الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصوم
وهو لغة: الامساك.
وشرعا: إمساك عن مفطر بشروطه الآتية.
وفرض في شعبان، في السنة الثانية من الهجرة.
وهو من خصائصنا، ومن المعلوم من الدين بالضرورة (يجب صوم) شهر (رمضان) إجماعا، بكمال
ــ
باب الصوم
شروع في الركن الرابع من أركان الإسلام.
(قوله: هو لغة الإمساك) أي عن المفطر، أو عن الكلام، أو غيرهما.
ومنه قوله تعالى - حكاية عن مريم - * (إني نذرت للرحمن صوما) * (2) أي إمساكا وسكوتا عن الكلام.
وقول العرب: فرس صائم: أي واقف، ممسك عن المشي.
قال النابغة الذبياني: خيل صيام، وخيل غير صائمة * * تحت العجاج، وأخرى تعلك اللجما أي خيل ممسكة عن السير والكر والفر.
وخيل غير صائمة، أي غير ممسكة عن ذلك، بل سائرة.
ومعنى تعلك اللجما: أي تمضغها، متهيئة للسير والكر والفر.
(قوله: وشرعا) مقابل قوله لغة.
(قوله: إمساك عن مفطر) أي جنسه،
كوصول العين جوفه، والجماع.
ومعنى الإمساك عنه: تركه، والكف عنه.
(وقوله: بشروطه الآتية) أنظر ما المراد بها؟ فإن كان مراده بها ما ذكره بقوله على كل مكلف مطيق له: فيرد عليه أنها في خصوص من يجب عليه صوم رمضان، والتعريف لمطلق صوم.
وإن كان مراده بها النية: فيرد عليه أنها فرض، كما قال: وفرضه نية.
وأيضا: لو سلم أن المراد بالفرض ما لا بد منه، فيشمل الشرط، فهي شرط واحد، لا شروط.
فالأولى والأخصر أن يقول - كغيره - وشرعا: إمساك عن مفطر على وجه مخصوص، لأن ما ذكر هو حقيقة الصوم، والتعاريف تبين الحقائق، ويدخل تحت على وجه مخصوص: النية - التي هي الركن الثالث - وسائر الشروط والأركان.
(قوله: وفرض) أي الصوم.
(قوله: في شعبان) قال ع ش: لم يبين - كابن حجر - هل كان ذلك في أوله أو آخره أو وسطه فراجعه.
اه.
(قوله: في السنة الثانية من الهجرة) أي فيكون صلى الله عليه وسلم صام تسع رمضانات، لأن مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، والتسع كلها نواقص إلا سنة فكاملة - على المعتمد -.
والناقص: كالكامل في الثواب المرتب على رمضان، من غير نظر لأيامه.
أما ما يترتب على يوم الثلاثين من ثواب واجبه ومندوبه عند سحوره وفطوره، فهو زيادة يفوق الكامل بها الناقص.
(قوله: وهو) أي الصوم المفروض الذي هو صوم رمضان.
(قوله: من خصائصنا) وعليه فيحمل التشبيه في قوله تعالى: * (كما كتب على الذين من قبلكم) * (3) على مطلق الصوم، دون قدره وزمنه.
وقيل أنه ليس من الخصوصيات، بحمل التشبيه على حقيقته، لأنه قيل: ما من أمة إلا وقد فرض عليهم رمضان، إلا أنهم ضلوا عنه.
قال الحسن: كان صوم رمضان واجبا على اليهود، ولكنهم تركوه وصاموا بدله يوما من السنة، وهو يوم عاشوراء، زعموا أنه يوم أغرق الله تعالى فيه فرعون، وكذبوا في ذلك الصادق
(1) وقذد ثبت فرضيته بالكتاب والسنة وعليه اجماع الامة، لقوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) سورة البقرة الآية: 183، وقوله تعالى:(فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة الاية: 185 وفئ السنة أحاديث كثيرة منها: حديث " بني الإسلام على خمسى " ومنها: " سوم رمضان (متفق عليه.
(2)
مريم: 26.
(3)
البقرة: 183
شعبان ثلاثين يوما، أو رؤية عدل واحد، ولو مستورا هلاله بعد الغروب، إذا شهد بها عند القاضي، ولو مع إطباق غيم، بلفظ: أشهد أني رأيت الهلال، أو أنه هل.
ولا يكفي: قوله: أشهد أن غدا من رمضان.
ولا يقبل
ــ
المصدوق نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم.
وواجبا على النصارى أيضا لكنهم بعد أن صاموه زمنا طويلا صادفوا فيه الحر الشديد، وكان يشق عليهم في أسفارهم ومعايشهم، فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم أن يجعلوه في فصل الربيع لعدم تغيره، وزادوا فيه
عشرة أيام كفارة لما صنعوا، فصار أربعين.
ثم إن ملكا مرض فجعل لله تعالى - أن هو برئ - أن يصوم أسبوعا، فبرئ، فزاده أسبوعا، ثم جاء بعد ذلك ملك، فقال: ما هذه الثلاثة؟ فأتم خمسين - أي أنه زاد الثلاثة باجتهاد منه - وهذا معنى قوله تعالى * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) * (1) والمعتمد الأول، وهو أنه لم يجب خصوص رمضان إلا على هذه الأمة، وأما الواجب على الأمم السابقة فصوم آخر.
(قوله: ومن المعلوم من الدين بالضرورة) أي وهو من المعلوم من أدلة الدين علما يشبه الضروري، فيكفر جاحد وجوبه.
(قوله: يجب صوم شهر رمضان) الأصل في وجوبه قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.
أياما معدودات) * (2) والأيام المعدودات أيام شهر رمضان، وجمعها جمع قلة ليهونها، وقوله تعالى * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (3).
(قوله: بكمال شعبان ثلاثين) متعلق بيجب أي يجب باستكمال شعبان ثلاثين يوما إن لم ير هلال رمضان، لقوله صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما.
وفي التحفة: قال الدارمي: ومن رأى هلال شعبان ولم يثبت.
ثبت رمضان باستكماله ثلاثين من رؤيته، لكن بالنسبة لنفسه فقط.
اه.
(قوله: أو رؤية عدل واحد) معطوف على كمال.
أي ويجب صوم رمضان برؤية عدل واحد الهلال، لأن ابن عمر رضي الله عنهما رآه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصام وأمر الناس بصيامه.
رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت هلال رمضان.
فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم.
قال: تشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم.
قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا.
صححه ابن حبان والحاكم.
والمعنى في ثبوته بالواحد: الاحتياط للصوم، ولأن الصوم عبادة بدنية، فيكفي في الإخبار بدخول وقتها واحد، والمراد بالعدل عدل الشهادة لا الرواية، فلا يكفي عبد وامرأة وفاسق، لكن لا يشترط فيه العدالة الباطنة، وهي التي التي يرجع فيها إلى قول المزكين، بل يكفي كونه مستور - كما سيذكره - وهو من ظاهره التقوى ولم يعدل.
قال في التحفة: ومحل ثبوته بعدل إنما هو في الصوم وتوابعه كالتراويح والاعتكاف دون نحو طلاق علق به.
نعم، إن تعلق بالرائي عومل به، وكذا إن تأخر التعليق عن ثبوته بعدل.
اه.
وفي مغني الخطيب ما نصه: (فرع) لو شهد برؤية الهلال واحد أو اثنان واقتضى الحساب عدم إمكان رؤيته.
قال السبكي: لا تقبل هذه الشهادة، لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية، والظن لا يعارض القطع.
وأطال في بيان رد هذه الشهادة، والمعتمد قبولها، إذ لا عبرة بقول الحساب.
اه.
وفصل في التحفة فقال: الذي يتجه أن الحساب إن اتفق أهله على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر، ردت الشهادة، وإلا فلا.
اه.
(قوله: ولو مستورا) أي ولو كان ذلك العدل مستورا، وهو الذي لم يعرف له مفسق ولم يزك، ويسمى هذا عدلا ظاهرا، ولا ينافي هذا ما مر من أنه يشترط فيه أن يكون عدل شهادة، لا رواية، لأنهم سامحوا في ذلك، كما سامحوا في العدد احتياطا.
(قوله: هلاله) مفعول رؤية.
(وقوله: بعد الغروب) متعلق برؤية.
أي يشترط أن تكون الرؤية بعد الغروب، فلا أثر لرؤيته نهارا.
فلو رؤي يوم الثلاثين من شعبان لا نمسك، ولو رؤي يوم الثلاثين من رمضان لا نفطر.
(قوله: إذا شهد بها الخ) هذا شرط بالنسبة لثبوته عموما، وأما بالنسبة لنفسه أو لمن صدقه فلا يشترط فيه ذلك كما هو ظاهر.
ولو قال - كما في المنهج وشرحه - أو رؤية الهلال في حق من رآه وإن كان فاسقا، أو ثبوتها في حق من لم يره بعدل شهادة.
لكان أولى وأخصر.
(وقوله: عند القاضي) أي أو نائبه.
(قوله: ولو مع إطباق غيم) المناسب جعله غاية لمقدر.
أي يثبت الهلال بشهادة عدل عند القاضي برؤيته، ولو كانت السماء مطبقة بالغيم والمراد إطباق لا يحيل الرؤية عادة، وإلا فلا يثبت بها.
(1) التوبة: 31.
(2)
البقرة: 183 - 184.
(3)
البقرة: 185
على شهادته إلا بشهادة عدلين، وبثبوت رؤية هلال رمضان عند القاضي بشهادة عدل بين يديه - كما مر - ومع قوله ثبت عندي: يجب الصوم على جميع أهل البلد المرئي فيه، وكالثبوت عند القاضي: الخبر المتواتر
برؤيته، ولو من كفار، لافادته العلم الضروري، وظن دخوله بالامارة الظاهرة التي لا تتخلف عادة: - كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر - ويلزم الفاسق والعبد والانثى: العمل برؤية نفسه، وكذا من اعتقد صدق نحو فاسق
ــ
(قوله: بلفظ أشهد الخ) متعلق بمحذوف.
أي والشهادة المجزئة تكون بلفظ أشهد أني رأيت الهلال.
خلافا لابن أبي الدم فإنه قال: لا يكفي ذلك لأنها شهادة على فعل نفسه وهي لا تصح، فلا بد عنده من أن يقول أشهد أن غدا من رمضان، أو أن الشهر هل.
(قوله: ولا يكفي قوله أشهد أن غدا من رمضان) أي عند غير ابن أبي الدم - كما علمت - وذلك لأنه قد يعتقد دخوله بسبب لا يوافقه عليه المشهود عنده، كأن يكون أخذه من حساب منازل القمر، أو يكون حنفيا يرى إيجاب الصوم ليلة الغيم، أو غير ذلك.
(قوله: ولا يقبل على شهادته) أي العدل الرائي.
أي إذا أريد أداء الشهادة عنه عند القاضي، فلا بد من عدلين يشهدان بأن فلانا يشهد أنه رأى الهلال.
وعبارة الروض وشرحه.
ولو شهد اثنان على شهادته - أي العدل - صح، بخلاف ما إذا شهد عليها واحد.
لما مر أن ذلك من باب الشهادة، لا من باب الرواية.
اه.
وفي مغني الخطيب ما نصه: وهل يثبت بالشهادة على الشهادة؟ طريقان، أصحهما القطع بثبوته - كالزكاة -.
وقيل: لا، كالحدود.
اه.
(قوله: بثبوت رؤية هلال رمضان الخ) الجار والمجرور متعلق بقوله بعد يجب الصوم، وكذا قوله ومع قوله إلخ، لأنه معطوف على ثبوت.
والمعنى أنه يجب الصوم على جميع أهل البلد بثبوت الرؤية عند
القاضي، مع قول القاضي: ثبت عندي الهلال.
(قوله: كما مر) متعلق بمحذوف حال من شهادة، أي حال كون الشهادة باللفظ المار، وهو: أشهد أني رأيت الهلال.
ولو قال بما مر - بالباء بدل الكاف - لكان أولى، وعليه، يكون الجار والمجرور متعلقا بشهادة.
(قوله: ومع قوله ثبت عندي) معطوف على بثبوت، ولو حذف الواو لكان أولى.
أي وبثبوت هلال رمضان المصاحب لقول القاضي ثبت عندي، فإن لم يقل ذلك القاضي لا يجب الصوم.
وعبارة التحفة: ولا بد من نحو قوله: ثبت عندي، أو حكمت بشهادته.
اه.
وكتب سم عليه: هذا قد يدل على أن مجرد الشهادة بين يدي القاضي لا يوجب الصوم على من علم بها.
نعم، إن اعتقد صدق الشاهد.
وجب عليه.
اه.
(قوله: يجب الصوم على جميع أهل البلد) أي ولو بالنسبة لمن لم يصدق برؤية العدل المذكور.
(وقوله: المرئي فيه) أي البلد الذي رؤي الهلال فيه.
(قوله: وكالثبوت عند القاضي: الخبر المتواتر الخ) عبارة التحفة: وكهذين - أي إكمال عدة شعبان، والرؤية - الخبر المتواتر برؤيته، ولو من كفار، لإفادته العلم الضروري، وظن دخوله بالاجتهاد - كما يأتي - أو بالأمارة الظاهرة الدالة التي لا تتخلف عادة - كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر - ومخالفة جمع في هذه غير صحيحة، لأنها أقوى من الاجتهاد المصرح فيه بوجوب العمل به، لا قول منجم - وهو من يعتمد النجم - وحاسب - وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره - ولا يجوز لأحد تقليدهما.
نعم، لهما العمل بعلمها، ولكن لا يجزئهما عن رمضان - كما صححه في المجموع وإن أطال جمع في رده - ولا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم قائلا غدا من رمضان، لبعد ضبط الرائي، لا للشك في الرؤية.
اه.
(وقوله: ولكن لا يجزئهما) الذي جرى عليه الشهاب الرملي وولده والطبلاوي الكبير: وجوب العمل بذلك، مع الإجزاء، وكذلك من أخبراه وغلب على ظنه صدقهما.
اه.
كر دي (قوله: وظن دخوله إلخ) هو بالرفع معطوف على الخبر المتواتر، أي وكالثبوت: ظن دخول رمضان بالأمارة الظاهرة.
وعبارة النهاية: ويضاف إلى الرؤية - كما قال الأذرعي - وإكمال العدد: ظن دخوله بالاجتهاد عند الاشتباه على أهل ناحية حديث عهدهم بالإسلام أو أسارى.
وهل الأمارة الظاهرة الدالة في حكم الرؤية مثل أن يرى أهل القرية القريبة من البلد القناديل قد علقت ليلة الثلاثين من شعبان بمنائر المصر كما هو العادة؟ الظاهر: نعم، وإن اقتضى كلامهم المنع.
اه.
(قوله: كرؤية القناديل الخ) تمثيل للأمارة الظاهرة.
(قوله: ويلزم الفاسق الخ) هذا كالتقييد لاشتراط كون الرائي عدلا المستفاد من قوله أو برؤية عدل، فكأنه قال: ومحل اشتراط العدالة - أي عدالة الشهادة، لا الرواية، كما علمت - في حق غير الرائي، أما هو: فيجب عليه الصوم،
ومراهق في أخباره برؤية نفسه، أو ثبوتها في بلد متحد مطلعه: - سواء أول رمضان وآخره على الاصح - والمعتمد: أن له - بل عليه - اعتماد العلامات بدخول شوال، إذا حصل له اعتقاد جازم بصدقها - كما أفتى به شيخانا: ابن زياد وحجر، كجمع محققين - وإذا صاموا - ولو برؤية عدل - أفطروا بعد ثلاثين، وإن لم يروا الهلال ولم يكن غيم، لكمال العدة بحجة شرعية.
ولو صام بقول من يثق، ثم لم ير الهلال بعد ثلاثين مع الصحو: لم يجز له الفطر، ولو رجع الشاهد بعد شروعهم في الصوم: لم يجز لهم الفطر.
وإذا ثبت رؤيته ببلد
ــ
وإن لم يكن عدل شهادة - كأن كان فاسقا أو امرأة أو عبدا - وفي حق غير من أخبره وصدقه، أما هو: فيجب عليه الصوم، ويعمل بقوله، لأنه صدقه في ذلك.
(قوله: العمل برؤية نفسه) أي فيجب عليه الصوم.
(قوله: وكذا من اعتقد الخ) أي وكذلك يلزم من اعتقد صدق من ذكر العمل بإخباره.
(وقوله: صدق نحو فاسق) المقام للإضمار، فلو عبر به وقال: وكذا من اعتقد صدقه، لكان أولى.
ودخل تحت نحو العبد والأنثى.
قال سم: هل يدخل في الفاسق الكافر حتى لو أخبر من اعتقد صدقه لزمه؟ يحتمل أنه كذلك.
اه.
(قوله: في إخباره) متعلق بصدق، وضميره يعود على نحو فاسق.
(قوله: وثبوتها) بالجر معطوف على رؤية نفسه: أي وكذلك يلزم من اعتقد صدق نحو فاسق في إخباره بثبوت الرؤية في بلد متحد مطلعه: العمل بإخباره - لما سيذكره قريبا من أنه إذا ثبت رؤية هلال رمضان في بلد، لزم حكمه البلد القريب منه.
(وقوله: متحد مطلعه) أي موافق مطلعه لمطلع غير محل الرؤية، بأن يكون غروب الشمس والكواكب وطلوعها في البلدين في وقت واحد - كما سيأتي.
(قوله: سواء أول رمضان وآخره) تعميم فيما قبل، وكذا وفيما بعده، وإن كان ظاهر صنيعه يقتضي رجوعه للثاني فقط.
أي يلزم الفاسق وما بعده العمل برؤية نفسه - سواء كانت الرؤية لهلال رمضان، أو لهلال شوال - ويلزم أيضا من صدق من ذكر في إخباره برؤية نفسه أو بثبوتها في بلد متحد المطلع العمل بما ذكر - سواء كان بالنسبة لهلال رمضان، أو لهلال شوال - فإذا رأى الفاسق هلال شوال يجب عليه العمل برؤيته، ومثله من صدقه في ذلك.
قال في فتح الجواد: إذ المدار على حصول الاعتقاد الجازم، فمتى حصل أوله أو آخره بقول عدل أو غيره - ومما ذكر ونحوه - جاز العمل بقضيته، بل وجب.
اه.
وقال الكردي: وفي النهاية إخبار العدل الموجب للاعتقاد الجازم بدخول شوال يوجب الفطر.
قال سم في شرح مختصر أبي شجاع: وأما قولهم لا يثبت شوال إلا بشهادة عدلين، وأنه من باب الشهادة لا الرؤية: فهو في ثبوته على العموم.
اه.
(قوله: على الأصح) راجع للتعميم، ومقابله أنه ليس آخر رمضان كأوله في ذلك.
(قوله: والمعتمد أن له) أي للشخص.
(وقوله: بل عليه) أي يجب عليه.
(قوله: اعتماد العلامات بدخول شوال) أي كالقناديل ورمي المدافع، فيجب عليه الفطر.
(قوله: إذا حصل له) أي للرائي للعلامات.
(وقوله: اعتقاد جازم بصدقها) أي العلامات.
فإن لم يحصل له ذلك لا يجوز له العمل بها.
فالمدار على حصول الاعتقاد الجازم وعدمه.
(قوله: وإذا صاموا) أي أهل البلد.
(قوله: ولو برؤية عدل) غاية لثبوت صيامهم.
أي ولو ثبت صيامهم برؤية عدل واحد - أو عدلين - أو بغير الرؤية، كأن كان باستكمال شعبان ثلاثين يوما.
(قوله: أفطروا بعد ثلاثين)(فإن قيل): يؤدي هذا إلى ثبوت شوال بقول واحد فيما إذا صمنا بعدل، وهو لا يصح.
(أجيب) بأن الشئ قد يثبت ضمنا
بطريق لا يثبت فيها مقصودا، كالنسب والإرث - لا يثبتان بالنساء، ويثبتان ضمنا للولادة الثابتة بهن.
(قوله: وإن لم يروا الهلال) أي بعد الثلاثين.
(قوله: ولم يكن غيم) أي وإن لم يكن هناك غيم، بأن كانت السماء مصحية.
وعبارة المنهاج: وإن كانت السماء مصحية.
وكتب المحلى أشار بهذا إلى أن الخلاف في حالتي الصحو والغيم، وأن بعضهم قال بالإفطار في حالة الغيم، دون الصحو.
اه.
(قوله: لكمال العدة) أي عدة رمضان، وهي ثلاثون يوما.
(قوله: بحجة شرعية) وهي شهادة العدل ونحوها مما يثبت به رمضان.
(قوله: ولو صام بقول من يثق) أي به أي من اعتقد صدقه.
(وقوله: ثم لم ير) بالبناء للمجهول، والهلال نائب فاعله.
(قوله: مع الصحو) أطلق في التحفة عدم الإفطار ولم يقيده بالصحو، وقيده به في فتح الجواد، ومقتضى التقييد به أنه يفطر الحادي والثلاثين - إن كان غيم.
وفي سم - بعد كلام - ما نصه: فقد بان لك - فيما لو صام بقول غير عدل يثق به ولم ير الهلال بعد الثلاثين - أن الشارح استظهر في شرح الإرشاد الكبير
لزم حكمه البلد القريب - دون البعيد - ويثبت البعد باختلاف المطالع - على الاصح - والمراد باختلافها: أن يتباعد المحلان - بحيث لو رؤي في أحدهما: لم ير في الآخر غالبا، قاله في الانوار.
وقال التاج التبريزي - وأقره
ــ
وجوب الصوم مع الصحو، وترجى أن يكون أقرب مع الغيم، وجزم في الصغير بوجوبه مع الصحو، وسكت عن الغيم.
واستوجه في شرح المنهاج وجوب الصوم، وأطلق، فلم يقيد، لا بصحو ولا بغيم، واستوجه في شرح العباب وجوب الفطر مطلقا.
اه.
(قوله: لم يجز له الفطر) أي لأنا إنما صومناه احتياطا، فلا نفطره احتياطا.
وفارق العدل بأنه حجة شرعية فلزم العمل بآثارها، بخلاف اعتقاد الصدق.
وعدم جواز الفطر هو ما جرى عليه ابن حجر، وجرى الرملي على خلافه، وهو أنه يفطر، وعبارته: ولو صام شخص بقول من يثق به ثلاثين ولم ير الهلال، فإنه يفطر في أوجه احتمالين.
اه.
(قوله: ولو رجع الشاهد) أي العدل.
وعبارة التحفة: ولا يقبل رجوع العدل بعد الشروع في الصوم.
(قوله: بعد شروعهم) أي أهل البلد.
(قوله: لم يجز لهم الفطر) قال في النهاية: أي لأن الشروع فيه بمنزلة الحكم بالشهادة.
اه.
وكتب ع ش: يؤخذ من العلة أنه لو حكم بشهادته وجب الصوم، وإن لم يشرعوا فيه.
وعبارة سم على منهج: (فرع) لو رجع العدل عن الشهادة - فإن كان بعد الحكم لم يؤثر، وكذا قبله وبعد الشروع، فإن كان قبل الحكم والشروع جميعا امتنع العمل بشهادته م ر.
وإن كان رجوعه قبل الحكم وبعد الشروع ثم لم ير الهلال بعد ثلاثين والسماء مصحية، فهل نفطر؟ ظاهر كلامهم أنا نفطر، لأنهم جوزوا الاعتماد عليه، وجرى على ذلك م ر، وخالف شيخنا في إتحافه فمنع الفطر، لأنا إنما عولنا عليه مع رجوعه احتياطا، والاحتياط عدم الفطر، حيث لم ير الهلال - كما ذكره.
اه.
والقلب إلى ما قاله في الإتحاف أميل.
اه.
(قوله: وإذا ثبت رؤيته) أي الهلال، بعدل أو عدلين، ويؤخذ من التعبير بالثبوت أنه إذا أشيعت
رؤيته في بلد ولم تثبت لا تثبت في البلدة القريبة إلا لمن صدقه - كما في التحفة - وعبارتها: (تنبيه) قضية قوله لزم إلخ أنه بمجرد رؤيته ببلد يلزم كل بلد قريبة منه الصوم أو الفطر، لكن من الواضح أنه لو لم يثبت بالبلد الذي أشيعت رؤيته فيها لا يثبت في القريبة منه، إلا بالنسبة لمن صدق المخبر، وأنه إن ثبت فيها ثبت في القريبة، لكن لا بد من طريق يعلم بها أهل البلد القريبة ذلك، فإن كان ثبت بنحو حكم فلا بد من اثنين يشهدان عند حاكم القريبة بالحكم، ولا يكفي واحد، وإن كان المحكوم به يكفي فيه الواحد، لأن المقصود إثباته الحكم بالصوم، لا الصوم، أو بنحو استفاضة فلا بد من اثنين أيضا لذلك.
فإن لم يكن بالبلد من يسمع الشهادة أو امتنع لم يثبت عندهم إلا بالنسبة لمن صدق المخبر بأن أهل تلك البلد ثبت عندهم ذلك.
اه.
(قوله: لزم حكمه) الضمير يعود على ثبوت المفهوم من ثبت.
أي لزم حكم ثبوت الرؤية في بلد البلد القريب إلخ، ويصح رجوع الضمير للبلد، لكن بتقدير مضاف، أي حكم أهل البلد، أي الحكم الحاصل على أهل البلد بسبب ثبوت الرؤية منها، وذلك الحكم هو الصوم.
وقوله: البلد القريب: بالنصب - مفعول لزم.
وإنما لزمها ذلك لأن البلدتين صارتا كبلدة واحدة.
(قوله: دون البعيد) أي لما رواه مسلم عن كريب قال: رأيت الهلال بالشام، ثم قدمت المدينة، فقال ابن عباس: متى رأيتم الهلال؟ قلت: ليلة الجمعة.
قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية.
فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة.
فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا.
هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(قوله: ويثبت البعد باختلاف المطالع) أي والقرب باتحادها.
والمراد به: أن يكون غروب الشمس والكواكب وطلوعها في المحلين في وقت واحد.
فإن طلع أو غرب شئ من ذلك في أحد المحلين قبل الآخر أو بعده فهو مختلف.
(قوله: على الأصح) مقابله لا يعتبر البعد باختلاف المطالع، بل بمسافة القصر.
قال: لأن الشرع أناط بها كثيرا من الأحكام، واعتبار المطالع يحوج إلى تحكيم المنجمين، وقواعد الشرع تأباه.
ورد بأن الهلال لا تعلق له بمسافة القصر، ولأن المناظر تختلف باختلاف المطالع والعروض، أي عروض البلاد - أي بعدها - عن خط الاستواء، وتحكيم المنجمين إنما يضر في الأصول، دون التوابع - كما هنا، كذا في التحفة.
وفي البجيرمي: قال ابن المقري في تمشيته: واعتبار مسافة القصر يؤدي إلى أن يجب الفطر على من بالبلد، والصوم على من هو خارجها، لوقوعهم في مسافة القصر، إذ هي تحديد، وإلى أن يكون من خرج من البلد لزمه الإمساك، ومن دخلها لزمه الفطر.
اه.
(قوله: والمراد باختلافها أن يتباعد إلخ) وفي حاشية الكردي ما نصه: معنى اختلاف المطالع أن
غيره -: لا يمكن اختلافها في أقل من أربعة وعشرين فرسخا.
ونبه السبكي - وتبعه غيره -: على أنه يلزم من الرؤية في البلد الغربي من غير عكس، إذ الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل.
وقضية كلامهم أنه متى رؤي في شرقي: لزم كل غربي - بالنسبة إليه - العمل بتلك الرؤية، وإن اختلفت المطالع.
وإنما يجب صوم رمضان
ــ
يكون طلوع الفجر أو الشمس أو الكواكب أو غروبها في محل متقدما على مثله في محل آخر، أو متأخرا عنه، وذلك مسبب عن اختلاف عروض البلاد.
أي بعدها عن خط الاستواء وأطوالها.
أي بعدها عن ساحل البحر المحيط الغربي، فمتى تساوى طول البلدين لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر، وإن اختلف عرضهما، أو كان بينهما مسافة شهور.
ومتى اختلف طولهما امتنع تساويهما في الرؤية، ولزم من رؤيته في الشرق رؤيته في بلد الغرب، دون العكس، فيلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر، ولا عكس.
قالا في الإمداد والنهاية: ومن ثم لو مات متوارثان وأحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب كل في وقت زوال بلده، ورث الغربي الشرقي، لتأخر زوال بلده.
اه.
(قوله: غالبا) خرج به ما كان على خلاف الغالب، وهو أنه قد يتباعد المحلان، وتكون الرؤية في أحد البلدين مستلزمة للرؤية في الآخر، كالذي سيذكره من أنه إذا رؤي في البلد الشرقي يرى في الغربي - فلا عبرة به، للاختلاف فيما ذكر.
(قوله: التبريزي) بكسر أوله والراء وسكون الموحدة والتحتية وزاي: نسبة إلى تبريز، بلدة بأذربيجان.
اه.
ع ش.
(قوله: لا يمكن اختلافها الخ) قال في التحفة: وكان مستند ما ذكر: الاستقراء.
(وقوله: في أقل من أربعة وعشرين فرسخا) قال ع ش - وقدره ثلاثة أيام.
لكن يبقى الكلام في مبدأ الثلاثة بأي طريق يفرض حتى لا تختلف المطالع بعده؟.
اه.
(قوله: على أنه يلزم من الرؤية الخ) أي كما في مكة المشرفة ومصر المحروسة، فإنه يلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر، لا عكسه.
(قوله: من غير عكس) وهو أنه لا يلزم من رؤيته في البلد الغربي رؤيته في البلد الشرقي، وعلى هذا حديث كريب، فإن الشام غربية بالنسبة إلى المدينة، فلا يلزم من رؤيته في الشام رؤيته فيها.
(قوله: إذ الليل إلخ) علة الملازمة.
(وقوله: قبل) أي قبل دخوله في البلاد الغربية.
(قوله: وقضية كلامهم) أي السبكي ومن تبعه، وهو أنه يلزم من رؤيته في الشرقي رؤيته في الغربي.
(قوله: أنه) أي الهلال.
والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها خبر قضية.
(وقوله: في شرقي) أي بلد شرقي.
(وقوله: لزم كل غربي) أي كل أهل بلد غربي.
(وقوله: بالنسبة إليه) أي إلى الشرقي الذي رؤي الهلال فيه.
(وقوله: العمل) فاعل لزم.
(قوله: وإن اختلفت المطالع) قال في التحفة بعده: وفيه منافاة لظاهر كلامهم، ويوجه كلامهم بأن اللازم إنما هو الوجود، لا الرؤية، إذ قد يمنع منها مانع، والمدار عليها، لا على الوجود.
اه.
وقوله: بأن اللازم: أي لرؤيته في البلد الشرقي إنما هو الوجود، أي وجود الهلال.
وفي ع ش ما نصه: (فرع) ما حكم تعلم اختلاف المطالع؟ يتجه أن يكون كتعلم أدلة القبلة حتى يكون فرض عين في السفر وفرض كفاية في الحضر، وفاقا لمر سم على منهج، والتعبير بالسفر والحضر جري على الغالب.
اه.
(تتمة) لو أثبت مخالف الهلال مع اختلاف المطالع لزمنا العمل بمقتضى إثباته.
ولو سافر عن محل الرؤية إلى محل يخالفه في المطلع ولم ير أهله الهلال، وافقهم في الصوم آخر الشهر، وإن أتم ثلاثين فيمسك معهم، وإن كان معيدا، لأنه صار منهم.
وكذا لو جرت سفينة صائم إلى بلد فوجدهم معيدين فإنه يفطر معهم لذلك، ولا قضاء عليه، إلا إن صام ثمانية وعشرين يوما.
وخرج بآخر الشهر ما لو انتقل أول الشهر من محل رأوه فيه إلى محل لم يروه فيه، فلا يفطر معهم ذلك اليوم - كما في التحفة - قال سم: والوجه التسوية بين الأول والآخر.
وعليه يلغز ويقال: لنا شخص رأى الهلال ليلا، وأصبح مفطرا بلا عذر.
(فائدة) في مسند الدارمي وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول عند رؤية الهلال: الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلام والإسلام، والتوفيق لما تحبه وترضاه.
ربنا وربك الله.
وفي أبي داود: كان يقول: هلال خير ورشد - مرتين - آمنت بمن خلقك - ثلاث مرات -.
ويسن أن يقرأ بعد ذلك سورة تبارك، لأثر فيه، ولأنها المنجية
(على) كل مكلف - أي بالغ - عاقل، (مطيق له) أي للصوم حسا، وشرعا، فلا يجب على صبي، ومجنون، ولا على من لا يطيقه - لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه، ويلزمه مد لكل يوم: ولا على حائض، ونفساء، لانهما لا تطيقان شرعا.
(وفرضه) أي الصوم (نية) بالقلب، ولا يشترط التلفظ بها، بل يندب، ولا يجزئ عنها التسحر
ــ
الواقية: قال السبكي: وكأن ذلك لأنها ثلاثون آية بعدد أيام الشهر، ولأن السكينة تنزل عند قراءتها.
وكان صلى الله عليه وسلم يقرؤها عند النوم.
اه.
مغني.
(قوله: وإنما يجب صوم رمضان إلخ) تعرض لشرائط الوجوب، ولم يتعرض لشرائط الصحة، مع أن إحداهما لا تغني عن الأخرى، إذ لا يلزم من الصحة الوجوب.
ألا ترى أن الصوم يصح من الصبي ولا يجب عليه؟ ويجب على المرتد ولا يصح منه؟ فكان المناسب أن يتعرض لشرائط الصحة أيضا وإن كان بعضها - كالنقاء - يمكن اندراجه تحت الإطاقة بحملها على الحسية والشرعية - كما صرح به الشارح - وهي أربعة: الإسلام بالفعل، والنقاء عن الحيض والنفاس، والعقل في جميع النهار، ووقت قابل للصوم.
فمتى ارتد، أو نفست، أو ولدت وإن لم تر دما، أو حاضت، أو جن في لحظة من النهار: بطل الصوم - كالصلاة ولا يضر النوم - وإن استغرق جميع النهار - ولا الإغماء والسكر من غير تعد إن خلا عنهما لحظة من النهار، بخلاف ما إذا لم يخل عنهما لحظة منه، فإن الصوم يبطل بهما، لأنهما في الاستيلاء على العقل فوق النوم ودون الجنون، فإن قلنا إن المستغرق منهما لا يضر كالنوم، لزم إلحاق الأقوى بالأضعف.
وإن قلنا إن اللحظة منهما ما تضر كالجنون، لزم إلحاق الأضعف بالأقوى فتوسطنا وقلنا إن الخلو عنهما في لحظة كاف.
وخرج بقولنا من غير تعد: ما إذا حصلا له بتعد، فإنه يأثم بهما، ويبطل صومه، ويلزمه القضاء، وإن كانا في لحظة من النهار.
(قوله: على كل
مكلف) أي مسلم، ولو فيما مضى، فيشمل المرتد، فيجب عليه الصوم، بمعنى انعقاد سببه في حقه، لوجوب القضاء عليه إن عاد للإسلام.
(قوله: أي بالغ عاقل) تفسير مراد للمكلف.
(قوله: مطيق له) زاد في شرح المنهج شرطين، وهما: الصحة، والإقامة.
واعترض الأول بأن قيد الإطالة يغني عنه، لأن المراد الإطاقة حسا أو شرعا، فيخرج بها المريض، إلا أن يقال إن الإطاقة تتحقق مع وجود المشقة، فحينئذ لا يخرج المريض بها، فيحتاج إلى قيد الصحة لإخراجه.
(قوله: فلا يجب على صبي) أي وإن صح منه، إذ لا تلازم بين الصحة والوجوب - كما مر - وهذا محترز قوله بالغ: المندرج تحت المكلف.
(وقوله: مجنون) محترز قوله عاقل - المندرج أيضا تحت المكلف - ومحل عدم وجوبه على المجنون - كما سيأتي - ما لم يتعد به، بأن أزال عقله بشراب أو غيره عمدا، وإلا وجب عليه ولزمه قضاؤه بعد الإفاقة.
(قوله: ولا على من لا يطيقه لكبر أو مرض) محترز الإطاقة الحسية، وما بعده محترز الشرعية.
(وقوله: لا يرجى برؤه) هو ساقط من عبارة التحفة، وهو الأولى، لأن المريض مرضا يرجى برؤه لا يجب عليه الصوم حالته، وإن وجب عليه القضاء إذا تمكن - كالحائض والنفساء - إلا أن يقال قيد به لأجل قوله ويلزمه مد لكل يوم، لأن لزومه إنما هو فيما لا يرجى برؤه، أما ما يرجى برؤه فلا يلزمه معه ذلك، وإنما يلزمه الصوم قضاء بعد الصحة.
(قوله: ويلزمه) أي من لا يطيقه.
(وقوله: مد لكل يوم) أي لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * (1) والمراد لا يطيقونه - بتقدير لا النافية - كما سيأتي.
(قوله: ولا على حائض ونفساء) أي ولا يجب عليهما.
قال في التحفة: ووجوب القضاء عليهما إنما هو بأمر جديد.
وقيل وجب عليهما ثم سقط.
وعليهما ينويان القضاء، لا الأداء على الأول، خلافا لابن الرفعة، لأنه فعل خارج وقته المقدر له شرعا.
ألا ترى أن من استغرق نومه الوقت ينوي القضاء وإن لم يخاطب بالأداء؟ وبما تقرر علم أن من عبر بوجوبه على نحو حائض ومغمى عليه وسكران: مراده وجوب انعقاد سبب ليرتب عليهم القضاء، لا وجوب التكليف، لعدم صلاحيتهم للخطاب.
اه.
(قوله: لأنهما) أي الحائض والنفساء.
(وقوله: لا تطيقان) أي الصوم، فمفعوله محذوف.
(وقوله: شرعا) أي لا حسا، لأنهما قد يطيقانه حسا.
(قوله: وفرضه نية) أي
(1) البقرة: 184
- وإن قصد به التقوي على الصوم - ولا الامتناع من تناول مفطر، خوف الفجر، ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات التي يجب التعرض له في النية (لكل يوم): فلو نوى أول ليلة رمضان صوم جميعه: لم يكف لغير اليوم
الاول.
قال شيخنا: لكن ينبغي ذلك، ليحصل له صوم اليوم الذي نسي النية فيه عند مالك، كما تسن له أول اليوم الذي نسيها فيه، ليحصل له صومه عند أبي حنيفة.
وواضح أن محله: إن قلد، وإلا كان متلبسا بعبادة
ــ
لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات.
وذكر من فروض الصوم فرضا واحدا، وهو ما ذكر، وبقي عليه فرضان، وهما: الإمساك عن مفطر، والصائم، ولا بد في النية من أن يستحضر حقيقة الصوم - التي هي الإمساك عن المفطر - جميع النهار مع كونه عن رمضان مثلا، ثم يقصد إيقاع هذا المستحضر.
(قوله: بالقلب) بيان لمحل النية.
(قوله: ولا يشترط
التلفظ بها) أي بالنية، كسائر نيات العبادات.
(قوله: بل يندب) أي التلفظ بها ليساعد اللسان القلب.
(قوله: ولا يجزئ عنها) أي النية.
(قوله: وإن قصد به) أي التسحر.
(قوله: ولا الامتناع الخ) معطوف على التسحر، أي ولا يجزئ عن النية الامتناع من تناول مفطر، خوفا من طلوع الفجر.
(قوله: ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات الخ) قيد في عدم الإجزاء.
أي محله ما لم يخطر بباله الصوم بصفاته، وإلا أجزأ ما ذكر من الصورتين: أعني التسحر والامتناع من تناول مفطر عنها.
(واعلم) أن الصوم هو الإمساك عن المفطرات، وأن صفاته كونه عن رمضان أو عن نذر أو كفارة مثلا.
إذا علمت ذلك، فتأمله مع الغاية السابقة - أعني قوله ولو قصد به التقوي على الصوم - فإن مجموع ذلك يقتضي تصور تسحره بقصد التقوي عليه مع عدم خطوره مع صفاته بالبال.
وليس كذلك، وذلك لأن الصوم الذي قصد التقوي عليه بالتسحر الظاهر: أن المراد منه الصوم الشرعي، الذي هو إمساك مخصوص بنية مخصوصة، فإذا قصد بالسحور التقوى عليه، لزم خطوره بالبال بصفاته التي لا بد منها، وذلك عين النية.
نعم، إن حمل الصوم - الذي قصد التقوى عليه بما ذكر - على مطلق إمساك عن المفطرات، تصور ذلك، وكان لذكر القيد المذكور بعد الغاية فائدة.
وبقي عليه أن صريح كلامه أن مجرد خطور الصوم بباله مع التسحر أو الامتناع من المفطر مجزئ عن النية.
وليس كذلك، لما صرحوا به في الصلاة - وغيرها - من أنه لا بد في نيتها من قصد إيقاعها وفعلها، وأما مجرد الخطور من غير قصد الإيقاع فغير مجزئ.
ويمكن أن يقال: أن المراد بقوله: ما لم يخطر بباله الصوم: أي إيقاعه، وفيه أنه إذا كان هو المراد كان عين النية، لا مجزئا عنها - كما أفهمه كلامه -.
وعبارة الروض مع شرحه: ولو تسحر ليصوم، أو شرب لدفن العطش نهارا، أو امتنع من الأكل أو الشرب أو الجماع خوف طلوع الفجر، فهو نية - إن خطر بباله صوم فرض رمضان، لتضمن كل منها قصد الصوم.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: لكل يوم) متعلق بنية.
أي تجب النية لصوم كل يوم، وذلك لأن الصوم كل يوم عبادة مستقلة، لتخلل ما يناقض الصوم بين اليومين - كالصلاتين يتخللهما السلام.
(قوله: فلو نوي الخ) مفرع على وجوب النية لكل يوم.
(قوله: صوم جميعه) أي رمضان.
(قوله: لم يكف) أي ما نواه.
(وقوله: لغير اليوم الأول) أما هو، فيكفي ما نواه له فقط.
(قوله: لكن ينبغي ذلك) أي نية صوم جميعه أول ليلة منه.
(قوله: ليحصل إلخ) علة الانبغاء.
(قوله: الذي نسي النية فيه)
أي له، ففي بمعنى اللام.
(وقوله: عند مالك) متعلق بيحصل.
أي يحصل له ذلك عنده، لأنه لا يشترط النية لكل يوم.
(قوله: كما تسن) أي النية.
(وقوله: له) أي الناسي تبييت النية.
(وقوله: ليحصل إلخ) متعلق بتسن.
(وقوله: صومه) أي اليوم الذي نسي النية له.
(وقوله: عند أبي حنيفة) متعلق بيحصل.
(قوله: وواضح أن محله) أي حصول الصوم له بذلك.
(وقوله: إن قلد) أي الإمام مالكا في النية أول ليلة من رمضان، أو الإمام أبا حنيفة في النية أول النهار إن نسيها ليلا، فمفعوله محذوف.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يقلد من ذكر، بل صام بالنية المذكورة في الصورة الأولى والثانية من
فاسدة في اعتقاده (وشرط لفرضه) أي الصوم - ولو نذرا، أو كفارة، أو صوم استسقاء أمر به الامام - (تبييت) أي إيقاع النية ليلا: أي فيما غروب الشمس وطلوع الفجر، ولو في صوم المميز.
قال شيخنا: ولو شك - هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده؟ لم تصح، لان الاصل عدم وقوعها ليلا، إذ الاصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن - بخلاف ما لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر أو لا؟ لان الاصل عدم طلوعه، للاصل المذكور أيضا.
ــ
غير تقليد.
(وقوله: كان متلبسا بعبادة فاسدة) أي وهو حرام.
