المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الحج ــ باب الحج (1) هو آخر أركان الإسلام، وأخره عن الصوم - إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين - جـ ٢

[البكري الدمياطي]

الفصل: ‌ ‌باب الحج ــ باب الحج (1) هو آخر أركان الإسلام، وأخره عن الصوم

‌باب الحج

ــ

باب الحج

(1)

هو آخر أركان الإسلام، وأخره عن الصوم نظرا للقول بأن الصوم أفضل منه، واقتداء بخبر: بني الإسلام الخ.

واعلم أن فضائله لا تحصى.

منها خبر: من جاء حاجا يريد وجه الله تعالى، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويشفع فيمن دعا له.

ومنها خبر: من قضى نسكه، وسلم الناس من لسانه ويده، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

وروى ابن حبان عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحاج حين يخرج من بيته لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا وقفوا بعرفات: باهى الله بهم ملائكته، يقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا، أشهدكم أني غفرت لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج.

وإذا رمى الجمار: لم يدر أحد ما له حتى يتوفاه الله تعالى يوم القيامة، وإذا حلق شعره فله بكل شعرة سقطت من رأسه نور يوم القيامة.

فإذا قضى آخر طوافه بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

وقال ابن العماد في كشف الأسرار: وحكمة تركب الحج من الحاء والجيم: الإشارة إلى أن

الحاء من الحلم، والجيم من الجرم - فكأن العبد يقول: يا رب جئتك بجرمي - أي ذنبي - لتغفره بحلمك اه.

وأعمال الحج كلها تعبدية، وقد ذكر لهما بعض حكم، فمن ذلك ما ذكره في (الروض الفائق في المواعظ والرقائق) أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن الحكمة في أفعال الحج، وما في المناسك الشريفة من المعاني اللطيفة، فقال: ليس من أفعال الحج ولوازمه شئ إلا وفيه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ونبأ وشأن وسر يقصر عن وصفه كل لسان.

فأما الحكمة في التجرد عند الإحرام: فإن من عادة الناس إذا قصدوا أبواب المخلوقين، لبسوا أفخر ثيابهم من اللباس، فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: القصد إلى بابي خلاف القصد إلى أبوابهم، لأضاعف لهم أجرهم وثوابهم.

وفيه أيضا أن يتذكر العبد بالتجرد عند الإحرام: التجرد عن الدنيا عند نزول الحمام - كما كان أولا - لما خرج من بطن أمه مجردا عن الثياب، وفيه شبه أيضا بحضور الموقف يوم الحساب - كما قال تعالى: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * (2).

* (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) * (3).

اه.

وأما الاغتسال عند الإحرام: فلحكمة ظاهرة الإحكام، وهو أن الله تعالى يريد أن يعرض الحجاج على الملائكة ليباهي بهم الأنام، فلا يعرضون على الملائكة الكرام إلا وهم مطهرون من الأدناس والآثام.

وفيه أيضا حكمة أخرى: وهي أن الحجاج يضعون أقدامهم على مواضع أقدام الأنبياء الأبرار، فيكونون قبل ذلك قد اغتسلوا لينالوا بركتهم في تلك الآثار، كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) *.

وأما الحكمة في التلبية: فإن الإنسان إذا ناداه إنسان جليل القدر أجابه بالتلبية وحسن الكلام، فكيف بمن ناداه مولاه الملك العلام، ودعاه إلى جنابة ليكفر عنه الذنوب والآثام؟ وإن العبد إذا قال: لبيك، يقول الله تعالى: ها أنا دان إليك، ومتجل عليك.

فسل ما تريد، فأنا أقرب إليك من حبل الوريد.

وأما الحكمة في الوقوف بعرفة وأخذ الجمار من المزدلفة: فإن فيه أسرار لذوي العلم والمعرفة، فمعناه: كأن العبد يقول - سيدي: حملت جمرات

(1) الركن الخامس من أركان الإسلام وثبتت فرضيته بالكتاب والسنة.

قال تعالى: (والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران 97.

وفى السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس " ومنها: (زحج البيت من اتطاع إليه سبيلا " متفق عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يحج فليمت إن شاء الله يهوديا وإن شاء نصرانيا " اخرجه الترمذي وابن ماجة ولما روى البيهقى وابن عدى عن جابر رضي الله عنه مرفوقا: " الحج والعمرة فريضتان " (2) النساء: 40.

(3)

الانعام: 94.

ص: 310

وهو: بفتح أوله وكسره - لغة: القصد، أو كثرته إلى من يعظم.

وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي.

وهو من الشرائع القديمة.

وروي أن آدم عليه السلام حج أربعين حجة من الهند ماشيا، وأن جبريل قال له: إن

ــ

الذنوب والأوزار، وقد رميتها في طاعتك بالإقرار، إنك أنت الكريم الغفار.

وأما الحكمة في الذكر عند المشعر الحرام، وما فيه من الأجور العظام: فكأن الحق تعالى يقول: اذكروني أذكركم، من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه، فإذا ذكرتموني عند المشعر الحرام ذكرتكم بين ملائكتي الكرام، وكتبت لكم توقيع الأمان من حلول الانتقام.

وأما الحكمة في حلق الرأس بمنى، ففيه حكمة يبلغ بها العبد جميع المنى، وذلك أن فيه يقظة وتذكيرا لا يفهمهما إلا من كان عالما نحريرا، لأن الحاج إذا وقف بعرفة، وذكر الله عند المشعر الحرام، وضحى بمنى، وحلق رأسه، وطهر بدنه من الأدناس والآثام: كتب الله عزوجل له ثوابا، وضاعف له أجورا، ووقاه جحيما وسعيرا، وجعل له بكل شعرة يوم القيامة نورا، وأعطى توقيع الأمان - كما قال تعالى في كتابه المكنون: * (محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) * (2).

وأما الحكمة في الطواف، وما فيه من المعاني والألطاف: فإن الطائف بالبيت يقول بلسان حاله عند دعائه وابتهاله: سيدي، أنت المقصود، وأنت الرب المعبود، أتيت إليك مع جملة الوفود، وطفت ببيتك المشهود، وقمت ببابك أرجو الكرم والجود، وقد سبق خطابك لخليلك الأمين في محكم كتابك المبين: * (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) * (3).

وأما الحكمة في الوقوف بعرفات وما فيه من المعاني البديعة الصفات، فإن فيه تنبيها وتذكيرا بالوقوف بين يدي الحق سبحانه وتعالى يوم القيامة حفاة عراة مكشوفي الرؤوس، واقفين على أقدام الحسرة والندامة، يضجون بالبكاء والعويل، ويدعون مولاهم دعاء عبد ذليل، فلله در أقوام دعاهم مولاهم إلى البيت العتيق، فأجابوا داعي الوجد والتشويق، وساروا إليه مشاة على قدم التصديق، * (وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) * (4).

اه.

(قوله: هو) أي الحج، وهو مبتدأ، خبره القصد.

(وقوله: بفتح أوله وكسره) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير الواقع مبتدأ - على رأي سيبويه - أي هو حال كونه متلبسا بفتح أوله - وهو الحاء - أو كسره، القصد.

والفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة أهل نجد، وهما لغتان فصيحتان، قرئ بهما في السبع.

فبالكسر قرأ حفص وحمزة والكسائي، وبالفتح قرأ الباقون.

(وقوله: لغة القصد) أي على ما قاله الجوهري.

(وقوله: أو كثرته) أي على ما قاله الخليل.

(وقوله: إلى من يعظم) متعلق بالقصد: أي القصد إلى شئ يقصد تعظيمه - كعبة كان أو غيرها - وتعبيره بمن - التي للعاقل - على سبيل التغليب، لأن المعظم صادق بالعاقل وغيره، فغلب العاقل على غيره وعبر بمن، وهذا

الذي جرى عليه ضعيف، والصحيح أن معناه لغة: القصد مطلقا، إلى من يعظم، وإلى غيره.

(قوله: وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي) أي الأفعال الآتية، من إحرام، ووقوف، وطواف، وسعي، وحلق، مع ترتيب المعظم.

وهذا التعريف هو الموافق لما هو الغالب من أن المعنى الشرعي يشتمل على المعنى اللغوي وزيادة.

ويرد عليه أنه يقتضي أن الحج الشرعي: القصد المذكور، وإن كان ماكثا في بيته.

وأجيب عنه بأن المراد القصد المذكور مع فعل الأعمال المذكورة.

وعرفه بعضهم بأنه نفس الأفعال الآتية، وهذا هو الموافق لقولهم: أركان الحج، وسنن الحج.

إذا الأركان: أفعال.

فجعلها أجزاء للحج: يفيد أنه مركب منها، فهو عبارة عن مجموع أفعال.

ويمكن أن يقال إن جعلهم إياها أركانا للحج مجاز، لا حقيقة.

والمراد أنها أركان للمقصود منه، وهو فعل الأعمال، لا للقصد نفسه الذي هو الحج.

(قوله: وهو من الشرائع القديمة) أي لا من خصوصيات هذه الأمة - كما قيل به - قال القليوبي: ينبغي أن يكون هذا بمعناه اللغوي، أما بهذه الهيئة المخصوصة، فهو من خصائص هذه الأمة.

(قوله: وروي أن آدم الخ) استدلال على كونه من الشرائع القديمة.

(وقوله: ماشيا) قيل لمجاهد - أفلا كان يركب؟ قال: وأي شئ كان يحمله؟ (قوله: وأن جبريل إلخ)

(1) البقرة: 222.

(2)

الفتح: 27.

(3)

الحج: 26.

(4)

: 24

ص: 311

الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة.

قاب ابن إسحاق: لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم عليه

ــ

هذا لا يدل على أن الحج من الشرائع القديمة، وإنما يدل على أن الطواف منها.

(قوله: بهذا البيت)(اعلم) أنه كان من زمردة خضراء، وفيه قناديل من قناديل الجنة، فلما جاء الطوفان في عهد نوح رفعه الله إلى السماء الرابعة، وأخذ جبريل الحجر الأسود، فأودعه في جبل أبي قبيس - صيانة له من الغرق فكان مكان البيت خاليا إلى زمن إبراهيم عليه السلام، فلما ولد له إسماعيل وإسحق، أمره الله ببناء بيت يذكر فيه، فقال: يا رب بين لي صفته، فأرسل الله سحابة على قدر الكعبة، فسارت معه حتى قدم مكة، فوقفت في موضع البيت، ونودي يا إبراهيم: ابن على ظلها، لا تزد ولا تنقص - فكان جبريل عليه السلام: يعلمه، وإبراهيم يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة.

وفي الإيضاح للنووي ما نصه: واختلف المفسرون في قوله تعالى: * (إن أول بيت وضع للناس) * (1).

فروى الأزرقي في كتاب مكة، عن مجاهد، قال: لقد خلق الله عزوجل موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي

سنة، وأن قواعده لفي الأرض السابعة السفلى.

وعن مجاهد أيضا إن هذا البيت أحد أربعة عشر بيتا: في كل سماء بيت، وفي كل أرض بيت، بعضهن مقابل لبعض.

وروى الأزرقي أيضا عن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: إن الله تعالى بعث ملائكة، فقال ابنوا لي في الأرض بيتا تمثال البيت المعمور وقدره.

وأمر الله تعالى من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور.

قال: وهذا كان قبل خلق آدم.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو أول بيت بناه آدم في الأرض.

اه.

وقد بني البيت عشر مرات - كما في القسطلاني على البخاري - وقد نظم بعضهم البانين على الترتيب فقال: بنى بيت رب العرش عشر فخذهم * * ملائكة الله الكرام، وآدم فشيث، فإبراهيم، ثم عمالق * * قصي، قريش - قبل هذين - جرهم وعبد الإله، ابن الزبير بنى - كذا * * بناء لحجاج - وهذا متمم وقوله: بناء لحجاج: أي بجانب الحجر فقط بأمر عبد الملك بن مروان، وبعض البناء كان ترميما.

قال ابن علان: قلت وقد سقط من بناء ابن الزبير ما بناه الحجاج الجدار الشامي، وجانب من الشرقي والغربي فسد محله بأخشاب من صبيحة سقوطه لعشرين من شعبان سنة 9301 تسع وثلاثين وألف إلى أوائل جمادي من السنة بعده، وقد أفردت لذلك مؤلفا واسعا، ثم لخصته.

فبالنظر لما ذكر من السد وهو من صاحب مكة الشريف مسعود بن إدريس، ثم من العمارة، وهي من جانب السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان - تكون أبنية الكعبة اثنتي عشرة مرة، وقد نظمت ذلك فقلت: بنى الكعبة الأملاك آدم بعده * * فشيث، وإبراهيم، ثم العمالقه وجرهم، قص مع قريش، وتلوهم * * هو ابن زبير، فادر هذا وحققه وحجاج تلو، ثم مسعود بعدهم * * شريف بلاد الله بالنور أشرقه ومن بعد ذا حقا بنى البيت كله * * مراد بن عثمان فشيد رونقه اه.

قلت وقد حدث ترميم في باطن الكعبة المعظمة في شهر ربيع الأخير سنة 1299 - ألف ومائتين وتسع وتسعين - في مدة سلطنة وخلافة مولانا السلطان الغازي عبد الحميد الثاني - نصره الله - ابن المرحوم مولانا السلطان الغازي عبد المجيد بن محمود بن عبد الحميد الأول.

وقد أرخ العمارة المذكورة شيخ الإسلام، وقدوة الأنام، فريد العصر والأوان - مولانا الأستاذ السيد أحمد بن زيني دحلان - في بيت واحد، وجعل قبله بيتين للدخول على بيت التاريخ

فقال: اه.

(1) آل عمران: 96

ص: 312

الصلاة والسلام إلا حج.

والذي صرح به غيره: أنه ما من نبي إلا حج، خلافا لمن استثنى هودا وصالحا.

ــ

لسلطاننا عبد الحميد محاسن * * ومن ذا الذي بالحصر يقوى يعدد؟ وقد حاز تعميرا لباطن قبلة * * وتاريخه بيت فريد يحدد بناء بدا زهوا لداخل كعبة * * وسلطاننا عبد الحميد المجدد 82 169 207 97 655 19 7 53 - 841 سنة 458 1299 (فائدة) قال وهب بن منبه رضي الله عنه: مكتوب في التوراة: إن الله عزوجل يبعث يوم القيامة سبعمائة ألف ملك من الملائكة المقربين، بيد كل واحد منهم سلسلة من ذهب إلى البيت الحرام، فيقول لهم: اذهبوا فزموه بهذه السلاسل، ثم قودوه إلى المحشر، فيأتونه، فيزمونه بتلك السلاسل، ويمدونه.

وينادي ملك: يا كعبة الله سيري فتقول: لست بسائرة حتى أعطى سؤلي.

فينادي ملك من جو السماء: سلى.

فتقول الكعبة: يا رب شفعني في جيراني الذين دفنوا حولي من المؤمنين.

فتسمع النداء: قد أعطيتك سؤلك.

قال: فتحشر موتى مكة بيض الوجوه كلهم محرمين مجتمعين حول الكعبة يلبون.

ثم تقول الملائكة: سيري يا كعبة الله.

فتقول: لست بسائرة حتى أعطى سؤلي.

فينادي ملك من جو السماء: سلي تعطي.

فتقول الكعبة: يا رب عبادك المذنبون الذي وفدوا إلي من كل فج عميق شعثا غبرا، تركوا الأهل والأولاد والأحباب وخرجوا شوقا إلي زائرين مسلمين طائعين حتى قضوا مناسكهم كما أمرتهم، فأسألك أن تشفعني فيهم، وتؤمنهم من الفزع الأكبر، وتجمعهم حولي.

فينادي الملك: فإن فيهم من ارتكب الذنوب بعدك، وأصر على الكبائر حتى وجبت له النار.

فتقول: يا رب، أسألك الشفاعة في المذنبين الذين ارتكبوا الذنوب العظام والأوزار، حتى وجبت لهم النار.

فيقول الله تعالى: قد شفعتك فيهم، وأعطيتك سؤلك.

فينادي ملك من جو السماء: ألا من زار كعبة الله فليعتزل عن الناس.

فيعتزلون، فيجعلهم الله تعالى حول البيت الحرام بيض الوجوه.

آمنين من النار، يطوفون ويلبون.

ثم ينادي ملك من جو السماء: ألا يا كعبة الله سيري.

فتقول الكعبة: لبيك اللهم لبيك، والخير كله بيديك، لبيك لا شريك لك لبيك.

إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

ثم يمدونها إلى المحشر.

(قوله: لم يبعث الله نبيا) أي رسولا، بدليل ذكر البعث، لأنه خاصة الرسول، لكن عبر جماعة بقولهم: إن جميع الأنبياء والرسل حجوا البيت.

(قوله: والذي صرح به غيره) أي غير ابن إسحاق.

وقصده بهذا بيان أن قول ابن إسحاق

بعد إبراهيم ليس بقيد.

(قوله: أنه ما من نبي إلا حج) أي من كان قبل إبراهيم، ومن كان بعده.

والمراد بالنبي ما يشمل الرسول.

(قوله: خلافا لمن استثنى هودا وصالحا) أي قال إنهما لم يحجا.

قال العلامة عبد الرؤوف: وقائله عروة بن الزبير رضي الله عنهما حيث قال: بلغني أن آدم ونوحا حجا دون هود وصالح، لاشتغالهما بأمر قومهما، ثم بعث الله إبراهيم فحجه وعلم مناسكه، ثم لم يبعث الله نبيا بعده إلا حجه.

ويجاب عن قول عروة بأن الحديث على فرض صحته معارض بأحاديث كثيرة أنهما حجا، منها قول الحسن في رسالته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن قبر نوح وهود وشعيب وصالح فيما بين الركن والمقام وزمزم.

ومن المعلوم أنهم لا يأتون البيت بغير حج.

مع أن المثبت مقدم على النافي.

ولا تكره الصلاة بين الركن والمقام وزمزم توهما من حديث الحسن، لكونهما مقبرة، لأنها مقبرة الأنبياء، وهم أحياء في قبورهم، ولا يقال الكراهة أو الحرمة من حيث أن المصلي يستقبل قبر نبي، وهو منهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا قبور أنبيائكم مساجدا.

لأن شرط الحرمة أو الكراهة تحقق ذلك، وهو منتف هنا اهـ.

ملخصا.

ص: 313

والصلاة أفضل منه، خلافا للقاضي.

وفرض في السنة السادسة على الاصح، حج (ص) قبل النبوة وبعدها وقبل الهجرة حججا لا يدرى عددها،

ــ

(قوله: والصلاة أفضل منه) أي من الحج.

أي ومن غيره من سائر عبادات البدن، وذلك لخبر الصحيحين: أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة لوقتها.

قال حجر: ولا بدع أن يخص قولهم: أفضل عبادات البدن الصلاة بغير العلم.

وقيل الصوم أفضل، لخبر الصحيحين: قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به.

ورد ذلك بأن الصلاة تجمع ما في سائر العبادات، وتزيد عليها بوجوب الاستقبال، ومنع الكلام والمشي وغيرهما، ولأنها لا تسقط بحال، ويقتل تاركها، بخلاف غيرها.

وقال ابن أبي عصرون: الجهاد أفضل.

(وقوله: خلافا للقاضي) أي فإنه قال إن الحج أفضل منها، أي ومن غيرها من سائر العبادات، أي لاشتماله على المال والبدن، ولأنا دعينا إليه ونحن في الأصلاب، كما أخذ علينا العهد بالإيمان حينئذ.

ولأن الحج يجمع معاني العبادات كلها، فمن حج فكأنما صام، وصلى، واعتكف، وزكى، ورابط في سبيل الله، وغزا - كما قاله الحليمي -.

قال العلامة عبد الرؤوف: والظاهر أن قول القاضي هو أفضل: مفروض في غير العلم.

اه.

وحاصل المعتمد أن الأفضل مطلقا: اكتساب معرفة الله تعالى، بأن يقصد إلى النظر، وينظر في الآيات الدالة على وجوده تعالى، وعظيم قدرته، واتساع علمه في السموات والأرض وغيرهما مما يحصل به القطع بأن لا موجد لها سواه - كما قال البرعي رضي الله عنه: شهدت غرائب صنعه بوجوده * * لولاه ما شهدت به لولاه سل عنه ذرات الوجود فإنها * * تدعوه مفهوماتها رباه ثم العلم العيني وهو ما به صحة العمل، ثم فرض العين من غيره، وأفضله - على مذهب الجمهور - الصلاة.

قال الونائي ثم الصوم، ثم الحج، ثم العمرة، ثم الزكاة، ثم فرض الكفاية من العلم: وهو ما زاد على تصحيح العمل حتى يبلغ درجة الاجتهاد المطلق، ثم فرض الكفاية من غيره، ثم نقل العلم: وهو ما زاد على الاجتهاد المطلق.

(قوله: وفرض في السنة السادسة) قال في النهاية - كما صححاه في السير، ونقله في المجموع عن الأصحاب - وجزم الرافعي هنا بأنه سنة خمس، وجمع بين الكلامين بأن الفريضة قد تنزل ويتأخر الإيجاب على الأمة، وهذا كقوله تعالى: * (قد أفلح من تزكى) * (1) فإنا آية مكية، وصدقة الفطر مدنية.

اه.

(قوله: وحج صلى الله عليه وسلم إلخ) وكذلك اعتمر صلى الله عليه وسلم قبلها عمرا لا يدري عددها، وأما بعدها: فعمرة في رجب - كما قاله ابن عمر، وإن أنكرته عائشة، لأنه مثبت - وثلاثا - بل أربعا - في ذي القعدة: لأنه في حجة الوداع، كان في آخر أمره قارنا، وعمرة في شوال - كما صح في أبي داود - وعمرة في رمضان - كما في البيهقي، كذا في عبد الرؤوف.

(قوله: حججا لا يدرى عددها) قال في التحفة: وتسمية هذه حججا إنما هو باعتبار الصورة، إذ لم تكن على قوانين الحج الشرعي باعتبار ما كانوا يفعلونه من النسئ وغيره، بل قيل في حجة أبي بكر في التاسعة ذلك، لكن الوجه خلافه، لانه صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بحج شرعي، وكذا يقال في الثامنة التي أمر فيها عتاب بن أسيد أمير مكة، وبعدها حجة الوداع لا غير.

اه.

وكتب ابن سم ما نصه: قوله: وتسمية هذه حججا: إنما هو باعتبار الصورة أقول: قضية صنيعه أن حجه عليه الصلاة والسلام بعد النبوة قبل الهجرة لم يكن حجا شرعيا، وهو مشكل جدا.

اه.

(1) الاعلى: 14

ص: 314

وبعدها حجة الوداع لا غير.

وورد: من حج هذا البيت، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه قال شيخنا في حاشية

ــ

وكتب ع ش ما نصه: أقول وقد يقال لا إشكال فيه، لأن فعله صلى الله عليه وسلم بعد النبوة قبل فرضه لم يكن شرعيا بهذا الوجه

الذي استقر عليه الأمر.

فيحمل قول حجر، إذ لم يكن على قوانين الشرع إلخ، على أنه لم يكن على قوانين الشرع بهذه الكيفية.

اه.

قال العلامة باقشير.

قوله: على قوانين إلخ.

كأن المراد بقوانين الحج الشرعي: هو ما استقر عليه، فلا ينافي أن ما فعله أو أمر به شرعي.

اه.

وكتب السيد عمر البصري على قوله بل قيل في حجة أبي بكر الخ ما نصه: قال في الخادم حج أبي بكر رضي الله عنه في التاسعة كان في ذي القعدة لأجل النسئ، وكان بتقرير من الشرع، ثم نسخ بحجة الوداع.

وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الزمان قد استدار إلخ.

اه.

ما في الخادم.

ونقله الفاضل عميرة وأقره، وهو واضح لا غبار عليه.

ولا يرد عليه قول الشارح رحمه الله تعالى، لأنه صلى الله عليه وسلم الخ.

اه.

وقوله لاجل النسئ: هو فعيل بمعنى مفعول، من قولك نسأت الشئ، فهو منسوء، إذا أخرته.

ومعنى النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية: هو أنه كانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم، فإذا احتاجوا إلى القتال فيها قاتلوا فيها وحرموا غيرها، فإذا قاتلوا في المحرم حرموا بدله شهر صفر، وهكذا في غيره.

وكان الذي يحملهم على هذا: أن كثيرا منهم إنما كانوا يعيشون بإغارة بعضهم على بعض، ونهب ما يمكن نهبه من أموال من يغيرون عليه، ويقع بينهم بسبب ذلك القتال، وكانت الأشهر الثلاثة المسرودة يضر بهم تواليها، وتشتد حاجتهم، وتعظم فاقتهم، فيحلون بعضها، ويحرمون مكانه بقدره من غير الأشهر الحرم، فأنزل الله تعالى القرآن بتحريمه وعده من أنواع الكفر، فقال سبحانه وتعالى: * (إنما النسئ زيادة في الكفر) * (1)(قوله: وبعدها إلخ) أي وحج بعد الهجرة حجة الوداع لا غيرها.

(قوله: خرج من ذنوبه) قال ابن علان: الصغائر والكبائر والتبعات - كما يؤذن به عموم الجمع المضاف، وجاء التصريح بهما في رواية - وألف الحافظ ابن حجر في ذلك جزءا أسماه (قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج) وأفتى به الشهاب الرملي.

وحمله ولده على من مات فيه أو بعده وقبل تمكنه من الوفاء.

قال الشيخ محمد الحطاب المالكي - نقلا عن ابن خليل المكي شيخ المحب الطبري - أوائل مناسكه: قال مشايخنا المتقدمون: إن الضمان من الله بالمظالم والتبعات - والله أعلم - إنما ينزل على التائب الذي ليس بمصر، وقد يتعذر ردها إلى صاحبها والتحلل منه.

اه.

وألف فيه السيد بادشاه الحنفي جزءا.

قال الشارح - يعني ابن حجر - لكن ظاهر كلامهم يخالفه، والأول أوفق بظاهر السنة، والثاني أوفق بالقواعد، ويؤيده ما في المجموع عن القاضي عياض: غفران الصغائر فقط مذهب أهل السنة، والكبائر لا يكفرها إلا التوبة أو رحمه الله تعالى.

وعن الإمام مالك أن ذلك عام في كل ما ورد، واستدل له المصنف بخبر مسلم فيمن أحسن وضوءه وصلاته كانت كفارة لما قبله من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله، وبه يرد قول مجلي رد الكلام الإمام، وهذا الحكم يحتاج لدليل، وفضل الله واسع.

ويرد أيضا - كما قال إبن عبد البر - بأنه جهل وموافقة للمرجئة في قولهم، ولو كان كما زعموا لم يكن للأمر بالتوبة معنى، وقد أجمع المسلمون أنها فرض، والفرض لا يصح شئ منه إلا بالقصد.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.

لكن ربما أثرت هذه الطاعات في القلب، فحملت على التوبة.

وحديث العباس بن مرداس أنه صلى الله عليه وسلم: دعا لأمته عشية عرفة بالعفو حتى عن المظالم والدماء فلم يستجب له، ثم دعا لهم صبيحة مزدلفة فاستجيب له حتى عن المظالم والدماء.

وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك من جزع الشيطان.

رواه ابن ماجة وأبو داود ولم يضعفه.

وإيراد ابن الجوزي له في الموضوعات رده الحافظ ابن حجر في قوة الحجاج إلى أن قال: وأحسن منه - أي من تضعيفه - أنه ليس في الحديث

(1) التوبة: 37

ص: 315

الايضاح: قوله: كيوم ولدته أمه - يشمل التبعات.

وورد التصريح به في رواية، وأفتى به بعض مشايخنا، لكن ظاهر كلامهم يخالفه، والاول أوفق بظواهر السنة، والثاني أوفق بالقواعد.

ثم رأيت بعض المحققين نقل

ــ

تعرض لما الكلام فيه من تكفير الحج الكبائر والتبعات، إنما فيه أن الله استجاب دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم بالعفو عن جميع الذنوب بأنواعها، فإن كان المراد الحاضر من الأمة حينئذ، فظاهر عدم دلالته على المطلوب، وإن كان أمته مطلقا، فكذلك، إذ ليس في الحديث أن غفرانهم عن الحج إنما فيه إجابة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودلالته على المدعي تتوقف على ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أراد بالأمة الحاج منهم كل عام، وفي ثبوت ذلك بعد أي بعد.

اه.

كلام ابن علان.

وجزم المصنف - أي ابن حجر - في الحاشية بضعف حديث العباس ابن مرداس، فقال: ضعف البخاري وابن ماجه اثنين من رواته.

وقال ابن الجوزي أنه لا يصح، تفرد به عبد العزيز ولم يتابع عليه.

قال ابن حبان: وكان يحدث على التوهم والحسبان، فبطل الاحتجاج به.

اه.

وفي حاشية الشيخ باعشن على الونائي ما نصه: وحاصله أن ابن المنذر وجماعة حملوا التكفير في هذا ونحوه على ما يعم الصغائر والكبائر أخذا بإطلاق النصوص، وأن بعضهم - ومنهم العلامة ابن حجر - قيدها بالصغائر حملا للمطلق على المقيد، وعملا بما نقل من الإجماع، لكن في الإجماع نظر، إذ لو كان ثابتا لما جهله ابن المنذر وغيره من أكابر المتقدمين والمتأخرين، وحمل المطلق على المقيد إنما يكون فيما لم يرد فيه تصريح ينافي الحمل المذكور.

ومن ثم قال

العلامة الكردي: والذي يظهر أن ما صرحت به الأحاديث - من أنه يكفر الكبائر - لا ينبغي التوقف فيه بأنه يكفرها، وما أطلقت الأحاديث فيه يبقى الكلام فيه.

قال: وملت في الأصل إلى أن الإطلاق يشمل الكبائر، والفضل واسع، وما ذكره موافق للجمال الرملي.

اه.

من حاشية سيدنا وشيخنا السيد أحمد دحلان على عبد الرؤوف الزمزمي في المناسك.

وفي حاشية البجيرمي على الإقناع ما نصه: والحج يكفر الصغائر والكبائر، حتى التبعات على المعتمد، إن مات في حجه أو بعده وقبل تمكنه من أدائها.

كما قاله زي.

قال ع ش: وتكفيره لما ذكر: إنما هو لإثم الإقدام، لا لسقوط حقوق الآدميين - بمعنى أنه إذا غصب مالا، أو قتل نفسا ظلما عدوانا، غفر له إثم الإقدام على ما ذكر، ووجب عليه القود، ورد المغصوب إن تمكن، وإلا فأمره إلى الله تعالى في الآخرة.

ومثله سائر حقوق الآدميين، وهو بعيد مخالف لكلام الزيادي، وكلام الزيادي هو المشهور.

وسئل الرملي عن مرتكب الكبائر الذي لم يتب منا إذا حج، هل يسقط وصف الفسق وأثره كرد الشهادة، أو يتوقف على ذلك توبة؟ فأجاب بأنه يتوقف على التوبة مما فسق به.

وعبارة الرحماني: ولو قلنا بتكفير الصغائر والكبائر، إنما هو بالنسبة لأمور الآخرة حتى لو أراد الشهادة بعده فلا بد من التوبة، والاستبراء سنة.

اه.

بتصرف.

(قوله: كيوم ولدته أمه) أي خرج منها خروجا مثل خروجه يوم ولدته أمه، أو خرج منها حال كونه مشابها لنفسه يوم ولادته في البراءة، فهو إما صفة لمصدر محذوف، أو في محل نصب على الحال.

(قوله: يشمل التبعات) جمع تبعة بضمة بين فتحتين، وهي حق الآدمي صغيرة أو كبيرة.

اه.

عبد الرؤوف.

والضبط المذكور خلاف ما في القاموس، فإن الذي فيه كفرحة وكتابة، وكذا خلاف ما في المصباح، فإن الذي فيه ككلمة تأمل.

(قوله: وورد التصريح به) أي بلفظ التبعات.

(قوله: وأفتى به) أي بشموله للتبعات.

(قوله: لكن ظاهر كلامهم) أي الفقهاء.

(وقوله: يخالفه) أي ما ذكر من شموله للتبعات.

(قوله: والأول) أي شموله للتبعات.

(وقوله: أوفق بظواهر السنة) منها الحديث المتقدم، وهو حديث العباس بن مرداس، وقد تقدم ما فيه.

