وفاعل الصفة يعود على أل، وضمير به يعود على الحلي، فالصلة جرت على من هي له، أي المرأة التي احتاجت للتزين بالحلي.

(قوله: لا يمنع فقرها إلخ) فرض المسألة أنها غير مزوجة، وإلا كانت مستغنية بنفقة الزوج، فلا تأخذ من الزكاة - كما سيأتي.

(قوله: وصوبه شيخنا) أي صوب الإفتاء المذكور شيخنا.

ومفاد عبارته أن شيخه قال: وهو الصواب مثلا، لأن معنى صوبه: حكم بتصوبيه، وقد تقدم نقل عبارته عند قول الشارح وثيابه ولم يكن ذلك فيها، وإنما الذي فيها ومنه يؤخذ الخ، إلا أن يقال إن قوله ذلك مع سكوته عليه وعدم رده يقتضي التصويب.

فتنبه.

(قوله: والمسكين: من قدر على مال أو كسب) أي أو عليهما، فأو: مانعة خلو - تجوز الجمع، ولا بد أن يكون كل منهما حلالا، وأن يكون الكسب لائقا - كما مر.

(قوله:

ص: 213

يكفيه الكفاية السابقة، وإن ملك أكثر من نصاب، حتى أن للامام، أن يأخذ زكاته ويدفعها إليه فيعطى كل منهما - إن تعود تجارة - رأس مال يكفيه ربحه غالبا، أو حرفة آلتها.

ومن لم يحسن حرفة ولا تجارة يعطى كفاية العمر الغالب.

وصدق مدعي فقر، ومسكنة، وعجز عن كسب - ولو قويا جلدا - بلا يمين، لا مدعي تلف مال عرف بلا بينة.

ــ

يقع) أي أحدهما المال أو الكسب، أو مجموعهما.

ومعنى كونه يقع موقعا من كفايته: أنه يسد مسدا بحيث يبلغ النصف فأكثر.

قال ابن رسلان في زبده: فقير العادم والمسكين له * * ما يقع الموقع دون تكمله (وقوله: ولا يكفيه) أي والحال أنه لا يكفيه ما ذكر من المال أو الكسب أو مجموعهما.

وخرج به من قدر على مال أو كسب يكفيه، فإنه غني، لا يجوز له أخذ الزكاة.

(قوله: كمن يحتاج إلخ) تمثيل للمسكين.

(قوله: وعنده ثمانية) أي أو يكتسب كل يوم ثمانية.

أو يكون مجموع المال والكسب كذلك.

ومثل الثمانية: السبعة، والستة، والخمسة.

(قوله: ولا يكفيه) الأوليى ولا تكفيه - بالتاء - إذ فاعله يعود على الثمانية، وهي مؤنثة.

ولو أسقطه لكان أخصر، لأنه معلوم من

تعبيره بالاحتياج إلى العشرة ومن جعله مثالا للمسكين الذي ضبطه بما مر.

(وقوله: الكفاية السابقة) وهي كفايته، وكفاية ممونة.

(قوله: وإن ملك أكثر من نصاب) غاية لقوله والمسكين من قدر الخ.

أي إن من قدر على ما ذكر من غير كفاية يكون مسكينا، وإن ملك أكثر من نصاب.

ومن ثم قال في الإحياء: قد يملك ألفا وهو فقير، وقد لا يملك إلا فأسا وحبلا وهو غني، كالذي يكتسب كل يوم كفايته.

وفي التحفة ما نصه: (تنبيه) علم مما تقرر أن الفقير أسوأ حالا من المسكين.

وعكس أبو حنيفة، ورد بأنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر، وسأل المسكنة بقوله: اللهم أحيني مسكينا، الحديث.

ولا رد فيه، لأن الفقر المستعاذ منه فقر القلب، والمسكنة المسؤولة سكونه وتواضعه وطمأنينته.

على أن حديثها ضعيف ومعارض بما روي أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ منها.

لكن أجيب بأنه إنما استعاذ من فتنتها، كما استعاذ من فتنتي الفقر والغنى دون وصفيهما لأنهما تعاوراه، فكان خاتمه أمره غنيا بما أفاء الله عليه.

وإنما الذي يرد عليه ما نقله في المجموع عن خلائق من أهل اللغة مثل ما قلناه.

اه.

(واعلم) أن ما لا يمنع الفقر مما تقدم لا يمنع المسكنة أيضا - كما مر التنبيه عليه - ومما لا يمنعهما أيضا: اشتغاله عن كسب يحسنه بحفظ القرآن، أو بالفقه، أو بالتفسير، أو الحديث.

أو ما كان آلة لذلك وكان يتأتى منه ذلك فيعطى ليتفرغ لتحصيله لعموم نفعه وتعديه، وكونه فرض كفاية.

ومن ثم لم يعط المتنفل بنوافل العبادات وملازمة الخلوات، لأن نفعه قاصر على نفسه.

(قوله: حتى الخ) حتى تفريعية، أي فللإمام الخ.

(قوله: إن يأخذ زكاته) أي المسكين المالك للنصاب.

(وقوله: ويدفعها إليه) أي إلى ذلك المسكين الذي أخذ الإمام منه الزكاة.

(قوله: فيعطى الخ) الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي إذا علمت أن الفقير والمسكين من الأصناف الثمانية فيعطى إلخ.

(قوله: كل منهما) أي الفقير والمسكين.

(وقوله: إن تعود تجارة) أي اعتاد وصلح لها.

(وقوله: رأس مال) مفعول ثان ليعطى.

(قوله: أو حرفة) أي أو تعود حرفة، فهو معطوف على تجارة.

(وقوله: آلتها) أي يعطى آلتها - أي الحرفة، أي أو ثمنها.

(قوله: يعطى كفاية العمر الغالب) أي بقيته، وهو ستون سنة، وبعدها يعطى سنة سنة - كما في التحفة والنهاية - قال الكردي: وليس المراد بإعطاء من لا يحسن ذلك إعطاء نقد يكفيه تلك المدة، لتعذره، بل ثمن ما يكفيه دخله، فيستري له عقارا، أو نحو ماشية - إن كان من أهلها - يستغله.

اه.

(قوله: وصدق مدعي فقر ومسكنة) مثله - كما سيأتي - مدعي أنه غاز أو ضعيف الإسلام، أو أنه ابن السبيل.

(قوله: عجز عن كسب) معطوف على فقر، أي وصدق مدعي عجز عن كسب.

(وقوله: ولو قويا جلدا) غاية في الأخير.

وفي النهاية: وقول الشارح وحاله

يشهد بصدقه بأن كان شيخا كبيرا، أو زمنا.

جري على الغالب.

اه.

(قوله: بلا يمين) متعلق بصدق، أي صدق مدعي

ص: 214

والعامل - كساع -: وهو من يبعثه الامام لاخذ الزكاة، وقاسم وحاشر، لا قاض.

والمؤلفة: من أسلم ونيته ضعيفة، أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره.

والرقاب: المكاتبون كتابة صحيحة، فيعطى المكاتب - أو سيده - بإذنه دينه إن عجز عن الوفاء، وإن كان

ــ

ما ذكر من غير يمين، لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أعطى من سألاه الصدقة بعد أن أعلمهما أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، ولم يحلفهما، مع أنه رآهما جلدين أي قويين.

(قوله: لا مدعي تلف مال) معطوف على مدعي فقر.

أي لا يصدق مدعي تلف مال - أي مطلقا سواء ادعى التلف بسبب ظاهر كحريق، أو خفي كسرقة - كما في التحفة.

(وقوله: عرف) الجملة صفة لمال.

أي عرف أنه له.

(وقوله: بلا بينة) أي لا يصدق بلا بينة، لأن الأصل بقاء المال.

والبينة: رجلان، أو رجل وامرأتان، ويغني عنها استفاضة بين الناس بأنه تلف.

ومثل دعوى التلف في ذلك دعوى أنه عامل، أو مكاتب، أو غارم، أو مؤلف، وقد عرف بخلافه.

(والحاصل) أن من علم الدافع حاله من استحقاق وعدمه عمل بعلمه.

ومن لم يعلم حاله، فإن ادعى فقرا، أو مسكنة، أو عجزا عن كسب، أو ضعف إسلام، أو غزوا، أو كونه ابن سبيل، صدق بلا يمين.

وإن ادعى تلف مال معروف له، أو غرما، أو كتابة، أو أنه عامل، لا يصدق إلا ببينة، أو استفاضة.

ويصدق دائن في الغارم، وسيد في المكاتب - كما سيأتي.

(قوله: والعامل) أي ولو غنيا.

وومحل استحقاقه من الزكاة إذا أخرجها الإمام ولم يجعل له جعلا من بيت المال، فإن فرقها المالك أو جعل الإمام له ذلك سقط سهمه.

وعبارة الكردي: العامل من نصبه الإمام في أخذ العمالة من الصدقات، فلو استأجره من بيت المال أو جعل له جعلا لم يأخذ من الزكاة.

اه.

(قوله: كساع) تمثيل للعامل، وكان الملائم لما قبله والأخصر أن يؤخر هذا عن التعريف، كأن يقول والعامل هو من يبعثه الخ.

ثم يقول: كساع، وقاسم، وحاشر، وأشار بالكاف إلى أن العامل لا ينحصر فيما ذكره، إذ منه: الكاتب، والحاسب، والحافظ، والجندي إن احتيج إليه.

(قوله: وهو من يبعثه الإمام إلخ) هذا البعث واجب.

ويشترط في هذا أن يكون فقيها بما فوض إليه منها، وأن يكون مسلما، مكلفا، حرا، عدلا، سميعا، بصيرا، ذكرا، لأنه نوع ولاية.

(قوله: وقاسم) معطوف على ساع، وهو الذي يقسمها عل المستحقين.

(وقوله: وحاشر) معطوف على ساع، وهو الذي يجمع ذوي الأموال أو والمستحقين.

(قوله: لا قاض) معطوف على ساع أيضا، أي لا كقاض - أي ووال - فلا يعطيان من الزكاة لأنهما وإن كانا من العمال لكن عملهما عام، بل يعطيان من خمس الخمس المرصد للمصالح العامة، إن لم يتطوعا بالعمل.

(قوله: والمؤلفة) جمع مؤلف من

التأليف، وهو جمع القلوب.

والمؤلفة أربعة أقسام، ذكر الشارح منها قسمين وبقي عليه قسمان، أحدهما: مسلم مقيم بثغر من ثغورنا ليكفينا شر من يليه من الكفار.

وثانيهما: مسلم يقاتل أو يخوف مانع الزكاة حتى يحملها إلى الإمام.

فيعطيان، لكن بشرط أن يكون إعطاؤهما أسهل من بعث جيش، وبشرط الذكورة، وكون القاسم، الإمام.

وإنما تركهما لأن الأول في معنى العامل، والثاني في معنى الغازي.

واشترط بعضهم في إعطاء المؤلفة احتياجنا إليهم.

وفيه نظر، بالنسبة للقسمين المذكورين في الشرح.

(قوله: من أسلم) من: واقعة على متعدد حتى يصح الحمل، أي المؤلفة جماعة أسلموا إلخ.

(قوله: ونيته ضعيفة) أي في أهل الإسلام بأن تكون عنده وحشة منهم، أو في الإسلام نفسه، فيعطى ليتقوى إيمانه، أو لتزول وحشته.

(قوله: أو له شرف) معطوف على ونيته ضعيفة.

أي أو من أسلم ونيته قوية، لكن له شرف يتوقع بسبب إعطائه إسلام غير من نظرائه فيعطى حينئذ لأجل ذلك.

وهذا القسم وما قبله يعطيان مطلقا - ذكورا كانوا أم لا، احتجنا إليهم أم لا، قسم الإمام أم لا.

(قوله: والرقاب) مبتدأ، خبره المكاتبون، أي الرقاب في الآية هم المكاتبون.

ومن المعلوم أن الرقاب جمع رقبة، والمراد بها الذات، من إطلاق الجزء وإرادة الكل.

(وقوله: كتابة صحيحة) أي ولو لنحو كافر، وهاشمي، ومطلبي، فيعطون ما يعينهم على العتق إن لم يكن معهم ما يفي بنجومهم، ولو

ص: 215

كسوبا، لا من زكاة سيده لبقائه على ملكه.

والغارم: من استدان لنفسه لغير معصية، فيعطي له إن عجز عن وفاء الدين، وإن كان كسوبا، إذ الكسب لا يدفع حاجته لوفائه إن حل الدين.

ثم إن لم يكن معه شئ أعطي الكل، وإلا فإن كان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن، ترك له مما معه ما يكفيه - أي العمر الغالب -.

كما استظهره شيخنا.

وأعطي ما يقضي به باقي

ــ

بغير إذن ساداتهم، أو قبل حلول النجوم.

وخرج بالكتابة الصحيحة الكتابة الفاسدة، فلا يعطى المكاتب حينئذ شيئا، لأنها غير لازمة رأسا.

وأسقط قيدا صرح بمفهومه فيما سيأتي، وهو: أن تكون الكتابة لغير المزكي، فإن كانت الكتابة للمزكي فلا يعطى المكاتب من زكاته شيئا، لعود الفائدة إليه مع كونه ملكه، فلا يرد ما إذا أعطى المزكي مدينه شيئا من زكاته فرده له عن دينه فإنه يصح، ما لم يشرط عليه رده، لأن المدين ليس ملكه.

(قوله: فيعطى المكاتب) أي ولو بغير إذن سيده وقبل حلول النجوم.

(قوله: أو سيده الخ) معطوف على المكاتب، أي أو يعطى سيده بإذن المكاتب فإن أعطى سيده بغير إذنه لا يقع زكاة، ولكن يقع عن دين المكاتب فلا يطالبه سيده به، وعبارة الروض وشرحه: فيعطون - أي المكاتبون - ولو بغير إذن سيدهم.

والتسليم لما يستحقه المكاتب أو الغارم الآتي بيانه إلى السيد أو الغريم، بإذن المكاتب والغارم أحوط وأفضل، وتسليمه إلى من ذكر بغير الإذن من المكاتب أو الغارم لا يقع زكاة، فلا يسلم له إلا بإذنهما، لأنهما المستحقان، ولكن ينقضي دينهما، لأن من أدى دين غيره بغير إذنه، برئت ذمته.

اه.

بحذف.

(قوله: دينه) مفعول ثان ليعطي، أي يعطى المكاتب أو سيده ما يفي بدينه.

(قوله: إن عجز) أي المكاتب عن الوفاء أي وفاء

الدين.

فإن لم يعجز عنه فلا يعطى، لعدم احتياجه.

(قوله: وإن كان كسوبا) غاية في الإعطاء، أي يعطى المكاتب مطلقا، سواء كان قادرا على الكسب أم لا.

وإنما لم يعط الفقير والمسكين القادران على الكسب - كما مر - لأن حاجتهما تتحقق يوما بيوم، والكسوب يحصل كل يوم، وحاجة المكاتب ناجزة، لثبوت الدين في ذمته.

والكسوب لا يدفعها عند حلول الأجل دفعة، بل بالتدريج غالبا، فيعطى ما يدفع حاجته الناجزة.

(قوله: لا من زكاة سيده) أي لا يعطى من زكاة سيده.

(وقوله: لبقائه) أي المكاتب، على ملك سيده، لأنه قن ما بقي عليه درهم، والقن لا يأخذ من زكاة سيده شيئا.

(قوله: والغارم) من الغرم، وهو اللزوم، لأن الدائن يلزم المدين حتى يقضيه دينه.

وهو ثلاثة أنواع ذكرها الشارح، من استدان لنفسه، ومن استدان لإصلاح ذات البين، ومن استدان للضمان.

(قوله: من استدان لنفسه لغير معصيه) أي تداين لنفسه شيئا بقصد أن يصرفه في غير معصية، بأن يكون لطاعة أو مباح، وإن صرفه في معصية.

ويعرف قصد ذلك بقرائن الأحوال، فإن استدان لمعصية ففيه تفصيل.

فإن صرفه فيها ولم يتب فلا يعطى شيئا، وإن لم يصرفه فيها بأن صرفه في مباح، أو صرفه فيها لكنه تاب وغلب على الظن صدقه في توبته، فيعطى.

فالمفهوم فيه تفصيل.

(قوله: فيعطى له) نائب الفاعل ضمير يعود على الغارم، واللام زائدة، وما دخلت عليه مفعول ثان، أي يعطى الغارم إياه - أي ما استدانه - وأفاده أنه لو أعطى من ماله شيئا ولم يستدن لم يعط شيئا.

وهو كذلك.

(قوله، إن عجز عن وفاء الدين) أي وحل الأجل، فإن لم يعجز عن وفاء الدين بأن كان ما له يفي به.

أو لم يحل الأجل، فلا يعطى شيئا.

(قوله: وإن كان كسوبا) غاية في الإعطاء، أي يعطى الغارم وإن كان قادرا على الكسب.

(قوله: إذ الكسب إلخ) تعليل لإعطائه مع قدرته على الكسب.

(وقوله: لا يدفع حاجته الخ) أي لا يدفع احتياجه لوفاء الدين إذا حل لأن حاجته لذلك ناجزة، والكسب إنما هو تدريجي.

قال في التحفة: ولا يكلف كسوب الكسب هنا، لأنه لا يقدر على قضاء دين منه غالبا إلا بتدريج، وفيه حرج شديد.

اه.

(قوله: ثم إن لم يكن إلخ) تفصيل لما أجمله أولا بقوله: فيعطى له الخ.

(قوله: معه) أي من استدان لنفسه.

(قوله: أعطى الكل) أي كل ما استدانه.

(قوله: إلا) أي بأن كان معه شئ.

(قوله: فإن كان إلخ) أي ففيه تفصيل، وهو: فإن كان الخ.

(قوله: بحيث الخ) أي متلبسا بحالة: هي أنه لو قضى دينه إلخ.

(قوله: مما معه) أي مما عنده من المال.

(قوله: تمسكن) أي صار مسكينا، وهو جواب لو.

(قوله: ترك الخ) جواب إن.

(وقوله: له) أي لمن استدان.

(وقوله: ما يكفيه) نائب فاعل ترك.

(قوله: أي العمر الغالب) أي الكفاية السابقة للعمر الغالب.

(قوله: كما

ص: 216

دينه، أو لاصلاح ذات البين، فيعطى ما استدانه لذلك ولو غنيا.

أما إذا لم يستدن بل أعطي ذلك من ماله، فإنه لا يعطاه.

ويعطى المستدين لمصلحة عامة كقري ضيف، وفك أسير، وعمارة نحو مسجد، وإن غنيا.

أو للضمان.

فإن كان الضامن والاصيل معسرين أعطي الضامن وفاءه.

أو الاصيل موسرا دون الضامن، أعطي إن ضمن بلا إذن، أو عكسه أعطي الاصيل، لا الضامن، وإذا وفى من سهم الغارم لم يرجع على الاصيل وإن

ــ

استظهره شيخنا) عبارته مع الأصل: والأظهر اشتراط حاجته بأن يكون بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن - كما رجحاه في الروضة وأصلها والمجموع - فيترك مما معه ما يكفيه، أي الكفاية السابقة للعمر الغالب - فيما يظهر - ثم إن فضل معه شئ صرفه في دينه، وتمم له باقيه، وإلا قضى عنه الكل.

اه.

(قوله: وأعطى) أي من ترك له من ماله ما يكفيه ما ذكر.

(وقوله: باقي دينه) أي إن فضل بعد ترك ما يكفيه العمر الغالب شئ، وإلا أعطى الكل - كما صرح به شيخه في العبارة المارة.

(قوله: أو لإصلاح ذات البين) معطوف على لنفسه، أي أو من استدان لإصلاح الحال الكائن بين القوم المتنازعين، كأن خاف فتنة بين قبيلتين تنازعتا في قتيل لم يظهر قاتله، فتحمل الدية تسكينا للفتنة.