(وقوله: في اعتقاده) متعلق بفاسدة - أي فاسدة في اعتقاد الناوي، وإن كانت صحيحة في اعتقاد غيره.
(قوله: وشرط لفرضه) سيأتي محترزه.
(قوله: ولو نذرا الخ) أي ولو كان الصوم المفروض نذرا أو كفارة أو صوم استسقاء، فإنه يشترط فيه ما ذكره.
(قوله: أمر به الإمام) راجع لصوم الاستسقاء، وقيد به لأنه لا يكون فرضا إلا حينئذ.
(قوله: تبييت) نائب فاعل شرط، وإنما شرط لخبر من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له، أي صحيح - كما هو الأصل في النفي من توجهه إلى الحقيقة، فلا يقع صيامه عن رمضان بلا خلاف، ولا نفلا - على الأوجه - ولو من جاهل.
(قوله: أي إيقاع النية الخ) تفسير مراد للتبييت أي أن المراد بتبييتها: إيقاعها ليلا.
(قوله: أي فيما بين غروب الشمس وطلوع الفجر) تفسير لليل أي أن المراد بالليل الذي تجزئ النية فيه ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر - سواء كان من أوله، أو آخره، أو وسطه - وهذا هو المعتمد.
ومقابله: لا تكفي في النصف الأول، بل يشترط إيقاعها في النصف الأخير، لأنه قريب من العبادة.
(قوله: ولو في صوم المميز) غاية في اشتراط التبييت نفلا.
أي يشترط التبييت، ولو كان الناوي صبيا مميزا، نظرا لذات الصوم، وإن كان صومه يقع نفلا، وليس لنا صوم نفل يشترط فيه ذلك إلا هذا، فيلغز به ويقال: لنا صوم نفل يشترط فيه تبييت النية.
(قوله: ولو شك إلخ) هذا مأخوذ من اشتراط التبييت، إذ هو يفهم أنه لا بد من اليقين فيه، فلو شك لم تصح.
(واعلم) إن الشارح ذكر مسألتين متغايرتين في الحكم، الأولى: أنه لو شك: هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده؟ لم تصح - أي النية -.
والثانية: أنه لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر أو لا؟ فإنها تصح.
وفرق سم بين المسألتين: بأن الشك في الأولى واقع حال النية، وفي الثانية بعدها.
قال: والتردد حال النية يمنع الجزم المعتبر فيها، فلذلك لم تصح، بخلافه في الثانية، فإنه لم يمنع الجزم المعتبر حالتها، فلذلك صحت.
وفي حاشية السيد عمر البصري - بعد أن استظهر عدم
الفرق بين المسألتين - فرق غير هذا، وحاصله: أن الشك في الصورة الأولى حصل له بعد تحقق طلوع الفجر، وفي الصورة الثانية حصل له قبل تحققه، فهو فيها شاك في النية، وشاك في طلوع الفجر أيضا، فلذلك صحت في هذه، ولم تصح في تلك.
وعبارته: قوله: ولو شك هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده؟ إلخ - قد يقال كل من نيته وطلوع الفجر حادث في كل المسألتين، فما وجه ترجيح الأصل في إحداهما للنية وفي الثانية لطلوع الفجر؟ بل يتوقف في التغاير بين المسألتين تغايرا حقيقيا يؤدي إلى التخالف في الحكم، فإن الذي يظهر: التلازم بين التصويرين، والله أعلم.
وكتب - قدس سره - ويمكن أن يقال: الصورة الأولى مفروضة فيما إذا طرأ له شك بعد تحقق طلوع الفجر - هل وقعت نيته قبله أو بعده؟ والثانية مفروضة فيما إذا نوى ثم حصل له الشك المذكور مع الشك في طلوع الفجر، فإن استمر هذا الشك إلى ما يتحقق الطلوع صارت من أفراد الأولى.
اه.
(قوله: لأن الأصل عدم وقوعها) أي النية ليلا، وهو تعليل لعدم الصحة.
(قوله: إذ الأصل الخ) علة للعلة.
(وقوله: في كل حادث) هو هنا النية.
(وقوله: تقديره بأقرب زمن) أي فرض وقوعه في أقرب زمن، وهو هنا وقوعها بعد طلوع الفجر.
(قوله: بخلاف ما لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر؟) أي هل كان طالعا عند النية أو لا؟ اه.
سم.
(قوله: لأن الأصل عدم طلوعه) علة لمقدر: أي فإنها تصح، لأن الأصل عدم طلوع الفجر حال النية.
(قوله: الأصل المذكور) أي وهو أنه في كل حادث تقديره بأقرب زمن، والحادث هنا طلوع الفجر، وحصوله بعد النية أقرب من حصوله وقتها.
انتهى.
ولا يبطلها نحو أكل وجماع بعدها وقبل الفجر.
نعم، لو قطعها قبله، احتاج لتجديدها قطعا.
(وتعيين) لمنوي في الفرض كرمضان، أو نذر أو كفارة - بأن ينوي كل ليلة أنه صائم غدا عن رمضان، أو النذر، أو الكفارة - وإن لم يعين سببها.
فلو نوى الصوم عن فرضه، أو فرض وقته: لم يكف.
نعم، من عليه قضاء رمضانين، أو نذر، أو كفار من جهات مختلفة: لم يشترط التعيين لاتحاد الجنس.
واحترز باشتراط التبييت في الفرض عن النفل، فتصح فيه - ولو مؤقتا - النية قبل الزوال: للخبر الصحيح، وبالتعيين فيه النفل أيضا، فيصح
ــ
(قوله: ولا يبطلها) أي النية.
(وقوله: نحو أكل وجماع) أي من كل مفطر، كجنون أو نفاس، قال في التحفة: لا الردة، لأنها تزيل التأهل للعبادة بكل وجه.
اه.
(وقوله: بعدها) أي بعد النية، وهو ظرف متعلق بمحذوف صفة لنحو أكل وجماع - أي كائن بعد النية -.
قال سم: ينبغي أو معها، لأن ذلك لا ينافيها.
(وقوله: وقبل الفجر) أي وأما بعده فإنه يبطلها - كما هو ظاهر.
(قوله: نعم: لو قطعها الخ) يعني لو رفض النية قبل الفجر احتاج لتجديدها - بلا خلاف - بخلافه بعد الفجر، فلا يضر.
وعبارة البجيرمي: نعم تضر الردة ليلا أو نهارا، وكذا يضر رفض النية ليلا لا نهارا، فلا بد من تجديدها بعد الإسلام والرفض، ومنه - أي الرفض - ما لو نوى الانتقال من صوم إلى آخر، كما لو نوى صوم قضاء عن رمضان ثم عن له أن يجعله عن كفارة مثلا، فإن ذلك يكون رفضا للنية الأولى.
اه.
(قوله: وتعيين لمنوي) معطوف على تبييت.
أي وشرط لفرضه تعيين لمنوي: أي ولو من الصبي المميز - كما نبه عليه السيد عمر البصري - والمراد بالتعيين
المشترك: التعيين من حيث الجنس - كالكفارة، وإن لم يعين نوعها: كفارة ظهار، أو يمين، وكصوم النذر وإن لم يعين نوعه: كنذر تبرر أو لجاج، وكالقضاء عن رمضان، وإن لم يعين رمضان سنة بخصوصها - وإنما وجب التعيين في الفرض لأنه عبادة مضافة إلى وقت، فوجب التعيين في نيتها - كالصلوات الخمس -.
وعبارة ق ل: قوله: وتعيينه أي من حيث الجنس لا من حيث النوع ولا الزمن، فيكفي نية الكفارة لمن عليه كفارات اه.
وقد أفاد ما ذكر الشارح بالغاية بعد، وهي وإن لم يعين سببها، وبالاستدراك بعدها وهو نعم من عليه الخ.
فتنبه.
وقوله في الفرض: الأولى إسقاطه، إذ ذكره يورث ركاكة، وذلك لأن التقدير: وشرط لفرضه تعيين لمنوي في الفرض.
(قوله: كرمضان الخ) تمثيل لما يحصل به التعيين، ويصح جعله تمثيلا للفرض، وهو أولى، لئلا يصير التصوير بعده ضائعا.
(قوله: بأن ينوي إلخ) تصوير لما يحصل به التبييت والتعيين، فقوله: كل ليلة وغدا: مثال للتبييت.
(وقوله: عن رمضان إلخ) مثال للتعيين.
(قوله: وإن لم يعين سببها) أي الكفارة، وهو غاية لحصول التعيين بقصد الكفارة، أي لا فرق في حصول ذلك به، بين أن يعين سبب الكفارة - من ظهار أو يمين أو جماع - أو لا.
قال في التحفة: فإن عين وأخطأ لم يجزئ.
(قوله: فلو نوي الصوم الخ) تفريع على مفهوم اشتراط التعيين.
(وقوله: لم يكف) أي ما نواه لعدم التعيين، لأنه في الأولى يحتمل رمضان وغيره، وفي الثانية يحتمل القضاء والأداء.
قال في التحفة: نعم، لو تيقن أن عليه صوم يوم وشك - أهو قضاء، أو نذر، أو كفارة؟ أجزأه نية الصوم الواجب.
وإن كان مترددا للضرورة ولم يلزمه الكل - كمن شك في واحدة من الخمس - لأن الأصل بقاء وجوب كل منها، وهنا الأصل براءة الذمة.
اه.
(قوله: نعم، من عليه الخ) استدراك على اشتراط التعيين، وإنما يظهر إذا حمل التعيين المشترط على الأعم من التعيين، من حيث الجنس، أو من حيث النوع.
أما إذا حمل على المراد المار الذي حملته عليه - وهو من حيث الجنس فقط - فلا استدراك، لأن التعيين من حيث الجنس حاصل في هذه الصورة.
(وقوله: أو نذر) بالرفع، عطف على قضاء.
أي أو عليه نذر: أي صومه.
(وقوله: أو كفارة) بالرفع، عطف على قضاء أيضا.
أي أو عليه كفارة - أي صومها.
(وقوله: من جهات مختلفة) راجع للنذر والكفارة، والمراد بها - بالنسبة للأول - كونه عن تبرر أو لجاج، وبالنسبة للثاني: كونه عن ظهار أو جماع أو يمين.
(وقوله: لم يشترط التعيين) أي تعيين قضاء، أي الرمضانين في الأولى، وتعيين النوع فيما بعدها.
(قوله: لاتحاد الجنس) علة لعدم اشتراط التعيين.
أي أنه في الجميع: الجنس واحد، وهو مطلق رمضان، أو مطلق نذر، أو مطلق كفارة.
وهو كاف في التعيين - كما علمت.
(قوله: واحترز باشتراط التبييت في الفرض) المناسب أن يقول واحترز بقوله لفرضه: من حيث اشتراط التبييت فيه عن النفل،
- ولو مؤقتا - بنية مطلقة - كما اعتمده غير واحد.
نعم، بحث في المجموع اشتراط التعيين في الرواتب كعرفة وما معها فلا يحصل غيرها معها، وإن نوى، بل مقتضى القياس - كما قال الاسنوي - أن نيتهما مبطلة، كما لو نوى الظهر وسنته، أو سنة الظهر وسنة العصر - فأقل النية المجزئة: نويت صوم رمضان، ولو بدون الفرض على المعتمد - كما صححه في المجموع، تبعا للاكثرين، لان صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا.
ومقتضى
ــ
لأن المحترز به هو الفرض.
لا اشتراط التبييت فيه.
فتأمل.
(قوله: فتصح فيه) أي النفل.
(وقوله: ولو مؤقتا) أي ولو كان النفل مؤقتا، كعرفة وعاشوراء.
(قوله: النية) فاعل تصح.
(قوله: قبل الزوال) متعلق بتصح أو بالنية.
وفي الإيعاب للشافعي قول جديد: أنه تصح نية النفل قبل الغروب.
قال: فمن تركها قبل الزوال ينبغي له بالشرط الذي ذكرناه - وهو تقليد في ذلك - أن ينويها بعده، ليحوز ثوابه على هذا القول، بناء على جواز تقليده.
اه.
كردي.
ولا بد من اجتماع شرائط الصوم من الفجر، للحكم عليه بأنه صائم من أول النهار، حتى يثاب على جميعه، إذ صومه لا يتبعض.
(قوله: للخبر الصحيح) هو ما رواه الدارقطني: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شئ؟ قلت: لا.
قال: فإني إذا أصوم.
قالت: ودخل علي يوما آخر، فقال: أعندكم شئ؟ قلت: نعم.
قال: إذا أفطر، وإن كنت فرضت الصوم أي شرعت فيه وأكدته.
(قوله: وبالتعيين الخ) معطوف على التبييت.
(وقوله: النفل) منصوب بنزع الخافض وهو عن، والتقدير: واحترز باشتراط التعيين في الفرض عن النفل.
وكان المناسب أن يقول هنا أيضا: واحترز بقولي في الفرض من حيث اشتراط التعيين في الفرض عن النفل، لأن المحترز به هو الفرض، لا اشتراط التعيين.
فتنبه.
وقوله: أيضا، أي كما احترز باشتراط التبييت في الفرض عن النفل.
وقوله: فيصح: أي النفل - أي صومه.
وقوله: ولو مؤقتا: غاية في صحة الصوم في النفل بنية مطلقة، أي لا فرق في ذلك بين أن يكون مؤقتا - كصوم الاثنين، والخميس، وعرفة، وعاشوراء، وأيام البيض - أو لا: كان يكون ذا سبب - كصوم الاستسقاء - بغير أمر الإمام، أو نفلا مطلقا.
(قوله: بنية مطلقة) متعلق بيصح، فيكفي في نية صوم يوم عرفة مثلا أن يقول: نويت الصوم.
(قوله: كما اعتمده غير واحد) أي اعتمد صحة صوم النفل المؤقت بنية مطلقة.
وفي الكردي ما نصه: في الأسنى - ونحوه الخطيب الشربيني والجمال الرملي - الصوم في الأيام المتأكد صومها منصرف إليها، بل لو نوى به غيرها حصلت إلخ: زاد في الإيعاب ومن ثم أفتى البارزي بأنه لو صام فيه قضاء أو نحوه حصلا، نواه معه أو لا.
وذكر غيره أن مثل ذلك ما لو اتفق في يوم راتبان كعرفة يوم الخميس.
اه.
وكلام التحفة كالمتردد في ذلك.
اه.
(قوله: نعم بحث في المجموع الخ) هذا إنما يتم له إن ثبت أن الصوم في الأيام المذكورة مقصود لذاتها.
والمعتمد: كما يؤخذ من عبارة الكردي المارة آنفا - أن القصد وجود صوم فيها.
فهي كالتحية، فإن نوى التطوع أيضا حصلا، وإلا سقط الطلب عنه، وبهذا فارق رواتب الصلوات.
(قوله: كعرفة وما معها) أي وما يذكر معها عند تعداد الرواتب - كعاشورا، وستة من
شوال، والأيام البيض، والأيام السود -.
(قوله: فلا يحصل غيرها) أي من قضاء أو كفارة.
(وقوله: معها) أي الرواتب.
(وقوله: وإن نوى) أي غير الرواتب.
(قوله: بل مقتضى القياس) أي على رواتب الصلاة.
(وقوله: أن نيتهما) أي الرواتب وغيرها، كأن نوى صوم عرفة وقضاء أو كفارة.
(وقوله: مبطلة) أي لأن الراتب لا يندرج في غيره، فإذا جمعه مع غيره لم يصح، للتشريك بين مقصودين.
(قوله: كما لو نوى الظهر وسنته) أي فإن ذلك مبطل، وقد علمت الفرق - فلا تغفل.
(قوله: فأقل النية المجزئة الخ) تفريع على ما علم من اشتراط التبييت والتعيين فقط، وهو أنه لا يشترط غيرهما كالفرضية والأداء، والإضافة إلى الله تعالى.
(قوله: ولو بدون الفرض) غاية للإجزاء.
أي أنها تجزئ، ولو كانت غير مقرونة بالفرض.
ولو حذف لفظ - ولو - واقتصر على بدون الفرض، لكان أولى، لأن الاقل المجزئ الذي صرح به ليس مقرونا بالفرضية - فكيف يجعل غاية له؟ فتنبه.
(قوله: على المعتمد) مرتبط بالغاية، أي أن النية المذكورة تجزئ من غير تعرض للفرضية - على المعتمد -.
(وقوله: كما صححه) الضمير البارز راجع للإجزاء المذكور، لا للمعتمد، وإن كان هو ظاهر صنيعه، لأنه لا معنى لتصحيح المعتمد.
ولو حذف الفعل وقال كما في المجموع لكان
كلام الروضة والمنهاج وجوبه، أو بلا غد - كما قال الشيخان - لان لفظ الغد، اشتهر في كلامهم في تفسير التعيين وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين، فلا يجب التعرض له بخصوصه، بل يكفي دخوله في صوم الشهر المنوي لحصول التعيين حينئذ، لكن قضية كلام شيخنا - كالمزجد -: وجوبه (وأكملها) أي النية: (نويت صوم
غد عن أداء فرض رمضان) بالجر لاضافته لما بعده (هذه السنة لله تعالى) لصحة النية حينئذ اتفاقا، وبحث
ــ
أولى.
(قوله: لأن صوم الخ) علة لعدم وجوب قصد الفرضية المفهوم من الغاية، أي وإنما لم يجب ذلك لأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا، فلا فائدة للتعرض لها، بخلاف الصلاة، فإنها لما كانت تقع نفلا فيما إذا أعيدت، اشترط فيها نية الفرضية لتتميز عن المعادة.
قال الأسنوي: ولا يرد اشتراط نيتها في المعادة أيضا - كما مر - لأن ذاك لمحاكاة فعله أو لا.
قال في التحفة: - وعلى ما في المجموع - لو نوى ولم يتعرض للفرضية ثم بلغ قبل الفجر: لم يلزمه التعرض لها.
اه.
(قوله: ومقتضى كلام إلخ) مقابل المعتمد.
(وقوله: والمنهاج) أي وكلام المنهاج وعبارته: وفي الأداء والفرضية والإضافة إلى الله تعالى، الخلاف المذكور في الصلاة.
اه.
والذي تقدم في الصلاة عدم اشتراط ما عدا الفرضية.
(وقوله: وجوبه) أي الفرض - أي قصده.
(قوله: أو بلا غد) معطوف على بدون الفرض، فهو غاية أيضا لإجزاء النية المذكورة.
أي تجزئ، ولو لم يتعرض فيها للغد.
(قوله: لأن لفظ الغد الخ) تعليل لعدم وجوب التعرض للغد المفهوم من الغاية أيضا.
أي وإنما لم يجب التعرض للغد، لأن لفظ إلخ.
ومحل العلة قوله: وهو في الحقيقة إلخ.
(قوله: اشتهر في كلامهم) أي الأصحاب.
(وقوله: في تفسير التعيين) أي في تصويره، فقالوا: صورته أن يقول نويت صوم غد من رمضان.
قال في حاشية الجمل: وهذا التصوير في الحقيقة تصوير للتبييت، فللتبييت صورتان أن يقول:
نويت صوم رمضان، أو نويت صوم غد من رمضان.
فانتقل نظرهم لإحدى صورتي التبيت، فجعلوها صورة للتعيين.
اه.
(قوله: وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين) أي أن لفظ الغد في الحقيقة ليس داخلا في حد التعيين: أي لا يتوقف التعيين عليه بخصوصه.
قال في شرح المنهج: وإنما وقع ذلك من نظرهم إلى التبييت.
اه.
قال البجيرمي: أي وإنما وقع لفظ الغد في تفسير التعيين من نظرهم إلى التبييت لأن التبييت مصور بصورتين - إحداهما: أن يقول ليلا: نويت صوم غد من رمضان والثانية: أن يقول ليلا: نويت الصوم عن رمضان - كما في التعيين - فلما نظروا للصورة الأولى من التبييت اشتهر إلخ.
اه.
ومر آنفا مثله عن الجمل.
(قوله: فلا يجب التعرض له) أي للغد.
(وقوله: بخصوصه) أي الغد.
والمراد أن التعرض في النية لخصوص الغد ليس بواجب، بل الواجب هو أو غيره مما يدل على التعيين، كما في نية الشهر جميعه، فإنه يحصل له به أول يوم، مع أنه لم يعينه بعينه.
(قوله: بل يكفي) أي لحصول التعيين.
والإضراب انتقالي.
(وقوله: دخوله) أي الغد.
(وقوله: في صوم الشهر المنوي) أي فإذا قال ليلا نويت صوم رمضان، فقد دخل فيه الغد وهو اليوم الذي يعقب الليلة التي نوى فيها.
(قوله: لكن قضية كلام شيخنا كالمزجد وجوبه) أي الغد بخصوصه، وفيه أن الذي في التحفة أنه لا يجب التعرض له بخصوصه، وعبارتها: هذا - أي لفظ الغد - واجب لا بد منه، ويكفي عنه عموم يشمله، كنية أول ليلة من رمضان صوم رمضان، فيصح لليوم الأول الخ: اه.
ومثلها فتح الجواد، إلا أن يقال إنه قضية كلامه في غيرهما.
ثم رأيت عبارته على متن بأفضل تقتضي ذلك، ونصها: وعلم من كلامه أن أقل النية في رمضان أن ينوي صوم غد عن رمضان.
اه.
فذكر الغد من الأقل، فاقتضى وجوبه.
تأمل.
(قوله: وأكملها إلخ) هذه مقابل قوله فأقل النية إلخ: وقال البجيرمي: أي بالنظر للمجموع، وإلا فرمضان لا بد منه، لأنه تعيين.
اه.
ولا حاجة إليه، لأن الأكمل هو ما اشتمل على ما لا بد منه وزيادة.
(قوله: نويت إلخ) خبر عن أكملها: أي أكملها هذا اللفظ.
(قوله: صوم غد) هو اليوم الذي يلي الليلة التي نوى فيها.
(قوله: عن أداء فرض رمضان) قال في النهاية: يغني عن ذكر الأداء أن يقول عن هذا الرمضان.
اه.
(قوله: بالجر لإضافته لما بعده) أي يقرأ رمضان بالجر بالكسرة، لكونه مضافا إلى ما بعده، وهو اسم الإشارة.
قال في التحفة: واحتيج لإضافة رمضان إلى ما بعده لأن قطعه عنها يصير هذه السنة محتملا لكونه ظرفا
الاذرعي أنه لو كان عليه مثل الاداء كقضاء رمضان قبله: لزمه التعرض للاداء، أو تعيين السنة (ويفطر عامد) لاناس للصوم، وإن كثر منه نحو جماع وأكل (عالم) لا جاهل، بأن ما تعاطاه مفطر لقرب إسلامه، أو نشئه
ــ
لنويت، فلا يبقى له معنى، فتأمله، فإنه مما يخفى.
اه.
ووجهه: أن النية زمنها يسير، فلا معنى لجعل هذه السنة ظرفا لها.
(قوله: هذه السنة).
(إن قلت): إن ذكر الأداء يغني عنه.
(قلت) لا يغني، لأن الأداء يطلق على مطلق الفعل، فيصدق بصوم غير هذه السنة.
وعبارة النهاية: واحتيج لذكره - أي الأداء - مع هذه السنة، وإن اتحد محترزهما، إذ فرض غير هذه السنة لا يكون إلا قضاء، لأن لفظ الأداء يطلق ويراد به الفعل.
اه.
وفي البرماوي: ويسن أن يزيد: إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم عزوجل.
اه.
(قوله: لصحة النية حينئذ) أي حين إذ أتى بهذا الأكمل المشتمل على الغد، والأداء والفرض، والإضافة لله تعالى، وهو تعليل لكون ما ذكر هو الأكمل، أي: وإنما كان هذا هو الأكمل لصحة النية به اتفاقا، بخلاف ما إذا أتى بالأقل المار فإن فيه خلافا، لأنه قيل بوجوب التعرض للغد وللفرضية.
قال في التحفة - بعد التعليل المذكور - ولتتميز عن أضدادها كالقضاء والنفل، ونحو النذر وسنة أخرى.
(قوله: وبحث الأذرعي أنه) أي مريد الصوم.
(قوله: لو كان عليه مثل الأداء) أي صوم مثل الصوم الذي يريد أداءه.
(قوله: كقضاء رمضان) تمثيل للمثل الذي عليه.
(وقوله: قبله) أي قبل رمضان الذي يريد أداءه.
(قوله: لزمه التعرض للأداء) أي للتمييز بين الأداء والقضاء.
قال في التحفة: وهو مبني على الضعيف الذي اختاره في نظيره من الصلاة أنه يجب نية الأداء حينئذ.
اه.
(وقوله: أو تعيين السنة) أي بأن يقول رمضان هذه السنة.
وفي بعض نسخ الخط: وتعيين - بالواو - وهو الموافق لما في التحفة، لكن عليه تكون الواو بمعنى أو - كما هو ظاهر - لأن أحدهما كاف في حصول التمييز.
(قوله: ويفطر عامدا الخ) شروع فيما يبطل به الصوم.
وقد نظم بعضهم جميع المبطلات فقال: عشرة مفطرات الصوم * * فهاكها: إغماء كل اليوم إنزاله مباشرا والردة * * والوطئ والقئ إذا تعمده ثم الجنون، الحيض، مع نفاس * * وصول عين، بطنه مع راس وذكر المصنف - رحمه الله تعالى - منها أربعة، وهي: الجماع، والاستمناء، والاستقاءة، ودخول عين جوفا، وترك الباقي لفهمه من قيدي التكليف والإطاقة.
(وقوله: عامدا إلخ) ذكر قيود ثلاثة في بطلان الصوم بما ذكر من الجماع وما عطف عليه، وهي: العمد، والعلم، والاختيار.
(قوله: لا ناس للصوم) مفهوم عامد.
وإنما لم يفطر الناسي، لخبر: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب،
فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه.
وفي رواية صححها ابن حبان وغيره: ولا قضاء عليه.
نص على الأكل والشرب، فعلم غيرهما بالأولى.
(قوله: وإن كثر الخ) أي فإنه لا يفطر مع النسيان، لعموم الخبر المار آنفا.
وفارق الصلاة حيث إن الأكل الكثير نسيانا يبطلها، بأن لها هيئة تذكر المصلي أنه فيها فيندر ذلك فيها، بخلاف الصوم.
والغاية المذكورة للرد على القائل إن الكثير يفطر به: وعبارة المنهاج: وإن أكل ناسيا لم يفطر، إلا أن يكثر في الأصح.
قلت: الأصح لا يفطر، والله أعلم.
والجماع كالأكل، على المذهب.
اه.
(وقوله: نحو جماع) أي كالإنزال والمباشرة.
(وقوله: وأكل) - بضم الهمزة - بمعنى مأكول، معطوف على جماع، أي: ونحو أكل من كل عين وصلت جوفه كحصاة وأصبعه ونحوهما.
(قوله: عالم) بالرفع، صفة لعامد.
أي عالم بأن ما تعاطاه مفطر.
(قوله: لا جاهل إلخ) مفهوم عالم.
ببادية بعيدة عمن يعرف ذلك (مختار)، لا مكره لم يحصل منه قصد، ولا فكر، ولا تلذذ (بجماع) وإن لم ينزل (واستمناء) ولو بيده أو بيد حليلته، أو بلمس لما ينقض لمسه بلا حائل (لا ب) - قبلة و (ضم) لامرأة (بحائل): أي معه، وإن تكرر بشهوة، أو كان الحائل رقيقا، فلو ضم امرأة أو قبلها بلا ملامسة بدن بلا بحائل بينهما فأنزل:
ــ
أي لا يفطر الجاهل بأن ما تعاطاهاه مفطر، ولو علم تحريم الأكل وجهل الفطر به لم يعذر، لأن حقه مع علم التحريم: الامتناع من الأكل.
(قوله: لقرب إسلامه إلخ) هذا قيد للجهل المغتفر.
أي وإنما يغتفر الجهل إن كان جهله لأجل قرب إسلامه إلخ، وأما إذا لم يكن لأجل ذلك فلا يغتفر.
وهذا القيد معتبر في كل ما يأتي من الصور المغتفرة للجهل.
وما في البحر - من عذر الجاهل مطلقا - ضعيف.
(وقوله: أو نشئة ببادية بعيدة عمن يعرف ذلك) أي إن ما تعاطاه مفطر - أي أو كون المفطر من المسائل الخفية، كإدخاله عودا في أذنه.
واحترز بذلك عما إذا كان قديم الإسلام، أو لم يكن بعيدا عمن يعرف ذلك بأن يكون بين أظهر العلماء، أو يستطيع النقلة إليهم، أو لم يكن من المسائل الخفية، فلا يغتفر جهله بذلك حينئذ.
(قوله: مختار) بالرفع أيضا، صفة ثانية لعامد.
(قوله: لا مكره) مفهوم مختار، أي لا يفطر مكره بتعاطي ما ذكر، لخبر: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه.
قال ع ش: ولو أكره على الزنا فينبغي أن يفطر به تنفيرا عنه.
قال ابن قاسم: وفي شرح الروض ما يدل عليه.
اه.
لأن الإكراه - أي على الزنا - لا يبيحه (1) بخلافه على الأكل.
اه.
ويشترط في الإكراه - كما يأتي في الطلاق - قدرة المكره على تحقيق ما هدد به عاجلا بولاية أو تغلب، وعجز المكره عن دفعه بفرار أو استغاثة، وظنه أنه إن إمتنع فعل ما خوفه به ناجزا فلا يتحقق العجز بدون اجتماع ذلك كله.
(قوله: لم يحصل منه قصد ولا فكر ولا تلذذ) قيد في عدم إفطار المكره.
أي يشترط فيه أن لا يكون له قصد في فعل ما أكره عليه، ولا تفكر فيه، ولا تلذذ به، فإن كان كذلك لا يعتبر إكراهه، ويفسد صومه.
وعبارة التحفة: وشرط عدم فطر المكره أن لا يتناول ما أكره عليه لشهوة نفسه، بل لداعي الإكراه لا غير.
واستظهر ع ش: إن المكره لا يفطر، وإن أكل
ذلك بشهوة.
(قوله: بجماع) متعلق بيفطر، أي يفطر من ذكر بجماع، ولو كان مع حائل.
قال في التحفة: ويشترط هنا كونه - أي المجامع - واضحا، فلا يفطر به خنثى، إلا إن وجب عليه الغسل، بأن يتقن كونه واطئا أو موطوءا.
اه.
(قوله: وإن لم ينزل) غاية في إفطاره بالجماع.
أي يفطر بجماع مطلقا - سواء أنزل أم لا - أي وسواء كان في قبل أو دبر، من آدمي أو غيره.
(قوله: واستمناء) بالجر، معطوف على جماع، أي ويفطر باستمناء، وهو استخراج المني بغير جماع - حراما كان كإخراجه بيده، أو مباحا كإخراجه بيد حليلته.
والسين والتاء فيه للطلب، ويرد عليه أنه يقتضي أن مجرد طلب المني يبطل الصوم، ولو لم يخرج المني، ولا قائل به.
وأجيب بأن المراد طلب خروجه مع خروجه بالفعل - كما هو ظاهر.
(قوله: ولو بيده أو بيد حليلته الخ) غاية في إفطاره بالاستمناء، وهي للتعميم.
أي يفطر به مطلقا - سواء كان بيده، أو بيد حليلته من زوجة، أو أمه، أو بلمس بشرة، سواء كان بشهوة أو بغيرها.
(قوله: لما ينقض لمسه) المناسب: لمن ينقض لمسه - لأنه ما واقعة على من يعقل.
(وقوله: بلا حائل) متعلق بلمس.
وخرج به ما إذا كان ما ذكر بحائل، فإنه لا يفطر به.
وفيه أن هذا القيد يغني عنه ما قبله، لأنه إذا كان هناك حائل لا نقض، فما خرج به يخرج بالذي قبله.
فتنبه.
(قوله: لا بقبلة الخ) معطوف على بجماع.
أي لا يفطر بقبلة وضم لامرأة، وإن أنزل بهما.
(قوله: بحائل) متعلق بكل من قبلة وضم.
(قوله: أي معه) تفسير لمعنى الباء الداخلة على حائل.
(قوله: وإن تكررتا) أي القبلة والضم، وهو غاية لعدم الإفطار بهما.
أي لا يفطر بهما، وإن تكررتا منه.
والمناسب: وإن تكررا - بلا تاء - تغليبا للمذكر - وهو الضم -
(1)(قوله: لأن الإكراه أي على الزنا لايبحه) وذلك لان المكره به بالنظر لمجرد الاكراه تارة يجب الصبر عليه كما (أكره على القتل والزنا، وإن لم يقتل، أو يزن، فيقتل هو، فيجب عليه أن يصبر ويستسلم ولا يقدم على القتل.
والزنا تارة لا يجب الصبر عليه، عليه، بل يجوز تعاطى.
المكره عليه - كما في الا الاكراه على شرب الخمر، والتكلم بكلمة الكفر، والفطر في رمضان - كما بين ذلك الفقهاء.
وعبارة الارشاد: ويبح - إى الاكراه - مكفرا وخمرا وفطرا، لازما وقتلا.
اه وبالنظر للقول بالتكليف بالنقيض لما أكره عليه يجب الصبر عليه مطلقا.
أفاده.
سم في الايات البينات.
اه مولف
لم يفطر، لانتفاء المباشرة - كالاحتلام.
والانزال بنظر وفكر، ولو لمس محرما أو شعر امرأة فأنزل: لم يفطر - لعدم النقض به.
ولا يفطر بخروج مذي: خلافا للمالكية (واستقاءة) أي استدعاء قئ وإن لم يعد منه شئ لجوفه: بأن تقيأ منكسا أو عاد بغير اختياره، فهو مفطر لعينه، أما إذا غلبه ولم يعد منه - أو من ريقه المتنجس به -
ــ
على المؤنث - وهو القبلة - ويحرم التكرر، وإن لم ينزل.
(قوله: فلو ضم امرأة الخ) تفريع على مفهوم قوله لا بقبلة إلخ.
(قوله: بل بحائل بينهما) أي بين المقبل أو الضام، وبين المرأة المقبلة أو المضمومة.
(قوله: لم يفطر) قال سم: الوجه أن محل ذلك ما لم يقصد بالضم مع الحائل إخراج المني.
أما إذا قصد ذلك وخرج المني، فهذا استمناء مبطل،
وكذا لو مس المحرم بقصد إخراج المني - فإذا أخرج بطل صومه، هذا هو الوجه المتعين، خلافا لما يوهمه الروض وشرحه.
م ر.
اه.
وفي البجيرمي ما نصه: حاصل الإنزال أنه إن كان بالاستمناء أي بطلب خروج المني - سواء كان بيده، أو بيد زوجته، أو بغيرهما - بحائل، أو لا، يفطر مطلقا، وأما إذا كان الإنزال باللمس من غير طلب الاستمناء - أي خروج المني - فتارة يكون مما تشتهيه الطباع السليمة، أو لا، فإن كان لا تشتهيه الطباع السليمة - كالإمرد الجميل، والعضو المبان - فلا يفطر بالإنزال مطلقا، سواء كان بشهوة أو لا، بحائل أو لا.
وأما إذا كان الإنزال بلمس ما يشتهى طبعا: فتارة يكون محرما، وتارة يكون غير محرم، فإن كان محرما، وكان بشهوة وبدون حائل، أفطر، وإلا فلا.
وأما إذا كان غير محرم - كزوجته - فيفطر الإنزال بلمسه مطلقا، بشهوة أو لا، بشرط عدم الحائل.
وأما إذا كان بحائل، فلا فطر به مطلقا، بشهوة أو لا.
أفاده شيخنا ح ف.
اه.
(قوله: لانتفاء المباشرة) علة لعدم الإفطار.
(قوله: كالاحتلام) الكاف للتنظير: أي كما أنه لا يفطر بالاحتلام.
(قوله: والإنزال بنظر وفكر) أي وكالإنزال بنظر وفكر، فإنه لا يفطر به، لانتفاء المباشرة.
قال البجيرمي: ما لم يكن من عادته الإنزال بهما، وإلا أفطر - كما قرره شيخنا ح ف.
اه.
(قوله: ولو لمس محرما إلخ) هذا محترز قوله لما ينقض لمسه.
(قوله: لعدم النقض به) أي بلمس المحرم أو شعر المرأة - ولو غير محرم - وقيل يفطر بلمس الشعر إذا أنزل.
وعبارة المغني: ولو لمس شعر امرأة فأنزل: ففي إفطاره عن المتولي وجهان بناهما على انتقاض الوضوء بلمسه، ومقتضاه أنه لا يفطر.
اه.
(قوله: ولا يفطر بخروج مذي) هذا مفهوم قوله استمناء، إذ المراد منه خروج المني.
(قوله: خلافا للمالكية) أي في قولهم إن خروج المذي مفطر.
(قوله: واستقاءة) بالجر، عطف على جماع، أي ويفطر باستقاءة.
(قوله: أي استدعاء قئ) أي طلب خروجه ويأتي فيه ما تقدم في لفظ الاستمناء من الإيراد.
والجواب.
قال في التحفة: ومن الاستقاءة: نزعه لخيط ابتلعه ليلا.
اه.
وفي سم ما نصه: (فرع) قال في الروض: ولو ابتلع طرف خيط فأصبح صائما - فإن ابتلع باقيه، أو نزعه أفطر.
وإن تركه بطلت صلاته.
وطريقه أن ينزع منه وهو غافل.
اه.
قال في شرحه: قال الزركشي: - وقد لا يطلع عليه عارف بهذا الطريق، ويريد هو الخلاص، فطريقه أن يجبره الحاكم على نزعه، ولا يفطر به، لأنه كالمكره.
بل لو قيل إنه لا يفطر بالنزع باختياره لم يبعد، تنزيلا لإيجاب الشرع منزلة الإكراه، كما لو حلف ليطأن في هذه الليلة فوجدها حائضا،
لا يحنث بترك الوطئ.
اه.
أما إذا لم يكن غافلا وتمكن من دفع النازع فإنه يفطر، لأن النزع موافق لغرض النفس، فهو منسوب إليه عند تمكنه من الدفع، وبهذا فارق من طعنه بغير إذنه وتمكن من دفعه.
اه.
(قوله: وإن لم يعد منه شئ) أي يفطر بخروج القئ منه قصدا، وإن لم يرجع منه شئ إلى جوفه.
والغاية للرد على القائل بأنه إذا لم يرجع شئ لا يفطر.
وعبارة المنهاج: والصحيح أنه لو تيقن أنه لم يرجع شئ إلى جوفه بطل، وإن غلبه القي فلا بأس.
اه.
(قوله: بأن تقيأ منكسا) أي مطأطئا رأسه حتى صار أعلاه أسفله، وهو تصوير لعدم عود شئ منه إلى جوفه.
(قوله: أو عاد بغير اختياره) أي بغير قصده.
(قوله: فهو مفطر لعينه) أي استدعاء القئ مفطر لعينه - أي لذاته - لا لرجوع شئ إلى الجوف
شئ إلى جوفه بعد وصوله لحد الظاهر، أو عاد بغير اختياره: فلا يفطر به - للخبر الصحيح بذلك (لا بقلع نخامة) من الباطن أو الدماغ إلى الظاهر، فلا يفطر به إن لقطها لتكرر الحاجة إليه، أما لو ابتلعها مع القدرة على لفظها بعد وصولها لحد الظاهر - وهو مخرج الحاء المهملة - فيفطر قطعا.
ولو دخلت ذبابة جوفه: أفطر بإخراجها
ــ
كالنوم لغير المتمكن، فإنه ينقض، وإن تيقن عدم خروج شئ من الدبر، لأنه مظنة لوصول شئ إلى الجوف، كما أن النوم مظنة لخروج شئ منه.
(قوله: أما إذا غلبه) أي خرج بغير اختياره وقصده، وهذا مفهوم قوله استقاءة، إذ المراد منها طلب الخروج المستلزم لخروجه باختياره وقصده.
(قوله: ولم يعد منه) أي من القئ، والجملة حالية.
وقوله: أو من ريقه: أي أو لم يعد من ريقه.
(وقوله: المتنجس به) أي بالقئ.
(وقوله: شئ) فاعل الفعل قبله.
(وقوله: إلى جوفه) متعلق بالفعل.
(وقوله: بعد وصوله إلخ) متعلق بالفعل أيضا.
أي لم يعد إليه بعد وصوله لحد الظاهر، بأن لم يعد إليه أصلا، أو عاد قبل وصوله لحد الظاهر، فإن عاد إليه بعد ذلك أبطل الصوم.
وسيأتي بيان حد الظاهر.
(قوله: أو عاد) أي بعد وصوله لذلك، لكن بغير اختياره وقصده.
(قوله: فلا يفطر به) جواب أما.
وضمير به يعود إلى القئ.
(قوله: للخبر الصحيح) هو: من ذرعه القئ فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض.
وذرعه - بالمعجمة - بمعنى غلبه، وهو دليل لكون الاستقاءة تفطر، ولكون مفهومها - وهو قوله أما إذا غلبه إلخ - لا يفطر، فهو مرتبط بالمتن: منطوقا، ومفهوما، وإن كان صنيعه يفيد رجوعه للثاني فقط.
(وقوله: بذلك) أي بما ذكر من فطره بالاستقاءة، وعدم فطره بغلبة خروج القئ.
(قوله: لا بقلع نخامة) معطوف على استقاءة، أي لا يفطر بقلع نخامة - أي إخراجها.
قال البجيرمي، هو مستثنى من الاستقاءة - كما قاله ح ل.
والقلع: إخراجها من محلها الأصلي، والمج إخراجها من الفم.
والنخامة - بالميم - وتقال بالعين - وهي الفضلة الغليظة تنزل من الدماغ، أو تصعد من الباطن، فلا تضر، ولو نجسة.
اه.
(قوله: من الباطن) هو مخرج الهمزة والهاء.
والظاهر: مخرج الحاء المهملة، أو الخاء المعجمة - كما سيأتي.
(قوله: أو الدماغ) عطف على الباطن، - من عطف الخاص على العام - أي ولا بقلعها من الدماغ.
(قوله: إلى الظاهر) متعلق بقلع.
وفي ع ش ما نصه: وهل
يلزمه تطهير ما وصلت إليه من حد الظاهر - حيث حكمنا بنجاستها - أو يعفى عنه؟ فيه نظر.
ولا يبعد العفو.
اه.
سم.
وعليه: لو كان في الصلاة وحصل له ذلك لم تبطل به صلاته ولا صومه إذا ابتلع ريقه، ولو قيل بعدم العفو في هذه الحالة لم يكن بعيدا، لأن هذه حصولها نادر، وهي شبيهة بالقئ، وهو لا يعفى عن شئ منه.
اللهم إلا أن يقال إن كلامه مفروض فيما لو ابتلي بذلك، كدمى اللثة إذا ابتلي به.
اه.
(قوله: فلا يفطر به) أي بقلعها المذكور، وهذا على الأصح، ومقابله يفطر به، كالاستقاءة.
(قوله: إن لفظها) أي رماها.
فاللفظ مراد به معناه اللغوي، وهو الطرح والرمي.
(قوله: لتكرر الحاجة إليه) أي إلى قلع النخامة، وهو علة لعدم فطره بذلك، ومع ذلك يندب له القضاء - مراعاة للخلاف - كما في التحفة.
(قوله: أما لو ابتلعها الخ) مفهوم قوله إن لفظها.
(وقوله: مع القدرة على لفظها) فإن لم يقدر عليه - بأن نزلت من الدماغ إلى الباطن - فلا يفطر به كما ستعرفه.
(قوله: بعد وصولها) أي استقرارها في الظاهر، فإن لم يستقر فيه - بل وصلت إلى الباطن من غير استقرار فيه - فلا يفطر.
(وقوله: لحد الظاهر) أي حد هو الظاهر، فالإضافة بيانية.