قال العلامة عبد الرؤوف: على أن الحديث مؤول بحمله على أنه يرجى لبعض الحجاج - إن الله يرضى عنه خصماءه.

(قوله: والثاني) أي عدم شموله لها المراد من قوله، لكن ظاهر كلامهم يخالفه.

(وقوله: أوفق بالقواعد) فإن القاعدة أن حق الله مبني على المسامحة، وحق الآدمي مبني على المشاحة، فلا يخرج منه

ص: 316

الاجماع عليه، وبه يندفع الافتاء المذكور تمسكا بالظواهر.

(والعمرة) وهي لغة: زيادة مكان عامر.

وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي.

(يجبان) أي الحج والعمرة - ولا يغني عنها الحج وإن اشتمل عليها.

وخبر: سئل (ص) عن العمرة، أواجبة هي؟ قال: لا ضعيف اتفاقا، وإن صححه الترمذي.

(على) كل مسلم، (مكلف) أي بالغ، عاقل، (حر): فلا يجبان على صبي ومجنون،

ــ

إلا برضاه.

(قوله: ونقل الإجماع عليه) أي على الثاني.

وفي نقل الإجماع نظر، كما تقدم عن باعشن.

(قوله: وبه

يندفع) أي وبالإجماع يندفع الإفتاء المذكور.

أي بشموله للتبعات.

(وقوله: تمسكا بالظواهر) علة الإفتاء.

(قوله: والعمرة) بالجر، عطف على الحج.

أي باب في بيان الحج وبيان العمرة، وهي بضم العين مع ضم الميم وإسكانها، وبفتح العين وإسكانها.

(قوله: وهي لغة: زيارة مكان عامر) أي ولذلك سميت عمرة.

وقيل سميت بها لأنها تفعل في العمر كله.

(قوله: وشرعا: قصد الكعبة إلخ) وقيل نفس الأعمال الآتية - كما تقدم في الحج - (وقوله: للنسك الآتي) أي الأعمال الآتية، من إحرام، وطواف، وسعي، وحلق - أو تقصير -.

(فإن قلت): كلامه يقتضي اتحاد الحج والعمرة، إذ كل منهما قصد الكعبة للنسك.

(قلت) لا، لأن تقييده في تعريف كل بلفظ الآتي يدفع الاتحاد، إذ النسك الآتي في تعريف الحج غير النسك الآتي في تعريف العمرة، فما وعد بإتيانه في كل تعريف يخرج الآخر.

(قوله: يجبان إلخ) أي وجوبا عينيا على من ذكر.

أما الحج فإجماعا، بل معلوم من الدين بالضرورة، ومن أركان الإسلام.

وأما العمرة فعلى الأظهر، لما صح: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله: هل على النساء جهاد؟ قال: نعم.

جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة.

ويجبان أيضا - وجوبا كفائيا - كل سنة لإحياء الكعبة المشرفة على الأحرار البالغين، ولا يسقط بفعل غيرهم، وقيل يسقط، قياسا على الجهاد وصلاة الجنازة.

ويسنان من الأرقاء والصبيان والمجانين.

(واعلم) أن لهما خمس مراتب: صحة مطلقا - أي لم تقيد بمباشرة وغيرها - وصحة مباشرة، ووقوع عن النذر، ووقوع عن حجة الإسلام، وصحة وجوب.

ولكل مرتبة شروط.

واقتصر المؤلف - رحمه الله تعالى - على شروط مرتبة الوجوب - فيشترط للأولى: الوقت، والإسلام.

فلولي المال أن يحرم عن الصغير - كما سيأتي -.

ويشترط للثانية معهما: التمييز، ومعرفة الكيفية، والعلم بالأعمال.

بأن يأتي بها عالما أنه يفعلها عن النسك.

ويشترط للثالثة مع ما ذكر: البلوغ، والعقل، وإن لم يكن حرا فيصح نذر الرقيق الحج.

ويشترط للرابعة مع ذكر: الحرية، وإن لم يكن مستطيعا، فلو تكلف الفقير وحج حجة الإسلام صح، ووقع عنها.

ويشترط للخامسة مع ما ذكر: الاستطاعة.

(قوله: ولا يغني عنها الحج) أي لا يقوم مقام العمرة الحج، لأن كلا أصل قصد منه ما لم يقصد من الآخر - ألا ترى أن لها مواقيت غير مواقيت الحج، وزمنا غير زمن الحج؟ وحينئذ فلا يشكل بإجزاء الغسل عن الوضوء، لأن كل ما قصد به الوضوء موجود في الغسل.

اه.

تحفة.

(قوله: وإن اشتمل) أي الحج.

(وقوله: عليها) أي العمرة.

وذلك لأن أركان العمرة هي أركان الحج، ما عدا الوقوف.

والغاية لعدم الاستغناء بالحج عنها.

(قوله: وخبر) مبتدأ.

مضاف إلى جملة سئل إلخ إضافة بيانية.

(قوله: ضعيف) خبر المبتدأ.

(وقوله: اتفاقا) أي أن ضعفه ثابت باتفاق الحفاظ.

(قوله:

وإن صححه الترمذي) أي فلا يغتر بقوله.

وعبارة المغني: وأما خبر الترمذي عن جابر سئل إلخ، فضعيف.

قال في المجموع: اتفق الحفاظ على ضعفه، ولا يغتر بقول الترمذي فيه حسن صحيح.

وقال ابن حزم إنه باطل.

قال أصحابنا: ولو صح، لم يلزم منه عدم وجوبها مطلقا، لاحتمال أن المراد ليست واجبة على السائل لعدم استطاعته.

اه.

(قوله: على كل مسلم) قيد أول خرج به الكافر الأصلي، فلا يجبان عليه وجوب مطالبة بهما في الدنيا، حتى لو أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر، فإنه لا أثر لها.

أما المرتد، فيخاطب بهما في ردته، حتى لو استطاع ثم أسلم لزمه الحج، وإن افتقر.

فإن أخره حتى مات حج عنه من تركته - هذا إذا أسلم، فإن لم يسلم ومات على ردته: لا يقضيان عنه.

وكما لا يجبان على الكافر، لا يصحان منه، ولا عنه، لعدم أهليته للعبادة.

(قوله: مكلف) صفة لمسلم، وهو قيد ثان.

(قوله:

ص: 317

ولا على رقيق.

فنسك غير المكلف - ومن فيه رق - يقع نفلا - لا فرضا (مستطيع) للحج، بوجدان الزاد ذهابا

ــ

أي بالغ عاقل) تفسير لمكلف.

(قوله: حر) أي كله ولو بالتين.

وإن كان حال الفعل قنا ظاهرا - كما في التحفة - وهو قيد ثالث.

(قوله: فلا يجبان على صبي ومجنون ولا على رقيق) أي لنقصهم.

والحج والعمرة إنما يجبان في العمر مرة واحدة، فاعتبر الكمال فيهما.

وأيضا الرقيق منافعه مستحقة لسيده، فليس مستطيعا.

وأخذ الشارح محترز بالغ وعاقل وحر ولم يأخذ محترز ما زاده - وهو مسلم - وكان الأولى ذكره أيضا، وقد علمته.

(قوله: فنسك الخ) مفرع على عدم وجوبهما على الصبي ومن بعده.

يعني وإذا لم يجبا على هؤلاء، فالنسك الواقع منهم يقع نفلا - أي يصح، ويقع تطوعا - لكن بشرط أن يتموه في الصبا والجنون والرق، فلو بلغ الصبي أو عتق وهو بعرفة، وأدرك من وقت الوقوف زمنا يعتد به في الوقوف، أو بعد إفاضته من عرفة ثم عاد إليها قبل خروج الوقت، أجزأته تلك الحجة عن فرض الإسلام، ولا دم عليه بوقوع إحرامه حال النقص، وإن لم يعد للميقات بعد الكمال، نعم، يجب عليه إعادة السعي بعد طواف الإفاضة إن كان قد سعى بعد طواف القدوم وطواف العمرة كالوقوف، فإن بلغ، أو عتق قبله، أو فيه، أجزأته تلك العمرة عن عمرة الإسلام، لكنه يعيد بعض الطواف الذي تقدم على البلوغ أو العتق.

فإن بلغ أو عتق بعد تمام الطواف، فالذي اعتمده في النهاية أنه يعيده، ويجزئه عن عمرة الإسلام.

وإفاقة المجنون بعد الإحرام عنه كبلوغ الصبي وعتق الرقيق في جميع ما ذكر.

(فائدة) الصبي إذا كان غير مميز يحرم عنه وليه، وإذا كان مميزا فهو مخير بين أن يحرم عنه أو يأذن له في ذلك.

ومثل الصبي: المجنون - فيجوز للولي أن يحرم عنه - ولو طرأ جنونه بعد البلوغ.

وكذا المغمى عليه - إن لم يرج زوال

إغمائه قبل فوات الوقوف - وإلا فلا يصح الإحرام عنه.

وأما الرقيق، فإن كان صغيرا: فللولي أن يحرم عنه، أو يأذن له إذا كان مميزا.

فإن كان بالغا فله أن يحرم بنفسه، ولو من غير إذن سيده، وإن كان له إذا لم يأذن له أن يحلله ولا يجوز لسيده أن يحرم عنه.

وصفة إحرام من ذكر عمن ذكر: أن ينوي جعله محرما بأن يقول: جعلته محرما، أو يقول - كما في الروض وشرحه - أحرمت عنه، ثم يلبي ندبا.

وحيث صار المولى محرما: أحضره وليه سائر المواقف: وجوبا في الواجب، وندبا في المندوب.

ويفعل عنه ما لا يمكن منه - كالرمي - بعد رمي نفسه، ويصلي عنه سنتي الطواف والإحرام.

ويشترط في الطواف طهرهما عن الحدث والخبث - كما اعتمداه في التحفة والنهاية -.

قال الكردي: وظاهر أن الولي إنما يفعلهما - أي الطواف والسعي - به بعد فعله عن نفسه - كما تقدم في الرمي -.

اه.

هذا إذا كان غير مميز، فإن كان مميزا طاف، وصلى، وسعى، وحضر المواقف، ورمى الأحجار بنفسه.

ثم إن الولي يغرم واجبا بإحرام، كدم تمتع، وقران، وفوات، وكفدية شئ من محظوراته إن ارتكبها المميز.

أما غيره، فلا فدية في ارتكابه محظورا على أحد.

ويغرم الولي زيادة النفقة بسبب السفر، ولو قبل صيرورته محرما.

(قوله: مستطيع) قيد رابع.

وإنما شرطت الاستطاعة، لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * قال ابن عباس رضي الله عنهما والاستطاعة: أن يكون قادرا على الزاد والراحلة، وأن يصح بدن العبد، وأن يكون الطريق آمنا.

ثم إن الاستطاعة نوعان: أحدهما: استطاعة مباشرة، وهذه يقال لها استطاعة بالبدن والمال، ولها أحد عشر شرطا - يؤخذ غالبها من كلام المصنف رحمه الله تعالى -.

الأول: وجود مؤن السفر ذهابا وإيابا.

الثاني: وجود الراحلة مع وجود شق محمل لمن لا يقدر على الراحلة: الثالث: أمن الطريق.

الرابع: وجود الماء والزاد في المواضع التي يعتاد حملهما منها بثمن مثله.

الخامس: خروج زوج أو محرم مع المرأة.

السادس: أن يثبت على الراحلة بلا مشقة شديدة.

السابع: وجود ما مر من

(1) آل عمران: 97

ص: 318

وإيابا، وأجرة خفير - أي مجير يأمن معه - والراحلة - أو ثمنها: إن كان بينه وبين مكة مرحلتان أو دونهما وضعف عن المشي - مع نفقة من يجب عليه نفقته وكسوته إلى الرجوع.

ويشترط أيضا للوجوب: أمن الطريق على

ــ

الزاد وغيره وقت خروج الناس من بلده.

الثامن: أن يبقى بعد الاستطاعة زمن يمكنه الوصول فيه إلى مكة باليسر المعتاد: التاسع: أن يجد رفقة حيث لم يأمن وحده.

العاشر: أن يجد ما مر بمال حاصل عنده أو بدين حال على ملئ.

الحادي

عشر: أن يجد الأعمى قائدا يقوده ويهديه عند ركوبه ونزوله - ولو بأجرة مثل قدر عليها -.

ثانيهما: استطاعة بإنابة الغير عنه، وهذه يقال لها استطاعة بالمال فقط، وإنما تكون في ميت ومعضوب.

وقد بينها بقوله: فرع، تجب إنابة الخ.

ثم إنه إذا استطاع ثم افتقر، لزمه التكسب والمشي إن قدر عليه، ولا يلزمه السؤال، خلافا للإحياء.

والفرق: أن أكثر النفوس تسمح بالتكسب - لا سيما عند الضرورة - دون السؤال.

(قوله: للحج) متعلق بمستطيع، واقتصر عليه لأن الاستطاعة له تغني عنه وعن العمرة، بخلاف الاستطاعة للعمرة في غير وقت الحج، وذلك لتمكنه من القرآن في الأولى، لا الثانية.

(قوله: بوجدان الزاد) تصوير وبيان للاستطاعة المفهومة من مستطيع.

أي أن الاستطاعة تحصل بوجدان الزاد إلخ.

ومحل ما ذكر: إذا لم يقصر سفره للنسك، بأن كان دون يومين من مكة، وكان يكتسب في أول يوم كفاية أيام الحج: وهي ما بين زوال سابع ذي الحجة، وزوال ثالث عشرة لمن لم ينفر النفر الأول، وإلا فلا يشترط وجدان ذلك، بل يلزمه النسك لقلة المشقة.

(وقوله: ذهابا وإيابا) أي مدة ذهابه وإيابه، وكذا مدة إقامته بمكة أو غيرها، وتعتبر مؤنة الإياب، وإن لم يكن له ببلده أهل وعشيرة، ومحل هذا - كما في التحفة - فيمن له وطن ونوى الرجوع إليه أو لم ينو شيئا، فمن لا وطن له، وله بالحجاز ما يقيته، لا تعتبر في حقه مؤنة الإياب قطعا، لاستواء سائر البلاد إليه، وكذا من نوى الاستطيان بمكة أو قر بها.

(قوله: وأجرة خفير) بالجر، عطف على الزاد.

أي وبوجدان أجرة خفير.

(وقوله: أي مجير) بيان لمعنى حفير.

أي أن معناه هو المجير، أي الذي يجير ويحرس ويحمي الركب من طالبيه.

قال في المصباح: خفرته: حميته من طالبيه، فأنا خفير.

والاسم: الخفارة - بضم الخاء وكسرها - والخفارة مثلثة الخاء.

جعل الخفير.

اه.

(وقوله: يأمن) أي مريد النسك على نفسه وماله وبضعه.

(وقوله: معه) أي المجير.

(قوله: والراحلة) معطوف على الزاد أيضا.

أي وبوجدان الراحلة.

وأصل الراحلة الناقة الصالحة للحمل.

والمراد بها هنا كل ما يصلح للركوب عليه بالنسبة لطريقه الذي يسلكه، ولو نحو بغل وحمار وبقر، وإن لم يلق به ركوبه عند ابن حجر.

وتشترط الراحلة، وإن كان قادرا على المشي، وشرط زيادة على الراحلة لأنثى وخنثى، ورجل متضرر بركوب الراحلة قدرة على شق محمل، وعلى شريك يليق به يعادله في الشق الآخر، فإن تضرروا بمحمل، اعتبر محارة كالشقدف، فمحفة وهي المعروفة بالتخت فسرير يحمله رجال، فالحمل على أعناق الرجال.

(وقوله: أو ثمنها) أي أو بوجدان ثمن الراحلة، أي أو وجدان أجرتها، فلا فرق في استطاعة الراحلة بين أن تكون هي

عنده أو يكون عنده ثمنها أو أجرتها.

(قوله: إن كان الخ) قيد في اشتراط وجدان الراحلة.

(وقوله: بينه) أي مريد النسك.

(وقوله: مرحلتان) أي فأكثر، وإن أطاق المشي.

نعم، ليس له المشي حينئذ، خروجا من خلاف من أوجبه.

(قوله: أو دونهما الخ) أي أو كان بينه وبين مكة دون مرحلتين، والحال أنه قد ضعف عن المشي، فإن قوي عليه بأن لم تحصل به مشقة تبيح التيمم فلا يعتبر في حقه الراحلة وما يتعلق بها.

(قوله: مع نفقة من يجب الخ) الظرف متعلق بوجدان، أو بمحذوف صفة للراد وما عطف عليه، أي وتعتبر الاستطاعة بوجدان الزاد مع وجدان نفقة من تجب عليه نفقته.

والمراد بالنفقة المؤنة.

ولو عبر بها لكان أولى، لتشمل الكسوة، والخدمة والسكنى، وإعفاف الأب، وثمن دواء، وأجرة طبيب.

والمراد بمن تجب عليه نفقته الزوجة، والقريب، والمملوك المحتاج لخدمته، وأهل الضرورات من المسلمين ولو من غير أقاربه لما ذكروه في السير من أن دفع ضرورات المسلمين بإطعام جائع، وكسوة عار، ونحوهما فرض على من ملك أكثر من كفاية سنة.

وقد أهمل هذا غالب الناس، حتى من ينتمي إلى الصلاح (وقوله: وكسوته) بالرفع

ص: 319

النفس والمال، ولو من رصدي، وإن قل ما يأخذه، وغلبة السلامة لراكب البحر، فإن غلب الهلاك - لهيجان الامواج في بعض الاحوال - أو استويا: لم يجب، بل يحرم الركوب فيه له ولغيره.

وشرط للوجوب على المرأة - مع ما ذكر - أن يخرج معها محرم، أو زوج، أو نسوة ثقات، ولو إماء، وذلك

ــ

عطف على نفقته الثانية، وبالجر عطف على الأولى.

وعلى كل، في كلامه الحذف إما من الأول، أو من الثاني.

(وقوله: إلى الرجوع) متعلق بمحذوف أي ويعتبر وجدان نفقة من ذكر من الذهاب إلى الرجوع.

(قوله: ويشترط أيضا للوجوب) أي وجوب النسك.

ولا يخفى أن هذا من شروط الاستطاعة التي هي شرط للوجوب.

فلو قال: ومع أمن الطريق عطفا على مع نفقة لكان أولى وأنسب.

(قوله: أمن الطريق إلخ) أي أمنا لائقا بالسفر، وهو دون أمن الحضر، ولو كان أمنه ظنا، ولو كان بخفير بأجرة مثله.

وخرج بالأمن على ما ذكر الخوف عليه من سبع أو غيره، فلا يجب عليه النسك حينئذ، لعدم الاستطاعة.

(وقوله: على النفس) أي له ولغيره.

(وقوله: والمال) أي ويشترط أمن الطريق على المال، لكن بشرطين: أن يحتاج إليه للنفقة والمؤنة، وأن يكون له لا لغيره.

فلو أراد استصحاب مال خطير للتجارة أو نحوها، وكان يأمن عليه لو تركه في بلده، فإنه لا يعتبر الخوف عليه، ولا يعد عذرا، وكذلك لو أراد استصحاب مال غيره إن لم يجب عليه حفظه والسفر به.

فإن وجب عليه حفظه والسفر به كوديعة فكماله.

ومثل النفس المال، والبضع، وجميع ما يحتاج لاستصحابه لسفره، فإن خاف على شئ منها لم يلزمه النسك للضرر وإن اختص الخوف به.

(قوله: ولو من رصدي) غاية في اشتراط الأمن: أي يشترط الأمن حتى من الرصدي، وهو بفتح الصاد وسكونها الذي يرصد الناس أي يرقبهم في الطريق أو القرى ليأخذ منهم شيئا ظلما.

(قوله: وإن قل ما يأخذه) أي الرصدي، وهو غاية في

اشتراط أمن الطريق.

أي يشترط ما ذكر، وإن كان المال الذي يأخذه الرصدي شيئا يسيرا.

قال في شرح المنهج: ويكره بذل المال لهم أي المترصدين لأنه يحرضهم على التعرض للناس، سواء كانوا مسلمين أم كفارا لكن إن كانوا كفارا وأطاق الخائفون مقاومتهم سن لهم أن يخرجوا للنسك ويقاتلوهم لينالوا ثواب النسك والجهاد اه.

وكتب البجيرمي قوله ويكره بذل المال أي قبل الاحرام أما بعده فلا يكره اه قوله وغلبة السلامة معطوف على أمن الطريق أي ويشترط أيضا غلبة السلامة لراكب البحر أي عند أهل البحر العارفين به قال في التحفة وظاهر تعبيرهم بغلبة السلامة أنه لو اعتيد في ذلك الزمن الذي يسافر فيه أنه يغرق فيه تسعة ويسلم عشرة لزم ركوبه ويؤيده الحاقهم الاستواء بغلبة الهلاك ولا يخلو عن بعد فلو قيل المعتبر العرف فلا يكتفي بتفاوت الواحد ونحوه لم يبعد ويؤيده ما يأتي في الفرار عن الصف وعليه فالمراد الاستواء العرفي أيضا لا الحقيقي وخرج بالبحر الأنهار العظيمة كجيحون والنيل فيجب ركوبها قطعا لأن المقام فيها لا يطول والخوف لا يعظم وقول الأذرعي محله إذا كان يقطعها عرضا وإلا فهي في كثير من الأوقات كالبحر وأخطر مردود بأن البر فيها قريب أي غالبا فيسهل الخروج إليه اه بتصرف قوله فإن غلب الهلاك هو وما بعده محترز غلبة السلامة وقوله لهيجان الأمواج أي أو لخصوص ذلك البحر وقوله في بعض الأحوال أي الأوقات قوله أو استويا أي السلامة والهلاك ومثله جهل الحال كما في البجيرمي قوله لم يجب أي ركوب البحر بدليل الاضراب بعده ويحتمل لم يجب أي الحج أي لم يلزمه قوله بل يحرم الخ الاضراب انتقالي وقوله فيه أي في البحر قوله له ولغيره أي للحج ولغير الحج قوله وشرط للوجوب أي وجوب الحج ولو قال وشرط للاستطاعة في المرأة الخ لكان أولى قوله مع ما ذكر أي من وجدان الزاد والراحلة وأمن الطريق وغيرها مما تقدم وقوله أن يخرج معها محرم أي بنسب أو رضاع أو مصاهرة ولو فاسقا لأنه مع فسقه يغار عليها من مواقع الريب وقوله أو زوج أي ولو فاسقا لما تقدم وألحق بهما جمع عبدها الثقة إذا كانت هي ثقة أيضا والأجنبي الممسوح الذي لم يبق فيه شهوة للنساء قوله أو نسوة ثقاة بأن بلغن وجمعن صفات العدالة قال في التحفة ويتجه الاكتفاء بالمراهقات بقيده السابق وبمحارم فسقهن بغير نحو زنا أو قيادة ونحو ذلك ثم قال لكن نازع جمع في اشتراط ثلاث المصرح به كلامهما وقالوا ينبغي الاكتفاء بثنتين ويجاب بأن

ص: 320

لحرمة سفرها وحدها، وإن قصر، أو كانت في قافلة عظيمة، ولها - بلا وجوب - أن تخرج مع امرأة ثقة لاداء فرض الاسلام، وليس لها الخروج لتطوع، ولو مع نسوة كثيرة، وإن قصر السفر، أو كانت شوهاء.

وقد صرحوا بأنه يحرم على المكية التطوع بالعمرة من التنعيم مع النساء، خلافا لمن نازع فيه (مرة) واحدة في العمر (بتراخ) لا على الفور.

نعم، إنما يجوز التأخير بشرط العزم على الفعل في المستقبل، وأن لا يتضيقا عليه

ــ

خطر السفر اقتضى الاحتياط في ذلك على أنه قد يعرض لأحداهن حاجة تبرز ونحوه فيذهب اثنتان وتبقى اثنتان ولو

اكتفى بثنتين لذهبت واحدة وحدها فيخشى عليها اه قوله وذلك أي اشتراط خروج من ذكر معها وقوله لحرمة سفرها وحدها أي لخبر الصحيحين لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو محرم وفي رواية لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم وفي رواية بريدا إلا ومعها محرم وقوله يومين في الرواية الأولى وثلاثة أيام في الرواية الثانية وبريدا في الثالثة ليس قيد أو المراد كل ما يسمى سفرا سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا قوله وإن قصر أي السفر وهو غاية لحرمة السفر وحدها قوله أو كانت أي المرأة وهو معطوف على قصر فهو غاية ثانية قوله ولها بلا وجوب الخ أفاد بهذا أن اشتراط جمع من النسوة الثقاة إنما هو للوجوب أما الجواز فلها أن تخرج مع امرأة واحدة ثقة ولها أيضا أن تخرج وحدها إذا تيقنت الأمن على نفسها كما في المغنى وعبارته تنبيه ما جزم به المصنف من اشتراط النسوة هو شرط للوجوب أما الجواز فيجوز لها أن تخرج لاداء حجة الاسلام مع المرأة الثقة على الصحيح في شرحي المهذب ومسلم قال الإسنوي فافهمه فإنهما مسألتان إحداهما شرط وجوب حجة الاسلام والثانية شرط جواز الخروج لا دائها اشتبهتا على كثير حتى توهموا اختلاف كلام المصنف في ذلك وكذا يجوز لها الخروج وحدها إذا أمنت وعليه حمل ما دل من الأخبار على جواز السفر وحدها قوله لاداء فرض الاسلام مثله لنذر والقضاء كما في التحفة قوله وليس لها الخروج لتطوع أي كنسك تطوع أو غيره من الاسفار التي لا تجب قال في التحفة نعم لو مات نحو المحرم وهو في تطوع فلها اتمامه اه.

قوله وإن قصر السفر غاية في امتناع خروجها للتطوع وقوله أو كانت شوهاء أي قبيحة المنظر وهو معطوف على قصر فهو غاية ثانية قوله وقد صرحوا الخ لا حاجة إليه بعد قوله وإن قصر السفر إذ هو صادق به ويمكن أن يقال أنه ساقه كالتأييد له وعبارة التحفة أما النفل فليس لها الخروج له مع نسوة وإن كثرن حتى يحرم على المكية الخ اه.

وقوله يحرم على المكية التطوع بالعمرة والحيلة إذا أرادت العمرة أن تنذر التطوع فحينئذ لا يحرم عليها الخروج لأنها صارت واجبة قوله خلافا لمن نازع فيه أي في تحريم خروج المكية للتنعيم قوله مرة واحدة وذلك لانه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد فرض الحج إلا مرة واحدة وهي حجة الوداع ولخبر أبي هريرة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم.

رواه مسلم.

ولخبر الدارقطني بإسناد صحيح عن سراقة قال قلت يا رسول الله عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال لا بل للأبد وأما حديث البيهقي الآمر بالحج في كل خمسة أعوام فمحمول على الندب لقوله صلى الله عليه وسلم من حج حجة أدى فرضه ومن حج حجة ثانية داين ربه ومن حج ثلاث حجج حرم الله شعره وبشره على النار قيل أن رجلا قتل وأوقد عليه طول الليل فلم تعمل فيه وبقي أبيض اللون فسألوا سعدون الخولاني عن ذلك فقال لعله حج ثلاث حجج قالوا نعم قوله بتراخ لا يصح تعلقه فيجبان لأنهما وجبا على المستطيع حالا والتراخي في الفعل بل متعلق بمحذوف أي ويفعلان بعد استكمال شروط الوجوب على التراخي وذلك لأن الحج وجب سنة ست وأخره النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 321

بنذر، أو قضاء، أو خوف عضب، أو تلف مال بقرينة، ولو ضعيفة.

وقيل يجب - على القادر - أن لا يترك الحج في كل خمس سنين - لخبر فيه.

(فرع) تجب إنابة عن ميت عليه نسك من تركته - كما تقضى منه ديونه - فلو لم تكن له تركة، سن لوارثه أن

ــ

مع مياسير أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين إلى عشرة من غير شغل يحرب ولا خوف من عدو وقيس به العمرة كذا في ابن الجمال قوله لا على الفور قال في الإيضاح هذا مذهبنا وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى وأحمد والمزني يجب على الفور اه قوله نعم إنما يجوز التأخير الخ استدراك على قوله بتراخ الموهم أنه على الاطلاق من غير اشتراط شئ واعلم أنه إذا جاز له التأخير لو جود شروطه فأخر ومات تبين فسقه من وقت خروج قافلة بلده في آخر سنى الامكان إلى الموت فيرد ما شهد به وينقض ما حكم به قوله بشرط العزم على الفعل في المستقبل فلو لم يعزم على ما ذكر حرم عليه التأخير قوله وأن لا يتضيقا الخ معطوف على العزم أي وبشرط أن لا يتضيق عليه الحج والعمرة قوله بنذر بيان لتصوير تضيقهما أي يتصور تضيقهما بأن ينذر وقوعهما في سنة معينة كان قال الله على أن حج في هذه السنة أو أعتمر في هذه السنة فيجبان عليه بسببه فور أو إذا حج خرج من فرضه ومن نذره فيقع أصل الفعل عن الفرض والتعجيل عن النذر قال في البهجة وأجزأت فريضة الإسلام * عن نذر حج واعتمار العام قوله أو قضاء معطوف على نذر أي وان لا يتضيقا عليه بقضاء كأن أفسد حجه أو عمرته فإنه يجب عليه القضاء فورا قوله أو خوف عضب معطوف أيضا على نذر أي وان لا يتضيقا عليه بخوف عضب بقول عدلى طب أو معرفة نفسه فان تضيقا عليه بذلك حرم التأخير قال في الايضاح على الأصح اه وكتب ابن الجمال قوله على الأصح قال في شرح المهذب لأن الواجب الموسع لا يجوز تأخيره الا بشرط أن يغلب على الظن السلامة إلى وقت فعله وهذا مفقود

في مسئلتنا ووجه مقابل الأصح أن أصل الحج على التراخي فلا يتغير بأمر محتمل اه قوله أن تلف مال عطف على عضب أي أو خوف تلف مال وقوله بقرينة متعلق بمحذوف صفة لخوف بالنسبة للعضب وللتلف أي خوف حاصل له بقرينة ولو كانت ضعيفة قوله وقيل يجب الخ مقابل قوله مرة واحدة قوله لخبر فيه أي لخبر وارد في وجوب الحج في كل خمسة أعوام وهو أن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام ولا يفد على لمحروم وفيه أن هذا الخبر لا يدل على وجوبه كل خمسة أعوام وإنما يدل على تأكد طلبه قوله تجب إنابة إلخ أي فورا وذلك لخبر البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته قالت نعم قال اقضوا حق الله فالله أحق بالوفاء شبه الحج بالدين وأمر بقضائه فدل على وجوبه وقوله عن ميت أي غير مرتد أما هو فلا تصح الإنابة عنه وهو معلوم من تعبيره بتركته إذا المرتد لا تركة له موروثة عنه لتبين زوال ملكه بالردة وقوله عليه نسك أي في ذمته نسك واجب حج أو عمرة ولو قضاء أو نذرا وذلك بأن مات بعد استقرار النسك عليه ولم يؤده وخرج بذلك ما إذا مات قبل أن يستقر عليه فلا يقضى من تركته لكن للوارث والأجنبي الحج والاحجاج عنه على المعتمد نظر إلى وقوع حجة الاسلام عنه وإن لم يكن مخاطبا بها في حياته وخرج أيضا النفل فلا يجوز التنفل عنه بالحج أو العميرة إلا أن أوصى به وقوله من تركته متعلق بإنابة وضميره يعود على الميت أي إنابة من تركته والمخاطب بها من عليه قضاء دينه من وصى فوارث فحاكم قوله كما تقضى منه ديونه الضمير الأول يعود على التركة والثاني يعود على الميت وذكر الضمير الأول باعتبار تأويل التركة بالميراث وفي بعض نسخ الخط منها وهو الأولى قوله فلو لم تكن له أي للميت وهو مقابل لمحذوف أي هذا إن كانت له تركة فلو لم تكن الخ قوله سن لوارثه أن يفعله عنه أي يفعل النسك عنه بنفسه أو

ص: 322

يفعله عنه، فلو فعله أجنبي، جاز، ولو بلا إذن، وعن آفاقي معضوب عاجز عن النسك بنفسه: لنحو زمانة، أو مرض لا يرجى برؤه - بأجرة مثل فضلت عما يحتاجه المعضوب يوم الاستئجار، وعما عدا مؤنة نفسه وعياله

ــ

نائبه قوله فلو فعله أي النسك من حج أو عمرة وقوله جاز أي فعل الأجنبي وتعبيره هنا بجازو في سابقه بسن يفيد عدم سنة للأجنبي وليس كذلك بل يسن له أيضا لكن الوارث يتأكد له قوله ولو بلا إذن قال في التحفة ويفرق بينه وبين توقف الصوم عنه على إذن القريب بأن هذا أشبه بالديون فأعطى حكمها بخلاف الصوم اه قوله وعن آفاقى معضوب معطوف على عن ميت أو وتجب الإنابة عن آفاقى معضوب بعين مهملة فضاد

معجمة من العضب وهو القطع كأنه قطع عن كمال الحركة أو بعين فصاد مهملة من العصب كأنه قطع عصبه ووجوب الإنابة على الفور أن عضب بعد الوجوب والتمكن وعلى التراخي أن عضب قبل الوجوب أو معه أو بعده ولم يمكنه الأداء وذلك لأنه مستطيع بالمال وهي كالاستطاعة بالنفس ولخبر الصحيحين أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله أن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم والمراد بالآفاقي هنا من كان بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر فلو كان المعضوب دون مرحلتين أو كان بمكة لزمه أن يحج بنفسه لأنه لا يتعذر عليه الركوب فيما مر من محمل فمحفة فسرير ولا نظر للمشقة عليه لاحتمالها في حد القرب وإن كانت تبيح التيمم فإن عجز عن ذلك حج عنه بعد موته من تركته كما في التحفة وفي النهاية كالمغنى عدم لزوم الحج بنفسه أن أنهاه الضنى إلى حالة لا يحتمل الحركة معها يحال فتجوز الإنابة حينئذ قال الكردي واعتمد الشارح في حاشيته على متن العباب عدم الصحة للمكي مطلقا والصحة لمن هو على دون مسافة القصر وتعذر عليه بنفسه ولو على سرير يحمله رجال اه ولو استأجر من يحج عنه فحج عنه ثم شفى لم يجزه ولم يقع عنه فلا يستحق الأجير أجرة ويقع الحج نفلا للأجير ولو حضر مكة أو عرفة في سنة حج الأجير لم يقع عنه لتعين مباشرته بنفسه ويلزمه للأجير الأجرة وفرق بينه وبين ما إذا شفى بعد حج الأجير بأنه لا تقصير منه في حق الأجير بالشفاء بخلاف الحضور فأنه بعد أن ورط الأجير مقصر به فلزمته أجرته كذا في سم عن شرح العباب قوله عاجز بالجر صفة كاشفة لمعضوب فهي كالتفسير له وضابط العاجز الذي تصح له الإنابة أن يكون بحيث لا يستطيع الثبوت على المركوب ولو على سرير يحمله رجال إلا بمشقة شديدة لا تحتمل عادة قال النووي في شرح مسلم ومذهبنا ومذهب الجمهور جواز الحج عن العاجز بموت أو عضب وهو الزمانة والهرم ونحوهما وقال مالك والليث والحسن بن صالح لا يحج أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الاسلام قال القاضي عياض وحكى عن النخعي وبعض السلف لا يصح الحج عن ميت ولا غيره وهي رواية عن مالك وإن أوصى به ثم قال النووي ويجوز الاستنابة في حجة التطوع على أصح القولين عندنا اه قوله لنحو زمانة متعلق بعاجز واللام تعليلية أي عاجز لاجل نحو زمانة وهي الابتلاء والعاهة وضعف الحركة من تتابع المرض والندرج تحت نحو الكبر والهرم وقوله أو مرض معطوف على زمانة من عطف العام على الخاص وقوله لا يرجى برؤه الجملة صفة لمرض أي لا يرجى الشفاء منه أي بقول عدلى طب أو بمعرفة نفسه إن كان عارفا قوله بإجرة مثل متعلق بإنابة مقدرة أي وتجب الإنابة عنه

بوجود أجرة مثل أي أو دونها أن رضي الأجير به لا بأكثر وان قل قال في حاشية الايضاح وشرح الرملي وابن علان وغيرها يشترط في الأجير أن يكون عدلا وإلا لم تصح إنابته ولو مع المشاهدة لأن نيته لا يطلع عليها وبهذا يعلم أن هذا شرط في كل من يحج عن غيره بإجازة أو جعلة وفي فتاوى ابن حجر ما يقتضي جواز استئجار المعضوب عن نفسه فاسقا.