(قوله: فيعطى) أي من استدان للاصلاح.

(قوله: ما استدانه لذلك) أي لإصلاح ذات البين.

(قوله: ولو غنيا) لأنه لو اعتبر الفقر لقلت الرغبة في هذه المكرمة.

(قوله: أما إذا لم يستدن إلخ) ومثله ما لو استدان ووفى الدين من ماله، فلا يعطى شيئا.

(قوله: ويعطى المستدين الخ) أي لأنه غارم.

وعبارة التحفة: ومنه - أي الغارم - من استدان لنحو عمارة مسجد وقري ضيف.

ثم اختلفوا فيه، فألحقه كثيرون بمن استدان لنفسه، ورجحه جمع متأخرون، أي فيعطى إن عجز عن وفاء الدين.

وآخرون بمن استدان لإصلاح ذات البين، إلا إن غنى بنقد، أي لا بعقار، ورجحه بعضهم.

ولو رجح أنه لا أثر لغناه بالنقد أيضا حملا على هذه المكرمة العام نفعها لم يبعد.

اه.

بزيادة.

(وقوله: لمصلحة عامة) أي لأجل مصلحة يعم نفعها المسلمين.

(قوله: كقري ضيف إلخ) أمثلة للمصلحة العامة.

(قوله: وعمارة نحو مسجد) أي إنشاء أو ترميما، فإن استدان لذلك أعطى.

ولا يجوز دفع الزكاة لبناء مسجد ابتداء - كما في الكردي - وسيذكره الشارح قريبا.

(قوله: وإن غني) غاية في الإعطاء.

أي يعطى، وإن كان غنيا - أي مطلقا، بعقار أو بنقد - وهي للرد على من يقول إنه لا يعطى إذا كان غنيا، وللرد على من يفصل بين غني النقد فلا يعطى، وبين غني العقار فيعطى - كما يعلم من عبارة التحفة المارة - ويعلم أيضا من عبارة الروض وشرحه ونصها: وفي قراء الضيف، وعمارة المسجد، وبناء القنطرة، وفك الأسير، ونحوها من المصلحة العامة، يعطى المستدين لها من الزكاة عند العجز عن النقد، لا عن غيره - كالعقار - وعلى هذا جرى الماوردي والروياني وغيرهما.

وقال السرخسي: حكمه حكم ما استدانه لمصلحة نفسه الخ.

اه.

(قوله: أو للضمان) يحتمل عطفه على لمصلحة عامة، ويحتمل عطفه على لنفسه.

والتقدير على الثاني: أو استدان للضمان.

وعلى الأول: ويعطى المستدين للضمان.

والأقرب الملائم لجعل أقسام الغارم ثلاثة الثاني، وإن كان ظاهر صنيعه الأول.

(قوله: فإن كان الضامن الخ) بيان لحكم من استدان للضمان على الاحتمال الثاني، أو تفصيل لما أجمله على الاحتمال الأول.

(وقوله: والأصيل) هو

المدين.

(قوله: أعطى الضامن من وفاءه) ويجوز إعطاؤه للأصيل، بل هو أولى.

(قوله: أو الأصيل موسرا) أي أو كان الأصيل موسرا.

(وقوله: دون الضامن) أي فإنه معسر.

(قوله: أعطى) أي الضامن وفاء الدين.

(قوله: إن ضمن بلا إذن) أي بأن تبرع بالضمان، فإن ضمنه بإذنه، لا يعطى شيئا.

والفرق بينهما: أنه في الأول إذا غرم لا يرجع على الأصيل، لأن ضمانه من غير إذنه.

وفي الثاني: إذا غرم يرجع عليه، لأنه بإذنه.

(قوله: أو عكسه) هو أن يكون الأصيل معسر، والضامن موسرا.

(وقوله: أعطى الأصيل) أي ما يفي بدينه.

(وقوله: لا الضامن) أي لأنه موسر.

وبقيت صورة رابعة، وتؤخذ من كلامه.

وهي: ما إذا كانا موسرين فإنهما لا يعطيان شيئا، لأن الضامن إذا غرم رجع على الأصيل، لكونه موسرا.

وعبارة البجيرمي: وخرج بأعسر: ما إذا كانا موسرين، أو الضامن، فلا يعطى، ولو بغير الإذن في الأول على الأوجه - كما في شرح الروض.

سم.

اه.

(قوله: وإذا وفى) أي الضامن، وهو بفتح الواو وتشديد الفاء وتخفيفها.

ومفعوله محذوف، أي الدين المضمون.

(قوله: لم يرجع على الأصيل) أي لأنه لم يغرم من عنده شيئا حتى يرجع به، وهو إنما

ص: 217

ضمن بإذنه.

ولا يصرف من الزكاة شئ لكفن ميت، أو بناء مسجد.

ويصدق مدعي كتابة أو غرم بإخبار عدل

وتصديق سيد، أو رب دين، أو اشتهار حال بين الناس.

(فرع) من دفع زكاته لمدينه بشرط أن يردها له عن دينه، لم يجز، ولا يصح قضاء الدين بها.

فإن نويا ذلك بلا شرط، جاز وصح، وكذا إن وعده المدين بلا شرط، فلا يلزمه الوفاء بالوعد.

ولو قال لغريمه: جعلت ما عليك زكاة، لم يجزئ - على الاوجه - إلا إن قبضه ثم رده إليه.

ولو قال: اكتل من طعامي عندك كذا.

ونوى

ــ

يرجع إذا غرم من عنده.

قال في شرح الروض: وإذا قضى به دينه لم يرجع على الأصيل، وإن ضمن بإذنه، وإنما يرجع إذا غرم من عنده.

اه.

(قوله: ولا يصرف من الزكاة إلخ) هذا يعلم من قوله وإعطاؤها لمستحقيها، إذ ما ذكر من الكفن وبناء مسجد ليس من مستحقيها، فلو أخره عن سائر الأصناف، أو قدمه هناك، لكان أنسب.

ثم ظهر أن لذكره هنا مناسبة من حيث أنه كالمفهوم لقوله ويعطى المستدين لمصلحة عامة، فكأنه قال: تصرف الزكاة لمن استدان للمصلحة العامة، ولا تصرف لها نفسها ابتداء، كأن يبني بها مسجدا، أو يجهز بها الأموات، أو يفك بها الأسر.

فتنبه.

(قوله: أو بناء مسجد) لا ينافيه ما مر في قوله ويعطى المستدين لمصلحة عامة إلخ، لأن ذاك فيما إذا استدان لذلك، فيعطى ما استدانه من سهم الغارمين، وهذا فيما إذا أراد ابتداء أن يعمر مسجدا بزكاة ماله.

وبينهما فرق.

(قوله: يصدق مدعي كتابة) هو العبد.

(قوله: أو غرم) أي أو مدعي غرم.

ولو لإصلاح ذات البين - كما في التحفة.

(قوله: بإخبار عدل) متعلق بيصدق، والاكتفاء به هو الراجح.

وقيل: لا بد من رجلين، أو رجل وامرأتين.

وعبارة التحفة: ويؤخذ من اكتفائهم بإخبار الغريم هنا وحده مع تهمته: الاكتفاء بإخبار ثقة ولو عدل رواية ظن صدقة.

بل القياس الاكتفاء بمن وقع في القلب صدقه، ولو فاسقا.

ثم رأيت في كلام الشيخين ما يؤيد ذلك.

نعم، بحث الزركشي في الغريم والسيد أن محل الخلاف، إذا وثق بقولهما، وغلب على الظن الصدق.

قال: وإلا لم يفد قطعا.

اه.

ومثلها النهاية.

(قوله: وتصديق الخ) بالجر، عطف

على إخبار عدل.

والواو بمعنى أو، أي ويصدق من ذكر بتصديق سيد بالنسبة للكتابة، وبتصديق رب الدين - أي صاحبه - بالنسبة للغرم.

قال في التحفة: ولا نظر لاحتمال التواطؤ، لأنه خلاف الغالب.

اه.

(قوله: أو اشتهار الخ) بالجر أيضا عطف على إخبار عدل، أي ويصدق من ذكر باشتهار حاله بين الناس، أي اشتهر أنه غارم أو مكاتب عند الناس، ولا بد أن يكونوا عددا يؤمن تواطؤهم على الكذب.

قال الرافعي: وقد يحصل ذلك بثلاثة.

(قوله: فرع) الأولى: فروع، لأنه ذكر ثلاثة.

الأول: من دفع إلخ.

الثاني: ولو قال لغريمه الخ.

الثالث: ولو قال اكتل إلخ.

(قوله: لمدينه) هو من عليه الدين.

(قوله: بشرط الخ) أي بأن قال له: هذه زكاتي أعطيها لك بشرط أن تردها إلي عن ديني الذي لي عليك.

(وقوله: يردها) أي الزكاة.

(وقوله: له) أي لمن دفع، وهو المزكي.

(قوله: لم يجز) بضم الياء وسكون الجيم، أي لم يجزه ما دفعه للمدين عن الزكاة، فهو مأخوذ من الإجزاء.

ويحتمل أنه مأخوذ من الجواز، بقرينة قوله فيما بعد: فإن نويا جاز وصح.

فيكون بفتح الياء وضم الجيم، أي لم يجز دفعه ذلك للزكاة بالشرط المذكور.

(قوله: ولا يصح قضاء الدين بها) أي الزكاة، لأنها باقية على ملك المالك.

اه.

بجيرمي.

(قوله: فإن نويا) أي الدائن والمدين.

(وقوله: ذلك) أي قضاء الدين.

(وقوله: جاز وصح) ضر التصريح به كره إضماره.

(قوله: وكذا إن وعده المدين) أي وكذلك يجوز ويصح ما ذكر إن وعد المدين الدائن، بأن قاله له ادفع لي من زكاتك حتى أقضيك دينك، ففعل، أجزأه عن الزكاة.

(وقوله: فلا يلزمه) الأنسب ولا يلزم - بواو العطف - لأن الفاء توهم أن ما بعدها جواب إن قبلها.

(وقوله: الوفاء بالوعد) هو أن يدفع إليه ما أخذه من الزكاة عن دينه.

(قوله: ولو قال) أي الدائن لغريمه، أي المدين.

(قوله: لم يجزئ) أي لم يجزئ ما جعله له عن الزكاة لاتحاد القابض والمقبض.

(قوله: على الأوجه) مقابله يجزئ، كالوديعة إذا كانت عند مستحق للزكاة فملكه المالك إياها زكاة، فإنه يجزى.

(قوله: إلا إن قبضه الخ) أي إلا إن قبض الدائن دينه من المدين، ثم رده على مدينه بنية الزكاة، فإنه يجزئ عن الزكاة.

(قوله: ولو قال) أي لفقير عنده حنطة له وديعة.

(وقوله: اكتل) أي لنفسك.

ص: 218

به الزكاة، ففعل - فهل يجزئ؟ وجهان، وظاهر كلام شيخنا ترجيح عدم الاجزاء.

وسبيل الله: وهو القائم بالجهاد متطوعا، ولو غنيا.

ويعطى المجاهد النفقة والكسوة له ولعياله ذهابا وإيابا، وثمن آلة الحرب.

وابن السبيل: وهو مسافر مجتاز ببلد الزكاة، أو منشئ سفر مباح منها، ولو لنزهة، أو

ــ

(وقوله: من طعامي عندك) أي الموضوع عندك وديعة.

(وقوله: كذا) مفعول اكتل، وهو كناية عن صاع مثلا.

(وقوله: ونوى به الزكاة) أي نوى المالك المزكي الزكاة، أي بالصاع الذي أمره باكتياله مما عنده.

(قوله: ففعل) أي المأموم ما أمره به.

(قوله: فهل يجزئ) أي يقع عن الزكاة.

(قوله: وجهان) أي فيه وجهان: فقيل يجزئ، وقيل لا.

(قوله: وظاهر كلام شيخنا ترجيح عدم الإجزاء) لم يتعرض شيخه في التحفة لهذه المسألة رأسا.

وفي فتح الجواد جزم بعدم

الإجزاء، وعبارته: أو قال لوديعه اكتل لنفسك من الوديعة التي تحت يدك صاعا زكاة، لم يجز أيضا لانتفاء كيله له، وكيله لنفسه لغو.

اه.

فلعل ما نقله الشارح عن شيخه من الترجيح في غير هذين الكتابين.

وجزم بعدم الإجزاء أيضا في الروض، وعبارته مع شرحه: ولو قال اكتل لنفسك مما أودعتك إياه صاعا - مثلا - وخذه لك، ونوى به الزكاة ففعل، أو قال جعلت ديني الذي عليك زكاة، لم يجزه.

أما في الأولى: فلانتفاء كيله له، وكيله لنفسه غير مقيس.

وأما في الثانية: فلأن ما ذكر فيها إبراء لا تمليك، وإقامته مقامه إبدال، وهو ممتنع في الزكاة.

بخلاف قوله للفقير: خذ ما اكتلته لي بأن وكله بقبض صاع حنطة مثلا فقبضه، أو بشرائه فاشتراه وقبضه، فقال له الموكل خذه لنفسك، ونواه زكاة، فإنه مجزئ، لأنه لا يحتاج إلى كيله لنفسه.

اه.

بحذف.

(قوله: وسبيل الله) هو وضعا: الطريق الموصل له تعالى، ثم كثر استعماله في الجهاد لأنه سبب الشهادة الموصلة لله تعالى، ثم أطلق على ما ذكر مجازا لأنهم جاهدوا، لا في مقابل، فكانوا أفضل من غيرهم.

(قوله: وهو القائم الخ) الصواب إسقاط الواو، لأن ما بعدها خبر المبتدأ، وهي لا تدخل عليه.

(قوله: متطوعا) حال من القائم، أي حال كونه متطوعا، أي لا سهم له في ديوان المرتزقة.

فإن كان له ذلك لا يعطى من الزكاة شيئا، بل من الفئ، فإن لم يكن فئ، أو كان ومنعه الإمام، واضطررنا لهم في دفع شر الكفار، فإن كان لهم مال لم تجب إعانتهم، أو فقراء لزم أغنياء المسلمين إعانتهم من أموالهم لا من الزكاة.

(قوله: ولو غنيا) غاية لمقدر، أي فيعطى ولو كان غنيا.

ولو أخره عن الفعل بعده لكان أولى.

(قوله: ويعطى المجاهد إلخ) الأولى ويعطى النفقة إلخ - بحذف لفظ المجاهد - إذ المقام للإضمار.

والمعنى أن هذا القائم للجهاد يعطى كل ما يحتاجه لنفسه أو لممونه من نفقة وكسوة وغيرهما إذا حان وقت خروجه له.

وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: ويعطى الغازي - إذا حان وقت خروجه - قدر حاجته اللائقة به وبممونه لنفقة وكسوة، ذاهبا وراجعا ومقيما هناك - أي في الثغر أو نحوه - إلى الفتح، وإن طالت الإقامة، لأن اسمه لا يزول بذلك، بخلاف السفر لابن السبيل.

ويعطيه الإمام - لا المالك - فرسا إن كان ممن يقاتل فارسا، وسلاحا وإن لم يكن بشراء، ويصير ذلك - أي الفرس والسلاح - ملكا له إن أعطى الثمن فاشترى لنفسه أو دفعها له الإمام ملكا له إذا رآه.

بخلاف ما إذا استأجرهما له، أو أعاره إياهما، لكونهما موقوفين عنده.

اه.

بحذف.

(قوله: ذهابا وإيابا) أي وإقامة في الثغر، أو نحوه - كما علمت.

(قوله: وثمن آلة الحرب) أي ويعطى ثمن آلة الحرب، أي أو نفس الآلة.

ويعطى أيضا مركوبا إن لم يطق المشي، أو طال سفره، وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما.

(قوله: وإبن السبيل) هو اسم جنس يطلق لغة على المسافر - رجلا أو امرأة، قليلا أو كثيرا - ولم يأت في القرآن العظيم إلا مفردا، لأن

محل السفر محل الوحدة، وإنما قيل له ابن السبيل - أي الطريق - لكونه ملازما له كملازمة الابن لأبيه، فكأنه ابنه.

ومن هذا المعنى قيل للملازمين للدنيا المنهمكين في تحصيلها: أبناء الدنيا.

(قوله: وهو مسافر الخ) الأولى حذف الواو - كما مر.

(قوله: مجتاز ببلد الزكاة) أي مار بها.

(قوله: أو منشئ سفر) معطوف على مجتاز، وإطلاق ابن السبيل عليه مجاز، لدليل هو القياس على الأول، بجامع احتياج كل لاهية السفر.

كذا في التحفة والنهاية.

(قوله: مباح) يفيد أنه إذا كان السفر معصية لا يطلق على المسافر: ابن السبيل، وليس كذلك.

وعبارة المنهاج: وابن السبيل: منشئ سفر أو مجتاز، وشرطه - أي من جهة الإعطاء لا التسمية - الحاجة، وعدم المعصية.

اه.

بزيادة من شرحي م ر وحجر.

فقوله

ص: 219

كان كسوبا بخلاف المسافر لمعصية إلا إن تاب، والمسافر لغير مقصد صحيح - كالهائم - ويعطى كفايته، وكفاية من معه من ممونه - أي جميعها - نفقة، وكسوة، ذهابا، وإيابا، إن لم يكن له بطريقه - أو مقصده - مال، ويصدق في دعوى السفر، وكذا في دعوى الغزو، بلا يمين.

ويسترد منه ما أخذه إن لم يخرج.

ولا يعطى أحد بوصفين.

نعم إن أخذ فقير بالغرم فأعطاه غريمه، أعطي بالفقر، لانه الآن محتاج.

ــ

لا التسمية: يفيد أنه يطلق عليه ابن السبيل.

(قوله: منها) أي من بلد الزكاة.

(قوله، ولو لنزهة) غاية لمقدر، أي فيعطى، ولو كان سفره لنزهه، أو كان كسوبا.

وعبارة الروض وشرحه: وهو من ينشئ سفرا مباحا من محل الزكاة فيعطى، ولو كسوبا، أو كان سفره لنزهه، لعموم الآية.

(قوله: بخلاف المسافر لمعصية) أي بأن عصى بالسفر، لا فيه، فلا يعطى، لأن القصد بإعطائه إعانته، ولا يعان على المعصية.

قال الكردي في الإيعاب: جعل بعضهم من سفر المعصية سفره بلا مال، مع أن له مالا ببلده، فيحرم، لأنه مع غناه يجعل نفسه كلا على غيره.

اه.

(قوله: إلا إن تاب) أي فيعطى لبقية سفره.

(قوله: والمسافر لغير مقصد صحيح) أي وبخلاف المسافر لغير ذلك فلا يعطى، لأن إتعاب النفس والدابة بلا غرض صحيح حرام، فلا يعان عليه بإعطائه.

(وقوله: كالهائم) تمثيل له.

قال الكردي: ومثله المسافر للكدية، وهي - بالضم والتحتية - ما جمع من طعام أو شراب، ثم استعملت للدروزة، وهي مطلق السؤال.

قال في الإيعاب: ولا شك أن الذين يسافرون بهذا القصد لا مقصد لهم معلوم غالبا، فهم حينئذ كالهائم.

اه.

(قوله: ويعطى) أي ابن السبيل.

(وقوله: كفايته إلخ) ويعطى أيضا ما يحمله إن عجز عن المشي أو طال سفره، وما يحمل عليه زاده ومتاعه إن عجز عن حملهما.

(قوله: أي جميعها) أي الكفاية.

والمناسب جميعهما، بضمير التثنية العائد على كفايته وعلى كفاية ممونه.

(قوله: ذهابا وإيابا) هذا إن قصد الرجوع، فإن لم يقصده يعطى ذهابا فقط.

قال في شرح المنهج: ولا يعطى مؤنة إقامته الزائدة على مدة المسافر.

اه.

وقال في التحفة: وهي - أي مدة المسافر - أربعة أيام، لا ثمانية عشر يوما، لأن شرطها قد لا يوجد.