وعبارة التحفة.
(تنبيه) ذكر حد غير محتاج إليه في عبارته، وإن أتى به شيخنا في مختصره، بل هو موهم، إلا أن تجعل الإضافة بيانية، وإنما يحتاج إليه من يريد تحديده.
وذكر الخلاف في الحد أهو المعجمة - وعليه الرافعي وغيره - أو المهملة - وهو المعتمد كما تقرر؟ فيدخل كل ما قبله، ومنه المعجمة اه.
(وقوله: بل هو موهم) أي أنها إن لم تصل إلى هذا الحد الذي هو مخرج الحاء المهملة، بل وصلت قبله من جهة الأسنان، لم يفطر.
وليس كذلك، لأن المدار على ابتلاعها بعد حصولها في ظاهر الفم مطلقا.
لا فرق بين أوله وآخره ووسطه.
(قوله: وهو) أي حد الظاهر.
(قوله: مخرج الحاء المهملة) أي على المعتمد.
وعليه، فما بعد ذلك هو الباطن، وهو مخرج الهمزة والهاء، وما فوق ذلك كله ظاهر، ومنه مخرج الخاء المعجمة.
مطلقا، وجاز له - إن ضره - بقاوها مع القضاء: كما أفتى به شيخنا (و) يفطر (بدخول عين) وإن قلت إلى ما يسمى (جوفا): أي جوف من مر: كباطن أذن، وإحليل، - وهو مخرج بول - ولبن - وإن لم يجاوز الحشفة أو الحلمة ووصول أصبع المستنجية إلى وراء ما يظهر من فرجها عند جلوسها على قدميها: مفطر، وكذا وصول بعض الانملة إلى المسربة، كذا أطلقه القاضي، وقيده السبكي بما إذا وصل شئ منها إلى المحل المجوف
ــ
قال في النهاية: ثم داخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة والخيشوم، له حكم الظاهر بالنسبة للافطار باستخراج القئ إليه، أو ابتلاع النخامة منه، ولعدم الإفطار بالنسبة لدخول شئ فيه وإن أمسكه وبالنسبة للنجاسة فإذا تنجس وجب غسله، وله حكم الباطن بالنسبة للريق.
فإذا ابتلعه لا يفطر، وبالنسبة للجنابة فلا يجب غسله، وفارقت النجاسة - حيث وجب غسلها منه - بأنها أفحش وأندر، فضيق فيها ما لم يضيق في الجنابة.
اه.
بتصرف.
(قوله: فيفطر قطعا) أي بلا خلاف وهو جواب أما.
(قوله: ولو دخلت ذبابة جوفه) أي من غير قصد.
(وقوله: أفطر بإخراجها) أي لانه قئ مفطر.
(وقوله: مطلقا) أي ضره بفاؤها أو لا.
(قوله: وجاز له) أي جاز إخراجها له.
(وقوله: إن ضره بقاؤها) في التحفة - نعم، إن ضره بقاؤها ضررا يبيح التيمم: لم يبعد جواز إخراجها ووجوب القضاء.
اه.
(قوله: كما أفتى به شيخنا) في الكردي ما نصه: وقع في موضع من فتاوى الشارح عدم الفطر بإخراجها، لكنه رجع عنه في جواب عنها آخر، وقال في آخره: قد سبق مني إفتاء بأن إخراجها غير مفطر، والأوجه ما ذكرته الآن.
اه.
(قوله: ويفطر بدخول عين) أصل المتن: وبدخول عين - عطف على بجماع -.
وانظر: لم قدر الشارح المتعلق فيه ولم يقدر عند قوله واستمناء، وعند قوله واستقاءة؟ (فإن قلت): لأنه يوهم هنا لو لم يقدره أنه معطوف على أقرب مذكور، وهو قوله بقلع نخامة، مع أنه ليس كذلك بخلافه هناك.
(قلت): الإيهام موجود عند قوله واستقاءة، وذلك لأنه يوهم عطفه على أقرب مذكور، وهو بقبلة وضم، مع أنه ليس كذلك.
إذا علمت ذلك، فلعله قدره هنا لطول العهد، ومحل الإفطار بوصول العين إذا كانت من غير ثمار الجنة - جعلنا الله من أهلها - فإن كانت العين من ثمارها: لم يفطر بها.
(قوله: وأن قلت) أي العين - كسمسمة - أي أو لم تؤكل عادة - كحصاة.
(قوله: إلى ما يسمى جوفا) متعلق بدخول.
وخرج به ما لا يسمى جوفا، كداخل مخ الساق أو لحمه، فلا يفطر بوصول شئ إليه.
(قوله: أي جوف من مر) هو العامد العالم المختار.
(قوله: كباطن أذن) تمثيل للجوف.
قال ع ش: قال في شرح البهجة: لأنه نافذ إلى داخل قحف الرأس، وهو جوف.
اه.
(قوله: وهو) أي الإحليل.
(وقوله: مخرج بول) أي من الذكر.
(وقوله: ولبن) أي ومخرج لبن، أي من الثدي.
فالإحليل يطلق على شيئين: على مخرج البول، ومخرج اللبن.
قال في المختار: والإحليل: مخرج البول، ومخرج اللبن من الضرع والثدي.
اه.
ع ش.
(قوله: وإن لم تجاوز الخ) غاية في فطره بدخول عين في إحليل: أي يفطر بدخولها فيه، وإن لم تجاوز تلك العين الحشفة من الذكر، والحلمة من الثدي.
(قوله: أو الحلمة) قال في المصباح: الحلم: القراد الضخم، الواحدة: حلمة.
مثل قصب وقصبة، وقيل لرأس الثدي وهي اللحمة الناتئة حلمة على التشبيه بقدرها.
قال الأزهري: الحلمة: الحبة على رأس الثدي من المرأة.
اه.
(قوله: ووصول أصبع) مبتدأ.
وقوله: مفطر: خبره.
وكان المناسب التفريع، لأن الأصبع يطلق عليها عين.
(وقوله: إلى وراء ما يظهر من فرجها) أي من داخله، وهو ما لا يجب غسله عند الاستنجاء.
(قوله: عند جلوسها) متعلق بيظهر.
(قوله: وكذا
وصول الخ) أي وكذلك يفطر وصول بعض الأنملة إلى المسربة.
وهي مجرى الغائط ومخرجه.
وقيل حلقة الدبر.
قال البجيرمي: ومثله غائط خرج منه ولم ينفصل، ثم ضم دبره ودخل شئ منه إلى داخل دبره، حيث تحقق دخول شئ منه بعد بروزه، لأنه خرج من معدنه مع عدم حاجة إلى ضم دبره.
اه.
(قوله: كذا أطلقه القاضي) أي كذا أطلق القاضي
منها، بخلاف أولها المنطبق فإنه لا يسمى جوفا، وألحق به أول الاحليل الذي يظهر عند تحريكه، بل أولى.
قال ولده: وقول القاضي: الاحتياط أن يتغوط بالليل: مراده أن إيقاعه فيه خير منه في النهار، لئلا يصل شئ إلى جوف مسربته، لا أنه يؤمر بتأخيره إلى الليل، لان أحدا لا يؤمر بمضرة في بدنه، ولو خرجت مقعدة مبسور: لم يفطر بعودها، وكذا إن أعادها بأصبعه، لاضطراره إليه.
ومنه يؤخذ - كما قال شيخنا - أنه لو اضطر لدخول الاصبع إلى الباطن لم يفطر، وإلا أفطر وصول الاصبع إليه.
وخرج بالعين: الاثر - كوصول الطعم بالذوق إلى
ــ
الفطر بوصول شئ إلى المسربة: أي حكم بأن ما ذكر يفطر مطلقا - سواء وصل إلى المحل المجوف منها، أم لا.
(قوله: وقيده) أي قيد الفطر السبكي: بما إذ وصل شئ من الأنملة إلى المحل المجوف منها، وهو ما لا يجب غسله.
وفي البجيرمي مثله، وعبارته: وضابط الدخول المفطر: أن يجاوز الداخل ما لا يجب غسله في الاستنجاء بخلاف ما يجب غسله في الاستنجاء، فلا يفطر إذا أدخل أصبعه ليغسل الطيات التي فيه.
اه.
(قوله: بخلاف أولها) أي المسربة: أي فلا يضر وصول شئ إليه.
(وقوله: المنطبق) أي المنضم بعضه إلى بعض.
(قوله: وألحق به) أي ألحق السبكي بأول المسربة: أول الإحليل - في عدم الفطر بوصول شئ إليه.
(قوله: الذي يظهر إلخ) صفة لأول الإحليل، أو بدل، أو عطف بيان، أو خبر لمبتدأ محذوف - وهو أولى - أي أن أول الإحليل هو الذي يظهر عند تحريكه.
(قوله: بل أولى) أي بل أول الإحليل أولى من أول المسربة في عدم الفطر بوصول شئ إليه.
(قوله: قال ولده) أي السبكي، وهو كلام مستأنف ساقه لبيان مراد القاضي بما ذكره.
(قوله: وقول القاضي الخ) مقول القول.
(قوله: مراده) أي القاضي، بقوله المذكور (والحاصل) أن قوله القاضي المذكور صادق بصورتين: بما إذا كان حاقبا في الليل ويمكنه الصبر إلى النهار، وبما إذا كان حاقبا في النهار ويمكنه الصبر إلى الليل، فظاهره أنه يؤمر بالتغوط في الليل في الصورتين، وليس كذلك، بل في الصورة الأولى فقط، وأما في الثانية فيتغوط نهارا، ولا يؤخر إلى الليل، لئلا يضره ذلك.
(قوله: إن إيقاعه) أي التغوط.
(وقوله: فيه) أي في الليل.
(قوله: خير منه في النهار) أي خير من إيقاع التغوط في النهار.
وسكت عن حكم البول.
ورأيت في هامش فتح الجواد، نقلا عن الإمداد، ما نصه: وأما البول فلا خير في إيقاعه في أحدهما، بل هو فيهما سواء، إذ لا يخشى منه مفطر، إلا في حق من ابتلي بوسوسة أو سلس، فإيقاعه حينئذ ليلا خير منه نهارا.
اه.
(قوله: لئلا يصل إلخ) علة للخيرية.
(قوله: لا أنه الخ) أي لا إن مراده أنه يؤمر بتأخير التغوط إلى الليل.
قال سم: قد لا يضر التأخير، فما المانع من حمل كلام القاضي بظاهره على هذا المعنى؟.
اه.
(قوله: لأن أحدا الخ) علة النفي.
(وقوله: بمضرة في بدنه) وهي هنا تأخير التغوط لليل.
(قوله: لم يفطر بعودها) أي إلى دبره
والمراد بنفسها - بدليل المقابلة.
(قوله: وكذا إن أعادها بأصبعه) أي وكذلك لا يفطر إن أعادها بواسطة أصبعه.
(قوله: لاضطراره إليه) علة لعدم فطره بعودها، أي وإنما لم يفطر بذلك لاضطراره واحتياجه إليه - أي إلى العود - فسومح في عودها، ولو كان بفعل الفاعل.
قال البجيرمي: وعلى المسامحة: فهل يجب غسل ما عليها - أي المقعدة - من القذر - لأنه بخروجه معها صار أجنبيا فيضر عوده معها للباطن، أو لا؟ كما لو أخرج لسانه وعليه ريقه، لأن ما عليها لم يفارق معدته؟ كل محتمل، والثاني أقرب.
والكلام - كما هو ظاهر - حيث لم يضر غسلها، وإلا تعين الثاني، كما ذكره ابن حجر.
اه.
(قوله: ومنه يؤخذ) أي من التعليل المذكور يؤخذ عدم الفطر بدخول الأصبع معها إلى الباطن، إذا اضطر إلى ذلك.
(قوله: كما قال شيخنا) عبارته في فتح الجواد: ولا فطر بخروج مقعدة المبسور وعودها بأصبعه لاضطراره إليه.
ومنه يؤخذ أنه إن اضطر لدخول الأصبع معها إلى الباطن لم يفطر، وإلا أفطر بوصول الأصبع إليه.
اه.
(قوله: وخرج بالعين) أي في قوله ويفطر بدخول عين.
(وقوله: الأثر) أي أثر تلك العين - كرائحتها وطعمها.
(قوله: كوصول الطعم) بفتح الطاء: هو الكيفية الحاصلة من الطعام - كالحلاوة - وضدها: من غير وصول عين.
قال في المصباح: الطعم بالفتح: ما يؤديه الذوق، فيقال: طعمه حلو أو حامض.
وتغير طعمه: إذا خرج عن وصفه الخلقي.
اه.
وأما
حلقه -.
وخرج بمن مر - أي العامد العالم المختار - الناسي للصوم، والجاهل المعذور بتحريم إيصال شئ إلى الباطن، وبكونه مفطرا والمكره، فلا يفطر كل منهم بدخول عين جوفه، وإن كثر أكله، ولو ظن أن أكله ناسيا مفطر فأكل جاهلا بوجوب الامساك: أفطر.
ولو تعمد فتح فمه في الماء فدخل جوفه أو وضعه فيه فسبقه أفطر.
أو
ــ
الطعم - بالضم - فهو بمعنى الطعام، وليس مرادا هنا.
(وقوله: بالذوق) الباء سببية، أي بسبب ذوق الطعم وإدخاله في فمه ليغرفه.
ومثل وصوله الطعم: وصول الرائحة إلى جوفه، فإنه لا يفطر به، لأنها أثر، لا عين.
وفي الكردي ما نصه: وفي النهاية - كالإمداد - وصول الدخان الذي فيه رائحة البخور وغيره إذا لم يعلم انفصال عين فيه إلى الجوف لا يفطر به، وإن تعمد فتح فيه لأجل ذلك، وهو ظاهر.
وفي التحفة وفتح الجواد عدم ضرر الدخان.
وقال سم في شرح أبي شجاع: فيه نظر، لأن الدخان عين.
اه.
وفي البيجرمي: وأما الدخان الحادث الآن المسمى بالتتن - لعن الله من أحدثه - فإنه من البدع القبيحة - فقد أفتى شيخنا الزيادي أولا بأنه لا يفطر، لأنه إذ ذاك لم يكن يعرف حقيقته، فلما رأى أثره بالبوصة التي يشرب بها، رجع وأفتى بأنه يفطر.
اه.
(قوله: وخرج بمن مر) أي في قوله سابقا.
أي جوف من مر.
(وقوله: أي العامد إلخ) تفسير لمن مر.
(قوله:
الناسي) فاعل خرج، وهذا خرج بقيد العالم المندرج تحت من مر.
(قوله: والجاهل المعذور) هذا خرج بقيد العالم المندرج تحت من مر أيضا.
(وقوله: بتحريم إيصال شئ إلى الباطن) متعلق بالجاهل، أي الجاهل بتحريم إيصال شئ، أي مبهم أو معين، مع علمه بأن بعض الأشياء مفطر: مبهما أو معينا، وليس المراد أنه جاهل بأن هناك مفطر رأسا، وإلا لا يتصور منه نية الصوم، - كذا في التحفة - ونصها: وليس من لازم ذلك - أي الجهل بما ذكر - عدم صحة نيته للصوم نظرا إلى أن الجهل بحرمه الأكل يستلزم الجهل بحقيقة الصوم، وما تجهل حقيقته لا تصح نيته، لأن الكلام فيمن جهل حرمة شئ خاص من المفطرات النادرة.
اه.
(وقوله: وبكونه مفطرا) معطوف على بتحريم: أي الجاهل بالتحريم، والجاهل بكونه مفطرا.
وأفاده بالعطف بالواو أنه لا يغتفر جهله إلا إن كان جاهلا بهما معا، وهو كذلك، فلو لم يكن جاهلا بهما - بأن كان عالما بهما معا، أو عالما بأحدهما جاهلا بالآخر - ضر، ولا يعذر، لأنه كان من حقه إذا علم الحرمة وجهل أنه مفطر، أو العكس، أن يمتنع.
(قوله: والمكره) أي على الفطر، وهذا خرج بقيد الاختيار المندرج تحت من مر أيضا.
(قوله: فلا يفطر كل منهم) أي من الناسي، والجاهل، والمكره، وذلك لعموم خبر الصحيحين: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب - وفي رواية وشرب - فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، وصح، ولا قضاء عليه.
ولخبر: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه.
والجاهل كالناسي، بجامع العذر.
(قوله: وإن كثر أكله) أي فإنه لا يفطر بذلك، وتقدم الفرق بين الصوم وبين الصلاة، فارجع إليه إن شئت.
(قوله: ولو ظن أن أكله ناسيا مفطر الخ) يعني لو أكل ناسيا وظن أن أكله نسيانا مفطر، فأكل ثانيا عمدا جاهلا بوجوب الإمساك - أي باستمرار الصوم في حقه، بعدم فطره بالأكل نسيانا - أفطر بالأكل الثاني، لوقوعه منه عمدا.
(قوله: ولو تعمد فتح فمه في الماء الخ) عبارة النهاية مع الأصل: وكونه - أي الواصل - بقصد، فلو وصل جوفه ذباب أو بعوضة أو غبار الطريق وغربلة الدقيق، لم يفطر، وإن أمكنه اجتناب ذلك بإطباق الفم أو غيره، لما فيه من المشقة الشديدة - بل لو فتح فاه عمدا حتى دخل جوفه: لم يفطر أيضا، لأنه معفو عن جنسه.
ولو فعل مثل ذلك - أي فتح فاه عمدا - وهو في الماء فدخل جوفه، وكان بحيث لو سد فاه لم يدخل: أفطر، لقول الأنوار: ولو فتح فاه في الماء فدخل جوفه: أفطر.
ويوجه بأن ما مر إنما عفي عنه لعسر تجنبه، وهذا ليس كذلك.
وفيه - أي الأنوار - لو وضع شيئا في فيه عمدا - أي لغرض - وابتلعه ناسيا: لم يفطر.
ويؤيده قول الدارمي: لو كان بفيه أو أنفه ماء فحصل له نحو عطاس، فنزل به الماء جوفه، أو صعد لدماغه لم يفطر، ولا ينافيه ما يأتي من الفطر بسبق الماء الذي وضعه في فيه، لأن العذر هنا أظهر.
اه.
بتصرف.
(وقوله: أي لغرض) صوره سم بما
وضع في فيه شيئا عمدا وابتلعه ناسيا، فلا.
ولا يفطر بوصول شئ إلى باطن قصبة أنف حتى يجاوز منتهى الخيشوم، وهو أقصى الانف.
و (لا) يفطر (بريق طاهر صرف) أي خالص ابتلعه (من معدنه) وهو جميع الفم، ولو بعد جمعه على الاصح، وإن كان بنحو مصطكى.
أما لو ابتلع ريقا اجتمع بلا فعل، فلا يضر قطعا.
وخرج بالطاهر: المتنجس بنحو دم لثته فيفطر بابتلاعه، وإن صفا، ولم يبق فيه أثر مطلقا، لانه لما حرم ابتلاعه لتنجسه صار بمنزلة عين أجنبية.
قال شيخنا: ويظهر العفو عمن ابتلي بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه.
وقال
ــ
لو وضعه لنحو الحفظ، وكان مما جرت العادة بوضعه في الفم.
اه.
قال ع ش: وينبغي أن من النحو: ما لو وضع الخبز في فمه لمضغه لنحو الطفل - حيث احتاج إليه -، أو وضع شيئا في فمه لمداواة أسنانه به - حيث لم يتحلل منه شئ - أو لدفع غثيان خيف منه القئ.
اه.
(قوله: أو وضعه فيه) أي أو وضع الماء في فمه.
(قوله: فسبقه) أي دخل جوفه قهرا.
(قوله: أفطر) جواب لو.
(قوله: أو وضع في فيه شيئا) أي سواء كان ماء أو غيره.
(وقوله: وابتلعه ناسيا) أي دخل جوفه نسيانا.
(وقوله: فلا) أي فلا يفطر.
والفرق بين السبق والنسيان - حيث إنه يفطر مع الأول، ولا يفطر مع الثاني - أنه في حالة النسيان لا فعل له يعتد به، فلا تقصير، ومجرد تعمد وضعه في فيه لا يعد تقصيرا، لأن النسيان لا يتسبب عنه، بخلاف السبق.
كذا في سم، وفي فتح الجواد: وفارق النسيان السبق: بأن العذر في النسيان أظهر.
اه.
(قوله: ولا يفطر بوصول إلى باطن قصبة أنف) أي لأنها من الظاهر، وذلك لأن القصبة من الخيشوم، والخيشوم جميعه من الظاهر.
(قوله: حتى يجاوز منتهى الخيشوم) أي فإن جاوزه أفطر، ومتى لم يجاوز لا يفطر.
(وقوله: وهو) أي المنتهى.
(قوله: ولا يفطر بريق إلخ) أي لعسر التحرز عنه.
والمراد بالريق ريقه، أما ريق غيره فيفطر به.
وما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يمص لسان السيدة عائشة رضي الله عنها فيحتمل أنه يمجه.
(قوله: طاهر الخ) ذكر ثلاثة قيود: كونه طاهرا، وكونه صرفا، وكونه من معدنه.
وسيذكر محترزاتها.
(قوله: ابتلعه) بيان لمتعلق الجار والمجرور بعده.
(قوله: وهو) أي معدنه جميع الفم، وقد تقدم أنهم جعلوا الفم بالنسبة للريق والوضوء والغسل باطنا.
وبالنسبة لإزالة النجاسة منه ودخول غير الريق منه، وخروج شئ من الباطن إليه، ظاهرا.
فلا تغفل.
(قوله: ولو بعد جمعه) غاية في عدم الفطر بابتلاع الريق.
أي لا يفطر ولو ابتعله بعد جمعة في فمه، وهي للرد - كما يفيده قوله بعد على الأصح.
(قوله: وإن كان بنحو مصطكى) غاية للغاية، أي وإن كان جمعه حاصلا، بواسطة مضغ نحو مصطكى كلبان.
(قوله: أما لو ابتلع) مقابل قوله ولو بعد جمعه، إذ المراد منه فعل الفاعل.
(قوله: فلا يضر قطعا) أي بلا خلاف.
(قوله: وخرج بالطاهر) أي بالريق الطاهر.
(وقوله: المتنجس) أي الريق المتنجس.
(وقوله: بنحو دم لثته) متعلق بالمتنجس، أي متنجس بسبب نحو دم لثته ونحوه كالقئ، وكأكله شيئا نجسا ولم يغسل فمه منه.
(قوله: فيفطر) أي الصائم.
(وقوله: بابتلاعه) أي الريق المتنجس بما ذكر.
(قوله: وإن صفا) أي الريق من نحو الدم.
وهو غاية في فطره بما ذكر.
(وقوله: ولم يبق فيه) أي الريق، أثر: أي من آثار نحو الدم.
(وقوله: مطلقا) أي أصلا - لا كثيرا ولا قليلا - هذا هو المراد من الإطلاق.
(قوله: لأنه لما حرم إلخ)
علة للفطر بابتلاعه ما ذكر.
وضمير أنه: للريق.
(وقوله: لتنجسه) أي لأجله، وهو علة الحرمة.
(وقوله: صار) أي الريق المذكور.
(وقوله: بمنزلة عين أجنبية) أي وهي يفطر ابتلاعها.
(قوله: قال شيخنا ويظهر الخ) أي قياسا على مقعدة المبسور.
ومثله في النهاية ونصها: ولو عمت بلوى شخص بدمي لثته بحيث يجري دائما أو غالبا سومح بما يشق الاحتراز عنه، ويكفي بصقه، ويعفى عن أثره، ولا سبيل إلى تكليفه غسله جميع نهاره، إذ الفرض أنه يجري دائما أو يترشح، وربما إذا غسله زاد جريانه - كذا قاله الأذرعي - وهو فقه ظاهر.
اه.
وقال في بشرى الكريم: ولنا وجه بالعفو عنه مطلقا إذا كان صافيا، وفي تنجس الريق به إشكال: لأنه نجس عم
بعضهم: متى ابتلعه المبتلى به مع علمه به وليس له عنده بد، فصومه صحيح، وبالصرف المختلط بطاهر آخر، فيفطر من ابتلع ريقا متغيرا بحمرة نحو تنبل، وإن تعسر إزالتها، أو بصبغ خيط فتله بفمه، وبمن معدنه ما إذا خرج من الفم لا على لسانه ولو إلى ظاهر الشفة ثم رده بلسانه وابتلعه، أو بل خيطا أو سواكا بريقه أو بماء فرده إلى فمه وعليه رطوبة تنفصل وابتلعها: فيفطر.
بخلاف ما لو لم يكن على الخيط ما ينفصل لقلته أو لعصره أو
ــ
اختلاطه بمائع، وما كان كذلك لا ينجس ملاقيه، كما في الدم على اللحم إذا وضع في الماء للطبخ، فإن الدم لا ينجس الماء.
اه.
(قوله: وقال بعضهم إلخ) صنيعه يفيد أنه مخالف لكلام شيخه، مع أنه عينه.
ثم رأيته في التحفة ذكر كلام البعض المذكور ومؤيدا لما قاله، وعبارتها: ويظهر العفو عمن ابتلي بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه، قياسا على ما مر في مقعدة المبسور.
ثم رأيت بعضهم بحثه واستدل له بأدلة، وهي رفع الحرج عن الأمة، والقياس على العفو عما مر في شروط الصلاة، ثم قال: فمتى ابتلعه مع علمه به وليس له عنه بد، فصومه صحيح.
اه.
(قوله: المبتلى به) أي بدم لثته.
(وقوله: وليس له) أي للمبتلى به.
(وقوله: عنه) أي عن بلعه.
(وقوله: بد) أي غنى.
(قوله: وبالصرف) معطوف على بالطاهر: أي وخرج بالصرف، أي الريق الصرف.
(وقوله: المختلط) فاعل الفعل المقدر قبل الجار والمجرور.
(قوله: بطاهر) قيد به، لأن النجس قد علم مما قبله.
(وقوله: آخر) أي غير الريق، والمراد أجنبي.
(قوله: فيفطر من ابتلع ريقا متغيرا بحمرة نحو تنبل) أي لأن تغير لونه يدل على أن به عينا.
(قوله: وإن تعسر إزالتها) أي الحمرة من الريق.
(قوله: أو بصبغ خيط) معطوف على بحمرة نحو تنبل: أي أو متغيرا بصبغ خيط قتله بفمه.
قال في النهاية: ولو بلون أو ريح - فيها يظهر من إطلاقهم - إن انفصلت منه عين، لسهولة التحرز عن ذلك.
اه.
وكتب الرشيدي: قوله إن انفصلت منه عين: علم منه أن المدار على العين، لا على اللون ولا على الريح، فلا حاجة إلى الغاية، بل هي توهم خلاف المراد على أن اللون في الريق لا يكون إلا عينا - كما هو ظاهر - اه.
وقوله: على أن اللون إلخ: تقدم - في فصل مبطلات الصلاة - عن ع ش ما يفيد خلافه، وحاصل ما تقدم عنه أن
الأثر الباقي بعد شرب القهوة مما يغير لونه أو طعمه يضر ابتلاعه، وعلله بالعلة المذكورة، ثم ذكر احتمال أن يقال بعدم الضرر، وعلله بأن مجرد اللون يجوز أن يكون اكتسبه الريق من مجاورته للأسود مثلا.
قال: وهذا هو الأقرب، أخذا مما قالوه في طهارة الماء إذا تغير بمجاور.
فقوله: إن مجرد اللون بجوز إلخ: يخالف قول الرشيدي أن اللون لا يكون إلا عينا.
(والحاصل) الذي يؤخذ من كلامهم أنه إن علم انفصال عين في الريق: ضر بالنسبة للصلاة والصوم، وإلا فلا، وإن تغير لونه أو ريحه، سواء كان بالصبغ أو بنحو تنبل.
فتنبه.
(قوله: وبمن معدنه الخ) معطوف على بالطاهر.
أي وخرج بمن معدنه.
(وقوله: ما إذا خرج من الفم) فاعل الفعل المقدر.
(قوله: لا على لسانه) معطوف على مقدر.
أي ما إذا خرج على أي شئ كسواك لا إن كان خرج من الفم وهو على لسانه، فلا يضر ابتلاعه إذ اللسان كيفما تقلب معدود من داخل الفم فلم يفارق ما عليه معدنه.
(قوله: ولو إلى ظاهر الشفة) أي ولو كان خروجه إلى ظاهر الشفة فقط، فإنه يضر ابتلاعه حينئذ.
(قوله: ثم رده بلسانه) معطوف على خرج أي خرج من الفم ثم رده وابتلعه.
(قوله: أو بل خيطا إلخ) انظر معطوف على أي شئ؟ وظاهر أنه معطوف على خرج من الفم: أي وخرج بمن معدنه ما إذا بل إلخ.
لكن يبعده قوله بعد أو بماء، إذ الكلام في الريق، لا في الماء.
ولو قال: ولو بل، إلخ - بزيادة لو الشرطية - وتكون الجملة مستأنفة، لكان أولى.
فتنبه.
(قوله: فرده) أي ما ذكر من الخيط أو السواك.
(وقوله: وعليه الخ) أي والحال أن عليه: أي ما ذكر من الخيط أو السواك، فالجملة حالية، وضمير عليه يعود أيضا على ما ذكر.
(قوله: وابتلعها) أي الرطوبة.
(قوله: فيفطر) جواب إذا، فهو مرتبط بجميع المخرجات.
(قوله:
لجفافه، فإنه لا يضر، كأثر ماء المضمضة، وإن أمكن مجه لعسر التحرز عنه، فلا يكلف تنشيف الفم عنه.
(فرع) لو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه بطبعه لا بقصده: لم يفطر إن عجز عن تمييزه ومجه، وإن ترك التخلل ليلا مع علمه ببقائه وبجريان ريقه به نهارا، لانه إنما يخاطب بهما إن قدر عليهما حال الصوم، لكن يتأكد التخلل بعد التسحر، أما إذا لم يعجز أو ابتلعه قصدا: فإنه مفطر جزما، وقول بعضهم يجب غسل الفم مما أكل ليلا وإلا أفطر: رده شيخنا.
(ولا يفطر بسبق ماء جوف مغتسل عن) نحو (جنابة) كحيض، ونفاس إذا كان
ــ
بخلاف ما لو لم يكن على الخيط) أي أو السواك، ولو قال عليه - بالضمير، كسابقه - لكان أولى.
(قوله: لقلته) أي ما على الخيط من الرطوبة.
(قوله: أو لعصره أو لجفافه) يصح إرجاع الضمير فيهما على ما على الخيط أو السواك، ويصح إرجاعه لنفس الخيط أو السواك، والأول أنسب بالضمير الذي قبله.
(قوله: فإنه لا يضر) أي فإن رد الخيط أو السواك إلى فمه، وعليه رطوبة لا تنفصل، لا يضر في الصوم، لعدم وصول شئ إلى جوفه.
(قوله: كأثر ماء المضمضة) أي لعدم ضرر أثر ماء المضمضة.
(قوله: وإن أمكن مجه) أي إخراج ذلك الأثر من الفم.
وهو غاية في عدم ضرر أثر ماء المضمضة.
(قوله: لعسر التحرز عنه) أي عن أثر ماء المضمضة، وهو تعليل لعدم ضرره للصوم.
(قوله: فلا يكلف) أي
الصائم، وهو تفريع على عسر التحرز عنه، أو على عدم الضرر من الأثر.
(وقوله: عنه) أي الأثر.
وعن: بمعنى من.
(قوله: فرع: لو بقي الخ) هذا مستثنى من قوله ويفطر بدخول عين جوفا، فكأنه قال ويفطر إلا في هذه المسألة.
(قوله: فجرى به ريقه) أي فجرى بالطعام ريقه، أي دخل بواسطته إلى الجوف.
(وقوله: بطبعه) أي بنفسه.
(قوله: لا بقصده) أي لا باختياره وفعله.
وعبارة التحفة: لا بفعله.
اه.
والتصريح بهذا - مع ما قبله - تأكيد، وإلا فهو معلوم من التعبير بجرى، إذ هو يستلزم عدم القصد، ولذلك أخرج في التحفة به ما كان بالقصد، وعبارتها: وخرج بجرى ابتلاعه قصدا.
اه.
(وقوله: إن عجز) أي في حال جريانه، وإن قدر على إخراجه من بين أسنانه قبل جريانه، وهو قيد لعدم فطره.
وسيذكر محترزه.
(قوله: عن تمييزه) أي الطعام عن الريق.
(وقوله: ومجه) أي رميه وطرحه.
(قوله: وإن ترك التخلل ليلا) غاية في عدم الفطر.
أي لا يفطر وإن ترك التخلل ليلا.
وهذا هو الأصح، وقيل إن نقى أسنانه بالخلال على العادة لم يفطر، وإلا أفطر، وقيل لا يفطر مطلقا.
(قوله: مع علمه إلخ) متعلق بترك، فهو في حيز الغاية.
(وقوله: ببقائه) أي الطعام.
(وقوله: وبجريانه ريقه به) أي بالطعام.
(وقوله: نهارا) ظرف متعلق بجريان.
(قوله: لأنه إنما يخاطب الخ) علة لعدم فطره إذا ترك التخلل ليلا، وعلم بحريان ريقه به نهارا.
(قوله: بهما) أي بالتمييز والمج.
(قوله: إن قدر عليهما) أي التمييز والمج، وهو قيد في الخطاب.
(وقوله: حال الصوم) متعلق بيخاطب.
أي يخاطب بهما حال الصوم، أي فلا يجب تقديمهما على وقت الصوم.
(قوله: لكن يتأكد التخلل إلخ) أي خروجا من خلاف القائل بالوجوب.
(قوله: أما إذا لم يعجز) أي عن تمييزه ومجه، وهذا محترز قوله إن عجز عن تمييزه ومجه.
(قوله: أو ابتلعه قصدا) هذا خرج بقوله لا بقصده أو بقوله جرى - كما علمت.
(قوله: فإنه مفطر) أي فإن جريان الريق بالطعام حينئذ مفطر، لكن محله فيما إذا ابتلعه قصدا أن يكون متذكرا للصوم، وإلا فلا يفطر - كما في سم -، وعبارته: قوله: ابتلاعه قصدا: أي مع تذكر الصوم، فخرج النسيان أخذا مما تقدم أنه لو وضع شيئا بفمه عمدا ثم ابتلعه ناسيا لم يفطر.
فليتأمل.
اه.
(قوله: وقول بعضهم) مبتدأ، خبره جملة، رده شيخنا.
(وقوله: يجب الخ) مقول القول.
(وقوله: مما أكل) أي من الطعام الذي أكل.
(وقوله: ليلا) ظرف متعلق بكل من غسل ومن أكل.
(قوله: وإلا أفطر) أي وإن لم يغسل أفطر.
والظاهر أن مراده أفطر إذا بقي طعام، وجرى به ريقه، لأنه مقصر بعدم غسله، وليس مراده أنه يفطر مطلقا، ولو لم يجر بالطعام الريق، إذ لا معنى له.
فتأمل.
(قوله: رده شيخنا) أي في الإمداد - كما يستفاد من عبارة فتح الجواد - ونصها بعد كلام: بخلاف ما إذا تعذر تمييزه ومجه، وإن ترك الخلال ليلا، مع علمه ببقائه وبجريان ريقه نهارا، لأنه إنما يخاطب بهما إن قدر عليهما
حال الصوم - كما بينته في الأصل - مع رد القول بأنه يجب غسل الفم مما أكل ليلا، وإلا أفطر.
اه.
(قوله: ولا يفطر)
الاغتسال (بلا انغماس) في الماء، فلو غسل أذنيه في الجنابة فسبق الماء من إحداهما لجوفه: لم يفطر، وإن أمكنه إمالة رأسه أو الغسل قبل الفجر.
كما إذا سبق الماء إلى الداخل للمبالغة في غسل الفم المتنجس لوجوبها: بخلاف ما إذا اغتسل منغمسا فسبق الماء إلى باطن الاذن أو الانف، فإنه يفطر، ولو في الغسل الواجب، لكراهة الانغماس: كسبق ماء المضمضة بالمبالغة إلى الجوف مع تذكره للصوم، وعلمه بعدم مشروعيتها، بخلافه بلا مبالغة.
وخرج بقولي عن نحو جنابة: الغسل المسنون، وغسل التبرد، فيفطر بسبق ماء فيه، ولو بلا انغماس.
ــ
أي الصائم.
(وقوله: بسبق ماء جوف مغتسل) إضافة سبق إلى ما بعده من إضافة المصدر لفاعله.
وجوف: مفعوله.
والمراد بالسبق: وصول الماء إلى جوفه من غير اختياره وقصده.
ولا يخفى ما في عبارته من الإظهار في مقام الإضمار، فلو قال ولا يفطر مغتسل عن جنابة بلا انغماس بسبق ماء جوفه، لسلم من ذلك.
(قوله: عن نحو جنابة) متعلق بمغتسل.
(قوله: كحيض ونفاس) تمثيل لنحو الجنابة.
(قوله: إذا كان الاغتسال الخ) قيد في عدم فطره بالسبق المذكور، وسيذكر محترزه.
وقوله: بلا انغماس: متعلق بمحذوف خبر كان الذي قدره الشارح، وباعتبار أصل المتن يكون متعلقا بمغتسل.
(قوله: فلو غسل أذنيه الخ) تفريع على المنطوق.
(قوله: فسبق الماء من إحداهما لجوفه) أي فوصل الماء من إحدى الأذنين - أي أو منهما - إلى الجوف.
(قوله: لم يفطر) أي لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره.
(قوله: وإن أمكنه إمالة رأسه) غاية في عدم الفطر.
أي لا يفطر بسبق ما ذكر إليه، وإن كان يمكنه أن يميل رأسه بحيث لا يدخل الماء جوفه، ولا يكلف ذلك لعسره.
(وقوله: أو الغسل) أي وإن أمكنه الغسل قبل الفجر.
فهو بالرفع معطوف على إمالة، والظرف متعلق به.
(قوله: كما إذا سبق الماء الخ) الكاف للتنظير: أي وهذا نظير ما إذا سق الماء الخ.
أي فإنه لا يفطر به.
قال سم - نقلا عن م ر: ينبغي ولو تعين السبق بالمبالغة، وعلم بذلك للضرورة.
(وقوله: إلى الداخل) الأولى إبدال لفظ الداخل بالجوف - كما فعل فيما قبله وما بعده.
(وقوله: للمبالغة) اللام لام الأجل: أي سبق الماء إلى الجوف لأجل المبالغة.
(وقوله: لوجوبها) أي المبالغة.
وهو علة لعدم إفطاره بالسبق الحاصل لأجل المبالغة.
وإنما وجبت لينغسل كل ما في حد الظاهر من الفم - كما في التحفة.
(قوله: بخلاف ما إذا اغتسل منغمسا) محترز قوله إذا كان الاغتسال بلا انغماس، فهو مرتبط به.
(قوله: إلى باطن الأذن أو الأنف) أي أو الفم أو الدبر.
وفي الكردي: وقضية قولهم من فمه أو أنفه أنه لا يضر وصوله من غيرهما: كدبره.
قال في الإيعاب: وهو محتمل لندرته جدا، ويحتمل خلافه، وهو الأوجه.
فتعبيرهم بفمه أو أنفه: للغالب لا غير.
اه.
(قوله: فإنه يفطر) قال في النهاية: محله إذا تمكن من الغسل، لا على تلك الحالة، وإلا فلا يفطر - فيما يظهر - اه.
(قوله: ولو في الغسل الواجب) الأولى إسقاط هذه الغاية، لأن الكلام في الغسل الواجب، بدليل قوله بعد: وخرج
بقولي عن نحو جنابة إلخ.
(قوله لكراهة الانغماس) علة للإفطار.
(قوله: كسبق ماء المضمضة الخ) الكاف للتنظير: أي أن هذا نظير سبق ماء المضمضة.
أي أو الاستنشاق، فإنه يفطر به.
(وقوله: بالمبالغة) قال في التحفة: ويظهر ضبطها بأن يملأ فمه أو أنفه ماء، بحيث يسبق غالبا إلى الجوف.
وكتب عليه سم: قد يقال ظاهر كلامهم ضرر السبق بالمبالغة المعروفة، وإن لم يملأ فمه أو أنفه كما ذكر.
اه.
(وقوله: إلى الجوف) متعلق بسبق.
والمراد به: ما يشمل الدماغ.
(قوله: مع تذكره الخ) متعلق بمحذوف حال من المبالغة: أي يفطر بسبق ماء المضمضة أو الاستنشاق الحاصل بسبب المبالغة حال كونها واقعة، مع تذكره للصوم وعلمه بعدم مشروعية المبالغة.
فإن كان سبق الماء بالمبالغة في حال نسيان للصوم، أو الجهل بعدم مشروعيتها، لم يفطر بذلك.
(قوله: بخلافه بلا مبالغة) أي بخلاف سبق ما ذكر إليه من غير مبالغة، فإنه لا يفطر بذلك، لكن بشرط أن تكون مضمضته واستنشاقه مشروعين، وإلا بأن كانا لتبرد أو في رابعة، فيفطر،
(فروع) يجوز للصائم، الافطار بخبر عدل بالغروب، وكذا بسماع أذانه، ويحرم للشاك الاكل آخر النهار حتى يجتهد ويظن انقضاءه، ومع ذلك الاحوط: الصبر لليقين.
ويجوز الاكل إذا ظن بقاء الليل، باجتهاد أو إخبار، وكذا لو شك، لان الاصل بقاء الليل، لكن يكره، ولو أخبره عدل طلوع الفجر: اعتمده، وكذا فاسق
ــ
لأنه غير مأمور بذلك، بل منهي عنه في الرابعة، وبخلاف سبق ما ذكر إليه، لكن مع نسيان الصوم أو جهله بعدم مشروعية المبالغة.
وكان الأولى أن يزيد ما ذكر لأنه محترز القيدين الأخيرين.
(قوله: وخرج بقولي عن نحو جنابة الغسل المسنون) في خروج هذا نظر، فإنه مأمور به، فحكمه حكم غسل الجنابة بلا خلاف، بدليل الغاية التي ذكرها قبل - أعني قوله ولو في الغسل الواجب - فإنه يندرج تحتها الغسل المسنون - كما هو ظاهر - فيفيد حينئذ أنه إذا سبق الماء إلى جوفه فيه من غير انغماس: لا يفطر.
إذا علمت ذلك، فحذفه والاقتصار على ما بعده - أعني غسل التبرد والتنظف - متعين.
(والحاصل) أن القاعدة عندهم أن ما سبق لجوفه من غير مأمور به، يفطر به، أو من مأمور به - ولو مندوبا - لم يفطر.
ويستفاد من هذه القاعدة ثلاثة أقسام: الأول: يفطر مطلقا - بالغ أو لا - وهذا فيما إذا سبق الماء إلى جوفه في غير مطلوب كالرابعة، وكانغماس في الماء - لكراهته للصائم - وكغسل تبرد أو تنظف.
الثاني: يفطر إن بالغ، وهذا فيما إذا سبقه الماء في نحو المضمضة المطلوبة في نحو الوضوء.
الثالث: لا يفطر مطلقا، وإن بالغ، وهذا عند تنجس الفم لوجوب المبالغة في غسل النجاسة على الصائم وعلى غيره لينغسل كل ما في حد الظاهر.
ثم رأيت الكردي صرح بهذه الثلاثة الأقسام.
فتنبه.
(قوله: فيفطر بسبق ماء فيه) أي فيما ذكره من الغسل المسنون وغسل التبرد.
(قوله: ولو بلا انغماس) غاية في الفطر.
أي يفطر ولو بغير انغماس.
(قوله: فروع) أي ستة.
(قوله: بخبر عدل بالغروب) أي عن مشاهدة.