اه.

ومثل وجود أجرة المثل في وجوب الإنابة: وجود متبرع يحج عنه معضوب عدل قد حج عن نفسه.

وإذا كان بعضا، اعتبر فيه كونه غير ماش، ولا معول على الكسب أو السؤال، إلا أن يكتسب في يوم كفاية أيام وكان السفر قصيرا لا وجود متطوع بمال للأجرة، فلا تجب الإنابة به لعظم المنة.

ص: 323

بعده، ولا يصح أن يحج عن معضوب بغير إذنه، لان الحج يفتقر للنية، والمعضوب أهل لها وللاذن.

(أركانه) أي الحج: ستة.

أحدها: (إحرام) به، أي بنية دخول فيه، لخبر: إنما الاعمال بالنيات.

ولا يجب تلفظ بها، وتلبية، بل يسنان فيقول بقلبه ولسانه: نويت الحج، وأحرمت به لله تعالى - لبيك اللهم لبيك إلى آخره.

ــ

واعلم أي الإجارة من حيث هي قسمان: إجارة عين - كاستأجرتك لتحج عني، أو عن ميتي بكذا ويشترط لصحتها أن يكون الأجير قادرا على الشروع في العمل، فلا يصح استئجار من لا يمكنه الشروع لنحو مرض أو خوف، أو قبل خروج القافلة، لكن لا يضر انتظار خروجها بعد الاسئجار.

فالمكي ونحوه يستأجر في أشهر الحج لتمكنه من الإحرام، وغيره يستأجر عند خروجه، بحيث يصل الميقات في أشهر الحج، ويتعين فيها أن يحج الأجير بنفسه.

وإجارة ذمة - كألزمت ذمتك الحج عني، أو عن ميتي - فتصح، ولو لمستقبل، بشرط حلول الأجرة وتسليمها في مجلس العقد.

وله أن يحج بنفسه، وأن يحج غيره، ويجوز أن يحج عن غيره بالنفقة.

واغتفر الجهالة فيه، لأنه ليس إجارة، ولا جعالة، بل إرفاق.

(قوله: فضلت) أي الأجرة.

(قوله: عما يحتاجه) أي من مؤنته ومؤنة عياله.

(قوله: يوم الاستئجار) أي وليلته، كما في عبد الرؤوف.

(قوله: وعما عدا الخ) معطوف على عما يحتاجه، أي وفضلت عما عدا مؤنة نفسه وعياله بعد يوم الاسئجار أي عما عدا نفقته ونفقة عياله بعده.

فالمراد بالمؤنة هنا: خصوص النفقة، لا ما يشمل الكسوة والسكنى والخادم، وإلا لم يبق لما عداها شئ يندرج فيه، إذ المراد بما عداها ما ذكر - من الكسوة، والخادم، والسكنى، ونحوها.

والحاصل يشترط في الأجرة أن تكون فاصلة عن جميع ما يحتاجه من نفقة وكسوة وخادم لنفسه أو لعياله بالنسبة ليوم الاستئجار.

ويشترط أن تكون فاضلة عن جميع ما يحتاجه أيضا بالنسبة لما بعد يوم الاستئجار، ما عدا النفقة، أما

هي سواء كانت لنفسه أو لعياله - فلا يشترط أن تكون الأجرة فاضلة عنها بعد يوم الاستئجار، وذلك لأنه إذا لم يفارق البلد أمكنه تحصيلها، ولو بالغرض.

(قوله: ولا يصح أن يحج) يقرأ بالبناء للمجهول، والجار والمجرور نائب فاعله، أي ولا يصح أن يحج أحد قريبا كان أو أجنبيا عن معضوب.

وقوله بغير إذنه متعلق بيحج، والضمير يعود على المعضوب.

(قوله: لأن الحج الخ) تعليل لعدم الصحة.

(قوله: والمعضوب أهل لها) أي للنية، إذ لو تكلف الحج وحج صح حجه.

(وقوله: وللإذن) أي وأهل للإذن.

(فائدة) لو امتنع المعضوب من الإذن، لم يأذن الحاكم عنه، ولا يجبره عليه وإن تضيق إلا من باب الأمر بالمعروف.

(قوله: أركانه أي الحج) أي أجزاؤه.

فالإضافة من إضافة الأجزاء إلى الكل، أو من إضافة المفصل للمجمل.

(وقوله: ستة) وقيل أربعة بعد الحلق أو التقصير واجبا، وبإسقاط الترتيب.

(قوله: أحدها) أي الأركان.

(وقوله: إحرام به) أي بالحج.

(قوله: أي بنية دخول) تفسير لمعنى الإحرام هنا.

وفسره به لأنه الملائم للركنية، ويفسر أيضا بنفس الدخول، إلا أنه بهذا المعنى لا يعد ركنا بل يجعل موردا للصحة والفساد، بحيث يقال: صح الإحرام، أو فسد الإحرام.

(قوله: لخبر الخ) دليل لركنية الإحرام على التفسير الذي ذكره.

(قوله: ولا يجب تلفظ بها) أي بالنية المرادة من الإحرام.

(قوله: وتلبية) أي ولا يجب تلبية، فهو بالرفع معطوف على تلفظ.

وقوله: بل يسنان أي التلفظ بها والتلبية.

(وقوله: فيقول بقلبه) أي وجوبا.

وقوله: وبلسانه أي ندبا.

وقوله: نويت الحج أي أو العمرة، أو هما، أو النسك.

وقوله: وأحرمت به لله تعالى عطف مرادف أتى به للتأكيد ولا تجب نية الفرضية جزما، لأنه لو نوى به النفل وقع عن الفرض.

ولو تخالف القلب واللسان فالعبرة بما في القلب.

هذا إن حج عن نفسه، فإن حج أو اعتمر عن غيره

ص: 324

(و) ثانيها: (وقوف بعرفة) أي حضوره بأي جزء منها ولو لحظة، وإن كان نائما، أو مارا، لخبر الترمذي:

الحج عرفة وليس منها: مسجد إبراهيم عليه السلام، ولا نمرة.

والافضل للذكر تحري موقفه (ص)، وهو عند الصخرات المعروفة.

وسميت عرفة، قيل: لان آدم وحواء تعارفا بها، وقيل غير ذلك.

ووقته (بين زوال)

ــ

قال: نويت الحج أو العمرة عن فلان، وأحرمت به لله تعالى.

ولو أخر لفظ عن فلان عن وأحرمت به لم يضر على المعتمد إن كان عازما عند نويت الحج مثلا أن يأتي به، وإلا وقع للحاج نفسه.

وقوله: لبيك اللهم لبيك إلخ يسن أن يذكر في هذه التلبية ما أحرم به، ولا يجهر فيها.

(قوله: وثانيها) أي ثاني أركان الحج.

وقوله: أي حضوره تفسير مراد للوقوف بعرفة.

أي أن المراد بالوقوف حضور المحرم في أرض عرفات مطلقا.

والمراد بالمحرم الأهل للعبادة، فلا يكفي حضور غير الأهل لها كالمجنون، والمغمى عليه، والسكران جميع وقت الوقوف لكن يقع حج المجنون نفلا

كالصبي الذي لا يميز فيبني وليه بقية الأعمال على ما مضى.

وكذا المغمى عليه والسكران، إن أيس من إفاقتهما.

وقوله: بأي جزء منها أي من عرفة، وذلك لخبر مسلم: وقفت ههنا، وعرفة كلها موقف.

ويكفي ولو على ظهر دابة، أو شجرة فيها، لا على غصن منها، وهو خارج عن هوائها، وإن كان أصلها فيها، ولا على غصن فيها دون أصلها.

وقال ابن قاسم: يكفي في هذه الصورة الوقوف عليه قياسا على الاعتكاف ولا يكفي الطيران في هوائها أيضا، خلافا للشبراملسي.

(قوله: ولو لحظة) أي يكفي حضوره في عرفة ولو لحظة.

(قوله: وإن كان نائما) أي يكفي ما ذكره، وإن كان نائما أو مارا، ولو في طلب آبق، وإن لم يعلم أن المكان مكانها، ولا أن اليوم يومها.

(قوله: لخبر الترمذي الخ) دليل على ركنية الوقوف.

(قوله: الحج عرفة) جملة معرفة الطرفين فتفيد الحصر أي الحج منحصر في عرفة أي في الوقوف لا يتجاوزه إلى غيره، وليس كذلك.

ويجاب بأنه على حذف مضاف، أي أنها معظمة، وخصت بالذكر مع أن الطواف أفضل منها كما يأتي لكونه يفوت الحج بفواتها، دونه.

اه.

بجيرمي.

(قوله: وليس منها) أي من عرفة.

مسجد إبراهيم، أي صدره، وهو محل الخطبة والصلاة، وذلك لأنه من عرفة، وأما آخره فهو من عرفة.

(قوله: ولا نمرة) أي وليس منها نمرة وهو بفتح النون وكسر الميم موضع بين طرف الحل وعرفة.

وليس منها أيضا وادي عرفة.

قال في الإيضاح: واعلم أنه ليس من عرفات وادي عرفة، ولا نمرة، ولا المسجد الذي يصلي فيه الإمام المسمى بمسجد إبراهيم عليه السلام ويقال له مسجد عرفة، بل هذه المواضع خارج عرفات على طرفها الغربي مما يلي مزدلفة.

اه.

وقوله: ولا المسجد أي صدره كما علمت.

(قوله: والأفضل للذكر) أي ولو صبيا، وخرج بالذكر الأنثى والخنثى، فإن الأفضل لهما الوقوف في حاشية الموقف، ما لم يخشيا ضررا.

(وقوله: تحرى موقفه) أي قصده.

(قوله: وهو) أي موقفه صلى الله عليه وسلم.

(وقوله: عند الصخرات المعروفة) أي وهي المفترشة في أسفل جبل الرحمة الذي بوسط أرض عرفة.

واعلم أن الصعود على الجبل للوقوف عليه كما يفعله العوام خطأ، مخالف للسنة كما نص عليه في الإيضاح.

(قوله: وسميت) أي الأرض التي يجب الوقوف فيها.

فنائب الفاعل يعود على معلوم من السياق.

(قوله: لأن آدم وحواء تعارفا بها) أي حين هبط من الجنة ونزل بالهند، ونزلت بجدة.

(قوله: وقيل غير ذلك) أي وقيل في سبب التسمية غير ذلك، وهو أن جبريل لما عرف إبراهيم مناسك الحج، وبلغ الشعب الأوسط الذي هو موقف الإمام، قال له: أعرفت؟ قال: نعم.

فسميت عرفات.

وقيل إنما سميت بذلك: من قولهم عرفت المكان إذا طيبته ومنه قول الله تعالى: * (الجنة عرفها لهم)(1) * أي طيبها لهم.

(فائدة) قال صلى الله عليه وسلم: أفضل الأيام يوم عرفة، وإذا وافق يوم جمعة فهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة.

أخرجه رزين.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم عرفة يوم جمعة غفر الله لجميع أهل الموقف - أي بغير واسطة - وفي غير يوم الجمعة يهب قوما لقوم.

(1) محمد: 6

ص: 325

للشمس يوم عرفة، وهو تاسع ذي الحجة، (و) بين طلوع (فجر) يوم (نحر).

وسن له الجمع بين الليل والنهار، وإلا أراق دم تمتع - ندبا.

(و) ثالثها: (طواف إفاضة) ويدخل وقته بانتصاف ليلة النحر، وهو أفضل الاركان، حتى من الوقوف، خلافا للزركشي.

ــ

ويروى عن محمد بن المنكدر أنه حج ثلاثا وثلاثين حجة، فلما كان آخر حجة حجها، قال وهو بعرفات: اللهم إنك تعلم أنني قد وقفت في موقفي هذا ثلاثا وثلاثين وقفة، فواحدة عن فرضي، والثانية عن أبي، والثالثة عن أمي، وأشهدك يا رب أني قد وهبت الثلاثين لمن وقف موقفي هذا، ولم تتقبل منه.

فلما دفع من عرفات ونزل بالمزدلفة، نودي في المنام: يا ابن المنكدر، أتتكرم على من خلق الكرم؟ أتجود على من خلق الجود؟ أن الله تعالى يقول لك: وعزتي وجلالي، لقد غفرت لمن وقف بعرفات قبل أن أخلق عرفات بألفي عام.

وعن علي بن الموفق رحمة الله عليه قال: حججت في بعض السنين، فنمت بين مسجد الخيف ومنى، فرأيت ملكين قد نزلا من السماء، فقال أحدهما لصاحبه: يا عبد الله، أتعلم كم حج بيت ربنا في هذه السنة؟ قال: لا.

قال ستمائة ألف.

ثم قال له: أتدري كم قبل منهم؟ قال: لا.

قال ستة أنفس.

ثم ارتفعا في الهواء، فقمت وأنا مرعوب، وقلت: واخيبتاه أين أكون أنا في هذه الستة أنفس؟ فلما وقفت بعرفة وبت بالمزدلفة، رأيت الملكين قد نزلا من السماء على عادتهما، فسلم أحدهما على الآخر، وقال: يا عبد الله، أتدري ما حكم ربك في هذه الليلة؟ قال: لا.

قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة المقبولين مائة ألف، وقد قبلوا جميعا.

قال: فانتبهت، وبي من السرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى، إذ قبل الحجاج جميعهم ومنحهم برا وجودا، ولم يجعل منهم شقيا ولا محروما، ولا مطرودا.

(قوله: ووقته) أي الوقوف.

وقوله: بين زوال إلخ أي يدخل بزوال شمس ذلك اليوم، ويخرج بطلوع فجر يوم النحر.

فمن وقف قبل الزوال وذهب من عرفة، لا يصح وقوفه، وكذلك من وقف بعد الفجر.

ومن وقف بينهما صح وقوفه، ولو لحظة قبل الفجر، وذلك لانه صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال رواه مسلم، وأنه قال: من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج.

وفي رواية: من جاء عرفة ليلة جمع أي ليلة مزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج.

((قوله: وهو) أي يوم عرفة.

(وقوله: تاسع ذي الحجة) فلو وقفوا قبله أو بعده لم يصح وقوفهم.

نعم، إن وقف الحجيج أو

فرقة منهم وهم كثير على العادة يوم العاشر للجهل - بأن غم عليهم هلال ذي حجة صح.

وإن وقفوا بعد التبين، كما إذا ثبت الهلال ليلة العاشر، ولم يتمكن من الوقوف فيها لبعد المسافة، وإليه حينئذ تنتقل أحكام التاسع كلها، فلا يعتد بوقوفهم قبل الزوال، ولا يصح رمي جمرة العقبة إلا بعد نصف ليلة الحادي عشر والوقوف.

وهكذا جميع الأحكام.

(قوله: وسن له) أي للحاج، الجمع بين الليل والنهار، وقيل يجب.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يجمع بينهما.

(وقوله: أراق دم تمتع) أي دما كدم التمتع في كونه مرتبا مقدرا.

وقوله: ندبا أي وعلى المعتمد، وعلى مقابله تجب إراقة دم.

(قوله: وثالثها) أي أركان الحج.

(وقوله: طواف إفاضة) أي لقوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (1).

(فائدة) سمى البيت عتيقا: لأن الله تعالى أعتقه من أيدي الجبابرة، فلم يسلط عليه جبار قط، بل كل من قصده بسوء هلك.

وقال أبو بكر الواسطي: إنما سمي عتيقا لأن من طاف به صار عتيقا من النار، ولله در من قال: طوبى لمن طاف بالبيت العتيق وقد * * لجا إلى الله في سر وإجهار ونال بالسعي كل القصد حين سعى * * وطاف جهرا بأركان وأستار

(1) الحج: 29

ص: 326

(و) رابعها: (سعي) بين الصفا والمروة (سبعا) - يقينا - بعد طواف قدوم ما لم يقف بعرفة، أو بعد طواف إفاضة.

فلو اقتصر على ما دون السبع لم يجزه، ولو شك في عددها قبل فراغه أخذ بالاقل، لانه المتيقن.

ومن

ــ

ذاك السعيد الذي قد نال منزلة * * علياء في دهره من كل أوطار وكل من طاف بالبيت العتيق غدا * * بين الورى معتقا حقا من النار (قوله: ويدخل وقته) أي طواف الإفاضة.

وقوله: بانتصاف ليلة النحر أي بدخول النصف الثاني من ليلة النحر، فلو طاف قبله لم يصح.

(قوله: وهو) أي الطواف.

(وقوله: أفضل الأركان) أي لأنه مشبه بالصلاة ومشتمل عليها، والصلاة أفضل من الحج، والمشتمل على الأفضل أفضل.

وهذا معتمد الرملي.

واستوجهه شيخ الإسلام.

وقال ابن حجر في التحفة: الوقوف أفضل على الأوجه لخبر: الحج عرفة أي معظمه كما قالوه ولتوقف صحة الحج عليه، ولأنه جاء فيه من حقائق القرب وعموم المغفرة وسعة الإحسان ما لم يرد في الطواف الخ.

اه.

(قوله: خلافا للزركشي) أي القائل إن الوقوف أفضل الأركان لما مر.

(قوله: ورابعها: سعي) أي ورابع الأركان: السعي بين الصفا والمروة، لما روى الدارقطني وغيره بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة في المسعى، وقال: يا أيها الناس، اسعوا فإن السعي قد

كتب عليكم، أي فرض.

وأصل السعي: الإسراع، والمراد به هنا: مطلق المشي.

وشروطه سبعة، ذكر بعضها المؤلف، وهي: قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة، وكونه سبعا، وكونه من بطن الوادي، والترتيب بأن يبدأ بالصفا في الأوتار، وبالمروة في الأشفاع وأن لا يكون منكوسا، ولا معترضا كالطواف، وعدم الصارف عنه كما يفعله العوام من المسابقة وأن يقع بعد طواف صحيح قدوم أو إفاضة.

وقد نظمها م د فقال: شروط سعي سبعة وقوعه * * بعد طواف صح ثم قطعه مسافة سبعا ببطن الوادي * * مع فقد صارف عن المراد وليس منكوسا ولا معترضا * * والبدء بالصفا كما قد فرضا (قوله: يقينا) صفة لسبعا.

(قوله: بعد طواف قدوم) متعلق بمحذوف صفة لسعي، أي سعي واقع بعد طواف قدوم.

(قوله: ما لم يقف بعرفة) أي ما لم يتخلل بين طواف القدوم والسعي الوقوف بعرفة، فإن تخلل لم يصح سعيه بعده - لقطع تبعيته للقدوم بالوقوف - فيلزمه تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة.

ولو نزل من عرفة إلى مكة قبل نصف الليل، هل يسن له طواف القدوم ويجوز له السعي عقبه أم لا؟ اضطراب كلام ابن حجر فيه - فجرى في التحفة على أنه يسن له طواف القدوم، ولا يجوز السعي بعده.

وعلله بأن السعي متى أخر عن الوقوف وجب وقوعه بعد طواف الإفاضة، وجرى في حاشيته على الإيضاح على سنية القدوم، وجواز السعي بعده، وعبارتها ومر عن الأذرعي أنه يسن لمن دفع من عرفة إلى مكة قبل نصف الليل طواف القدوم، فعليه يجوز له السعي بعده.

وقد يفهمه قولهم لو وقف لم يجز السعي إلا بعد طواف الإفاضة لدخول وقته، وهو فرض، فلم يجز بعد نفل مع إمكانه بعد فرض.

اه.

فأفهم التعليل بدخول وقته جوازه قبله.

اه.

والمعتمد ما في التحفة، لأنه إذا اختلف كلامه في كتبه فالمعتمد ما في التحفة.

(قوله: أو بعد طواف إفاضة) معطوف على بعد طواف القدوم.

فشرط صحة السعي أن يقع بعد أحد هذين الطوافين القدوم أو الركن، وذلك لأنه الوارد عنه صلى الله عليه وسلم، بل حكي فيه الإجماع، فلا يجوز بعد طواف نفل كأن أحرم من بمكة بحج منها، ثم تنفل بطواف، وأراد السعي بعده كما في المجموع.

اه.

تحفة.

(قوله: فلو اقتصر) أي الساعي.

وقوله: على ما دون السبع محترز سبعا.

وقوله: لم يجزه أي السعي.

(قوله: ولو شك إلخ) محترز يقينا.

وقوله: في عددها أي السبع المرات، بأن تردد هل سعى ستا أو سبعا (1)؟.

(قوله: قبل فراغه) أي السعي.

واحترز به عما إذا وقع الشك بعد فراغه، فإنه لا يؤثر.

(1)(قوله: بأن تردد: هل سعى ستا أوسبعا) صورة ذلك: أن يكون في أثنا الشوط اشتغل بشئ ثم شك: هل هو ذاهب إلى جهة المروة -

ص: 327

سعى بعد طواف القدوم لم يندب له إعادة السعي بعد طواف الافاضة، بل يكره.

ويجب أن يبدأ فيه في المرة الاولى بالصفا ويختم بالمروة - للاتباع - فإن بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا وذهابه من الصفا إلى المروة مرة وعوده منها إليه مرة أخرى.

ويسن - للذكر - أن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة.

وأن يمشي أول

ــ

(قوله: أخذ بالأقل) وهو الست.

أي وجوبا.

(قوله: لأنه) أي الأقل هو المتيقن.

(قوله: ومن سعى بعد طواف القدوم لم يندب إلخ) لانه صلى الله عليه وسلم وأصحابه سعوا بعد طواف القدوم، ولم يعيدوه بعد الإفاضة.

(قوله: بل يكره) أي ما ذكر من الإعادة.

ولو عبر بالتاء بدل الياء لكان أولى.

وما ذكر من الكراهة هو ما جزم به في الروض، وأقره شيخ الإسلام في شرحه، واعتمداه في التحفة والنهاية.

وظاهر عبارة المغني أنها خلاف الأولى، وهذا كله في الكامل.

أما الناقص برق أو صبا إذا أتى بالسعي بعد القدوم، ثم كمل قبل الوقوف، أو فيه، أو بعده، وأعاده وجبت عليه الإعادة، وفي غير القارن.

أما هو، فاعتمد الخطيب أنه يسن له الإتيان بطوافين وسعيين.

واعتمد غيره أنه كغير القارن، فلا يسن له إعادة الطواف والسعي.

(قوله: ويجب أن يبدأ فيه) أي في السعي.

(وقوله: في المرة الأولى) بدل بعض أو اشتمال من الجار والمجرور قبله.

(قوله: للاتباع) هو قوله صلى الله عليه وسلم لما قالوا له: أنبدأ بالصفا أم بالمروة؟ إبدأوا بما بدأ الله به.

(قوله: وذهابه من الصفا إلى المروة مرة الخ) هذا هو الصحيح الذي قطع به جماهير العلماء، وعليه العمل في الأزمنة كلها.

وأما ما ذهب إليه بعضهم من أنه يحسب الذهاب والعود مرة واحدة - فهو فاسد لا يعول عليه.

ولا يسن الخروج من خلافه، بل يكره، وقيل يحرم، ولا بد من استيعاب ما بينهما في كل مرة بأن يلصق عقبه أو حافر دابته بأصل ما يذهب منه، ورأس أصابعه بما يذهب إليه.

قال عبد الرؤوف: فلا يكفي رأس النعل الذي تنقص عنه الأصابع إلخ.

وأقره ابن الجمال.

قال ابن حجر في شرح بأفضل: وبعض درج الصفا محدث، فليحذر من تخلفها وراءه.

قال الكردي: وهذا الذي ذكره الشارح هنا هو المعتمد عنده، وكذلك شيخ الإسلام والمغني والنهاية.

وجرى م ر في شرح الإيضاح وابن علان على أن الدرج المشاهد الآن ليس شئ منه بمحدث، وأنه يكفي إلصاق الرجل أو حافر الدابة بالدرجة السفلى، بل الوصول لما سامت آخر الدرج المدفونة كاف، وإن بعد عن آخر الدرج الموجودة اليوم بأذرع، وفيه فسحة عظيمة للعوام، فإنهم لا يصلون لآخر الدرج، بل يكتفون بالقرب منه.

هذا كله في درج الصفا.

أما المروة فقد اتفقوا فيها على أن العقد الكبير المشرف الذي بوجهها هو حدها، لكن الأفضل أن يمر تحته، ويرقى على البناء المرتفع بعده.

اه.

وقوله: هو المعتمد عنده لعله في غير التحفة، وإلا فقد عقبة فيها بقوله كذا قال المصنف وغيره.

ويحمل على أن هذا باعتبار زمنهم، وأما الآن فليس شئ بمحدث لعلو الأرض حتى غطت درجات

كثيرة.

اه.

(قوله: ويسن للذكر) خرج به الأنثى والخنثى، فلا يسن لهما الرقي، ولو في خلوة - على الأوجه الذي اقتضاه إطلاقهم - خلافا للأسنوي ومن تبعه، اللهم إلا إذا كانا يقعان في شك لولا الرقي، فيسن لهما حينئذ - على الأوجه - احتياطا.

اه.

تحفة.

واعتمد في النهاية أنهما لا يسن لهما الرقي إلا إن خلا المحل عن غير المحارم فيما يظهر، قال: وما اعترض به من أن المطلوب من المرأة - ومثلها الخنثى - إخفاء شخصها ما أمكن، وإن كانت في خلوة.

يرد بأن الرقي مطلوب لكل أحد، غير أنه سقط عن الأنثى والخنثى طلبا للستر، فإذا وجد ذلك مع الرقي صار مطلوبا، إذ الحكم يدور مع العلة، وجودا وعدما.

اه.

(قوله: إن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة) في مذهبنا قول بوجوب الرقي، وعبارة الإيضاح مع شرحه لابن

- وهى السابعة - أو ذاهب إلى جهة الصفا - وهى السادسة - وبقى سابعة فالاحتياط أن يجعلها سادسة، ويذهب إلى جهة الصفا، ثم يأتي بالسابعة.

وهذا مجرد تصوير، وإلا فيمكن أن يتصور بغير ذلك.

اه.

مولف.

ص: 328

السعي وآخره، ويعدو - الذكر - في الوسط، ومحلهما معروف.

(و) خامسها: (إزالة شعر) من الرأس، بحلق أو تقصير، لتوقف التحلل عليه - وأقل ما يجزئ ثلاث شعرات، فتعميمه (ص) لبيان الافضل، خلافا لمن أخذ منه وجوب التعميم.

وتقصير المرأة أولى من حلقها، ثم

ــ

الجمال: وقال بعض أصحابنا هو أبو حفص عمر بن الوكيل يجب الرقي على الصفا والمروة بقدر قامة.

هكذا نقل البغوي عنه، وجرى عليه في الروضة وأصلها، والمشهور عنه وجوب صعود يسير، وهو الذي نقله عنه في المجموع، وهذا ضعيف، والصحيح المشهور أنه لا يجب، لكن الاحتياط أن يصعد، للخروج من الخلاف والتيقن.

فاحفظ ما ذكرناه في تحقيق واجب المسافة، فإن كثيرا من الناس يرجع بغير حج إن كان نسكهم حجا، ولا عمرة إن كان عمرة، لإخلاله بواجبه.

وبالله التوفيق.

اه.

وقد علمت أن هذا بالنظر لما كان، وأما الآن، فقد غلت الأرض حتى غطت درجات كثيرة، فقطع المسافة متيقن من غير رقي أصلا.

وقال في التحفة: الرقي الآن بالمروة متعذر، لكن بآخرها دكة، فينبغي رقيها، عملا بالوارد ما أمكن.

اه.

وقال البجيرمي إن الرقي الآن بقدر قامة غير متأت.

(قوله: وأن يمشي) معطوف على أن يرقى، فيكون لفظ يسن مسلطا عليه، لكن بقطع النظر عن قيده، وهو للذكر، لأن المشي لا فرق فيه بين الذكر وغيره.

أي ويسن أن يمشي الساعي أول السعي على هينته.

(وقوله: ويعدو الذكر) أي ويسن أن يعدو الذكر في الوسط.