اه.

واعتمد في النهاية - تبعا لوالده - أنه إذا أقام لحاجة يتوقعها كل يوم، يعطى ثمانية عشر يوم.

(قوله: إن لم يكن له) أي لابن السبيل وهذا قيد لكونه يعطى كفايته ذهابا وإيابا، وخرج به ما إذا كان له ذلك فإنه إنما يعطى القدر الذي يوصله إلى الموضع الذي فيه ماله، من الطريق أو المقصد.

وعبارة الروض وشرحه.

(فرع) يعطى ابن السبيل ما يكفيه في سفره ذهابا، وكذا إيابا، لقاصد الرجوع، إن لم يكن له في طريقه أو مقصده مال، أو ما يبلغه ماله إن كان له فيه مال.

اه.

(قوله: ويصدق في دعوى السفر) أي إرادة السفر.

(وقوله: وكذا في دعوى الغزو) أي وكذلك يصدق في دعوى إرادة الغزو - كما في حجر على بافضل - قال الكردي: وخرج بإرادة غزو، وكذا إرادة سفر ابن السبيل، ما لو ادعيا نفس الغزو والسفر فإنهما لا يصدقان.

قال في الإيعاب: لسهولة إقامة البينة عليهما.

اه.

(قوله: بلا يمين) متعلق بيصدق، أي يصدق بلا يمين.

قال في التحفة: لأنه لأمر مستقل.

اه.

(قوله: ويسترد منه) أي ممن ذكر من مدعي السفر ومدعى الغزو.

(وقوله: ما أخذه) نائب فاعل يسترد، أي يسترده إن بقي، وإلا فبدله.

اه.

تحفة.

(وقوله: إن لم يخرج) أي من ذكر.

بأن مضت ثلاثة أيام تقريبا ولم يترصد للخروج، ولا انتظر رفقة، ولا أهبة - كما في التحفة والنهاية - وإن أعطي من ذكر، وخرج ثم رجع، استرد فاضل ابن السبيل مطلقا، وكذا فاضل الغازي بعد غزوه إن كان شيئا له وقع عرفا ولم يقتر على نفسه، وإلا فلا يسترد منه.

وفي التحفة: يظهر أنه يقبل قوله في قدر الصرف، وأنه لو ادعى أنه لم يعلم قدره صدق ولم يسترد منه شئ، ولو خرج الغازي ولم يغز ثم رجع، استرد ما أخذه، قال الماوردي: لو وصل بلادهم ولم يقاتل لبعد العدو، لم يسترد منه لأن القصد الاستيلاء على بلادهم وقد وجد.

اه.

بتصرف.

(قوله: ولا يعطى أحد بوصفين) أي اجتمعا فيه، واستحق بهما الزكاة، كفقر وغرم، أو غزو.

والمراد: لا يعطى بهما من زكاة واحدة.

أما من زكاتين فيجوز أن يأخذ من واحدة بصفة، ومن الأخرى بصفة أخرى.

كغاز هاشمي، فإنه يأخذ بهما من الفئ.

(قوله: نعم، إن أخذ الخ)

ص: 220

(تنبيه) ولو فرق المالك الزكاة سقط سهم العامل، ثم إن انحصر المستحقون، ووفى بهم المال، لزم تعميمهم، وإلا لم يجب، ولم يندب.

لكن يلزمه إعطاء ثلاثة من كل صنف، وإن لم يكونوا بالبلد وقت الوجوب، ومن المتوطنين أولى.

ولو أعطى اثنين من كل صنف، والثالث موجود، لزمه أقل متمول غرما له من

ــ

هذا تقييد لما قبله: أي محل امتناع الأخذ بهما إن لم يتصرف في المأخوذ أولا، وإلا يمتنع ذلك.

وعبارة المنهاج مع التحفة: ومن فيه صفتا استحقاق للزكاة - كالفقر والغرم، أو الغزو - ويعطى من زكاة واحدة بأحدهما فقط، والخيرة إليه - في الأظهر - لأنه مقتضى العطف في الآية.

نعم، إن أخذ بالغرم أو الفقر مثلا، فأخذه غريمه وبقي فقيرا أخذ بالفقر، وإن نازع فيه كثيرون.

فالممتنع إنما هو الأخذ بهما دفعة واحدة، أو مرتبا قبل التصرف في المأخوذ.

اه.

بتصرف.

(قوله: تنبيه) أي من حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم، وما يتبع ذلك.

وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل.

(قوله: ولو فرق المالك الخ) خرج به الإمام، فإنه إذا فرق لم يسقط سهم العامل.

نعم، إن جعل للعامل أجرة في بيت المال سقط أيضا.

(والحاصل) أنه إن فرق الإمام وجب عليه تعميم الأصناف الثمانية بالزكاة.

وإن فرق المالك أو نائبه وجب

عليه تعميم سبعة أصناف.

ومحل وجوب التعميم في الشقين إن وجدوا، وإلا فمن وجد منهم، حتى لو لم يوجد إلا فقير واحد صرفت كلها له.

والمعدوم لا سهم له، قال في النهاية: قال ابن الصلاح - والموجود الآن أربعة: فقير، ومسكين، وغارم، وابن السبيل.

وإلا مر - كما قال - في غالب البلاد، فإن لم يوجد أحد منهم حفظت حتى يوجد بعضهم.

اه.

(قوله: ثم إن انحصر المستحقون الخ) أي في البلد.

ومحل هذا فيما إذا كان المخرج للزكوات المالك، فإن كان الإمام فلا يشترط انحصارهم فيها، بل يجب عليه تعميمهم، وإن لم ينحصروا.

والمراد تعميم من وجد في الإقليم الذي يوجد فيه تفرقة الزكاة، لا تعميم جميع المستحقين في الدنيا، لتعذره.

(والحاصل) يجب على الإمام - إذا كان هو المخرج للزكوات - أربعة أشياء: تعميم الأصناف، والتسوية بينهم، وتعميم آحاد كل صنف، والتسوية بينهم إن استوت الحاجات.

وإذا كان المخرج المالك: وجبت أيضا - ما عدا التسوية بين الآحاد - إلا إن انحصروا في البلد ووفى المال بهم، فإنها تجب أيضا.

فإن أخل المالك أو الإمام - حيث وجب عليه التعميم - بصنف، غرم له حصته.

لكن الإمام إنما يغرم من الصدقات، لا من مال نفسه.

(قوله - أيضا -: ثم إن انحصر المستحقون) أي في آحاد يسهل عادة ضبطهم، ومعرفة عددهم.

(قوله: ووفى بهم) أي بحاجاتهم الناجزة فيما يظهر.

اه.

وتحفة.

قال سم: وانظر: ما المراد بالناجزة؟ قال ع ش: ويحتمل أن المراد مؤنة يوم وليلة، وكسوة فصل، أخذا مما يأتي في صدقة التطوع.

اه.

(قوله: لزم تعميمهم) أي وإن زادوا على ثلاثة من كل صنف، ولا يجوز الاقتصار على ثلاثة، إذ لا مشقة في الاستيعاب حينئذ.

(قوله: وإلا لم يجب) أي وإن لم ينحصروا، أو انحصروا لكن لم يف المال بحاجتهم.

(قوله: ولم يندب) أي تعميمهم.

(قوله: لكن يلزمه) أي المالك.

(قوله: إعطاء ثلاثة) أي فأكثر، وذلك لأنهم ذكروا في الآية بلفظ الجمع وأقلة ثلاثة، إلا ابن السبيل فإنه ذكر فيها مفردا، لكن المراد به الجمع.

قال في النهاية: نعم، يجوز أن يكون العامل متحدا، حيث حصلت به الكفاية.

اه.

(قوله: وإن لم يكونوا إلخ) غاية للزوم إعطاء ثلاثة، أي يلزمه إعطاؤهم وإن لم يكونوا موجودين في بلد الزكاة وقت الوجوب، وإنما وجدوا عند الإعطاء.

(قوله: ومن المتوطنين) أي وإعطاء ثلاثة من المتوطنين أولى من غيرهم.

(فقوله: أولى) خبر لمبتدأ محذوف.

وعبارة الروض وشرحه: وإذا لم يجب الإستيعاب يجوز الدفع للمستوطنين والغرباء، ولكن المستوطنون أولى من الغرباء، لأنهم جيران.

اه.

(قوله: ولو أعطى) فاعله يعود على المالك فقط، إذا الكلام فيه، وبدليل قوله بعد: غرما له من ماله، إذ الإمام إنما يغرم من مال الصدقات التي بيده - كما مر.

(قوله: اثنين من كل صنف) مثله ما إذا أعطى واحدا

من صنف، والاثنان موجودان.

(قوله: والثالث) أي والحال أن الشخص الثالث من كل صنف موجود، فإن كان معدوما فسيذكر حكمه.

(قوله: لزمه أقل متمول) قال في شرح الروض: أي لأنه لو أعطاه له ابتداء خرج عن العهدة، فهو القدر الذي فرط فيه.

اه.

(قوله: غرما له) أي حال كون أقل المتمول غرما لذلك الثالث، أو على جهة الغرم له، فهو منصوب

ص: 221

ماله، ولو فقد بعض الثلاثة رد حصته على باقي صنفه، إن احتاجه، وإلا فعلى باقي الاصناف.

ويلزم التسوية بين الاصناف، وإن كانت حاجة بعضهم أشد، لا التسوية بين آحاد الصنف، بل تندب.

واختار جماعة - من أئمتنا - جواز صرف الفطرة إلى ثلاثة مساكين، أو غيرهم من المستحقين، ولو كان كل صنف - أو بعض الاصناف - وقت الوجوب محصورا في ثلاثة فأقل، استحقوها في الاولى.

وما يخص

ــ

على الحال أو التمييز.

(وقوله: من ماله) متعلق بغرما، أي يغرمه المالك له من مال نفسه، لا من الزكاة.

(قوله: ولو فقد بعض الثلاثة) أي من بلد الوجوب.

(قوله: رد حصته) أي ذلك البعض المفقود.

(قوله: على باقي صنفه) أي على الموجود منه.

(وقوله: إن احتاجه) الضمير المستتر يعود على باقي صنفه، والبارز يعود على الحصة، وكان الأولى تأنيثه، لأن الحصة مؤنثة.

والمعنى يرد حصة المفقود على الباقي إن احتاج إليها، بأن نقص نصيبه عن كفايته.

وعبارة الروض: ومتى عدم بعضهم أو فضل عن كفاية بعضهم شئ رد أي نصيبهم في الأولى، والفاضل في الثانية - على الباقين.

قال في شرحه: ومحله إذا نقص نصيبهم عن كفايتهم، وإلا نقل عن ذلك البعض.

اه.

بتصرف.

ولم يتعرض المؤلف لما إذا فقد الأصناف أو بعضهم.

وحاصل الكلام عليه - كما في المنهج وشرحه - أنه إذا عدمت الأصناف أو فضل عنهم شئ، وجب نقلها، أو نقل الفاضل إلى مثلهم بأقرب بلد إلى مال المتصدق.

فإن عدم بعضهم، أو وجدوا كلهم، وفضل عن كفاية بعضهم شئ، رد نصيب البعض المعدوم أو الفاضل على الباقين إن نقص نصيبهم عن كفايتهم، ولا ينقل إلى غيرهم، لانحصار الاستحقاق فيهم.

فإن لم ينقص نصيبهم، نقل ذلك إلى ذلك الصنف بأقرب بلد.

(قوله: وإلا فعلى باقي الأصناف) أي وإن لم يحتج ذلك البعض الباقي إلى حصة المفقود ردت على باقي الأصناف.

(قوله: ويلزم التسوية إلخ) أي سواء قسم المالك أم الإمام، وإن تفاوتت حاجاتهم، لأن ذلك هو قضية الجمع بينهم بواو التشريك.

ولو نقص سهم صنف عن كفايتهم، وزاد سهم صنف آخر رد فاصل هذا على أولئك.

(قوله: لا التسوية بين آحاد الصنف) أي لا تجب التسوية بين آحاد الصنف، فله أن يعطي الزكاة كلها لفقير، إلا أقل متمول، فيعطيه لفقيرين.

وإنما لم تجب لعدم انضباط الحاجات التي من شأنها التفاوت، بخلاف الأصناف، فمحصورة.

وهذا محله إن قسم المالك، فإن قسم الإمام وكثر ما عنده، فإن استوت حاجاتهم وجبت التسوية، وإلا فيراعيها.

(قوله: بل تندب) أي التسوية بين الآحاد، لكن إن استوت حاجاتهم.

فإن تفاوتت استحب التفاوت بقدرها.

(قوله: واختار جماعة الخ) هذا مقابل للقول بلزوم تعميمها للأصناف، لأن ذلك عام في زكاة المال وفي زكاة الفطرة.

وعبارة الروض وشرحه: ويجب استيعاب الأصناف

الثمانية بالزكاة - إن أمكن - بأن فرقها الإمام ووجدوا كلهم، لظاهر الآية، سواء زكاة الفطر وغيرها.

واختار جماعة من أصحابنا - منهم الاصطخري - جواز صرف الفطرة إلى ثلاثة مساكين أو غيرهم من المستحقين.

اه.

وعبارة التحفة: لكن اختار جمع جواز دفعها لثلاثة فقراء أو مساكين مثلا، وآخرون جوازه لواحد، وأطال بعضهم في الإنتصار له.

بل نقل الروياني عن الأئمة الثلاثة وآخرين أنه يجوز دفع زكاة المال أيضا إلى ثلاثة من أهل السهمان، قال: وهو الاختيار، لتعذر العمل بمذهبنا.

ولو كان الشافعي حيا لأفتى به.

اه.

قال الكردي: وفي فتاوى السيوطي الفقهية: يجوز للشافعي أن يقلد بعض المذاهب في هذه المسألة، سواء عمل فيما تقدم بمذهبه أم لا، وسواء دعت إليه ضرورة أم لا، خصوصا إن صرف زكاة الفطرة لأقل من ثلاثة رأى في المذهب، فليس الأخذ به خروجا عن المذهب بالكلية، بل أخذ بأحد القولين أو الوجهين فيه، وتقليد لمن رجحه من الأصحاب.

اه.

(قوله: ولو كان كل صنف الخ) عبارة الروض وشرحه: ويستحقها - أي الزكاة - العامل بالعمل، والأصناف بالقسمة.

نعم، إن انحصر المستحقون في ثلاثة فأقل: استحقوها من وقت الوجوب، فلا يضرهم حدوث غنى أو غيبة لأحدهم، بل حقه باق بحاله.

اه.

قال الكردي: وبحث في التحفة أنهم يملكون ما يكفيهم على قدر حاجاتهم، قال: ولا ينافيه ما يأتي من الاكتفاء بأقل متمول لأحدهم، لأن محله - كما هو ظاهر - حيث لا ملك الخ، أي حيث زادوا على ثلاثة.

اه.

(قوله: أو بعض الأصناف إلخ) أي والبعض الآخر ليس محصورا.

(قوله: وقت الوجوب) ظرف متعلق بمحصورا بعده.

(قوله: استحقوها) واو الجمع عائدة على الثلاثة فأقل

ص: 222

المحصورين في الثانية من وقت الوجوب، فلا يضر حدوث غنى أو موت أحدهم، بل حقه باق بحاله، فيدفع نصيب الميت لوارثه، وإن كان هو المزكي.

ولا يشاركهم قادم عليهم ولا غائب عنهم وقت الوجوب.

فإن زادوا على ثلاثة، لم يملكوا إلا بالقسمة.

ولا يجوز لمالك نقل الزكاة عن بلد المال، ولو إلى مسافة قريبة، ولا

ــ

من كل صنف.

والضمير البارز عائد على الزكاة.

(وقوله: في الأولى) هي صورة انحصار كل الأصناف.

(قوله: وما يخص الخ) معطوف على مفعول استحقوها.

والتقدير: واستحقوا ما يخص المحصورين.

ولا يخفى ما فيه، إذ يفيد أن المستحقين غير المحصورين، مع أنهم عينهم.

وكان المناسب والأخصر أن يقول: أو ما يخصهم منها في الثانية، وهي صورة انحصار بعض الأصناف.

والمعنى: أن المحصورين من الأصناف في الصورة الثانية يستحقون ما يخصهم من وقت الوجوب، وأما غيرهم من بقية الأصناف فلا يستحق حصته إلا بالقسمة.

(والحاصل) إن انحصر كل الأصناف استحقوها من وقت الوجوب، وإن انحصر البعض دون البعض فلكل حكمه.

نعم، العامل يملك بالعمل - كما مر عن الروض -.

(قوله: من وقت الوجوب) متعلق باستحقوها بالنسبة للصورتين، أي استحقوها من وقت الوجوب، أي يملكونها من حينئذ ملكا مستقرا، وإن لم يقبضوها فلهم التصرف فيها قبل قبضها إلا بالاستبدال عنها والإبراء منها، وإن

كان هو القياس، إذ الغالب على الزكاة، التعبد.

كذا في التحفة والنهاية.

(قوله: فلا يضر الخ) مرتب على استحقاقهم لها من وقت الوجوب، أي أنه إذا كان العبرة في ذلك بوقت الوجوب فلا يضر ما يحدث بعده من غنى أو موت أو غيبة عن محل الوجوب.

(قوله: بل حقه) أي من حدث له الغنى أو الموت بعد الوجوب.

(وقوله: باق بحاله) أي لا يتغير بما حدث.

(قوله: فيدفع نصيب الخ) مفرع على كون الحق باقيا، أي فإذا كان باقيا بالنسبة لحدوث الموت فيدفع نصيبه لوارثه، وإن كان غنيا.

(وقوله: وإن كان هو المزكي) أي وإن كان ذلك الوارث هو المزكي المالك، بأن كان الميت أخا استحق زكاة أخيه، ثم مات وورثه أخوه المزكي، فإنه يستحق نصيب أخيه الميت من زكاة نفسه، وحينئذ تسقط زكاته عنه.

والنية لسقوط الدفع عنه.

وعبارة شرح الروض: ولو مات واحد منهم؟ دفع نصيبه إلى وارثه، وقضيته أن المزكي لو كان وارثه أخذ نصيبه.

وعليه: فتسقط النية لسقوط الدفع، لأنه لا يدفع من نفسه لنفسه.

اه.

(قوله: ولا يشاركهم) معطوف على فلا يضر إلخ، فهو مرتب أيضا على استحقاقهم لها، أي وإذا استحقها هؤلاء المحصورون لا يشاركهم من حدث عليهم بعد وقت الوجوب من الفقراء ونحوهم، لأن الزكاة قد صارت ملكا لغيرهم.

(قوله: وقت الوجوب) متعلق بغائب.

(قوله: فإن زادوا) الضمير يعود على معلوم من السياق، أي فإن زاد المستحقون في كل الأصناف أو بعضهم.

وهذا مقابل قوله: محصورا في ثلاثة فأقل.

(قوله: لم يملكوا إلا بالقسمة) قال الكردي: قال القمولي في الجواهر: فلو مات واحد أو غاب أو أيسر بعد الوجوب وقبل القسمة، فلا شئ له.

وإن قدم غريب أو افتقر من كان غنيا يوم الوجوب، جاز الصرف إليه.

اه.

(قوله: ولا يجوز لمالك نقل الزكاة) أي لخبر الصحيحين: صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم.

ولامتداد أطماع مستحقي كل محل إلى ما فيه من الزكاة، والنقل بوحشهم، وبه فارقت الكفارة والنذر والوصية والوقف على الفقراء، ما لم ينص الواقف فيه على غير النقل، وإلا فيتبع.

وخرج بالمالك، الإمام، فيجوز له نقلها إلى محل عمله، لا خارجه، لأن ولايته عامة، وله أن يأذن للمالك فيه.

(قوله: عن بلد المال) أي عن محل المال الذي وجبت فيه الزكاة، وهو الذي كان فيه عند وجوبها.