قال في التحفة: وقول البحر، لا يجوز بخبر العدل كهلال شوال، ردوه بما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز، فإذا قال قد غابت الشمس، أفطروا، بأنه قياس ما قالوه في القبلة والوقت والأذان.
ويفرق بينه وبين هلال شوال بأن ذاك فيه رفع سبب الصوم من أصله، فاحتيط له، بخلاف هذا.
اه.
(قوله: وكذا بسماع أذانه) أي وكذلك يجوز الفطر بسماع أذان العدل: أي العارف بالأوقات، وكذا باجتهاده بورد أو نحوه.
وعبارة التحفة مع الأصل: ويحل بسماع أذان عدل عارف، وإخباره بالغروب عن مشاهدة، وبالاجتهاد بورد أو نحوه في الأصح - كوقت الصلاة.
اه.
(قوله: ويحرم للشاك الأكل آخر النهار) أي لأن الأصل بقاؤه.
(وقوله: حتى يجتهد) أي أو يخبره عدل أو يسمع أذانه، فإنه حينئذ يجوز له الأكل.
(وقوله: ويظن انقضاءه) أي باجتهاده.
(قوله: ومع ذلك) أي ومع جواز الأكل إذا ظن انقضاء النهار بالاجتهاد.
(وقوله: الأحوط الصبر) أي ليأمن من الغلط، ولخبر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
(وقوله: لليقين) قال في النهاية - وذلك بأن يرى الشمس قد غربت، فإن حال بينه وبين الغروب حائل فبظهور الليل من المشرق.
اه.
(قوله: ويجوز الأكل) أي للتسحر.
(وقوله: باجتهاد) متعلق بظن.
(وقوله: وإخبار) أي إخبار عدل ببقاء الليل.
(قوله: وكذا لو شك) أي وكذلك يجوز الأكل إذا شك في بقاء الليل.
قال سم: وهذا بخلاف النية - لا تصح عند الشك إلا إن ظن بقاءه باجتهاد صحيح.
كما علم مما تقدم في بحث النية وما في حواشيه، لأن الشك يمنع النية.
اه.
(قوله: لأن الأصل بقاء الليل) علة لجواز الأكل في صورة الظن وصورة الشك.
(قوله: لكن يكره) أي لكن يكره الأكل.
وظاهره في الصورتين صورة الظن وصورة الشك، فانظره، فإنه لم يصرح بالكراهة من أصلها، لا في التحفة ولا في النهاية، ولا في غيرهما.
(قوله: ولو أخبره عدل بطلوع الفجر: اعتمده) أي وجوبا.
وفي التحفة: وحكى في البحر وجهين فيما لو أخبره عدل بطلوع
ظن صدقه.
ولو أكل باجتهاد أولا وآخرا فبان أنه أكل نهارا، بطل صومه، إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه، فإن لم يبن شئ: صح.
ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فلفظه قبل أن ينزل منه شئ لجوفه: صح صومه، وكذا لو كان مجامعا عند ابتداء طلوع الفجر فنزع في الحال - أي عقب طلوعه - فلا يفطر وإن أنزل، لان النزع ترك للجماع.
فإن لم ينزع حالا: لم ينعقد الصوم، وعليه القضاء والكفارة (ويباح فطر) في صوم واجب (بمرض مضر) ضررا
ــ
الفجر: هل يلزمه الإمساك بناء على قبول الواحد في هلال رمضان؟ وقضيته ترجيح اللزوم.
وهو متجه.
اه.
(قوله: وكذا فاسق ظن صدقه) أي وكذا يعتمد خبر فاسق في طلوع الفجر إذا ظن صدقه، قياسا على ما مر في رؤية الهلال.
(قوله: ولو أكل باجتهاد أولا) أي قبل الفجر في ظنه.
(وقوله: أو آخرا) أي بعد الغروب كذلك - كذا في التحفة.
(وقوله: فبان أنه أكل نهارا) أي فبعد ذلك ظهر له أنه غلط في اجتهاده وأن أكله وقع نهارا.
(قوله: بطل صومه) أي بان بطلانه.
(وقوله: إذ لا عبرة الخ) علة للبطلان.
وعبارة النهاية والمغني: لتحققه خلاف ما ظنه، ولا عبرة بالظن البين خطؤه.
(قوله: فإن لم يبن شئ) عبارة النهاية: فإن لم يبن الغلط بأن بان الأمر كما ظنه، أو لم يبن له خطأ ولا إصابة، صح صومه.
اه.
(واعلم) أن هذا كله إذا أكل باجتهاد وتحر، فلو هجم وأكل من غير اجتهاد وتحر، فإن كان ذلك آخر النهار، أفطر، وإن لم يبن له شئ - لأن الأصل بقاؤه -، أو آخر الليل، لم يفطر بذلك.
ولو هجم فبان أنه وافق الصواب لم يفطر مطلقا.
(قوله: ولو طلع الفجر) أي الصادق.
(وقوله: وفي فمه طعام) الجملة حالية - أي طلع والحال أن في فمه طعاما.
(وقوله: فلفظه) أي أخرجه ورماه من فمه.
وخرج به ما لو أمسكه في فيه، فإنه وإن صح صومه، لكنه لا يصح مع سبق شئ منه إلى جوفه، كما لو وضعه في فيه نهارا، فسبق منه شئ إلى جوفه - كما علم مما مر - فلا يعذر بسبقه إلى جوفه إذا أمسكه.
كذا في شرح الروض، والتحفة، والنهاية.
ويستفاد من عبارة المغني أنه يعذر، ونص عبارته مع الأصل: ولو طلع الفجر الصادق وفي فمه طعام فلفظه - أي رماه - صح صومه، وإن سبق إلى جوفه منه شئ، لأنه لو وضعه في فمه نهارا لم يفطر، وبالأولى إذا جعله في فيه ليلا.
ومثل اللفظ ما لو أمسكه ولم يبلع منه شيئا.
واحترز به عما لو ابتلع منه شئ باختياره فإنه يفطر.
اه.
(فقوله: باختياره) يقتضي أنه إذا سبق إلى جوفه لا يفطر لأنه بغير اختياره.
(قوله: قبل أن ينزل) قال في التحفة أو بعد أن نزل منه لكن بغير اختياره.
اه.
وقوله منه: أي من الطعام (قوله: وكذا لو كان مجامعا) أي ومثل من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام من طلع الفجر عليه وهو مجامع، فإنه يصح صومه.
(وقوله: فنزع في الحال) أي قاصدا بنزعه ترك الجماع لا التلذذ، وإلا بطل.
(وقوله: أي عقب طلوعه) أي الفجر، وهو تفسير مراد لقوله في الحال.
(وقوله: فلا يفطر) أي المجامع المذكور، وهو تفريع على مفهوم قوله وكذا الخ.
(وقوله: وإن أنزل) غاية في عدم الفطر.
أي لا يفطر مطلقا - سواء أنزل أم لا -.
فلا يضر الإنزال، لتولده من مباشرة مباحة.
(وقوله: لأن النزع ترك للجماع) أي فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع - كما لو حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه فنزعه حالا -.
وما ذكر: علة لعدم إفطاره بما ذكر (قوله: فإن لم ينزع حالا) مفهوم قوله فنزع في الحال (وقوله: لم ينعقد الصوم) أي لوجود المنافي - كما لو أحرم مجامعا.
(وقوله: وعليه القضاء والكفارة) قال في التحفة: لأنه لما منع الأنعقاد بمكثه: كان بمنزلة المفسد له بالجماع.
(فإن قلت) ينافي هذا عدم وجوب الكفارة فيما لو أحرم مجامعا، مع أنه منع الانعقاد أيضا.
(قلت) يفرق بأن
وجوب الكفارة هنا أقوى منها ثم - كما يعلم من كلامهم في البابين - وأيضا فالتحلل الأول لما أثر فيها النقص مع بقاء العبادة، فلأن يؤثر فيها عدم الانعقاد، عدم الوجوب من باب أولى.
اه.
وفرق في النهاية أيضا بينهما،.
بأن النية هنا متقدمة على طلوع الفجر، فكأن الصوم انعقد ثم أفسد، بخلافها ثم.
(قوله: ويباح فطر الخ) شروع في بيان ما يباح به الفطر وغيره من وجوب القضاء.
(قوله: في صوم واجب) أي رمضان أو غيره: من نذر، أو كفارة، أو قضاء موسع - لا مضيق -.
وخرج بالواجب المتطوع به، فيباح فطره مطلقا، سواء كان بمرض أو غيره.
(قوله: بمرض الخ) أي لقوله
يبيح التيمم، كأن خشي من الصوم بطء برء، (وفي سفر قصر) دون قصير وسفر معصية.
وصوم المسافر
بلا ضرر.
أحب من الفطر (ولخوف هلاك) بالصوم من عطش أو جوع وإن كان صحيحا مقيما.
وأفتى الاذرعي
ــ
تعالى: * (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * أي فأفطر فعدة.
ثم إن التعبير بالإباحة يفيد أن الفطر للمرض ولخوف الهلاك جائز، لا واجب.
وفي الكردي: الذي اعتمده الشارح - أي ابن حجر في كتبه - أنه متى خاف مبيح تيمم لزمه الفطر.
وظاهر كلام شيخ الإسلام والخطيب الشربيني والجمال الرملي: أن مبيح التيمم مبيح للفطر، وأن أخوف الهلاك موجب له.
وإذا صام من يخشى منه مبيح تيمم، صح صومه - على الراجح.
اه.
ويمكن حمل الإباحة في كلامه على ما يصدق بالوجوب، لأنه جواز بعد امتناع، فيصدق بالوجوب، ثم إن المرض مبيح للفطر، وإن تعدى بسببه، لأنه لا ينسب إليه، ثم إن أطبق مرضه فواضح، وإلا فإن وجد المرض المعتبر قبيل الفجر لم تلزمه النية، وإلا لزمته.
وإذا نوى وعاد - أي المرض - أفطر.
(قوله: ضررا) مفعول مطلق لمضر.
(وقوله: يبيح التيمم) خرج ما لا يبيحه - كالمرض اليسير، كصداع، ووجع الأذن، والسن - إلا أن يخاف الزيادة بالصوم فيباح له الفطر - كما في النهاية، نقلا عن الأنوار.
(قوله: كأن خشى إلخ) تمثيل للمرض المضر المبيح للتيمم: (وقوله: بطء برء) أي تأخير شفاء.
(قوله: وفي سفر قصر) معطوف على بمرض: أي ويباح فطر في سفر قصر: أي سفر يباح فيه القصر، وهو ما كان طويلا مباحا.
وشرط الفطر في أول أيام سفره أن يفارق ما يشترط مجاوزته للقصر قبل طلوع الفجر، فإن فارقه بعد طلوع الفجر فلا يفطر - تغليبا للحضر - وإذا كان سفره قبل الفجر فله الفطر وإن نوى ليلا فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بعد العصر في سفره بقدح ماء، لما قيل له إن الناس يشق عليهم الصيام.
ويستثنى من جواز الفطر بالسفر: مديم السفر، فلا يباح له الفطر، لأنه يؤدي إلى إسقاط الوجوب بالكلية، إلا أن يقصد قضاء في أيام أخر في سفره، ومثله من علم موته عقب العيد، فيجب عليه الصوم إن كان قادرا، فجواز الفطر للمسافر - إنما هو فيمن يرجو إقامة يقضي فيها، وهذا هو ما جرى عليه السبكي، واستظهره في النهاية.
والذي استوجهه في التحفة: خلافه، وهو أنه يباح له الفطر - مطلقا - وعبارتها: قال السبكي بحثا: ولا يباح
الفطر، لمن لا يرجو زمنا يقضي فيه لإدامته السفر أبدا، وفيه نظر ظاهر، فالأوجه خلافه.
اه.
(قوله: دون قصير) أي دون سفر قصير - وهو ما دون مرحلتين - فإنه لا يباح الفطر فيه.
(وقوله: وسفر معصية) أي ودون سفر معصية، أي سفر أنشأه لأجل معصية - كقطع طريق - فإنه لا يباح له الفطر فيه، وهذا كالذي قبله: علم من إضافة سفر إلى قصر، إذ السفر الذي يجوز فيه الفطر لا بد أن يكون طويلا، وأن يكون مباحا - كما علمت.
(قوله: وصوم المسافر بلا ضرر أحب من الفطر) أي لما فيه من براءة الذمة وعدم إخلاء الوقت عن العبادة، ولأنه الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم.
ومحله إن لم يخش ضررا في الحال أو الاستقبال من الصوم، وإلا فالفطر أفضل، لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا صائما في السفر قد ظلل عليه فقال: ليس من البر أن تصوموا في السفر.
بل ربما يجب الفطر إن خشي منه فيه ضررا يبيح التيمم - على ما تقدم.
(واعلم) أنه إذا قدم المسافر أو شفي المريض وهما صائمان: حرم عليهما الفطر، لزوال السبب المجوز له.
فإن كانا مفطرين - ولو بترك النية - استحب لهما الإمساك، لحرمة الوقت.
(قوله: ولخوف الخ) عطف على بمرض، أي ويباح الفطر لخوف هلاك بالصوم - أي على نفسه، أو عضوه، أو منفعته - لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * وقوله: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * وقوله: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * وقد علمت أنه في هذه يجب الفطر، وليس بمباح فقط، فلو تركه واستمر صائما حتى مات: - كما يقع من المتعمقين في الدين - مات عاصيا.
(قوله: بالصوم) متعلق بمحذوف صفة لهلاك، والباء سببية، أو بمعنى من التعليلية.
(وقوله: من عطش أو جوع) بدل اشتمال من الجار والمجرور، أي يباح لخوف هلاك حاصل له بسبب الصوم، أو من أجل الصوم من أجل الجوع أو العطش.
(قوله: وإن كان صحيحا مقيما) غاية في إباحة الفطر لخوف
(1) البقرة: 184.
(2)
الحج: 78.
(3)
النساء 29.
(4)
البقرة: 195
بأنه يلزم الحصادين - أي ونحوهم - تبييت النية كل ليلة، ثم من لحقه منهم مشقة شديدة - أفطر، وإلا فلا.
(ويجب قضاء) ما فات ولو بعذر من الصوم الواجب، ك (- رمضان) ونذر وكفارة بمرض أو سفر، أو ترك نية أو بحيض أو نفاس، لا بجنون وسكر لم يتعد به.
وفي المجموع أن قضاء يوم الشك على الفور، لوجوب إمساكه.
ونظر فيه جمع بأن تارك النية يلزمه الامساك مع أن قضاءه على التراخي قطعا.
(و) يجب (إمساك) عن مفطر (فيه)
ــ
الهلاك.
(قوله: وأفتى الأذرعي إلخ) تضمن الإفتاء المذكور أنه يباح الفطر للحصادين، ومن ألحق بهم، لكن يجب عليهم تبييت النية، لأنه ربما لا تلحقهم مشقة شديدة بالصوم، فيجب عليهم.
وقد صرح بالمضمون المذكور في التحفة، ونصها: ويباح تركه لنحو حصاد أو بناء لنفسه أو لغيره تبرعا أو بأجرة، وإن لم ينحصر الأمر فيه.
اه.
(قوله: أي
ونحوهم) كأرباب الصنائع الشاقة.
وفي الكردي ما نصه: وظاهر أنه يلحق بالحصادين في ذلك سائر أرباب الصنائع الشاقة، وقضية إطلاقه أنه لا فرق بين الأجير الغني وغيره والمتبرع.
نعم، الذي يتجه: تقييد ذلك بما إذا احتيج لفعل تلك الصنعة، بأن خيف من تركها نهارا فوات ماله وقع عرفا.
وفي التحفة: لو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه هو أو ممونه على فطره، فظاهر أن له الفطر، لكن بقدر الضرورة.
اه.
(وقوله: تبييت النية) فاعل يلزم.
(قوله: ثم من لحقه الخ) أي ثم إذا بيت النية وأصبح صائما، فإن لحقه من صومه مشقة شديدة بحيث تبيح التيمم أفطر، وإن لم تلحقه مشقة شديدة به فلا يفطر.
(قوله: ويجب قضاء الخ) أي على الفور إن فات بغير عذر، وعلى التراخي أن فات بعذر.
لكن محله بالنسبة لرمضان: إن بقي إلى رمضان الثاني ما يزيد على ما عليه من الصوم، وإلا صار فوريا.
ومن مات قبل أن يقضي، فلا يخلو إما أن يفوته الصيام بعذر، أو بغير عذر، وعلى الأول: فإن تمكن من القضاء - بأن خلا عن السفر والمرض ولم يقض - يأثم، ويخرج من تركته لكل يوم مد.
وإن لم يتمكن منه - بأن مات عقب موجب القضاء أو النذر أو الكفارة، أو استمر به العذر إلى موته - فليس عليه شئ، لا فدية ولا قضاء، ولا إثم.
وعلى الثاني - أعني ما إذا فاته بغير عذر - يأثم، ويخرج من تركته لكل يوم مد - سواء تمكن من القضاء أو لا - فحاصل الصور أربع، يجب التدارك في ثلاث، ولا يجب في صورة واحدة.
(قوله: ولو بعذر) أي ولو فات بعذر، وهو غاية لقوله يجب قضاء، والمراد، عذر يرجى زواله، أما ما لا يرجى زواله فلا يجب القضاء معه، بل عليه الفدية فقط، كما سيذكره بقوله: وعلى من أفطر لعذر لا يرجى زواله مد بلا قضاء.
(قوله: من الصوم الواجب) بيان لما، وخرج به الصوم المندوب، فلا يجب قضاؤه.
(قوله: كرمضان إلخ) تمثيل للصوم الواجب.
(قوله: بمرض الخ) بدل من قوله بعذر، وهو متعلق بفات المقدر.
ولو قال - كما في شرح المنهج - كمرض - بالكاف - ويكون تمثيلا للعذر، لكان أولى.
لكن قوله: أو ترك نية، لا يصلح تمثيلا للعذر، إلا أن يحمل على النسيان.
والمراد بالمرض ما يرجى برؤه، لأن الذي لا يرجى برؤه لا يوجب القضاء، وإنما يوجب الفدية فقط - كما علمت - ودخل فيه الإغماء، لأنه نوع من المرض.
(قوله: أو ترك نية) إنما وجب القضاء عند ترك النية - ولو نسيانا - ولم يجب في الأكل نسيانا، لأن الأكل منهي عنه، والنسيان يؤثر فيه، بخلاف النية، فإنها مأمور بها، والنسيان لا يؤثر فيه.
(قوله: أو بحيض) معطوف على بمرض، ولا حاجة إلى إعادة الباء.
وإنما وجب قضاء الصوم دون الصلاة لما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
(وقوله: أو نفاس) أي ولو من علقة أو مضغة، أي أو بلا بلل.
(قوله: لا بجنون وسكر) أي لا يجب قضاء ما فات بجنون أو سكر.
(قوله: لم يتعد به) أي بما ذكر من الجنون
والسكر، فإن تعدى بهما وجب القضاء.
(قوله: أن قضاء يوم الشك على الفور) يعني إذا ثبت يوم الشك أنه من رمضان بعد أن أفطر، وجب عليه القضاء على الفور، لتبين وجوبه عليه، وأنه أكل لجهله به.
قال في التحفة: والمراد بيوم الشك هنا: هو يوم ثلاثي شعبان، وإن لم يتحدث فيه برؤية - كما هو واضح.
اه.
بالمعنى.
(قوله: لوجوب إمساكه) علة لوجوب قضائه على الفور.
(قوله: ونظر فيه) أي في التعليل المذكور، ودفع التنظير المذكور بأن التقصير هنا أظهر، لأن له حيلة في إدراك الهلال غالبا، ولا حيلة له في دفع النسيان أبدا.
وعبارة التحفة: وإنما خالفنا ذلك في ناسي النية، لأن عذره أعم وأظهر من نسبته للتقصير، فكفى في عقوبته وجوب القضاء عليه فحسب.
اه.
(قوله: ويجب إمساك) أي مع
أي رمضان فقط، دون نحو نذر وقضاء، (إن أفطر بغير عذر) من مرض أو سفر، (أو بغلط) كمن أكل ظانا بقاء الليل، أو نسي تبييت النية، أو أفطر يوم الشك وبان من رمضان، لحرمة الوقت.
وليس الممسك في صوم شرعي، لكنه يثاب عليه، فيأثم بجماع، ولا كفارة.
وندب إمساك لمريض شفي، ومسافر قدم أثناء النهار مفطرا، وحائض طهرت أثناءه (و) يجب (على من أفسده) أي صوم رمضان (بجماع) أثم به لاجل الصوم،
ــ
القضاء.
(قوله: أي رمضان فقط) وإنما اختص رمضان بذلك لحرمته، ولأن وجوب الصوم فيه بطريق الأصالة، ولهذا لا يقبل غيره، بخلاف أيام غيره.
(قوله: دون نحو نذر وقضاء) أي فلا يجب الإمساك فيهما لانتفاء شرف الوقت عنهما، ولذا لم تجب في إفسادهما كفارة (قوله: إن أفطر بغير عذر) قيد في وجوب الإمساك وخرج به ما إذا كان بعذر فلا يجب عليه الإمساك.
نعم، يسن له إذا زال العذر - كما سيذكره.
(قوله: من مرض أو سفر) بيان للعذر.
(قوله: أو بغلط) معطوف على بغير عذر، أي أو أفطر بسبب غلط وقع له في الوقت.
(قوله: كمن أكل ظانا بقاء الليل) تمثيل لمن أفطر بسبب الغلط، واندرج تحت الكاف: من أفطر ظانا الغروب فبان خلافه.
(قوله: أو نسي تبييت النية) معطوف على أفطر بغير عذر، ولا يصح عطفه على قوله أكل ظانا الخ، وإن كان صنيعه يقتضيه، لأن من نسي النية ليس من أفراد من أفطر غلطا حتى يصح أن يكون تمثيلا له.
وعبارة التحرير: ويجب - مع القضاء - الإمساك في رمضان على متعمد فطر، لتعديه بإفساده، وعلى تارك النية ليلا، وعلى من تسحر ظانا بقاء الليل، أو أفطر ظانا الغروب فبان خلافه، وعلى من بان له يوم ثلاثي شعبان أنه من رمضان.
اه.
بحذف.
(قوله: أو أفطر يوم الشك) معطوف أيضا على أفطر بغير عذر.
ويجب إمساك إن أفطر يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان.
(قوله: لحرمة الوقت) أي وتشبيها بالصائمين.
وهو علة لوجوب الإمساك على من أفطر بغير عذر، أو بغلط، أو نسي تبييت النية، أو أفطر يوم الشك.
(قوله: وليس الممسك في صوم شرعي) قال ع ش: ومع ذلك، فالظاهر أنه يثبت له أحكام الصائمين، فيكره له شم الرياحين ونحوهما.
ويؤيده كراهة السواك في حقه بعد الزوال - على المعتمد.
اه.
(قوله: لكنه يثاب عليه) أي الإمساك، وهو استدراك من عدم كونه صوما شرعيا.
(قوله: فيأثم) لا معنى للتفريع، فالمناسب التعبير بالواو، وتكون عاطفة مدخولها على يثاب، فيصير في
حيز الاستدراك.
أي لكنه يثاب، ولكنه يأثم بجماع، ومثل الجماع كل محظور.
(وقوله: ولا كفارة) أي ومع الإثم في الجماع لا يلزمه كفارة عليه، لأنه ليس صوما حقيقيا.
(قوله: وندب إمساك لمريض الخ) هذا مفهوم قوله بغير عذر.
ولو قال - كعادته - وخرج بقولي بغير عذر: ما إذا أفطر بعذر - كمرض أو سفر - فإنه يندب له الإمساك إذا شفي، أو قدم أثناء النهار، لكان أنسب.
وإنما ندب الإمساك على من ذكر لحرمة الوقت، ولم يجب لعدم وجود تقصير منه.
(وقوله: ومسافر قدم) أي دار الإقامة.
(وقوله: أثناء النهار) متعلق بكل من شفي وقدم.
والمراد بالأثناء: ما قابل الآخر، فيشمل الأول، والوسط وغيرهما.
(قوله: مفطرا) حال من نائب فاعل شفي ومن فاعل قدم.
أي شفي حال كونه مفطرا وقدم حال كونه مفطرا.
وخرج به ما إذا شفي وهو صائم، أو قدم وهو صائم، فيجب الإتمام عليهما كالصبي.
(قوله: وحائض طهرت أثناءه) أي النهار.
ومثلها النفساء والمجنون إذا أفاق أثناء النهار، والكافر إذا أسلم - كذلك - والصبي إذا بلغ كذلك.
(والحاصل) يؤخذ من كلامه قاعدتان، وهما: أن كل من جاز له الإفطار مع علمه بحقيقة اليوم لا يلزمه الإمساك، بل يسن.
وكل ما لا يجوز له مع ذلك يلزمه الإمساك.
(قوله: ويجب على من أفسده) شروع فيمن تجب عليه الكفارة بسبب الإفطار بمفطر من المفطرات السابقة، وهو الجماع فقط، لكن بشروط ذكر المؤلف بعضها، وحاصلها تسعة.
الأول منها: أن يكون الجماع مفسدا للصوم، بأن يكون من عامد مختار عالم بتحريمه.
الثاني: أن يكون في صوم رمضان.
لا باستمناء وأكل: (كفارة) متكررة بتكرر الافساد، وإن لم يكفر عن السابق (معه) أي مع قضاء ذلك الصوم.
ــ
الثالث: أن يكون الصوم الذي أفسده صوم نفسه.
الرابع: أن ينفرد الافساد بالوطئ.
الخامس: أن يستمر على الأهلية كل اليوم الذي أفسده، ويعبر عنه بأن يفسد يوما كاملا.
السادس: أن يكون ما أفسده من أداء رمضان يقينا.
السابع: أن يأثم بجماعه.
الثامن: أن يكون إثمه به لأجل الصوم.
التاسع: عدم الشبهة.
فخرج بالأول: ما لا يكون مفسدا، كأن صدر من ناس أو مكره أو جاهل معذور.
وبالثاني: صوم غير رمضان.
وبالثالث: ما لو أفسد صوم غيره ولو في رمضان، كأن وطئ مسافر أو نحوه امرأته ففسد صومها.
وبالرابع: ما إذا لم ينفرد الإفساد بالوطئ، كأن أفسده بالوطئ وغيره معا.
وبالخامس: ما إذا لم يستمر على الأهلية كل اليوم، بأن جن أو مات بعد الجماع.
وبالسادس: ما إذا كان الصوم الذي أفسده من قضاء رمضان أو من أداء رمضان لكن من غير تعيين، بأن صامه بالاجتهاد، ولم يتحقق أنه من رمضان، أو صام يوم الشك - حيث جاز - فبان أنه من رمضان.
وبالسابع: ما إذا لم يأثم بجماعه، كالصبي، وكذا المسافر والمريض إذا جامعا بنية الترخص.
وبالثامن: ما إذا كان الإثم لا لأجل الصوم، كما إذا كان مسافرا أو وطئ بالزنا أو لم ينو ترخصا بإفطاره، فإنه لم يأثم به لأجل الصوم، بل لأجل الزنا (1) أو لعدم نية الترخص.
وبالتاسع: ما إذا وجدت شبهة، كأن ظن بقاء الليل فجامع فبان نهارا، أو أكل ناسيا فظن أنه أفطر به فجامع عامدا، فجميع هذه المخرجات ليس فيها كفارة، وحيث قلنا بوجوبها فهي على الواطئ - سواء كان بشبهة، أو نكاح، أو زنا - ويعلم هذا من جعل من الداخلة على أفسده واقعة على الواطئ.
(قوله: أي صوم رمضان) تفسير للضمير البارز.
وإنما خص صوم رمضان لأن النص ورد فيه، وهو لأجل اختصاصه بفضائل لا يقاس به غيره.
(قوله: بجماع) أي في قبل أو دبر، ولو لبهيمة، ولو مع وجود خرقة لفها على ذكره.
(قوله: أثم به) يصح ضبطه بصيغة اسم الفاعل، وبصيغة الماضي، وعلى كل: هو صفة لجماع جرت على غير من هي له، لأن الفاعل يعود على من أفسده.
وخرج به ما لا يأثم به - كمن جامع ظانا بقاء الليل فبان نهارا - كما علمت.
(قوله: لأجل الصوم) متعلق بأثم: أي إن أثم لأجل الصوم.
وخرج به ما ليس لأجل الصوم - كما علمت أيضا.
(قوله: لا باستمناء) معطوف على بجماع، وهو محترزه، فلا تجب الكفارة على من أفسده بالاستمناء، لأن النص ورد في خصوص الجماع.
(قوله: وأكل) بضم الهمزة.
(قوله: كفارة) فاعل يجب.
أي يجب كفارة على من ذكر، وذلك لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت.
قال: وما أهلكك؟ قال: واقعت امرأتي في رمضان: قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا.
قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.
قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا.
ثم جلس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، قال: تصدق بهذا.
فقال: على أفقر منا يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا.
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: فأطعمه أهلك.
(وقوله: بعرق)
هو بفتحتين - مكتل نسج من خوص النخل.
وقوله: فأطعمه أهلك، يحتمل أنه تصدق النبي صلى الله عليه وسلم به عليه - أي مع بقاء الكفارة في ذمته - ويحتمل أنه تطوع بالتكفير عنه، وسوغ له صرفها لأهله - إعلاما بأن المكفر المتطوع يجوز له صرفها لممون المكفر عنه.
وبهذا أخذ أصحابنا فقالوا: يجوز للمتطوع بالتكفير عن الغير صرفها لممون المكفر عنه.
(قوله:
(1)(قوله: بل لأجل الزنا الخ) أي ومع الإثم لا كفارة عليه - كما ففى الروض وشرحه - وعبارتهما: وقلونا لاجل الصوم: اختراز من مسافر، أو مريض زنى - أو جامع حليلته بغير نية الترخص - فلا كفارة عليه، فإن إثمه لاجل الزنا.
إلخ.
انتهت اه مولف
والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فصوم شهرين مع التتابع إن عجز عنه، فإطعام ستين مسكينا أو فقيرا إن عجز عن الصوم - لهرم أو مرض - بنية كفارة، ويعطى لكل واحد مد من غالب القوت، ولا يجوز صرف الكفارة لمن تلزمه مؤنته (و) يجب (على من أفطر) في رمضان (لعذر لا يرجى زواله) - ككبر ومرض لا يرجى برؤه:(مد)
ــ
متكررة بتكرر الإفساد) أي فإذا جامع في يومين لزمه كفارتان، أو في ثلاثة فثلاث، بل لو وطئ في جميع أيام رمضان لزمه كفارات بعددها، وذلك لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة، فلا تتداخل كفاراتها.
وخرج بتكرر الإفساد تكرر الوطئ في يوم واحد، ولو بأربع زوجات، فلا تتكرر الكفارة به، لأن الإفساد حصل بالوطئ الأول فقط، فلم يتكرر.
(قوله: وإن لم يكفر عن السابق) غاية في تكررها بذلك.
أي أنها تتكرر بتكرر الإفساد مطلقا، سواء كفر عن الوطئ الأول قبل الثاني، أم لا.
(قوله: معه) متعلق بمحذوف صفة لكفارة، أو متعلق بيجب المقدر.
(قوله: أي مع قضاء إلخ) بيان لمرجع الضمير في معه والقضاء فوري، ولم يتعرض لبيان التعزير هنا، والمعتمد وجوبه أيضا عليه وعلى الموطوءة أيضا، كما يجب عليها القضاء.
(والحاصل) الواطئ عليه ثلاثة أشياء: القضاء، والكفارة، والتعزير.
والموطوءة عليها شيآن: القضاء، والتعزير.
(وقوله: ذلك الصوم) أي الذي أفسده.
(قوله: والكفارة عتق رقبة إلخ).
(والحاصل) خصالها ثلاث: العتق، ثم الصوم، ثم الإطعام.
فهي مرتبة ابتداء وانتهاء، ومثل كفارة الوطئ في نهار رمضان كفارة الظهار والقتل، في الخصال والترتيب، إلا أن القتل لا إطعام فيه، فليس لكفارته إلا خصلتان: العتق، ثم الصوم.
(وقوله: عتق رقبة) أي إعتاق رقيق - عبد، أو أمة -.
فالمراد بالرقبة: الرقيق، فهو من إطلاق الجزء على الكل، لأن الرق كالغل في الرقبة، ومحل وجوب الإعتاق إذا كان المفسد غير رقيق، فإن كان رقيقا فكفارته بالصوم لا غير.
(وقوله: مؤمنة) خرجت الكافرة، فلا تجزئ.
ويشترط أن تكون سليمة من جميع العيوب المضرة بالعمل والكسب، فلا تجزئ المعيبة - كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الظهار.
(قوله: فصوم شهرين) أي هلالين إن انطبق أول صيامه على أولهما، وإلا كمل الأول المنكسر من الثالث ثلاثين، مع اعتبار الوسط بالهلال، ومعلوم أن الشهرين غير اليوم الذي يقضيه عن
اليوم الذي أفسده.
(وقوله: مع التتابع) أي التوالي.
فإن أفسد يوما - ولو اليوم الأخير، ولو بعذر: كنسيان نية، وسفر، ومرض - استأنف الشهرين.
نعم، لا يضر الفطر بحيض ونفاس وجنون وإغماء مستغرق، لأن كلا منها ينافي الصوم، مع كونه اضطراريا.
(وقوله: إن عجز عنه) أي عن عتق الرقبة - إما حسا: كأن لم توجد في مسافة القصر.
أو شرعا كأن لم يقدر على ثمن الرقبة زائدا على ما يفي بممونه بقية العمر الغالب.
ولو وجد الرقبة بعد شروعه في الصوم، ندب له أن يرجع للعتق، ويقع له ما صامه نفلا، وكذلك لو قدر على الصوم بعد شروعه في الإطعام.
(قوله: فإطعام ستين إلخ) أي تمليك ستين مسكينا أو فقيرا، كل واحد مد طعام.
وليس المراد أن يجعل ذلك طعاما ويطعمهم إياه، فلو غداهم أو عشاهم لم يكف.
(قوله: إن عجز عن الصوم إلخ) فإن عجز عن العتق وعن الصيام وعن الإطعام، استقرت الكفارة مرتبة في ذمته، لأن حقوق الله تعالى المالية إذا عجز الشخص عنها، فإن كانت بسبب منه استقرت الكفارة في ذمته - ككفارة الظهار، والجماع، والقتل، واليمين -.
وإن لم تكن بسببه لم تستقر - كزكاة الفطر -.
(وقوله: لهرم أو مرض) بيان لسبب العجز عن الصوم.
(قوله: بنية كفارة) مرتبط بكل من الخصال الثلاث، أي عتق رقبة بنية الكفارة، فصوم شهرين بنية الكفارة، فإطعام ستين بنية الكفارة.
فلو لم ينوها لم تسقط عنه.
(قوله: ويعطى الخ) بيان للمراد من قوله أولا فإطعام إلخ، ولو قال فيعطى إلخ - بفاء التفريع - لكان أولى، لأن المقام يقتضيه.
(وقوله: من غالب القوت) أي قوت بلد المكفر كزكاة الفطر.
(قوله: ولا يجوز صرف الكفارة لمن تلزمه مؤنته) أي كالزكوات وسائر الكفارات، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الخبر المار: فأطعمه أهلك.
فقد تقدم الجواب عنه - بأنه يحتمل أن المراد أطعمه أهلك: على وجه أنه صدقة منه صلى الله عليه وسلم عليه لكونه أخبره بفقره مع بقاء الكفارة في ذمته، ويحتمل أن المراد أطعمه أهلك - على وجه الكفارة - ومحل امتناع إطعام كفارته لعياله: إذا كان هو المكفر من عنده، بخلاف ما إذا كان المكفر غيره عنه.
وبعضهم أجاب بأنه خصوصية، فعن
لكل يوم منه إن كان موسرا حينئذ (بلا قضاء) وإن قدر عليه بعد، لانه غير مخاطب بالصوم، فالفدية في حقه واجبة ابتداء، لا بدلا، ويجب المد - مع القضاء - على: حامل، ومرضع، أفطرتا للخوف على الولد،
ــ
هذا الحديث ثلاثة أجوبة.
فتنبه.
(قوله: ويجب على من أفطر الخ) أي لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه) * أي بناء على أن كلمة لا مقدرة، أي: لا يطيقونه، أو أن المراد يطيقونه في الشباب والصحة ثم يعجزون عنه بعد الكبر أو المرض الذي لا يرجى برؤه.
وروي البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها كانا يقرآن: * (وعلى الذي يطوقونه) * ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه، وقيل: الآية على ظاهرها من أن الذين يطيقونه يخرجون فدية إن لم يصوموا، فكانوا مخيرين في صدر الإسلام بين الصوم وإخراج الفدية.
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: * (فمن شهد منكم
الشهر فليصمه) * فعلى الأول تكون الآية محكمة - أي غير منسوخة - وعلى الثاني تكون منسوخة، وهو قول أكثر العلماء.
(قوله: في رمضان) خرج به الكفارة، والنذر وقضاء رمضان، فلا فدية للإفطار في شئ من ذلك.
(قوله: لعذر لا يرجى زواله) فإن كان يرجى زواله - كالمرض المرجو زواله، وكالسفر - فعليهما القضاء فقط - كما تقدم.
(قوله: ككبر) أي لشخص، بأن صار شيخا هرما لا يطيق الصوم في زمن من الأزمان، وإلا لزمه إيقاعه فيما يطيقه فيه.
ومثله كل عاجز عن صوم واجب - سواء رمضان وغيره - لزمانة، أو مرض لا يرجى برؤه، أو مشقة شديدة تلحقه، ولم يتكلفه.
اه.
نهاية.
(قوله: ومرض لا يرجى برؤه) أي بقول عدلين من الأطباء، أو عدل عند من اكتفي به في جواز التيمم للمرض، فلو برئ بعد ذلك - ولو قبل إخراج الفدية: على المعتمد - لم يلزمه القضاء.
(قوله: مد) هو رطل وثلث، وهو نصف قدح بالكيل المصري.
والمعتبر: الكيل، لا الوزن.
وإنما قدر به استظهارا.
(وقوله: لكل يوم) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمد، أي مد واجب لكل يوم، أي لصوم كل يوم.
(وقوله: منه) أي رمضان.
(قوله: إن كان موسرا حينئذ) أي حين الإفطار.
وهو قيد لوجوب المد.
وخرج به الفقير المعسر حينئذ، فلا فدية عليه.
وهذا هو الذي صححه النووي في المجموع، وارتضاه ابن حجر، وعبارته: وقضية كلام المتن وغيره وجوبها: أي الفدية، ولو على فقير فتستقر في ذمته.
لكنه صحح في المجموع سقوطها عنه - كالفطرة - لأنه عاجز حال التكليف بها، وليست في مقابلة جناية ونحوها.
(فإن قلت) ينافيه قولهم حق الله المالي إذا عجز عنه العبد وقت الوجوب ثبت في ذمته، وإن لم يكن على جهة البدل - إذا كان بسبب منه - وهو هنا كذلك، إذ سببه فطره.
(قلت) كون السبب فطره ممنوع، وإلا لزمت الفدية للقادر، فعلمنا أن السبب إنما هو عجزه المقتضي لفطره، وهو ليس من فعله، فاتضح ما في المجموع.
فتأمله.
اه.
وصحح الرملي والخطيب خلافه، وهو أنه لا يشترط يساره حينئذ، فتجب الفدية عندهما على الفقير، قالا: وفائدة الوجوب عليه أنها تستقر في ذمته.
(قوله: بلا قضاء) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمد، أي مد كائن من غير قضاء.
(قوله: وإن قدر عليه بعد) غاية لعدم وجوب القضاء: أي لا يجب عليه القضاء وإن قدر على الصوم بعد الفطر.
(فإن قيل) ما الفرق بينه وبين المعضوب، حيث يلزمه الحج بالقدرة عليه بعد الإحجاج عنه بالنيابة.
(أجيب) بأن المعذور هنا مخاطب بالمد ابتداء - كما سيأتي قريبا - فأجزأ عنه، والمعضوب مخاطب بالحج، وإنما جاز له الإنابة للضرورة، وقد بان عدمها.
(قوله: لأنه الخ) علة لعدم وجوب القضاء إذا قدر عليه، وإنما لم يجب عليه حينئذ لأنه غير مخاطب بالصوم عند العجز، بل بالفدية فقط.
(قوله: فالفدية في حقه واجبة ابتداء) تفريع على العلة، أي وإذا ثبت أنه غير مخاطب بالصوم
(و) يجب (على مؤخر قضاء) لشئ من رمضان حتى دخل رمضان آخر (بلا عذر) في التأخير: بأن خلا عن
ــ
- إذا عجز عنه - فالفدية حينئذ واجبة عليه ابتداء، لا بدلا عن الصوم، وفيه أن مقتضاه أنه لو تكلف وصام لا يكتفي بصومه؟ وأجيب بأن محل مخاطبته بها ابتداء، ما لم يرد الصوم، فإن أراده يكون هو المخاطب به.
وعبارة غيره: وهل الفدية في حقه واجبة ابتداء أو بدلا عن الصوم؟ وجهان.
أصحهما: الأول.
فعليه: لو قدر على الصوم بعد فواته: لم يلزمه القضاء - سواء كانت قدرته بعد إخراج الفدية، أو قبله - لأنه مخاطب بالفدية ابتداء.
اه.
(قوله: ويجب المد مع القضاء إلخ) أي لقول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية) * أنها منسوخة إلا في حقهما.
اه.
تحفة.
قال ابن رسلان في زبده: والمد والقضا لذات الحمل * * أو مرضع إن خافتا للطفل (وقوله: على حامل) أي ولو من زنا.
(وقوله: ومرضع) أي ولو مستأجرة، أو متبرعة - ولو لم تتعين للرضاع، بأن تعددت المراضع.
ويستثنى من الحامل والمرضع: المتحيرة إذا خافت على الولد، فلا فدية عليها، للشك في وجوب صوم ما أفطرته في رمضان عليها باحتمال حيضها إذا أفطرت ستة عشر يوما فأقل، لأنها أكثر ما يحتمل فساده بالحيض، فإن أفطرت أكثر منها وجبت الفدية لما زاد، حتى لو أفطرت رمضان كله لزمها مع القضاء فدية أربعة عشر يوما.
ويستثنى أيضا المريضة، والمسافرة، فلا فدية عليهما، لكن إن ترخصتا لأجل السفر، أو المرض، أو أطلقتا.
وإن ترخصتا لأجل الرضيع، أو الحمل وجبت الفدية - مع القضاء -.
(وقوله: أفطرتا) أي وجوبا.
(وقوله: للخوف على الولد) أي فقط دون أنفسهما.
والمراد بالولد هنا: ما يشمل الحمل، وتسميته ولدا من باب التغليب أو مجاز الأول.
والمراد بالخوف على الولد: الخوف على إسقاطه بالنسبة للحامل وعلى قلة اللبن بالنسبة للمرضع، فيتضرر الولد بمبيح تيمم لو كان كبيرا أو يهلك.
واحترز بقوله للخوف على الولد: عما إذا أفطرتا خوفا على أنفسهما أن يحصل لهما من الصوم مبيح تيمم، فإنه يجب عليهما القضاء بلا فدية - كالمريض المرجو البرء - وإن انضم لذلك الخوف على الولد، لأنه واقع تبعا.
(فإن قيل) أنه حينئذ فطر ارتفق به شخصان، فكان الظاهر وجوب الفدية في هذه الحالة.
(أجيب) كما في التحفة: بأن الخوف على أنفسهم مانع من وجوب الفدية، والخوف على الولد مقتض له، فغلب الأول، لأن القاعدة أنه إذا اجتمع مانع ومقتض غلب المانع على المقتضي.