والعدو الإسراع في المشي.

وخرج بالذكر الأنثى والخنثى، فيمشيان على هينتهما في

جميع المسعى، ولو في خلوة وليل على المعتمد وقيل يعدوان بليل عند الخلوة.

(قوله: ومحلهما معروف) أي محل المشي ومحل العدو معروفان.

فمحل العدو ابتداؤه من قبل الميل الأخضر المعلق بركن المسجد بستة أذرع إلى أن يتوسط الميلين الأخضرين، أحدهما بجدار دار العباس رضي الله عنه وهي الآن رباط منسوب إليه والآخر بجدار المسجد ومحل المشي ما عدا ذلك.

(قوله: وخامسها إزالة شعر) أي وخامس الأركان إزالة شعر.

أي إذا كان في رأسه شعر، وإلا فيسقط عنه، لكن يسن إمرارا الموسى.

وعده من الأركان مبني على جعله نسكا أي عبادة وهو المشهور المعتمد.

ومقابله أنه استباحة محظور، أي ممنوع بمعنى محرم عليه قبل ذلك، من الحظر وهو المنع بمعنى التحريم، وهو مبني على أنه ليس نسكا، وهو ضعيف.

ويترتب على جعله نسكا أنه يثاب عليه.

وعلى جعله استباحة محظور أنه لا يثاب عليه.

قال في النهاية مع الأصل والحلق أي إزالة شعر الرأس أو التقصير في حج أو عمرة في وقته نسك على المشهور، فيثاب عليه، إذ هو للذكر أفضل من التقصير، والتفضيل إنما يقع في العبادات.

وعلى هذا هو ركن كما سيأتي وقيل واجب.

والثاني هو استباحة محظور، فلا يثاب عليه، لأنه محرم في الإحرام، فلم يكن نسكا، كلبس المخيط.

اه.

(قوله: من الرأس) أي من شعره، فلا يجزئ شعر غيره وإن وجبت فيه الفدية لورود لفظ الحلق أو التقصير فيه، واختصاص كل منهما عادة بشعر الرأس.

وشمل ذلك المسترسل عنه، وما لو أخذها متفرقة.

(قوله: بحلق) هو استئصال الشعر بالموسى.

(وقوله: أو تقصير) هو قطع الشعر من غير استئصال.

والحلق والتقصير ليسا متعينين، فالمدار على إزالة الشعر بأي نوع من أنواع الإزالة، حلقا، أو تقصيرا، أو نتفا، أو إحراقا، أو قصا.

(قوله: لتوقف التحلل عليه) أي على ما ذكر من إزالة الشعر.

وكان الأولى أن يزيد كما في المنهج مع عدم جبره بدم، لإخراج رمي جمرة العقبة، لأنه وإن توقف التحلل عليه لكنه يجر بدم، فهو ليس بركن.

(قوله: وأقل ما يجزئ) أي من إزالة الشعر.

(قوله: ثلاث شعرات) أي إزالة ثلاث شعرات، لقوله تعالى: * (محلقين رؤوسكم ومقصرين) * (1) لأن الرأس لا يحلق، والشعر جمع، وأقله ثلاث كذا استدلوا به، ومنهم المصنف في المجموع قال الأسنوي: ولا دلالة في ذلك، لأن الجمع إذا كان مضافا كان للعموم، وفعله صلى الله عليه وسلم يدل عليه أيضا.

نعم، الطريق إلى توجيه المذهب أن يقدر لفظ الشعر منكرا مقطوعا عن الإضافة.

والتقدير شعرا من رؤوسكم.

أو نقول قام الإجماع كما نقله في المجموع

(1) الفتح: 27

ص: 329

يدخل مكة بعد رمي جمرة العقبة والحلق، ويطوف للركن فيسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم - كما هو الافضل - والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها.

ويكره تأخيرها عن يوم النحر، وأشد منه: تأخيرها عن أيام التشريق، ثم عن خروجه من مكة.

ــ

على أنه لا يجب الاستيعاب، فاكتفينا في الوجوب بمسمى الجمع.

اه.

مغنى.

(قوله: فتعميمه صلى الله عليه وسلم) أي الشعر، بإزالة جميعه.

(وقوله: لبيان الأفضل) أي فحلق جميع الشعر لغير المرأة هو الأفضل إجماعا، وللآية السابقة، فإنه فيها قدم المحلقين على المقصرين، والتقديم يقتضي الأفضلية، لأن العرب تبدأ بالأهم والأفضل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحم المحلقين.

فقالوا: يا رسول الله: والمقصرين؟ فقال: اللهم ارحم المحلقين.

ثم قال في الرابعة: والمقصرين.

هذا كله ما لم ينذر الحلق، وإلا وجب، ويستثنى من أفضلية الحلق ما لو اعتمر قبل الحج في وقت لو حلق فيه لم يسود رأسه من الشعر في يوم النحر فالتقصير حينئذ أفضل.

(قوله: خلافا لمن أخذ منه) أي من تعميمه صلى الله عليه وسلم.

وهو الإمام مالك، والإمام أحمد.

(قوله: وتقصير المرأة) أي الأنثى، فتشمل الصغيرة، والخنثى مثلها.

(وقوله: أولى من حلقها) أي لما روى أبو داود بإسناد حسن: ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير.

قال الخطيب في مغنيه: ولا تؤمر بالحلق إجماعا بل يكره لها الحلق على الأصح في المجموع.

وقيل يحرم، لأنه مثلة وتشبيه بالرجال.

ومال إليه الأذرعي في المزوجة والمملوكة، حيث لم يؤذن لهما فيه.

اه.

وفي التحفة والنهاية: ويندب لها أن تعم الرأس بالتقصير، وأن يكون قدر أنملة، قاله الماوردي إلا الذوائب، لأن قطع بعضها يشينها.

(قوله: ثم يدخل مكة الخ) لا يخفي عدم ارتباطه بما قبله، فكان الأولى والأنسب أن يذكره في سنن الحج، إذ دخول مكة بعد الرمي، والحلق من السنن.

أو يذكره في واجبات الحج بعد الكلام على رمي جمرة العقبة.

ومعنى كلامه: أنه إذا رمى جمرة العقبة وحلق، سن له أن يدخل مكة، ويطوف، ويسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، وترك الذبح مع أنه سنة قبل ذهابه إلى مكة للطواف.

والحاصل الأعمال المشروعة يوم النحر أربعة: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف.

وترتيبها كما ذكر سنة لما روى مسلم: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني حلقت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج.

وأتاه آخر، فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، فقال: ارم ولا حرج.

وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شئ يومئذ - قدم ولا أخر - إلا قال افعل ولا حرج.

ويدخل وقتها ما سوى الذبح بنصف ليلة النحر.

(قوله: كما هو الأفضل) الضمير يعود على السعي بعد طواف القدوم، أي كما أن السعي بعد طواف القدوم هو الأفضل، وهذا هو الذي جرى عليه شيخه في التحفة، ونصها: وإذا أراد السعي بعد طواف القدوم كما هو الأفضل،

لأنه الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم لم تلزمه الموالاة اه.

والذي جرى عليه الرملي: أن السعي بعد طواف الإفاضة أفضل، وعبارته بعد كلام لكن الأفضل تأخيره عن طواف الإفاضة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى قال: لأن لنا وجها باستحباب إعادته بعده.

اه.

وظاهر عبارة المغني الجريان على ما جرى عليه الأول، ونصها: وهل الأفضل السعي بعد طواف القدوم، أو بعد طواف الإفاضة؟ ظاهر كلام المصنف في مناسكه الكبرى الأول، وصرح به في مختصرها.

اه.

(قوله: والحلق) أي والتقصير.

وقوله: والسعي أي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم.

(قوله: لا آخر لوقتها) لأن الأصل فيما أمرنا به الشارع أن لا يكون مؤقتا، فما كان مؤقتا فهو على خلاف الأصل، وحينئذ فيبقى من عليه ذلك محرما حتى يأتي به كما في المجموع.

(قوله: ويكره تأخيرها) أي الثلاثة.

وقوله: عن يوم النحر أي فالأفضل فعلها

ص: 330

(و) سادسها: (ترتيب) بين معظم أركانه - بأن يقدم الاحرام على الجميع، والوقوف على طواف الركن والحلق والطواف على السعي - إن لم يسع بعد طواف القدوم - ودليله الاتباع.

(ولا تجبر) أي الاركان، (بدم).

وسيأتي ما يجبر بالدم.

(وغير وقوف) من الاركان الستة (أركان العمرة) لشمول الادلة لها، وظاهر أن الحلق يجب تأخيره عن سعيها، فالترتيب فيها في جميع الاركان.

(تنبيه) يؤديان بثلاثة أوجة: إفراد: بأن يحج ثم يعتمر.

وتمتع: بأن يعتمر ثم يحج.

وقران: بأن يحرم بهما

ــ

فيه.

(قوله: وأشد منه) أي من تأخيرها عن يوم النحر في الكراهة.

(قوله: وسادسها: ترتيب) أي وسادس الأركان: الترتيب.

ونقل ع ش عن سم على المنهج ما نصه: قوله وسادسها الترتيب.

إلخ.

أقول: لي هنا شبهة وهي: أن شأن ركن الشئ أن يكون بحيث لو انعدم انعدم ذلك الشئ، ولا شبهة في أنه إذا حلق قبل الوقوف ثم وقف وأتى ببقية الأعمال، حصل الحج، وكان الحلق ساقطا لعدم مكانه، وإن أثم بفعله في غير محله وتفويته، فقد حصل له الحج مع انتفاء الترتيب.

فليتأمل.

اه.

أقول: ويمكن اندفاع هذه الشبهة بأن يقال: الحلق إنما سقط لعدم شعر برأسه، لا لتقدمه على الوقوف، لأن حلقه قبله لم يقع ركنا، والإثم إنما هو لترفهه بإزالة الشعر قبل الوقوف، وهذا كما لو اعتمر وحلق، ثم أحرم بالحج عقبه، فلم يكن برأسه شعر بعد دخول وقت الحلق، فإن الحلق ساقط عنه، وليس ذلك اكتفاء بحلق العمرة، بل لعدم شعر يزيله.

اه.

(قوله: بين معظم أركانه) أي الحج، وهو ثلاثة أركان كما ذكره الشارح النية: وهي مقدمة على الجميع.

والوقوف: وهو مقدم على باقي الأركان.

والطواف وهو مقدم على السعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم.

(قوله: بأن يقدم الإحرام إلخ) تصوير للترتيب بين المعظم، والمراد نية الدخول في النسك.

وقوله: على الجميع أي جميع

الأركان أي الباقي بعد النية.

وقوله: والوقوف على طواف الركن والحلق أي ويقدم الوقوف على طواف الركن والحلق، وأما هما، فلا ترتيب بينهما.

وقوله: والطواف على السعي أي ويقدم الطواف عليه.

(قوله: إن لم يسع بعد طواف القدوم) أي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، فإن كان قد سعى بعده سقط عنه، ولا تسن إعادته كما مر وعليه، فلا يكون هناك ترتيب بين المعظم.

(قوله: ودليله) أي الترتيب.

(وقوله: الاتباع) أي وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله: خذوا عني مناسككم.

(قوله: ولا تجبر أي الأركان) أي لا دخل للجبر فيها، وذلك لانعدام الماهية بانعدامها، فلو جبرت بالدم مع عدم فعلها للزم عليه وجود الماهية بدون أركانها، وهو محال.

بجيرمي.

(قوله: وسيأتي ما يجبر بالدم) وهي الواجبات الآتي بيانها، كالإحرام من الميقات.

(قوله: وغير وقوف من الأركان الستة) أي وهو: النية، والطواف، والسعي، والحلق، والترتيب.

(قوله: أركان العمرة) خبر المبتدأ، وهو لفظ غير.

(قوله: لشمول الأدلة إلخ) يعني أن الأدلة التي استدل بها على وجوب النية والطواف والسعي في الحج، تدل أيضا على وجوبها في العمرة، فهي ليست قاصرة على الحج.

(قوله: وظاهر أن الحلق) أي في العمرة.

(وقوله: يجب تأخيره عن سعيها) أي العمرة.

(قوله: فالترتيب الخ) مفرع على وجوب تأخير الحلق عنه.

(وقوله: فيها) أي في العمرة.

(وقوله: في جميع الأركان) أي لا في المعظم فقط، كالحج.

(قوله: يؤديان) أي الحج والعمرة.

(وقوله: بثلاثة أوجه) أي فقط، ووجه الحصر فيها أن الإحرام إن كان بالحج أولا فالإفراد، أو بالعمرة أولا فالتمتع، أو بهما معا فالقران.

ولا يرد على الحصر ما لو أحرم إحراما مطلقا، لأنه غير خارج عن الثلاثة، لأنه لا بد من صرفه لواحد منها، فالإحرام مطلقا مع الصرف لواحد منها في

ص: 331

معا.

وأفضلها: إفراد - إن اعتمر عامه - ثم تمتع.

وعلى كل من المتمتع والقارن: دم - إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام - وهم من دون مرحلتين.

ــ

معنى الإحرام ابتداء بذلك الواحد.

(قوله: إفراد) بالرفع، خبر لمتبدأ محذوف، وبالجر بدل من ثلاثة أوجه، وبدأ به لأنه أفضلها.

(قوله: بأن يحج) تصوير للإفراد.

(وقوله: ثم يعتمر) أي ولو من غير ميقات بلده، ولو من أدنى الحل.

(قوله: وتمتع) معطوف على افراد، فهو بالرفع أو بالجر.

(قوله: بأن يعتمر) أي ولو في غير أشهر الحج، لكنه وأن سمي متمتعا لا يلزمه دم، وإن أتى بأعمالها في أشهر الحج.

(وقوله: ثم يحج) ولو في غير عامه، لكنه حينئذ لا يلزمه دم.

(قوله: وقران) معطوف على إفراد أيضا، ويجري فيه الوجهان: الرفع والجر.

(قوله: بأن يحرم بهما) أي بالحج والعمرة، وهو تصوير للقران.

(وقوله: معا) مثله ما لو أحرم بالعمرة ثم قبل شروعه في أعمالها أدخل الحج عليها، فيقال لهذا قران.

(قوله: وأفضلها إفراد) أي لأن رواته أكثر، ولأن جابرا رضي الله عنه منهم وهو أقدم صحبة، وأشد عناية بضبط

المناسك - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - اختاره أولا، وللإجماع على أنه لا كراهة فيه ولا دم، بخلاف التمتع والقران، والجبر أيضا دليل النقصان.

قال في التحفة: ولأن بقية الروايات يمن ردها إليه بحمل التمتع على معناه اللغوي، وهو الانتفاع، والقران على أنه باعتبار الآخر، لأنه صلى الله عليه وسلم اختار الإفراد أولا، ثم أدخل عليه العمرة خصوصية له للحاجة إلى بيان جوازها في هذا المجمع العظيم، وإن سبق بيانها منه قبل متعددا.

اه.

قوله: إن اعتمر عامه أي محل الأفضلية إن اعتمر في سنة الحج بأن لا يؤخرها عن ذي الحجة، وإلا كان كل منهما أفضل منه، لكراهة تأخيرها عن سنته.

قال الكردي: ومن صور الإفراد الفاضل بالنسبة للتمتع الموجب للدم: ما لو اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج من عامه، لكنها مفضولة بالنسبة للإتيان بالعمرة بعد الحج فيما بقي من ذي الحجة - كما في الإمداد - ويسمى ذلك تمتعا أيضا.

اه.

(قوله: ثم تمتع) أي ثم يليه في الفضيلة تمتع، فهو أفضل من القران، وذلك لأن المتمتع يأتي بعملين كاملين، وإنما ربح أحد الميقاتين فقط، بخلاف القارن، فإنه يأتي بعمل واحد من ميقات واحد.

(قوله: وعلى كل من المتمتع والقارن: دم) أما الأول: فبالإجماع، لربحه الميقات، إذ لو أحرم بالحج أولا من ميقات بلده لاحتاج بعده إلى أن يحرم بالعمرة من أدنى الحل، وبالتمتع لا يخرج من مكة، بل يحرم بالحج منها.

قال في التحفة: وبهذا يعلم أن الوجه فيمن كرر العمرة في أشهر الحج أنه لا يتكرر عليه، وإن أخرج الدم قبل التكرر، لأن ربحه الميقات بالمعنى الذي تقرر لم يتكرر.

وأما الثاني: فلما صح أنه صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر يوم النحر.

قالت عائشة رضي الله عنها: وكن قارنات.

ولأنه وجب على المتمتع بنص القرآن، وفعل المتمتع أكثر من فعل القارن، فإذا لزمه الدم فالقارن أولى.

(قوله: إن لم يكن) أي كل من المتمتع والقارن.

وهو شرط لوجوب الدم، أي يشترط في وجوب الدم عليهما أن لا يكونا من حاضري المسجد الحرام، وذلك لقوله تعالى في المتمتع: * (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * (1) أي ما ذكر من الهدي والصوم عند فقده لمن - أي على من لم يكن أهله أي وطنه - حاضري المسجد الحرام، وقيس عليه في ذلك القارن، والجامع بينهما الترفه فيهما.

فالمتمتع ترفه بربح ميقات الحج، والقارن ترفه بترك أحد الميقاتين أيضا.

ويشترط أيضا لوجوب التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من مكة، وأن يكون إحرامه بالعمرة ثم بالحج في سنة واحدة، وأن لا يعود إلى الميقات قبل الإحرام أو بعده وقبل التلبس

بنسك.

(1) البقرة: 196

ص: 332

(وشروط الطواف) ستة: أحدها: (طهر) عن حدث وخبث.

(و) ثانيها: (ستر) لعورة قادر، فلو زالا فيه جدد، وبنى على طوافه، وإن تعمد ذلك، وطال الفصل.

ــ

فحاصل الشروط أربعة، إذا فقد واحد منها لم يجب عليه شئ.

ويشترط لوجوبه على القارن أيضا أن لا يعود من مكة قبل الوقوف إلى الميقات، فحاصل ما يشترط له اثنان إذا فقد واحد منهما لم يجب عليه شئ.

(قوله: وهم) أي حاضرو المسجد الحرام.

(وقوله: من دون مرحلتين) أي من استوطنوا بالفعل حالة الإحرام لا بعده محلا دون مرحلتين أي من الحرم على الأصح وذلك لأن المسجد الحرام حيث ذكر في القرآن المراد به جميع الحرم إلا في آية * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * (2) وآية * (سبحان الذي أسرى) * (3) فالمراد به الكعبة في الأول، وحقيقته في الثاني.

وقيل من مكة لأن المسجد الحرام في الآية غير مراد به حقيقته اتفاقا، وحمله على مكة أقل تجوزا من حمله على جميع الحرم.

(قوله: وشروط الطواف) لما أنهى الكلام على الأركان، شرع في بيان شروط بعضها وهو الطواف وخصه من بينها بذلك لكونه أفضلها، ولعظم الخطر فيه.

وهذه الشروط ليست خاصة بطواف الإفاضة، بل هي له بسائر أنواعه، من قدوم، ووداع، ونذر، وتطوع، وتحلل.

(وقوله: ستة) بل ثمانية.

فسابعها: كونه في المسجد.

وثامنها: عدم صرفه لغيره، كطلب غريم.

وكإسراعه خوفا من أن تلمسه امرأة.

وقد نظمها بعضهم فقال: واجبات الطواف ستر وطهر * * جعله البيت يا فتى عن يسار في مرور تلقاء وجه وبالأسود * * يبدأ محاذيا وهو سار مع سبع بمسجد ثم قصد * * لطواف في النسك ليس بجار فقد صرف لغيره ذي ثمان * * قد حكى نظمها نظام الدرار (قوله: أحدها: طهر عن حدث) أي بنوعيه: الأصغر والأكبر.

وقوله: وخبث أي في ثوبه، وبدنه، ومطافه.

قال في التحفة: نعم، يعفى عما يشق الاحتراز عنه في المطاف من نجاسة الطيور وغيرها، إن لم يتعمد المشي عليها، ولم تكن رطوبة فيها أو في مماسها كما مر قبيل صفة الصلاة.

ومن ثم عد ابن عبد السلام غسل المطاف من البدع.

اه.

قال الرملي رحمه الله تعالى: ومما شاهدته مما يجب إنكاره والمنع منه، ما يفعله الفراشون بالمطاف من تطهير ذرق إ الطيور، فيأخذ خرقة مبتلة فيزيل بها العين، ثم يغسلها، ثم يمسح بها محله، فيظن أنه تطهير، بل تصير النجاسة غير معفو عنها، ولا يصح طواف الشافعية عليها، إذ لا بد بعد إزالة العين من صب الماء على المحل.

اه.

(قوله: وثانيها) أي

الشروط الستة.

(قوله: ستر لعورة قادر) أي على الستر، فإن كان عاجزا عنه طاف عاريا وأجزأه كما لو صلى كذلك بخلاف ما إذا عجز عن الطهارة حسا أو شرعا، فبحث الأسنوي منعه كالمتنجس العاجز عن الماء من طواف الركن، لوجوب الإعادة، فلا فائدة في فعله.

وقطع طواف النفل والوداع بأن له فعلهما مع ذلك، وهو ضعيف.

وقد حرر هذا المقام في التحفة، وذكر حاصل المعتمد منه، ونصها: ولو عجز عن الستر طاف عاريا، ولو للركن إذ لا إعادة عليه أو عن الطهارة حسا أو شرعا.

ففيه اضطراب حررته في الحاشية.

وحاصل المعتمد منه: أنه يجوز لمن عزم على الرحيل أن يطوف، ولو للركن، وإن اتسع وقته، لمشقة مصابرة لاحرام بالتيمم، ويتحلل به، وإذا جاء مكة لزمه إعادته، ولا يلزمه عند فعله تجرد ولا غيره، فإن مات وجب الإحجاج عنه بشرطه.

ولا يجوز طواف الركن ولا غيره لفاقد الطهورين، بل الأوجه أن يسقط عنه طواف الوادع.

ولو طرأ حيضها قبل

(2) البقرة: 144.

(3)

الاسراء: 1

ص: 333

(و) ثالثها: (نيته): أي الطواف، (إن استقل) بأن لم يشمله نسك كسائر العبادات، وإلا فهي سنة.

(و) رابعها: (بدؤه بالحجر الاسود محاذيا له) في مروره (ببدنه): أي بجميع شقه الايسر.

وصفة

ــ

طواف الركن، ولم يمكنها التخلف لنحو فقد نفقة أو خوف على نفسها، رحلت إن شاءت، ثم إذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة تتحلل كالمحصر ويبقى الطواف في ذمتها.

والأحوط لها أن تقلد من يرى براءة ذمتها بطوافها قبل رحيلها.

اه.

بتصرف.

(قوله: فلو زالا) أي الطهر والستر.

(وقوله: فيه) أي في الطواف.

(قوله: جدد) أي الطائف، الطهر والستر.

فمفعول الفعل محذوف، والفاعل ضمير مستتر يعود على معلوم من المقام.

(قوله: وبنى على طوافه) أي بنى على ما أتى به من الطوفات.

ومعنى البناء على الماضي أنه يبنى من الموضع الذي وصل إليه، ولا يجب استئنافه، لكن يسن، خروجا من الخلاف.

(قوله: وإن تعمد ذلك) أي زوال الطهر والستر، وهو غاية في الاكتفاء بالبناء.

(وقوله: وطال الفصل) أي وإن طال الفصل.

فهو غاية ثانية لما ذكر، وذلك لعدم اشتراط الولاء فيه.

(قوله: وثالثها) أي الشروط الستة.

(وقوله: نيته) أي قصده بقلبه والتلفظ بها سنة كسائر النيات.

(قوله: إن استقل) أي الطواف.

(قوله: بأن لم يشمله نسك) تصوير لاستقلاله.

أي أن استقلاله مصور بأن لا يشمله نسك، أي لا يندرج تحته كالحج.

(قوله: كسائر العبادات) الكاف للتنظير، أن نظير سائر العبادات في وجوب النية فيها.

(قوله: وإلا فهي سنة) أي وإن لم يستقل، بأن

يشمله نسك، فهي سنة، وذلك لإغناء نية النسك عن نية الطواف.

قال في حاشية الإيضاح بعد كلام قرره: إن كان المراد بالنية قصد الفعل فهو شرط في كل طواف.

أو تعيين الطواف فليس بشرط في كل طواف فما المحل في وجوب النية فيه؟ أي وفي عدمه.

قال: وقد يجاب بأن المختلف فيه هو قصد نفس الفعل، لا مطلق القصد.

نظير قولهم يشترط قصد فعل الصلاة، ولا يكفي مطلق قصدها مع الغفلة عن ربطه بالفعل، فطواف النسك يكفي فيه مطلق القصد، وطواف غيره لا بد فيه من قصد الفعل، دون التعيين كنية نفل الصلاة المطلق اه.

وقال الونائي في منسكه في مبحث سنن الطواف ما نصه: منها أي السنن: النية أي نية فعل الحقيقة الشرعية بالمسماة بالطواف وهي الدوران حول البيت، فلا ينافي اشتراط قصد الفعل بأن يلحظ كونه عن الطواف لاشتراط عدم الصارف.

اه.

قال الشيخ باعشن عليه: والحاصل أن قصد مطلق الفعل وهو قصد الدوران بالبيت لا بد منه في كل طواف.

وأما ملاحظة كونه عن الطواف الشرعي فواجب في طواف غير النسك، وسنة في طواف النسك.

اه.

وقال بعضهم: المراد من كون النية سنة في طواف النسك نية كونه ركن الحج أو واجبه.

أما قصد الفعل فلا بد منه مطلقا، وهو لا يغاير ما مر.

قوله: ورابعها) أي الشروط الستة.

(قوله: بدؤه بالحجر الأسود) أي ركنه، وإن قلع منه وحول منه لغيره، وذلك للاتباع، فلا يعتد بما بدأ به قبله، ولو سهوا، فإذا انتهى إليه ابتدأ منه، وكذا لا يعتد بما بدأ به بعدة من جهة الباب.

ووصف الحجر بكونه أسود بحسب الحالة الراهنة، وإلا فليس كذلك بحسب الأصل.

قال السيوطي في التوشيح: أخرج أحمد والترمذي وابن حبان حديث: إن الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاآ ما بين المشرق والمغرب.

وأخرج الترمذي حديث: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم.

وروي عن وهب بن منبه أن آدم لما أمره الله تعالى بالخروج من الجنة أخذ جوهرة من الجنة التي هي الحجر الأسود مسح بها دموعه، فلما نزل إلى الأرض لم يزل يبكي، ويستغفر الله، ويمسح دموعه بتلك الجوهرة حتى اسودت من دموعه.

ثم لما بنى البيت أمره جبريل أن يجعل تلك الجوهرة في الركن، ففعل.

ص: 334

المحاذاة: أن يقف بجانبه من جهة اليماني - بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه - ثم ينوي، ثم يمشي مستقبلة حتى يجاوزه، فحينئذ ينفتل ويجعل يساره للبيت، ولا يجوز استقبال البيت إلا في هذا.

ــ

وفي بهجة الأنوار: إن الحجر الأسود كان في الابتداء ملكا صالحا، ولما خلق الله آدم وأباح له الجنة كلها إلا الشجرة التي نهاه عنها، ثم جعل ذلك الملك موكلا على آدم أن لا يأكل من تلك الشجرة، فلما قدر الله تعالى إن آدم يأكل من تلك الشجرة غاب عنه ذلك الملك، فنظر تعالى إلى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهرا ألا ترى أنه جاء في الأحاديث: الحجر الأسود يأتي يوم القيامة وله يد، ولسان، وأذن، وعين، لأنه كان في الابتداء، ملكا؟ (تنبيه) خمسة أشياء خرجت من الجنة مع آدم عود البخور، وعصا موسى من شجر الآس وأوراق التين التي كان يستتر بها آدم والحجر الأسود، وخاتم سليمان.

ونظمها بعضهم في قوله: وآدم معه أهبط العود والعصا * * لموسى من الآس النبات المكرم وأوراق تين واليمين بمكة * * وختم سليمان النبي المعظم وزاد بعضهم: الحجر الذي ربطه نبينا على بطنه، ومقام إبراهيم، وهو الحجر الذي كان يقف عليه لبناء البيت فيرتفع به حتى يضع الحجر، ويهبط حتى يتناوله من إسماعيل، وفيه أثر قدميه.

(قوله: محاذيا) حال من الضمير في بدؤه، العائد على الطائف.

(وقوله: له) أي للحجر الأسود، كله أو بعضه، فلا يشترط محاذاة كله.

(وقوله: في مروره) أي في حال مروره.

(قوله: ببدنه) متعلق بمحاذيا.

(قوله: أي بجميع شقه الأيسر) تفسير مراد للبدن أي أن المراد بالبدن جميع الشق الأيسر، فهو على سبيل المجاز المرسل، والعلاقة الكلية والجزئية، والمراد أيضا بجميع الشق الأيسر مجموعه، وهو أعلاه المحاذي لصدره، وهو المنكب.

وذلك لأن المحاذاة لا تكون إلا به كما هو ظاهر وعبارة التحفة: تنبيه يظهر أن المراد بالشق الأيسر أعلاه المحاذي للصدر، وهو المنكب، فلو انحرف عنه بهذا، أو حاذاه ما تحته من الشق الأيسر، لم يكف.

اه.

ثم إن ما ذكر من اشتراط المحاذاة مفروض في الابتداء، أما الانتهاء فيجب أن يكون الذي حاذاه في آخر الطواف هو الذي حاذاه في أوله، ومقدما إلى جهة الباب، ليحصل استيعاب البيت بالطواف.

وزيادة ذلك الجزء احتياط فلو حاذى أولا طرفه مما يلي الباب، اشترط أن يحاذيه آخرا.

وهذه دقيقة يغفل عنها.

(قوله: وصفة المحاذاة) أي الكيفية التي تحصل بها المحاذاة، وهذه الكيفية ليست بواجبة، بل هي الفاضلة، وذلك لأنه لو ترك الاستقبال المذكور وحاذى الطرف مما يلي الباب بشقه الأيسر أجزأه، وفاتته الفضيلة.

(قوله: أن يقف) أي مستقبلا للبيت.

وقوله: بجانبه أي الحجر الأسود.

وقوله: من جهة اليماني متعلق بيقف.

أي يقف من جهة الركن اليماني.

وقوله: بحيث إلخ الباء لتصوير الوقوف بجانبه، أي يقف وقوفا مصورا بحالة

هي أن يصير جميع الحجر الأسود عن يمينه، أي ويصير منكبه الأيمن عند طرفه.

(قوله: ثم ينوي) أي ثم بعد وقوفه المذكور ينوي الطواف.

(قوله: ثم يمشي مستقبله) أي ثم بعد النية يمشي إلى جهة يمينه مستقبلا للحجر.

وقوله: حتى يجاوز أي يمشي مستقبلا إلى أن يجاوز الحجر.

والمراد إلى أن يبدأ في المجاوزة بحيث يحاذي منكبه طرف الحجر، وليس المراد إلى تمام المجاوزة، بدليل قوله فحينئذ إلخ كما ستعرفه.

وعبارة غيره: إلى أن يحاذي منكبه طرف الحجر، فينحرف حينئذ، ويجعل جميع يساره لطرف الحجر.

اه.

وهي ظاهرة.

وهذا على ما جرى عليه شيخه ابن حجر.

أما على ما جرى عليه م ر: فالمراد إلى تمام المجاوزة، لأن الانفتال عنده يكون بعدها، لا في حال المجاوزة.

(قوله: فحينئذ ينفتل) أي حين المجاوزة ينفتل، لا بعدها على ما جرى عليه ابن حجر أما على ما جرى عليه الرملي: فالانتقال يكون بعدها كما علمت ولا بد من استحضار النية عند هذا الانفتال، لأنه أول الطواف، وما قبله مقدمة له.

(قوله: ويجعل يساره للبيت) معطوف على ينفتل، أي حينئذ يجعل يساره، ويصح جعل الواو للحال، أي ينفتل حال كونه جاعلا يساره.

ويدل على هذا عبارة التحفة ونصها: فينفتل جاعلا يساره محاذيا جزءا من الحجر بشقه الأيسر.

اه.