ويؤخذ من كون العبرة ببلد المال: أن العبرة في الدين ببلد المدين.

لكن قال بعضهم: له صرف زكاته في أي محل شاء، لأن ما في الذمة ليس له محل مخصوص، وهو المعتمد.

وهذا في زكاة المال.

أما زكاة الفطرة: فالعبرة فيها ببلد المؤدى عنه.

(قوله: ولو إلى مسافة قريبة) في حاشية الجمل ما نصه: (فرع) ما حد المسافة التي يمتنع نقل الزكاة إليها؟ فيه تردد، والمتجه منه أن ضابطها في البلد ونحوه ما يجوز الترخص ببلوغه.

ثم رأيت ابن حجر مشى على ذلك في فتاويه، فحاصله أنه يمتنع نقلها إلى مكان يجوز فيه القصر

ويجوز إلى ما لا يجوز فيه القصر اه.

سم وعبارة ح ل: قوله إلى بلد آخر، أي إلى محل تقصر فيه الصلاة، وليس البلد الآخر بقيد، لأن المدار على نقلها لمحل تقصر فيه الصلاة: فإذا خرج مصري إلى خارج باب السور - كباب النصر -

ص: 223

تجزئ، ولا دفع القيمة في غير مال التجارة، ولا دفع عينه فيه.

ونقل عن عمر وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد، وبه قال أبو حنيفة، ويجوز عنده نقل الزكاة - مع الكراهة - ودفع قيمتها.

وعين مال التجارة.

(ولو أعطاها) أي الزكاة - ولو الفطرة - (لكافر، أو من به رق) ولو مبعضا غير مكاتب (أو هاشمي، أو

ــ

لحاجة آخر يوم من رمضان، فغربت عليه الشمس هناك، ثم دخل، وجب إخراج فطرته لفقراء خارج باب النصر.

اه.

وقوله: في فتاويه: مشى في التحفة على خلافه، ونصها مع الأصل: والأظهر منع نقل الزكاة عن محل المؤدي عنه إلى محل آخر به مستحق لتصرف إليه، ما لم يقرب منه، بأن ينسب إليه عرفا بحيث يعد معه بلدا واحدا، وإن خرج عن سوره وعمرانه.

وقول الشيخ أبي حامد: لا يجوز لمن في البلد أن يدفع زكاته لمن هو خارج السور، لأنه نقل للزكاة.

فيه حرج شديد، فالوجه ما ذكرته، لأنه ليس فيه إفراط ولا تفريط.

اه.

بتصرف.

وفي النهاية: وقد يجوز للمالك النقل فيما لو وقع تشقيص، كعشرين شاة ببلد، وعشرين بآخر، فله إخراج شاة بأحدهما - مع الكراهة - وفيما لو حال الحول ببادية لا مستحق بها، فيفرق الزكاة بأقرب محل إليه به مستحق، ولأهل الخيام الذين لا قرار لهم: صرفها لمن معهم، ولو بعض صنف - كمن بسفينة في اللجة - فإن فقدوا، فلمن بأقرب محل إليهم عند تمام الحول، والحلل المتمايزة - بنحو مرعى وماء - كل حلة كبلد، فيحرم النقل إليها، بخلاف غير المتميزة، فله النقل إليها لمن بدون مسافة القصر من محل الوجوب.

اه.

بتصرف.

(وقوله: ولا تجزئ) أي الزكاة المنقولة، أي لا تقع الموقع.

وأتى به بعد قوله ولا يجوز إلخ، لأنه لا يلزم من عدم الجواز عدم الإجزاء، فقد يحرم، وهو يجزئ، كالبيع بعد نداء الجمعة.

(قوله: ولا دفع القيمة) معطوف على نقل الزكاة، فيكون الفعل مسلطا عليه، لكن بقطع النظر عن متعلقه - أعني للمالك - لأن عدم الجواز هنا وفيما بعد، لا فرق فيه بين أن يكون المخرج الإمام أو المالك.

والمعنى: لا يجوز للمخرج - مطلقا - دفع القيمة عن الزكاة المتعلقة بالأعيان، وهي زكاة غير مال التجارة، ولا يجزئ.

(قوله: ولا دفع عينه) معطوف أيضا على نقل الزكاة، أي ولا يجوز دفع العين في مال التجارة عن الزكاة، ولا يجزئ، لأن متعلقها القيمة.

(وقوله: فيه) أي في مال التجارة.

(قوله: إلى صنف واحد) أي من الأصناف.

(قوله: وبه قال أبو حنيفة) أي بجواز صرفها إلى صنف واحد.

قال أبو حنيفة: وقد تقدم لنا - في مبحث الشرط الثاني في أداء الزكاة عن ابن حجر في شرح العباب - أن الأئمة الثلاثة - وكثيرين - يقولون بجواز صرفها إلى شخص واحد.

فانظره.

(قوله: ويجوز عنده) أي أبي حنيفة رضي الله عنه.

وفي حاشية الجمل - بعد كلام - ما نصه: (فائدة) المفتى به من مذهب المالكية - كما علم من مراجعة الثقات منهم - أن النقل يجوز لدون مسافة القصر مطلقا، أي سواء كان المنقول إليه أحوج من أهل بلد الزكاة أو لا، وسواء زكاة الفطر والماشية النابت.

وأما نقلها إلى فوق مسافة القصر فلا يجوز، إلا إن كان المنقول إليه أحوج من أهل بلد الزكاة، وإلا فلا يجوز.

اه.

وهذا كله فيما إذا أخذها المالك بنفسه أو نائبه ودفعها لمن هو في غير محلها.

وأما إذا جاء من ليس من أهل محلها وأخذها في محلها فلا يقال فيه نقل، بل الذي حضر في محلها صار من أهله - سواء حضر قبل الحول أو بعده، وسواء حضر لغرض غير أخذها، أو لغرض أخذها فقط - فيجوز دفعها له مطلقا، أي سواء جاء من دون مسافة القصر أو من فوقها، سواء كان أحوج من أهل البلد أم لا.

(قوله: ولو أعطاها الخ) شروع في بيان مفاهيم شروط الآخذين للزكاة، بعضها ملحوظ في كلامه - وهو الإسلام، والحرية، وأن لا يكون هاشميا، ولا مطلبيا - وبعضها مصرح به، وهو الاستحقاق المأخوذ من قوله - سابقا - لمستحقيها.

(قوله: ولو الفطرة) أي ولو كانت الزكاة الفطرة، فلا يجوز إعطاؤها لمن ذكر.

(قوله: لكافر) مفعول أول لأعطى، واللام زائدة، والمفعول الثاني الهاء في أعطاها مقدم، ولا فرق في الكافر بين أن يكون أصليا أو مرتدا.

(قوله: أو من به رق)

ص: 224

مطلبي)، أو مولى لهما، لم يقع عن الزكاة، لان شرط الآخذ الاسلام، وتمام الحرية، وعدم كونه هاشميا، ولا مطلبيا، وإن انقطع عنهم خمس الخمس لخبر: إن هذه الصدقات - أي الزكوات - إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآله.

قال شيخنا: وكالزكاة: كل واجب - كالنذر، والكفارة بخلاف التطوع

ــ

أي أو من قام به رق.

(وقوله: ولو مبعضا) غاية لمن به رق، أي لا فرق فيمن قام به الرق بين أن يكون كله رقيقا، أو بعضه رقيق وبعضه الآخر حر.

(قوله: غير مكاتب) أما هو: فيأخذ - لدخوله في الآية - إذ المراد من الرقاب فيها - كما مر - المكاتبون كتابة صحيحة.

(قوله: أو هاشمي أو مطلبي) أي أو أعطاها لهاشمي أو مطلبي، وهما من انتسب لهاشم والمطلب، وإن لم يكونا من الأشراف، كالمنسوبين للعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال لهم العباسية، وكالمنسوبين لسيدنا علي من غير السيدة فاطمة كمحمد بن الحنفية وأولاده.

وأما الأشراف فهم من نسبوا لسيدنا الحسن، أو سيدنا الحسين - على المشهور - فيكون آل البيت أعم من الأشراف.

وفي حاشية الجمل: قوله وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا، أي منتسبا إليهما أو لأحدهما، فخرج أولاد بناتهم من غيرهم، لأنهم لا حق لهم في خمس الخمس.

اه.

(قوله: أو مولى لهما) أي للهاشمي والمطلبي، أي عبد لهما.

وعبارة المنهاج مع التحفة: وكذا مولاهم - في الأصح - للخبر الصحيح: مولى القوم منهم.

ويفرق بينهم وبين بني أخواتهم - مع صحة حديث: ابن أخت القوم منهم، بأن أولئك لما لم يكن لهم آباء وقبائل ينسبون إليهم غالبا، تمحضت نسبتهم لساداتهم، فحرم ما حرم عليهم، تحقيقا لشرف موالاتهم، ولم

يعطوا من الخمس لئلا يساووهم في جميع شرفهم.

اه.

(قوله: لم يقع) أي ما أعطاه لمن ذكر عن الزكاة، وهو جواب لو، وقدره الشارح للعلة بعده.

وكان الصواب عدم تقديره، وتأخير العلة بعد قوله لم يجزئ، لأن تقديره يقتضي وقوع الجواب الذي في المتن ضائعا.

فتنبه.

(قوله: لأن شرط الآخذ: الإسلام) أي فلا يجوز إعطاؤها لكافر.

نعم، يجوز استئجار كافر وعبد كيال أو حامل أو حافظ أو نحوهم من سهم العامل، لأنه أجرة لا زكاة، بخلاف نحو ساع، وإن كان ما يأخذه أجرة، لأنه لا أمانة له.

ويجوز استئجار ذوي القربى والمرتزقة من سهم العامل لشئ مما ذكر، بخلاف عمله فيه بلا إجارة، لأن فيما يأخذه حينئذ شائبة زكاة، وبهذا يخص عموم قوله وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا.

أفاده في التحفة.

(قوله: وعدم كونه هاشميا ولا مطلبيا) أي ولا مولى لهم - كما مر.

(قوله: وإن انقطع عنهم خمس الخمس) قال في بشرى الكريم: لكن ذهب جم غفير إلى جوازها لهم إذا منعوا مما مر، وأن علة المنع مركبة من كونها أو ساخا، ومن استغنائهم - بما لهم من خمس الخمس - كما في حديث الطبراني وغيره، حيث علل فيه بقوله: إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم.

وقد منعوا مما لهم من خمس الخمس، فلم يبق للمنع إلا جزء علة، وهو لا يقتضي التحريم.

لكن ينبغي للدافع إليهم أن يبين لهم أنها زكاة، فلربما يتورع من دفعت إليهم.

اه.

وهذا القول هو مذهب المالكية، كما نقله في حاشية الجمل عنهم، ونصها: وعبارة الشيخ عبد الباقي الزرقاني على الشيخ خليل: ثم المعتمد عدم حرمة صدقة التطوع على آله، واختصاص الحرمة بالفرض إن أعطوا من بيت المال ما يستحقونه، وإلا أعطوا منها إن أضر بهم الفقر - كما في الواقي - أو أبيحت لهم الصدقة - كما في الباجي - بل الإعطاء لهم حينئذ أفضل من غيرهم.

وكلام الباجي ظاهر.

اه.

(قوله: لخبر إن هذه إلخ) أي ولخبر الحاكم عن علي بن العباس أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمله على الصدقة فقال: ما كنت أستعملك على غسالة الأيدي.

وخبر الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا أحل لكم - أهل البيت - من الصدقات شيئا، ولا غسالة الأيدي.

إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم - أو يغنيكم - أي بل يغنيكم.

وقوله: ولا غسالة الأيدي.

عطف علة على معلول، أي لأنها غسالة الأيدي، وأنتم منزهون عنها.

والمراد التنفير عنها.

(قوله: أي الزكوات) تفسير للصدقات، وأتى به لئلا يتوهم أن المراد بالصدقات ما يشمل صدقة التطوع، مع أنها تحل لهم - كما سيصرح به.

(قوله: إنما هي أوساخ الناس) أي لأن بقاءها في الأموال يدنسها، كما يدنس الثوب الوسخ.

والأوساخ جمع وسخ، وهو لغة: ما يعلو الثوب غيره من قلة التعهد.

اه.

بجيرمي.

(قوله: قال شيخنا) أي في التحفة، وعبارته: وكالزكاة: كل واجب من النذر والكفارة، ومنها دماء النسك، بخلاف التطوع.

وحرم عليه صلى الله عليه وسلم الكل، لأن مقامه أشرف،

ص: 225

والهدية.

(أو غني) وهو من له كفاية العمر الغالب - على الاصح -.

وقيل: من له كفاية سنة.

أو الكسب الحلال اللائق (أو مكفي بنفقة قريب) من أصل، أو فرع، أو زوج، بخلاف المكفي بنفقة متبرع (لم يجزئ) ذلك عن الزكاة، ولا تتأدى بذلك إن كان الدافع المالك وإن ظن استحقاقهم.

ثم إن كان الدافع يظن الاستحقاق الامام: برئ المالك، ولا يضمن الامام، بل يسترد المدفوع، وما استرده صرفه للمستحقين.

أما من لم يكتف

ــ

وحلت له الهدية، لأنها شأن الملوك، بخلاف الصدقة.

اه.

ومثله في النهاية، وعبارتها: وكالزكاة: كل واجب - كنذر، وكفارة - بناء على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع على أوجه احتمالين كما يؤخذ ترجيح ذلك من إفتاء الوالد بأنه يحرم عليهم الأضحية الواجبة والجزء الواجب من أضحية التطوع.

اه.

(قوله: بخلاف التطوع والهدية) أي فإنهما يحلان، ومفاده حتى للنبي أيضا، مع أن التطوع لا يحل له، وإنما يحل لآله فقط - كما يعلم من عبارة التحفة المارة -.

وفي البجيرمي: والراجح من مذهبنا حرمة الصدقتين عليه صلى الله عليه وسلم، وحرمة صدقة الفرض دون النفل على آله.

وقال النووي: لا تحل الصدقة لآل محمد - لا فرضها ولا نقلها - ولا لمواليهم: إن مولى القوم منهم.

اه.

(قوله: أو غني) معطوف على كافر، أي أو أعطاها لغني.

(قوله: وهو من له كفاية العمر الغالب) أي من عنده مال يكفيه العمر الغالب بحيث لو وزع عليه لخص كل يوم ما يكفيه.

(قوله: وقيل من له إلخ) مقابل الأصح.

(قوله: أو الكسب) معطوف على كفاية، أي ومن له الكسب.

(وقوله: الحلال) قيد.

(وقوله: اللائق) قيد ثان.

وخرج بالأول: ما إذا كان له كسب حرام، كأن يصطنع آلة اللهو المحرمة.

وبالثاني: غير اللائق به.

فلا عبرة بهما، ويعطى من الزكوات.

(قوله: أو مكفي الخ) معطوف على كافر أيضا، أي أو أعطاها لمكفي بالنفقة، وهو إما قريب أو زوجة.

وفي إطلاقه عليها تغليب، وإلا فهي يقال لها مكفية - بالتأنيث - وذكر هذا بعد الغني من ذكر الخاص بعد العام.

إذ المكفي غني أيضا.

وعبارة البرماوي: قوله: ومن تلزم المزكي نفقته.

لو أسقطه لكان أولى، لأن المكفي بنفقة غيره غني.

اه.

(وقوله: بنفقة قريب) أي واجبة.

وهي نفقة الأصل لفرعه، وبالعكس، ونفقة الزوج لزوجته - كما يستفاد من البيان بعده -.

وخرج بها النفقة غير الواجبة، كنفقة الأخ على أخته، فلا تمنع الفقر والمسكنة.

(قوله: من أصل إلخ) بيان للقريب.

(قوله: بخلاف المكفي بنفقة متبرع) هذا لا يفهم من كلامه، بل مما زدته هناك، وهو أن تكون النفقة واجبة، وذلك لأن المتبرع بالنفقة يكون قريبا أيضا كالأخ والعم.

(قوله: لم يجزئ ذلك) أي ما أعطاه للغني وللمكفي بالنفقة.

وقد علمت أن هذا بتقدير الشارح جواب لو الشرطية، وهو لم يقع يكون ضائعا.

والمناسب - كما هو عادته - أن يقدر أداة شرط قبيل قوله أو غني، يكون هذا جوابه.

(قوله: ولا تتأدى) أي الزكاة بذلك، أي الإعطاء، أي لا تقع بذلك.

وهو عين عدم الإجزاء، فالأخصر حذفه.

(قوله: إن كان الدافع الخ) قيد في عدم الإجزاء، أي لا يجزئ ذلك عنها إن كان الدافع هو المالك، فإن كان الامام برئ المالك بإعطائها له.

(قوله: وإن ظن استحقاقهم) غاية في عدم الإجزاء حين كان الدافع المالك، أي لا تجزئ وإن ظن المالك

استحقاق من أعطاهم.

(قوله: ثم إن كان إلخ) المناسب فإن كان الخ - بالتعبير بالفاء، بدل ثم - لأنه مقابل قوله: إن كان الدافع المالك.

(قوله: برئ المالك) أي بإعطائها للإمام، ولكن لا يقع عن الزكاة بدليل قوله بل يسترد المدفوع.

وعبارة الروض وشرحه: وإن أعطى الإمام من ظنه مستحقا فبان غنيا لم يضمن، لأنه غير مقصر، ويجزئ عن المالك، وإن لم يجزئ عن الزكاة - كما نقله في المجموع - ولهذا يسترد - كما سيأتي - والإجزاء عن المالك ليس مرتبا على بيان كون المدفوع إليه غنيا بل هو حاصل بقبض الإمام، لأنه نائب المستحقين، بخلاف إعطاء المالك من ظنه مستحقا فبان غنيا فإنه لا يجزئ.

وكذا لا يضمن الامام ويجزئ ما دفعه - دون ما دفعه المالك - إن بان المدفوع إليه هاشميا أو مطلبيا أو عبدا أو كافرا، أو أعطاه من سهم الغزاة أو العاملين ظانا أنه رجل فبان امرأة فيسترد الإمام في الصور كلها.

اه.

(قوله: ولا يضمن الإمام) أي ما أعطاه لمن ظنه مستحقا، لأنه غير مقصر.

(قوله: بل يسترد المدفوع) أي إن بقي، فإن تلف رجع الدافع عليه ببدله ودفعه للمستحقين.

وإذا كان الآخذ عبدا أو تلف عنده تعلق البدل بذمته، لا برقبته.

فإن تعذر على الإمام الاسترداد لم يضمن، إلا أن يكون قد قصر فيه حتى تعذر فيضمن.

أفاده في شرح الروض.

(قوله: وما استرده

ص: 226

بالنفقة الواجبة له - من زوج، أو قريب - فيعطيه المنفق وغيره، حتى بالفقر.

ويجوز للمكفي بها الاخذ بغير المسكنة والفقر إن وجد فيه، حتى ممن تلزمه نفقته.

ويندب للزوجة إعطاء زوجها من زكاتها، حتى بالفقر والمسكنة وإن أنفقها عليها.

قال شيخنا: والذي

يظهر أن قريبه الموسر لو امتنع من الانفاق عليه وعجز عنه بالحاكم، أعطي حينئذ، لتحقق فقره أو مسكنته الآن.

ــ

إلخ) أي والذي استرده الإمام من المدفوع إليه أعطاه للمستحقين.

(قوله: أما من لم يكتف الخ) مفهوم قوله أو مكفي بنفقة وعدم الاكتفاء بنفقة القريب إما لكونه معمرا لا يكفيه ما يأخذه منه، أو موسرا وهو أكول لا يكفيه ما وجب له عليه.

وعبارة التحفة: وأفهم قوله المكفي: أن الكلام في زوج موسر، أما معسر لا يكفي.