(فائدة) تلخص من كلامهم أنه يباح الفطر في رمضان الستة: للمسافر، والمريض، والشيخ الهرم، والحامل، والعطشان، والمرضعة.
ونظمها بعضهم على هذا الترتيب، فقال: إذا ما صمت في رمضان صمه * * سوى ست وفيهن القضاء: فسين، ثم ميم، ثم شين، * * وحاء، ثم عين، ثم راء فالسين للمسافر، والميم للمريض، والشين للشيخ الهرم، والحاء للحامل، والعين للعطشان، والراء للمرضعة.
(قوله: ويجب على مؤخر قضاء لشئ من رمضان الخ) وذلك لأن ستة من الصحابة - وهم ابن عباس، وأبو هريرة، وعلي، وابن عمر، وجابر، والحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين - أفتوا بذلك، ولا مخالف لهم، فصار إجماعا سكوتيا.
وقوله: لشئ من رمضان: متعلق بمحذوف صفة لقضاء: أي قضاء كائن لشئ من رمضان: أي أو له كله.
(وقوله: حتى دخل رمضان آخر) حتى غائية.
أي يجب مع القضاء مد إذا أخر القضاء إلى أن دخل رمضان آخر، فلا بد في الوجوب من دخوله.
وإن أيس من القضاء - كمن عليه عشرة أيام - فأخر حتى بقي لرمضان خمسة أيام مثلا فلا تلزمه الفدية عن الخمسة الميئوس منها - أي قبل دخول رمضان - فإن دخل وجبت.
ورمضان هنا مصروف، لأن المراد به غير معين، بدليل وصفه بالنكرة، وهي آخر.
(قوله: بلا عذر) متعلق بمؤخر، وسيذكر محترزه.
(قوله: بأن خلا) أي
السفر والمرض قدر ما عليه (مد لكل سنة) فيتكرر بتكرر السنين، على المعتمد -.
وخرج بقولي بلا عذر: ما إذا كان التأخير بعذر - كأن استمر سفره أو مرضه، أو إرضاعها إلى قابل - فلا شئ عليه ما بقي العذر، وإن استمر سنين.
ومتى أخر قضاء رمضان - مع تمكنه - حتى دخل آخر فمات: أخرج من تركته لكل يوم مدان: مد للفوات، ومد للتأخير إن لم يصم عنه قريبه أو مأذونه، وإلا وجب مد واحد للتأخير.
والجديد: عدم جواز الصوم
ــ
الشخص الذي أخر القضاء، وهو تصوير لعدم وجود العذر.
(وقوله: قدر ما عليه) مفعول خلا.
أي خلا قدر ما عليه من القضاء.
والمراد أنه خلا زمنا بعد يوم عيد الفطر يمكنه أنه يقضي فيه ما عليه من الصوم، فترك الصوم فيه إلى أن دخل رمضان آخر ولا يحسب من الزمن الذي خلا فيه: يوم عيد الأضحى، وأيام التشريق.
وعبارة التحفة: بأن خلا عن السفر والمرض قدر ما عليه بعد يوم عيد الفطر في غير يوم النحر وأيام التشريق.
اه.
(قوله: مد) فاعل يجب.
(قوله: لكل سنة) متعلق بيجب، أو بمحذوف صفة لمد أي يجب لكل سنة مد، أو يجب مد كائن لكل سنة.
وفي الكلام حذف، أي يجب مد لصوم كل يوم من رمضان كل سنة.
(قوله: فيتكرر) أي المد، وهو بيان لمعنى قوله لكل سنة، وإنما تكرر لأن
الحقوق المالية لا تتداخل.
(وقوله: على المعتمد) مقابله: لا يتكرر كالحدود، فيكفي المد عن كل السنين.
(قوله: ما إذا كان التأخير بعذر) فاعل خرج.
(قوله: كأن استمر سفره الخ) أي أو أخر ذلك جهلا أو نسيانا أو إكراها، نقل ذلك في التحفة عن الأذرعي، ثم قال: ومراده الجهل بحرمة التأخير، وإن كان مخالطا للعلماء، لخفاء ذلك، لا بالفدية، فلا يعذر بجهله بها، نظير ما مر فيما لو علم حرمة نحو التنحنح وجهل البطلان.
وفي المغني - بعد نقله كلام الأذرعي - ما نصه: والظاهر أنه إنما يسقط عنه بذلك الإثم، لا الفدية.
اه.
(قوله: إلى قابل) متعلق باستمر.
(قوله: فلا شئ عليه) أي بالتأخير، لأن تأخير الأداء بالعذر جائز، فتأخير القضاء به أولى.
وقضية إطلاقه: أنه لا فرق عند التأخير بعذر: بين أن يكون الفوات بعذر، أم لا.
وبه صرح المتولي، وسليم الرازي، لكن نقل الشيخان - في صوم التطوع عن البغوي من غير مخالفة - أن ما فات بغير عذر يحرم تأخيره بعذر السفر.
وقضيته لزوم الفدية، وهو الظاهر.
أفاده في المغني.
(قوله: ما بقي العذر) ما: مصدرية ظرفية، أي مدة بقاء العذر.
(قوله: وإن استمر) أي العذر، وهو غاية لكونه لا شئ عليه بالتأخير لعذر.
(قوله: مع تمكنه) أي من القضاء بأن خلا من السفر والمرض قدر ما عليه.
وفي ع ش: إذا تكرر التأخير، هل يعتبر الإمكان في كل عام، أم يكفي لتكرر الفدية وجود الإمكان في العام الأول؟ الظاهر الأول - كما يرشد إليه قول البغوي: أن المتعدي بالفطر لا يعذر بالسفر في القضاء.
اه.
(قوله: حتى دخل آخر) ليس بقيد، ولم يقيد به في المنهاج، وعبارته: لو أخر القضاء - مع إمكانه - فمات، أخرج من تركته لكل يوم مدان: مد للفوات، ومد للتأخير.
اه.
قال في النهاية: وعلم منه أنه متى تحقق الفوات وجبت الفدية، ولو لم يدخل رمضان.
فلو كان عليه عشرة أيام فمات لبواقي خمس من شعبان، لزمه خمسة عشر مدا - عشرة لأصل الصوم، وخمسة للتأخير - لأنه لو عاش لم يمكنه إلا قضاء خمسة.
اه.
ومثله في المغنى، لكن المؤلف قيد بذلك، تبعا لشيخه ابن حجر.
(قوله: فمات) أي المؤخر للقضاء مع تمكنه.
(قوله: أخرج من تركته) جواب متى، وقضية قوله من تركته: أنه لا يجوز للأجنبي الإطعام عنه، وهو كذلك - كما استوجهه في التحفة - وذلك لأنه بدل عن عبادة بدنية لا يشوبها شئ من المال، فلم يقبل النيابة، بخلاف الحج، فإنه لما كان فيه شائبة مال قبل النيابة: فيجوز للأجنبي أن يحج عن الميت، ولو بلا إذن من القريب أو الميت.
وفي النهاية إذا لم يخلف تركة فلا يلزم الوارث إطعام ولا صوم، بل يسن له ذلك.
وينبغي ندبه - لمن عدا الورثة من بقية الأقارب - إذا لم يخلف تركة، أو خلفها وتعدى الوارث بترك ذلك.
اه.
(وقوله: مدان: مد للفوات، ومد للتأخير) أي لأن كل منهما موجب عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع.
هذا إن أخر سنة فقط، وإلا تكرر مد التأخير - كما مر - قال في المغني: ولا شئ على
الهم، ولا الزمن، ولا من اشتدت مشقة الصوم عليه لتأخير الفدية إذا أخروها عن السنة الأولى.
(قوله: إن لم يصم عنه قريبة) هذا قيد لوجوب مد للفوات، لكن بالنسبة للقديم، أما بالنسبة للجديد: فلا يصح التقييد به، لأنه عليه لا يصح الصوم عنه أصلا - كما سيصرح به - فيجب عليه مدان.
(وقوله: أو مأذونه) أي القريب، فالضمير يعود على قريبة،
عنه مطلقا، بل يخرج من تركته لكل يوم مد طعام، وكذا صوم النذر والكفارة، وذهب النووي - كجمع محققين - إلى تصحيح القديم القائل: بأنه لا يتعين الاطعام فيمن مات، بل يجوز للولي أن يصوم عنه ثم إن خلف تركة، وجب أحدهما، وإلا ندب.
ومصرف الامداد: فقير، ومسكين، وله صرف أمداد لواحد.
ــ
ويحتمل عوده على الميت، أي أو مأذون الميت - بأن أوصى به.
(قوله: وإلا وجب) أي وان لا لم يصم، بأن صام عنه من ذكر.
(وقوله: مد واحد للتأخير) أي لأنه قد حصل تدارك أصل الصوم، فسقط حينئذ مد الفوات، وبقي مد التأخير، وهذا بناء على التقديم - كما علمت.
(قوله: والجديد الخ) مقابل لمحذوف ملاحظ: أي فكأنه قال ما ذكر من أنه صام عنه قريبه أو مأذونه: وجب عليه مد واحد فقط للتأخير - مبني على القول القديم: أنه يجوز الصوم عنه.
والجديد: عدم جواز الصوم عنه، ويخرج من تركته لكل يوم مد، لكن كان عليه - بعد أن ساق القول الجديد - ذكر ما يترتب عليه بأن يقول: وعليه فيتعين المدان.
فتنبه.
(وقوله: عدم جواز الصوم عنه) أي عن الميت، لأنه عبادة بدنية، وهي لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك بعد الموت، قياسا على الصلاة والاعتكاف.
(وقوله: مطلقا) أي سواء تمكن من القضاء قبل الموت أم لا، وسواء فاته الصوم بعذر أو بغيره.
(قوله: بل يخرج من تركته الخ) أي لخبر: من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا.
رواه الترمذي، وصحح وقفه على ابن عمر، ونقله الماوردي عن إجماع الصحابة.
وقوله: فليطعم: مبني للمفعول، ونائب فاعله الجار والمجرور بعده، ومسكينا: مفعوله، وهو مبني على القول بجواز إنابة الظرف مع وجود المفعول، وهو مذهب كوفي، والصحيح خلافه - كما أشار إليه ابن مالك بقوله: ولا ينوب بعض هذي إن وجد * * في اللفظ مفعول به وقد يرد (قوله: لكل يوم) أي فاته صومه.
(وقوله: مد طعام) أي عن الفوات.
ولم يتعرض لمد التأخير لأنه بصدد بيان القول الجديد من حيث هو.
(واعلم) أنه يشترط في الطعام أن يكون من غالب قوت بلده.
قال في التحفة: ويؤخذ مما مر في الفطرة أن المراد هنا بالبلد التي يعتبر غالب قوتها المحل الذي هو به عند أول مخاطبته بالقضاء.
اه.
(قوله: وكذا صوم النذر والكفارة) أي ومثل صوم رمضان: صوم النذر، وصوم الكفارة بسائر أنواعها: في أنه إذا مات الناذر أو المكفر - بعد التمكن من الصوم - يجري فيهما القولان، القديم والجديد.
فعلى الأول: إن لم يصم عنهما القريب أو مأذونه: أخرج عن كل يوم
مدا.
وعلى الثاني: لا يجوز الصيام عنهما، فيجب إخراج مد عن كل يوم، ولا شئ فيهما للتأخير، لما علمت أن التأخير يوجب الفدية في خصوص رمضان.
(قوله: إلى تصحيح القديم) أي لورود الأخبار الصحيحة الدالة على جواز الصوم عنه.
كخبر الصحيحين: من مات وعليه صيام صام عنه وليه.
وخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لإمرأة قالت له: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ صومي عن أمك.
وفي التحفة ما نصه: وقد نص عليه - أي القديم - في الجديد أيضا فقال: إن ثبت الحديث: قلت به، وقد ثبت من غير معارض، وبه يندفع الاعتراض على المصنف، بأنه كان ينبغي له اختياره من جهة الدليل، فإن المذهب هو الجديد.
وفي الروضة: المشهور في المذهب تصحيح الجديد، وذهب جماعة - من محققي أصحابنا - إلى تصحيح القديم، وهو الصواب، بل ينبغي الجزم به، للأحاديث الصحيحة، وليس للجديد حجة من السنة، والخبر الوارد بالإطعام ضعيف.
اه.
(قوله: بل يجوز للولي) المراد به هنا كل قريب للميت، وإن لم يكن عاصبا، ولا وارثا، ولا ولى مال - على المعتمد - وقد قيل بكل منها، فإن قوله صلى الله عليه وسلم - في الخبر السابق للسائلة: صومي عن أمك - يبطل القول بأن المراد ولي المال، والقول بأن المراد ولي العصوبة.
ويشترط في الوالي أن يكون بالغا، عاقلا - ولو رقيقا - لأنه من أهل فرض الصوم، بخلاف الصبي، والمجنون.
ومثل الولي: الأجنبي بإذن من الميت، بأن أوصاه به، أو بإذن الولي بأجرة، أو دونها، بخلافه بلا إذن، فلا يصح.
(قوله: ثم إن خلف تركة وجب أحدهما) أي وجب على الولي أحد الأمرين: الصوم، أو الإطعام.
(قوله: وإلا ندب) أي وإن لم يخلف تركة ندب للولي أحدهما: إما الصوم،
(فائدة) من مات وعليه صلاة، فلا قضاء، ولا فدية.
وفي قول - كجمع مجتهدين - أنها تقضى عنه، لخبر البخاري وغيره، ومن ثم اختاره جمع من أئمتنا، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه، ونقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي - إن خلف تركه - أن يصلي عنه، كالصوم.
وفي وجه - عليه كثيرون من أصحابنا - أنه يطعم عن كل صلاة مدا.
وقال المحب الطبري: يصل للميت كل عبادة تفعل عنه: واجبة أو مندوبة.
وفي شرح المختار لمؤلفه: مذهب أهل السنة أن للانسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله.
(وسن) لصائم رمضان وغيره (تسحر)، وتأخيره، ما لم يقع في شك، وكونه على تمر لخبر فيه، ويحصل ولو بجرعة ماء، ويدخل وقته بنصف
ــ
وإما الإطعام.
(قوله: ومصرف الأمداد: فقير، ومسكين) أي فقط، دون بقية الأصناف الثمانية المقدمة في قسم الصدقات، لقوله تعالى: * (على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * والفقير أسوأ حالا منه، فإذا جاز صرفها إلى المسكين فالفقير أولى، ولا يجب الجمع بينهما.
(قوله: وله صرف أمداد لواحد) أي لأن كل يوم عبادة مستقلة، فالأمداد بمنزلة الكفارات، بخلاف المد الواحد، فإنه لا يجوز صرفه إلى شخصين، لأن كل مد فدية تامة، وقد أوجب الله تعالى صرف الفدية إلى الواحد.
فلا ينقص عنها.
ولا يلزم منه امتناع صرف فديتين إلى شخص واحد، كما لا يمتنع أن يأخذ الواحد من زكوات متعددة.
اه.
مغنى (قوله: من مات وعليه صلاة) أي أو اعتكاف.
(وقوله: فلا قضاء ولا فدية) أي لعدم ورودهما.
ويستثنى من منع الصلاة والاعتكاف عن الميت، ركعتا الطواف، فإنهما يصحان من الأجير، تبعا للحج.
وما لو نذر أن يعتكف صائما فإن البغوي قال في التهذيب: إن قلنا لا يفرد الصوم عن الاعتكاف - أي وهو الأصح - وقلنا يصوم الولي:
فهذا يعتكف عنه صائما، وإن كانت النيابة لا تجزئ في الاعتكاف.
(قوله: وفي قول كجمع مجتهدين) أي وفي قول عندنا تبعا لجمع مجتهدين.
وعبارة فتح الجواد: ففيها - أي الصلاة - قول لجمع مجتهدين أنها تقضى عنه، لخبر البخاري وغيره، ومن ثم الخ، فلعل الكاف - الداخلة على لفظ جمع - زيدت من النساخ.
(وقوله: أنها) أي الصلاة تقضي عنه.
وفي قول أيضا: أن الاعتكاف بفعل عنه.
(قوله: لخبر البخاري وغيره) في التحفة: لخبر فيه، لكنه معلول.
(قوله: ومن ثم اختاره) أي ومن أجل ورود خبر فيه، اختار القول بالقضاء جمع من أئمتنا.
(قوله: وفعل به) أي عمل بهذا القول، وهو قضاء الصلاة.
وفي حواشي المحلي للقليوبي: قال بعض مشايخنا: وهذا من عمل الشخص لنفسه، فيجوز تقليده، لأنه من مقابل الأصح.
اه.
(قوله: وفي وجه عليه كثيرون من أصحابنا إلخ) قال الكردي: قال الخوارزمي: ورأيت بخراسان من يفتي به من بعض أصحابنا.
وعن البويطي أن الشافعي قال: في الاعتكاف يعتكف عنه وليه.
وفي رواية يطعم عنه وليه.
وإذا قلنا الإطعام في الاعتكاف: فالقدر المقابل بالمد: اعتكاف يوم بليلته، هكذا حكاه الإمام عن رواية شيخه وأصلها: وهو مشكل - فإن اعتكاف لحظة عبادة تامة، وإن قيس على الصوم فالليل ثم خارج عن الاعتبار.
اه.
بتصرف.
(قوله: مذهب أهل السنة إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره) قال البجيرمي: كأن صلى أو صام، وقال: اللهم أوصل ثواب ذلك إليه - وهو ضعيف.
اه وقال في بشرى الكريم: والضعف ظاهر إن أريد الثواب نفسه، فإن أريد مثله فلا ينبغي أن يختلف فيه: نعم، الصدقة يصل نفس ثوابها للمتصدق عنه إجماعا، وكأنه هو المتصدق، ويثاب المتصدق ثواب البر، لا على الصدقة وكذا يصله ما دعا له به - أن قبله الله تعالى.
اه.
وسيأتي للشارح - رحمه الله تعالى - في أواخر باب الوصية مزيد بسط على ما هنا.
(قوله: ويصله) أي يصل الثواب لذلك الغير المتصدق عليه.
(قوله: وسن لصائم الخ) شروع في سنن الصوم.
(وقوله: تسحر) أي لخبر الحاكم في صحيحه: استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبقيلولة النهار على قيام الليل.
ولخبر الصحيحين: تسحروا، فإن في السحور بركة.
وقد نظم بعضهم معنى هذا الحديث فقال: يا معشر الصوام في الحرور * * ومبتغي الثواب والأجور تنزهوا عن رفث وزور * * وإن أردتم غرف القصور تسحروا، فإن في السحور * * بركة في الخبر المأثور
الليل.
وحكمته: التقوي، أو مخالفة أهل الكتاب؟ وجهان.
وسن تطيب وقت سحر، (و) سن (تعجيل فطر) إذا تيقن الغروب.
ويعرف في العمران والصحارى التي بها جبال بزوال الشعاع من أعالي الحيطان والجبال، وتقديمه على الصلاة، إن لم يخش من تعجيله فوات الجماعة أو تكبيرة الاحرام.
(و) كونه (بتمر) للامر به،
ــ
وفي البجيرمي - نقلا عن العلقمي - ما نصه: (فإن قلت): حكمة مشروعية الصوم خلو الجوف لإذلال النفس وكفها عن شهواتها، والسحور ينافي ذلك.
(قلت): لا ينافيه، بل فيه إقامة السنة بنحو قليل مأكول أو مشروب.
والمنافي: إنما هو ما يفعله المترفهون من أنواع ذلك وتحسينه والامتلاء منه.
اه.
(قوله: وتأخيره) معطوف على تسحر، وضميره يعود إليه، أي وسن تأخير التسحر، لخبر: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور.
وصح: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، وكان قدر ما بينهما خمسين آية.
وفي الخبر ضبط لقدر ما يحصل به سنة التأخير.
(قوله: ما لم يقع الخ) أي محل سن التأخير ما لم يقع الصائم في شك في طلوع الفجر بسببه، وإلا لم يسن، لخبر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، أي اترك ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه.
(قوله: وكونه على تمر) أي وسن كون التسحر على تمر.
(وقوله: لخبر فيه) راجع للأخير، ويحتمل رجوعه للجميع، فعلى الأول: يكون ضمير فيه عائدا على كونه بالتمر، وعلى الثاني.
يكون عائدا على التسحر من حيث هو.
(قوله: ويحصل) أي التسحر، ولو بجرعة ماء، أي لخبر ابن حبان: تسحروا، ولو بجرعة ماء.
والجرعة - بضم الجيم - قال في المصباح: الجرعة من الماء: كاللقمة من الطعام، وهو ما يجرع مرة واحدة.
والجمع: جرع، مثل غرفة وغرف.
اه.
(قوله: ويدخل وقته) أي التسحر.
(وقوله: بنصف الليل) أي بدخول نصف الليل - أي الثاني - قال في المغنى: وقيل يدخل بدخول السدس الأخير.
اه.
وفي المحلى - نقلا عن شرح المهذب - وقت السحور: بين نصف الليل وطلوع الفجر، وأنه يحصل بكثير المأكول وقليله.
اه.
(والحاصل) أن السحور يدخل وقته بنصف الليل، فالأكل قبله ليس بسحور، فلا يحصل به السنة، والأفضل تأخيره إلى قرب الفجر بقدر ما يسع قراءة خمسين آية.
(قوله: وحكمته) أي التسحر: أي الفائدة فيه.
(وقوله: التقوي أو مخالفة أهل الكتاب؟ وجهان) قال في التحفة: والذي يتجه أنها في حق من يتقوى به: التقوى.
وفي حق غيره: مخالفتهم.
وبه يرد قول جمع متقدمين: إنما يسن لمن يرجو نفعه.
ولعلهم لم يروا حديث: تسحروا ولو بجرعة ماء.
فإن من الواضح أنه لم يذكر هذه الغاية للنفع، بل لبيان أقل مجزئ نفع أو لا.
اه.
(قوله: وسن تطيب وقت سحر) أي مطلقا، في رمضان وغيره.
(قوله: وسن تعجيل فطر) أي للخبر المتقدم، ولخبر الترمذي وحسنه: قال الله تعالى: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ولما صح أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا، وإنما كان الناس بخير ما عجلوه، لأنهم لو أخروه لكانوا مخالفين السنة، والخير ليس إلا في اتباعها: وكل خير في اتباع من سلف، * * وكل شر في ابتداع من خلف
قال ع ش: ينبغي سن ذلك - أي التعجيل - ولو مارا بالطريق، ولا تنخزم مروءته به أخذا مما ذكروه من طلب الأكل يوم عيد الفطر قبل الصلاة، ولا مارا بالطريق.
اه.
ويكره تأخير الفطر إن قصده ورأى فيه فضيلة، وإلا فلا بأس به.
نقله في المجموع عن نص الأم.
(قوله: إذا تيقن الغروب) خرج بتيقنه ظنه بالاجتهاد، فلا يسن له تعجيل الفطر، وظنه بلا اجتهاد، وشكه، فيحرم بهما.
شرح الروض.
(قوله: ويعرف) أي الغروب.
(قوله: والصحارى) بكسر الراء وفتحها.
قال في الخلاصة: وبالفعالى والفعالي جمعاصحراء والعذارء والقيس اتبعا والمراد بها ما قابل العمران.
(قوله: بزوال الشعاع) أي الضوء، وهو متعلق بيعرف.
(وقوله: من أعالي الحيطان) متعلق بزوال، وهو راجع للعمران.
(وقوله: والجبال) أي ومن أعالي الجبال، وهو راجع للصحاري - ففي كلامه لف ونشر مرتب.
(قوله: وتقديمه على الصلاة) معطوف على تعجيل.
أي وسن تقديم الفطر على الصلاة، لما صح: كان
والاكمل أن يكون بثلاث، (ف) - إن لم يجده فعلى حسوات (ماء)، ولو من زمزم، فلو تعارض التعجيل على
الماء، والتأخير على التمر، قدم الاول، فيما استظهره شيخنا، وقال أيضا: يظهر في تمر قويت شبهته وماء حفت شبهته، أن الماء أفضل.
قال الشيخان: لا شئ أفضل بعد التمر غير الماء، فقول الروياني: الحلو أفضل من
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن حسا حسوات من ماء.
(قوله: إن لم يخشى من تعجيله إلخ) فإن خشي ذلك أخر الفطر.
وفي سم ما نصه: قوله وتقديمه على الصلاة: ينبغي أن يستثنى ما لو أقيمت الجماعة وأحرم الإمام أو قرب إحرامه وكان بحيث لو أفطر على نحو التمر بقي بين أسنانه وخشي سبقه إلى جوفه، ولو اشتغل بتنظيف فمه فاتته الجماعة أو فضيلة أول الوقت وتكبيرة الإحرام مع الإمام.
فيتجه هنا تقديم الإحرام مع الإمام، تأخير الفطر، وهذا لا ينافي أن المطلوب من الإمام والجماعة تقديم الفطر، لكن لو خالفوا وتركوا الأفضل مثلا، وتعارض في حق الواحد منهم مثلا ما ذكر: قدم الإحرام.
ولا ينافي كراهة الصلاة بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، لأن التوقان غير لازم هنا، وكلامنا عند عدمه.
اه.
(قوله: وكونه بتمر) معطوف على تعجيل أيضا.
أي وسن كون الفطر بتمر وإن تأخر، وأفضل منه الرطب - للخبر المتقدم آنفا -.
(قوله: للأمر به) أي في قوله عليه الصلاة والسلام: إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور.
(قوله: والأكمل أن يكون) أي الفطر بالتمر.
(وقوله: بثلاث) أي بثلاث تمرات، ومثل التمر، كل ما يفطر به، فيسن التثليث فيه.
(قوله: فإن لم يجده) أي التمر.
(قوله: فعلى حسوات ماء) أي فيسن أن يفطر على حسوات ماء، أي جرعات.
قال في المصباح: حسا: أي ملأ فمه من الماء، وحسوات - بفتح الحاء وضمها، مع فتح السين - والحسوة: ملء الفم بالماء.
اه.
ومن آداب الصائم عند
إفطاره بالماء أنه لايمجه إذا وضعه في فيه، بل يبتلعه، لئلا يذهب بخلوف فمه، لقوله عليه الصلاة والسلام: لخلوف فم الخ.
(قوله: ولو من زمزم) غاية لتقديم التمر على الماء المفهوم من التعبير بالفاء.
أي يقدم التمر على الماء، ولو كان الماء من ماء زمزم.
والغاية للرد على القائل إن ماء زمزم مقدم على التمر، كما يستفاد من عبارة التحفة، ونصها: وقول المحب الطبري يسن له الفطر على ماء زمزم، ولو جمع بينه وبين التمر فحسن.
مردود بأن أوله فيه مخالفة للنص المذكور، وآخره فيه استدراك زيادة على السنة الواردة، وهما ممتنعان إلا بدليل.
ويرد أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم صام بمكة عام الفتح أياما من رمضان، ولم ينقل عنه في ذلك ما يخالف عادته المستقرة من تقديم التمر، فدل على عمله بها حينئذ، وإلا لنقل.
اه.
(قوله: فلو تعارض الخ) يعني أنه لو لم يوجد عنده بعد تحقق الغروب إلا ماء فقط: فهل الأفضل له مراعاة التعجيل ويفطر بالماء أو مراعاة التمر ويؤخر الفطر إلى تحصيله؟ (قوله: قدم الأول) أي تعجيل الفطر بالماء.
(قوله: فيما استظهره شيخنا) عبارته: فلو تعارض التعجيل على الماء والتأخير على التمر، قدم الأول - فيما يظهر - لأن مصلحة التعجيل فيها رخصة تعود على الناس، أشير إليها في: لا يزال الناس إلى آخره، ولا كذلك التمر.
اه.
(قوله: إن الماء أفضل) قال في التحفة بعده: لكن قد يعارضه حكم المجموع بشذوذ قول القاضي: الأولى في زماننا الفطر على ماء يأخذه بكفه من النهر - ليكون أبعد عن الشبهة.
اه.
إلا أن يجاب بأن سبب شذوذه ما بينه غيره أن ماء النهر - كالدجلة - ليس أبعد عن الشبهة الخ.
اه.
(قوله: قال الشيخان إلخ) ساقه تأييدا لكلامه المار، وتوصلا للرد على الروياني.
(قوله: فقول الروياني) مبتدأ، خبره ضعيف.
وقوله: الحلوا - بالقصر، ويجوز المد - وهي الحلاوة التي عملت بالنار.
وما لم يعمل بالنار - كالزبيب - يقال له حلو.
ولعل مراد الروياني بها: ما كان فيه حلاوة مطلقا - عملت بالنار أولا.
(والحاصل) أن الأفضل أن يفطر بالرطب، ثم التمر.
وفي معناه: العجوة، ثم البسر، ثم الماء.
وكونه من ماء زمزم أولى، ثم الحلو - وهو ما لم تمسه النار كالزبيب، واللبن، والعسل - واللبن أفضل من العسل، واللحم أفضل منهما، ثم الحلواء.
ولذلك قال بعضهم: فمن رطب فالبسر فالتمر زمزم * * فماء فحلو ثم حلوى لك الفطر فإن لم يجد إلا الجماع أفطر عليه.
وقول بعضهم: لا يسن الفطر عليه.
محمول على ما إذا وجد غيره.
الماء - ضعيف، كقول الاذرعي: الزبيب أخو التمر، وإنما ذكره لتيسره غالبا بالمدينة.
ويسن أن يقول عقب الفطر: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت ويزيد - من أفطر بالماء -: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الاجر إن شاء الله تعالى.
(و) سن (غسل عن نحو جنابة قبل فجر) لئلا يصل الماء إلى باطن نحو أذنه أو دبره.
قال شيخنا: وقضيته أن وصوله لذلك مفطر، وليس عمومه مرادا - كما هو ظاهر أخذا مما مر: إن سبق ماء نحو المضمضة المشروع، أو غسل الفم المتنجس: لا يفطر، لعذره، فليحمل هذا على مبالغة منهي عنها.
ــ
(قوله: كقول الأذرعي الخ) أي فهو ضعيف أيضا.
(قوله: وإنما ذكره إلخ) هذا من قول الأذرعي، وهو جواب من الأذرعي عن سؤال ورد عليه حاصله: أنه إذا كان الزبيب أخا التمر - كما قلت - فلم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث خصوص التمر، ولم
يذكر الزبيب؟ وحاصل الجواب أنه إنما ذكره لأنه هو المتيسر غالبا في المدينة، لا لبيان أنه هو الأفضل مطلقا، ففاعل ذكر يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، والضمير البارز يعود على التمر، ومتعلقه محذوف.
(قوله: ويسن أن يقول) أي المفطر.
(وقوله: عقب الفطر) أي عقب ما يحصل به الفطر، لا قبله، ولا عنده.
(قوله: اللهم لك صمت) قدم الجار والمجرور إفادة لكمال الإخلاص.
أي صمت، لا لغرض ولا لأحد غيرك، بل خالصا لوجهك الكريم.
(قوله: وعلى رزقك أفطرت) أي وأفطرت على رزقك الواصل إلي من فضلك، لا بحولي وقوتي.
قال الكردي: وتسن زيادة: وبك آمنت، وعليك توكلت، ورحمتك رجوت، وإليك أنبت.
وفي الإيعاب: ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا واسع الفضل اغفر لي.
وأنه كان يقول: الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت.
قال: وقال سليم ونصر المقدسي: يسن أن يعقد الصوم حينئذ،.
وتوقف فيه الأذرعي ثم قال: وكأن وجهه: خشية الغفلة.
(قوله: ويزيد) أي على قوله اللهم لك الخ.
(وقوله: من أفطر بالماء) الذي في البجيرمي على الإقناع أنه يقول ما ذكر وإن أفطر على غير ماء، لأن المراد دخل وقت إذهاب الظمأ.
اه.
وعليه: فكان الأولى أن يسقط قوله ويزيد من أفطر بالماء، ويقتصر على ما بعده.
(وقوله: ذهب الظمأ) هو مهموز الآخر، مقصور.
والمراد به العطش.
ولم يقل وذهب الجوع، لأن أرض الحجاز حارة، فكانوا يصبرون على قلة الطعام لا العطش.
(قوله: وثبت الأجر) أي أجر الصوم عندك.
(قوله: إن شاء الله تعالى) يقال ذلك تبركا.
(قوله: وسن غسل عن نحو جنابة) أي كحيض ونفاس.
(قوله: قبل فجر) متعلق بغسل أو بسن.
(قوله: لئلا يصل الماء الخ) عبارة المنهج القويم ليؤدي العبادة على طهارة، ومن ثم ندب له المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام نهارا، ولئلا يصل الماء إلى باطن أذنه أو دبره، ومن ثم ينبغي له غسل هذه المواضع قبل الفجر - إن لم يتهيأ له الغسل الكامل قبله - وللخروج من قول أبي هريرة رضي الله عنه بوجوبه، للخبر الصحيح: من أصبح جنبا فلا صوم له.
وهو مؤول أو منسوخ.
اه.
قال العلامة الكردي: وفي حاشية التحفة لأبي اليتيم: الأولى في التعليل أن يقال يسن الغسل ليلا لأجفل أن يؤدي العبادة على الطهارة.
(قوله: وقضيته) أي التعليل المذكور.
(قوله: إن وصوله) أي الماء.
(وقوله: لذلك) أي لباطن.
نحو أذنه أو دبره.
(قوله: وليس عمومه مرادا) الضمير يعود على قضيته، وذكره باعتبار تأويلها بالمقتضي وهو مذكر، والمعنى ليس عمومه: أي هذا المقتضي، وهو أن وصول الماء إلى ما ذكر مفطر مطلقا، بمراد، بل المراد تقييده بما إذا وقعت منه المبالغة المنهي عنها.
(قوله: كما هو) أي عدم إرادة العموم ظاهر.
(قوله: أخذا مما مر) منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف، أي وأخذ هذا المذكور - وهو عدم إرادة العموم - أخذا، أو على الحالية منه، أي حال كون هذا
المذكور مأخوذا مما مر.
(وقوله: إن سبق الخ) المصدر المؤول بدل من ما، وأعطف بيان له، ووجه الأخذ أنه قد مر أنه إن سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق المأمور بهما أو ماء غسل الفم المتنجس: لا يفطر - لتولده من مأمور به، فليكن ما ذكر - وهو دخول الماء من أذنه أو أدبره في غسل نحو الجنابة - مثله في أنه لا يفطر به، لتولده من مأمور به.
وقوله نحو المضمضة: هو الاستنشاق.
(وقوله: المشروع) صفة لنحو، وهو المأمور به في نحو الوضوء.
وخرج به غير المشروع - كأن وضع الماء في فمه أو أنفه من غير غرض، فسبق إلى جوفه - وما زاد على المشروع، كان سبق الماء إلى جوفه من نحو رابعة، وقد تقدم أن يفطر بذلك، لتولده من غير مأمور به.
(قوله: أو غسل الخ) معطوف على نحو، أي أو أن سبق
(و) سن (كف) نفس عن طعام فيه شبهة، و (شهوة) مباحة.
من مسموع، ومبصر، ومس طيب، وشمه.
ولو
ــ
ماء غسل الفم المتنجس.
(قوله: لا يفطر) الجملة خبر أن، ومحل عدم الفطر بالسبق في الأول: إذا لم يبالغ فيه، وإلا أفطر.
وأما في الثاني: فلا يفطر مطلقا، بالغ أو لا - كما مر.
(قوله: لعذره) أي في السبق المذكور، وذلك لأنه متولد من مأمور به.
(قوله: فليحمل هذا) أي قضية التعليل، وهو أن وصول الماء إلى باطن الأذن أو الدبر، مفطر.
(وقوله: على مبالغة منهي عنها) انظر كيف تتصور المبالغة هنا؟ ويمكن أن يقال إنه مثل تصويرها في نحو المضمضة، وذلك بأن يملأ أذنه ماء، بحيث يسبق غالبا إلى باطنها، ولكن هذا لا يظهر في المبالغة في وصول الماء إلى باطن الدبر، ولعله فيها بالنسبة إليه - أن يكثر من ترديد الماء في حد الظاهر من الدبر، بحيث يسبق إلى باطنه.
(قوله: وسن كف نفس عن طعام فيه شبهة) وبالأولى، ما إذا كان حراما محضا.
(والحاصل): يتأكد عليه أن يحفظ بطنه عن تناول الحرام والشبهة، خصوصا عند الإفطار.
قال بعض السلف: إذا صمت فانظر على أي شئ تفطر؟ وعند من تفطر؟ (قوله: وشهوة مباحة) معطوف على طعام.
أي وكف نفس عن شهوة لها مباحة.
والمراد من ذلك أن يجانب الرفاهية، والإكثار من تناول الشهوات واللذات، وأقل ذلك أن تكون عادته من الترفه واحدة في رمضان وغيره، وهذا أقل ما ينبغي، وإلا فللرياضة ومجانبة شهوات النفس أثر كبير في تنوير القلب، وتطلب بالخصوص في رمضان.
وأما الذين يجعلون لهم في رمضان عادات من الترفهات والشهوات التي لا يعتادونها في غير رمضان، فغرور منهم غرهم به الشيطان حسدا منه لهم، حتى لا يجدوا بركات صومهم ولا تظهر عليهم آثاره من الأنوار والمكاشفات.
(واعلم) أنه يتأكد عليه أيضا أن يتجنب الشبع المفرط لأجل أن يظهر عليه أثر الصوم، ويحظى بسره ومقصوده الذي هو تأديب النفس وتضعيف شهواتها، فإن للجوع وخلو المعدة أثرا عظيما في تنوير القلب ونشاط الجوارح في
العبادة، والشبع أصل القسوة والغفلة، والكسل عن الطاعة المطلوب إكثارها بالخصوص في رمضان.
قال عليه الصلاة والسلام: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه.
وقال بعضهم: إذا شبعت البطن جاعت جميع الجوارح.
وإذا جاعت البطن شبعت جميع الجوارح.
وفي العهود للشعراني: أخذ علينا العهد أن لا نشبع الشبع الكامل قط، لا سيما في ليالي رمضان، فإن الأولى النقص فيها عن مقدار ما كنا نأكله في غيرها، وذلك لأنه شهر الجوع، ومن شبع في عشائه وسحوره فكأنه لم يصم رمضان.
وحكمه حكم المفطر من حيث الأثر المشروع له الصوم، وهو إضعاف الشهوة المضيقة لمجاري الشيطان في البدن، وهذا الأمر بعيد على من شبع من اللحم والمرق، اللهم إلا أن تكون امرأة مرضعة، أو شخصا يتعاطى في النهار الأعمال الشاقة، فإن ذلك لا يضره إن شاء الله تعالى.
وقد قالوا: من أحكم الجوع في رمضان: حفظ من الشيطان إلى رمضان الآتي، لأن الصوم جنة على بدن الصائم ما لم يخرقه شئ، فإذا خرقه دخل الشيطان له من الخرق.
اه.
(قوله: من مسموع إلخ) بيان للشهوة، وهو يفيد أن المراد بالشهوة: المشتهى.
وبه يندفع ما يقال أن الشهوة هي ميل النفس إلى المطلوب، وهي لا يمكن كف النفس عنها، والتحري عنها.
وحاصل الدفع أن المراد بها المشتهى، وهو المسموع والمبصر، ومس الطيب، وشمه، وهذا يمكن كف النفس عن سماعه، والنظر إليه، ومسه وشمه.
ثم إن المراد بالمسموع والمبصر: المباحان، بدليل تقييد المبين الذي هو الشهوة بالمباحة، فخرج المحرم منهما، فيجب كف النفس عنه.
والمسموع المباح: مثل الصوت الحاصل بالتغني والألحان، بخلاف الصوت الحاصل من آلات اللهو والطرب المحرمة - كالوتر - فهو حرام يجب كف النفس من سماعه.
والمبصر المباح: كالنظر في الزخارف، والنقوش، والرياحين، بخلاف غير المباح: كالنظر للأجنبية، أو الأمرد الجميل فهو حرام، يجب كف النفس عنه.
(قوله: ومس طيب وشمه) أي فهما مباحان، يسن كف النفس عنهما.
وفي التحفة: بل قال المتولي بكراهة النظر إليه.
وجزم غيره
تعارضت كراهة مس الطيب للصائم، ورد الطيب: فاجتناب المس أولى، لان كراهته تؤدي إلى نقصان العبادة.
قال في الحلية: الاولى للصائم ترك الاكتحال.
ويكره سواك بعد الزوال، وقت غروب، وإن نام أو أكل كريها ناسيا.
وقال جمع: لم يكره، بل يسن إن تغير الفم بنحو نوم.
ومما يتأكد للصائم: كف اللسان عن كل محرم
ــ
بكراهة شم ما يصل ريحه لدماغه أو ملبوسه.
اه.
(قوله: ولو تعارضت كراهة مس الطيب الخ) فيه أنه لم يذكر هنا كراهة المس حتى يصح ما قاله من المعارضة، وإنما الذي يفهم من كلامه هنا الإباحة، فكان الأولى أن يصرح بالكراهة أولا،
ثم يرتب عليها ما ذكره.
(وقوله: ورد الطيب) هو بالجر، معطوف على مس، أي وكراهة رد الطيب - أي على من يهديه له - والمراد أنه إذا لم يرد الطيب ارتكب كراهة المس بأن لم يتيسر له قبوله إلا بالمس، وإذا لم يمسه ارتكب كراهة الرد فتعارضا عليه حينئذ.
(وقوله: فاجتناب المس) أي مع ارتكاب كراهة الرد.
(وقوله: أولى) أي من قبول الطيب مع ارتكاب كراهة المس.
(قوله: لأن كراهته) أي المس، وهو علة الأولوية.
(وقوله: تؤدي إلى نقصان العبادة) أي بخلاف كراهة رد الطيب، فإنها لا تؤدي إلى ذلك.
(قوله: الأولى للصائم ترك الاكتحال) أي لما فيه من الزينة والترفه اللذين لا يناسبان الصوم، وللخروج من خلاف الإمام مالك رضي الله عنه، فإنه يقول بإفطاره به، ويعلم من التعبير بالأولوية أن الاكتحال: خلاف الأولى فقط، فلا يضر، وإن وجد لون الكحل في نحو نخامته وطعمه بحلقه، إذ لا منفذ من عينه لحلقه، فهو كالواصل من المسام.
وروى البيهقي والحاكم أنه صلى الله عليه وسلم: كان يكتحل بالإثمد وهو صائم لكن ضعفه في المجموع.
(قوله: ويكره سواك) أي على المشهور المعتمد، ومقابله قول الجمع الآتي: وإنما كره على الأول، للخبر الصحيح: لخلوف فم الصائم يوم القيامة أطيب عند الله من ريح المسك.
وهو بضم المعجمة: التغير، واختص بما بعد الزوال، لأن التغير ينشأ غالبا قبله من أثر الطعام، وبعده من أثر العبادة.
ومعنى أطيبيته عند الله تعالى ثناؤه تعالى عليه ورضاه به، فلا يختص بيوم القيامة، وذكره في الخبر ليس للتقييد، بل لأنه محل الجزاء.
وأطيبيته عند الله تدل على طلب إبقائه، فكرهت إزالته، ولا تزول الكراهة إلا بالغروب.
(قوله: بعد زوال) أي أو عقب الفجر لمن واصل الصوم، لكونه لم يجد مفطرا يفطر به، أو وجده وارتكب حرمة الوصال، فتزول كراهة الاستياك في حقه بالغروب، وتعود بالفجر.
والوصال: أن يستديم جميع أوصاف الصائمين، فالجماع - ونحوه مما ينافي الصوم - يمنع الوصال، على المعتمد.
(قوله: وقبل غروب) أما بعده فلا كراهة، فهي تزول بالغروب.
(قوله: وإن نام إلخ) غاية لكراهة السواك بعد الزوال.