ص: 335

(و) خامسها: (جعل البيت عن يساره) مارا تلقاء وجهه، فيجب كونه خارجا بكل بدنه حتى بيده عن

شاذروانه وحجره - للاتباع - فإن خالف شيئا من ذلك لم يصح طوافه، وإذا استقبل الطائف - لنحو دعاء - فليحترز عن أن يمر منه أدنى جزء قبل عوده إلى جعل البيت عن يساره.

ويلزم من قبل الحجر أن يقر قدميه في

ــ

(قوله: ولا يجوز استقبال البيت إلا في هذا) أي في ابتداء الطواف.

قال العلامة عبد الرؤوف: هذا الاستثناء صوري، لأن أول الطواف الواجب، هو هذا الانفتال، وما قبله مقدمته، لا منه.

ومن ثم لم تجز النية إلا إن قارنته.

اه.

وما ذكره هو معتمد ابن حجر، واعتمد الجمال الرملي والخطيب وابن قاسم وغيرهم أن أول طوافه ما فعله أولا، وأن الاستثناء حقيقي.

(قوله: وخامسها) أي الشروط الستة.

(قوله: جعل البيت عن يساره) أي في كل خطوة من خطوات طوافه، فلو مر منه جزء وهو مستقبل البيت أو مستدبره لدعاء أو زحمة أو استلام أو نحوها، بطلت تلك الخطوة وما بني عليها حتى يرجع إلى محله الذي وقع الخلل فيه، أو يصل إليه فيما بعد تلك الطوفة.

(فائدة) الطواف يمين، لما في مسلم: عن جابر رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم أتى البيت فاستقبل الحجر، ثم مشى عن يمينه.

أي الحجر.

وحينئذ يكون الطائف عن يمين البيت، وغلط كثيرون فسرى إلى ذهنهم من اشتراط جعل البيت عن يساره أن الطواف يسار.

(وقوله: مارا تلقاء وجهه) أي على الهيئة المعتادة له في المشي، سواء طاف منتصبا، أو منحنيا، أو زحفا، أو حبوا وإن قدر على المشي في الجميع.

(قوله: فيجب كونه إلخ) هذا التفريع لا محل له، فالأولى التعبير بالواو ويكون

مستأنفا، ساقه لبيان شرط آخر.

وقوله: بكل بدنه ومثله ثوبه المتحرك بحركته عند حجر، لا نحو عود في يده.

ومشى الخطيب في مغنيه: والرملي في النهاية، على أن الثوب وإن تحرك بحركته لا يضر.

(قوله: حتى بيده) أي حتى يجب خروج يده.

(قوله: عن شاذروانه) متعلق بخارجا، وهو جدار قصير نقصه ابن الزبير من عرض الأساس، وهو من الجهة الغربية واليمانية فقط كما في شرح بأفضل وموضع من النهاية وغيرهما، لكن المعتمد كما في التحفة ثبوته في جهة الباب أيضا.

والحاصل أنه مختلف في ثبوته من جميع الجوانب فالإمام والرافعي لا يقولان به إلا في جهة الباب، وشيخ الإسلام ومن وافقه لا يقولان به من جهة الباب، وأبو حنيفة لا يقول به في جميع الجوانب، وفيه رخصة عظيمة، بل لنا وجه إن مس جدار الكعبة لا يضر، لخروج معظم بدنه عن البيت.

وقوله: وحجره هو بكسر الحاء، ما بين الركنين الشاميين، عليه جدار قصير بينه وبين كل من الركنين فتحة، ويسمى أيضا حطيما، لكن الأشهر أنه ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم.

(قوله: للاتباع) دليل لوجوب جعل البيت عن يساره، ولوجوب خروجه بكل بدنه عنه.

والاتباع في الأول خبر جابر المار مع قوله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني مناسككم وفي الثاني أنه صلى الله عليه وسلم طاف خارجه مع قوله خذوا إلخ، ويدل له أيضا قوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (1) وإنما يكون طائفا به إذا كان خارجا عنه، وإلا فهو طائف فيه.

(قوله: فإن خالف شيئا من ذلك) راجع لجميع ما قبله، فاسم الإشارة يعود على المذكور من الطهر والستر وما بعدهما من الشروط.

فلو طاف عاريا أو غير متطهر، أو من غير نية، أو لم يبدأ بالحجر الأسود، أو لم يجعل البيت عن يساره بأن جعله عن يمينه أو عن يساره لكن مشى القهقري، أو لم يخرج بكل بدنه عن الشاذروان والحجر، لم يصح طوافه.

(قوله: وإذا استقبل الخ) هذه المسألة مفرعة على جعل البيت عن يساره.

والتي بعدها أعني ويلزمه إلخ مفرعة على وجوب كونه خارجا بكل بدنه عما ذكره.

فكان المناسب أن يترجم لهما كعادته.

بأن يقول: فرعان (قوله: فليحترز عن أن يمر منه أدنى جزء إلخ) فإن مر منه أدنى جزء وهو مستقبل الكعبة قبل أن يجعل البيت عن يساره، بطلت تلك الخطوة وما بني عليها حتى يرجع إلى المحل الذي مر منه وهو مستقبل، أو يصل إليه في الطوفة الثانية مثلا وتلغو الطوفة التي وقع الخلل فيها.

(قوله: ويلزم من قبل الحجر) أي أو استلم الركن اليماني.

وهذه المسألة من الدقائق التي ينبغي التنبه لها كما نص عليه

(1) الحج: 29

ص: 336

محلهما حتى يعتدل قائما، فإن رأسه - حال التقبيل - في جزء من البيت.

(و) سادسها: (كونه سبعا) يقينا، ولو في الوقت المكروه، فإن ترك منها شيئا - وإن قل - لم يجزئه.

(وسن أن يفتتح) الطائف (باستلام الحجر) الاسود بيده، (و) أن (يستلمه في كل طوفة)، وفي الاوتار

ــ

في الإيضاح.

(وقوله: أن يقر قدميه في محلهما) أي يثبتهما في محلهما.

فلو زالت قدماه من محلهما إلى جهة الباب

قليلا ولو بعض شبر في حال تقبيله، ثم لما فرغ من التقبيل اعتدل عليهما في الموضع الذي زالتا إليه فإن لم يرجع إلى المحل الذي زالتا منه ومضى من هناك إلى طوافه، بطلت طوفته هذه، لأنه قطع جزءا من مطافه وبدنه في هواء الشاذروان.

(قوله: وسادسها) أي الشروط الستة.

(قوله: كونه) أي الطواف.

(وقوله: سبعا يقينا) فلو شك في العدد أخذ بالأقل كالصلاة إن كان الشك في الأثناء.

فإن كان بعد الفراغ لم يؤثر، ومثله ما لو شك بعده في شرط من الشروط كالطهارة فإنه لا يؤثر.

ولو أخبره عدل على خلاف ما يعتقده، فإن كان بالنقص سن الأخذ به إن لم يورثه الخبر ترددا وإلا وجب الأخذ.

وفارق الصلاة بأنها تبطل بالزيادة.

وإن كان بالتمام لم يجز الأخذ به إلا إن بلغوا عدد التواتر.

(قوله: ولو في الوقت المكروه) هذه الغاية للتعميم، ولكن لا محل لها هنا، إذ لا علاقة بينها وبين العدد حتى يعمم بها فيه، فكان المناسب أن يذكر مسألة مستقلة كما صنع شيخه وعبارته: ولا يكره في الوقت المنهي عن الصلاة فيه.

والمعنى أن الطواف يصح ولو في الأوقات التي تكره فيها الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء.

(قوله: فإن ترك منها) أي السبع.

وهو مفهوم قوله سبعا، وقد علمت مفهوم قوله يقينا.

(وقوله: شيئا وإن قل) أي ولو بعض خطوة.

(قوله: لم يجزئه) أي الطواف.

أي إن لم يتداركه، فلو مات وقد ترك بعض خطوة من طواف الحج لم يصح حجه.

(قوله: وسن أن يفتتح الطائف) شروع في ذكر بعض سنن الطواف.

وهي كثيرة.

منها ما ذكره المؤلف، ومنها السكينة، والوقار، وعدم الكلام إلا في خير كتعليم جاهل برفق إن قل وسجدة التلاوة لا الشكر لأن الطواف كالصلاة، وسجدة الشكر تحرم فيها.

ومنها رفع اليدين عند الدعاء، وجعلهما تحت صدره في غير الدعاء بالكيفية المعهودة في الصلاة كما نص عليه في التحفة وعبارتها بعد كلام: ورفع اليدين في الدعاء كما في الخصال، ومنه مع تشبيههم الطواف بالصلاة في كثير من واجباته وسننه الظاهر في أنه يسن ويكره فيه كل ما يتصور من سنن الصلاة ومكروهاتها يؤخذ أن السنة في يدي الطائف إن دعا رفعهما، وإلا فجعلهما تحت صدره بكيفيتهما ثم.

اه.

ومنها الدعاء فيه، وهو بالمأثور أفضل، حتى من القراءة، وهو كما في شرح الروض نقلا عن الأصحاب - أن يقول عند استلام الحجر في كل طوفة والأولى آكد بسم الله والله أكبر.

اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وقبالة الباب اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار ويشير بقلبه إلى مقام إبراهيم.

وعند الانتهاء إلى الركن العراقي اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك،

والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق، وسوء المنظر في المال والأهل والولد.

وعند الانتهاء تحت الميزاب اللهم أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك.

واسقني بكأس محمد صلى الله عليه وسلم شرابا هنيئا لا أظمأ بعده أبدا، يا ذا الجلال والإكرام.

وبين الركن الشامي واليماني اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا، وسعيا مشكورا، وعملا مقبولا، وتجارة لن تبور.

والمناسب للمعتمر أن يقول: وعمرة مبرورة.

ويحتمل استحباب التعبير بالحج مراعاة للخبر، ويقصد المعنى اللغوي وهو مطلق القصد نبه عليه الأسنوي، قال في المغنى: ومحل الدعاء بهذا إذا كان الطواف في ضمن حج أو عمرة، وإلا فيدعو بما أحب.

اه.

وقال بعضهم: يأتي بما ذكر ولو كان الطواف ليس طواف نسك اتباعا للوارد، ويقصد بذلك أيضا المعنى اللغوي.

وبين اليمانيين اللهم * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) * (1).

(1) البقرة: 201

ص: 337

آكد، وأن يقبله، ويضع جبهته عليه، (و) يستلم (الركن) اليماني، ويقبل يده بعد استلامه، (و) أن (يرمل

ــ

(قوله: باستلام الحجر الأسود إلخ) اختصر المؤلف ما يندب للطائف عند ابتداء الطواف، وحاصله أنه يندب له قبل البدء بالطواف إذا كان المطاف خاليا أن يستقبل الحجر الأسود، ويستلمه بيده، ثم يقبله بفمه، ثم يضع جبهته عليه، ويراعي ما ذكر في كل مرة ويكرره ثلاثا.

هذا كله عند القدرة، فإن عجز عن التقبيل استلم بيده اليمنى، فإن عجز عنه فباليسرى، فإن عجز عن استلامه استلمه بنحو عود ثم قبل ما استلم به، فإن عجز عن استلامه أشار إليه بيده أو بشئ فيها ثم قبل ما أشار به.

ولا يشير بالفم إلى التقبيل، ولا يزاحم للتقبيل، بل تحرم المزاحمة له وللاستلام إن آذى غيره أو تأذى به، لقوله صلى الله عليه وسلم: يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف.

إن وجدت خلوة، وإلا فهلل وكبر.

رواه الشافعي وأحمد رضي الله عنهما وأما نصه في الأم على طلب الاستلام أول الطواف وآخره ولو بالزحام، فمحمول على زحام ليس معه ضرر بوجه.

(قوله: وأن يقبله) المصدر المؤول معطوف على استلام.

(قوله: ويستلم الركن اليماني) أي عند القدرة، وإلا أشار إليه بيده، أو بشئ فيها.

(فائدة) مما ورد في فضل الركن اليماني قوله صلى الله عليه وسلم: ما مررت بالركن اليماني إلا وعنده ملك ينادي: آمين.

آمين.

فإذا مررتم فقولوا: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: وكل بالركن اليماني سبعون ملكا.

من قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة قالوا: آمين.

قال العز بن جماعة: ولا تعارض بين الحديثين على تقدير الصحة إذ يحتمل أن السبعين موكلون به لم يكلفوا التأمين وإنما يؤمنون عند سماع الدعاء، والملك كلف قول آمين.

وقوله صلى الله عليه وسلم: إن عند الركن اليماني بابا من أبواب الجنة، والركن الأسود من أبواب الجنة، وما من أحد يدعو عند الركن الأسود إلا استجاب الله له.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ما بين الركن اليماني والحجر الأسود روضة من رياض الجنة.

وعن عطاء: قال: قيل: يا رسول الله تكثر من استلام الركن اليماني قال: ما أتيت عليه قط إلا وجبريل قائم عنده يستغفر لمن يستلمه.

وعن مجاهد أنه قال: ما من إنسان يضع يده على الركن اليماني ويدعو إلا استجيب له، وأن بين الركن اليماني والركن الأسود سبعين ألف ملك لا يفارقونه، هم هنالك منذ خلق الله البيت.

(قوله: ويقبل يده) أي أو ما أشار به للركن عند عدم استلامه كما في التحفة والنهاية والمغني وجزم حجر في شرح بأفضل ومختصر الإيضاح وحاشيته أنه لا يقبل ما أشار به للركن اليماني فارقا بين الحجر وبين الركن اليماني بأن الحجر أشرف، فاختص بذلك.

واعلم أنه لا يسن تقبيل الركنين الشاميين ولا استلامهما.

قال م ر: والسبب في اختلاف الأركان في هذه الأحكام: أن ركن الحجر فيه فضيلتان كون الحجر فيه، وكونه على قواعد أبينا إبراهيم.

واليماني فيه فضيلة واحدة، وهو كونه على قواعد أبينا إبراهيم.

وأما الشاميان فليس لهما شئ من الفضيلتين.

اه.

(قوله: وإن يرمل) أي وسن الرمل، وسببه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة بأصحابه معتمرين سنة سبع قبل الفتح بسنة وقد وهنتهم الحمى، فقال المشركون: هؤلاء قد وهنتهم حمى يثرب، فلم يبق لهم طاقة بقتالنا، فأطلع الله نبيه على ما قالوا، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ليرى المشركون جلدهم وبقاء قوتهم، ففعلوا، فلما رآهم المشركون قالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟ إنهم لأجلد من كذا وكذا.

وإنما شرع مع زوال سببه ليتذكر به فاعله نعمة

ص: 338

- ذكر) في الطوفات (الثلاث الاول من طواف بعده سعي) بإسراع مشيه مقاربا خطاه، وأن يمشي في الاربعة الاخيرة على هيئته - للاتباع - ولو ترك الرمل في الثلاث الاول: لا يقضيه في البقية.

ويسن أن يقرب - الذكر - من البيت، ما لم يؤذ أو يتأذ بزحمة، فلو تعارض القرب منه والرمل: قدم، لان ما يتعلق بنفس العبادة، أولى من المتعلق بمكانها، وأن يضطبع في طواف يرمل فيه، وكذا في السعي: وهو جعل وسط ردائه تحت منكبه الايمن،

ــ

الله بظهور الإسلام، وإعزاز أهله، وتطهير مكة من المشركين على ممر الأعوام والسنين.

وقوله: ذكر خرج به الأنثى، فلا يسن لها الرمل ولو ليلا، ولو في خلوة لأن بالرمل تتبين أعطافها، وفيه تشبه بالرجال.

قال في التحفة: بل يحرم إن

قصدت التشبه.

ومثل الرمل في ذلك الاضطباع.

ومثل الأنثى: الخنثى.

(قوله: في الطوفات) بإسكان الواو على الأفصح ويجوز فتحها.

(قوله: من طواف بعده سعي) أي حال كون الطوفات الثلاث كائنة من طواف يعقبه سعي، أي مطلوب في حج أو عمرة، وإن كان مكيا.

فإن رمل في طواف القدوم، وسعى بعده سعي الحج، لا يرمل في طواف الركن، لأن السعي بعده حينئذ غير مطلوب، ولا رمل في طواف الوداع لذلك.

(قوله: بإسراع مشيه) تصوير للرمل.

أي أن الرمل هو أن يسرع فيه مشيه أي مع هز كتفيه ومع غير عدو ووثب، ويسمى خببا.

وقوله: مقاربا حال من فاعل إسراع.

وقوله: خطاه بضم الخاء جمع خطوة، بضم الخاء أيضا: اسم لما بين القدمين، أما الخطوة بالفتح وهي نقل القدم فجمعها خطاء بكسر الخاء والمد كركوة وركاء كما قال في الخلاصة: فعل وفعلة فعال لهما.

(قوله: وأن يمشي في الأربعة) معطوف على أن يرمل.

أي وسن أن يمشي في الأربعة الأخيرة.

(وقوله: على هيئته) أي سجيته وطبيعته.

وفي بعض النسخ على هينته بنون، فتاء أي تأنيه.

(قوله: للاتباع) دليل لسنية الرمل في الثلاث الأول، ولسنية المشي في الأربعة الأخيرة، وهو ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا.

وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم: رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا، ومشى أربعا.

(قوله: ولو ترك الرمل) ضبطه الخطيب في منسكه بفتح الراء والميم، ولكن القياس إسكان الميم.

(قوله: لا يقضيه) أي الرمل في البقية، أي الأربعة الأخيرة.

وذلك لأن هيئتها السكينة، فلا تغير، كالجهر لا يقضى في الأخيرتين إذا ترك من الأولتين.

(قوله: ويسن أن يقرب الذكر من البيت) أي تبركا به، لشرفه، ولأنه أيسر لنحو الاستلام.

وخرج بالذكر الأنثى، والخنثى، فلا يقربان استحبابا في حالة طواف الذكور بل يكونان في حاشية المطاف، بحيث لا يخالطان الذكور.

(قوله: ما لم يؤذ أو يتأذ بزحمة) قيد في سنية القرب.

أي ويسن مدة عدم إيذائه غيره أو تأذيه بسبب زحمة لو قرب، وإلا فلا يسن له القرب.

وعبارة شرح الروض، نعم إن تأذى بالزحام أو آذى غيره فالبعد أولى.

قال في المجموع.

كذا أطلقوه.

وقال البندنيجي: قال الشافعي في الأم ابتداء الطواف وآخره فأحب له الاستلام ولو بالزحام.

اه.

وقد توهم أنه يغتفر في الابتداء والآخرة التأذي والإيذاء بالزحام، وهو ما فهمه الأسنوي، وصرح به، وليس مرادا كما نبه عليه الأذرعي وقال: إنه غلط قبيح.

(وحاصل نص الام إلخ) أنه يتوقى الأذى والإيذاء بالزحام مطلقا، ويتوقى الزحام الخالي عنهما إلا في الابتداء والآخر.

اه.

(قوله: فلو تعارض القرب منه) أي من البيت من غير رمل.

(وقوله: والرمل) أي مع البعد.

(وقوله: قدم) أي الرمل، على القرب، فكونه يرمل في حاشية المطاف أولى من كونه يقرب من غير رمل.

(قوله: لأن ما يتعلق الخ) عبارة شرح الروض: لأن الرمل شعاره مستقل، ولأنه متعلق بنفس العبادة، والقرب متعلق بمكانها، والمتعلق بنفسها أولى، بدليل أن صلاة الجماعة في البيت أولى من الانفراد في المسجد هذا إن لم يخش ملامسة النساء مع التباعد، فإن خشيها تركه - أي التباعد والرمل - فالقرب حينئذ بلا رمل أولى - تحرزا عن ملامستهم المؤدية إلى انتقاض الطهارة - وكذا لو كان بالقرب أيضا نساء، وتعذر الرمل في جميع المطاف - لخوف الملامسة - فترك الرمل أولى.

اه.

بحذف.

(قوله: وأن يضطبع) معطوف على أن يقرب.

أي ويسن أن يضطبع الذكر في طواف يرمل فيه، وهو الذي يعقبه السعي، ولو كان

ص: 339

وطرفيه على الايسر - للاتباع - وأن يصلي بعده ركعتين خلف المقام، ففي الحجر.

(فرع) يسن أن يبدأ كل من الذكر والانثى بالطواف عند دخول المسجد للاتباع، رواه الشيخان - إلا أن

ــ

لابسا.

(قوله: وكذا في السعي) أي وكذا يسن الاضطباع في السعي، قياسا على الطواف.

قال في التحفة: ويكره فعله في الصلاة كسنة الطواف.

اه.

(قوله: وهو) أي الاضطباع، شرعا.

أما لغة: فهو افتعال من الضبع - بإسكان الباء - وهو العضد.

(وقوله: جعل وسط) بفتح السين في الأفصح.

(وقوله: وطرفيه) أي وجعل طرفيه - أي الرداء -.

(وقوله: على الأيسر) أي منكبه الأيسر.

(قوله: للاتباع) دليل لسنية الاضطباع وهو أنه صلى الله عليه وسلم: اعتمر هو وأصحابه من الجعرانة، ورملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها أعلى عواتقهم اليسرى.

رواه أبودواد بإسناد صحيح.

(قوله: وأن يصلي بعده) أي وسن أن يصلي بعد الطواف ركعتين.

(وقوله: خلف المقام) أي وإن بعد ثلثمائة ذراع.

والأفضل أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع.

(وقوله: ففي الحجر) عبارة غيره: فإن لم يتيسر له خلفه، ففي الكعبة، فتحت الميزاب، فبقية الحجر، فالحطيم، فوجه الكعبة، فبين اليمانيين، فبقية المسجد، فدار خديجة، فمكة، فالحرم.

ولا يفوتان إلا بموته.

اه.

الأفضل لمن طاف أسابيع، فعلهما بعد كل أسبوع.

وإذا أخرهما صلى لكل منها ركعتين.

ويجزئ للكل ركعتان، ويسن أن يقرأ فيهما سورتي الكافرون، والإخلاص وأن يجهر بالقراءة ليلا، وما ألحق به مما بعد الفجر إلى طلوع الشمس، ويسر فيما عدا ذلك.

(فائدة) عن عبد الله بن سليمان، قال: طاف آدم عليه السلام بالبيت سبعا حين نزل على الأرض، ثم صلى ركعتين، ثم أتى الملتزم، فقال: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي، فاقبل معذرتي.

وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي.

وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي.

اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، والرضا بما قضيت علي، فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم، قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك: ولن يدعو بها أحد من ولدك إلا كشفت همومه وغمومه، وكشفت عنه ضيقه، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، ورزقته من حيث لا يحتسب، وأتته الدنيا وهي راغمة، ولو كان لا يريدها.

(تنبيه) اختلف العلماء في الصلاة والطواف في المسجد الحرام - أيهما أفضل؟ فقال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء ومجاهد: الصلاة لأهل مكة أفضل، وأما الغرباء، فالطواف لهم أفضل.

وقال بعضهم: الطواف أفضل مطلقا.

واختلفوا أيضا في أن الطواف بعد صلاة الصبح أفضل، أو الجلوس إلى طلوع الشمس مع الاشتغال بالذكر أفضل؟ فقال كثيرون - منهم الشهاب الرملي - إن الطواف أفضل.

وقال آخرون إن الجلوس أفضل، واستصوبه ابن حجر مؤيدا له بأنه صح أن: من صلى الصبح، ثم قعد يذكر الله تعالى إلى أن تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كان له أجر حجة وعمرة تامتين.

ولم يرد في الأحاديث الصحيحة في الطواف ما يقارب ذلك، وبأن بعض الأئمة كره الطواف بعد صلاة الصبح، ولم يكره أحد تلك الجلسة، بل أجمعوا على ندبها، وعظيم فضلها.

وحمل الأولون القعود في الحديث المذكور: على استمرار الذكر وعدم تركه.

قالوا: والطواف: فيه الذكر والطواف، فقد جمع بين الفضليتين.

(قوله: فرع الخ) مراده يذكر في هذا الفرع ما يسن للقادم مكة أول قدومه، وليس مراده بيان ما يسن لداخل المسجد الحرام - لأن هذا قد علم من مبحث تحية المسجد، حيث قال هناك: وتكره لخطيب، ولمريد طواف، فيكون ذكره هنا لا فائدة فيه.

وإذا علمت أن هذا مراده لما ذكر، فكان المناسب أن يقول - كغيره - فرع: يسن لمن قدم مكة أن يبدأ بدخول المسجد، وأن يشتغل عقبه بالطواف.

(قوله: يسن أن يبدأ) أي قبل تغيير ثيابه، واكتراء منزله، وحط رحله، وسقي دوابه.

(وقوله: كل من الذكر والأنثى) أي ما عدا ذات الجمال والشرف، أما هي: فالسنة في حقها تأخير الطواف إلى الليل.

(وقوله: بالطواف) أي طواف القدوم إن لم يعتمر، أو بطواف العمرة إن اعتمر.

(قوله: عند دخول المسجد)

ص: 340

يجد الامام في مكتوبة، أو يخاف فوت فرض، أو راتبة مؤكدة فيبدأ بها - لا بالطواف.

(وواجباته) أي الحج خمسة، وهو ما يجب بتركه الفدية (إحرام من ميقات) فميقات الحج لمن بمكة: هي.

وهو للحج والعمرة للمتوجه من المدينة: ذو الحليفة المسماة ببئر علي.

ومن الشام ومصر والمغرب: الجحفة.

ومن تهامة اليمن:

ــ

أي عقب دخوله.

ولو لم يطف عقب دخوله من غير عذر، ففي فواته وجهان: قيل يفوت، وقيل لا.

وعبارة شرح الروض: قال في المجموع: قد ذكرنا أنه يؤمر بطواف القدوم أول قدومه، فلو أخره ففي فواته وجهان حكاهما الإمام، لأنه يشبه تحية المسجد.

اه.

وقضيته أنه لا يفوت بالتأخير، ومعلوم أنه لا يفوت بالجلوس - كما تفوت به تحية المسجد -.

نعم،

يفوت بالوقوف بعرفة، ويحتمل فواته بالخروج من مكة.

اه.

(قوله: للاتباع) هو ما رواه الشيخان من أنه صلى الله عليه وسلم أول شئ بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت والمعنى فيه أن الطواف تحية البيت، لا المسجد، فلذلك يبدأ به.

(قوله: إلا إن يجد الخ) استثناء من سنية البدء بالطواف، أي محل سنيته إن لم يجد الإمام في مكتوبة.

ومثله ما إذا قرب وقت إقامة الجماعة المشروعة، ولو في نفل كالعيد.

(قوله: أو يخاف الخ) أي أو إلا أن يخاف فوت فرض، أو فوت راتبة مؤكدة لضيق الوقت.

(وقوله: فيبدأ بها) أي بالمكتوبة.

مع الإمام.

وبالفرض وبالراتبة، فالضمير يعود على الثلاث.

وقوله: لا بالطواف: أي لا يبدأ بالطواف، لأنه لا يفوت لو أخره، بخلافها، فإنه تفوت.

قال في شرح الروض: ولو كان عليه فائتة قدمها على الطواف أيضا، ولو دخل وقد منع الناس من الطواف صلى تحية المسجد.

جزم به في المجموع.

اه.

(قوله: وواجباته الخ) أي وأما واجبات العمرة فشيئان: الإحرام من الميقات، واجتناب محرمات الإحرام.

(وقوله: خمسة) أي بناء على عده طواف الوداع من المناسك.

والذي صححه الشيخان أنه ليس منها، فهو واجب مستقل، وعليه، تكون الواجبات أربعة، وترك المصنف سادسا، وهو: التحرز عن محرمات الإحرام، والأولى أن يبدل طواف الوداع به.

(قوله: وهي) أي الواجبات.

(وقوله: ما يجب بتركه الفدية) أي والإثم إن كان لغير عذر.

(واعلم) أن الفرق بين الواجبات والأركان خاص بهذا الباب، لأن الواجبات في غيره تشمل الأركان والشروط، فكل ركن واجب، ولا عكس، فبينهما عموم وخصوص بإطلاق.

(قوله: إحرام من ميقات) أي كون الإحرام منه، لأنه الواجب، وأما أصل الإحرام: فركن - كما تقدم -.

قال في التحفة: هو لغة: الحد.

وشرعا: هنا زمن العبادة ومكانها.

فإطلاقه عليه حقيقي، إلا عند من يخص التوقيت بالحد بالوقت فتوسع.

اه.

(واعلم) أن المصنف تعرض للميقات المكاني، ولم يتعرض للزماني، فهو بالنسبة للحج: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة.

وبالنسبة للعمرة: جميع السنة، لكن قد يمتنع الإحرام بها لعارض، ككونه محرما بالحج، لامتناع إدخال العمرة على الحج إن كان قبل تحلله، ولعجزه، عن التشاغل بعملها إن كان بعده، وقبل النفر من منى، وككونه محرما بالعمرة، لأن لا تدخل على العمرة.

(قوله: فيمقات الحج الخ) شروع في بيان المواقيت.

(وقوله: لمن بمكة) أي سواء كان مكيا أو آفاقيا.

(وقوله: هي) أي مكة.

فلو أحرم خارج بنيانها أي في محل يجوز قصر الصلاة فيه لمن سافر منها ولم يعد إليها قبل الوقوف - أساء، ولزمه دم.

وهل الأفضل أن يحرم من باب داره، أو من المسجد الحرام؟ وجهان.

والمعتمد ألأول، لكن بعد إتيانه أولا

المسجد، وصلاته ركعتين فيه - كما في حاشية الايضاح - ونصها: المعتمد أنه يسن له أولا ركعتا الإحرام بالمسجد، ثم يأتي إلى باب داره فيحرم عند أخذه في السير بنفسه أو دابته إذ الإحرام لا يسن عقب الركعتين، بل عند الخروج إلى عرفة ثم يدخل المسجد محرما لطواف الوداع المسنون له.

اه.

(قوله: وهو) أي الميقات.

(قوله: للحج والعمرة) الجار والمجرور حال من المبتدأ على رأي سيبويه، أو من خبره.

ومثله الجار والمجرور الذي بعده.

(قوله: ذو الحليفة) تصغير الحلفة بفتح أوله واحدة الحلفاء نبات معروف.

(وقوله: المسماة ببئر علي) قال في التحفة لزعم العامة أنه قاتل الجن فيها.

اه.

وفي شرح الرملي وابن علان: إنه كذب لا أصل له.

وفي البجيرمي: بل نسبت إليه لكونه حفرها.

اه.

ص: 341

يلملم، ومن نجد اليمن والحجاز: قرن.

ومن المشرق: ذات عرق.

وميقات العمرة لمن بالحرم الحل،

ــ

وقد أبدى العلامة الكردي في حاشيته الكبرى حكمة لطيفة لكون ميقات المدينة أبعد المواقيت، وعبارته: ظهر للفقير في تقرير حكمة ذلك هو أن يقال: إن الله اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم لكونه أفضل الأنبياء أفضل المواقيت، لبعده عن مكة، فتعظم المشقة والأجر على قدر النصب ومنح أهل بلدته الشريفة هذه الفضيلة ببركة جواره صلى الله عليه وسلم، واقتفائهم طريقه التي سلكها صلى الله عليه وسلم، فكل من جاء من المدينة من الآفاق، وسلك الطريق التي سلكها صلى الله عليه وسلم، وجب حقه عليه صلى الله عليه وسلم بتطفله على فسيح بابه، فمنح بالفضل العظيم الذي منه وجوب شفاعته صلى الله عليه وسلم له، لاستحقاقه إياها بالوعد الصادق منه صلى الله عليه وسلم، فصار لعدم تطرق احتمال خلف فيه كأنه واجب حقيقي، بل أبلغ منه إذ قد يوجد تخلف عن الواجبات من بعض المكلفين وشفاعته الخاصة المرادة في مثل هذا المقام لا تكون إلا لمن ختم له بالإيمان.

وهو رأس مال الدنيا والآخرة.

ومنه الإحرام مما أحرم منه صلى الله عليه وسلم لينال فضيلة مشقة مصابرة الإحرام من أبعد المواقيت.

وأيضا.

ينال فضيلة ابتاعه صلى الله عليه وسلم بالإحرام منه، فهي تربو على كل فضيلة.

ألا ترى إلى قول أئمتنا بتفضيل الحج راكبا على الحج ماشيا مع ما ورد فيه من الفضل مما لم يرد مثله في حق الراكب؟ قالوا: لكن في فضيلة الاتباع ما يربو على ذلك، وبتفضيل صلاة الظهر بمنى يوم النحر عليها في المسجد الحرام، فكيف بما حوى فضيلتي الاتباع وعظم المشقة؟ اه.