فتأخذ تمام كفايتها بالفقر، ويؤخذ منه أن من لا يكفيها ما وجب لها على الموسر لكونها أكولة تأخذ تمام كفايتها بالفقر - ولو منه فيما يظهر - وأن الغائب زوجها ولا مال له، ثم تقدر على التوصل إليه وعجزت عن الاقتراض، تأخذ، وهو متجه.

ثم رأيت الغزالي والمصنف في فتاويه وغيرهما ذكروا ما يوافق ذلك من أن الزوج أو البعض لو أعسر أو غاب ولم يترك منفقا ولا مالا يمكن الوصول إليه، أعطيت الزوجة، والقريب بالفقر أو المسكنة، والمعتدة التي لها النفقة كالتي في العصمة.

اه.

ومثله في النهاية.

وكتب الرشيدي على قولها من أن الزوج أو البعض لو أعسر الخ، ما نصه: هو صريح في أن من أعسر زوجها بنفقتها تأخذ من الزكاة، وإن كانت متمكنة من الفسخ.

ولعل وجهه أن الفسخ لا يلزم منه استغناؤها.

وقضية ذلك أنه لو ترتب عليه الاستغناء - بأن كان لها قريب موسر تلزمه نفقتها لو فسخت أنها - لا تعطى.

اه.

(قوله: فيعطيه المنفق وغيره) أي تمام كفايته.

(وقوله: حتى بالفقر) غاية لمقدر - أي يعطيه بكل صفة يستحق بها الأخذ، حتى بصفة الفقر.

(قوله: ويجوز

للمكفي بها الأخذ بغير المسكنة والفقر) أي بغير صفة الفقر وصفة المسكنة من بقية الصفات، أما بهما فلا يجوز، لأنه ليس متصفا بهما، لغناه بنفقة قريبه عليه.

وعبارة الروض وشرحه: (فرع) لو اكتفى إنسان بنفقة من تلزمه نفقته لم يعط من سهم الفقراء والمساكين، لغناه حينئذ - كالمكتسب كل يوم قدر كفايته - وله الأخذ من باقي السهام إن كان من أهلها، حتى يجوز له الأخذ ممن تلزمه نفقته.

اه.

(وقوله: إن وجد) أي ذلك الوصف الذي هو غير الفقر والمسكنة، كأن يكون غازيا، أو مسافرا، أو عاملا، أو مؤلفا، أو غارما.

نعم، المرأة لا تكون عاملة ولا غازية - كما في الروضة -.

(وقوله: فيه) أي في المكفي.

(قوله: حتى ممن تلزمه نفقته) أي حتى يجوز له الأخذ من الزوج أو القريب الذي تلزمه نفقته.

(قوله: ويندب للزوجة إعطاء زوجها الخ) أي لحديث البخاري: عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود أنها قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تصدقن ولو من حليكن.

وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمر علينا بلال، فقلنا: سل النبي صلى الله عليه وسلم: أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ - وقلنا لا تخبر بنا - فدخل، فسأله، فقال: من هما؟ قال: زينب.

قال: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله بن مسعود.

قال: نعم، ولها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة.

(قوله: قال شيخنا والذي يظهر إلخ) لعله في غير التحفة وفتح الجواد.

نعم، في عبارة التحفة المارة - نقلا عن الغزالي والمصنف في فتاويه - ما يفيد ذلك، حيث قال: إن الزوج أو البعض لو أعسر أو غاب الخ - أي أو لم يعسر - بأن كان موسرا لكن غاب.

(وقوله: لو امتنع من الإنفاق عليه) أي على قريبه الفقير.

(وقوله: وعجز) أي قريبه الفقير.

(وقوله: عنه) أي عن قريبه الموسر، وهو متعلق بعجز.

أي عجز عن أخذ النفقة منه.

(وقوله: بالحاكم) متعلق بعجز أيضا.

والمراد أنه رفع أمره إلى الحاكم وحكم عليه بإعطاء النفقة، فلم يمتثل أمر الحاكم بإعطائه، لكونه ذا شوكة.

(قوله: أعطي) جواب لو.

(وقوله: حينئذ) أي حين إذا امتنع من الإنفاق وعجز عنه بالحاكم.

ومفاده أنه لو لم يعجز عنه الحاكم بأن لم يرفع أمره إليه أنه لا يعطى.

وفي البجيرمي - نقلا عن البرماوي - ما يفيد أن الرفع للحاكم ليس بقيد في الأخذ من الزكاة.

وعبارته: ولو امتنع قريبه من الإنفاق، واستحى من رفعه إلى الحاكم، كان له الأخذ، لأنه غير مكفي.

ص: 227

(فائدة) أفتى النووي في بالغ تاركا للصلاة كسلا أنه لا يقبضها له إلا وليه - أي كصبي ومجنون - فلا تعطى له، وإن غاب وليه، خلافا لمن زعمه: بخلاف ما لو طرأ تركه لها أو تبذيره ولم يحجر عليه: فإنه يقبضها.

ويجوز دفعها لفاسق - إلا إن علم أنه يستعين بها على معصية فيحرم وإن أجزأ.

(تتمة) في قسمة الغنيمة.

ما أخذناه من أهل حرب قهرا: فهو غنيمة، وإلا فهو فئ، ومن الاول:

ــ

اه.

(قوله: لتحقق فقره أو مسكنته) أي القريب الذي امتنع قريبه الموسر من الإنفاق عليه، وهو تعليل لإعطائه من الزكاة.

(وقوله: الآن) أي آن الامتناع من النفقة عليه - أي وقته.

(قوله: أفتى النووي الخ) ساقه في التحفة مرتبا على شرط زائد على شروط الآخذ المارة، وعبارتها - بعد قول المصنف وأن لا يكون هاشميا، ولا مطلبيا - وأن لا يكون محجورا عليه.

ومن ثم أفتى المصنف الخ.

اه.

ومثلها النهاية.

فلو صنع المؤلف مثل صنعهما لكان أولى.

وذلك لأن الذي بلغ - وهو تارك للصلاة - هو غير رشيد، فهو محجور عليه.

(قوله: في بالغ) أي مستحق للزكاة.

(قوله: تاركا للصلاة) حال من الضمير المستتر في بالغ أي بلغ والحال أنه تارك للصلاة.

وكان عليه أن يزيد: أو مبذرا لماله - كما صرح به في مقابله الآتي - (وقوله: كسلا) خرج به ما إذا كان جحدا لوجوبها، فلا يعطى أصلا، لا هو، ولا وليه، لأنه يكفر بذلك، والكافر ليس من أهلها، كما مر.

(قوله: أنه لا يقبضها الخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر مقدر متعلق بأفتى، أي أفتى بعدم قبض أحد له إياها ما عدا وليه فإنه هو الذي يقبضها له.

وفي الكلام حذف: أي أفتى بأنه يصح إعطاؤها له، ويقبضها عنه وليه.

(قوله: أي كصبي ومجنون) الكاف للتنظير، أي أن هذا نظير الصبي والمجنون في أنه يكون القابض عنهما وليهما، ولو حذف أي التفسيرية لكان أولى.

(قوله: فلا تعطى له) أي فلا تعطى الزكاة للبالغ المذكور نفسه، لأنه غير رشيد، فهو محجور عليه.

(قوله: وإن غاب وليه) غاية في عدم الإعطاء، وحينئذ تبقى حصته من الزكاة إلى أن يحضر الغائب ويستلم عنه.

(قوله: خلافا لمن زعمه) أي زعم الإعطاء لنفس البالغ المذكور عند غيبة الولي.

(قوله: بخلاف ما لو طرأ تركه لها) أي للصلاة، وهذا مفهوم المقارنة المستفادة من جعل تاركا حالا - كما علمت -.

(وقوله: أو تبذيره) أي أو طرأ تبذير البالغ لماله، وهذا مفهوم قيد محذوف - كما علمت -.

(وقوله: ولم يحجر عليه) قيد في الثاني، أي طرأ تبذيره، والحال أنه لم يحجر عليه.

فإن حجر عليه لم يقبضها هو، بل وليه.

(قوله: فإنه يقبضها) أي فإن البالغ الذي طرأ عليه ما ذكر يقبض الزكاة بنفسه، لأنه حينئذ رشيد.

(قوله: يجوز دفعها) أي الزكاة.

(وقوله: لفاسق) أي غير تارك الصلاة، أما هو فلا تدفع الزكاة له، بل لوليه - كما مر آنفا - وفي فتاوى ابن حجر ما نصه:(سئل) رحمه الله عن الجبابرة والرماة للبندق ونحوه المتصفين بصفات أهل الزكاة، هل يعطون منها؟ وهل يعطون مع ترك الحرفة اللائقة بهم أم لا؟ (فأجاب) رحمه الله تعالى: بأن النووي وغيره صرحوا بأنه يجوز إعطاء الزكاة للفسقة، - كتاركي الصلاة - إن وجد فيهم شرط استحقاقها، لكن من بلغ منهم ليس مصلحا لدينه وماله لا يجوز إعطاؤها لهم، بل لوليهم.

ثم تركهم الحرف اللائقة بهم إن كان لاشتغالهم بما هو أهم - كقتال الكفار - أعطوا من الفئ والغنيمة، لا من

الزكاة، أو كقتال البغاة جاز إعطاؤهم من الزكاة، وإن كان لغير ذلك - كاشتغالهم بالمعاصي ومحاربة المسلمين - فلا يجوز إعطاؤهم شيئا من الزكاة.

ومن أعطاهم منها شيئا لم تبرأ ذمته، ويجب على كل ذي قدرة منعه وزجره عن ذلك بيده ثم لسانه.

والله أعلم.

اه.

(قوله: إلا إن علم) أي الدافع.

(وقوله: أنه) أي الفاسق.

(وقوله: يستعين بها) أي الزكاة.

(وقوله: على معصية) كشراء خمر بها.

(قوله: فيحرم) أي الدفع له.

(قوله: وإن أجزأ) أي دفعها له، فتبرأ ذمة المالك.

(قوله: تتمة في قسمة الغنيمة) أي في بيان قسمة الغنيمة.

أي وفي بيان قسمة الفئ أيضا.

وقد أفردها الفقهاء بترجمة مستقلة، واختلفوا في وضعها، فبعضهم وضعها عقب باب الوديعة.

وقبيل قسم الصدقات، وبعضهم عقب كتاب السير.

والمؤلف لما ذكر قسم الصدقات هنا، ذكر معه قسم الفئ والغنيمة، لما بينهما من المناسبة، لأن كلا يجمعه الإمام ويفرقه.

ص: 228

ما أخذناه من دارهم اختلاسا، أو سرقة - على الاصح - خلافا للغزالي وإمامه: حيث قالا إنه مختص بالآخذ بلا تخميس، وادعى ابن الرفعة الاجماع عليه، ومن الثاني: جزية وعشر تجارة وتركة مرتد، ويبدأ في الغنيمة

ــ

والغنيمة: فعيلة بمعنى مفعولة، من الغنم، وهو الربح.

والفئ: مصدر فاء: إذا رجع.

ثم استعملا في المال المأخوذ من الكفار.

والمشهور تغايرهما - كما هو صريح كلام الشارح - وقيل كل منهما يطلق على الآخر إذا أفرد، فإن جمع بينهما افترقا - كالفقير والمسكين.

والأصل فيهما آية: * (ما أفاء الله على رسوله) * (1) وآية: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ) * (2) ولم تحل الغنائم لأحد قبل الإسلام، بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالا جمعوه، فتأتي نار من السماء تأخذه.

ثم أحلت للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت في صدر الإسلام له خاصة، لأنه كالمقاتلين: كلهم نصرة وشجاعة، بل أعظم، ثم نسخ ذلك، واستقر الأمر على ما يأتي.

(قوله: ما أخذناه) أي معاشر المسلمين، وهو قيد أول خرج به ما أخذه الذميون من أهل الحرب، فإنه ليس بغنيمة.

(وقوله: من أهل حرب) متعلق بأخذناه، وهو قيد ثان، خرج به ما أخذناه من الذميين، وما أخذناه ممن لم تبلغه الدعوة أصلا، أو دعوة نبينا، وكان متمسكا بدين حق، فهو ليس بغنيمة، ومالهم يرد إليهم.

وخرج به أيضا، ما أخذناه من المرتدين فإنه فئ، وليس بغنيمة.

وقيد بعضهم أهل الحرب بكونهم أصليين، وأخرج به المرتدين، ولا حاجة إليه، لأن المراد من أهل الحرب من كانوا أصليين.

(قوله: قهرا) صفة لموصوف محذوف، أي أخذا قهرا بأن كان بإيجاف - أي إسراع خيل، أو بغال، أو إبل، أو سفن - وهو قيد ثالث، خرج به ما أخذناه منهم صلحا فهو فئ - كما سيأتي - وأسقط قيدا رابعا وهو: أن يكون المال الذي أخذناه منهم ملكا لهم.

وخرج به ما إذا لم يكن كذلك كأن أخذه أهل الحرب من

المسلمين قهرا ثم أخذناه منهم، فيجب رده لمالكه.

(والحاصل) أن الغنيمة هي مال أو اختصاص أخذه المسلمون من كفار أصليين حربيين مالكين له قهرا، أي بقتال أو إيجاف لنحو خيل أو إبل.

(قوله: وإلا) أي وإن لم نأخذه من أهل الحرب قهرا، بأن أخذناه من غيرهم، أو أخذناه منهم لا قهرا.

فالأول: كالجزية المأخوذة من الذميين، وكالمال المأخوذ من المرتدين.

والثاني: كالذي صالحونا عليه.

(وقوله: فهو فئ) أي فما أخذناه ممن ذكر هو فئ.

والجملة جواب الشرط.

(قوله: ومن الأول) أي الغنيمة.

(قوله: ما أخذناه الخ) فيه أن التعريف السابق للغنيمة لا يشمل ما ذكر، لأن المراد بالقهر ما كان بقتال وإيجاف خيل أو إبل، وهذا ليس كذلك.

ويمكن أن يقال: المراد بالقهر ما يشمل الحقيقي والتنزيلي، وهذا من الثاني، لأنه لما خاطر بنفسه ودخل دارهم على هذا الوجه ينزل منزلة القهر بالقتال ونحوه.

(وقوله: من دارهم) أي الحربيين، وهو ليس بقيد، فمثله ما أخذناه منهم بدارنا، حيث لا أمان لهم.

(وقوله: اختلاسا) هو الاختطاف بسرعة على غفلة، سواء كان من حرز مثله أم لا.

(وقوله: أو سرقة) هي لغة: أخذ المال خفية.

وشرعا: أخذه خفية من حرز مثله.

فهو أخص من الاختلاس.

(قوله: على الأصح) متعلق بما تعلق به قوله ومن الأول، أي أن كونه من الأول مبني على الأصح.

قال في التحفة: لأن تغريره بنفسه قائم مقام القتال، ومن ثم لو أخذ سوما ثم هرب أو جحده: اختص به.

ويوجه بأنه لما لم يكن فيه تغرير لم يكن في معنى الغنيمة.

(قوله: خلافا لغزالي إلخ) بيان لمقابل الأصح.

(قوله: وإمامه) أي إمام الغزالي.

أي شيخه - وهو إمام الحرمين -.

(قوله: حيث قالا) أي الغزالي والإمام.

(قوله: أنه) أي ما أخذناه من دارهم اختلاسا أو سرقة.

(قوله: بلا تخميس) ذكره تأكيد، وإلا فيعلم من كونه مختصا بالآخذ أنه لا يخمس.

(قوله: الإجماع عليه) أي على ما قالاه من أنه مختص بالآخذ.

(قوله: من الثاني) أي الفئ.

(قوله: جزية) هي ما أخذت من أهل الذمة في مقابلة كفنا عن قتالهم، وإقرارهم بدارنا.

ومثلها: الخراج، وهو ضرب على الأرض، صالحونا على أنها لنا ويسكنونها بشئ معلوم، فهو حينئذ أجرة لا يسقط بإسلامهم.

الحشر: 6.

(2)

الانفال: 41

ص: 229

بالسلب للقاتل المسلم بلا تخميس، وهو ملبوس القتيل، وسلاحه، ومركوبه، وكذا سوار، ومنطقة، وخاتم، وطوق.

وبالمؤن: كأجرة حمال.

ثم يخمس باقيها، فأربعة أخماسها، ولو عقارا، لمن حضر الوقعة، وإن لم

ــ

(قوله: وعشر تجارة) يعني ما أخذ من أهلها، سواء ساوى العشر أم لا.

(قوله: وتركة مرتد) وكذا تركة كافر معصوم من

ذمي ومعاهد ومؤمن إذا لم يكن له وارث أصلا، فإن كان له وارث أخذ ماله، سواء كان مستغرقا أم لا، ويرد على غير المستغرق - كبنت - لأن الرد لا يختص بالمسلمين.

اه.

ش ق.

(قوله: ويبدأ) أي وجوبا.

(وقوله: في الغنيمة) أي في حال قسمة الغنيمة، أو من الغنيمة.

ففي: إما باقية على معناها، أو بمعنى من.

(قوله: بالسلب) بفتح اللام، هو لغة: الاختلاس.

قال في القاموس: سلبه سلبا وسلبا.

اختلسه.

وشرعا: أخذ ما يتعلق بقتيل كافر من ملبوس ونحوه.

ويطلق شرعا أيضا على نفس المأخوذ، وعليه الشارح حيث قال: وهو ملبوس إلخ.

(قوله: للقاتل) متعلق بمحذوف معطوف على يبدأ، أي ويعطى للقاتل، لخبر الصحيحين: من قتل قتيلا فله سلبه والمراد بالقاتل: كل من ركب غررا يكفي به شر كافر في حال الحرب، بأن يزيل قوته كأن يفقأ عينيه، أو يقطع يديه أو رجله، أو يأسره - فالمراد به ما يعم الحقيقة والمجاز.

فلو رمى كافرا وهو في حصن أو في صف المسلمين فلا سلب له، لأنه لم يرتكب الغرر بهجومه على الكفار.

(قوله: المسلم) خرج به الكافر، فلا سلب له، ولو ذميا أذن له الإمام.

وذكر المؤلف من شروط استحقاق القاتل للسلب شرطا واحدا، وهو ما ذكر، وبقي شروط، وهي: كون المقتول غير منهي عن قتله، كصبي وامرأة لم يقاتلا، فإن قاتلا استحق سلبهما.

وكونه غير عين - أي جاسوس - ولا مخذل.

وكونه غير رقيق لكافر.

وتقدم شرط يؤخذ من تعريف القاتل، وهو ركوب غرر: أي أمر مخوف.

(قوله: بلا تخميس) هذا علم من قوله للقاتل، فذكره تأكيد، وعدم تخميس السلب هو المشهور، للحديث المار، ومقابله أنه يخمس: فأربعة أخماسه للقاتل، وخمسه لاهل الفئ.

أفاده البجيرمي.

(قوله: وهو) أي السلب.

(قوله: ملبوس القتيل) أي ما شأنه أن يلبسه القتيل، سواء كان لابسا له بالفعل أو كان قد نزعها وقاتل عريانا في البر أو البحر - على المعتمد.

وشمل الملبوس: الثياب والخف.

(قوله: وسلاحه) أي القتيل.

والمراد به آلة الحرب - كدرع، ورمح، وسيف - ولو تعددت من نوع كسيفين فأكثر، ورمحين فأكثر فقال بعضهم: يأخذ الجميع، وقال بعضهم: لا يأخذه من كل نوع إلا واحدا وهو المعتمد لكن يختار واحدا منها، ولذلك قالوا لو تعددت الجنائب اختار واحدة منها، لأن كل واحدة منها جنيبة من أزال منعته - أي قوته -.

وهكذا كل ما تعدد من نوع واحد، أي فيختار واحدا منها - على القول بأنه لا يأخذ من كل نوع إلا واحدا وهو المعتمد.

أفاده الباجوري.

(قوله: ومركوبه) أي ولو بالقوة، كأن قاتل راجلا وعنانه بيده أو بيد غلامه، والمراد به ما يشمل الفرس، والجمل، والحمار.