أي يكره وإن نام بعد الزوال أو أكل شيئا كريها كبصل نسيانا، وهذا هو الذي استوجهه شيخه ابن حجر، وعبارته - في باب الوضوء - ولو أكل بعد الزوال ناسيا مغيرا أو نام وانتبه: كره أيضا على الأوجه، لأنه لا يمنع تغير الصوم، ففيه إزالة له، ولو ضمنا، وأيضا فقد وجد مقتض هو التغير، ومانع هو الخلوف، والمانع مقدم.
اه.
وجرى الجمال الرملي - تبعا لإفتاء والده - على أنه يكره الاستياك حينئذ، فمحل الكراهة عنده بعد الزوال إن لم يكن له سبب يقتضيه، أما لو كان له ذلك: كأن أكل ذا ريح كريه ناسيا، أو نام وتغير فمه بذلك - سن له الاستياك، لأن الخلوف الحاصل من الصوم قد اضمحل، وذهب بالكلية بالتغير الحاصل من أكل ما ذكر أو من النوم.
ووافق المؤلف - في باب الوضوء - م ر، وخالف شيخه،
وعبارته هناك: ويكره للصائم بعد الزوال إن لم يتغير فمه بنحو نوم.
اه.
فيكون جرى هناك على قول، وهنا على قول.
(قوله: وقال جمع: لم يكره) أشار إليه ابن رسلان في زبده بقوله: أما استياك صائم بعد الزوال * * فاختير لم يكره، ويحرم الوصال قال م في شرحه عليه: ونقله - أي هذا القول - الترمذي عن الشافعي، وبه قال المزني، واختاره جماعة منهم النووي، وابن عبد السلام، وأبو شامة.
اه.
(قوله: بل يسن) إضراب انتقالي - فبعد أن ذكر عدم الكراهة عنده انتقل إلى ذكر السنية، ولا يلزم من عدمها السنية، لأنه صادق بالمباح، وبخلاف الأولى.
(وقوله: إن تغير) قيد في السنية، فهو راجع لما بعد، بل فقط: أي بل قالوا يسن بشرط أن يتغير فمه بنحو نوم كالأكل لذي ريح كريه ناسيا.
واعتمد هذا
- ككذب وغيبة، ومشاتمة - لانه محبط للاجر، كما صرحوا به، ودلت عليه الاخبار الصحيحة، ونص عليه الشافعي والاصحاب، وأقرهم في المجموع، وبه يرد بحث الاذرعي حصوله وعليه إثم معصيته.
وقال بعضهم: يبطل أصل صومه، وهو قياس مذهب أحمد في الصلاة في المغصوب.
ولو شتمه أحد فليقل - ولو في نفل - إني صائم، مرتين أو ثلاثا - في نفسه - تذكيرا لها، وبلسانه: حيث لم يظن رياء، فإن اقتصر على أحدهما: فالاولى
ــ
الخطيب، ومثله الجمال الرملي، ونقله عن إفتاء والده - كما علمت.
(قوله: ومما يتأكد للصائم الخ) أي من حيث الصوم، فلا ينافي ذلك وجوب الكف عن ذلك من حيثية أخرى، فإذا كف لسانه عن ذلك يثاب عليه ثوابين: واجبا - من حيث وجوب صون اللسان عن المحرمات - ومندوبا - من حيث الصوم - وإذا لم يكف لسانه عن ذلك - بأن اغتاب مثلا - حصل الإثم المرتب على الغيبة في نفسها، للوعيد الشديد عليها، وحصل بمخالفته أمر الندب بتنزيه الصوم عن ذلك إحباط ثواب الصوم زيادة على ذلك الإثم.
وإنما عبروا بالندب تنبيها على أنه لا يبطل بفعله أصل الصوم، إذ لو عبروا بالوجوب لتوهم منه عدم صحة الصوم معه - كالاستقاءة ونحوها -.
(وقوله: كف اللسان عن كل محرم) أي منعه عنه، وحفظه منه.
(قوله: ككذب وغيبة) تمثيل للمحرم، والكذب: هو الإخبار بما يخالف الواقع.
والغيبة: هي ذكرك أخاك المسلم بما يكره، ولو بما فيه، ولو بحضرته.
وهي من الكبائر: في حق أهل العلم وحملة القرآن.
ومن الصغائر: في حق غيرهم.
وقد يجبان - كالكذب - لإنقاذ مظلوم، وذكر عيب نحو خاطب، وهذان لا يتأكد كف اللسان عنهما - لوجوبهما.
(قوله: ومشاتمة) المراد بها أصل الفعل: أي الشتم، وهو والسب بمعنى واحد، وهو مشافهة الغير بما يكره، وإن لم يكن فيه حد: كيا أحمق، يا ظالم.
والقذف أخص منهما، إذ هو الرمي بما يوجب الحد غالبا.
(قوله: لأنه محبط للأجر) أي لأن المحرم من الكذب، والغيبة، والمشاتمة، وغيرها، محبط لثواب الصوم.
(قوله: كما صرحوا به) أي بإحباطه للأجر فقط.
(قوله: ودلت عليه الأخبار الصحيحة) منها: خبر الحاكم في صحيحه: ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، الصيام من اللغو والرفث.
وخبر البخاري: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه.
والمراد أن كمال الصوم إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الردئ، لا أن الصوم يبطل بهما.
قال في التحفة.
وخبر: خمس يفطرن الصائم: الغيبة، والنميمة، والكذب، والقبلة، واليمين الفاجرة باطل - كما في المجموع.
اه.
(قوله: وبه يرد) أي بما ذكر من تصريحهم ودلالة الأخبار.
ونص الشافعي بإحباط الأجر بذلك: يرد بحث الأذرعي حصول الأجر، وعليه إثم المعصية.
(قوله: وقال بعضهم) هو الأوزاعي - كما في التحفة.
(وقوله: يبطل أصل صومه) أي لظاهر الحديث المار وهو: خمس يفطرن الخ.
(قوله: وهو قياس) أي بطلان أصل الصوم قياس مذهب الإمام أحمد في الصلاة في المغصوب، فإنها تبطل عنده فيه.
(قوله: ولو شتمه أحد فليقل الخ) أي لخبر: الصيام جنة.
فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله، أو شاتمه، فليقل إني صائم، إني صائم - مرتين.
أي يقوله بقلبه لنفسه، لتصبر ولا تشاتم فتذهب بركة صومها - كما نقله الرافعي عن الأئمة - أو بلسانه بنية وعظ الشاتم، ودفعه بالتي هي أحسن - كما نقله النووي عن جمع وصححه - ثم قال: فإن جمعهما فحسن، وقال إنه يسن تكراره مرتين، أو أكثر، لأنه أقرب إلى إمساك صاحبه عنه.
وقول الزركشي: ولا أظن أحدا يقوله: مردود بالخبر السابق.
اه.
شرح الروض.
(قوله: ولو في نفل) أي في صوم نفل، وهو غاية لقوله فليقل إلخ.
وقوله: إني صائم: مقول القول.
وقوله: مرتين، مفعول مطلق ليقل.
(قوله: في نفسه) متعلق بقوله فليقل.
أي فليقل في نفسه، وإطلاق القول على ما كان بنفسه ثابت في كلامهم كثيرا، ويسمى قولا نفسيا.
قال الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * * جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقوله: تذكيرا لها: أي لنفسه أن صائم لتصبر.
(قوله: وبلسانه) معطوف على في نفسه، والواو: بمعنى أو، أي أو ليقل بلسانه ذلك، زجرا لخصمه.
(قوله: حيث لم يظن رياء) تقييد لقوله ذلك باللسان: أي فليقل ذلك به حيث لم يظن
بلسانه (و) سن مع التأكيد (برمضان)، وعشره الاخير آكد، (إكثار صدقة)، وتوسعة على عيال، وإحسان على الاقارب والجيران - للاتباع - وأن يفطر الصائمين - أي يعشيهم - إن قدر، وإلا فعلى نحو شربة، (و) إكثار
(تلاوة) للقرآن في غير نحو الحش، ولو نحو طريق، وأفضل الاوقات للقراءة من النهار: بعد الصبح، ومن
ــ
رياء بذلك، فإن ظنه تركه، وقاله بقلبه.
(قوله: فإن اقتصر على أحدهما) أي فإن أراد الاقتصار على أن يقول ذلك في نفسه أو بلسانه، فالأولى أن يكون بلسانه، لكن حيث أمن الرياء، لأن القصد بذلك الوعظ، وبه يندفع ما يقال: أن العبادة يسن إخفاؤها، فكيف طلب منه أن يتلفظ بقوله إني صائم؟ وما أحسن ما قاله بعضهم هنا: اغضض الطرف، واللسان فقصر * * وكذا السمع صنه حين تصوم ليس من ضيع الثلاثة عندي * * بحقوق الصيام أصلا يقوم
(قوله: وسن مع التأكيد) ق يد به، لأن ما ذكره سنة في كل زمن، فرمضان: زائد بتأكد ما ذكر فيه.
وعبارة التحفة: ويسن، أي يتأكد من حيث الصوم، وإلا فذلك سنة في كل زمن.
(قوله: وعشره الأخير إلخ) هذا مكرر مع قول المتن الآتي سيما عشر آخره، إذ هو راجع لإكثار الصدقة وما بعده - كما صرح به الشارح عقبه - فالأولى إسقاطه.
(قوله: إكثار صدقة) نائب فاعل سن.
(قوله: وتوسعة) بالجر، معطوف على صدقة: أي وإكثار التوسعة - أي زيادتها -.
بالرفع: معطوف على إكثار، أي وسن توسعه.
وعبارة فتح الجواد: وكثرة صدقة، وزيادة التوسعة على العيال.
اه.
(قوله: وإحسان) فيه الاحتمالان الماران آنفا.
(قوله: للاتباع) هو أنه صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل.
والمعنى في ذلك: تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة بدفع حاجتهم.
(قوله: وأن يفطر الخ) المصدر المؤول معطوف على إكثار، أي وسن تفطير الصائمين، لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: من فطر صائما فله مثل أجره، ولا ينقص من أجر الصائم شئ، فإن عجز عن عشائهم فطرهم بشربة، أو تمرة، أو غيرهما.
(قوله: وإكثار تلاوة للقرآن) أي وسن - مع التأكد - إكثار تلاوة القرآن - أي ومدارسته - بأن يقرأ على غيره، ويقرأ عليه غيره.
وإنما تأكد ذلك في رمضان لما في الصحيحين: أن جبريل كان يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه صلى الله عليه وسلم القرآن.
وحكمة العرض لأجل أن يبين الناسخ والمنسوخ.
قال سيدنا الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه الدينية: واعلموا معاشر الإخوان - جعلنا الله وإياكم من التالين لكتابة العزيز حق تلاوته، المؤمنين به، الحافظين له، المحفوظين به، المقيمين له، القائمين به - أن تلاوة القرآن العظيم من أفضل العبادات، وأعظم القربات، وأجل الطاعات، وفيها أجر عظيم، وثواب كريم.
قال الله تعالى: * (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) * (1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن.
وقال عليه الصلاة والسلام: من قرأ حرفا من كتاب الله كتبت له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها.
لا أقول ألم حرف واحد، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف.
وقال عليه الصلاة والسلام: يقول الله تعالى: من شغله ذكري وتلاوة كتابي عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.
وقال عليه الصلاة والسلام: اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه.
وقال علي كرم الله وجهه: من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأه وهو قاعد في الصلاة كان له بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأه خارج الصلاة وهو على طهارة كان
له بكل حرف خمس وعشرون حسنة، ومن قرأه وهو على غير طهارة كان له بكل حرف عشر حسنات.
واعلموا أن للتلاوة آدابا ظاهرة وباطنة، ولا يكون العبد من التالين حقيقة، الذين تزكو تلاوتهم، ويكون من الله
(1) فاطر: 29 - 30
الليل: في السحر،.
فبين العشاءين.
وقراءة الليل أولى.
وينبغي أن يكون شأن القارئ: التدبر.
قال أبو الليث
ــ
بمكان، حتى يتأدب بتلك الآداب، وكل من قصر فيها، ولم يتحقق بها لم تكمل تلاوته، ولكنه لا يخلو في تلاوته من ثواب، وله فضل على قدره - فمن أهم الآداب وآكدها: أن يكون التالي في تلاوته مخلصا لله تعالى، ومريدا بها وجهه الكريم، والتقرب إليه، والفوز بثوابه.
وأن لا يكون مرائيا، ولا متصنعا، ولا متزينا للمخلوقين، ولا طالبا بتلاوته شيئا من الحظوظ العاجلة، والأغراض الفانية الزائلة.
وأن يكون ممتلئ السر والقلب بعظمة المتكلم عز وعلا، خاضعا لجلاله، خاشع القلب والجوارح، حتى كأنه من تعظيمه وخشوعه واقفا بين يدي الله تعالى يتلو عليه كتابه الذي أمره فيه ونهاه.
وحق لمن عرف القرآن وعرف المتكلم به أن يكون كذلك، وعلى أتم من ذلك.
كيف وقد قال الله تعالى: * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) * (1)؟ فإذا كان هكذا يكون حال الجبل - مع جموده وصلابته - لو أنزل عليه القرآن، فكيف يكون حال الإنسان الضعيف المخلوق من ماء وطين؟ لولا غفلة القلوب وقسوتها، وقلة معرفتها بعظمة الله وعزته وجلاله.
اه.
(قوله: في غير نحو الحش) متعلق بإكثار.
أي سن إكثار في غير نحو الحش.
أما نحو الحش فلا يسن إكثارها فيه، ومفهومه أن أصل التلاوة تسن فيه، وليس بمراد، لما نصوا عليه من كراهة الذكر والقراءة في محل قضاء الحاجة من بول أو غائط، بل اختار بعضهم التحريم، لكن حال قضاء الحاجة.
والحش - بضم الحاء، وفتحها - محل قضاء الحاجة، ويسمى بيت الخلاء.
واختلف أهل اللغة في إطلاق الحش على ما ذكر، فقال بعضهم إنه حقيقة، وقال بعضهم أنه مجاز - كما في المصباح - وعبارته: الحش: البستان.
والفتح أكثر من الضم.
وقال أبو حاتم: يقال لبستان النخل: حش.
فقولهم بيت الحش: مجاز، لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، فلما اتخذوا الكنف وجعلوها خلفا عنها أطلقوا عليها ذلك الاسم.
وقال في مختصر العين: المحشة: الدبر.
والمحش: المخرج - أي مخرج الغائط - فيكون حقيقة.
اه.
بحذف.
وانظر: ما نحو الحش؟ ولعله المكان المتيقن نجاسته - كالمزبلة والمجزرة.
(قوله: ولو نحو طريق) غاية لغير نحو الحش: أي ولو كان ذلك الغير نحو
طريق، وعبارة فتح الجواد: ولو نحو طريق أو حمام توفر فيه التدبر.
اه.
(قوله: وأفضل الأوقات إلخ) قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في الأذكار (إعلم) أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة.
ومذهب الإمام الشافعي وآخرين - رحمهم الله تعالى - إن تطويل القيام في الصلاة بالقراءة أفضل من تطويل السجود وغيره.
وأما القراءة في غير الصلاة، فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.
وأما قراءة النهار: فأفضلها ما بعد صلاة الصبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النهي عن الصلاة.
وأما ما حكاه ابن أبي داود - رحمه الله تعالى - عن معاذ بن رفاعة - رحمه الله تعالى - عن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا إنها دراسة يهود: فغير مقبول، ولا أصل له.
ويختار من الأيام: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عرفة.
ومن الأعشار: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأخير من شهر رمضان.
ومن الشهور: رمضان.
اه.
(قوله: وقراءة الليل أولى) أي من قراءة النهار، لأن الخشوع والتدبر في قراءة الليل لا يحصلان في قراءة النهار.
(قوله: وينبغي أن يكون شأن القارئ التدبر) أي لما يقرؤه والتفهم له، حاضر القلب معه.
قال تعالى: * (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) * (2)، وقال تعالى - في معرض الإنكار والتوبيخ لأقوام - * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟) * (3) وقال علي كرم الله وجهه: لا خير في قراءة لا تدبر فيها.
وصدق رضي الله عنه، لأن القرآن إنما أنزل ليتدبر.
وبالتدبر يفهم المراد منه، ويتوصل إلى العلم به، والعمل بما فيه، وهذا هو المقصود بإنزاله وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم به.
(1) الحشر: 21.
(2)
ص: 29.
(3)
محمد: 24
في البستان: ينبغي للقارئ أن يختم القرآن في السنة مرتين - إن لم يقدر على الزيادة -.
وقال أبو حنيفة: من قرأ
ــ
قال بعض السلف رحمة الله عليهم: لأن أقرأ إذا زلزلت، والقارعة أتدبرهما وأتفهمهما، أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله.
وعن الحسن البصري أنه قال: أن من كان قبلكم رأوا هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار.
اه.
ملخصا من النصائح.
(قوله: قال أبو الليث في البستان الخ) قال النووي - رحمه الله تعالى - في الأذكار ما ملخصه: ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، وقد كانت للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه،
فكان جماعة منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثمان ليال ختمة، وآخرون في كل سبع ليال - وهذا فعل الأكثرين من السلف - وآخرون في كل ست ليال، وآخرون في أربع، وكثيرون في كل ثلاث، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم جماعة في كل يوم وليلة ختمتين، وآخرون في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وختم بعضم في اليوم والليلة ثماني ختمات: أربعا في الليل، وأربعا في النهار.
والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو فصل الحكومات بين المسلمين، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة للمسلمين، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، ولا فوات كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر - ما أمكنه - من غير خروج إلى حد الملل أو الهذرمة في القراءة.
وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها من عبد الله بن عمر وبن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث.
وأما وقت الابتداء والختم فهو إلى خيرة القارئ، فإن كان يختم في الأسبوع مرة، فقد كان عثمان رضي الله عنه يبتدئ ليلة الجمعة، ويختم ليلة الخميس.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل، وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أول النهار وآخره.
وروى ابن أبي داود عن عمرو بن مرة التابعي الجليل رضي الله عنه قال: كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل، أو من أول النهار.
وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل الإمام قال: من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح.
ثم قال - رحمه الله تعالى - ويستحب الدعاء عند الختم استحبابا متأكدا شديدا، لما روينا عن حميد الأعرج - رحمه الله تعالى - قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمن على دعائه أربعة آلاف ملك.
وينبغي أن يلح في الدعاء، وأن يدعو بالأمور المهمة، والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم
ذلك أو كله في أمور الآخرة، وأمور المسلمين، وصلاح سلطانهم، وسائر ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات، وعصمتهم من المخالفات، وتعاونهم على البر والتقوى، وقيامهم بالحق، واجتماعهم عليه، وظهورهم على أعداء الدين، وسائر المخالفين.
اه.
وقوله: ويستحب الدعاء عند الختم إلخ.
مما يحسن إيراده هنا: الدعاء الذي يدعو به شيخنا الأستاذ علامة الزمان مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان، عقب ختمه القرآن (وهو هذا): بسم الله الرحمن الرحيم.
صدق الله مولانا العظيم.
وبلغ رسوله النبي الكريم.
ونحن على ذلك من الشاهدين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشاكرين.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم، وبارك لنا بالآيات والذكر الحكيم، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وجد علينا إنك أنت الجواد الكريم، وعافنا من كل بلاء يا عظيم.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، ونور أبصارنا، وذهاب همومنا وغمومنا وأحزاننا، ومغفرة لذنوبنا، وقضاء لحوائجنا، وسائقنا وقائدنا ودليلنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم.
اللهم ارحمنا بالقرآن العظيم، واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة.
اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته على طاعتك آناء الليل وأطراف النهار، واجعله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا، مولانا رب العالمين.
اللهم فكما بلغتنا خاتمته، وعلمتنا تلاوته، وفضلتنا بدينك على جميع الأمم، وخصصتنا بكل فضل، وكرم، وجعلت هدايتنا بالنبي الطاهر النسب، الكريم الحسب، سيد العجم والعرب، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - صلى الله عليه وسلم - فنسألك اللهم ببلاغه عنك، وقربه منك، وجاهه المقبول لديك، وحقه الذي لا يخيب من توسل به إليك: أن تجعل القرآن العظيم لنا إلى كل خير قائدا، وعن كل سوء ذائدا وإلى حضرتك وجنة الخلد وافدا.
اللهم أرشدنا بحفظه، وأعذنا من نبذه ورفضه وقلاه وبغضه، ولا تجعلنا ممن يدفع بعضه ببعضه.
اللهم أعذنا به من ذميم الإسراف، ورض به نفوسنا على العدل والإنصاف، وذلل به ألسنتنا على الصدق والاعتراف، واجمعنا به على مسرة الائتلاف، واحشرنا به في زمرة أهل القناعة والعفاف.
اللهم شرف به مقامنا في محل الرحمة، واكنفنا في ظل
النعمة، وبلغنا به نهاية المراد والهمة، وبيض به وجوهنا يوم القتر والظلمة.
اللهم إنا قد دعوناك طالبين، ورجوناك راغبين، واستقلناك معترفين، غير مستنكفين، إقرارا لك بالعبودية، وإذعانا لك بالربوبية، فأنت الله الذي لا إله إلا أنت، لك ما سكن في الليل والنهار، وأنت السميع العليم.
اللهم فجد علينا بجزيل النعماء، وأسعفنا بتتابع الآلاء، وعافنا من نوازل البلاء، وقنا شماتة الأعداء، وأعذنا من درك الشقاء، وحطنا برعايتك في الصباح والمساء.
إلهنا وسيدنا ومولانا: عليك نتوكل في حاجاتنا، وإليك نتوسل في مهماتنا، لا نعرف غيرك فندعوه، ولا نؤمل سواك فنرجوه، اللهم فجد علينا بعصمة مانعة من اقتراف السيئات، ورحمة ماحية لسوالف الخطيئات، ونعمة جامعة لصنوف الخيرات، يا من لا يضل من أصحبه إرشاده، وتوفيقه، ولا يزل من توكل عليه وسلك طريقه، ولا يذل من عبده وأقام حقوقه.
اللهم فكما بلغتنا خاتمته، وعلمتنا تلاوته، فاجعلنا ممن يقف عند أوامره، ويستضئ بأنوار جواهره، ويستبصر بغوامض سرائره، ولا يتعدى نهي زواجره.
اللهم وأورد به ظمأ قلوبنا موارد تقواك، واشرع لنا به سبل مناهل جدواك، حتى نغدو خماصا من حلاوة قصدك، ونروح بطانا من لطائف رفدك.
اللهم نجنا به من موارد الهلكات، وسلمنا به من اقتحام الشبهات، وعمنا به بسحائب البركات، ولا تخلنا به من لطفك في جميع الأوقات.
اللهم جللنا به سرادق النعم، وغشنا به سرابيل العصم، وبلغنا به نهايات الهمم، واقشع به عنا غيابات النقم، ولا تخلنا به من تفضلك يا ذا الجود والكرم.
اللهم أعذنا به من مفارقة الهم ومساورة الحزن، وسلمنا به من غلبة الرجال في صم الفتن، وأعنا به على إدحاض البدع وإظهار السنن، وزينا بالعمل به في كل محل ووطن، وأجرنا به من عاداتك على كل جميل وحسن، إنك أنت العواد بغرائب الفضل وطرائف المنن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللهم اجمع به كلمة أهل دينك على القول العادل، وارفع به عنهم عزة التشاحن وذلة التخاذل، واغمد به عن سفك دمائهم سيف الباطل، وخر لنا ولجميع المسلمين في العاجل والآجل، وجملنا وإياهم في المشاهد والمحافل، وعمنا وإياهم بإنعامك السابغ وإحسانك الشامل، إنك على ما تشاء قادر ولما تحب فاعل.
اللهم وإذا انقضت من الدنيا أيامنا،
وأزف عند الموت حمامنا، وأحاطت بنا الأقدار، وشخصت إلى قدوم الملائكة الأبصار، وعلا الأنين، وعرق الجبين، وكثر الانبساط والانقباض، ودام القلق والارتماض، فاجعل اللهم ملك الموت بنا رفيقا، وبنزع نفوسنا شفيقا، يا إله الأولين والآخرين، وجامع خلقه لميقات يوم الدين، توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.
اللهم إنا نسألك ونتوسل إليك بنبيك الأمين، وبسائر الأنبياء والمرسلين، أن تنصر سلطاننا وعساكره نصرا تعز به الدين، وتذل به رقاب أعدائك الخوارج والكافرين.
اللهم وفق سائر الوزراء والأمراء والقضاء والعلماء والعمال للعدل ونصرة الدين، والعمل بالشريعة المطهرة في كل وقت وحين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم - إله الحق - واجعلنا منهم.
اللهم أهلك الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك.
اللهم شتت شملهم اللهم فرق جمعهم.
اللهم أقل حدهم.
اللهم أقل عددهم.
اللهم خالف بين كلمتهم.
اللهم اجعل الدائرة عليهم.
اللهم أرسل العذاب الأليم عليهم.
اللهم ارمهم بسهمك الصائب.
اللهم أحرقهم بشهابك الثاقب.
اللهم اجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين.
اللهم أخرجهم من دائرة الحلم واللطف واسلبهم مدد الإمهال، وغل أيديهم واربط على قلوبهم ولا تبلغهم الآمال.
اللهم لا تمكن الأعداء لا فينا ولا منا، ولا تسلطهم علينا بذنوبنا.
اللهم قنا الأسوأ ولا تجعلنا محلا للبلوى.
اللهم أعطنا أمل الرجاء وفوق الأمل، يا من بفضله لفضله، أسألك إلهي العجل العجل، الإجابة الإجابة، يا من أجاب نوحا في قومه، يا من نصر إبراهيم على أعدائه، يا من رد يوسف على يعقوب، يا من كشف ضر أيوب، يا من أجاب دعوة زكريا، يا من قبل تسبيح يونس بن متى.
نسألك اللهم بأسرار أصحاب هذه الدعوات المستجابات أن تتقبل ما به دعونا، وأن تعطينا ما سألناك، وأنجز لنا وعدك الذي وعدته لعبادك الصالحين المؤمنين.
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
اللهم إنا نسألك التوبة الكاملة، والمغفرة الشاملة، والمحبة الكاملة، والخلة الصافية، والمعرفة الواسعة، والأنوار الساطعة، والشفاعة القائمة، والحجة البالغة، والدرجة العالية، وفك وثاقنا من المعصية، ورهاننا من النقمة، بمواهب
الفضل والمنة.
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا عيبا إلا سترته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا كشفته، ولا دينا إلا قضيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا عائلا إلا أغنيته، ولا عدوا ألا خذلته وكفيته، ولا صديقا إلا رحمته وكافيته، ولا فسادا إلا أصلحته، ولا مريضا إلا عافيته، ولا غائبا إلا رددته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها، فإنك تهدي السبيل، وتجبر الكسير، وتغني الفقير، يا رب العالمين.
* (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) * (1).
* (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدينتا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) * (2).
* (ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * (3) * (ربنا
(1) البقرة: 201.
(2)
آل عمران: 8.
(3)
الاعراف: 23.
القرآن في كل سنة مرتين: فقد أدى حقه، وقال أحمد: يكره تأخير ختمة أكثر من أربعين يوما - بلا عذر - لحديث ابن عمر.
(و) إكثار عبادة و (اعتكاف) للاتباع (سيما) بتشديد الياء، وقد يخفف، والافصح جر ما بعدها،
ــ
أتمم لنا نورنا، واغفر لنا، إنك على كل شئ قدير) * (1) * (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إن ك أنت التواب الرحيم) * (2).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين.
* (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين.
والحمد لله رب العالمين) * (3).
(قوله: إكثار عبادة) أي وسن - مع التأكيد - إكثار عبادة في رمضان، وذلك لفضل أوقاته وحصول المضاعفة فيه، وكثرة الثواب وتيسير العمل بالخيرات فيه.
أما المضاعفة: فلما ورد أن النافلة في رمضان يعدل ثوابها ثواب الفريضة، والفريضة فيه بسبعين فريضة في غيره.
فمن يسمح بفوات هذا الربح، ويكسل عن اغتنام هذه التجارة التي لا تبور؟ وأما تيسير العمل بالخير فيه: فلأن النفس - الأمارة بالسوء - مسجونة بالجوع والعطش، والشياطين المثبطين عن الخير، المعوقين عنه مصفدون، لا يستطيعون الفساد، ولا يتمكنون منه.
فلم يبق بعد ذلك عن الخيرات مانع، ولا من دونها حاجز، إلا لمن غلب عليه الشقاء، واستولى عليه الخذلان - والعياذ بالله تعالى -.
(فائدة) روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان، فقال:
أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك فيه ليلة القدر، خير من ألف شهر جعل الله تعالى صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة.
وهو شهر المواساة، وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان له عتق رقبة ومغفرة لذنوبه.
قلنا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم.
قال: يعطي الله هذا الثواب من يفطر صائما على مذقة لبن، أو شربة ماء، أو تمرة.
ومن أشبع صائما كان له مغفرة لذنوبه، وسقاه ربه من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبدا، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ.
وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
ومن خفف عن مملوكه فيه أعتقه الله من النار.
فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما - أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه.
وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما: تسألون ربكم الجنة، تتعوذون به من النار.
(إخواني) هذه بشارة للصوام في شهر رمضان، إذا حموا نفوسهم من الزلل والعصيان، وأخلصوا صيامهم للواحد المنان، فكيف حال المفرط الذي يصوم ويأكل لحوم الإخوان؟ ويصلي وجسمه في مكان وقلبه في مكان؟ ويذكر الله بلسانه وقلبه مشغول بذكر فلان وفلان؟ فيا من أصبح إلى ما يضره متقدما، وأمسى بناء أمله بكف أجله متهدما: ستعلم من يأتي غدا حزينا متندما، ويبكي على تفريطه في شهره بدل الدموع دما أتراك أيها الصائم - أعددت عدة حازم لقبرك؟ أم حصلت عملا ينجيك في حشرك؟ أم حفظت حدود صومك في شهرك؟ أم هتكت حرمة الحمى؟ - كم من صوم فسد فلم يسقط به الفرض؟ وكم من صائم يفضحه الحساب يوم العرض؟ وكم من عاص في هذا الشهر تستغيث منه الأرض وتشكو من أعماله السماء؟ فيا ليت شعري من المقبول ومن المطرود؟ ومن المقرب ومن المبعد المذود؟ ومن الشقي ومن المسعود؟ لقد عاد الأمر مبهما تالله لقد سعد في هذا الشهر بحراسة أيامه من كف جوارحه عن كسب آثامه، ولقد خاب من لم ينله من صيامه إلا الجوع والظمأ.
وما أحسن قول بعضهم فيه: شهر الصيام: لقد علوت مكرما، * * وغدوت من بين الشهور معظما
(1) التحريم: 8.
(2)
البقرة: 127 - 128.
(3)
الصافات: 180 - 181 - 182
وتقديم لا عليها.
وما زائدة وهي دالة على أن ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها (عشر آخره) فيتأكد له إكثار الثلاثة المذكورة للاتباع - ويسن أن يمكث معتكفا إلى صلاة العيد، وأن يعتكف قبل دخول العشر، ويتأكد إكثار العبادات المذكورة فيه رجاء مصادفة ليلة القدر، أي الحكم والفصل - أو الشرف، والعمل فيها خير من العمل
ــ
يا صائمي رمضان هذا شهركم * * فيه أبا حكم المهيمن مغنما يا فوز من فيه أطاع إلهه * * متقربا، متجنبا، ما حرما فالويل كل الويل للعاصي الذي * * في شهره أكل الحرام وأجرما فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا ممن حافظ على حدود صيام رمضان، ففاز بالفردوس والجنان، والقصور والحور العين الحسان، بجاه سيد ولد عدنان - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله في كل آن.
آمين.
(قوله: واعتكاف) أي وسن - مع التأكيد - إكثار اعتكاف.
(قوله: للاتباع) هو ما رواه ابن ماجه والبيهقي، عن ابن عباس: المعتكف يعكف الذنوب، ويجرى له من الأجر كأجر عامل الحسنات كلها.
وما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله.
ثم اعتكف أزواجه من بعده، لأنه أقرب لصون النفس عن ارتكاب ما لا يليق.
(قوله: سيما إلخ) السي: المثل.
(وقوله: والأفصح جر ما بعدها) أي على الإضافة، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، ونصبه على التشبيه بالمفعول به، أو على أنه مفعول لمحذوف، وقيل على التمييز، لكن إذا كان نكرة.
(وقوله: وتقديم لا عليها) أي والأفصح تقديم لا النافية للجنس، واسمها سي، وخبرها محذوف.
(قوله: وما: زائدة) وقيل موصولة، والاسم الذي بعدها مرفوع على أنه خبر محذوف، والجملة صلة.
(قوله: وهي دالة إلخ) أي فيقال هنا العشر الأواخر أولى بالثلاثة من غيرها، ولا يستثنى بها - على الأصح.
(قوله: عشر آخره) يقرأ لفظ عشر بالجر على أنه مضاف إليه على الأفصح، ويجوز رفعه ونصبه.
(قوله: فيتأكد له) أي في العشر الأخير.
(وقوله: إكثار الثلاثة) - هي: الصدقة، والتلاوة، والاعتكاف.
(قوله: للاتباع) هو ما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها.
وما صح أنه عليه السلام: كان إذا دخل العشر الأخير أحيا الليل كله وأيقظ أهله، وشد المئزر وهو كناية عن التهيؤ للعبادة، والإقبال عليها بهمة ونشاط.
(قوله: ويتأكد إكثار الخ) مكرر مع قوله أول، فيتأكد له إكثار إلخ، فالأولى إسقاطه، ويكون قوله رجاء الخ علة لقوله ويسن أن يمكث معتكفا.
(قوله: رجاء مصادفة ليلة القدر) أي طلبا لإدراكها.
(قوله: أي الحكم) تفسير للقدر، فالمراد من ليلة القدر: ليلة الحكم.
وفي حاشية الجمل على الجلالين، وفي القرطبي، قال مجاهد في ليلة الحكم: وما أدراك ما ليلة القدر؟ قال: ليلة الحكم.
والمعنى ليلة التقدير، سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر
الموت، والأجل، والرزق، وغير ذلك، ويسلمه إلى مدبرات الأمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبرائيل عليهم السلام.
اه.
تحفة.
وفي تحفة الإخوان للفشني: ومعنى أن الله تعالى يقدر الآجال والأرزاق: أنه يظهر ذلك للملائكة، ويأمرهم بفعل ما هو من سعتهم وضيقهم بأن يكتب لهم ما قدره في تلك السنة، ويعرفهم إياه.
وليس المراد منه أنه يحدثه في تلك الليلة، لأن الله تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض.
وقيل للحسين بن الفضيل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: بلى قيل له: فما معنى ليلة القدر؟ قال سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر.
اه.
(قوله: والفصل) بالصاد المهملة، وما يوجد في غالب النسخ من أنه بالضاد المعجمة تحريف من النساخ، وهو بمعنى الحكم، فعطفه عليه مرادف.
(قوله: أو الشرف) عطف على الحكم وهو غيره، فهو تفسير آخر للقدر.
فمعنى ليلة القدر: ليلة الشرف.
وسميت تلك الليلة بذلك لعظمها، وشرفها، وقدرها - من قولهم: لفلان قدر: أي شرف ومنزلة.
في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي منحصرة عندنا فيه، فأرجاها: أو تاره، وأرجى أوتاره عند الشافعي: ليلة الحادي أو الثالث والعشرين، واختار النووي - وغيره - انتقالها.
وهي أفضل ليالي السنة، وصح: من قام ليلة
ــ
قاله الأزهري وغيره.
ثم إن شرفها يحتمل أن يكون راجعا للفاعل فيها على معنى أن من أتى فيها بالطاعة صار ذا قدر وشرف، ويحتمل أن يرجع إلى نفس العمل.
(قوله: والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر) هذا من جملة التعليل، بل هو محطة.
أي وإنما تأكد إكثار العبادات فيه رجاء مصادفة ليلة القدر، التي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر فتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك وتمنى ذلك لأمته، فقال: يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا، وأقلها أعمالا فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر.
وقيل إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له عابد حتى يعبد الله تعالى ألف شهر، فأعطوا ليلة إن إحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد.
وما أحسن قول بعضهم: هي ليلة القدر التي شرفت على * * كل الشهور وسائر الأعوام
من قامها يمحو الإله بفضله * * عنه الذنوب وسائر الآثام فيها تجلى الحق جل جلاله * * وقضى القضاء وسائر الأحكام فادعوه واطلب فضله تعط المنى * * وتجاب بالإنعام والإكرام فالله يرزقنا القبول بفضله * * ويجود بالغفران للصوام ويذيقنا فيها حلاوة عفوه * * ويميتنا حقا على الإسلام (قوله: ليس فيها ليلة القدر) الجملة صفة لألف شهر، أي ألف شهر موصوفة بكونها ليس فيها ليلة القدر، وإنما قيد به ليصح ما ذكره، وإلا بأن دخلت ليلة القدر في ألف الشهر: لزم تفضيل الشئ على نفسه بمراتب.
قال ق ل: ظاهر كلامهم أن ألف الشهر كاملة، وأنها تبدل ليلة القدر بليلة غيرها، ويحتمل نقصها منها.
ولعل المراد بالشهور: العربية، لأنها المنصرف إليها الاسم شرعا وعرفا.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وهي منحصرة إلخ) كالعلة للعلة السابقة.
(وقوله: عندنا) أي معاشر الشافعية - أي جمهورهم، وهو الأصح - وعلى مقابله قيل إنها ليلة تسع عشرة، وقيل سبع عشرة، وقيل ليلة النصف، وقيل جمع رمضان.
وادعى المحاملي أنه المذهب، وصح فيه حديث.
وقيل جميع السنة - وعليه جماعة - وقيل غير ذلك.
اه.
كردي، نقلا عن الإيعاب.
(وقوله: فيه) أي في العشر الأخير لا تنتقل منه إلى غيره، وتلزم ليلة منه بعينها في المذهب.
قال البجيرمي: ومعناه أنها إذا كانت في الواقع ليلة حادي وعشرين مثلا تكون كل عام كذلك، لا تنتقل عن هذه الليلة، فمن عرفها في سنة عرفها فيما بعدها.
اه.
(قوله: فأرجاها: أوتاره) أي أقرب الأوقات لليلة القدر من العشر الأخير: أوتاره، وهي الحادي والعشرون، والثالث والعشرون، والخامس والعشرون، وهكذا.
(وقوله: وأرجى أوتاره) أي العشر.
(قوله: واختار النووي وغيره انتقالها) أي من ليلة من العشر إلى ليلة أخرى منه.
وإنما اختار ذلك جمعا بين الأخبار المتعارضة في محلها.
قال الكردي: وكلام الشافعي رضي الله عنه في الجمع بين الأخبار يقتضيه، وعليه قال الغزالي وغيره إنها تعلم فيه باليوم الأول من الشهر، فإن كان أوله يوم الأحد أو يوم الأربعاء: فهي ليلة تسع وعشرين.
أو يوم الاثنين: فهي ليلة إحدى وعشرين.
أو يوم الثلاثاء أو الجمعة: فهي ليلة سبع وعشرين.
أو الخميس: فهي ليلة خمس وعشرين.
أو يوم السبت: فهي ليلة ثلاث وعشرين.
قال الشيخ أبو الحسن: ومنذ بلغت سن
القدر إيمانا - أي تصديقا بأنها حق وطاعة - واحتسابا - أي طلبا لرضا الله تعالى وثوابه - غفر له ما تقدم من ذنبه وفي رواية: وما تأخر.
وروى البيهقي خبر من صلى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان:
ــ
الرجال ما فاتتني ليلة القدر بهذه القاعدة المذكورة.
قال الشهاب القليوبي في حاشيته على المحلى شرح المنهاج، وقد
نظمتها بقولي: يا سائلي عن ليلة القدر التي * * في عشر رمضان الأخير حلت فإنها في مفردات العشر * * تعرف من يوم ابتداء الشهر فبالأحد والأربعاء: التاسعة، * * وجمعة مع الثلاثا: السابعه وإن بدا الخميس: فالخامسة، * * وإن بدا بالسبت: فالثالثة وإن بدا الاثنين فهي الحادي * * - هذا عن الصوفية الزهاد وقد رأيت قاعدة أخرى تخالف هذه، وقد نظمت فلا حاجة لنا في الإطالة بها.
اه.
قوله وقد رأيت قاعدة أخرى: وقد نظمها بعضهم بقوله: وإنا جميعا إن نصم يوم جمعة * * ففي تاسع العشرين خذ ليلة القدر وإن كان يوم السبت أول صومنا * * فحادي وعشرين اعتمده بلا عذر وإن هل يوم الصوم في أحد فذا * * بسابعة العشرين ما رمت فاستقر وإن هل بالاثنين فاعلم بأنه * * يوافيك نيل الوصل في تاسع العشري ويوم الثلاثا إن بدا الشهر فاعتمد * * على خامس العشرين تحظى بها فادر وفي الأربعا إن هل - يا من يرومها - * * فدونك فاطلب وصلها سابع العشري ويوم الخميس إن بد الشهر فاجتهد * * توافيك بعد العشر في ليلة الوتر وفي التحفة ما نصه: وحكمة إبهامها في العشر: إحياء جميع لياليه، وهي من خصائصنا، وباقية إلى يوم القيامة، والتي يفرق فيها كل أمر حكيم.
وشذ وأغرب من زعمها ليلة النصف من شعبان، وعلامتها أنها معتدلة، وأن الشمس تطلع صبيحتها، وليس لها كثير شعاع، لعظيم أنوار الملائكة الصاعدين والنازلين فيها، وفائدة ذلك معرفة يومها: إذ يسن الاجتهاد فيه - كليلتها.
اه.
(قوله: وهي) أي ليلة القدر.
(وقوله: أفضل ليالي السنة) لما مر من أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وللحديث الذي ذكره بقوله: وصح الخ.
(قوله: من قام إلخ)(فإن قلت) لفظ قام ليلة القدر، هل يقتضي قيام تمام الليلة،
أو يكفي أقل ما ينطلق عليه اسم القيام فيها؟ (قلت) يكفي الأقل، وعليه بعض الأئمة، حتى قيل بكفاية أداء فرض العشاء في دخوله تحت القيام فيها، لكن الظاهر منه عرفا أنه لا يقال قام الليلة إلا إذا قام كلها أو أكثرها.
(فإن قلت) ما معنى القيام فيها: إذ ظاهره غير مراد قطعا؟ (قلت) القيام الطاعة فإنه معهود من قوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) * (1) وهو حقيقة شرعية، فيه.
كرماني على البخاري.
اه بجيرمي.
(وقوله: إيمانا) هو وما بعده منصوبان على المفعول لأجله، أو التمييز، أو الحال بتأويل المصدر باسم الفاعل.
(وقوله: أي تصديقا) تفسير لإيمانا، وقوله بأنها: أي ليلة القدر.
(قوله: واحتسابا) معطوف على إيمانا.
(قوله: أي طلبا الخ) تفسير مراد لاحتسابا.
(قوله: غفر له الخ) جواب من.
والنكتة في وقوعه ماضيا مع أن الغفران واقع في المستقبل أنه متيقن الوقوع، فضلا من الله تعالى على عباده.
(وقوله: ما تقدم من ذنبه) أي من الصغائر، أو الأعم، دون التبعات، وهي حقوق الآدميين، أما هي: فلا يكفرها إلا الاستحلال من مستحقها
(1) البقرة: 238
فقد أخذ من ليلة القدر بحظ وافر.
وروى أيضا: من شهد العشاء الاخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر.
وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان.