(قوله: ومن الشام الخ) معطوف على من المدينة، أي وهو للمتوجه من الشام ومصر والمغرب.

(قوله: الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهي قرية كبيرة بين مكة والمدينة، وهي أوسط المواقيت سميت بذلك لأن السيل أجحفها أي أزالها فهي الآن خراب، ولذلك بدلوها الآن برابغ، وهي قبل الجحفة بيسير، فالإحرام من رابغ مفضول

لتقدمه على الميقات إلا إن جهلت الجحفة، أو تعسر بها فعل السنن للإحرام من غسل ونحوه، أو خشي من قصدها على ماله، فلا يكون مفضولا.

(قوله: ومن تهامه اليمن) معطوف على من المدينة أيضا، أي وهو للمتوجه من تهامه اليمن، وهي اسم للأرض المنخفضة، ويقابلها نجد، فإن معناه الأرض المرتفعة، واليمن الذي هو إقليم معروف، مشتمل على نجد وتهامة، وفي الحجاز مثلهما.

(وقوله: يلملم) بفتح التحتية أوله، أو يقال له ألملم بهمزة أوله.

ويقال له أيضا يرمرم براءين مهملتين.

وهو جبل من جبال تهامة، بينه وبين مكة مرحلتان طويلتان.

(قوله: ومن نجد واليمن والحجاز) معطوف أيضا على من المدينة، أي وهو للمتوجه من نجد واليمن والحجاز، أي من الأرض المرتفعة منهما كما تقدم.

وقوله: قرن بفتح القاف وسكون الراء، هو جبل على مرحلتين من مكة، ويقال له قرن المنازل، وقرن الثعالب.

وأما قرن بفتح الراء فهو اسم قبيلة ينسب إليها أويس القرني رضي الله عنه.

(قوله: ومن المشرق) معطوف على من المدينة أيضا، أي وهو للمتوجه من المشرق، وهو إقليم تشرق الشمس من جهته، شامل للعراق وغيره.

(وقوله: ذات عرق) هي قرية خربة في طريق من طرق الطائف، أرضها سبخة تنبت الطرفاء، بينها وبين مكة مرحلتان.

وعرق بكسر العين المهملة، وسكون الراء جبل صغير مشرف على وادي العقيق.

(تنبيه) قد نظم بعضهم المواقيت مع بيان مسافتها، فقال: قرن يلملم ذات عرق كلها * * في البعد مرحلتان من أم القرى ولذي الحليفة بالمراحل * * عشرة وبها لجحفة ستة فاخبر ترى والأصل فيها خبر الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم.

وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة.

(قوله: وميقات العمرة لمن بالحرم الحل) أي فيلزمه الخروج إليه، ولو بأقل من خطوة، ليحصل له فيها الجمع بين

ص: 342

وأفضله الجعرانة، فالتنعيم، فالحديبية.

وميقات من لا ميقات له في طريقه: محاذاة الميقات الوارد إن حاذاه في بر أو بحر، وإلا فمرحلتان من مكة، فيحرم الجائي في البحر من جهة اليمين من الشعب المحرم الذي يحاذي يلملم، ولا يجوز له تأخير إحرامه إلى الوصول إلى جدة، خلافا لما أفتى به شيخنا من جواز تأخيره إليها، وعلل

ــ

الحرم والحل، كما في الحج فإنه فيه الجمع بين الحرم والحل بعرفة، فلو لم يخرج إليه، وأتى بالعمرة أجزأته، لكنه يأثم ويلزمه دم، إلا أن خرج إليه بعد إحرامه وقبل الشروع في شئ من أعمالها فلا دم، وكذا لا إثم إن كان وقت الإحرام عازما على هذا الخروج، وإلا أثم فقط.

(قوله: وأفضله الجعرانة) أي أفضل بقاع الحل الجعرانة أي لاعتماره صلى الله عليه وسلم

منها بنفسه، ولحكاية الأذرعي عن الجندي في فضائل مكة أنه اعتمر منها ثلثمائة نبي وهي بكسر الجيم، وسكون العين، وتخفيف الراء على الأفصح -: قرية في طريق الطائف، على ستة فراسخ من مكة، سميت باسم امرأة كانت ساكنة بها.

(قوله: فالتنعيم) أي فيليها في الرتبة التنعيم لامره صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة بالاعتمار منها.

والتنعيم هو المكان المعروف بمساجد عائشة سمي بذلك لأن عن يمينه واديا يقال له ناعم، وعن يساره واديا يقال له نعيم، وهو في واد يقال له نعمان، بينه وبين مكة فرسخ.

(قوله: فالحديبية) أي فيلي التنعيم الحديبية، لأنه صلى الله عليه وسلم هم بالاعتمار منها فصده المشركون، فقدم فعله، ثم أمره، ثم همه.

والحديبية بتخفيف الياء على الأفصح بئر بين طريقي جدة والمدينة على ستة فراسخ من مكة، سميت بذلك لأن عندها شجرة حدباء، كانت بيعة الرضوان عندها.

(قوله: وميقات من لا ميقات له في طريقه) أي كأهل مصر والمغرب إذا سلكوا لجة البحر.

وفي البجيرمي ما نصه: لا يقال المواقيت متفرقة لجهات مكة، فكيف يتصور عدم محاذاته الميقات؟ فينبغي أن المراد عدم المحاذاة في ظنه، دون نفس الأمر، لأنا نقول يتصور بالجائي من سواكن إلى جدة، من غير أن يمر برابغ ولا بيلملم، لأنهما حينئذ أمامه، فيصل جدة قبل محاذاتهما، وهي على مرحلتين من مكة، فتكون هي ميقاته.

شرح حجر.

اه.

(قوله: محاذاة الميقات الوارد إن حاذاه) هذا إذا حاذى ميقاتا واحدا، فإن حاذى ميقاتين، أحرم من محاذاة أقربهما إليه، فإن استويا في القرب إليه أحرم من محاذاة أبعدهما من مكة، ومن سكن بين مكة وبين الميقات فميقاته مسكنه.

(قوله: وإلا فمرحلتان) أي وإن لم يحاذ ميقاتا أحرم على مرحلتين من مكة، لأنه لا ميقات بينه وبين مكة أقل من هذه المسافة.

(قوله: فيحرم الجائي الخ) مفرع على قوله محاذاة الميقات الخ.

وقوله: من جهة اليمن متعلق بالجائي.

(وقوله: من الشعب) متعلق بيحرم.

(وقوله: المحرم) لعل في العبارة سقطا أي المسمى بالمحرم، أو الذي يقال له المحرم.

وقوله: الذي الخ صفة للشعب.

(قوله: ولا يجوز له) أي للجائي في البحر من جهة اليمن.

(قوله: خلافا لما أفتى به شيخنا) هو مصرح به في التحفة، ونصها: وبه يعلم أن الجائي من اليمن في البحر له أن يؤخر إحرامه من محاذاة يلملم إلى جدة، لأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم كما صرحوا به.

قال الكردي بعد أن ساق العبارة المذكورة: وممن قال بالجواز: النشيلي مفتي مكة والفقيه أحمد بلحاج، وابن زياد اليمني وغيرهم.

وممن قال بعدم الجواز: عبد الله بن عمر بامخرمة، ومحمد بن أبي بكر الأشخر، وتلميذ الشارح عبد الرؤوف.

قال: لأن جدة أقل مسافة بنحو الربع كما هو مشاهد وإن وجد تصريح لهم بأن كلا من يلملم وجدة

مرحلتان، فمرادهم أن كلا لا ينقص عن مرحلتين، ولا يلزم منه استواء مسافتهما، لا سيما وقد حقق التفاوت الكثير ممن سلك الطريقين، وهم عدد كادوا أن يتواتروا.

قال ابن علان في شرح الإيضاح: وليس هذا مما يرجع لنظر في المدرك حتى يعمل فيه بالترجيح، بل هو أمر محسوس يمكن التوصل لمعرفته بذرع حبل طويل يوصل لذلك.

اه.

وفي البطاح ما نصه: قال ابن الجمال وما في التحفة مبني على اتحاد المسافة الظاهر من كلامهم، فإذا تحقق

ص: 343

بأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم إليها.

ولو أحرم من دون الميقات لزمه دم - ولو ناسيا، أو جاهلا - ما لم يعد إليه قبل تلبسه بنسك، ولو طواف قدوم، وأثم غيرهما (ومبيت بمزدلفة) ولو ساعة من نصف ثان من ليلة النحر،

ــ

التفاوت فهو قائل بعدم الجواز قطعا، بدليل صدر كلامه النص في ذلك، وأيضا كل محل من البحر بعد رأس العلم أقرب إلى مكة من يلملم.

وقد قال بذلك في التحفة.

(1)

وقال شيخنا السيد العلامة يوسف بن حسين البطاح الأهدل نقلا عن شيخنا السيد العلامة سليمان بن يحيى بن عمر مقبول رحمهم الله تعالى ما حاصله إن من أحرم من جدة من أهل اليمن يلزمه دم، وكل من وافق الشيخ ابن حجر - مثل ابن مطير، وابن زياد، وغيرهم من اليمنيين فكلامهم مبني على اتحاد المسافة بين ذلك، وقد تحقق التفاوت كما علمت فهم قائلون بعدم جواز ذلك، أخذا من نص تقييدهم المسافة.

اه.

(قوله: من جواز الخ) بيان لما.

وقوله: تأخيره أي الإحرام.

وقوله: إليها أي إلى جدة.

(قوله: وعلل) أي شيخه، الجواز، فالمفعول محذوف.

(قوله: بأن مسافتها) أي جدة.

(وقوله: إلى مكة) أي المنتهية إلى مكة.

فالجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمسافتها.

وقوله: كمسافة يلملم خبر أن.

وقوله: إليها أي إلى مكة.

(قوله: ولو أحرم من دون الميقات لزمه دم) هذا إن بلغه مريد النسك، ولو في العام القابل، وإن أراد إقامة طويلة ببلد قبل مكة، فإن بلغه غير مريد للنسك ثم عن له الإحرام من بعده، فميقاته حيث عن له، ولا يلزمه شئ، وهذا يسمى الميقات المعنوي.

(قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) قال في التحفة: وساوى الجاهل والناسي غيرهما في ذلك لأن المأمور به يستوي في وجوب تداركه المعذور وغيره.

نعم، استشكل ما ذكر في الناسي للإحرام بأنه يستحيل أن يكون حينئذ مريدا للنسك.

وأجيب بأن يستمر قصده إلى حين المجاوزة، فيسهو حينئذ، وفيه نظر، لأن العبرة في لزوم الدم وعدمه بحاله عند آخر جزء من الميقات، وحينئذ: فسهوه إن طرأ عند ذلك الجزء فلا دم، أو بعده فالدم.

اه.

(قوله: ما لم يعد الخ) قيد في لزوم الدم.

أي يلزمه الدم مدة عدم عوده إلى الميقات قبل تلبسه بنسك بأن لم يعد أصلا، أو عاد بعد التلبس فإن عاد

إليه قبل التلبس بنسك سقط عنه الدم، لقطعه المسافة من الميقات محرما.

(قوله: ولو طواف قدوم) غاية في النسك المشترط عدم التلبس به.

أي ولو كان ذلك النسك طواف قدوم، فإذا عاد قبل الشروع فيه سقط عنه الدم، فإن عاد بعده لم يسقط.

(قوله: وأثم غيرهما) أي غير الناسي والجاهل.

وهذا هو الفارق بين الناسي والجاهل وغيرهما، فهما يلزمهما الدم من غير إثم، وهو يلزمه الدم مع الإثم.

(قوله: ومبيت بمزدلفة) معطوف على إحرام، وهذا هو الواجب الثاني من الواجبات.

(قوله: ولو ساعة) غاية لما يحصل به المبيت الواجب.

أي يحصل المبيت ولو بحضوره ساعة، والمراد بها القطعة من الزمن لا الساعة الفلكية.

وأفاد بهذه الغاية أن المبيت ليس المراد به معناه الحقيقي، بل المراد به مطلق الحصول بمزدلفة.

فإن قيل إذا كان معنى المبيت غير مراد هنا، فلم عبر به كغيره من الفقهاء؟ أجيب بأنه عبر به لمشاكلة المبيت بمنى، ثم إن الحصول بها كاف، وإن لم يطمئن، أو ظنها غير مزدلفة، أو كان بنية غريم، أو نائما، أو مجنونا، أو مغمى عليه، أو سكران.

(1)(قوله: وقد قال بذلك في التحفة) عبارتها بعد العابر السابقة: بخلاف الجائى فيه من مصر، ليس له أن يوخر إحرامه عن محاذاة الحجفة لان كل محل من البحر بعد الجحفة أقرب إلى مكة منها - اه.

فقوله: وقد قال بذلك في التحفة: لعله الجحفة.

والمراد: قال بنظير ذلك في الجحفة - فوقع تصحيف من النساخ في الفظ الجحفة، على ظاهره.

والمراد: قال في التحفة في مبحث الجحفة بنظير ذلك هنا، أوق ال ذلك بطريق اللزوم، لانه من يلزم من حكمه بأن كل محل بعد الجحفة أقرب إلى مكة: الحكم بأن ك ل محل بعد رأس العلم من جهة يلملم: أقرب إلى مكة من يلملم - ثم رأيت في حاشية شيخنا على عبد الروف نقل عبار ابن الجمال وفيها لفظ الجحفة، فتعين حينئذ ضبط النسخ جميعها بها.

فتنبه لذلك.

اه مولف.

ص: 344

(و) مبيت (بمنى) معظم ليالي أيام التشريق.

نعم، إن نفر قبل غروب شمس اليوم الثاني، جاز وسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها، وإنما يجب المبيت في لياليها لغير الرعاء وأهل السقاية (وطواف الوداع) لغير

ــ

واشترط م ر: أن يكون أهلا للعبادة كوقوف عرفة.

وجمع ابن الجمال بحمل كلام الرملي على المتعدين، وكلام غيره على غيرهم.

اه.

وإنما لم يجب هنا معظم الليل كما في المبيت بمنى لأن الأمر بالمبيت لم يرد هنا بخلافه بمنى على المتعدين، وكلام غيره على غيرهم.

اه.

وإنما لم يجب هنا معظم الليل - كما في المبيت بمنى -.

(قوله: من نصف ثان من ليلة النحر) فمن لم يكن بها فيه - بأن لم يحضر فيها أصلا، أو حضر ونفر قبل نصف الليل ولم يعد إليها فيه - لزمه دم لتركه الواجب.

نعم، إن تركه لعذر - كأن خاف - أو انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت، أو أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للركن ففاته المبيت، لم يلزمه شئ.

أفاده في شرح المنهج.

(قوله: ومبيت بمنى) معطوف أيضا على إحرام، وهو الواجب الثالث.

(قوله: معظم ليالي الخ) أي ويجب المبيت بها معظم ليالي أيام التشريق.

أي معظم كل ليلة منها بزيادة على النصف ولو لحظة - للاتباع - مع خبر: خذوا عني مناسككم.

واعلم أن منى طولا ما بين وادي محسر وأول العقبة التي بلصقها الجمرة.

فليست العقبة مع جمرتها منها على المعتمد وقيل إنهما منها.

والحاصل أن في المسألة رأيين أحدهما أن كلا من الجمرة والعقبة من منى، وهو ضعيف.

ثانيهما: أنهما ليسا منها، وهو المذهب.

وأما ما أفهمه قول بعضهم إن الجمرة منها دون العقبة إلا الجزء الذي عنده الجمرة، وأن من قال إن العقبة منها مراده ذلك الجزء، ومن قال ليست منها مراده بقيتها فهو رأي له استحساني ضعيف جدا لا مستند له، فلا يعول عليه.

(قوله: نعم، إن نفر الخ) إستدراك من قوله ليالي أيام التشريق الصادق بالليلة الثالثة، فإن ليالي جمع، وأقله ثلاثة.

(قوله: جاز) أي بشروط إذا فقد واحد منها تعين عليه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها.

فإن نفر حينئذ لزمه دم لترك رمي اليوم الثالث ومد لترك مبيت الليلة الثالثة إن بات الليلتين قبلها، وإلا لزمه دم أيضا لترك المبيت.

وهي أن يكون نفره بعد الزوال، وأن يكون بعد الرمي جميعه، وأن يكون قد بات الليلتين أو فاته بعذر، وأن ينوي النفر قبل خروجه من منى، وأن تكون نية النفر مقارنة له، وأن لا يعزم على العود للمبيت، وأن يكون نفره قبل الغروب.

وأفاد هذا الأخير المؤلف بقوله قبل غروب شمس.

ومعنى نفره قبل الغروب سيره منها بالفعل قبله، وإن لم ينفصل من منى إلا بعده، واختلفوا فيما لو غربت الشمس وهو في شغل الارتحال، فجرى ابن حجر والخطيب - تبعا لابن المقري - على أن له النفر، لأن في تكليفه حل الرحل والمتاع مشقة عليه، وجرى الرملي تبعا لشيخه شيخ الإسلام في الأسنى والغرر على عدم الجواز.

(قوله: وسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها) أي من غير دم عليه، ومن غير إثم، لقوله تعالى: * (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) * (1) ولإتيانه بمعظم العبادة.

(قوله: المبيت في لياليها) أي أيام التشريق، ومثلها ليلة مزدلفة.

ولو ثنى الضمير لكان أولى.

(قوله: لغير الرعاء) بكسر الراء والمد، أما هم فيسقط عنهم المبيت، ولو لم

يعتادوا الرعي قبل، أو كانوا أجراء أو متبرعين.

لكن إن تعسر عليهم الإتيان بالدواب إلى منى، وخشوا من تركها لو باتوا ضياعا بنحو نهب، أو جوع لا يصبر عليه عادة، وخرجوا قبل الغروب.

وذلك لانه صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل أن يتركوا المبيت بمنى.

وقيس بمنى مزدلفة، قال في النهاية: وصورة ذلك - أي خروجه قبل الغروب في مبيت مزدلفة - أن يأتيها قبل الغروب، ثم يخرج منها حينئذ على خلاف العادة.

اه.

ومثلها شرح الروض والمغني.

(قوله: وأهل السقاية) بالجر، عطف على الرعاء.

أي ولغير أهل السقاية - وهي بكسر السين - موضع كان بالمسجد الحرام يسقى فيه الماء

(1) البقرة: 203

ص: 345

حائض، ومكي - إن لم يفارق مكة بعد حجه - (ورمي) إلى جمرة العقبة بعد انتصاف ليلة النحر، سبعا، وإلى

ــ

ويجعل في حياض يسبل للشاربين.

والمراد بها ما هو أعم من ذلك، وهو الموضع الذي يسقى فيه الماء مطلقا، في المسجد الحرام، أو في غيره، قديما كان أو حادثا.

وخرج بغير أهل السقاية أهلها، فيسقط عنهم المبيت، لانه صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى لأجل السقاية.

رواه الشيخان.

وقيس بسقاية العباس غيرها من بقية السقايات.

ولا فرق في سقوط ذلك بين أن يخرجوا ليلا أو نهارا.

والفرق بينهم وبين أهل الرعاية حيث اعتبر خروجهم قبل الغروب أن هؤلاء شغلهم ليلا ونهارا، بخلاف أهل الرعاية.

قال ابن الجمال: وهذا باعتبار الشأن أي الغالب فلو فرض الاحتياج إلى الرعي ليلا دون السقاية انعكس الحكم.

اه.

ويسقط المبيت مطلقا أيضا عن خائف عن نفس، أو عضو، أو بضع، أو مال - وإن قل ويسقط مبيت مزدلفة عمن أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للركن ولم يمكنه العود لمزدلفة بعده كما تقدم والأولى لأهل السقاية والرعاية تأخير الرمي يوما فقط، فيؤدونه في اليوم الثاني قبل رميه، ولو قبل الزوال.

واعلم أن العذر في المبيت يسقط الدم والإثم، وفي الرمي يسقط الإثم فقط.

(قوله: وطواف الوداع) بالرفع، معطوف على إحرام أيضا، وقد علمت أن عده من واجبات الحج رأي ضعيف، والمعتمد أنه واجب مستقل.

وعبارة الإيضاح: اختلف أصحابنا في أن طواف الوداع من جملة مناسك الحج أم عبادة مستقلة؟ فقال إمام الحرمين: هو من مناسك الحج، وليس على غير الحج طواف الوداع إذا خرج من مكة.

وقال البغوي وأبو سعيد المتولي وغيرهما ليس هو من المناسك، بل يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة تقصر

فيها الصلاة سواء كان مكيا أو غير مكي.

قال الإمام أبو القاسم الرافعي: هذا الثاني هو الأصح، تعظيما للحرم، وتشبيها لاقتضاء خروجه للوداع باقتضاء دخوله للإحرام، ولأنهم اتفقوا على أن من حج وأراد الإقامة بمكة لا وداع عليه، ولو كان من المناسك لعم الجميع.

اه.

(قوله: لغير حائض) أما هي: فلا يجب عليها طواف الوداع.

ومثل الحائض النفساء، وذو الجرح الذي لا يأمن تلويث المسجد منه، وفاقد الطهورين، والمستحاضة في زمن نوبة حيضها، والخائف على نفس، أو بضع أو مال تأخر له.

قال الكردي: فهذه الأعذار تسقط الدم والإثم.

وقد يسقط العذر الإثم لا الدم فيما إذا لزمه وخرج عامدا عالما عازما على العود قبل وصوله لما يستقر به وجوب الدم، ثم تعذر العود.

وترك طواف الوداع بلا عذر ينقسم على ثلاثة أقسام أحدها: لا دم ولا إثم، وذلك في ترك المسنون منه، وفيمن عليه شئ من أركان النسك، وفيمن خرج من عمران مكة لحاجة ثم طرأ له السفر.

ثانيها عليه الإثم ولا دم، وذلك فيما إذا تركه عامدا عالما وقد لزمه بغير عزم على العود ثم عاد قبل وصوله لما يتسقر به الدم، فالعود مسقط للدم لا للإثم.

ثالثها ما يلزمه بتركه الإثم ثم الدم، وذلك في غير ما ذكر من الصور.

اه.

بحذف.

(قوله: ومكي) أي ولغير مكي، أما هو فلا يجب عليه طواف الوداع.

والمراد بالمكي: من هو مقيم بمكة سواء كان مستوطنا أو غيره فشمل الآفاقي الذي نوى الإقامة بعد حجه بمكة.

(قوله: وإن لم يفارق الخ) الجملة صفة لمكي، فهو قيد له فقط، فإن فارق المكي مكة وجب عليه كغيره طواف الوداع إن كان سفره طويلا.

(وقوله: بعد حجة) لبيان الواقع، فهو لا مفهوم له، وذلك لأن الفرق أنه من المناسك، فهو لا يكون إلا بعدها.

(قوله: ورمي) بالرفع، عطف على إحرام.

وهذا هو الواجب الخامس، ولصحته شروط، ذكر بعضها المؤلف، وهي الترتيب في الزمان والمكان والأبدان.

ومعنى الأول: أنه لا يرمي عن يومه إلا إذا رمى عن أمسه.

ومعنى الثاني أنه لا يرمي الجمرة الثانية إلا إذا رمى الأولى ولا يرمي الثالثة إلا إذا رمى الثانية.

ومعنى الثالث أنه لا يرمي عن غيره حتى يرمي عن نفسه، وأن يكون سبعا، وأن

ص: 346

الجمرات الثلاث بعد زوال كل يوم من أيام التشريق سبعا سبعا، مع ترتيب بين الجمرات (بحجر) أي بما

ــ

لا يصرف الرمي بالنية لغير النسك كرمي عدو أو اختبار جودة رميه - وأن يكون بما يسمى حجرا ولو بلورا، وعقيقا، وزبرجدا، ومرمرا - لا لؤلؤ، وذهب، وفضة، ونورة طفئت، وجص طبخ، وآجر، وخزف، وملح.

وأن يكون قاصدا المرمى.

فلو قصد غيره لم يكف، وإن وقع فيه كرميه نحو حية في الجمرة، ورميه العلم المنصوب في الجمرة عند ابن حجر قال: نعم، لو رمى إليه بقصد الوقوع في المرمى وقد علمه فوقع فيه، اتجه الإجزاء لأن قصده غير صارف حينئذ

اه.

قال عبد الرؤوف: والأوجه أنه لا يكفي وكون قصد العلم حينئذ غير صارف ممنوع، لأنه تشريك بين ما يجزئ وما لا يجزئ أصلا.

اه.

وفي الإيعاب: أنه يغتفر للعامي ذلك، واعتمد م ر إجزاء رمي العلم إذا وقع في المرمى، قال: لأن العامة لا يقصدون بذلك إلا فعل الواجب، والمرمى هو المحل المبني فيه العلم ثلاثة أذرع من جميع جوانبه، إلا جمرة العقبة فليس لها إلا جهة واحدة.

وأن يكون رميا فلا يكفي الوضع في المرمى -، وأن يكون باليد، فلا يكفي بنحو رجله وقوسه مع القدرة - فإن عجز عنه باليد قدم القوس، فالرجل، فالفم.

وقد نظمها بعضهم فقال: شروط رمي للجمار ستة * * سبع بترتيب، وكف، وحجر، وقصد، مرمى - يا فتى - وسادس * * تحقق - لأن يصيبه الحجر (قوله: إلى جمرة العقبة) متعلق برمي، وهي السفلى من جهة مكة.

قال في التحفة: والسنة لرامي هذه الجمرة أن يستقبلها، ويجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه كما صححه المصنف خلافا للرافعي في قوله إن يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة.

هذا في رمي يوم النحر، أما في أيام التشريق، فقد اتفقا على استقبال الكعبة كما في بقية الجمرات.

ويحسن إذا وصل منى أن يقول ما روي عن بعض السلف: اللهم هذه منى قد أتيتها وأنا عبدك وابن عبديك، أسألك أن تمن علي بما مننت به على أوليائك.

اللهم إني أعوذ بك من الحرمان والمصيبة في ديني يا أرحم الراحمين.

قال: وروى ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما لما رميا جمرة العقبة قالا: اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا.

اه.

(قوله: بعد انتصاف ليلة النحر) متعلق برمي أيضا، وهو بيان لوقت جواز رمي جمرة العقبة، أما وقت الفضيلة فبعد ارتفاع الشمس قدر رمح، وهذا الرمي تحية منى، فالأولى أن يبدأ به فيها قبل كل شئ، إلا لضرورة، أو عذر كزحمة، أو انتظار وقت فضيلة لمن تقدم دخوله إليها قبل ارتفاع الشمس.

(قوله: سبعا) مفعول مطلق لرمي، أي رميا سبعا.

(قوله: وإلى الجمرات الثلاث) معطوف على إلى جمرة العقبة.

أي ورمي إلى الجمرات الثلاث.

(قوله: بعد زوال إلخ) متعلق برمي بالنسبة إلى الجمرات، أي ويكون الرمي إلى الجمرات الثلاث بعد الزوال، فلا يصح الرمي قبل الزوال.

وهذا بالنسبة لرمي اليوم الحاضر، أما بالنسبة لرمي اليوم الغائب فيتدارك في بقية أيام التشريق، ولو كان قبل الزوال.

(واعلم) أن الرمي أيام التشريق ثلاثة أوقات: وقت فضيلة: وهو بعد الزوال.

ووقت اختيار: وهو إلى غروب شمس كل يوم.

ووقت جواز: وهو إلى آخر أيام التشريق.

(قوله: سبعا) مفعول مطلق، أي يرميها رميا سبعا.

وسبعا الثانية مؤكدة للأولى.

(قوله: مع ترتيب) متعلق بمحذوف صفة لرمي.

أي رمي الجمرات الثلاث كائن مع ترتيب بينها، بأن يبدأ بالجمرة الأولى وهي التي تلي عرفة، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة.

وهذا ترتيب في المكان، وهو أحد أقسام الترتيب الثلاثة، وقد تقدم التنبيه عليها.

(قوله: بحجر) متعلق برمي.

أي رمي بحجر.

وخرج به غيره، فلا يصح الرمي به، وذلك كاللؤلؤ، والإثمد، والنورة والجص المحرقين، والزرنيخ، والمدر، والآجر، والخزف، والملح، والذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص.

ص: 347

يسمى به، ولو عقيقا وبلورا.

ولو ترك رمي يوم، تداركه في باقي أيام التشريق، وإلا لزمه دم، بترك ثلاث رميات فأكثر.

(وتجبر) أي الواجبات بدم، وتسمى هذه أبعاضا.

(وسننه) أي الحج (غسل)، فتيمم (لاحرام ودخول مكة) ولو حلالا - بذي طوى، (وقوف) بعرفة

ــ

(قوله: أي بما يسمى به) أي أن المراد به هنا كل ما يطلق عليه حجر من أي جنس، ومنه الكذان بفتح الكاف، فذال مشددة وهو حجارة رخوة كأنها مدر، ومنه المرمر وهو الرخام.

(قوله: ولو عقيقا وبلورا) أي ولو كان الذي يسمى حجرا من الأحجار النفسية كالياقوت والبلور وهذا بالنسبة للإجزاء لا بالنسبة للجواز، فيحرم الرمي به إن ترتب عليه كسر أو إضاعة مال.

وعبارة النهاية نعم، قال الأذرعي يظهر تحريم الرمي بالياقوت ونحوه إذا كان الرمي يكسرها ويذهب معظم ماليتها، ولا سيما النفيس منها، لما فيه من إضاعة المال والسرف، والظاهر أنه لو غصبه أو سرقه ورمى به، كفى.

ثم رأيت القاضي ابن كج جزم به، قال: كالصلاة في المغصوب.

اه.

(قوله: ولو ترك رمي يوم) أي أو يومين، عمدا كان أو سهوا أو جهلا.

(قوله: تداركه في باقي أيام التشريق) أي ويكون حينئذ أداء، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام جوزه للرعاة وأهل السقاية، وقيس عليهم غيرهم.

وأفهم قوله في أيام التشريق: أنه ليس له تداركه في لياليها، والمعتمد جوازه فيها أيضا، وجوازه قبل الزوال.

بل جزم الرافعي وتبعه الأسنوي وقال: إنه المعروف بجواز رمي كل يوم قبل الزوال، وعليه، فيدخل بالفجر.

(قوله: وإلا لزمه دم) أي وإن لم يتداركه في باقي أيام التشريق بأن لم يتداركه أصلا، أو تداركه بعد أيام التشريق لزمه دم، وسيأتي بيانه.

(وقوله: بترك ثلاث رميات) وصورة ذلك لا تكون إلا في آخر جمرة من آخر أيام التشريق، إذ لو تركها من غير ذلك لما صح رمي ما بعدها، فلا يكون المتروك ثلاث رميات فقط.

وإذا ترك رمي واحدة لزمه مد، أو رميتين لزمه مدان.

وصورة ذلك ما تقدم.

(قوله: وتجبر، أي الواجبات، بدم) أي إذا ترك واحدا منها جبر بدم.

وهذا مكرر مع قوله في تعريف الواجبات وهي ما يجب بتركه الفدية.

فكان الأولى أن يقتصر على ما هنا، يتركه هناك، لا العكس، لأن ما هنا متن، وما هناك شرح، والأولى للشارح أن يراعي المتن.

(قوله: وتسمى هذه أبعاضا) أي يطلق عليها أبعاض، لكن على سبيل المجاز، لا الحقيقة، لأن الأبعاض الحقيقية هي أجزاء الماهية التي إذا فقد واحد

منها فقدت الماهية.

والواجبات هنا ليست كذلك.

(قوله: وسننه إلخ) هي كثيرة.

منها: أنه يستحب للإمام أو نائبه أن يخطب بمكة في سابع ذي الحجة بعد صلاة الظهر أو الجمعة خطبة فردة، يأمرهم فيها بالغدو إلى منى في اليوم الثامن، ويعلمهم فيها ما أمامهم من المناسك، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس وأخبرهم بمناسكهم رواه البيهقي.