(قوله: وكذا سوار الخ) أي ومثل ما ذكر من الملبوس والسلاح في كونه من السلب ما يتزين به في الحرب لإغاظة المسلمين من سوار: أي لامرأة حربية قاتلت، أو لرجل، لأنهم لا يعتقدون تحريمه، وهو ما يجعل في اليد.

ومنطقة:

وهي ما يشد بها الوسط.

وخاتم: وهو ما يجعل في الأصابع.

وطوق: وهو ما يجعل في العنق.

(قوله: وبالمؤن) عطف على بالسلب.

ولو عبر بثم بدل الواو لكان أولى، لأن إخراجها بعد السلب.

والمراد أنه بعد إخراج السلب من الغنيمة يخرج منها المؤن اللازمة - كمؤنة الحفظ والنقل، وأجرة الحمال والكيال والوزان، وغير ذلك مما يصرف فيها - ومحله إن لم يكن هناك متطوع بها، وإلا فلا يجوز إخراجها منها.

(قوله: كأجرة حمال) ولا بد أن تكون قدر أجرة المثل لا أزيد منها.

قال في التحفة: ولا يجوز له إخراجها وثم متطوع، ولا بأكثر من أجرة المثل لأنه كولي اليتيم.

اه.

(قوله: ثم يخمس باقيها) أي ثم بعد إخراج السلب والمؤن يخمس الباقي، أي يجعل خمسة أقسام متساوية، ويؤخذ خمس رقاع، ويكتب على واحدة: لله تعالى - أو للمصالح -، وعلى أربعة: للغانمين.

ثم تدرج في بنادق متساوية من طين - أو شمع - ويخرج لكل خمس رقعة، فما خرج لله أو للمصالح جعل بين أهل الخمس على خمسة، ويقسم مال الغانمين قبل قسمة هذا الخمس، لكن بعد إفرازه بقرعة - كما عرف.

اه.

شرح المنهج بتصرف.

والمتولي لذلك الإمام أو نائبه.

ولو غزت طائفة ولا أمير فيهم من جهة الإمام فحكموا في القسمة واحدا أهلا، صحت، وإلا فلا.

(قوله: ولو عقارا) أي ولو كانت

ص: 230

يقاتل، فما أحد أولى به من أحد - لا لمن لحقهم بعد انقضائها، ولو قبل جمع المال، ولا لمن مات في أثناء القتال قبل الحيازة على المذهب.

وأربعة أخماس الفئ للمرصدين للجهاد وخمسهما يخمس: سهم

ــ

الغنيمة عقارا، وإنما كان العقار هنا لهم، بخلافه في الفئ، فإن الإمام يتخير فيه بين قسمته كالمنقول، ووقفه وبيعه وقسمة غلته في الوقف، وثمنه في البيع، لأن الغنيمة حصلت بكسبهم وفعلهم، فملكوها بشرطه، بخلاف الفئ فإنه إحسان جاء إليهم من خارج، فكانت الخيرة فيه إلى الإمام.

أفاده سم.

(قوله: لمن حضر الوقعة) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر أربعة، أي أربعة الأخماس تعطى لمن حضر الوقعة - أي شهدها، أي بنية القتال - وإن لم يقاتل، أو لم يكن بنية، ولكن قاتل - كأجير لحفظ أمتعة، وتاجر، ومحترف - لقولي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.

ولا مخالف لهما من الصحابة، ولأن القصد تهيؤه للجهاد، ولأن الغالب أن الحضور يجر إليه، ولأن فيه تكثير سواد المسلمين.

وفي معنى من حضر: جاسوس، وكمين، ومن أخر ليحرس العسكر من هجوم العدو.

(قوله: وإن لم يقاتل) أي تعطى لمن حضر الوقعة ولو لم يقاتل، لكن بشرط أن يكون حضر بنية القتال - كما علمت -.

(قوله: فما أحد) أي ممن حضر الوقعة.

وهذا من جملة حديث ذكره في فتح الجواد، وعبارته: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن الغنيمة -: لله خمسها، وأربعة أخماسها للجيش، فما أحد أولى به.

وقوله: أولى به: أي بما ذكر من أربعة الأخماس.

(قوله: لا لمن لحقهم) ظاهره أنه معطوف على لمن حضر الوقعة، وفيه أنه يصير التقدير لا أربعة أخماس لمن لحقهم،

أي ليست الأربعة الأخماس ثابتة لمن لحقهم، وهو صادق بثبوت بعضها لهم، وليس كذلك: إذا علمت هذا، فالأولى جعل الجار والمجرور متعلقا بمحذوف مناسب، والتقدير: لا يسهم من أربعة الأخماس لمن لحق من حضرها بعد انقضائها، لأن الغنيمة إنما تكون لمن شهد الوقعة، وهذا لم يشهدها.

وخرج بقوله بعد انقضائها: ما إذا لحق قبل انقضائها، فيسهم له فيما غنم بعد لحوقه، لا فيما غنم قبله.

وعبارة التحرير: دون من لحقهم بعد انقضائها ولو قبل جمع المال، فلا شئ له.

بخلاف من لحقهم قبل انقضائها، لكن لا شئ له فيما غنم قبل لحوقه.

اه.

(قوله: ولو قبل جمع المال) غاية لعدم إعطاء من لحق بعد الانقضاء.

(قوله: ولا لمن مات الخ) أي ولا يسهم لمن مات، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف أيضا - كالذي قبله -.

(وقوله: في أثناء القتال قبل الحيازة) قيدان.

خرج بالأول: ما إذا مات بعد القتال، ولو قبل الحيازة، فإنه يسهم له ويعطى لوارثه.

وخرج بالثاني: ما إذا مات في الأثناء، وبعد حيازة شئ، فإنه يسهم له منه.

وعبارة المنهاج مع شرح م ر: ولو مات بعضهم بعد انقضائه فحقه لوارثه.

وكذا لو مات بعد الانقضاء للقتال، وقبل الحيازة في الأصح، لوجود المقتضي للتمليك، وهو انقضاء القتال.

ولو مات في أثناء القتال قبل حيازة شئ، فالمذهب أنه لا يشئ له، فلا حق لوارثه في شئ، أو بعد حيازة شئ فله حصته منه.

اه.

(قوله: على المذهب) قال المحلى: والطريق الثاني فيه قولان - أحدهما: أنه يستحق بحضوره بعد الواقعة.

والطريق الثالث إن حصلت الحيازة بذلك القتال استحق، أو بقتال جديد فلا.

اه.

(تتمة) اعلم أنه يعطى من أربعة الأخماس للفارس - وهو المقاتل على فرس - ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، وسهم له، وللراجل - وهو المقاتل على رجليه - سهم واحد، لفعله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر.

ولا يرد إعطاؤه صلى الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع سهمين في وقعة، لانه صلى الله عليه وسلم رأى منه خصوصية اقتضت ذلك.

ولا يعطى منها إلا لمن استكملت فيه ستة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، والصحة.

فإن اختل شرط منها: - بأن كان من حضر القتال صغيرا، أو مجنونا، أو رقيقا، أو أنثى، أو ذميا، أو زمنا - فلا يعطى سهما كاملا، بل يرضخ له.

والرضخ لغة: العطاء القليل.

وشرعا: شئ دون سهم.

ويجتهد الإمام في قدره بحسب رأيه، فيزيد المقاتل على غيره، والأكثر قتالا على الأقل قتالا، والفارس على الراجل، والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطشى على التي تحفظ الرحال.

(قوله: وأربعة أخماس الفئ الخ) الأولى أن يستوفي الكلام على الغنيمة ثم ينتقل للفئ، وغير المؤلف أفرده بترجمة مستقلة.

(قوله: للمرصدين للجهاد) أي المهيئين المعدين له بتعيين الإمام لهم في دفتره - وهم المرتزقة - سموا

ص: 231

للمصالح: كسد ثغر، وعمارة حصن، ومسجد، وأرزاق القضاة، والمشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها - ولو مبتدئين - وحفاظ القرآن، والائمة، والمؤذنين.

ويعطى هؤلاء مع الغنى ما رآه الامام.

ويجب تقديم الاهم - مما ذكر - وأهمها: الاول.

ولو منع هؤلاء حقوقهم من بيت المال وأعطي أحدهم منه شيئا: جاز له الاخذ، ما لم يزد على كفايته - على المعتمد - وسهم للهاشمي والمطلبي: للذكر منهما مثل حظ الانثيين، ولو أغنياء.

وسهم

ــ

بذلك لأنهم أرصدوا أنفسهم للذب عن دين الله، وطلبوا الرزق من مال الله تعالى.

وخرج بهم المتطوعة بالغزو إذا نشطوا فيعطون من الزكاة، لا من الفئ.

(قوله: وخمسها) أي الفئ والغنيمة، أي الخمس الخامس منهما يخمس، أي يجعل خمسة أسهم.

(قوله: سهم للمصالح) قال في التحفة: وهذا السهم كان له صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وعياله، ويدخر منه مؤنة سنة، ويصرف الباقي في المصالح.

كذا قاله الأكثرون، قالوا: وكان له الأربعة الأخماس الآتية، فجملة ما كان يأخذه: إحدى وعشرون من خمسة وعشرين.

قال الروياني: وكان يصرف العشرين التي له للمصالح، قيل وجوبا، وقيل ندبا.

وقال الغزالي وغيره: بل كان الفئ كله له في حياته، وإنما خمس بعد موته.

اه.

(قوله: كسد ثغر) أي شحنه بآلة الحرب وبالغزاة.

والثغر: موضع الخوف من طرف بلاد المسلمين التي تليها بلاد المشركين.

وفي المصباح: الثغر: من البلاد الذي يخاف منه هجوم العدو، فهو كالثلمة في الحائط، يخاف هجوم السارق منها.

والجمع على ثغور: مثل فلس وفلوس.

اه.

(قوله: وعمارة حصن) أي كالقلعة، ويجمع على حصون.

(وقوله: ومسجد) أي وعمارة مسجد.

(قوله: وأرزاق القضاة) أي قضاة البلاد، فيعطون ولو أغنياء، لا قضاة العسكر - وهم الذين يحكمون لاهل الفئ في مغزاهم - فيرزقون من الأخماس الأربعة، لا من خمس الخمس.

(قوله: والمشتغلين بعلوم الشرع) أي وأرزاق المشتغلين بما ذكر.

(وقوله: وآلاتها) أي علوم الشرع، كالنحو والصرف.

(قوله: والأئمة والمؤذنين) أي أئمة المساجد ومؤذنيها، ومثلهم كل من يشتغل عن نحو كسبه بمصالح المسلمين - كمن يشتغل بتجهيز الموتى، وحفر القبر - لعموم نفعهم.

(قوله: ويعطى) - بالبناء للمجهول - هؤلاء، أي القضاة ومن ذكر بعدهم.

(وقوله: مع الغنى) أي مع كونهم أغنياء.

(قوله: ما رآه الإمام) مفعول ثان ليعطي أي يعطى القدر الذي يراه الإمام للمصلحة، ويختلف بضيق المال وسعته.

(قوله: ويجب تقديم إلخ) مقابل محذوف تقديره، ويعمم الإمام بهذا السهم كل الأفراد إن وفى بهم، فإن لم يف، قدم الأهم، فالأهم.

(وقوله: مما ذكر) أي من المصالح.

(قوله: وأهمها) أي المصالح.

(وقوله: الأول) أي سد الثغور.

(قوله: ولو منع هؤلاء الخ) أي ولو منع الإمام القضاة ومن ذكر بعدهم حقوقهم من بيت المال.

(وقوله: وأعطى أحدهم منه) الفعل مبني للمجهول، وما بعده نائب فاعل.

أي وأعطى غير الإمام أحد المستحقين من بيت المال.

ومثل الإعطاء أخذه بنفسه.

(قوله: ما لم يزد على كفايته) فإن زاد فلا يجوز له أخذ الزائد.

ولو قال: جاز له أخذه كفايته لا الزائد - لكان أولى.

(قوله: على المعتمد) مقابله أقوال - القول الأول منها: لا يجوز له أخذ أصلا.

ثانيها: يأخذ كفاية يوم بيوم.

ثالثها: يأخذ كفاية سنة.

وعبارة التحفة: (فائدة) منع السلطان المستحقين حقوقهم من بيت المال، ففي الإحياء: قيل لا يجوز لأحدهم أخذ شئ منه أصلا، لأنه مشترك، ولا يدري حصته منه.

وهذا غلو.

وقيل يأخذ كفاية يوم بيوم، وقيل كفاية سنة، وقيل ما يعطى إذا كان قدر حقه والباقون مظلومون.

وهذا هو القياس، لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين، ومن ثم من مات وله فيه حق لا يستحقه وارثه.

اه.

وخالفه ابن عبد السلام: فمنع الظفر في الأموال العامة لأهل الإسلام ومال المجانين والأيتام اه.

(قوله: وسهم للهاشمي والمطلبي) أي لبني هاشم ولبني المطلب، أي وبناتهم دون غيرهم من أبناء عبد مناف، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم وضع سهم ذوي القربى - الذي في الآية - فيهم، دون بني عبد شمس ونوفل، مجيبا عن ذلك - لما سألوه أن يعطيهم - بقوله: نحن وبنو المطلب شئ واحد.

وشبك بين أصابعه.

رواه البخاري.

أي لم يفارقوا بني هاشم في

ص: 232

للفقراء، اليتامى، وسهم للمسكين، وسهم لابن السبيل الفقير.

ويجب تعميم الاصناف الاربعة بالعطاء

- حاضرهم، وغائبهم عن المحل - نعم، يجوز التفاوت بين آحاد الصنف غير ذوي القربى، لا بين الاصناف، ولو قل الحاصل، بحيث لو عم لم يسد مسدا: خص به الاحوج، ولا يعم - للضرورة.

ولو فقد بعضهم: وزع سهمه على الباقين.

ويجوز - عند الائمة الثلاثة - صرف جميع خمس الفئ إلى المصالح.

ولا يصح شرط

ــ

نصرته صلى الله عليه وسلم جاهلية ولا إسلاما، حتى أنه لما بعث بالرسالة نصروه وذبوا عنه، بخلاف بني الآخرين، بل كانوا يؤذونه.

والعبرة في الانتساب بالنسب إلى الآباء، فلا يعطى أولاد البنات شيئا، لأنهم ليسوا من الآل، ولذلك لم يعط صلى الله عليه وسلم الزبير وعثمان رضي الله عنهما، مع أن أميهما هاشميتان.

ومن بني المطلب: إمامنا الشافعي رضي الله عنه فإنه مطلبي، والنبي صلى الله عليه وسلم هاشمي.

(قوله: للذكر منهما) أي الهاشمي والمطلبي.

(وقوله: مثل حظ الأنثيين) أي مثل نصيبهما - كالإرث - بجامع أنه استحقاق بقرابة الأب.

(قوله: ولو أغنياء) أي ولو كانوا أغنياء، فإنهم يعطون، وذلك لإطلاق الآية، ولإعطائه صلى الله عليه وسلم العباس، وكان غنيا.

(قوله: وسهم للفقراء اليتامى) المراد بالفقراء: ما يشمل المساكين، لأنهما إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا.

ولا بد في ثبوت اليتم والإسلام والفقر هنا من بينة.

وكذا في الهاشمي والمطلبي.

واليتيم: هو الذي لا أب له، وإن كان له جد، ولو لم يكن من أولاد المرتزقة.

ويدخل فيه: ولد الزنا، والمنفي، لا اللقيط - على الأوجه - لأنا لم نتحقق فقد أبيه، على أنه غني بنفقته في بيت المال مثلا.

وأما فاقد الأم فيقال له منقطع.

وفائدة ذكرهم - مع اندراجهم في المساكين - عدم حرمانهم، وإفرادهم بخمس كامل.

كذا في التحفة.

(قوله: وسهم للمسكين) المراد به ما يشمل الفقير، لما تقدم.

والمراد به غير اليتيم، أما هو فيعطى من سهم اليتامى فقط.

وعبارة ش ق: ولو اجتمع وصفان في واحد أعطى بأحدهما، إلا الغزو مع القرابة.

نعم، من اجتمع فيه يتم ومسكنة أعطي باليتم

فقط، لأنه وصف لازم، والمسكنة منفكة.

اه.

(قوله: وسهم لابن السبيل) هو خامس الأسهم الخمسة.

(واعلم) أنه يشترط في الجميع الإسلام.

(قوله: ويجب) أي على الإمام - أو نائبه - تعميم الأصناف الأربعة، وهم بنو هاشم والمطلب، والفقراء اليتامي، والمساكين، وابن السبيل كما يجب تعميم الأصناف يجب تعميم آحادهم.

(قوله: حاضرهم) أي في محل الفئ والغنيمة.

(وقوله: وغائبهم عن المحل) أي محل الفئ والغنيمة.

(قوله: نعم، يجوز التفاوت بين آحاد الصنف) استدراك على وجوب التعميم بين الأصناف.

(وقوله: غير ذوي القربى) أي فإنه لا يجوز التفاوت بين آحادهم، وذلك لاتحاد القرابة، وتفاوت الحاجة المعتبرة في غيرهم.

(قوله: لا بين الأصناف) أي لا يجوز التفاوت بين الأصناف في الإعطاء.

(قوله: ولو قل إلخ) لو أدخل أداة الاستدراك عليه وحذفها قبل قوله يجوز التفاوت الخ لكان أولى، إذ لا محل لها هناك، ولها محل هنا.

فتنبه.

(قوله: بحيث لو عم) أي عم الإمام أو نائبه به جميع المستحقين.

(وقوله: لم يسد مسدا) جواب لو الثانية، أي لم يقع موقعا من حاجتهم.

(قوله: خص الخ) جواب لو الأولى.

(وقوله: به) أي بهذا الحاصل.

(قوله: ولا يعم) أي لا يعطيه لجميع المستحقين.

(قوله: للضرورة) أي الحاجة، وهو علة لتخصيص الأحوج به، وحينئذ تكون الحاجة مرجحة، وإن لم تكن معتبرة في الاستحقاق.

لما مر من أنهم يعطون ولو أغنياء.

(قوله: ولو فقد بعضهم) أي الأصناف الأربعة.

(قوله: وزع سهمه على الباقين) أي أعطى نصيبه موزعا على الباقين - كما في الزكاة.

(قوله: ويجوز عند الأئمة الثلاثة) أي الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد ابن حنبل.

(قوله: صرف جميع خمس الفئ إلى المصالح) الذي في التحفة والنهاية والخطيب: صرف جميع الفئ إلى المصالح، لا خمسه فقط.

وعبارة الأخير: فيخمس جميعه - أي الفئ - خمسة أخماس متساوية كالغنيمة، خلافا للأئمة الثلاثة، حيث قالوا لا يخمس، بل جميعه لمصالح المسلمين.

اه.

وقوله: خلافا للأئمة الثلاثة: كتب البجيرمي ما نصه: حاصل مذهبهم أنه يوضع جميعه في بيت المال، ويفرق على الخمسة المذكورين وعلى غيرهم من المصالح، ولا يعطى للمرتزقة منه شئ.

وهذا هو المراد بقوله: بل يوضع جميعه لمصالح المسلمين، بخلاف الغنيمة، فإن أربعة أخماسها للغانمين، وخمسها للخمسة المذكورين - كمذهبنا.

اه.

وكتب أيضا: قوله: لمصالح المسلمين.

أي

ص: 233

الامام: من أخذ شيئا فهو له.

وفي قول: يصح.

وعليه الائمة الثلاثة.

وعند أبي حنيفة ومالك: يجوز للامام أن يفضل بعضا.

(فرع) لو حصل لاحد من الغانمين شئ مما غنموا قبل التخميس والقسمة الشرعية: لا يجوز التصرف فيه، لانه مشترك بينهم وبين أهل الخمس.