(تتمة) يسن اعتكاف كل وقت، وهو لبث فوق قدر طمأنينة الصلاة، ولو مترددا في مسجد أو رحبته التي لم
ــ
إن كان موجودا أهلا للاستحلال منها، فإن لم يكن أهلا، أو لم يكن موجودا، فوارثه.
(قوله: وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان) أي من زعم أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شعبان: فقد شذ، أي خالف الجماعة الثقات.
(قوله: تتمة) أي في بيان حكم الاعتكاف.
وقد أفرده الفقهاء بكتاب مستقل.
وذكره عقب الصوم لمناسبته له من حيث إن المقصود من كل منهما واحد، وهو كف النفس عن شهواتها، ومن حيث أن الذي يبطل الصوم قد يبطل الاعتكاف، ولأنه يسن للمعتكف الصيام.
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * وخبر الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوسط من رمضان، ثم اعتكف العشر الأواخر ولازمه حتى توفاه الله تعالى.
ثم اعتكف أزواجه من بعده.
وأركانه أربعة: لبث، ونية، ومعتكف، ومعتكف فيه.
ويشترط لها شروط.
فشرط اللبث: أن يكون فوق قدر طمأنينة الصلاة، فلا يكفي لبث أقل ما يجزئ من طمأنينة الصلاة كمجرد العبور، لأن كلا منهما لا يسمى اعتكافا.
وشرط النية: المقارنة للبث - كما في الصلاة وغيرها - والتعرض للفرضية إن كان منذورا ليتميز عن النفل، فيقول: نويت فرض الاعتكاف، أو: الاعتكاف المنذور.
ويقع جميعه فرضا، وإن طال مكثه، ونوزع فيه بأن ما يمكن تجزؤه يقع أقل ما
ينطلق عليه الاسم فرضا والباقي نفلا - كالركوع ومسح الرأس - فمقتضاه أن يكون هنا كذلك.
وفرق ع ش: بأن القاعدة المذكورة فيما له أقل وأكمل كالركوع، وأما الاعتكاف فلم يجعلوا له إلا أقل.
اه.
وفرق غيره أيضا بأنا لو قلنا أنه لا يقع جميعه فرضا لاحتاج الزائد إلى نية، ولم يقولوا به، وبخلاف الركوع ومسح الرأس.
وشرط المعتكف الإسلام والتمييز والخلو من الموانع.
فلا يصح من كافر، لتوقفه على النية، وهو ليس من أهلها.
ولا من صبي غير مميز، ومجنون، ومغمى عليه، وسكران - إذ لا نية لهم - ولا من جنب، وحائض، ونفساء، لحرمة مكثهم في المسجد.
وشرط المعتكف فيه أن يكون كله مسجدا، سواء سطحه ورحبته المعدودة منه وصحته، فلا يصح في غيره، ولا فيما وقف جزؤه شائعا مسجدا.
وجميع ما ذكر يعلم من تعريفه الآتي: (قوله: يسن اعتكاف) وقد يجب بالنذر، ويحرم على الزوجة والرقيق بلا إذن من الزوج أو السيد - مع الصحة - ويكره لذات الهيئة - مع الإذن - فتعتريه الأحكام، ما عدا الإباحة.
(وقوله: كل وقت) أي حتى أوقات الكراهة، وإن تحراها.
ع ش: وتقدم أنه في العشر الأخير من رمضان أفضل - للاتباع.
(قوله: وهو لبث إلخ) هذا معناه شرعا، وأما لغة: فهو اللبث والحبس والملازمة على الشئ، وإن كان شرا.
قال تعالى: * (يعكفون على أصنام لهم) * والمراد من اللبث هنا ما يشمل التردد - بدليل الغاية بعده.
(قوله: فوق قدر طمأنينة الصلاة) أي ولو بيسير.
واحترز به عما إذا لم يكن اللبث كذلك، فلا يكفي - كما علمت.
(قوله: ولو مترددا) أي ولو كان اللابث مترددا في المسجد غير ساكن فيه، فلا يشترط السكون والاستقرار فيه، بل الشرط إما السكون أو والتردد، بخلاف مجرد العبور، فلا يكفي - كما تقدم -.
وفي البجيرمي ما نصه: قال المناوي في أحكام المساجد: ويندب للمار أن ينويه أي الاعتكاف ويقف وقفة تزيد على أقل طمأنينة الصلاة، فإن نواه ولم يقف، أو وقف قدرها، أو دونها لم يصح على الأصح.
اه.
(1) البقرة: 187.
(2)
الاعراف: 138
يتيقن حدوثها بعده، وأنها غير مسجد بنية اعتكاف.
ولو خرج - ولو لخلاء - من لم يقدر الاعتكاف - المندوب أو
ــ
في حاشية السيد الرحماني على التحرير: قال شيخنا ولا بد من إيقاعها حال الاستقرار، فلا يكفي حال المرور حتى يستقر.
اه.
وفي حاشية الكردي نقلا عن ابن حجر في حاشيته على فتح الجواد، ما نصه: هل هو أي التردد اسم للذهاب مع العود، أو لابتداء العود المسبوق بالذهاب؟ والفرق بين هذين أن الأول يجعل مسماه مركبا من الأمرين.
والثاني: يجعله اسما للثاني المسبوق بالأول، فهو شرط لقسيمه الثاني، لا أنه من المسمى.
ويترتب على ذلك أن قولهم الاعتكاف يحصل بالتردد مرادهم به أنه إذا دخل المسجد قاصدا العود نوى من حينئذ على الأول، ومن حين الأخذ في العود على الثاني، فإن دخل لا بنية عود بل طرأ له العود عند وصوله لبابه الثاني مثلا فهل يسمى أخذه الآن في العود ترددا، فتكفي النية حينئذ أو لا يتصور هنا تردد لأنه لم ينو العود أولا، وإنما طرأ له في الأثناء، فكان العود كإنشاء دخول آخر، فلا تردد كل محتمل.
الخ.
اه.
(قوله: في مسجد) متعلق بلبث، ويشترط فيه زيادة على ما مر أن لا تكون أرضه محتكرة.
قال في التحفة: أما ما أرضه محتكرة فلا يصح فيه إلا إن بنى فيه مسطبة أو بلطه، ووقف ذلك مسجدا، لقولهم: يصح وقف السفل دون العلو.
وعكسه، وهذا منه: اه.
وكتب سم: قوله: أو بلطه: أي أو سمر فيه دكة من خشب أو نحو سجادة.
م ر.
اه.
وقوله: أو سمر: التسمير قيد، لأنه به يصير مثبتا، فهو في حكم وقف العلو دون السفل، أما إذا لم يسمر فلا يصح وقفه مسجدا.
وفي النهاية في باب الوقف: أما جعل المنقول مسجدا كفرش وثياب فموضع توقف، لأنه لم ينقل عن السلف مثله.
وكتب الأصحاب ساكتة عن تنصيص بجواز أو منع، وإن فهم من إطلاقهم الجواز، فالأحوط المنع كما جرى عليه بعد شرح الحاوي وما نسب للشيخ من إفتائه بالجواز لم يثبت عنه.
اه.
واعلم أن الجامع وهو ما تقام فيه الجمعة والجماعة أولى بالاعتكاف فيه من غيره، للخروج من خلاف من أوجبه، ولكثرة الجماعة فيه، وللاستغناء عن الخروج للجمعة، وقد يجب الاعتكاف فيه إن نذر مدة متتابعة تتخللها جمعة وهو من أهلها.
ولم يشترط الخروج لها، لأن الخروج لها بلا شرط يقطع التتابع، لتقصيره بعدم شرطه، مع علمه بمجئ الجمعة.
وإذا عين المسجد الحرام في نذره الاعتكاف، تعين، فلا يقوم غيره مقامه.
لتعلق النسك به، وزيادة فضله، والمضاعفة فيه.
وكذا مسجد المدينة، ومسجد الأقصى إذا عينهما الناذر في نذره، تعينا، ولا يجزئ غيرهما، ويقوم المسجد الحرام مقامهما، ولا عكس، لأنهما دونه في الفضل، ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى، لأنه أفضل منه، ولا عكس - لما سبق.
(قوله: أو رحبته) أي أو في رحبة المسجد.
(وقوله: التي لم يتيقن إلخ) فإن تيقن حدوثها بعده مع كونها غير
مسجد فلا يصح الاعتكاف فيها.
ولنا كلام في نظير هذه العبارة سبق في مبحث الجماعة، فارجع إليه إن شئت.
وعبارة غيره ورحبته المعدودة منه.
وكتب عليها ع ش ما نصه: قوله المعدودة منه صفة كاشفة، ويحتمل أن المراد المتصلة به، فإن خرج إلى رحبته المنفصلة عنه انقطع اعتكافه - أخذا مما سيأتي في خروج المؤذن الراتب إلى منارة بابها فيه أو في رحبته المتصلة به، فإن مفهومه أن المنفصلة عنه ينقطع تتابعه بالخروج إلى المنارة التي بابها بالمنفصلة.
اه.
(قوله: بنية اعتكاف) متعلق بلبث.
وتقدم ما يشترط فيها، فلا تغفل.
(قوله: ولو خرج إلخ) حاصل الكلام على ذلك أنه إذا أطلق الاعتكاف بأن لم يقيده بمدة، منذورا كان أو مندوبا كأن قال في الأول: لله علي أن أعتكف، وفي الثاني: نويت الاعتكاف، ثم خرج من المسجد بلا عزم على العود عند خروجه لزمه استئناف نية الاعتكاف إذا أراد مطلقا، سواء خرج لقضاء حاجة أم لا، لأن ما مضى عبادة تامة، وهو يريد اعتكافا جديدا.
فإن خرج عازما على العود لم يلزمه استئنافها، لأن عزمه حينئذ قائم مقام النية.
وإذا لم يطلقه بأن قيده بمدة، كيوم أو شهر، ولم يشترط فيها التتابع منذورا
المنذور - بمدة بلا عزم عود جدد النية وجوبا - إن أراده -.
وكذا إذا عاد بعد الخروج لغير نحو خلاء من قيده بها، كيوم.
فلو خرج عازما لعود فعاد لم يجب تجديد النية.
ولا يضر الخروج في اعتكاف نوى تتابعه، كأن نوى
ــ
كان أو مندوبا أيضا كأن قال في الأول: لله علي أن أعتكف شهرا، وفي الثاني: نويت الاعتكاف شهرا، ثم خرج من المسجد في تلك المدة وعاد إليه، فإن كان خروجه لغير قضاء حاجة من بول أو غائط، لزمه استئناف نية الاعتكاف أيضا إن أراده، ما لم يعزم على العود عند خروجه، وإلا فلا يلزمه كما في سابقه وإن كان خروجه لقضاء الحاجة لم يلزمه استئنافها، وإن طال زمن قضاء الحاجة لأنه لا بد منه، فهو كالمستثنى عند النية.
وإذا شرط التتابع في مدته - منذورا كان أو مندوبا كأن قال في الأول: لله علي أن أعتكف شهرا متتابعا، وفي الثاني: نويت الاعتكاف شهرا متتابعا، ثم خرج لعذر لا يقطع التتابع - كقضاء حاجة، وحيض لا تخلو المدة عنه غالبا - ثم عاد إليه لم ينقطع اعتكافه، فلا يلزمه استئناف النية عند العود، لشمولها جميع المدة.
وتجب المبادرة إلى العود عند زوال العذر، فإن أخر ذاكرا، عالما مختارا، انقطع تتابعه، وتعذر البناء على ما مضى.
وإن خرج لعذر يقطع التتابع - كعيادة مريض، وزيارة قادم انقطع اعتكافه ووجب استئنافه إذا كان منذورا، ولا يجب إذا كان مندوبا.
(قوله: ولو لخلاء) أي ولو كان خروجه لخلاء أي يقضي فيه حاجته.
ويحتمل أن يكون كناية عن نفس قضائها.
(قوله: من لم يقدر) فاعل خرج.
ويقدر يقرأ بضم الأول وكسر الدال المشددة، بمعنى يخصص.
(وقوله: المندوب) صفة للاعتكاف.
(وقوله: أو المنذور) معطوف على المندوب.
(وقوله: بمدة) متعلق بيقدر.
(وقوله: بلا عزم عود) متعلق بخرج - وسيذكر محترزه.
(قوله: جدد النية)
جواب لو.
(قوله: إن أراده) أي الاعتكاف.
(قوله: وكذا عاد الخ) أي وكذلك يجدد النية إذا أراده من قيد الاعتكاف بمدة ولم يعزم على العود عند الخروج، سواء كان تطوعا أو نذرا كما علمت (وقوله: لغير نحو خلاء) متعلق بالخروج.
فإن خرج لنحو الخلاء لا يلزمه تجديد النية.
وانظر ما نحو الخلاء؟ ويمكن أن يكون المراد به: محل قضاء الحاجة غير المعد لها.
لكن هذا إن خصص الخلاء بالمعد له.
وعبارة الإرشاد فيها إسقاط لفظ نحو، وهو الأولى.
(قوله: من قيده) فاعل عاد.
(وقوله: بها) أي بمدة.
(وقوله: كيوم) تمثيل للمدة.
(قوله: فلو خرج الخ) محترز قوله بلا عزم عود في الصورتين: صورة من لم يقدر الاعتكاف بمدة، وصورة من قدره بها، والأولى هي ما قبل، وكذا الثانية هي ما بعده.
(قوله: لم يجب تجديد النية) أي لأن عزمه على العود قائم مقام النية كما مر.
قال في المغنى: (فإن قيل) اقتران النية بأول العبادة شرط، فكيف يكتفي بعزيمة سابقة؟ أجيب بأن نية الزيادة وجدت قبل الخروج، فصار كمن نوى المدتين بنية واحدة.
كما قالوه فيمن نوى ركعتين نفلا مطلقا، ثم نوى قبل السلام زيادة، فإنه يصح.
اه.
وقوله: المدتين: أي مدة ما قبل الخروج، ومدة ما بعد العود.
(قوله: ولا يضر الخروج في اعتكاف نوى تتابعه) أي لا يقطع الخروج لهذه الأعذار تتابع الاعتكاف منذورا كان أو مندوبا ومع عدم الضرر: يجب في المنذور قضاء زمن خروجه إلا زمن نحو تبرز، مما لم يطل زمنه عادة كالأكل فلا يجب قضاؤه، لأنه لا بد منه، فكأنه مستثنى، بخلاف ما يطول زمنه عادة كمرض، وحيض.
(وقوله: نوى تتابعه) يفيد أن نية التتابع توجب التتابع، وهو ما اعتمده جمع متأخرون، وأطالوا في الاستدلال له.
والذي صححه الشيخان عدم وجوبه بالنية، فلا يجب عندهما، إلا أن صرح به لفظا كأن قال شهرا متتابعا لأنه وصف مقصود.
وعبارة التحفة مع الأصل: والصحيح أنه لا يجب التتابع بلا شرط، وإن نواه، لأن مطلق الزمن كأسبوع، أو عشرة أيام صادق بالمتفرق أيضا.
اه.
وفي الكردي: ولو عين مدة كهذا الأسبوع، أو هذه السنة وتعرض للتتابع فيها لفظا وفاته، لزمه التتابع في
اعتكاف أسبوع، أو شهر متتابع، وخرج لقضاء حاجة - ولو بلا شدتها - وغسل جنابة، وإزالة نجس وإن أمكنهما في المسجد، لانه أصون لمروءته ولحرمة المسجد، أكل طعام، لانه يستحيا منه في المسجد، وله الوضوء بعد قضاء الحاجة تبعا له.
لا الخروج له قصدا، ولا لغسل مسنون، ولا يضر بعد موضعها، إلا أن يكون لذلك موضع أقرب منه، أو يفحش البعد، فيضر، ما لم يكن الاقرب غير لائق به، ولا يكلف المشي على غير سجيته،
ــ
القضاء.
وإن لم يتعرض للتتابع لفظا، لم يلزمه في القضاء.
ولو نذر اعتكاف شهر، دخلت الليالي مع الأيام.
أو ثلاثين يوما لم تدخل الليالي على الأصح.
اه.
(قوله: كأن نوى اعتكاف إلخ) أي وكأن قال: لله علي اعتكاف أسبوع أو شهر متتابع.
ثم عند دخول المسجد نوى اعتكاف المنذور.
(قوله: وخرج) لا حاجة إليه بعد قوله الخروج، فالصواب حذفه، ويكون قوله بعد لقضاء حاجة متعلقا بقوله الخروج، أي ولا يضر الخروج لقضاء حاجة.
والمراد بالحاجة: البول والغائط.
(قوله: ولو بلا شدتها) أي الحاجة.
وهو غاية لعدم ضرر الخروج للحاجة، فلا تشترط شدتها.
وعبارة الروض وشرحه: ولو بلا شدتها، ولو كثر خروجه لقضائها لعارض، نظرا إلى جنسه، ولكثرة اتفاقه.
اه.
(قوله: وغسل جنابة) هو وما بعده معطوف على قضاء حاجة، أي ولا يضر الخروج في ذلك لأجل غسل جنابة وإزالة نجس.
(قوله: وإن أمكنهما) فاعل الفعل ضمير مستتر يعود على المعتكف، والضمير البارز يعود على غسل الجنابة وإزالة النجس، وهذا خلاف القياس.
والقياس العكس، بأن يجعل الضمير العائد إليه مفعولا، والعائد إليهما مرفوعا، بأن يقول: وإن أمكناه، وذلك لأن علامة الفاعل أن يصلح أن يحل في محله ضمير المتكلم المرفوع، وعلامة المفعول أن يصلح أن يحل في محله ضمير المتكلم المنصوب، وهنا لا يصلح أن تقول أمكنت إياهما، ويصلح أن تقول أمكنني هما كما قالوه في أمكن المسافر السفر، من أن المسافر منصوب، والسفر مرفوع، لصحة قولك أمكنني السفر، دون أمكنت السفر انظر الأشموني في آخر باب الفاعل - ثم أن ما ذكر غاية لعدم ضرر الخروج لغسل الجنابة وإزالة النجاسة، وإذا أمكناه في المسجد فله فعلهما فيه كأن يكون في المسجد بركة يغطس فيها، وإناء يغسل النجاسة فيه ثم يقذفه خارجه.
فإن قلت كيف يتصور الغسل من الجنابة في المسجد، مع أنه يحرم عليه المكث فيه؟ قلت يصور ذلك في بركة يغطس فيها وهو ماش أو عائم، أو يكون عاجزا عن الخروج.
(قوله: لأنه أصون الخ) علة لعدم ضرر الخروج لذلك مع إمكانه في المسجد، أي وإنما لم يضر الخروج لذلك، لأن الخروج أحفظ لمروءته، وأحفظ لحرمة المسجد.
وعبارة الإرشاد مع فتح الجواد: وله الخروج له - أي للغسل الواجب من حدث أو خبث، وإن أمكنه فيه، لأنه أصون لمروءته، ولحرمة المسجد.
اه.
(قوله: وأكل طعام) عطف على قضاء حاجة.
أي ولا يضر الخروج في ذلك لأجل أكل طعام.
وخرج بالأكل الشرب إذا وجد الماء في المسجد فلا يخرج لأجله، إذ لا يستحيا منه فيه.
(قوله: لأنه يستحيا منه) أي الأكل.
قال في شرح الروض: ويؤخذ من العلة أن الكلام في مسجد مطروق، بخلاف المختص، والمهجور، وبه صرح الأذرعي.
اه.
(قوله: وله الوضوء) أي يجوز الوضوء له خارج المسجد.
قال الكردي: وقيد في الإيعاب الوضوء بكونه واجبا.
وقال في النهاية: واجبا كان أو مندوبا.
(وقوله: تبعا له) أي لقضاء الحاجة.
(قوله: لا الخروج له قصدا) أي لا يجوز له الخروج للوضوء استقلالا،
بمعنى أنه ينقطع به التتابع.
نعم، إن تعذر في المسجد: جاز.
قال ش ق: ويؤخذ من ذلك أن الوضوء في المسجد جائز، وإن تقاطر فيه ماؤه، لأنه غير مقصود، فلا يحرم، ولا يكره.
ولا يشكل بطرح الماء المستعمل فيه، فإنه قيل بحرمته، وقيل بكراهته وهو المعتمد حيث لا تقذير، لأن طرح ذلك مقصود، بخلاف المتقاطر من أعضاء الوضوء.
اه.
(قوله: ولا لغسل مسنون) أي ولا يجوز الخروج لغسل مسنون.
(قوله: ولا يضر) أي لا يقطع تتابع الاعتكاف.
(وقوله: بعد موضعها) أي موضع قضاء الحاجة، وغسل الجنابة، وإزالة النجاسة، وأكل الطعام.
فالضمير يعود على الأربعة المذكورة.
(قوله: إلا إن يكون لذلك) أي المعتكف الذي أراد الخروج لقضاء الحاجة وما عطف عليه.
(وقوله: موضع أقرب منه) أي من الموضع الذي قضى فيه الحاجة، أو اغتسل، أو أزال النجاسة، أو أكل.
(قوله: أو يفحش
وله صلاة على جنازة إن لم ينتظر.
ويخرج جوازا في إعتكاف متتابع لما استثناه من غرض دنيوي: - كلقاء أمير - أو أخروي - كوضوء، وغسل مسنون، وعيادة مريض، وتعزية مصاب، وزيارة قادم من سفر - ويبطل بجماع -
ــ
البعد) أي أو لم يكن له موضع أقرب منه، ولكن فحش بعد الموضع الذي فعل فيه ما ذكر، وهكذا يفيد صنيعه.
وفيه أنه إذا لم يكن له موضع أقرب.
فعل ذلك في الأبعد، ولا يضر وعبارة ابن حجر على بأفضل، تدل على أنه مع فحش البعد له موضع أقرب منه.
ونصها: وإذا خرج لداره لقضاء الحاجة أو الأكل، فإن تفاحش بعدها عن المسجد عرفا، وفي طريقه مكان أقرب منه لائق به - وإن كان لصديقه - أو كان له دار إن لم يتفاحش بعدهما وأحدهما أقرب، تعين الأقرب في الصورتين، وإلا انقطع تتابعه.
اه.
وضابط الفحش: أن يذهب أكثر الوقت المنذور في الذهاب إلى الدار - كأن يكون وقت الاعتكاف يوما، فيذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه.
(قوله: ما لم يكن الأقرب غير لائق به) أي أو لم يكن هناك أقرب أصلا - كما علمت فإنه لا يضر حينئذ البعد، وإن تفاحش.
(قوله: ولا يكلف الخ) أي ولا يكلف إذا خرج لما ذكر الإسراع، بل يمشي على سجيته وطبيعته المعهودة، فإن تأنى أكثر من ذلك بطل تتابعه كما في زيادة الروضة.
(قوله: وله صلاة على جنازة إلخ) يعني له في خروجه لما ذكر صلاة على جنازة، وله أيضا عيادة مريض، وزيارة قادم.
وإن تعدد كل منها ما لم يعدل عن طريقه في الكل، ولم يطل وقوفه في الأخيرين، ولم ينتظر ما في الأولى، فإن عدل عن طريقه في الكل، أو طال وقوفه في الأخيرين، أو انتظرها في الأولى، ضر.
وفي البجيرمي ما نصه: قوله: ولو عاد مريضا في طريقه الخ: صنيعه يقتضي أن الخروج ابتداء لعيادة المريض يقطع التتابع: ومثله الخروج للصلاة على الجنازة، وهو كذلك.
(وقوله: إن لم ينتظر) أي صلاة الجنازة، فإن انتظر ضر كما علمت.
(قوله: ويخرج جوازا إلخ) هذا مفروض في المنذور المتتابع، كما صرح به الفقهاء.
ففاعل يخرج يعود على ناذر الاعتكاف، المعلوم من المقام.
أما غير المنذور
فيجوز الخروج منه مطلقا لما استثناه وغيره وإن كان يقطع التتابع كما سيصرح به.
وحاصل الكلام على هذه المسألة: أنه إذا شرط ناذر الاعتكاف متتابعا الخروج من المسجد لعارض مباح مقصود لا ينافي الاعتكاف، صح الشرط، ثم إن عين شيئا لم يتجاوزه، وإلا جاز له الخروج لكل عرض، ولو دنيونا مباحا كلقاء أمير بخلاف ما إذا شرط الخروج لا لعارض، كأن قال إلا إن يبدو لي الخروج، أو شرطه لعارض محرم كسرقة أو غير مقصود كتنزه أو مناف للاعتكاف كجماع فإنه لا يصح شرطه في هذه الأمور الأربعة، بل لا ينعقد نذره أصلا.
نعم، إذا كان المنافي لا يقطع التتابع كحيض، لا تخلو المدة عنه غالبا فيصح شرط الخروج له.
ثم زمن الخروج لما شرطه إن كان في نذر مطلق كشهر: قضاه وجوبا، لتتميم المدة، أو في نذر معين كهذا الشهر فلا يلزمه قضاؤه، لأنه لم ينذره.
(قوله: لما استثناه) متعلق بيخرج.
أي يخرج للشئ الذي استثناه أي في نذره كأن قال: لله علي نذر أن أعتكف شهرا متتابعا، بشرط أنه إذا بدا لي غرض أخرج لأجله.
(وقوله: من غرض) بيان لما، ويشترط فيه أن يكون مباحا مقصودا غير مناف للاعتكاف كما علمت.
(قوله: كلقاء أمير) أي لحاجة اقتضت خروجه للقائه، لا مجرد التفرج عليه.
اه.
ع ش.
(قوله: أو أخروي) معطوف على دنيوي.
أي أو غرض أخروي.
(قوله: كوضوء) تمثيل للأخروي.
(قوله: وغسل مسنون) قيد به، لأن الواجب يجوز له الخروج من غير استثناء - كما مر.
(قوله: ويبطل) أي الاعتكاف مطلقا، منذورا كان أو مندوبا.
وحاصل ما يبطل به تسعة أشياء، ذكر منها المؤلف شيئين، وهما: الجماع، والإنزال.
وبقي عليه سبعة، وهي: السكر المتعدى به، والردة، والحيض إذا كانت مدة الاعتكاف تخلو عنه غالبا كخمسة عشر يوما فأقل والنفاس، والخروج من غير عذر والخروج لاستيفاء عقوبة ثبتت بإقراره، وكذا الخروج لاستيفاء حق ماطل به والخروج لعدة باختيارها، كأن علق الطلاق على مشيئتها، فقالت وهي معتكفة: شئت، أو خالعته على مال.
فمتى طرأ واحد من هذه على الاعتكاف المنذور المقيد بالمدة والتتابع، أو المقيد بالمدة دون التتابع، أو المطلق الذي لم يقيد بشئ أصلا، أبطله في الجميع.
لكن معنى البطلان في الأول: أنه يخرج منه، ويجب عليه الاستئناف، وإن أثيب على ما مضى في غير الردة.
ومعناه في الثاني: أن زمن ذلك لا يحسب من الاعتكاف، فإذا زال ذلك جدد النية، وبنى على ما مضى.
وإن استثناه - أو كان في طريق قضاء الحاجة، وإنزال مني بمباشرة بشهوة - كقبلة - وللمعتكف الخروج من التطوع لنحو عيادة مريض.
وهل هو أفضل، أو تركه، أو سواء؟ وجوه، والاوجه - كما بحث البلقيني - أن الخروج لعيادة نحو رحم وجار وصديق، أفضل.
واختار ابن الصلاح الترك، لانه (ص) كان يعتكف ولم يخرج لذلك.
ــ
ومعناه في الثالث: أن ينقطع استمراره ودوامه، ولا بناء، ولا تجديد نية، وما مضى معتد به، ويحصل به الاعتكاف.
وقد نظم هذه التسعة م د بقوله:
وطئ وإنزال وسكر رده * * حيض نفاس لاعتكاف مفسده خروجه من مسجد وما عذر * * كذاك لاستيفا عقوبة المقر وبخروجه اعتكافه بطل * * بأخذ حق يا فتى به مطل أفاد ذلك كله البجيرمي.
ومما يبطل به الاعتكاف أيضا غير هذه التسعة: الجنون، والإغماء إن طرآ بسبب تعدى به، لأنهما حينئذ كالسكر، أما إذا لم يطرآ بسبب تعدى به فلا يقطعانه، إن لم يخرج كل منهما من المسجد، أو أخرج ولم يمكن حفظه فيه، أو أمكن لكن بمشقة، بخلاف ما إذا أخرج من المسجد وقد أمكن حفظه فيه بلا مشقة - على ما اقتضاه كلام الروضة وغيرها إذ لا عذر في إخراجه.
(قوله: بجماع) أي من واضح عمدا مع العلم والاختيار.
أما المشكل، فلا يضر وطؤه وإمناؤه بأحد فرجيه لاحتمال زيادته.
وكذا الناسي، والجاهل، والمكره كما في الصوم.
(قوله: وإن استثناه) غاية في البطلان.
أي يبطل به، وإن استثناه الناذر في نذره لما مر أنه مناف للعبادة.
(قوله: أو كان) أي الجماع.
وهو عطف على الغاية، فهو غاية أيضا في البطلان.
أي يبطل بالجماع وإن كان وقع في طريق لقضاء الحاجة التي خرج من المسجد لأجلها.
(قوله: وإنزال مني) عطف على جماع.
أي ويبطل أيضا بإنزال مني.
(وقوله: بمباشرة بشهوة) متعلق بإنزال.
أي إنزال بسبب مباشرة حاصلة مع شهوة.
وخرج بالمباشرة: ما إذا نظر أو تفكر فأنزل، فلا يبطل به.
وبشهوة: ما إذا باشر بلا شهوة، كأن قبل بقصد الإكرام أو الشفقة، أو بلا قصد فأنزل، فلا يبطل به.
والاستمناء - وإن لم يكن بمباشرة كالمباشرة بشهوة، فإن أنزل بطل، وإلا فلا.
واعلم أن الوطئ والمباشرة بشهوة حرام في المسجد مطلقا، ولو من غير معتكف.
وكذا خارجه في الاعتكاف الواجب دون المستحب لجواز قطعه.
(قوله: كقبلة) أي من غير حائل ومع شهوة، وهو تمثيل للمباشرة بشهوة.
(قوله: وللمعتكف الخروج من التطوع) أي ولو قيده بمدة.
(وقوله: لنحو عيادة مريض) أي كتشييع جنازة.
(قوله: وهل هو) أي الخروج لنحو عيادة مريض.
(وقوله: أفضل) أي من إدامة الاعتكاف.
(وقوله: أو سواء) أي أو هما سواء، لأنهما طاعتان مندوب إليهما.
وعبارة الخطيب: وهل الأفضل للمتطوع بالاعتكاف الخروج لعيادة المريض، أو دوام الاعتكاف؟ قال الأصحاب: هما سواء.
وقال ابن الصلاح: أن الخروج لها مخالف للسنة، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج لذلك، وكان اعتكافه تطوعا.
وقال البلقيني: ينبغي أن يكون موضع التسوية في عيادة الأجانب، أما ذو الرحم
والأقارب والأصدقاء والجيران فالظاهر أن الخروج لعيادتهم أفضل، لا سيما إذا علم أنه يشق عليهم.
وعبارة القاضي الحسين مصرحة بذلك.
وهذا هو الظاهر.
اه.
وكتب البجيرمي: قوله: الأجانب أي غير الأصدقاء وغير الجيران، بدليل ما بعده.
وكتب أيضا: قوله: وهذا هو الظاهر وهو المعتمد، فالخروج من الاعتكاف في هذا مندوب، وفيما قبله غير مندوب.
والوجه أن يقال: يراعى ما هو أكثر ثوابا منهما.
ق ل.
اه.
(قوله: واختار ابن الصلاح: الترك) أي ترك الخروج لما ذكر.
(قوله: لانه صلى الله عليه وسلم إلخ) تعليل لاختيار ابن الصلاح ما ذكر.
(وقوله: ولم يخرج لذلك) أي لنحو عيادة
(مهمة) قال في الانوار: يبطل ثواب الاعكتاف بشتم، أو غيبة.
أو أكل حرام.
ــ
مريض.
(قوله: يبطل ثواب الاعتكاف) أي وأما نفس الاعتكاف فلا يبطل.
(قوله: بشتم أو غيبة) أي أو نحوهما من كل محرم - ككذب ونميمة - أما الكلام المباح، فلا يبطل ثواب الاعتكاف.
نعم.
ينبغي تجنبه، والاشتغال بالذكر، والقراءة، والصلاة على سيدنا محمد سيد ولد عدنان، لأن الكلام المباح في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، نص على ذلك الشنواني في حاشيته على مختصر ابن أبي جمرة، وعبارته: قال في المدخل: وينهي الناس عن الجلوس في المسجد للحديث في أمر الدنيا.
وقد ورد: أن الكلام في المسجد بغير ذكر الله تعالى يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
وورد أيضا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا أتى الرجل المسجد فأكثر الكلام، تقول الملائكة: اسكت يا ولي الله.
فإن زاد، فتقول: اسكت يا بغيض الله تعالى، فإن زاد: فتقول اسكت عليك لعنة الله تعالى.
اه.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.
يسن للمعتكف: الصوم للاتباع، وللخروج من خلاف من أوجبه ولا يضر الفطر، بل يصح اعتكاف الليل وحده، لخبر الصحيحين: أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله: إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية.
قال: أوف بنذرك.
فاعتكف ليلة.
ولخبر أنس: ليس على المعتكف صيام، إلا أن يجعله على نفسه.
ولا يضر في الاعتكاف التطيب، والتزين باغتسال، وقص شارب، ولبس ثياب حسنة، ونحو ذلك من دواعي الجماع، لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم تركه، ولا أمر بتركه، والأصل بقاؤه على الإباحة، وله أن يتزوج ويزوج.
ولا تكره له الصنائع في المسجد كالخياطة، والكتابة ما لم يكثر منها، فإن أكثر منها كرهت لحرمته إلا كتابة العلم فلا يكره الإكثار منها، لأنها طاعة، كتنظيم العلم.
وله أن يأكل ويشرب ويغسل يديه فيه إن كانت أرضه ترابية تشرب الماء، وإلا حرم - للتقذير - والأولى أن يأكل في سفره أو نحوها، وأن يغسل يديه في طشت أو نحوه ليكون أنظف للمسجد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل
(في صوم التطوع) وله من الفضائل والمثوبة ما لا يحصيه إلا الله تعالى، ومن ثم، أضافه تعالى إليه دون غيره من العبادات، فقال: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به.
وفي الصحيحين: من صام يوما في سبيل
ــ
فصل في صوم التطوع أي في بيان حكمه، وهو الاستحباب.
وكان الأنسب ذكره قبل الاعتكاف - كما صنع غيره.
(واعلم) أن صوم التطوع ثلاثة أقسام: قسم يتكرر بتكرر السنة - كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، وتاسوعاء - وقسم يتكرر بتكرر الأسبوع - كالاثنين، والخميس -.
وقسم يتكرر بتكرر الشهور - كالأيام البيض -.
كما يعلم من كلامه.
والتطوع شرعا: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من العبادات.
والصوم من أبلع الأشياء في رياضة النفس، وكسر الشهوة، واستنارة القلب، وتأديب الجوارح وتقويمها وتنشيطها للعبادة.
وفيه الثواب العظيم، والجزاء الكريم الذي لا نهاية له، و: للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه.
و: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
ومن أجل هذا الخلوف ومكانته عند الله، كره الاستياك للصائم بعد الزوال حتى يفطر - كما تقدم.
(قوله: وله) أي الصوم.
(وقوله: من الفضائل) بيان لما مقدم عليها.
(وقوله: والمثوبة) مصدر بمعنى الثواب.
وفي حاشية الجمل - نقلا عن السمين - ما نصه: المثوبة فيها قولان: أحدهما أن وزنها مفعولة، والأصل مثوبة - بواوين - فنقلت الضمة التي على الواو الأولى إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما - الذي هو عين الكلمة - فصار مثوبة، على وزن مفولة، كمحوزة، وقد جاءت مصادر على مفعول، كالمعقول، فهي مصدر - نقل ذلك الواحدي.
والثاني: أنها مفعلة بضم العين، وإنما نقلت الضمة منها إلى الثاء.
اه.
(قوله: ومن ثم أضافه) أي ومن أجل أن له من الفضائل إلخ أضافه الله إليه في الحديث القدسي، فقال: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به.
يدع طعامه وشرابه من أجلي.
واختلفوا في معنى تخصيصه بكونه له، على أقوال تزيد على خمسين: منها - كما قاله م ر - كونه أبعد عن الرياء من غيره.
ومنها ما نقل عن سفيان بن عيينة أن يوم القيامة تتعلق خصماء المرء بجميع أعماله إلا الصوم فإنه لا سبيل لهم عليه، فإنه إذا لم يبق إلا الصوم، يتحمل الله تعالى ما بقي من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة، وهذا مردود، والصحيح تعلق الغرماء به - كسائر الأعمال - وفي البجيرمي: وعبارة عبد البر نصها: في الحديث القدسي وهو قوله كل عمل إلخ، فإضافته تعالى إليه إضافة تشريف وتكريم، كما قال تعالى: * (ناقة الله) * مع أن العالم كله لله.
وقيفل لأنه لم يعبد غيره به، فلم تعظم الكفار في عصر من الأعصار معبوداتهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونهم بصورة الصلاة والسجود وغيرهما.
وقيل لأن الصيام بعيد عن الرياء، لخفائه، بخلاف الصلاة والغزو وغير ذلك من العبادات
الظاهرة.
وقيل لأن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب، فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه.
اه.
بحذف.
(قوله: في سبيل الله) أي في الجهاد - كما هو الغالب في إطلاقه.
وقال ع ش: يمكن حمل
الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا.
(ويسن) متأكدا (صوم يوم عرفة) لغير حاج، لانه يكفر السنة التي هو فيها والتي بعدها - كما في خبر مسلم - وهو تاسع ذي الحجة، والاحوط صوم الثامن مع عرفة.
والمكفر: الصغائر التي لا تتعلق بحق الآدمي، إذ الكبائر لا يكفرها إلا التوبة الصحيحة.
وحقوق الآدمي متوقفة على رضاه، فإن لم تكن له صغائر زيد في حسناته.
ويتأكد صوم الثمانية قبله: للخبر الصحيح فيها، المقتضي
ــ
سبيل الله على الطريق الموصل إليه، بأن يخلص في صومه، وإن لم يكن في جهاد.
وهذا المعنى يطلق عليه سبيل الله كثيرا وإن كان خلاف الغالب.
اه.
وفي شرح مسلم للنووي: هو - أي الصوم - في الجهاد محمول على من لا يتضرر ولا يفوت به حقا ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه.
اه.
(قوله: باعد الله وجهه) أي ذاته.
(وقوله: سبعين خريفا) أي عاما، فأطلق الجزء وأراد الكل، وخص الخريف بالذكر لأنه أعدل أيام السنة.
والمراد أنه يبعد عن النار مسافة لو قدرت لبلغ زمن سيرها سبعين سنة.
(قوله: ويسن متأكدا) أي سنا متأكدا، فمتأكدا صفة لمصدر محذوف.
(قوله: صوم يوم عرفة) قال ع ش: ورد في بعض الأحاديث أن الوحوش في البادية تصومه، حتى أن بعضهم أخذ لحما وذهب به إلى البادية ورماه لنحو الوحوش، فأقبلت عليه ولم تأكل، وصارت تنظر إلى الشمس وتنظر إلى اللحم، حتى غربت الشمس أقبلت إليه من كل ناحية.
اه.
(قوله: لغير حاج) أي وغير مسافر وغير مريض، بأن يكون قويا مقيما.
أما الحاج، فلا يسن له صومه، بل يسن له فطره.
وإن كان قويا، للاتباع، وليقوى على الدعاء.
ومن ثم يسن صومه لحاج غير مسافر، بأن كان وطنه قريبا من عرفة ونوى الحج وهو في وطنه وأخر الوقوف إلى الليل.
وأما المسافر والمريض: فيسن لهما فطره، لكن إن أجهدهما الصوم - أي أتعبهما - كما في التحفة.
(قوله: لأنه) أي صوم يوم عرفة.
(وقوله: يكفر السنة إلخ) أي ذنوبه الحاصلة فيها.
(قوله: كما في خبر مسلم) لفظة: صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.
وقوله: أحتسب: قال بعضهم: هو بلفظ المضارع، وضميره عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: بلفظ الماضي، وضميره عائد إلى الصوم، وفيه بعد.
وقوله: السنة التي قبله: أي قبل يوم عرفة، والمراد بها: السنة التي تتم بفراغ شهره.
وقوله: والسنة التي بعده: أي بعد يوم عرفة، والمراد بها: السنة التي أولها المحرم الذي يلي الشهر المذكور، إذا الخطاب الشرعي محمول على عرف الشرع.
وفي تكفير هذه السنة إشارة إلى أنه لا يموت فيها، في ذلك بشرى.
وقد نقل ذلك المدابغي عن ابن عباس، وعبارته:(فائدة) قال ابن عباس رضي الله عنهما وهذه بشرى بحياة سنة مستقبلة لمن صامه، إذ هو صلى الله عليه وسلم بشر بكفارتها، فدل لصائمه على الحياة فيها، إذ هو صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
اه.
وورد أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما: من صام يوم عرفة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
(قوله: وهو) أي يوم عرفة.
(قوله: والأحوط صوم الثامن) أي لأنه ربما يكون هو التاسع في الواقع.
(قوله: مع عرفة) أي مع صوم يومها.
(قوله: والمكفر: الصغائر) قال الكردي: اعتمده الشارح في كتبه، وأما الجمال الرملي فإنه ذكر كلام الإمام، ثم كلام مجلي في الرد على الإمام.
ثم كلام ابن المنذر المفيد خلاف ما قاله الإمام، وسكت عليه، فكأنه وافقه.
ولهذا قال القليوبي في حواشي المحلي: عممه ابن المنذر في الكبائر أيضا.
ومشى عليه صاحب الذخائر، وقال: التخصيص بالصغائر - تحكم.
ومال إليه شيخنا الرملي في شرحه.
اه.
والذي يظهر: أن ما صرحت به الأحاديث فيه بأن شرط التكفير اجتناب الكبائر: لا شبهة في عدم تكفيره الكبائر.
وما صرحت الأحاديث فيه بأن يكفر الكبائر: لا ينبغي التوقف فيه بأنه يكفرها بعد تصريح الشرع به.
ويبقى الكلام فيما أطلقت الأحاديث التكفير فيه.
وملت في الأصل إلى أن الإطلاق يشمل الكبائر، والفضل واسع.
اه.
ببعض حذف.
(قوله: ويتأكد صوم الثمانية قبله) أي يوم عرفة، فعليه يكون الثامن مطلوبا من جهتين: جهة الاحتياط لعرفة، وجهة دخوله في العشر غير العيد.
كما أن صوم يوم عرفة مطلوب أيضا من جهتين: كونه من عشر ذي الحجة، وكونه يوم عرفة.
(قوله: للخبر الصحيح فيها) أي الثمانية: أي صومها مع صوم يوم عرفة، وذلك لخبر هو أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر.
وورد أيضا أنه صلى الله عليه وسلم: كان يصوم تسع ذي الحجة.
(وقوله:
لافضلية عشرها على عشر رمضان الاخير.
(و) يوم (عاشوراء): وهو عاشر المحرم، لانه يكفر السنة الماضية - كما في مسلم -.
(وتاسوعاء): وهو تاسعه، لخبر مسلم: لئن بقيت إلى قابل لاصومن التاسع.
فمات قبله.
والحكمة: مخالفة اليهود، ومن ثم سن لمن لم يصمه: صوم الحادي عشر، بل إن صامه، لخبر فيه.
وفي الام: لا بأس أن يفرده.