والشريك لا يجوز له التصرف في المشترك بغير إذن شريكه (ويسن

ــ

ولآله صلى الله عليه وسلم، ويبدأ بهم ندبا عندهم، لأن خمس الغنيمة وجميع الفئ عندهم يوضعان في بيت المال، ويصرف في مصالح المسلمين مما ذكر في الآية، وما لم يذكر من تزويج الأعزب، ورزق العلماء، والمحتاجين.

اه.

قال في التحفة: ويدل

لنا - أي على أن الفئ يخمس - القياس على الغنيمة المخمسة بالنص، بجامع أن كلا راجع إلينا من الكفار، واختلاف السبب بالقتال وعدمه لا يؤثر.

اه.

بزيادة.

(قوله: ولا يصح شرط الإمام: من أخذ شيئا فهو له) أي لا يصح أن يشرط الإمام قبل القسمة للمجاهدين أن من أخذ شيئا من الغنائم فهو له.

وذلك لأن الغنيمة يشترك فيها جميع أهل الوقعة، لا خاصة بالآخذ.

قال ق ل: وما نقل أنه صلى الله عليه وسلم فعله، لم يثبت.

وبفرض ثبوته، فالغنيمة كانت له، يتصرف فيها بما يراه.

اه.

وسيذكر الشارح هذه المسألة - في أواخر باب الجهاد، مرتبا على صحتها صحة وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند.

ولا بأس بذكر عبارته هنا - تعجيلا للفائدة - ونصها: قال شيخنا في شرح المنهاج: قد كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والأرقاء المجلوبين من الروم والهند، وحاصل معتمد مذهبنا فيهم: إن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم، يحل شراؤه وسائر التصرفات فيه، لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي، فإنه لا يخمس عليه.

وهذا كثير، لا نادر، فإن تحقق أن آخذه مسلم - بنحو سرقة أو اختلاس - لم يجز شراؤه، إلا على الوجه الضعيف أنه لا يخمس عليه.

فقول جمع متقدمين: ظاهر الكتاب والسنة والإجماع على منع وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند إلا أن ينصب من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغنائم له المسلمون وإنه لم يسبق من أميرهم قبل الاغتنام من أخذ شيئا فهو له، لجوازه عند الأئمة الثلاثة، وفي قوله للشافعي.

اه.

(قوله: وفي قوله: يصح) أي شرط الإمام ما ذكر.

وعليه، فكل من أخذ شيئا اختص به.

(قوله: وعليه) أي على القول بالصحة.

(قوله: وعند أبي حنيفة ومالك يجوز إلخ) نقل المؤلف عن التاج الفزاري - في باب الجهاد أيضا - أنه لا يلزم الإمام قسمة الغنائم ولا تخميسها، وله أن يحرم بعض الغانمين.

ثم قال: ورده النووي وغيره بأنه مخالف للإجماع.

(قوله: أن يفضل بعضا) أي يفضل بعض الأصناف على بعض في العطاء.

(قوله: فرع) أي في بيان حكم الغنيمة قبل القسمة.

(قوله: مما غنموا) ليس بقيد، بل مثله ما إذا دخل شخص دار حرب واختلس شيئا من أموالهم، فإنه لا يستقل به، بل يخمس.

(قوله: قبل التخميس) ظرف متعلق بحصل، أي حصل قبل أن يخمس الإمام الغنيمة.

(وقوله: والقسمة الشرعية) أي وقبل القسمة الشرعية، وهي أن يعطي الإمام كل ذي حق حقه - على ما تقرر سابقا.

(قوله: لا يجوز الخ) جواب لو.

(وقوله: له) أي لمن حصل له ذلك.

(وقوله: التصرف) أي ببيع أو نحوه مما يزيل الملك كالهبة.

نعم، يجوز لهم التصرف بالأكل والشرب مما حصل لهم، لكن على وجه الإباحة - كالضيف - كما صرح به المنهاج في كتاب السير، وعبارته مع التحفة: وللغانمين - ولو أغنياء، وبغير إذن الإمام - التبسط، أي التوسع في الغينمة قبل القسمة، واختيار التملك على سبيل

الإباحة لا الملك.

فهو مقصور على انتفاعه - كالضيف - لا يتصرف فيما قدم إليه إلا بالأكل.

نعم، له أن يضيف به من له التبسط وإقراضه بمثله منه بأخذ ما يحتاجه، لا أكثر منه وإلا أثم وضمنه.

كما لو أكل فوق الشبع سواء أخذ القوت وما يصلح به، كزيت، وسمن، ولحم، وشحم، لنفسه لا لنحو طيره.

وكل طعام يعتاد أكله وعلف الدواب تبنا وشعيرا أو نحوهما وذبح حيوان مأكول للحمه، والصحيح جواز الفاكهة رطبا ويابسها، والحلوى، وأنه لا تجب قيمة المذبوح، وأنه لا يختص الجواز بمحتاج إلى طعام وعلف.

وأن من رجع إلى دار الإسلام ووجد حاجته بلا عزة، ومعه بقية، لزمه ردها إلى المغنم، أي محل اجتماع الغنائم قبل قسمتها.

اه.

بحذف.

(قوله: لأنه) أي ما حصل له من الغنيمة.

(قوله: مشترك بينهم) أي بين الغانمين، ولو قال مشترك بينه وبين باقي المستحقين، لكان أولى، إذ الآخذ عندنا واحد من

ص: 234

صدقة تطوع) لآية: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * وللاحاديث الكثيرة الشهيرة.

وقد تجب: كأن يجد

ــ

الغانمين، فالمناسب أن يخص ما أخذه بالاشتراك بينه وبين غيره، وإن كانت الغنيمة كلها مشتركة.

(قوله: والشريك لا يجوز الخ) من جملة العلة، وهو يفيد أنه لو أذن له المستحقون في أخذه قبل القسمة من الإمام يجوز له أخذه، وليس كذلك.

ولو أبدل العلة المذكورة من أصلها بقوله لأنه قبل القسمة لا يملك بالأخذ.

لكان أولى.

(قوله: ويسن صدقة تطوع) لما أنهى الكلام على بيان الصدقة الواجبة، شرع في بيان الصدقة المسنونة، فقال: ويسن صدقة التطوع.

والمراد بالتطوع: ما زاد على الفرض، لا المعنى المرادف للسنة، أي ويسن صدقة ما زاد على الفرض.

وبه يندفع ما قيل: لا تصح هذه الإضافة، لأن التطوع مرادف للسنة المفهومة من يسن، فيصير التقدير: ويسن صدقة السنة، ولا معنى له.

(لطيفة) قال بعضهم: إن الصدقة أربعة حروف: صاد، ودال، وقاف، وهاء، فالصاد منها: تصون صاحبها عن مكاره الدنيا والآخرة.

والدال منها: تكون دليله على طريق الجنة غدا عند تحير الخلق.

والقاف منها للقربة، تقرب صاحبها إلى الله تعالى.

والهاء منها: للهداية، يهدي الله تعالى صاحبها للأعمال الصالحة ليستوجب بها رضوانه الأكبر.

(قوله: لآية: * (من ذا الذي يقرض) * (1) إلخ) أي ولآية * (وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) * (2) وآية * (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) * (3) قال في النصائح، بعد ذكر قوله تعالى * (فيضاعفه له وله أجر كريم) *:(4) فاستشعر في نفسك هذا الأجر الذي سماه الله كبيرا أو كريما، أي أجر هو؟ وكذلك المضاعفة التي لم يحصرها الله بعدد في قوله: * (فيضاعف له) * وفي آية أخرى: * (أضعافا كثيرة) *، فأطلق الكثرة ولم يجعلها إلى حد فأي ترغيب من الله الجواد الكريم يزيد على هذا الترغيب؟ فأف لمن لا يعقل عن الله،

ولا يفهم في آياته حتى غلب عليه البخل لماله واستولى عليه الشح بما عنده من فضل الله، حتى ربما ينتهي به ذلك إلى منع الحقوق الواجبة فضلا عن التطوع بالصدقات.

فلو كان هذا فقيرا لا يملك قليلا ولا كثيرا كان ذلك أجمل به وأحسن له.

اه.

(قوله: وللأحاديث الكثيرة الشهيرة) منها: قوله صلى الله عليه وسلم: كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس.

ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: اتقوا النار، ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة.

وقال عليه الصلاة والسلام: الصدقة تطفى الخطيئة كما يطفئ الماء النار.

وقال عليه الصلاة والسلام: يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط، فمن كسا لله كساه الله، ومن أطعم لله أطعمه الله (1)، ومن سقى لله سقاه الله.

الحديث.

وأراد بقوله لله.

أن يفعل ذلك مخلصا لوجه الله، من غير رياء ولا تصنع للناس، ولا طلب محمدة منهم.

وقال عليه الصلاة والسلام: من أطعم أخاه حتى يشبعه، وسقاه حتى يرويه، باعده الله من النار سبعة خنادق، ما بين كل خندقين خمسمائة عام.

وقال عليه الصلاة والسلام: ما من رجل يتصدق يوم أو ليلة إلا حفظ أن يموت من لدغة، أو هدمة، أو موت بغتة.

(فائدة) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من بني إسرائيل كان لها زوج وكان غائبا، وكان له أم، فأولعت بامرأة ابنها، فكرهتها، فكتبت كتابا على لسان ابنها إلى امرأة ابنها بفراقها، وكان لها ابنان من زوجها، فلما انتهى ذلك إليها لحقت بأهلها مع ولديها، وكان لهم ملك يكره إطعام المساكين، فمر بها مسكين ذات يوم وهي على خبزها، فقال: أطعميني من خبزك فقالت: أما علمت أن الملك حرم إطعام المساكين؟ قال: بلى ولكني هالك إن لم تطعميني أنت.

فرحمته وأطعمته قرصين، وقالت له: لا تعلم أحدا أني أطعمتك.

فانصرف بهما، فمر

(1) البقرة: 245.

(2)

البقرة: 272.

(3)

الحديد: 7.

(4)

البقرة: 245

ص: 235

مضطرا ومعه ما يطعمه، فاضلا عنه، ويكره بردئ، وليس منه: التصدق بالفلوس، والثوب الخلق، ونحوهما

ــ

بالحرس ففتشوه، وإذا بالقرصين معه، فقالوا له: من أين لك هذا؟ فقال: أطعمتني فلانة.

فانصرفوا به إليها، فقالوا لها: أنت أطعمته هذين القرصين؟ قالت: نعم.

قالوا لها: أو ما علمت أن الملك حرم إطعام المساكين؟ قالت: بلى.

قالوا: فما حملك على ذلك؟ قالت: رحمته، ورجوت أن يخفي ذلك.

فذهبوا بها إلى الملك، وقالوا: هذه أطعمت هذا

المسكين قرصين.

فقال لها: أنت فعلت ذلك؟ فقالت: نعم.

فقال لها الملك: أو ما كنت علمت أني حرمت إطعام المساكين؟ قالت: نعم.

قال: فما حملك على هذا؟ قالت: رحمته، ورجوت أن يخفي ذلك، وخفت الله فيه أن يهلك.

فأمر بقطع يديها، فقطعتا.

وانصرفت إلى منزلها، وحملت ابنيها حتى انتهت إلى نهر يجري، فقالت لأحد ابنيها: اسقني من هذا الماء.

فلما هبط الولد ليسقيها غرق، فقالت للآخر: أدرك أخاك يا بني، فنزل لينقذ أخاه، فغرق الآخر، فبقيت وحدها، فأتاها آت، فقال، يا أمة الله ما شأنك ههنا؟ إني أرى حالك منكرا فقالت: يا عبد الله، دعني، فإن ما بي شغلني عنك.

فقال: أخبريني بحالك.

قال: فقصت عليه القصة، وأخبرته بهلاك ولديها، فقال لها: أيما أحب إليك؟ أأرد إليك يديك؟ أم أخرج لك ولديك حيين؟ فقالت: بل تخرج ولدي حيين.

فأخرجهما حيين، ثم رد عليها يديها، وقال: إنما أنا رسول الله إليك.

بعثني رحمة لك، فيداك بقرصين، وابناك ثوابا لك من الله تعالى، برحمتك لذلك المسكين وصبرك على ما أصابك.

واعلمي أن زوجك لم يطلقك، فانصرفي إليه فهو في منزله، وقد ماتت أمه.

فانصرفت إلى منزلها، فوجدت الأمر كما قيل لها.

وما أحسن قول بعضهم: جعلت على لطفك المتكل * * وأعرضت عن فكرتي والحيل وما دام لطفك لي لم أخف * * عدوا إذا كادني أو خذل ولطفك رد الذي اختشى * * كما كشف الضر لما نزل ويا سيدي كم مضيق فرجت * * بلطف تيسره من عجل ملاذي ببابك لا حلت عنه * * ويا ويح من عنه يوما عدل وقفت عليه بذل السؤال * * وما خاب بالباب من قد سأل (قوله: وقد تجب) أي الصدقة.

أي وقد يعرض لها ما يجعلها واجبة، وقد يعرض لها أيضا ما يجعلها حراما، كأن علم أو ظن من الآخذ أنه يصرفها في معصية، وكالذي سيذكره المؤلف.

(قوله: كأن يجد مضطرا) الخ تمثيل للصدقة الواجبة، وفيه أن المضطر لا يجب البذل له إلا بثمنه، فكيف يكون صدقة.

وعبارة التحفة لا يقال تجب للمضطر، لتصريحهم بأنه لا يجب البذل له إلا بثمنه - ولو في الذمة - لمن لا شئ معه.

نعم، من لم يتأهل للالتزام يمكن جريان ذلك فيه، حيث لم ينو الرجوع.

اه.

ومثله في النهاية.

وكتب سم: قوله: يمكن جريان ذلك، ما نصه: فيه نظر دقيق.

فتأمله.

اه.

قال الرشيدي: وكأن وجه النظر أنه صار بالقيد المذكور مخيرا بين الصدقة وبين دفعه بنية الرجوع فلم تجب الصدقة عينا، فساوى المتأهل ومن له ولي حاضر، إذ لا خفاء أنه مخير فيه أيضا بين الصدقة وبين البذل بعوض.

اه.

(قوله: ومعه ما يطعمه) الواو للحال.

وما: واقعة على طعام.

والفعل يقرأ بضم أوله وكسر ثالثه - من أطعم.

والتقدير: والحال أن عنده طعاما يطعمه لذلك المضطر، فإن لم يكن عنده ذلك لا يجب عليه التصدق.

(وقوله: فاضلا عنه) منصوب على الحال من الضمير البارز في الفعل العائد على ما الواقعة على طعام.

أي حال كون ذلك الطعام فاضلا عنه، أي عن طعامه.

أي وطعام ممونه حالا، فإن لم يفضل عن ذل ك لا يجب التصدق به.

وفي التحفة - في باب السير - ما نصه: والحاصل أنه يجب البدل هنا - أي للمحتاجين - من غير اضطرار بلا بدل، لا مطلقا، بل مما زاد على كفاية سنة، وثم - أي في المضطر - يجب البذل بما لم يحتجه حالا ولو على فقير، لكن بالبدل.

اه.

بتصرف.

(قوله: ويكره

ص: 236

- بل ينبغي أن لا يأنف من التصدق بالقليل.

والتصدق بالماء أفضل: حيث كثر الاحتياج إليه - وإلا فالطعام.

ولو تعارض الصدقة حالا، والوقف.

فإن كان الوقت وقت حاجة وشدة: فالاول أولى، وإلا فالثاني لكثرة جدواه.

قاله ابن عبد السلام وتبعه الزركشي، وأطلق ابن الرفعة ترجيح الاول، لانه قطع حظه من المتصدق به حالا وينبغي - للراغب في الخير - أن لا يخلي (كل يوم) من الايام من الصدقة (بما تيسر) وإن قل، وإعطاؤها (سرا) أفضل منه جهرا.

أما الزكاة: فإظهارها أفضل - إجماعا - (و) إعطاؤها (برمضان): أي فيه - لا سيما في عشره

ــ

بردئ) أي يكره التصدق بردئ، كسوس، وذلك لقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (1) ومحل الكراهة إذا وجد غير الردئ، وإلا فلا.

(قوله: وليس منه الخ) أي وليس من التصديق بردئ التصدق بالفلوس، والثوب الخلق - أي البالي - وذلك لأن المراد بالردئ الردئ عرفا، وهذا ليس منه - كما في الكردي نقلا عن الإيعاب - وعبارته في الإيعاب الأقرب أن المراد: الردئ عرفا.

قال: ويؤيده أن التصدق بالفلوس والثوب الخلق ليس من الردئ.

اه.

(قوله: ونحوهما) أي نحو الفلوس والثوب الخلق من الشئ القليل كاللقمة واللقمتين.

(قوله: بل ينبغي أن لا يأنف الخ) أي لأن ما قبله الله كثير، ولآية * (فمن يعمل مثقال ذرة) * ولقوله عليه السلام: لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.

(قوله: والتصدق بالماء أفضل) لخبر أبي داود.

أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، وخبر الترمذي: أيما مسلم سقى مسلما على ظمإ سقاه الله تعالى من الرحيق المختوم.

وخبر الشيخين: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل.

ورجل بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له.

ورجل ساوم رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فأخذها.

(قوله: حيث كثر الاحتياج إليه) أي إلى الماء، وهو تقييد للأفضلية.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يكثر الاحتياج إليه.

(قوله: فالطعام) أي أفضل، لأحاديث كثيرة واردة فيه، منها ما مر قريبا.

(قوله: ولو تعارض الصدقة حالا والوقف الخ) أي لو تعارض عليه كونه يتصدق بما عنده حالا أو يفقه، فهل الأفضل له الأول أو الثاني؟ في

ذلك تفصيل، وهو ما ذكره بقوله: فإن كان الوقت إلخ.

(قوله: فالأول) أي الصدقة حالا.

(وقوله: أولى) أي من الوقف، للحاجة إليه.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن الوقت وقت حاجة وشدة.

(وقوله: فالثاني) أي وهو الوقف، أولى.

(قوله: لكثرة جدواه) أي نفعه، وذلك لأن الوقف عمل دائم لا ينقطع، للحديث المشهور.

(قوله: وأطلق ابن الرفعة) أي لم يقيد ذلك بكون الوقت وقت حاجة وشدة.

(وقوله: ترجيح الأول) أي الصدقة.

(قوله: لأنه) أي المتصدق.

(وقوله: قطع حظه من المتصدق به) أي قطع نصيبه من المتصدق به وعلقته وانتسابه له حالا.

بخلاف الوقف، فإنه - وإن خرج عن ملكه - له تعلق وانتساب به، لا سيما إن أوقفه على أولاده وأقاربه.

(قوله: وينبغي الخ) دخول على المتن.

(قوله: إن لا يخلي كل يوم) يحتمل جعل كل يوم مفعول به للفعل.

(وقوله: من الصدقة) متعلق به، ويحتمل جعله ظرفا، والصدقة مفعول به، ومن زائدة، والمعنى على الأول: ينبغي أن لا يهمل كل يوم من الصدقة.

وعلى الثاني: ينبغي أن لا يترك في كل يوم الصدقة.

(وقوله: من الأيام) متعلق بمحذوف صفة مؤكدة لكل يوم، ولو حذفه لكان أولى.

(وقوله: بما تيسر) متعلق بالصدقة.

وهذا كله باعتبار حل الشارح، فإن نظر للمتن بحسب ذاته، كان كل يوم ظرفا متعلقا بصدقة، وكذا قوله بما تيسر.

فتفطن.

(قوله: وإعطاؤها سرا أفضل) أي لآية: * (إن تبدوا الصدقات) * (1) إلخ، ولأنه صلى الله عليه وسلم عد من السبعة الذين يستظلون بالعرش: من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.

وتمام السبعة: إمام عادل.

وشاب نشأ في عبادة الله تعالى.

ورجل قلبه معلق بالمساجد.

ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه.

ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله.

ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه - وقد ورد أيضا أن ثواب صدقة السر يضاعف على ثواب الصدقة الظاهرة سبعين ضعفا.