وأما أحاديث الاكتحال والغسل، والتطيب في يوم عاشوراء، فمن وضع الكذابين (و) صوم
ــ
المقتضى إلخ) في الكردي: الراجح أن عشر رمضان الأخير أفضل من عشر ذي الحجة، إلا يوم عرفة.
اه.
(قوله: ويوم عاشوراء) بالمد، معطوف على يوم عرفة.
أي ويسن متأكدا صوم يوم عاشوراء، لقوله صلى الله عليه وسلم فيه: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله.
وإنما لم يجب صومه للأخبار الدالة بالأمر بصومه.
لخبر الصحيحين: إن هذا اليوم يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر.
وحملوا الأخبار الواردة بالأمر بصومه على تأكد الاستحباب.
(فائدة) الحكمة في كون صوم يوم عرفة بسنتين وعاشوراء بسنة، أن عرفة يوم محمدي - يعني أن صومه مختص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم - وعاشوراء موسوي، ونبينا محمد أفضل الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - فكان يومه بسنتين.
اه.
مغنى.
(قوله: وهو) أي عاشوراء.
(وقوله: عاشر المحرم) أي اليوم العاشر منه.
(قوله: لأنه يكفر السنة الماضية) علة لسنية صومه.
(قوله: كما في مسلم) أي في رواية مسلم، وقد علمتها آنفا.
(قوله: وتاسوعاء) بالمد أيضا، وهو معطوف
على عاشوراء، أي ويسن صوم يوم تاسوعاء.
(قوله: وهو) أي تاسوعاء.
(وقوله: تاسعه) أي المحرم.
(قوله: لخبر مسلم) دليل لسنية صوم تاسوعاء.
(وقوله: إلى قابل) أي إلى عام قابل، وهو مصروف - كما هو ظاهر -.
(وقوله: فمات) أي النبي صلى الله عليه وسلم.
(وقوله: قبله) أي قبل مجئ تاسوعاء العام القابل.
(قوله: والحكمة) أي في صوم يوم التاسع مع العاشر مخالفة اليهود، أي فإنهم يصومون العاشر فقط، فنخالفهم ونصوم التاسع معه.
والحكمة أيضا: الاحتياط، لاحتمال الغلط في أول الشهر، والاحتراز من إفراده بالصوم - كما في يوم الجمعة - شرح الروض: قال في النهاية: وظاهر ما ذكر من تشبيهه بيوم الجمعة: أنه يكره إفراده.
لكن في الأم لا بأس بإفراده.
اه.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن الحكمة إلخ.
(قوله: لمن لم يصمه) أي التاسع.
(قوله: بل وإن صامه) أي بل يسن صيام الحادي عشر، وإن صام التاسع.
(قوله: لخبر فيه) أي لورود خبر في صيامه الحادي عشر مع ما قبله من صيام العاشر والتاسع، وهو ما رواه الإمام أحمد: صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوما، وبعده يوما.
ذكره في شرح الروض، وذكر فيه أيضا أن الشافعي نص في الأم والإملاء على استحباب صوم الثلاثة، ونقله عنه الشيخ أبو حامد وغيره.
اه.
(لا بأس أن يفرده) أي لا بأس أن يصوم العاشر وحده.
(وأما أحاديث الاكتحال إلخ) في النفحات النبوية في الفضائل العاشورية - للشيخ العدوي - ما نصه: قال العلامة الأجهوري: أما حديث الكحل، فقال الحاكم إنه منكر، وقال ابن حجر إنه موضوع، بل قال بعض الحنفية إن الاكتحال يوم عاشوراء، لما صار علامة لبغض آل البيت، وجب تركه.
قال: وقال العلامة صاحب جمع التعاليق: يكره الكحل يوم عاشوراء، لأن يزيد وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم، وقيل بالإثمد، لتقر عينهما بفعله.
قال العلامة الأجهوري: ولقد سألت بعض أئمة الحديث والفقه عن الكحل وطبخ الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور، فقال: لم يرد فيه حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، وكذا ما قيل: أنه من اكتحل يومه لم يرمد ذلك العام، ومن اغتسل يومه لم يمرض كذلك، قال: وحاصله أن ما ورد من فعل عشر خصال يوم عاشوراء لم يصح فيها إلا حديث الصيام والتوسعة على العيال، وأما باقي الخصال الثمانية: فمنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو منكر موضوع.
وقد عدها بعضهم اثنتي عشرة خصلة، وهي: الصلاة، والصوم، وصلة الرحم، والصدقة والاغتسال، والاكتحال، وزيارة عالم، وعيادة مريض، ومسح رأس اليتيم، والتوسعة على العيال، وتقليم الأظفار، وقراءة سورة الإخلاص - ألف مرة -.
ونظمها بعضهم فقال:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في يوم عاشوراء عشر تتصل * * بها اثنتان ولها فضل نقل صم، صل، صل، زر عالما، عد، واكتحل * * رأس اليتيم امسح، تصدق واغتسل وسع على العيال، قلم ظفرا * * وسورة الإخلاص قل ألفا تصل (فائدة) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عزوجل افترض على بين إسرائيل صوم يوم في السنة، وهو يوم عاشوراء، - وهو اليوم العاشر من المحرم - فصوموه ووسعوا على عيالكم فيه، فإنه من وسع فيه على عياله وأهله من ماله وسع الله عليه سائر سنته فصوموه، فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم فأصبح صفيا، ورفع فيه إدريس مكانا عليا، وأخرج نوحا من السفينة (1) ونجى إبراهيم من النار، وأنزل الله فيه التوراة على موسى، وأخرج فيه يوسف من السجن، ورد فيه على يعقوب بصره، وفيه كشف الضر عن أيوب، وفيه أخرج يونس من بطن الحوت، وفيه فلق البحر لبني إسرائيل، وفيه غفر لداود ذنبه، وفيه أعطى الله الملك لسليمان، وفي هذا اليوم غفر لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو أول يوم خلق الله فيه الدنيا.
وأول يوم نزل فيه المطر من السماء يوم عاشوراء، وأول رحمة نزلت إلى الأرض يوم عاشوراء.
فمن صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر كله، وهو صوم الأنبياء.
ومن أحيا ليلة عاشوراء بالعبادة فكأنما عبد الله تعالى مثل عبادة أهل السموات السبع.
ومن صلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد لله مرة، وقل هو الله أحد، إحدى وخمسين مرة، غفر الله له ذنوب خمسين عاما.
ومن سقى في يوم عاشوراء شربة ماء سقاه الله يوم العطش الأكبر كأسا لم يظمأ بعدها أبدا، وكأنما لم يعص الله طرفة عين.
ومن تصدق فيه بصدقة فكأنما لم يرد سائل قط.
ومن اغتسل وتطهر يوم عاشوراء لم يمرض في سنته إلا مرض الموت.
ومن مسح فيه على رأس يتيم أو أحسن إليه فكأنما أحسن إلى أيتام ولد آدم كلهم.
ومن عاد مريضا في يوم عاشوراء فكأنما عاد مرضى أولاد آدم كلهم.
وهو اليوم الذي خلق الله فيه العرش، واللوح، والقلم.
وهو اليوم الذي خلق الله فيه جبريل، ورفع فيه عيسى.
وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة.
(فائدة أخرى) روي أن فقيرا كان له عيال في يوم عاشوراء، فأصبح هو وعياله صياما، ولم يكن عندهم شئ، فخرج يطوف على شئ يفطرون عليه فلم يجد شيئا، فدخل سوق الصرف، فرأى رجلا مسلما قد فرش في دكانه النطوع
(1)(قوله: وأخرج نوحا من السفينة) وذلك أن نوحا عليه السلام لما نزل من السفينة هو ومن معه: شكوا الجوع، وقد فرغت أزوادهم فأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم، فجاء هذا بكف حنطة، وهذا بكف عدس، وهذا بكف فول، وهذا بكف حمص إلى أن بلغت سبع
حبوب - وكان يوم عاشواء - فمسى نوح عليها، وطبخها لهم، فأكلوا جميعا وشبعوا، ببركات نوح عليه السلام، فذلك قوله تعالى:(قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) وكان ذلك أول طعام طبخ على وجه الأرض بعد الطوفان - فاتخذه الناس سنة يوم عاشوراء، وفيه أجر عظيم لمن يفعل ذلك، ويطعم الفقراء والمساكين.
اه من الروض الفائق.
ومما يعزى للحافظ ابن حجر فيما يطبخ من الحبوب في يوم عاشوراء: في يوم عاشوراء سبع تمترس * * بر ورز ثم ماش وعدس وحمص ولوبيا والفول * * هذا هو الصحيح والمنقول وقال في فتح الباري كلمات من قالها في يوم عاشوراء لم يمت قلبه، وهى: سبحان الله ملء الميزان، ومنتهى العلم، ومبلغ الرضا، وزنة العرش.
والحمد لله ملء الميزان ومنتهى العلم - ومبلغ الرضا، وزنة العرش.
والله أكبر ملء الميزان، ومنتهى العلم، ومبلغ الرضا وزنة العرش.
لا ملجا.
ولا منجى من الله إلا إليه.
سبحان الله عدد الشفع والوتر، وعدد كلمات الله التامات كلها.
والحمد لله عدد الشفع والوتر، وعدد كلمات الله التامات كلها.
والله أكبر عدد الشفع والوتر، وعدد كلمات الله التامات كلها.
أسألك رب العالمين.
اه.
وقال الاجهوري: أن من قال يوم عاشوراء حسبى الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير - سبعين مرة - كفاه الله تعالى شر ذلك العام - وبالله التوفيق.
اه ..
(ستة) أيام (من شوال) لما في الخبر الصحيح أن صومها مع صوم رمضان كصيام الدهر.
واتصالها بيوم العيد
ــ
المثمنة، وسكب عليها أكوام الذهب والفضة، فتقدم إليه، وسلم عليه، وقال له: يا سيدي أنا فقير، لعل أن تقرضني درهما واحدا أشتري به فطورا لعيالي، وأدعو لك في هذا اليوم.
فولى بوجهه عنه، ولم يعطه شيئا، فرجع الفقير وهو مكسور القلب، وولى ودمعه يجري على خده، فرآه جار له صيرفي - وكان يهوديا - فنزل خلف الفقير وقال له أراك تكلمت مع جاري فلان، فقال قصدته في درهم واحد لأفطر به عيالي، فردني خائبا، وقلت له أدعو لك في هذا اليوم.
فقال اليهودي: وما هذا اليوم؟ فقال الفقير: هذا يوم عاشوراء - وذكر له بعض فضائله - فناوله اليهودي عشرة دراهم، وقال له: خذ هذه وأنفقها على عيالك إكراما لهذا اليوم.
فمضى الفقير، وقد انشرح لذلك، ووسع على أهله النفقة، فلما كان الليل، رأى الصيرفي - المسلم - في المنام كأن القيامة قد قامت، وقد اشتد العطش والكرب، فنظر، فإذا قصر من لؤلؤة
بيضاء، أبوابه من الياقوت الأحمر، فرفع رأسه وقال: يا أهل هذا القصر اسقوني شربة ماء.
فنودي: هذا القصر كان قصرك بالأمس، فلما رددت ذلك الفقير مكسور القلب.
محي اسمك من عليه، وكتب باسم جارك اليهودي الذي جبره وأعطاه عشرة دراهم.
فأصبح الصيرفي مذعورا، يناوي على نفسه بالويل والثبور، فجاء إلى جاره اليهودي، وقال: أنت جاري، ولي عليك حق، ولي إليك حاجة.
قال: وما هي؟ قال: تبيعني ثواب العشرة دراهم - التي دفعتها بالأمس للفقير - بمائة درهم.
فقال: والله ولا بمائة ألف دينار، ولو طلبت أن تدخل من باب القصر الذي رأيته البارحة لما مكنتك من الدخول فيه.
فقال: ومن كشف لك عن هذا السر المصون؟.
قال: الذي يقول للشئ كن فيكون، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(إخواني) كان هذا يهوديا، فأحسن الظن بيوم عاشوراء، وما كان يعرف فضله، فأعطاه الله ما أعطاه، ومن عليه بالإسلام، فكيف بمن يعرف فضله وثوابه، ويهمل العمل فيه؟ ولله در القائل: يا غاديا في غفلة ورائحا * * إلى متى تستحسن القبائحا؟ وكم - أخي - كم لا تخاف موقفا * * يستنطق الله به الجوارحا؟ واعجبا منك وأنت مبصر * * كيف تجنبت الطريق الواضحا؟ كيف تكون حين تقرأ في غد * * صحيفة قد حوت الفضائحا؟ وكيف ترضى أن تكون خاسرا * * يوم يفوز من يكون رابحا؟ فاعمل لميزانك خيرا فعسى * * يكون في يوم الحساب راجحا؟ وصم، فهذا يوم عاشوراء الذي * * ما زال بالتقوى شذاه فائحا يوم شريف، خصنا الله به * * يا فوز من قدم فيه صالحا (قوله: وصوم ستة أيام من شوال) معطوف على صوم يوم عرفة.
أي ويسن متأكدا صوم ستة أيام من شهر شوال.
وكان المناسب للشارح أن يقدر لفظ صوم في جميع المعطوفات، أو يتركه في الجميع.
(قوله: لما في الخبر الصحيح) لفظه: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر.
(قوله: إن صومها مع صوم رمضان) أي دائما، فلا تكون المرة من صيام رمضان وستة من شوال كصيام الدهر، بدليل رواية: صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام - أي من شوال - بشهرين.
فذلك صيام السنة.
فالحاصل أن كل مرة بسنة.
اه.
سم بزيادة.
وفي البجيرمي: وهذا يقتضي أن المراد بالدهر: العمر، وبه قال ع ش، لكن كلام الشارح الآتي يدل على أن المراد به السنة.
اه.
(قوله:
كصيام الدهر) أي فرضا، وإلا لم يكن لخصوصية ست شوال معنى، إذ من صام مع رمضان ستة غيرها يحصل له ثواب الدهر، لأن الحسنة بعشرة أمثالها.
(والحاصل) أن من صامها مع رمضان كل سنة، تكن كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة، ومن صام ستة غيرها كذلك، تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة، كما أن صوم ثلاثة من كل شهر تحصله.
اه.
تحفة بتصرف.
أفضل: مبادرة للعبادة، (وأيام) الليالي (البيض) وهي: الثالث عشر وتالياه، لصحة الامر بصومها، لان صوم الثلاثة كصوم الشهر، إذ لحسنة بعشر أمثالها، ومن ثم تحصل السنة بثلاثة وغيرها، لكنها أفضل، ويبدل - على الاوجه - ثالث عشر ذي الحجة بسادس عشره، وقال الجلال البلقيني: لا بل يسقط.
ويسن صوم أيام السود:
ــ
وفي المغني: (تنبيه) قضية إطلاق المصنف استحباب صومها لكل أحد - سواء صام رمضان أم لا - كمن أفطر لمرض، أو لصبا، أو كفر، أو غير ذلك، وهو الظاهر - كما جرى عليه بعض المتأخرين - ثم قال: ولو صام في شوال قضاء أو نذرا أو غير ذلك: هل تحصل له السنة أو لا؟ لم أر من ذكره، والظاهر الحصول.
لكن لا يحصل له هذا الثواب المذكور، خصوصا من فاته رمضان وصام عنه شوالا، لأنه لم يصدق عليه المعنى المتقدم، ولذلك قال بعضهم: يستحب له في هذه الحالة أن يصوم ستا من ذي القعدة، لأنه يستحب قضاء الصوم الراتب.
اه.
وهذا إنما يأتي إذا قلنا إن صومها لا يحصل بغيرها، أما إذا قلنا بحصوله - وهو الظاهر: كما تقدم - فلا يستحب قضاؤها.
اه.
(قوله: واتصالها بيوم العيد أفضل) أي من عدم اتصالها به، ولكن يحصل أصل السنة بصومها غير متصلة به كما يحصل بصومها غير متتابعة، بل متفرقة في جميع الشهر.
(قوله: مبادرة للعبادة) علة لأفضلية اتصالها بيوم العيد.
أي وإنما كان أفضل لأجل المبادرة في العبادة.
أي ولما في التأخير من الآفات.
(قوله: وأيام الليالي) معطوف على يوم عرفة أيضا.
أي ويسن متأكدا صوم أيام الليالي البيض، وقدر الشارح لفظ الليالي: لأنها هي التي توصف بالبيض، وبالسود، دون الأيام.
(قوله: البيض) صفة لليالي، ووصفت بذلك: لأنها تبيض بالقمر من أولها إلى آخرها.
(قوله: وهي الثالث إلخ) الاحتياط صوم الثاني عشر معها.
(وقوله: وتالياه) أي وهما الرابع عشر والخامس عشر.
(قوله: لصحة الأمر بصومها) أي في رواية أحمد والترمذي وابن حبان عن أبي ذر: إذا صمت من الشهر ثلاثا، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة.
اه إرشاد العباد.
(قوله: لأن صوم الثلاثة الخ) علة للعلة، ولو كانت علة للمعلل: لراد الواو وأتى بالضمير بدل الاسم الظاهر، ولو قال - كما في التحفة - وحكمة كونها ثلاثة أن الحسنة بعشر أمثالها فصومها كصوم الشهر كله لكان أولى.
(وقوله: كصوم الشهر) في رواية عن أبي ذر أن: من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله.
وهذه الرواية لا تنافي الحكمة المذكورة، لأن الذي في الرواية إذا كان ذلك على الدوام، بدليل قوله من كل شهر.
وفي الكردي ما نصه: قوله: كصوم الشهر - كان أبو ذر رضي الله عنه يعد نفسه صائما في أيام فطره لهذا الحديث، فقد روى البيهقي عن عبد الله بن شقيق، قال: أتيت المدينة، فإذا رجل طويل أسود، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر: فقلت: لأنظرن علي أي حال هو اليوم.
قلت: صائم أنت؟ قال: نعم.
وهم ينتظرون الإذن على عمر رضي الله عنه، فدخلوا، فأتينا بقصاع فأكل، فحركته أذكره بيدي، فقال إني لم أنس ما قلت لك، إني أخبرتك إني صائم، إني أصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فأنا أبدا صائم.
ورى البيهقي في سننه عن أبي هريرة قريبا من قصة أبي ذر، وأنه قال لهم أنا مفطر في تخفيف الله صائم في تضعيف الله.
اه.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن صوم الثلاثة كصوم الشهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها تحصل السنة بثلاثة غيرها من أيام الشهر.
قال في النهاية: (والحاصل) كما أفاده السبكي وغيره: أنه يسن صوم ثلاثة من كل شهر، وأن تكون أيام البيض، فإن صامها أتى بالسنتين.
فما في شرح مسلم - من أن هذه الثلاثة هي المأمور بصيامها من كل شهر - فيه نظر.
اه.
وقوله: بالسنتين - بضم السين وفتح النون المشددتين - أي سنة صوم الثلاثة، وسنة صوم أيام البيض.
(قوله: لكنها) أي أيام البيض.
(وقوله: أفضل) أي من غيرها من بقية الشهر.
(قوله: ويبدل على الأوجه ثالث عشر ذي الحجة) أي لأن صومه حرام، لكونه من أيام التشريق.
(قوله: وقال الجلال البلقيني: لا) أي لا يبدله به.
(قوله: بل يسقط) أي صومه أي طلبه.
(قوله: أيام السود) كان عليه أن يذكر هنا الليالي - كما ذكرها فيما مر - بأن يقول أيام الليالي السود، وإنما
وهي الثامن والعشرون وتالياه، (و) صوم (الاثنين والخميس) للخبر الحسن أنه (ص) كان يتحرى صومهما وقال: تعرض فيهما الاعمال، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم والمراد عرضها على الله تعالى.
وأما رفع الملائكة
لها: فإنه مرة بالليل ومرة بالنهار، ورفعها في شعبان محمول، على رفع أعمال العام مجملة.
وصوم الاثنين أفضل من صوم الخميس - لخصوصيات ذكروها فيه، وعد الحليمي اعتياد صومهما مكروه: شاذ.
ــ
وصفت بذلك، لسواد جميع الليل فيها، لعدم القمر.
قال في المغنى: وخصت أيام البيض وأيام السود بذلك - أي بالصيام - لتعميم ليالي الأولى بالنور، والثانية بالسواد، فناسب صوم الأولى شكرا، والثانية لطلب كشف السواد، ولأن الشهر ضيف قد أشرف على الرحيل، فناسب تزويده بذلك.
اه.
(قوله: وهي الثامن والعشرون وتالياه) لكن عند نقص الشهر يتعذر الثالث، فيعوض عنه أول الشهر، لأن ليلته كلها سوداء.
وعبارة التحفة: وهي السابع أو الثامن والعشرون وتالياه، فإن بدأ بالثامن ونقص الشهر صام أول تاليه، لاستغراق الظلمة لليلته أيضا، وحينئذ يقع صومه عن كونه أول الشهر أيضا، فإنه يسن صوم ثلاثة أول كل شهر.
(تنبيه) من الواضح أن من قال أولها السابع: ينبغي أن يقال إذا تم الشهر: يسن صوم الآخر، خروجا من خلاف
الثاني.
ومن قال الثامن: يسن له صوم السابع احتياطا - فنتج سن صوم الأربعة الأخيرة إذا تم الشهر عليهما.
انتهت.
(قوله: وصوم الاثنين والخميس) معطوف على صوم يوم عرفة.
أي ويسن متأكدا صوم يوم الاثنين ويوم الخميس.
(قوله: للخبر الحسن إلخ) دليل لتأكد صومهما.
(وقوله: إنه الخ) بدل من الخبر الحسن، أو عطف بيان له.
(وقوله: يتحرى) أي يقصد.
(وقوله: وقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم.
(وقوله: تعرض فيهما) أي الاثنين والخميس.
(وقوله: الأعمال) أي أعمال ما بينهما معهما، فتعرض أعمال الثلاثاء والأربعاء والخميس: في الخميس.
وأعمال الجمعة والسبت والأحد والاثنين: في الاثنين.
(وقوله: وأنا صائم) أي متلبس بالصوم حقيقة، لأن العرض قبل الغروب.
اه.
ش ق.
وفي البجيرمي: قوله: وأنا صائم، أي قريب من زمن الصوم، لأن العرض بعد الغروب.
اه.
(قوله: والمراد عرضها على الله تعالى) أي إجمالا.
وكان المناسب زيادته، لأن العرض إنما يكون على الله تعالى مطلقا - سواء كان عرض الاثنين والخميس، أو ليلة النصف من شعبان، أو ليلة القدر، فالفرق إنما هو في الإجمال والتفصيل - فعرض الإثنين والخميس، على الله تعالى إجمالي، وكذا عرض ليلة النصف من شعبان وليلة القدر.
والعرض التفصيلي هو في كل يوم وليلة - كما نص على ذلك في التحفة - وعبارتها: أي تعرض على الله تعالى، وكذا تعرض في ليلة نصف شعبان، وفي ليلة القدر، فالأول - أي عرضها يوم الاثنين والخميس - إجمالي باعتبار الأسبوع، والثاني باعتبار السنة، وكذا الثالث، وفائدة تكرير ذلك إظهار شرف العاملين بين الملائكة.
وأما عرضها تفصيلا، فهو رفع الملائكة لها بالليل مرة، وبالنهار مرة.
اه.
بتصرف.
فتلخص أن العرض الإجمالي في كل أسبوع مرتين، وفي كل سنة كذلك.
والتفصيلي في كل يوم مرتين.
(قوله: وأما رفع الملائكة إلخ) يفيد أن ما قبله لا ترفعه الملائكة، مع أن الرفع إنما يكون من الملائكة مطلقا، في هذا، فيما قبله.
وكان المناسب أن يقول: وأما عرضها تفصيلا: فهو رفع الملائكة إلخ.
(قوله: فإنه) أي الرفع.
(وقوله: مرة بالليل ومرة بالنهار) وذلك لأنه تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة العصر، ثم ترتفع ملائكة النهار وتبقى ملائكة الليل، ويجتمعان عند صلاة الصبح، فترتفع ملائكة الليل وتبقى ملائكة النهار.
وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار.
(قوله: ورفعها في شعبان) أي الثابت بخبر أحمد أنه صلى الله عليه وسلم: سئل عن إكثاره الصوم في شعبان، فقال: إنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
(قوله: وصوم الاثنين أفضل من صوم الخميس - لخصوصيات) هي أنه صلى الله عليه وسلم ولد في يوم الإثنين، وبعث فيه، وتوفي فيه، وكذا بقية أطواره صلى الله عليه وسلم.
روى السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: لا يفتك صيام الاثنين، فإني ولدت فيه، وبعثت فيه، وأموت فيه أيضا.
وفي
(فرع) أفتى جمع متأخرون بحصول ثواب عرفة وما بعده بوقوع صوم فرض فيها، خلاف للمجموع.
وتبعه الاسنوي فقال: إن نواهما لم يحصل له شئ منهما.
قال شيخنا - كشيخه - والذي يتجه أن القصد وجود
ــ
المغني ما نصه: وسمي ما ذكر يوم الاثنين: لأنه ثاني الأسبوع.
والخميس: لأنه خامسه.
كذا ذكره المصنف ناقلا له عن أهل اللغة.
قال الأسنوي: فيعلم منه أن أول الأسبوع الأحد.
ونقله ابن عطية عن الأكثرين، وسيأتي في باب النذر أن أوله السبت.
وقال السهيلي: إنه الصواب، وقول العلماء كافة إلا ابن جرير.
اه.
وفي البجيرمي: سميا بذلك: لأنه ثاني أيام إيجاد المخلوقات - غير الأرض - والخميس خامسها، وما قيل لأنه ثاني الأسبوع مبني على مرجوح، وهو أن أوله الأحد، وإنما أوله السبت على المعتمد - كما في باب النذر -.
اه.
(قوله: وعد إلخ) مصدر مضاف إلى فاعله، وهو مبتدأ، خبره شاذ.
(وقوله: اعتياد) مفعول أول للمصدر.
(وقوله: صومهما) أي الاثنين والخميس.
(وقوله: مكروها) مفعول ثان للمصدر - يعني أن الحليمي عد المواظبة على صوم الاثنين والخميس من المكروه، وهذا غريب شاذ.
وعبارة المغني: وأغرب الحليمي فعد من المكروه اعتياد صوم يوم بعينه، كالاثنين، والخميس، لأن في ذلك تشبيها برمضان.
اه.
(تتمة) يستحب صوم يوم الأربعاء شكرا لله تعالى على عدم هلاك هذه الأمة فيه، كما أهلك فيه من قبلها.
ويستحب صوم يوم المعراج، ويوم لا يجد فيه الشخص ما يأكله، ويكره صوم الدهر - غير العيدين، وأيام التشريق - لمن خاف به ضررا، أو فوت حق.
ولو مندوبا، ويستحب لغيره، لإطلاق الأدلة، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا.
وعقد تسعين.
رواه البيهقي.
ومعنى ضيقت عليه: أي عنه، فلم يدخلها، أو لا يكون له فيها موضع.
أما صوم العيدين وأيام التشريق: فيحرم - كما سينص عليه - ويكره أيضا إفراد الجمعة أو السبت أو الأحد بالصوم، لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوما قبله، أو يوما بعده.
رواه الشيخان: ولخبر: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم.
رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه على شرط الشخين، ولأن اليهود تعظم يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، ومحل الكراهة الإفراد: ما لم يوافق عادة له - كأن كان يعتاد صوم يوم وفطر يوم، فوافق صومه يوما منها، وإلا فلا كراهة - كما في صوم يوم الشك.
قوله: فرع) أي في بيان أن صوم هذه الأيام المتأكد يندرج في غيره.
(قوله: أفتى إلخ) حاصل الإفتاء المذكور أنه إذا كان عليه صوم فرض قضاء أو نذر وأوقعه في هذه الأيام المتأكد صومها: حصل له الفرض الذي عليه، وحصل له ثواب صوم الأيام المسنون، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق في حصول الثواب بين أن ينويه مع الفرض أو لا، وهو مخالف لقول ابن
حجر الآتي أنه لا يحصل له الثواب إلا إذا نواه، وإلا سقط عنه الطلب فقط.
(قوله: بحصول إلخ) متعلق بأفتى.
(وقوله: ثواب عرفة) أي صوم يومها.
(وقوله: وما بعده) ما: اسم موصول معطوف على عرفة، والظرف متعلق بمحذوف صلة ما، والضمير يعود على عرفة، والمناسب تأنيثه، لأن المرجع مؤنث: أي أفتى بحصول ثواب عرفة، وبحصول ثواب ما ذكر بعد عرفة، وهو عاشوراء وتاسوعاء وستة من شوال إلخ.
والمراد ثواب صومها كما هو ظاهر.
(قوله: بوقوع إلخ) متعلق بحصول.
(وقوله: صوم فرض) أي قضاء أو نذر.
(وقوله: فيها) متعلق بوقوع، والضمير يعود على المذكورات من عرفة وما بعده.
(قوله: فقال) أي النووي في المجموع، فالفاعل ضمير يعود عليه.
ويحتمل عوده على الأسنوي - كما صرح به هو أول الباب في مبحث النية، وصرح به أيضا في فتح الجواد - لكن ظاهر صنيعه هنا الأول، لأنه جعل الأسنوي تابعا للنووي، فيكون القول له.
(قوله: إن نواهما) أي الصوم المسنون والمفروض.
(قوله: لم يحصل له شئ منهما) أي من المسنون والمفروض - كما إذا نوى مقصودين لذاتهما، كسنة الظهر، وفرض الظهر.
(قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد.
ونص عبارته: وقال الأسنوي: القياس أنه إن لم ينو التطوع حصل له الفرض، وإن نواهما لم يحصل له شئ منهما.
اه.
وإنما يتم له إن ثبت أن الصوم فيها مقصود لذاته.
والذي يتجه إلى آخر ما ذكره الشارح.
ثم قال: وعليه لو نوى ليلا الفرض وقبل الزوال النفل، فهل يثاب على النفل حينئذ - لأن القصد التقرب بالصوم عن الجهتين وقد
صوم فيها، فهي كالتحية، فإن نوى التطوع أيضا، حصلا، وإلا سقط عنه الطلب.
(فرع) أفضل الشهور للصوم بعد رمضان: الاشهر الحرم.
وأفضلها المحرم، ثم رجب، ثم الحجة، ثم القعدة، ثم شهر شعبان.
وصوم تسع ذي الحجة أفضل من صوم عشر المحرم اللذين يندب صومهما.
ــ
حصل - أولا - لأن صحة نية الصائم صوما آخر بعيدة -؟ كل محتمل.
اه.
(قوله: وجود صوم فيها) أي في هذه الأيام عرفة وما بعده.
(قوله: فهي) أي هذه الأيام.
أي صومها.
ولا بد من تقدير هذا المضاف ليصح التشبيه بالتحية.
(وقوله: كالتحية) أي فإنها تحصل بفرض أو نفل غيرها.
لأن القصد شغل البقعة بالطاعة، وقد وجدت.
(قوله: فإن نوى التطوع أيضا) أي كما أنه نوى الفرض.
(وقوله: حصلا) أي التطوع والفرض، أي ثوابهما.
(قوله: وإلا) أي وإن لم ينو التطوع، بل نوى الفرض فقط.
(وقوله: سقط عنه الطلب) أي بالتطوع، لاندراجه في الفرض.
(تنبيه) اعلم أنه قد يوجد للصوم سببان: كوقوع عرفة أو عاشوراء يوم اثنين أو خميس، أو وقوع اثنين أو خميس في ستة شوال، فيزداد تأكده رعاية لوجود السببين، فإن نواهما: حصلا - كالصدقة على القريب، صدقة وصلة - وكذا لو نوى أحدهما - فيما يظهر -.
(وقوله: أفضل الشهور إلخ) قد نظم ذلك بعضهم بقوله:
وأفضل الشهور بالإطلاق: * * شهر الصيام، فهو ذو السباق فشهر ربنا هو المحرم * * فرجب، فالحجة المعظم فقعدة، فبعده شعبان * * وكل ذا جاء به البيان (قوله: الأشهر الحرم) هي أربعة: ثلاثة منها سرد، وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وواحد منها فرد وهو رجب.
وإنما كان الصوم فيها أفضل، لخبر أبي داود وغيره: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك.
وإنما أمر المخاطب بالترك لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم، كما جاء التصريح به في الخبر.
أما من لا يشق عليه، فصوم جميعها له فضيلة.
اه.
شرح الروض.
وإنما سميت حرما: لأن العرب كانت تتحرمها وتعظمها، وتحرم فيها القتال، حتى أن أحدهم لو لقي قاتل أبيه أو ابنه أو أخيه في هذه الأشهر لم يزعجه، وكان القتال فيها محرما في صدر الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى: * (فاقتلوهم حيث وجدتموهم) * (1).
(قوله: وأفضلها) أي الأشهر الحرم المحرم - لخبر مسلم: أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم وإنما سمي محرما: لتحريم الجنة فيه على إبليس.
(قوله: ثم رجب) هو مشتق من الترجيب، وهو التعظيم، لأن العرب كانت تعظمه زيادة على غيره.
ويسمى الأصب: لانصاب الخير فيه.
والأصم: لعدم سماع قعقعة السلاح فيه.
ويسمى رجم - بالميم - لرجم الأعداء والشياطين فيه حتى لا يؤذوا الأولياء والصالحين.
(قوله: ثم الحجة ثم القعدة) بعضهم قدم القعدة على الحجة، لكن المعتمد تقديم الحجة، فهو أفضل، لوقوع الحج فيه، ولاشتماله على يوم عرفة.
والأفصح: فتح قاف القعدة، وكسر حاء الحجة.
وقد نظم ذلك بعضهم فقال: وفتح قاف قعدة قد صححوا * * وكسر حاء حجة قد رجحوا وسميا بذلك: لوقوع الحج في الأول، وللقعود عن القتال في الثاني.
(قوله: ثم شهر شعبان) أي ثم بعد الأشهر الحرم شهر شعبان، لخبر الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان.
(واعلم) أن الأفصح ترك إضافة لفظ شهر إلى شعبان، وكذا بقية الأشهر ما عدا ثلاثة: رمضان، وربيع أول، وربيع ثان.
وقد أشار إلى ذلك بعضهم في قوله:
(1) النساء: 89
(فائدة) من تلبس بصوم تطوع أو صلاته، فله قطعهما - لا نسك تطوع - ومن تلبس بقضاء واجب، حرم قطعه ولو موسعا، ويحرم على الزوجة أن تصوم، تطوعا أو قضاء موسعا وزوجها حاضر إلا بإذنه أو علم رضاه.
(تتمة) يحرم الصوم في أيام التشريق والعيدين، وكذا يوم الشك لغير ورد، وهو يوم ثلاثي شعبان، وقد
ــ
ولا تضف شهرا إلى اسم شهر * * إلا لما أوله الرا - فادر - واستثن من ذا راجبا فيمتنع * * لأنه فيما رووه ما سمع (قوله: وصوم تسع ذي الحجة) أي التسع من أول الشهر، وهذا التعبير أولى من تعبير بعضهم بعشر ذي الحجة، لأنه يدخل فيه يوم العيد، مع أنه لا ينعقد.
(وقوله: أفضل من صوم عشر المحرم) للخبر الصحيح المار الذي قال الشارح فيه إنه يقتضي أنه أفضل من صيام عشر رمضان الأخير، وقد علمت أن الراجح خلافه.
(واعلم) أنه كان المناسب أن يذكر أولا تأكد صوم عشر المحرم بالخصوص، ثم يذكر تفضيل غيره عليه - كما صنع غيره.
(قوله: اللذين يندب إلخ) اسم الموصول نعت لتسع ذي الحجة ولعشر المحرم، ولا حاجة إليه، لأنه معلوم، إذ الأول قد صرح به فيما مر، والثاني يندرج في صيام المحرم.
(قوله: من تلبس بصوم تطوع أو صلاته) أي ونحوهما من كل عبادة متطوع بها، كاعتكاف، وطواف، ووضوء.
(قوله: فله قطعهما) أي لخبر: الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر.
رواه الترمذي.
ويقاس بالصوم: الصلاة ونحوها.
ولكن يكره القطع، إن لم يكن بعذر، وإلا كأن قطعه ليساعد الضيف في الأكل إذا شق عليه امتناع مضيفه منه، فلا كراهة.
ويترتب على الكراهة عدم الثواب على الماضي، ويترتب على عدمها وجود الثواب.
ويستحب قضاؤه إن قطعه، ولا يجب، لأن أم هانئ كانت صائمة صوم تطوع فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تفطر بلا قضاء وبين أن تتم صومها.
رواه أبو داود.
وقيس بالصوم غيره.
(قوله: لا نسك تطوع) أما هو: فيحرم قطعه، لمخالفته غيره في لزوم الإتمام، والكفارة بإفساده بجماع.
واعترض كونه تطوعا: بأن الشروع فيه شروع في فرض الكفاية، فهو من فروض الكفايات، لا من النوافل.
ويمكن أن يقال: يتصور ذلك بما إذا كان الفاعل صبيا، وأذن له وليه.
أو عبدا وأذن له سيده.
قال ع ش: وعليه - فالوجوب - أي وجوب إتمامه - بالنسبة للصبي متعلق بالولي.
اه.
(قوله: ومن تلبس بقضاء واجب) ومثله الأداء.
ولو قال: ومن تلبس بواجب أداء أو قضاء - لكان أولى.
والمراد بالواجب: العيني.
قال في شرح المنهج: وخرج بالعيني فرض الكفاية، فالأصح - وفاقا للغزالي وغيره - أنه لا يحرم قطعه إلا الجهاد، وصلاة الجنازة، والحج، والعمرة.
وقيل لا يحرم: كالعيني.
اه.
(قوله: ولو موسعا) أي ولو كان قضاؤه على التراخي، بأن لم يتعد بترك الصوم أو الصلاة.
(قوله: ويحرم على الزوجة إلخ) هذا حيث جاز التمتع بها، وإلا كأن قام بالزوج مانع من الوطئ - كإحرام، أو اعتكاف - فلا حرمة، وحيث لم يقع بها مانع - كالرتق والقرن - وإلا فلا حرمة أيضا.
ومحل التحريم في الصوم المتكرر في السنة - كالاثنين والخميس - بخلاف صوم يوم عرفة وعاشوراء، لأنهما نادران في
السنة.
ومع الحرمة: ينعقد صومها - كالصلاة في دار مغصوبة - ولزوجها وطؤها، والإثم عليها.
(قوله: وزوجها حاضر) أي في البلد.
قال ع ش: ولو جرت عادته أن يغيب عنها من أول النهار إلى آخره، لاحتمال أن يطرأ له قضاء وطره في بعض الأوقات على خلاف عادته.
اه.
وخرج بكونه حاضرا في البلد: ما إذا كان غائبا عنها، فلا يحرم عليها ذلك، بلا خلاف.
قال في المغنى: (فإن قيل) هلا جاز صومها مع حضوره، وإذا أراد التمتع بها تمتع وفسد صومها؟ (أجيب) بأن صومها يمنعه التمتع عادة، لأنه يهاب انتهاك حرمة الصوم بالإفساد، ولا يلحق بالصوم صلاة النفل المطلق لقصر زمنه.
اه.
(قوله: إلا بإذنه) أي الزوج.
وذلك لخبر الصحيحين: لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد - أي حاضر - إلا بإذنه.
قال ابن حجر: وكالزوج: السيد - إن حلت له - وإلا حرم بغير إذنه، إن حصل لها به ضرر ينقص الخدمة، والعبد كمن لا تحل فيما ذكر اه.
وكتب الكردي: قوله: كمن لا تحل: أي فيحرم صومه بغير إذن سيده، إن حصل له به ضرر ينقص الخدمة.
اه.
(قوله: يحرم الصوم الخ) أي ولا ينعقد.
(قوله: في أيام التشريق) وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر،
شاع الخبر بين الناس برؤية الهلال ولم يثبت، وكذ بعد نصف شعبان، ما لم يصله بما قبله، أو لم يوافق عادته، أو لم يكن عن نذر أو قضاء، ولو عن نفل.
ــ
ويحرم صومها، ولو لتمتع عادم للهدي، لعموم النهي عنه.
وفي القديم: له صيامها عن الثلاثة الواجبة في الحج.
وقوله: والعيدين: أي عيد الفطر، وعيد الأضحى.
والأصل في حرمة صومهما: الإجماع المستند إلى نهي الشارع صلى الله عليه وسلم في خبر الصحيحين.
(قوله: وكذا يوم الشك) أي وكذلك يحرم صيام يوم الشك، لقول عمار بن ياسر: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
رواه الترمذي وغيره، وصححوه.
قيل: والمعنى فيه القوة على صوم رمضان.
وضعفه السبكي بعدم كراهة صوم شعبان.
ويرد بأن إدمان الصوم يقوي النفس عليه، وليس في صوم شعبان إضعاف، بل تقوية، بخلاف صوم يوم ونحوه، فإنه يضعف النفس عما بعده، فيكون فيه افتتاح للعبادة مع كسل وضعف.
اه.
نهاية.
وما ذكر من تحريم صوم يوم الشك، هو المعتمد في المذهب.
وقيل يكره كراهة تنزيه.
قال الأسنوي: وهو المعروف المنصوص الذي عليه الأكثرون.
وفي البجيرمي ما نصه: (إن قلت) ما فائدة تنصيصهم على كراهة صوم يوم الشك أو حرمته مع أنه من جملة النصف الثاني من شعبان وهو محرم؟ (أجيب) بأن فائدته معرفة حقيقة يوم الشك حتى يرجع إليه لو علق به طلاقا أو عتقا.
وبيان أن صومه مكروه أو حرام، لشيئين: كونه يوم الشك وكونه بعد النصف، فيكون النهي فيه أعظم منه فيما قبله.
اه.
(قوله: لغير ورد) أي عادة، وتثبت بمرة.
فإن صامه لذلك، كأن كان يعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم، أو
صوم يوم معين - كالاثنين - فصادف يوم الشك فلا يحرم.
ومثل الورد: ما لو صامه عن نذر مستقر في ذمته أو عن قضاء لنفل أو فرض أو كفارة، فلا يحرم.
(قوله: وهو يوم الخ) بيان لضابط يوم الشك.
(قوله: وقد شاع الخبر بين الناس برؤية الهلال) أما إذا لم يشع بين الناس: فليس اليوم يوم الشك بل هو من شعبان، وإن أطبق الغيم.
(وقوله: ولم يثبت) - أي الهلال - عند الحاكم لكونه لم يشهد بالرؤية أحد، أو شهد بها صبيان أو نساء، أو عبيد، أو فسقة.
(قوله: وكذا بعد نصف شعبان) أي وكذلك يحرم الصوم بعد نصف شعبان لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا.
(قوله: ما لم يصله بما قبله) أي محل الحرمة ما لم يصل صوم ما بعد النصف بما قبله، فإن وصله به ولو بيوم النصف، بأن صام خامس عشره وتالييه واستمر إلى آخر الشهر، فلا حرمة.
(قوله: أو لم يوافق عادته) أي ومحل الحرمة أيضا ما لم يوافق صومه عادة له في الصوم، فإن وافقها - كأن كان يعتاد صوم يوم معين كالاثنين والخميس - فلا حرمة.
(قوله: أو لم يكن عن نذر الخ) أي: ومحل الحرمة أيضا: ما لم يكن صومه عن نذر مستقر في ذمته، أو قضاء، ولو كان القضاء لنفل، أو كفارة، فإن كان كذلك، فلا حرمة، وذلك لخبر الصحيحين: لا تقدموا - أي لا تتقدموا - رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم يوما ويفطر يوما فليصمه.
وقيس بما في الحديث من العادة: النذر، والقضاء، والكفارة - بجامع السبب -.
والله سبحانه وتعالى أعلم.