وورد أيضا صدقة السر تطفئ غضب الرب.

وأي شئ أعظم من غضبه

(1) آل عمران: 92.

(1)

البقرة: 271

ص: 237

الاواخر - أفضل، ويتأكد أيضا: في سائر الازمنة، والامكنة، الفاضلة: كعشر ذي الحجة، والعيدين، والجمعة.

وكمكة، والمدينة (و) إعطاؤها (لقريب) لا تلزمه نفقته أولى، الاقرب فالاقرب من المحارم، ثم الزوج أو الزوجة، ثم غير المحرم والرحم من جهة الاب ومن جهة الام سواء، ثم محرم الرضاع، ثم المصاهرة أفضل.

ــ

سبحانه وتعالى؟ وما أطفأته صدقة السر إلا لعظمها عند الله سبحانه وتعالى.

نعم، إن أظهرها المقتدى به ليقتدى به ولم يقصد نحو رياء ولا تأذى به الآخذ، كان أفضل.

وجعل بعضهم من الصدقة الخفية: أن يبيع مثلا ما يساوي درهمين بدرهم.

(تنبيه) ليس المراد بالسر ما قابل الجهر فقط، بل المراد أن لا يعلم غيره بأن هذا المدفوع صدقة، حتى لو دفع شخص دينارا مثلا وأفهم من حضره أنه عن قرض عليه أو عن ثمن مبيع مثلا، كان من قبيل دفع الصدقة سرا.

لا يقال هذا ربما امتنع، لما فيه من الكذب، لأنا نقول: هذا فيه مصلحة، وهي البعد عن الرياء أو نحوه، والكذب قد يطلب لحاجة أو

مصلحة، بل قد يجب لضرورة اقتضته.

أفاده زي.

(قوله: أما الزكاة) مقابل قوله وإعطاؤها: أي الصدقة المتطوع بها.

(وقوله: فإظهارها أفضل إجماعا) أي للإمام مطلقا، وكذا للمالك في الأموال الظاهرة - كالنعم والنابت والمعدن - أما الباطنة - كالنقدين - فالإخفاء فيها أفضل.

وعبارة الروض وشرحه: ويستحب للمالك إظهار إخراج الزكاة - كالصلاة المفروضة - وليراه غيره فيعمل عمله، ولئلا يساء الظن به.

وخصه الماوردي بالأموال الظاهرة، قال: أما الباطنة فالإخفاء فيها أولى لآية * (إن تبدوا الصدقات) * وأما الإمام، فالإظهار له أفضل، مطلقا.

اه.

(قوله: وإعطاؤها برمضان الخ) أي لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم: كان أجود ما يكون في رمضان، ولخبر أبي داود: أي الصدقة أفضل؟ قال: في رمضان.

ولأنه أفضل الشهور، ولأن الناس فيه مشغولون بالطاعات، ولا يتفرغون لمكاسبهم، فتكون الحاجة فيه أشد.

(وقوله: لا سيما في عشره الأواخر) أي خصوصا الصدقة في عشره الأخير فإنها فيه آكد من أوله أو وسطه، لأن فيه ليلة القدر، فهو أفضل مما عداه.

(قوله: ويتأكد) أي إعطاء الصدقة.

(وقوله: أيضا) أي كتأكده في رمضان.

(وقوله: في سائر الأزمنة والأمكنة الفاضلة) قال ابن حجر: وليس المراد أن من أراد التصدق في المفضول يسن تأخيره إلى الفاضل، بل أنه إذا كان في الفاضل تتأكد له الصدقة وكثرتها فيه اغتناما لعظيم ثوابه.

اه.

وتتأكد أيضا عند المهمات من الأمور - كغزو وحج - لأنها أرجى لقضائها، ولآية * (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * (1) وعند المرض، والكسوف والسفر.

(قوله: كعشر ذي الحجة إلخ) تمثيل للأزمنة الفاضلة.

(وقوله: وكمكة والمدينة) تمثيل للأمكنة الفاضلة.

(وإعطاؤها لقريب الخ) أي لأنه أولى به من غيره، والثواب في الصدقة عليه أعظم وأكثر.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصدقة على الأقارب صدقة وصلة.

وقال عليه الصلاة والسلام: المتعدي في الصدقة كمانعها.

ومن التعدي أن تعطي صدقاتك للأجانب والأباعد وأنت تعلم أن أقاربك وجيرانك أحوج إليها.

وأخرج الطبراني: يا أمة محمد والذي بعثني بالحق، لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم.

والذي نفسي بيده، لا ينظر الله إليه يوم القيامة.

وهو أيضا: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمة فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه، إلا أخرج الله له من جهنم حية يقال لها شجاع يتلمظ فيطوق به.

والتلمظ: تطعم ما يبقى في الفم من آثار الطعام.

وفي الصحيحين: أن امرأتين أتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالتا لبلال: سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل يجزئ أن نتصدق على أزواجنا ويتامى في حجورنا؟ فقال: نعم، لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة.

(قوله: لا تلزمه نفقته أولى) صنيعه يقتضي أن جملة لا تلزمه نفقته صفة لقريب، وأن لفظ أولى خبر إعطاؤها، وفيه شيآن: الأول أن المصرح به في التحفة والنهاية وغيرهما عدم تقييد القريب

بعدم لزوم نفقته، الثاني: أنه يصير قوله الآتي أفضل ضائعا.

فلعل في العبارة تحريفا من النساخ، وأن الأصل تلزمه نفقته أو لا، أي أو لا تلزمه ويكون قوله الآتي أفضل خبرا عن وإعطاؤها.

ثم وجدته في بعض نسخ الخط الصحيحة، فهو المتعين.

فتنبه.

(قوله: ثم الزوج أو الزوجة) أي لخبر الصحيحين السابق في الزوج، وتقاس الزوجة به.

(قوله: ثم غير المحرم) أي ثم بعد الأقرب فالأقرب من ذي الرحم: المحرم.

وبعد الزوج والزوجة: غير المحرم من الاقارب، كأولاد

(1) المجادلة: 12

ص: 238

(و) صرفها بعد القريب إلى (جار، أفضل) منه لغيره.

فعلم أن القريب البعيد الدار في البلد: أفضل من الجار الاجنبي، (لا) يسن التصدق (بما يحتاجه)، بل يحرم بما يحتاج إليه: لنفقة، ومؤنة.

من تلزمه نفقته يومه وليلته، أو لوفاء دينه - ولو مؤجلا، وإن لم يطلب منه - ما لم يغلب على ظنه حصوله من جهة أخرى ظاهرة لان الواجب

ــ

العم والخال.

(قوله: والرحم) بالرفع مبتدأ، خبره سواء.

(قوله: ثم محرم الرضاع الخ) أي ثم بعد غير المحرم من أقارب النسب، المحرم من الرضاع، ثم من المصاهرة.

(قوله: أفضل) خبر قوله وإعطاؤها لقريب، على ما مر.

(قوله: وصرفها) أي إعطاؤها، ولم يعبر به تفننا في التعبير.

(وقوله: إلى جار أفضل) أي لحثه سبحانه وتعالى على الإحسان عليه كحثه على الإحسان للوالدين في آية: * (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) * - إلى أن قال - * (والجار ذي القربى، والجار الجنب) * (2) والمراد من الجار ذي القربى: القريب منك جواره.

وقيل: هو من له مع الجوار في الدار قرب في النسب أو الدين.

والمراد بالجار الجنب: أن يصدق عليه اسم الجوار مع كون داره بعيدة.

وفي الآية دليل على تعميم الجيران بالإحسان إليهم، سواء كانت الديار متقاربة أو متباعدة، وعلى تقديم الجار القريب الدار على الجار البعيد الدار.

وفي البخاري: عن عائشة رضي الله عنها، قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ فقال: إلى أقربهما منك بابا.

(قوله: فعلم) أي من قوله: وصرفها بعد القريب.

(قوله: أن القريب) أي للمتصدق.

(قوله: البعيد الدار) أي الذي داره بعيدة عن دار المتصدق.

(وقوله: في البلد) متعلق بمحذوف صفة للبعيد، وهذا قيد لا بد منه، لكنه لم يعلم مما مر.

وخرج به ما إذا كان خارج البلد - بحيث يمتنع نقل الزكاة إليه - فالجار حينئذ أفضل منه.

وعبارة ابن حجر: ثم الأفضل تقديم الجار، فهو أولى حتى من القريب، لكن بشرط أن تكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه، وإلا قدم على الجار الأجنبي، وإن بعدت داره.

اه.

(قوله: لا يسن التصدق بما يحتاجه) أصل المتن: لا بما يحتاجه، فهو معطوف على بما تيسر، وجملة وإعطاؤها سرا إلخ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه.

وقول الشارح: يسن التصديق - بعد حرف العطف - لبيان متعلق الجار والمجرور.

(قوله: بل يحرم إلخ) إضراب انتقالي، وذلك لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول.

وإطعام الأنصاري قوت صبيانه لمن نزل به ضيافة لا صدقة.

والضيافة لتأكدها ووجوبها عند الإمام أحمد، لا يشترط فيها الفضل عن العيال.

(قوله: لنفقة ومؤنة) كلاهما مضاف إلى ما بعده، ولو اقتصر على الثاني لكان ولى، لشموله للنفقة.

(وقوله: من تلزمه الخ) أي من نفسه وعياله لكن محل حرمة التصدق بما يحتاجه لنفسه إن لم يصبر على الإضاقة، وإلا فلا حرمة، لأن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما، كما قال تعالى * (ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة) * (1)(وقوله: نفقته) المناسب لما قبله أن يزيد بعده ومؤنته.

(وقوله: يومه وليلته) أي يوم التصدق وليلته.

وهذا بالنسبة لغير الكسوة، أما هي فيعتبر فيها الفضل.

(قوله: أو لوفاء دينه) معطوف على لنفقة الخ.

أي أو بما يحتاج إليه لوفاء دينه، أي الدين الذي عليه لغيره.

وإنما حرم التصدق به لأن أداء الدين واجب لحق آدمي، فلا يجوز تفويته، أو تأخيره بسبب التطوع بالصدقة.

(قوله: ما لم يغلب على ظنه حصوله) أي وفاء الدين حالا في الحال، وعند الحلول في المؤجل.

فإن غلب على ظنه ذلك جاز التصدق به، بل قد يسن.

قال في التحفة: نعم، إن وجب أداؤه فورا لطلب صاحبه أو لعصيانه بسببه، ولم يعلم رضا صاحبه بالتأخير، حرم التصدق قبل وفائه مطلقا - كما تحرم صلاة النفل على من عليه فرض فوري - (وقوله: من جهة أخرى) أي غير المتصدق به.

وفي التحفة إسقاط لفظ أخرى، والاقتصار على ظاهرة، وهو أولى.

(وقوله: ظاهرة) أي كأن يكون له عقار يؤجر أو له دين على موسر.

وخرج به ما إذا كانت الجهة غير ظاهرة - بأن كانت متوهمة، كأن كان مترقبا من أحد أنه يعطيه قدرا يقضى به دينه صدقة - فإنه حينئذ يحرم عليه التصدق بما عنده.

(قوله: لأن الواجب الخ) علة لحرمة التصدق بما يحتاج إليه، لما ذكر.

أي ولقوله عليه الصلاة والسلام المار: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول.

رواه أبو داود بإسناد

(1) النساء: 36.

(1)

الحشر: 9

ص: 239

لا يجوز تركه لسنة، وحيث حرمت الصدقة بشئ لم يملكه المتصدق عليه - على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى.

لكن الذي جزم به شيخنا في شرح المنهاج أنه يملكه.

والمن بالصدقة حرام محبط للاجر كالاذى.

ــ

صحيح.

(وقوله: لسنة) هي الصدقة.

(قوله: وحيث حرمت الصدقة بشئ) أي بأن كان يتصدق بما يحتاجه.

لما مر.

(قوله: لم يملكه) أي الشئ الذي حرم التصدق به.

(وقوله: للتصديق عليه) أي الشخص الذي تصدق عليه.

(قوله: على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد) أي وما ذكر من عدم ملك المتصدق عليه للصدقة، مبني على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد.

(قوله: لكن الذي جزم به شيخنا إلخ) قال الكردي: وألف في ذلك مؤلفا بسيطا سماه (قرة العين ببيان أن التبرع لا يبطله الدين) قال: وألف ابن زياد اليمني في الرد عليه أربع مصنفات.

اه.

(وقوله: في شرح المنهاج) عبارته: ومع حرمة التصدق يملكه الآخذ خلافا لكثيرين اغتروا بكلام لابن الرفعة وغيره، وغفلوا عن كلام الشافعي

والأصحاب.

اه.

والتقييد بقوله في شرح المنهاج لإخراج غيره من بقية مؤلفاته فإنه جرى فيها على ما جرى عليه ابن زياد، وحيث اختلف كلامه في كتبه فالمعتمد ما في شرح المنهاج.

(وقوله: أنه يملكه) أي أن المتصدق عليه يملكه المتصدق به.

(قوله: والمن بالصدقة) وهو تعداد النعم على المنعم عليه.

وقال الكردي فيه - أي المن - أقوال يظهرها أن يذكرها ويتحدث بها أن يستخدمه بالعطاء، أي يتكبر عليه لأجل عطائه، واختار في الإحياء بعد حكاية هذه الأقوال: أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه ومنعما عليه.

وثمرته التحدث بما أعطاه، وإظهاره، وطلب المكافأة منه بالشكر، والدعاء، والخدمة، والتوقير، والتعظيم، والقيام بالحقوق، والتقديم في المجلس، والمتابعة في الأمور.

اه.

(قوله: حرام) لقوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * (1) ولخبر مسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.

قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب.

وما أحسن قول بعضهم: وصاحب سلفت منه إلي يد * * أبطا عليه مكافأتي فعاداني لما تيقن أن الدهر حاولني * * أبدى الندامة مما كان أولاني أفسدت بالمن ما قدمت من حسن * * ليس الكريم إذا أعطى بمنان وقال سيدنا الحبيب عبد الله بن علوي الحداد في نصائحه الدينية: وإياك والمن بالصدقة على الفقراء، فقد ورد فيه وعيد شديد، ولا تطلب ممن تتصدق عليه مكافأة على الصدقة بنفع منه لك أو خدمة أو تعظيم، فإن طلبت شيئا من ذلك على صدقتك كان حظك ونصيبك منها.

وقد كان السلف الصالح يكافئون الفقير على دعائه لهم عند التصدق عليه بمثل دعائه مخافة نقصان الثواب.

(ويروى) أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت إذا تصدقت على أحد أرسلت على أثره رسولا يتبعه إلى مسكنه ليتعرف، هل يدعو لها؟ فتدعو له بمثل دعائه لئلا يكون دعاؤه في مقابلة الصدقة فينقص أجرها.

وذلك غاية الاحتياط.

وكذلك لا تطلب من الفقير شكرا ولا مدح، ولا تذكر للناس الذي أعطيته فينقص بذلك أجرك أو يذهب رأسا، ولا تترك الصدقة مخافة الفقر أو نقصان المال، فقد قال عليه السلام: ما نقص مال من صدقة والتصدق هو الذي يجلب الغنى والسعة، ويدفع القلة والعيلة، وترك التصدق على الضد من ذلك، يجلب الفقر ويذهب الغنى.

قال الله تعالى: * (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) * (2) وقال عليه الصلاة والسلام في فضل التصدق والإنفاق - عن الله

تعالى: ابن آدم أنفق أنفق عليك.

وقال عليه السلام: ما طلعت الشمس إلا وعلى جنبيها ملكان، يقول

(1) البقرة: 264.

(2)

سبأ: 39

ص: 240

(فائدة) قال في المجموع: يكره الاخذ ممن بيده حلال وحرام - كالسلطان الجائز.

وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها، ولا يحرم إلا إن تيقن أن هذا من الحرام.

وقول الغزالي: يحرم الاخذ ممن أكثر ماله حرام وكذا معاملته: شاذ.

ــ

أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا.

ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا.

قلت: ودعاء الملائكة مستجاب، ومن أمسك فلم يتلف ماله التلف الظاهر فهو تالف بالحقيقة، لقلة انتفاعه به في آخرته ودنياه، وذلك أعظم من التلف الذي هو ذهاب المال.

(واعلم) أن التصدق بالقليل من المقل أفضل عند الله من التصدق بالكثير من المكثر، قال عليه الصلاة والسلام: سبق درهم ألف درهم.

قيل له: وكيف ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: رجل لا يملك إلا درهمين تصدق بأحدهما، ورجل تصدق من عرض ماله بألف درهم، فسبق الدرهم الألف.

أو كما قال عليه السلام.

فصار الدرهم الواحد من المقل أفضل من الألف من المكثر - وهو صاحب المال الكثير - اه.

بزيادة.

(قوله: محبط للأجر) أي مسقط لثواب الصدقة.

(قوله: كالأذى) أي من المتصدق للمتصدق عليه - كأن ينهره أو يشتمه - فهو حرام محبط للأجر، للآية المارة.

(قوله: قال في المجموع إلخ) مثله في التحفة والنهاية.

(قوله: يكره الأخذ) أي أخذ الصدقة.

ومثله المعاملة ببيع أو شراء.

(قوله: كالسلطان الجائر) أي الظالم.

ومثله من أكثر ماله من الربا.

(قوله: وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها) أي فان كانت الشبهة في ماله أكثر من عدمها - بأن كان أكثر أمواله من الحرام - كانت الكراهة أشد، وإلا فهي كراهة غير شديدة.

(قوله: ولا يحرم) أي الآخذ وقوله إلا إن الخ.

أي فإنه يحرم وقوله أن هذا أي المأخوذ وقوله من الحرام أي الذي يمكن معرفة أصحابه وفي التحفة: ويجوز الأخذ من الحرام بقصد رده على مالكه، إلا إن كان مفتيا أو حاكما أو شاهدا فيلزمه التصريح بأنه إنما يأخذه للرد على مالكه، لئلا يسوء اعتقاد الناس في صدقة ودينه فيردون فتياه وحكمه وشهادته.

اه.

(قوله: وقول الغزالي) مبتدأ خبره شاذ.

(وقوله: يحرم الخ) مقول القول.

قال في التحفة بعده: على أنه - أي الغزالي في بسيطه - جرى على المذهب، فجعل الورع اجتناب معاملة من أكثر ماله ربا.

قال: وإنما لم يحرم - وإن غلب على الظن أنه ربا - لأن الأصل المعتمد في الأملاك اليد، ولم يثبت لنا فيه أصل آخر يعارضه، فاستصحب ولم يبال بغلبة الظن.

اه.

(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.

تحل الصدقة لغني بمال أو كسب، ولو لذي قربى، غير النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن

يستحب له التنزه عنها، ويكره له التعرض لأخذها ويحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة، كأن يقول ليس عندي شئ.

وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين، فقال صلى الله عليه وسلم كيتان من نار.

وروى أبو داود: من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار.

وينبغي للفقير أن يتنزه عن سؤال الناس، لما رواه الحاكم: من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له الجنة.

وروى الإمام أحمد: من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى، إما بموت آجل أو غنى عاجل.

وروي أيضا عن أبي ذر: لا تسأل الناس شيئا ولا سوطك وإن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه.

وروى البيهقي: ليستغن أحدكم عن الناس بقضيب سواك.

وما أحسن قول بعضهم: لا تسألن بني آدم حاجة * * وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله * * وبني آدم حين يسئل يغضب (وقال بعضهم): لا تحملن من الانام * * عليك إحسانا ومنه واختر لنفسك حظها * * واصبر فإن الصبر جنه منن الرجال على القلوب * * أشد من وقع الأسنه اللهم اجعلنا من المعتمدين عليك، المتوجهين إليك، المسحنين إلى الإخوان، الفائزين بالجنان.

آمين.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 241