ويخرج بهم من غد بعد صلاة الصبح إن لم يكن يوم جمعة إلى منى، فيصلي بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيتون بها، فيصلي بهم الصبح، فإذا طلعت الشمس على ثبير وهو جبل كبير معروف هناك ساروا من منى إلى عرفات، ولا يدخلونها، بل يقيمون بنمرة وهي موضع بقرب عرفة حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس ذهبوا إلى مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ثم يخطب الإمام بهم قبل صلاة الظهر خطبتين خفيفتين، يعلمهم في الأولى المناسك، ويحثهم على إكثار الذكر والدعاء بالموقف، وإذا قام للثانية أذن للظهر، فيفرغ المؤذن مع فراغها، ثم يقيم، ويصلي بالناس الظهر والعصر جمع تقديم، ويقصرهما أيضا إذا كانوا مسافرين سفرا طويلا، ويأمر المكيين ومن لم يبلغ سفره مسافة القصر بالإتمام وعدم الجمع.

ثم بعد فراغهم من الصلاة يذهبون إلى الموقف ويعجلون السير إليه.

وأفضله للذكر موقفه صلى الله عليه وسلم، وهو عند الصخرات الكبار المفترشة في أسفل جبل الرحمة، فإذا غربت الشمس قصدوا مزدلفة، مارين على طريق المأزمين، وعليهم السكينة والوقار.

وأخروا المغرب ليصلوها مع العشاء بمزدلفة جمع تأخير، ويقفون عند المشعر الحرام، ويدعون بها إلى الإسفار، ثم يسيرون قبل طلوع الشمس بسكينة ووقار، وشعارهم التلبية والذكر، فإذا وجدوا فرجة أسرعوا.

فإذا بلغوا وادي محسر موضع بين مزدلفة ومنى - أسرعوا في المشي حتى يقطعوا عرض الوادي.

ويسن أن يقول فيه ما قاله عمر وابنه رضي الله عنهما.

ص: 348

عشيتها، وبمزدلفة، ولرمي أيام التشريق، (وتطيب) البدن، والثوب ولو بما له جرم (قبيله) أي الاحرام وبعد الغسل، ولا يضر استدامته بعد الاحرام، ولا انتقاله بعرق (وتلبية) وهي: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك

ــ

إليك تعدو قلقا وضينها * * معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها * * قد ذهب الشحم الذي يزينها ومعناه: إن ناقتي تعدو إليك بسرعة في طاعتك قلقا وضينها.

والوضين حبل كالحزام من كثرة السير والإقبال التام والاجتهاد في طاعتك، والمراد صاحب الناقة.

(قوله: غسل، فتيمم) أي فإن عجز عن الغسل فسن تيمم، لأن الغسل يراد للقربة والنظافة، فإذا تعذر أحدهما بقي

الآخر، ولأنه ينوب عن الواجب، فالمندوب أولى.

قال في التحفة: ولو وجد من الماء بعض ما يكفيه، فالذي يتجه أنه إن كان ببدنه تغير أزاله به، وإلا فإن كفى الوضوء توضأ به، وإلا غسل بعض أعضاء الوضوء، وحينئذ إن نوى الوضوء تيمم عن باقيه غير تيمم الغسل، وإلا كفى تيمم الغسل.

فإن فضل شئ عن أعضاء الوضوء غسل به أعالي بدنه.

(وقوله: لإحرام) متعلق بكل من غسل فتيمم.

ويسن ما ذكر من الغسل والتيمم له لك أحد، في كل حال، ولو لنحو حائض، وإن أرادته قبل الميقات، ويكره تركه.

وغير المميز يغسله وليه، وينوي عنه.

(قوله: ودخول مكة) معطوف على إحرام، أي ولدخول مكة.

وعبارة التحفة مع الأصل ولدخول الحرم، ثم لدخول مكة، ولو حلالا للاتباع.

نعم، قال الماوردي: لو خرج منها فأحرم بالعمرة من نحو التنعيم، واغتسل منه لإحرامه، لم يسن له الغسل لدخولها، بخلاف نحو الحديبيه أي مما يغلب فيه التغير وأخذ منه أنه لو أحرم من نحو التنعيم بالحج لكونه لم يخطر له إلا حينئذ أو مقيما ثم، بل وإن أخر إحرامه تعديا واغتسل لإحرامه لا يغتسل لدخوله.

ويؤخذ منه أنه لو اغتسل لدخول الحرم، أو لنحو استسقاء بمحل قريب منها لا يغتسل لدخولها أيضا.

ويتجه أن هذا التفضيل إنما هو عند عدم وجود تغير، وإلا سن مطلقا.

اه.

(قوله: ولو حلالا) غاية في سنية الغسل لدخول مكة، أي يسن الغسل له ولو كان حلالا أي غير محرم قال في النهاية: قال السبكي: وحينئذ لا يكون هذا من أغسال الحج إلا من جهة أنه يقع فيه.

اه.

(قوله: بذي طوى) متعلق بغسل المرتبط بدخول مكة.

أي ويسن الغسل لدخول مكة بذي طوى للاتباع.

رواه الشيخان.

وطوى بفتح الطاء أفصح من ضمها وكسرها واد بمكة على طريق التنعيم، وسمي بذلك لاشتماله على بئر مطوية بالحجارة أي مبنية بها لأن الطي: البناء.

قال في شرح الروض: هذا أي استحباب الغسل فيها - إن كانت بطريقه، بأن أتى من طريق المدينة، وإلا اغتسل من نحو تلك المسافة.

قال المحب الطبري: ولو قيل يستحب له التعريج إليها والاغتسال بها اقتداء وتبركا، لم يبعد.

قال الأذرعي: وبه جزم الزعفراني.

اه.

(قوله: ووقوف بعرفة) معطوف على إحرام أي ولوقوف بعرفة.

وقوله: عشيتها: أي عرفة.

والأفضل: كونه بنمرة بعد الزوال.

ويحصل أصل السنة بالغسل بعد الفجر قياسا على غسل الجمعة.

(قوله: وبمزدلفة) معطوف على بعرفة.

أي وللوقوف بمزدلفة، ويدخل وقت هذا الغسل بنصف الليل كغسل العيد فينويه به أيضا.

(قوله: ولرمي أيام التشريق) معطوف على الإحرام.

أي ولرمي كل يوم من أيام التشريق قبل زواله أو بعده (قوله: وتطيب) معطوف على غسل، أي ويسن تطيب للذكر وغيره غير الصائم.

(وقوله: في البدن) اتفاقا.

(وقوله: والثوب) أي الإزار، والرداء على الأصح - قياسا على البدن قال في التحفة: لكن المعتمد ما في المجموع أنه لا يندب تطيبه جزما،

للخلاف القوي في حرمته.

ومنه يؤخذ أنه مكروه، كما هو قياس كلامهم في مسائل صرحوا فيها بالكراهة، لأجل الخلاف في الحرمة.

ثم رأيت القاضي أبا الطيب وغيره صرحوا بالكراهة.

اه.

(قوله: ولو بما له جرم) غاية لسنية التطيب، أي يسن ولو بما له جرم.

لكن لو نزع ثوبه المطيب بعد الإحرام ثم لبسه، لزمته الفدية كما لو ابتدأ لبس مطيب.

(قوله: قبيلة) ظرف متعلق بتطيب.

وخرج به التطيب بعده، فإنه يضر كما سيذكره.

(وقوله: أي الإحرام) تفسير للضمير.

(قوله: وبعد الغسل) معطوف على قبيله، أي ويسن قبل الإحرام أو بعد الغسل، لتدوم رائحة الطيب.

بخلافه قبله فإنها تذهب به.

(قوله: لا يضر استدامته) أي الطيب في البدن والثوب، لما روي عن عائشة رضي الله عنها: كأني أنظر إلى وبيص

ص: 349

لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك.

ومعنى لبيك: أنا مقيم على طاعتك.

ويسن الاكثار منها، والصلاة على النبي (ص) وسؤال الجنة، والاستعاذة من النار، بعد تكرير التلبية ثلاثا.

وتستمر التلبية إلى

ــ

الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.

والوبيص بالباء الموحدة، بعد الواو، وبالصاد المهملة هو البريق أي اللمعان.

والمفرق بفتح الميم، وكسر الراء وفتحها - هو وسط الرأس، لأنه محل فرق الشعر.

قال في التحفة: وينبغي كما قاله الأذرعي أن يستثنى من جواز الاستدامة ما إذا لزمها الإحداد بعد الإحرام، فتلزمها إزالته.

اه.

(قوله: ولا انتقاله بعرق) أي ولا يضر انتقال الطيب من محل بدنه أو ثوبه إلى محل آخر بواسطة العرق.

وخرج به ما لو أخذه من بدنه أو ثوبه ثم رده إليه فتلزمه الفدية.

(قوله: وتلبية) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن تلبية.

(قوله: وهي) أي التلبية، أي صيغتها.

(وقوله: لبيك) أصله لبين لك، حذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف، وهو مفعول مطلق لفعل محذوف.

والتقدير ألبي لبين لك، فحذف الفعل وهو ألبي وجوبا، وأقيم المصدر مقامه، وهو مأخوذ من لب بالمكان - يقال لب بالمكان لبا، وألب به إلبابا - إذا أقام به.

والمقصود به: التكثير، وإن كان اللفظ مثنى على حد قوله تعالى: * (ثم ارجع البصر كرتين) * فإن المقصود به التكثير، لا خصوص المرتين، بدليل * (ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) * (1) فإن البصر لا ينقلب خاسئا وهو حسير إلا من الكثرة، لا من مرتين فقط.

(وقوله: اللهم) أصله يا الله - حذفت ياء النداء، وعوض عنها الميم، وشذ الجمع بينهما.

كما قال إبن مالك: والأكثر اللهم بالتعويض * * وشذ يا اللهم في قريض (وقوله: ولبيك) تأكيد للأول.

(وقوله: إن الحمد) بكسر الهمزة - على الاستئناف - وبفتحها - على تقدير لام التعليل - أي لأن الحمد.

والكسر أصح وأشهر عند الجمهور، لأن الفتح يوهم تقييد استحقاق التلبية بالحمد، والله سبحانه وتعالى يستحقها مطلقا لذاته، وجد حمد أو لا.

(وقوله: والنعمة) المشهور فيه النصب عطفا على الحمد،

ويجوز فيه الرفع على الابتداء، ويكون الخبر محذوفا، والتقدير والنعمة كذلك.

(وقوله: لك) خبر أن.

(وقوله: والملك) المشهور فيه النصب عطفا على ما قبله، ويجوز فيه الرفع على ما تقدم، ويسن الوقف على الملك وقفة يسيرة، لئلا يتوهم أنه منفي بالنفي الذي بعده.

(وقوله: لا شريك لك) أي لأنك لا شريك لك، فهو كالتعليل لما قبله.

وليحذر الملبي - في حال تلبيته - من أمور يفعلها بعض الغافلين من الضحك واللعب، وليكن مقبلا على ما هو بصدده بسكينة ووقار، وليشعر نفسه أنه يجيب الباري سبحانه وتعالى، فإن أقبل على الله بقلبه أقبل الله عليه، وإن أعرض أعرض الله عنه.

(قوله: ومعنى لبيك: أنا مقيم على طاعتك) أي وإجابتك لما دعوتنا له على لسان خليلك إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، لما قلت له: * (وأذن في الناس بالحج) * (1) الآية، فقال: يا أيها الناس حجوا.

وذلك لما روي أنه: لما فرغ من بناء البيت، قال الله تعالى له: أذن في الناس بالحج.

قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال الله تعالى له: عليك الأذان وعلينا البلاغ.

فصعد إبراهيم على الصفا - وقيل على جبل أبي قبيس، وقيل على المقام - وقال: يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم حج هذا البيت العتيق - وفي رواية إن ربكم بنى لكم بيتا - وأوجب عليكم الحج فأجيبوا ربكم - أو فحجوا بيت ربكم - والتفت بوجهه يمينا وشمالا، وشرقا وغربا، فأسمع الله عزوجل من في الأرض، وأجابه الإنس، والجن، والحجر، والمدر، والشجر، والجبال، والرمال، وكل رطب ويابس، وأسمع من في المشرق والمغرب، وأجابوا من بطون الأمهات، ومن أصلاب الرجال، كل يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

فإنما يحج اليوم من أجاب يومئذ، فمن لبى مرة حج مرة، ومن لبى مرتين حج مرتين، ومن لبى ثلاثا حج ثلاثا، ومن لبى أكثر حج بقدر ذلك.

(قوله: ويسن الإكثار منها) أي التلبية.

(وقوله: والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) بالرفع، عطف على الإكثار، أي ويسن

(1) الملك: 4.

(2)

الحج: 27

ص: 350

رمي جمرة العقبة.

لكن لا تسن في طواف القدوم، والسعي بعده، لورود أذكار خاصة فيهما، (وطواف قدوم)

ــ

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة كانت، لكن الإبراهيمية أفضل.

ويسن أن يكون صوته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وما بعدها أخفض من صوته بالتلبية.

(وقوله: وسؤال الجنة والاستعاذة من النار) هما بالرفع، عطف على الإكثار أيضا، أي ويسن سؤال الجنة والاستعاذة من النار، كأن يقول: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار.

ويسن بعد ذلك إن يدعو بما شاء دينا ودنيا.

ويسن أن يقول: اللهم اجعلني من الذين استجابوا لك ولرسولك، وآمنوا بك، ووثقوا بوعدك، ووفوا بعهدك، واتبعوا أمرك.

اللهم اجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت.

اللهم يسر لي أداء ما نويت، وتقبل مني يا كريم.

وإذا رأى ما يعجبه أو يكرهه ندب أن يقول: لبيك، إن العيش عيش الآخرة أي إن الحياة الهنيئة الدائمة هي حياة الدار الآخرة، بخلاف حياة الدار الدنيا، فإنها مكدرة ومنقطعة.

وما أحسن قول بعضهم: لا تركنن إلى الثياب الفاخره واذكر عظامك حين تمسي ناخزه وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل * * لبيك، إن العيش عيش الآخرة (قوله: بعد تكرير إلخ) متعلق بيسن، المقدر قبل الصلاة وقبل سؤال الجنة والاستعاذة من النار، أي ويسن كل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن سؤال الجنة والاستعاذة من النار بعد تكرير التلبية ثلاثا، أي فكلما كررها ثلاثا سن بعدها الصلاة والدعاء، وهذا هو الأكمل.

ولو كررها أكثر من ثلاث وبعد المرة الأخيرة صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا، حصل له أصل السنة - كما في التحفة - ولفظها.

(تنبيه) ظاهر المتن أن المراد بتلبيته ما أرادها، فلو أرادها مرات كثيرة لم تسن له الصلاة ثم الدعاء إلا بعد فراغ الكل، وهو ظاهر بالنسبة لأصل السنة.

وأما كمالها فينبغي أن لا يحصل إلا بأن يصلي، ثم يدعو عقب كل ثلاث مرات، فيأتي بالتلبية ثلاثا، ثم الصلاة، ثم الدعاء، ثم بالتلبية ثلاثا، ثم الصلاة، ثم الدعاء، وهكذا.

اه.

(قوله: وتستمر التلبية إلى رمي جمرة العقبة) أي وتنتهي التلبية بالشروع في رمي جمرة العقبة، وهذا إن ابتدأ التحلل بالرمي.

ومثله ما إذا ابتدأه بالطواف أو بالحلق، فإنها تنتهي بذلك.

والحاصل تنتهي بالشروع في التحلل الأول مطلقا، وإذا انتهت بالشروع في الرمي يسن التكبير.

قال في الإحياء: ويسن أن يقول مع كل حصاة عند الرمي: الله أكبر على طاعة الرحمن ورغم الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك، واتباعا لسنة نبيك.

(قوله: لكن لا تسن) أي التلبية، وهو استدراك من تخصيصه انتهاء التلبية برمي جمرة العقبة المفيد أنه قبل ذلك تسن التلبية، وهو شامل لطواف القدوم والسعي وكل ما يفعل قبل الرمي.

(قوله: لورود أذكار الخ) علة لعدم سنية التلبية

فيهما.

(قوله: فيهما) أي في طواف القدوم والسعي.

(قوله: وطواف قدوم) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن طواف قدوم، أي طواف سببه القدوم، فهو من إضافة المسبب للسبب.

ويقال له أيضا: طواف القادم، والوارد، والورود.

فإن قلت إن هذا مكرر مع ما تقدم قبيل الواجبات، فإنه ذكر هناك أنه يسن أن يبدأ بالطواف، فكان الأولى الإقتصار على أحدهما؟ قلت لا تكرار، لأن ما هنا خاص بطواف القدوم، وهناك لا يختص به، بل المراد به ما يشمله وطواف العمرة كما علمت مما مر وأيضا ذكره هنا من حيث إنه من سنن الحج، وذكره هناك من حيث سن ما يبدأ به داخل مكة عند دخوله المسجد.

ص: 351

لانه تحية البيت، وإنما يسن لحاج أو قارن دخل مكة قبل الوقوف.

ولا يفوت بالجلوس، ولا بالتأخير.

نعم، يفوت بالوقوف بعرفة (ومبيت بمنى ليلة عرفة، ووقوف بجمع) المسمى الآن بالمشعر الحرام وهو جبل في آخر مزدلفة، فيذكرون في وقوفهم، ويدعون إلى الاسفار مستقبلين القبلة - للاتباع -.

(وأذكار)، وأدعية مخصوصة

ــ

(قوله: لأنه) أي طواف القدوم.

(وقوله: تحية البيت) أي الكعبة - لا المسجد نعم، تحصل تحية المسجد بركعتي الطواف إن لم يجلس عمدا بعد الطواف وقبل ركعتيه، وإلا فاتت، لأنها تفوت بالجلوس عمدا وإن قصر.

(قوله: وإنما يسن) أي طواف القدوم.

(قوله: لحاج أو قارن) مثلهما الحلال الذي دخل مكة، فالحصر بالنسبة للمعتمر، فإن المطلوب منه طواف العمرة المفروض لدخول وقته فلا يصح تطوعه بطواف القدوم وهو عليه نعم، بطواف العمرة: يثاب على طواف القدوم إن قصده كتحية المسجد (وقوله: دخل مكة قبل الوقوف) أي أو بعده وقبل نصف الليل، فيطوف حينئذ طواف القدوم، ثم بعد نصف الليل يطوف طواف الإفاضة.

بخلاف ما إذا دخل مكة بعد الوقوف وبعد نصف الليل، فإنه لا يطوف طواف القدوم، بل يطوف الإفاضة لدخول وقته.

(قوله: ولا يفوت) أي طواف القدوم بالجلوس في المسجد.

قال في النهاية: وتشبيه ذلك بتحية المسجد بالنسبة لبعض صورها.

(قوله: ولا بالتأخير) أي ولا يفوت بتأخيره، أي عدم اشتغاله بطواف القدوم عقب دخوله مكة سواء دخل المسجد وجلس فيه أم لا، وسواء كان التأخير طويلا أم لا فعطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص.

(قوله: نعم الخ) إستدراك من قوله ولا بالتأخير، فكأنه قال: إلا إن أخره حتى وقف بعرفة.

(وقوله: يفوت بالوقوف بعرفة) أي إذا دخل بعد نصف الليل، لا قبله كما تقدم.

(قوله: ومبيت بمنى) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن مبيت بمنى.

(قوله: ليلة عرفة) أي ليلة الذهاب إلى عرفة، وهي ليلة التاسع.

وليس المراد بها الليلة التي يصح الوقوف فيها وهي ليلة العاشر كما هو ظاهر.

وتقدم الكلام على ما يسن قبل هذه الليلة وبعدها عند الذهاب إلى عرفة.

(قوله: ووقوف بجمع) معطوف على غسل أيضا، أي ويسن وقوف بجمع وهو بجيم مفتوحة، وميم ساكنة، اسم لمزدلفة كلها.

سمي بذلك لاجتماع الناس فيه كما مر للشارح في: فصل في

صلاة الجمعة وذكره أيضا الفشني والرملي في شرحيهما على الزبد عند قوله: ثم المبيت بمنى والجمع إذا علمت ذلك فقوله الآتي المسمى الآن الخ، فيه نظر.

فكان الأولى أن يسقط لفظ بجمع، ولفظ المسمى الآن، ويقول كغيره ووقوف بالمشعر الحرام.

(قوله: بالمشعر) بفتح الميم في الأشهر، وحكي كسرها.

سمي مشعرا لما فيه من الشعائر أي معالم الدين.

(وقوله: الحرام) أي المحرم فيه الصيد وغيره لأنه من الحرم.

(قوله: وهو) أي المشعر الحرام.

(قوله: جبل) أي صغير، يسمى قزح.

(وقوله: في آخر مزدلفة) هذا ما عليه الشيخان وابن الصلاح، واعترضه المحب الطبري حيث قال: وهو بأوسط المزدلفة، وقد بني عليه بناء.

واعترض ابن حجر في حاشية الإيضاح كلام المحب، بأن هذا البناء ليس بوسطها، بل بقرب آخرها مما يلي المأزمين، ثم أجاب بأنه ليس المراد بالوسط حقيقته، بل التقريب، وعليه، فلا منافاة بين كلام الشيخين وكلام المحب.

(قوله: فيذكرون في وقوفهم) الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي وإذا وقفوا يذكرون في حال وقوفهم ندبا ولو قال: ويسن أن يذكروا الله في وقوفهم الخ، لكان أولى.

وذلك كأن يقول: الله أكبر ثلاثا لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد.

(وقوله: ويدعون) أي كأن يقولوا: اللهم كما أوقفتنا فيه وأريتنا إياه، فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق * (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * إلى قوله: * (واستغفروا الله إن لله غفور رحيم) * * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) *.

(وقوله: إلى الإسفار) بكسر الهمزة، أي الإضاءة.

(قوله: مستقبلين القبلة) أي لأنها أشرف الجهات، وهو حال من الواو في يذكرون، ويدعون.

(قوله: للاتباع) دليل لسنية الوقوف بالمشعر الحرام مع ذكر الله والدعاء والاستقبال في ذلك، وهو ما رواه مسلم: عن جابر رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى الصبح بالمزدلفة ركب

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ناقته القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، ودعا الله تعالى، وهلله، وكبره.

(قوله: وأذكار الخ) معطوف على غسل أيضا، أي ويسن أذكار وأدعية مخصوصة بأوقات وأمكنة معينة، كعرفة والمشعر الحرام، وعند رمي الجمار، والمطاف.

وقد نظم العلامة عبد الملك العصامي الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء مع الأوقات - بقوله: قد ذكر النقاش في المناسك * * وهو لعمري عمدة للناسك

إن الدعا في خمسة وعشره * * في مكة يقبل ممن ذكره وهي الطواف، مطلقا والملتزم * * بنصف ليل فهو شرط ملتزم وتحت ميزاب له وقت السحر * * وهكذا خلف المقام المفتخر وعند بئر زمزم شرب الفحول * * إذا دنت شمس النهار للأفول ثم الصفا، ومروة، والمسعى * * لوقت عصر فهو وقت يرعى كذا منى في ليلة البدر إذا * * ينتصف الليل فخذ ما يحتذى ثم لدى الجمار، والمزدلفة * * عند طلوع الشمس، ثم عرفه بموقف عند مغيب الشمس قل * * ثم لدى السدرة ظهرا وكمل وقد روى هذا الذي قد مرا * * من غير تقييد بما قد مرا بحر العلوم الحسن البصري عن * * خير الورى ذاتا ووصفا وسنن صلى عليه الله ثم سلما * * وآله والصحب ما غيث همى وقوله: وقد روى هذا الذي إلخ: قد نظمه بعضهم كذلك، وزاد عليه خمسة مواضع، فقال: دعاء البرايا يستجاب بكعبة * * وملتزم والموقفين كذا الحجر منى ويماني رؤية مروتين وزمزم * * مقام وميزاب جمارك تعتبر منى ويماني رؤية البيت حجره * * لدى سدرة عشرون تمت بها غرر ومن الأذكار والأدعية المخصوصة ما مر في المطاف وحال وقوفهم بالمشعر الحرام، ومثلهما أيضا ما ورد عند دخول مكة، وهو أنه إذا أبصر البيت قال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وعظمه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا.

اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام.

ومنها ما ورد في يوم عرفة وهو شئ كثير من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شئ قدير.

وزاد البيهقي: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا.

اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري.

وفي كتاب الدعوات للمستغفري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعا: من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة يوم عرفة أعطي ما سأل.

ومن أدعيته المختارة: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة، واكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك، ونور قلبي وقبري، واهدني، وأعذني من الشر كله، واجمع لي الخير كله.

اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغني.

وليحذر من التقصير في هذا اليوم، فإنه من أعظم الأيام، وإنه لموقف أعظم المواقف يقف فيه الأولياء،

ص: 353

بأوقات وأمكنة معينة، وقد استوعبها الجلال السيوطي في وظائف اليوم والليلة - فليطلبه.

(فائدة) يسن - متأكدا - زيارة قبر النبي (ص)، ولو لغير حاج ومعتمر، لاحاديث وردت في فضلها.

وشرب

ــ

والخواص، وينبغي أن يكثر البكاء مع ذلك، فهناك تسكب العبرات، وتقال العثرات.

وأن يستغفر للمؤمنين في دعائه، لقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج.

وليحسن الظن بالله، فقد نظر الفضيل بن عياض إلى بكاء الناس بعرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا.

كان يردهم؟ فقالوا: لا.

فقال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل بدانق.

ورأى سالم مولى ابن عمر سائلا يسأل الناس في عرفة، فقال: يا عاجز، أفي هذا اليوم يسئل غير الله تعالى؟ (قوله: وقد استوعبها) أي الأذكار والأدعية.

والأولى استوعبهما بضمير التثنية.

(وقوله: في وظائف اليوم والليلة) أي في كتاب جمع فيه رواتب اليوم والليلة.

(وقوله: فليطلبه) أي من أراده، والضمير المفعول يعود على الكتاب المذكور.

وفي بعض النسخ: فلتطلبه بتاء الخطاب والمخاطب به كل من أمكنه ذلك.

(قوله: فائدة: يسن متأكدا زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم) لما أنهى الكلام على ما يتعلق بالمناسك من الأركان والواجبات والسنن، شرع يتكلم فيما هو حق مؤكد على كل مسلم خصوصا الحاج وهو زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولو أخر ذلك عن محرمات الإحرام كغيره لكان أنسب.

واعلم أنهم اختلفوا فيها فجرى كثيرون على أنها سنة متأكدة، وجرى بعضهم على أنها واجبة، وانتصر له بعض العلماء.

وقوله: ولو لغير حاج ومعتمر غاية في سن تأكد الزيارة، لكن تتأكد الزيارة لهما تأكدا زائدا، لأن الغالب على الحجيج الورود من آفاق بعيدة، فإذا قربوا من المدينة يقبح تركهم الزيارة، ولحديث: من حج ولم يزرني فقد جفاني.

وإن كان التقييد فيه غير مراد.

(وقوله: لأحاديث وردت في فضلها) أي الزيارة.

منها:

قوله صلى الله عليه وسلم: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي.

وقوله صلى الله عليه وسلم: من زار قبري وجبت له شفاعتي.

ومفهومه أنها جائزة لغير زائره.

وقوله صلى الله عليه وسلم: من جاءني زائرا، لم تنزعه حاجة إلا زيارتي، كان حقا على الله تعالى إن أكون له شفيعا يوم القيامة.

وروى البخاري: من صلى علي عند قبري وكل الله بها ملكا يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة.

من زار قبر محمد * * نال الشفاعة في غد بالله كرر ذكره * * وحديثه يا منشدي واجعل صلاتك دائما * * جهرا عليه تهتدي فهو الرسول المصطفى * * ذو الجود والكف الندي وهو المشفع في الورى * * من هول يوم الموعد والحوض مخصوص به * * في الحشر عذب المورد صلى عليه ربنا * * ما لاح نجم الفرقد قال بعضهم: ولزائر قبر النبي صلى الله عليه وسلم عشر كرامات.

إحداهن يعطى أرفع المراتب.

الثانية يبلغ أسنى المطالب.

الثالثة قضاء المآرب.

الرابعة بذل المواهب.

الخامسة الأمن من المعاطب.

السادسة التطهير من المعايب.

السابعة تسهيل المصاعب.

الثامنة كفاية النوائب.

التاسعة حس العواقب.

العاشرة رحمة رب المشارق والمغارب.

هنيئا لمن زار خير الورى * * وحط عن النفس أوزارها فإن السعادة مضمومة * * لمن حل طيبة أو زارها (والحاصل) زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات، فينبغي أن يحرص عليها، وليحذر كل الحذر من التخلف عنها

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مع القدرة وخصوصا بعد حجة الإسلام لان حقه صلى الله عليه وسلم على أمته عظيم، ولو أن أحدهم يجئ على رأسه أو على بصره من أبعد موضع من الارض لزيارته صلى الله عليه وسلم، لم يقم بالحق الذي عليه لنبيه جزاه الله عن المسلمين أتم الجزاء: زر من تحب وإن شطت بك الدار * * وحال من دونه ترب وأحجار

لا يمنعنك بعد عن زيارته * * إن المحب لمن يهواه زوار ويسن لمن قصد المدينة الشريفة أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه.

وإذا قرب من المدينة المنورة سن أن ينيخ بذي الحليفة، ويغتسل، ثم يتوضأ أو يتيمم عند فقد الماء وأن يزيل نحو شعر إبطه وعانته، ويقص أظفاره، وأن يلبس أنظف ثيابه، وأن يتطيب، وأن ينزل الذكر القوي عن راحلته عند رؤية المدينة إن قدر عليه وأن يمشي حافيا إن أطاق وأمن التنجيس -.

وأن يقول إذا بلغ حرم المدينة: اللهم هذا حرم نبيك، فاجعله لي وقاية من النار، وأمانا من العذاب وسوء الحساب، وافتح لي أبواب رحمتك، وارزقني في زيارة نبيك ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، واغفر لي وارحمني يا خير مسؤول.

اللهم أن هذا هو الحرم الذي حرمته على لسان حبيبك ورسولك صلى الله عليه وسلم ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما هو بحرم بيتك الحرام، فحرمني على النار، وأمني من عذابك يوم تبعث عبادك، وارزقني من بركاتك ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، ووفقني فيه لحسن الأدب، وفعل الخيرات، وترك المنكرات.

ويسن أن يقول عند دخول البلد: بسم الله ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.

* (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) *.

(1)

حسبي الله.

آمنت بالله، وتوكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اللهم إليك خرجت، وأنت أخرجتني.

اللهم سلمني وسلم ديني، وردني سالما في ديني كما أخرجتني.

اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أزل أو أزل، أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، عز جارك، وجل ثناؤك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك.

اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، ويحق ممشاي هذا إليك، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا رياء ولا سمعة.

خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء معروفك.

أسألك أن تعيذني من النار، وتدخلني الجنة.

وينبغي أن يكون ممتلئ القلب بتعظيمه صلى الله عليه وسلم وهيبته كأنه يراه، ليعظم خشوعه، وتكثر طاعاته، وأن يتأسف على فوات رؤيته صلى الله عليه وسلم في الدنيا التي سعد بها من رأى إشراق نوره على صفحات الوجود، وأنه من رؤيته في الآخرة على خطر.

ويسن أن يتصدق بما أمكنه التصدق به، عملا بآية * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * (2) الآية.

وإذا قرب من باب المسجد، يسن أن يجدد التوبة، ويقف لحظة حتى يعلم من نفسه التطهر من دنس الذنوب، ليكون على أطهر حالة.

ويستحضر عند رؤية المسجد جلالته، الناشئة من جلالة مشرفة صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم كان ملازم

الجلوس لهداية أصحابه وتربيتهم ونشر العلوم فيه.

ويسن أن يدخل من باب جبريل عليه السلام، وأن يقف بالباب وقفة لطيفة كالمستأذن في الدخول على العظماء، وأن يقدم رجله اليمنى عند الدخول قائلا - ما ورد لدخول كل مسجد: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم.

بسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وصحبه وسلم.

اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك.

رب وفقني وسددني وأصلحني.

وأعني على ما يرضيك عني، ومن علي بحسن الأدب في هذه الحضرة الشريفة.

السلام عليك أيها النبي

(1) الاسراء 80.

(2)

المجادلة: 12

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ورحمة الله وبركاته.

السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

وحينئذ يتأكد أن يفرغ قلبه من كل شاغل دنيوي، ليتأهل لاستمداد الفيض النبوي الدال على خواص متأدبي الزوار، فإن عجز عن إزالة ذلك فليتوجه إلى الله بحرمته العظيمة أن يطهره منها، ويصمم على مجاهدة نفسه بإزالة ذلك.

ثم يقصد الروضة الشريفة من خلف الحجرة المنيفة إن دخل من باب جبريل عليه السلام، ملازما الهيبة والوقار، والخشية والانكسار، ويخص منها مصلاه صلى الله عليه وسلم، ويصلي ركعتين خفيفتين ب الكافرون، والإخلاص ناويا بهما تحية المسجد.

ويسن أن يقف وقفة لطيفة، ويسلم، ثم يتوجه للزيارة، شاكرا لله تعالى على ما أعطاه ومنحه، ويطلب من صاحب الحضرة قبول زيارته، ويدعو بجوامع الدعوات النبوية، ثم يأتي القبر الشريف من جهة رأسه الشريف، فإنه الأليق بالأدب، ويقول حالة كونه غاضا لبصره، ناظرا للأرض، مستحضرا عظمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه حي في قبره الأعظم، مطلع بإذن الله على ظواهر الخلق وسرائرهم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

الصلاة والسلام عليك يا رسول الله.

الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله.

الصلاة والسلام عليك يا نبي الرحمة.

الصلاة والسلام عليك يا بشير يا نذير، يا ظاهر يا ظهير.

الصلاة والسلام عليك يا شفيع المذنبين.

الصلاة والسلام عليك يا من وصفه الله تعالى بقوله: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * (1) *.

السلام عليك يا سيد الأنام، ومصباح الظلام، ورسول الملك العلام، يا سيد المرسلين، وخاتم أدوار النبيين، يا صاحب المعجزات والحجج القاطعة، والبراهين، يا من أتانا بالدين القيم المتين، وبالمعجر المبين، أشهد أنك بلغت

الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق جهاده، وعبدت ربك حتى أتاك اليقين.

السلام عليك يا كثير الأنوار، يا عالي المنار، أنت الذي خلق كل شئ من نورك، واللوح والقلم من نور ظهورك، ونور الشمس والقمر من نورك مستفاد، حتى العقل الذي يهتدي به سائر العباد.

أشهد أنك إلخ.

السلام عليك يا من انشق له القمر، وكلمه الحجر، وسعت إلى إجابته الشجر يا نبي الله، يا صفوة الله، يا زين ملك الله، يا نور عرش الله، يا من تحقق بعلم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، في أعلى مراتب التمكين أشهد أنك إلخ.

السلام عليك يا صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى في اليوم المشهود أشهد أنك إلخ.

السلام عليك وعلى آلك وأهل بيتك، وأزواجك وذريتك وأصحابك أجمعين.

السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين جزاك الله يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا ورسولا عن أمته.

وصلى الله عليك كلما ذكرك ذاكر، وغفل عن ذكرك غافل، أفضل وأكمل وأطيب ما صلى على أحد من الخلق أجمعين.

أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة.

ونصحت الأمة.

اللهم وآته الفضيلة والوسيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون.

اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل سيدنا محمد، وأزواجه وذريته، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم.

وبارك على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل سيدنا محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

(1) القلم: 4

ص: 356

ماء زمزم مستحب، ولو لغيرهما.

وورد أنه أفضل المياه، حتى من الكوثر.

ــ

ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع، فيسلم على سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله، أنت الصديق الأكبر، والعلم الأشهر، جزاك الله عن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خيرا، خصوصا يوم المصيبة والشدة، وحين قاتلت أهل النفاق والردة، يا من فنى في محبة الله ورسوله حتى بلغ أقصى مراتب الفناء، يا من

أنزل الله في حقك * (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) * (1).

أستودعك شهادة أن لا إله إلا الله وأن صاحبك محمد رسول الله، شهادة تشهد لي بها عند الله * (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) * (2).

ثم يتأخر قدر ذراع آخر، فيسلم على سيدنا عمر رضي الله عنه، ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، يا سيدنا عمر بن الخطاب، يا ناطقا بالحق والصواب.

السلام عليك يا حليف المحراب، السلام عليك يا من بدين الله أمر، يا من قال في حقك سيد البشر صلى الله عليه وسلم: لو كان بعدي نبي لكان عمر.

السلام عليك يا شديد المحاماة في دين الله والغيرة، يا من قال في حقك هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ما سلك عمر فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره.

أستودعك الخ.

ثم بعد زيارة الشيخين يذهب للسلام على السيدة فاطمة رضي الله عنها في بيتها الذي داخل المقصورة للقول بأنها مدفونة هناك، والراجح أنها في البقيع فيقول: السلام عليك يا بنت المصطفى، السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا خامسة أهل الكسا، السلام عليك يا زوجة سيدنا علي المرتضى، السلام عليك يا أم الحسن والحسين السيدين الشابين شباب أهل الجنة في الجنة، رضي الله عنك أحسن الرضا.

ويتوسل بها إلى أبيها صلى الله عليه وسلم.

ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجهه الشريف، فيقول: الحمد لله رب العالمين.

اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد.

السلام عليك يا سيدي يا رسول الله.

أن الله تعالى أنزل عليك كتابا صادقا، قال فيه: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) * (3) وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي: يا خير من دفنت في القاع أعظمه * * فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * * فيه العفاف وفيه الجود والكرم أنت النبي الذي ترجى شفاعته * * عند الصراط إذا ما زلت القدم وصاحباك فلا أنساهما أبدا مني * * السلام عليكم ما جرى القلم ثم يمشي إلى جهة يساره ويستقبل القبلة جاعلا الشباك الأول من الشبابيك الثلاثة خلف ظهره، فيحمد الله، ويصلي على نبيه، ويدعو بالدعوات الجامعة، ويعمم في الدعاء.

ويختم دعاءه بالحمدلة والصلاة على نبيه.

ويسن أن يزور المشاهد وهي نحو ثلاثين موضعا يعرفها أهل المدينة.

ويسن زيارة البقيع في كل يوم إن

أمكن وإذا أراد السفر استحب أن يودع المسجد بركعتين، ويأتي القبر الشريف، ويعيد السلام الأول، ويقول: اللهم لا تجعله آخر العهد من حرم رسولك صلى الله عليه وسلم، ويسر لي العود إلى الحرمين سبيلا سهلا، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

وساكن مكة يقول: ويسر لي العود إلى حرم نبيك إلخ، ونسأل الله أن يرزقنا زيارة هذا النبي الكريم في كل عام، وأن يمنحنا كمال المتابعة له في الأفعال والأحوال والأقوال على الدوام، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يعطف علينا قلبه وقلب أحبابه، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.

(قوله: وشرب ماء زمزم مستحب) أي لأنها مباركة وطعام طعم، وشفاء سقم.

ويسن أن يشربه لمطلوبه في الدنيا

(1) التوبة: 40.

(2)

الشعراء: 88.

(3)

النساء: 64

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والآخرة، لحديث: ماء زمزم لما شرب له.

ويسن استقبال القبلة عند شربه، وأن يتضلع منه، لما روى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قال: آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم.

ويسن أن يقول عند شربه: اللهم إنه بلغني عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال: ماء زمزم لما شرب له.

وأنا أشربه لكذا وكذا ويذكر ما يريد دينا، ودنيا اللهم فافعل.

ثم يسمي الله تعالى، ويشرب، ويتنفس ثلاثة.

وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شربه يقول: اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء.

ويسن الدخول إلى البئر والنظر فيها، وأن ينزح منها بالدلو الذي عليها ويشرب.

وقال الماوردي: ويسن أن ينضح منه على رأسه ووجهه وصدره، وأن يتزود من مائها، ويستصحب منه ما أمكنه.

ففي البيهقي: أن عائشة رضي الله عنها كانت تحمله وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله في القرب، وكان يصبه على المرضى، ويسقيهم منه.

(قوله: ولو لغيرهما) أي الحاج والمعتمر.

(قوله: وورد أنه) أي ماء زمزم.

(قوله: أفضل المياه) أي ما عدا الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، أما هو، فهو أفضل من ماء زمزم.

والحاصل أفضل المياه على الإطلاق: ما نبع من بين أصابعه الشريفة، ثم ماء زمزم، ثم ماء الكوثر، ثم نيل مصر، ثم باقي الأنهر كسيحون، وجيحون، والدجلة، والفرات وقد نظم ذلك التاج السبكي فقال:

وأفضل المياه ماء قد نبع * * من بين أصابع النبي المتبع يليه ماء زمزم، فالكوثر * * فنيل مصر، ثم باقي الأنهر والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 358

فصل (في محرمات الاحرام)(يحرم بإحرام) على رجل وأنثى (وطئ) آية: * (فلا رفث) * أي لا ترفثوا.

والرفث مفسر بالوطئ.

ويفسد

ــ

فصل في محرمات الإحرام أي في بيان المحرمات التي سببها الإحرام.

فالإضافة من إضافة المسبب للسبب، وهي سبعة: اللبس، والتطيب، والدهن، والحلق، والمقدمات، والجماع، وقتل الصيد.

وجمعها بعضهم في قوله: لبس، وطيب، دهن، حلق، والقبل * * ومن يطأ أو يك للصيد قتل وعدها بعضهم عشرة، وبعضهم سبعة، ولا تخالف، لأن ما وراء السبعة مما زيد عليها داخل فيها (1).

قال في التحفة: وحكمة تحريم ذلك أي الأنواع أن فيها ترفها وهو أي المحرم أشعث أغبر كما في الحديث فلم يناسبه الترفه، وأيضا فالقصد تذكره ذهابه إلى الموقف متجردا متشعثا ليقبل على الله بكليته، ولا يشتغل بغيره.

والحاصل أن القصد من الحج: تجرد الظاهر ليتوصل به لتجرد الباطن، ومن الصوم: العكس كما هو واضح فتأمله.

اه.

(قوله: يحرم بإحرام الخ) إعلم أنه يشترط في تحريم المحرمات التي ذكرها: العمد، والعلم بالتحريم، والاختيار مع التكليف فإن انتفى شئ من ذلك فلا تحريم.

وأما الفدية ففيها تفصيل، فإن كانت من باب الإتلاف المحض كقتل الصيد، وقطع الشجر فلا يشترط في وجوبها عمد ولا علم.

وإن كانت من قبيل الترفه المحض كالتطيب، واللبس، والدهن اشترط في وجوبها ذلك.

وإن كان فيها شائبة من الإتلاف، وشائبة من الترفه: فإن كان المغلب فيه شائبة الإتلاف كالحلق والقلم لم يشترط في وجوبها ما ذكر، وإن كان المغلب فيها شائبة الترفه كالجماع اشترط في وجوبها ذلك.

وقد نظم ذلك بعضهم فقال: ما كان محض متلف فيه الفدا * * ولو يكون ناسيا بلا اعتدا وإن يكن ترفها كاللبس * * فعند عمده بدون لبس في آخذ من ذين يا ذا شبها * * خلف بغير العمد (2) لن يشتبها فعند حلق مثل قلم يفتدى * * لا وطؤه بغير عمد اعتمد

وكل هذه المحرمات من الصغائر، إلا قتل الصيد الوطئ، فهما من الكبائر، وكلها فيها الفدية بالتفصيل المار، ما عدا عقد النكاح.

(1)(قوله: داخل فيها) أي فيدخل قلم الأظفار في الحلق بجامع الازالة، ويدخل قطع الشجر في قتل الصيد بجامع الاتلاف، ويدخل عقدا النكاح في القبل بجامع أن كلا مقدمة.

اه مولف.

(2)

(قوله بغير العمد) مت 3 لق بخلف.

(وقوله: لن يشتبها) الجملة صفة له، أي خلف عير متشبه، بل هو واضح في غير العمد من الاخذ شبها من هذين، أي اتلاف، والترفه.

اه.

مولف

ص: 359

به الحج والعمرة.

(وقبلة)، ومباشرة بشهوة.

(واستمناء بيد) - بخلاف الانزال بنظر أو فكر - (ونكاح)، لخبر

ــ

(قوله: على رجل وأنثى) اعلم أن هذه المحرمات من حيث التحريم ثلاثة أقسام قسم يحرم على الذكر فقط وهو ستر بعض الرأس، ولبس المخيط في أي جزء من بدنه.

وقسم يحرم على الأنثى فقط: وهو ستر بعض الوجه.

وقسم يحرم عليهما وهو لبس القفازين، وباقي المحرمات.

(قوله: وطئ) أي بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها ولو مع حائل كثيف في قبل أو دبر ولو لبهيمة، أو ذكر واضح (1) حيا أو ميتا.

ويحرم على المرأة الحلال تمكين زوجها المحرم منه، كما أنه يحرم على الرجل الحلال جماع زوجته المحرمة، لكن إذا لم يكن له تحليلها بأن أحرمت بإذنه أما إذا كان له تحليلها أي له أن يأمرها بالتحلل بأن أحرمت بغير إذنه فلا يحرم عليه الوطئ إذا أمرها بالتحلل ولم تتحلل، بل يحرم عليها.

(2)

كما صرح به في شرح المنهج، وعبارته مع الأصل: ولو أحرم رقيق أو زوجة بلا إذن، فلمالك أمره من زوج أو سيد تحليله بأن يأمره بالتحلل، لأن تقريرهما على إحرامهما يعطل عليه منافعهما التي يستحقها، فإن لم يتحللا، فله استيفاء منفعته منهما، والإثم عليهما.

اه.

بحذف.

(قوله: لآية إلخ) دليل لتحريم الوطئ.

(قوله: أي لا ترفثوا) أي فهو خبر بمعنى النهي، إذ لو بقي على ظاهره امتنع وقوعه في الحج، لأن أخبار الله صدق قطعا، مع أن ذلك واقع كثيرا.

(قوله: والرفث مفسر بالوطئ) أي فسره ابن عباس بالوطئ تفسير مراد، فلا ينافي أن معناه لغة اللغو والخنى والفجور قال في الإيضاح: قال العلماء: الرفث: اسم لكل لغو وخنى وفجور ومجون بغير حق.

والفسق الخروج عن طاعة الله تعالى.

اه.

(قوله: ويفسد به الحج والعمرة) يعني ويفسد بالوطئ الحج والعمرة، لكن بشرط العلم، والعمد، والاختيار، والتمييز، وكون الوطئ قبل التحلل الأول في الحج، وفي العمرة قبل تمامها هذا إن كانت مفردة، وإلا فهي تابعة للحج.

ومع الإفساد يأثم كما يعلم من تعبيره بيحرم ولا فرق في إفساد ما ذكر.

والاثم بالوطئ بين الفاعل

والمفعول المكلف.

وأما الفدية فلا تلزم الموطوءة عند الرملي والخطيب نظير الصوم اتفاقا وعند ابن حجر: فيه تفصيل، وهو لزوم الكفارة للرجل إن كان زوجا محرما مكلفا، وإلا فعليها حيث لم يكرهها.

وكذا لو زنت أو مكنت غير مكلف.

وسيأتي مزيد كلام على ذلك.

(قوله: وقبلة) معطوف على وطئ، أي ويحرم قبلة مطلقا بحائل وغير حائل وإن كان لا دم في الأول.

ومثلها النطر بشهوة، وإن كان لا دم فيه.

(قوله: ومباشرة) أي وتحرم مباشرة: وهي إلصاق البشرة، وهي ظاهر الجلد بالبشرة.

(وقوله: بشهوة) هي اشتياق النفس إلى الشئ.

وينبغي أن يتنبه لذلك من يحج بحليلته.

لا سيما عند إركابها وتنزيلها، فمتى ما وصلت بشرته لبشرتها بشهوة أثم، ولزمته الفدية، وإن لم ينزل.

اه.

كردي.

(قوله: واستمناء) أي ويحرم استمناء، أي استدعاء خروج المني.

(قوله: بيد) أي له، أو لغيره كحليلته لكن إنما يلزم به الدم إن أنزل.

قال ش ق: في عد الاستمناء بيده من المحرمات بسبب الإحرام تسامح، لأنه حرام مطلقا من الصغائر، فكان الأولى أن يقول: بيد حليلته.

والحاصل أن الدم يجب بالمباشرة بشهوة بدون حائل، ومنها القبلة أنزل أم لا وبالاستمناء إن أنزل.

وأن الاستمناء بيد غير الحليلة حرام مطلقا، وبيدها حرام في الإحرام.

اه.

(قوله: بخلاف الإنزال بنظر) أي فلا يحرم، وهو مخالف لما في النهاية والتحفة وشرح المختصر من حرمة النظر إذا كان بشهوة وإن لم ينزل.

وعبارة م ر: وتحرم به مقدماته أيضا كقبلة، ونظر، ولمس، ومعانقة بشهوة، ولو مع عدم إنزال، أو مع حائل، ولا دم في النظر بشهوة، والقبلة بحائل، وإن أنزل بخلاف ما سوى ذلك من المقدمات، فإن فيه الدم وإن لم ينزل، إن باشر عمدا بشهوة.

اه.

وقوله: أو فكر أي وبخلاف الإنزال بفكر فيما يوجب الإنزال، فلا يحرم.

(1)(قوله: واضح) هـ كذا في عبد الروف على المختصر، وهو صفة لقوله قبل: ولا يضر الفصل بالغاية وما قبلها بين الصفة والموصوف.

وخرج به الخنثى، فإن لزمه الغسل فسد نسكه وإلا فلا.

وعبارة التحفة: ويفسد به - أي الجماع من عامد عالم مختار، وهما واضحان اه.

مولف.

(2)

(قوله: بل يحرم) أئ بل تأثم هي بوطئه.

اه مولف

ص: 360

مسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح (وتطيب) في بدن أو ثوب بما يسمى طيبا، كمسك وعنبر، وكافور حي أو

ــ

(قوله ونكاح) معطوف على وطئ، أي ويحرم نكاح، أي عقده إيجابا كان، أو قبولا فيحرم على المحرم عقده لنفسه أو لغيره بإذن أو وكالة أو ولاية.

نعم، لا يمتنع عقد النكاح على نائب الإمام والقاضي بإحرامهما دونه.

وبهذا يلغز ويقال: لنا رجل محرم بالحج أو العمرة، يعقد نائبه النكاح ويصح منه، وهو عامد، عالم، ذاكر، مختار، ولا إثم عليه في ذلك.

وفي الإيضاح: وكل نكاح كان الولي فيه محرما، أو الزوج، أو الزوجة، فهو باطل، وتجوز الرجعة في الإحرام على الأصح - لكن تكره، ويجوز أن يكون المحرم شاهدا في نكاح الحلالين على الأصح، وتكره خطبة المرأة في الإحرام، ولا تحرم.

اه.

(قوله: لا ينكح المحرم ولا ينكح) بكسر الكاف فيهما، مع فتح الياء في الأولى، وضمها في الثانية: أي لا يتزوج، ولا يزوج غيره.

(قوله: وتطيب) معطوف على وطئ، أي ويحرم تطيب أي استعمال الطيب على المحرم، ولو كان أخشم.

وقوله: في بدن أي ظاهرا أو باطنا كان أكله أو احتقن به لكن في غير العود كما سيأتي أما هو، فلا يكون متطيبا إلا بالتبخر به.

وقوله: أو ثوب أي ملبوس له، فثيابه كبدنه، بل أولى.

(قوله: بما يسمى طيبا) أي بما يعد طيبا على العموم.

وأما القول بأنه يعتبر عرف كل ناحية بما يتطيبون به، فهو غلط كما قاله العلامة ابن حجر، نقلا عن الروضة والمراد: بما تقصد منه رائحة الطيب غالبا، أما ما كان القصد منه الأكل والتداوي، أو الإصلاح كالفواكه، والأبازير، ونحوهما وإن كان فيه رائحة طيبة كالتفاح، والسفرجل، والأترج، والهيل، والقرنفل، والمصطكي، والسنبل، والقرفة، وحب المحلب.

فلا شئ فيه أصلا.

وفي حاشية ابن حجر على الإيضاح يتردد النظر في اللبان الجاوي، وأكثر الناس يعدونه طيبا.

(قوله: كمسك إلخ) أي وكريحان فارسي أو غيره، ونرجس، وآس، ونمام، وغيرها.

قال في فتح الجواد: وشرط الرياحين ومنها الفاغية - أن تكون رطبة.

نعم، الكاذي بالمعجمة ولو يابسا طيب، ولعل هذا في نوع منه، وإلا فالذي بمكة لا طيب في يابسة ألبته.

وإن رش عليه ماء.

اه.

واعلم أن أنواع الطيب كثيرة منها المسك، والكافور، والعنبر، والعود، والزعفران، والورس، والورد، والفل، والياسمين، والفاغية، والنرجس، والريحان، والكاذي.

ثم المحرم من الطيب مباشرته على الوجه المعتاد فيه، وهو يختلف باختلاف أنواعه، في نحو المسك بوضعه في ثوبه أو بدنه.

وفي ماء الورد بالتضمخ به.

وفي العود بإحراقه والاحتواء على دخانه.

وفي الرياحين كالورد والنمام بأخذها بيده وشمها، أو وضع أنفه.

ثم إن هذا محله إذا حمله في لباسه أو ظاهر بدنه، أما إذا استعمله في باطن بدنه - بنحو أكل، أو حقنه، أو استعاط مع بقاء شئ من ريحه أو طعمه حرم ولزمته الفدية، وإن لم يعتد ذلك فيه.

ولم يستثنوا

منه إلا العود، فلا شئ بنحو أكله إلا شرب نحو الماء المبخر به فيضر وإذا مس الطيب بملبوسه أو ظاهر بدنه من غير حمل له لم يضر ذلك إلا إذا علق ببدنه أو ملبوسه شئ من عين الطيب سواء كان مسه له بجلوسه، أو وقوفه عليه، أو نومه، ولو بلا حائل وكذا إن وطئه بنحو نعله.

والكلام في غير نحو الورد من سائر الرياحين.

أما هو، فلا يضر، وإن علق بثوبه أو بدنه.

وفي حاشية الكردي ما نصه: الذي فهمه الفقير من كلامهم: أن الاعتياد في التطيب ينقسم على أربعة أقسام.

أحدها: ما اعتيد التطيب به بالتبخر كالعود فيحرم ذلك إن وصل إلى المحرم عين الدخان سواء في ثوبه، أو

(1) (قوله: ولو كان أخشم (أي وإن كان لا ينتفع به لكونه أخشم، لانه تطيب عرفا، كما لو نتف شعر لحيته عبثا.

اه.

مولف

ص: 361

ميت، وورد ومائه، ولو بشد نحو مسك بطرف ثوبه، أو بجعله في جيبه.

ولو خفيت رائحة الطيب، كالكاذي والفاغية - وهي تمر الحناء - فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت، حرم، وإلا فلا، (ودهن) بفتح أوله (شعر) رأس، أو لحية بدهن، ولو غير مطيب، كزيت وسمن.

(وإزالته) أي الشعر ولو واحدة من رأسه أو لحيته أو بدنه،

ــ

بدنه، وإن لم يحتو عليه فالتعبير بالاحتواء جري على الغالب.

ولا يحرم حمل نحو العود في ثوبه أو بدنه لأنه خلاف المعتاد في التطيب به.

ثانيها: ما اعتيد التطيب به باستهلاك عينه إما بصبه على البدن أو اللباس، أو بغمسهما فيه فالتعبير بالصب جري على الغالب، وذلك، كماء الورد فهذا لا يحرم حمله ولا شمه، حيث لم يصب بدنه أو ثوبه شئ منه.

ثالثها: ما اعتيد التطيب به بوضع أنفه عليه، أو بوضعه على أنفه، وذلك كالورد وسائر الرياحين.

فهذا لا يحرم حمله في بدنه وثوبه، وإن كان يجد ريحه.

رابعها: ما اعتيد التطيب به بحمله، وذلك كالمسك وغيره، فيحرم حمله في ثوبه أو بدنه.

فإن وضعه في نحو خرقة، أو قارورة، أو كان في فأرة وحمل ذلك في ثوبه أو بدنه، نظر إن كان ما فيه الطيب مشدودا عليه، فلا شئ عليه بحمله في ثوبه أو بدنه.

وإن كان يجد ريحه وإن كان مفتوحا ولو يسيرا حرم، ولزمت الفدية، إلا إذا كان لمجرد النقل، ولم يشده فيه ثوبه، وقصر الزمن بحيث لا يعد في العرف متطيبا قطعا - فلا يضر.

اه.

(قوله: ومائه) أي الورد، ولو استهلك ماء الورد في غيره كأن وضع شئ قليل منه في ماء وانمحق به، بحيث لم يبق له طعم ولا ريح جاز استعماله وشربه.

(قوله: ولو بشد نحو مسك) غاية في حرمة التطيب بما يسمى طيبا.

أي يحرم التطيب بما يسمى طيبا، ولو بربطه في طرف ثوبه، أو بجعله في نحو جيبه.

وتقدم عن الكردي آنفا - أنه إذا ربط في خرقة، ثم حمله في ثوبه، أو بدنه، لا يضر.

والمراد بنحو المسك العطر، والعنبر، والكافور.

وعبارة الإيضاح ولو

ربط مسكا أو كافورا أو عنبرا في طرف إزاره لزمته الفدية.

ولو ربط العود فلا بأس.

(قوله: ولو خفيت رائحة الطيب) أي في نحو الثوب المطيب، وذلك بسبب مرور الزمان والغبار ونحو ذلك.

وقوله: كالكاذي والفاغية تمثيل للطيب.

(قوله: وهي) أي الفاغية.

(وقوله: ثمر الحناء) بكسر الحاء المهملة، وتشديد النون، وبالمد.

قال السجاعي في حاشية القطر: وينون إذا خلا من أول الإضافة، لأنه مصروف.

اه.

(قوله: فإن كان) أي الطيب الذي خفيت رائحته، وهو جواب لو.

وقوله: فاحت رائحته أي ظهرت.

وقوله: حرم أي التطيب به.

(قوله: وإلا) أي بأن لو كان لو أصابه الماء لا تفوح رائحته.

وقوله: فلا أي فلا يحرم.

(قوله: ودهن) معطوف على وطئ، أي ويحرم دهن.

وقوله: بفتح أوله أي لا بضمه، وذلك لأن المضموم اسم للعين التي يدهن بها.

والمفتوح مصدر بمعنى التدهين.

والتحريم إنما يتعلق بالفعل، لا بالذات كسائر الأحكام.

(قوله: شعر رأس) هو بسكون العين، فيجمع على شهور كفلس وفلوس.

وبفتحها فيجمع على أشعار كسبب وأسباب، وهو مذكر، الواحد شعرة، وإنما جمع الشعر مع أنه اسم جنس تشبيها له بالمفرد.

وقوله: أو لحية هي بكسر اللام الشعر النابت على الذقن.

ويلحق بشعر الرأس وباللحية سائر شعور الوجه ما عدا شعر الخد والجبهة.

قال في التحفة: وظاهر قوله شعر: أنه لا بد من ثلاث، ويتجه الاكتفاء بدونها إن كان مما يقصد به التزيين، لأن هذا هو مناط التحريم.

اه.

وإنما قال ظاهر لأنه يمكن أن يكون المراد بشعر الرأس جنسه، الصادق بشعرة واحدة، بل وببعضها.

وحاصل ما يتعلق بالدهن أنه يحرم دهن شعر الرأس والوجه ما خلا شعر الخد (1) والجبهة والأنف بأي دهن كان، كزيت، وشيرج، وزبدة وغيرها.

وإن كان الشعر (2) محلوقا، أو

(1)(قوله: ما خلا شعر الخد إليخ) أي فإنه لا يحرم دهنها، لأنه لا يقصد تنميتها، كما في حاشية الايضاح اه.

مولف.

(2)

(قوله: وإن كان الشعر) أي شعر الرأس أو اللحية.

وهو غاية في التحريم.

اه مولف

ص: 362

نعم، إن احتاج إلى حلق شعر - بكثرة قمل أو جراحة - فلا حرمة، وعليه الفدية، فلو نبت شعر، بعينه أو غطاها فأزال ذلك، فلا حرمة، وفلا فدية.

(وقلم) لظفر، ولو بعضه من يد أو رجل.

نعم، له قطع ما انكسر من ظفره إن

ــ

دون الثلاث، أو خارجا لا رأس الأجلح والأصلع (1) في محله ولا لحية الأمرد والأطلس.

وخرج به باقي البدن، فلا يحرم دهنه.

وليحترز المحرم عند أكل الدسم كسمن ولحم من تلويث العنفقة أو الشارب، فإنه مع العلم والتعمد حرام تجب فيه الفدية، (2) ولو لشعرة واحدة.

(قوله: بدهن) متعلق بدهن، وهو هنا بضم الدال، إذ المراد به العين.

(قوله: ولو غير مطيب) تعميم في الدهن، أي لا فرق فيه بين أن يكون مطيبا أو لا، لكن المطيب، يزيد على غيره بحرمة استعماله في جميع البدن، ظاهرا وباطنا.

(قوله: كزيت وسمن) أي وزبد، ودهن لوز، وجوز، وشحم وشمع (3) ذائبين.

(قوله: وإزالته) بالرفع،

عطف على وطئ أيضا.

أي ويحرم إزالة الشعر بنتف أو إحراق أو غيرهما من سائر وجوه الإزالة (4) حتى بنحو شرب دواء مزيل مع العلم والتعمد فيما يظهر وذلك لقوله تعالى * (ولا تحلقوا رؤوسكم) * (5) أي شيئا من شعرها.

وألحق به شعر بقية البدن والظفر، بجامع أن في إزالة كل ترفها ينافي كون المحرم أشعت أغبر.

اه.

تحفة.

(قوله: ولو واحدة) أي ولو كان المزال من الشعر شعرة واحدة، ومثلها بعضها، فإنه يضر، وفيها الفدية، لكنها مد واحد كما سيأتي.

(قوله: من رأسه إلخ) متعلق بإزالة، أي إزالة الشعر من رأسه، أو لحيته، أو بدنه.

ودخل فيه شعر العانة، والإبط، واليد، والرجل.

(قوله: نعم، إن احتاج) أي المحرم، وهو استدراك من حرمة إزالة الشعر، دفع به ما يتوهم أن الإزالة تحرم مطلقا، بحاجة وبغيرها.

(قوله: بكثرة) الباء سببية، متعلقة باحتاج.

(وقوله: قمل) هو يتولد من العرق والوسخ، وهو من الحيوان الذي إناثه أكبر من ذكوره.

ومن طبعه أن يكون في الأحمر أحمر، وفي الأسود أسود، وفي الأبيض أبيض.

وقوله: أو جراحة معطوف على كثرة، أي أو بسبب جراحة أحوجه أذاها إلى الحلق، ومثلهما الحر إذا تأذى بكثرة شعره فيه تأذيا لا يحتمل عادة.

(قوله: فلا حرمة، وعليه الفدية) أي لقوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * (6).

(قوله: فلو نبت إلخ) لو جعله من أسباب الاحتياج إلى الحلق بأن قال: أو بنبت شعر بعينه، أو تغطيته إياها، لكان أولى وأنسب، لأنه لا معنى للتفريع.

وقوله: أو غطاها أي غطى الشعر عينه، بأن طال شعر حاجبه أو رأسه حتى وصل إليها وغطاها.

(قوله: فأزال ذلك) أي ما ذكر من الشعر النابت في وسط العين والمغطى، أي فقط.

(قوله: فلا حرمة ولا فدية) الفرق بين هذا حيث لم تجب الفدية وبين ما قبله حيث وجبت الفدية فيه أن التأذي في هذا من نفس الشعر، بخلافه في ذاك، فإنه ليس منه، بل مما فيه.

ومثله في ذلك ما لو قطع أصبعه وعليها شعر أو ظفر، أو كشط جلدة رأسه وعليها شعر، وذلك لتبعيته لغيره، فهو لم يقطعه قصدا، وإنما قطعه تابعا لغيره، والمحرم قطعه غير تابع لغيره.

(1) قوله: الاجلح) في المصباح، جلح الرجل جلحا - من باب تعب الشعر من جانبى مقدم رأسه، فهو أجلح.

اه وقوله: والاصلع.

قال فيه أيضا: صلع الرجل صلعا - من باب تعب - انحسر الشعر من مقدمه اه.

(2)

(قوله: حرام تجب فيه الفدية) أي ما لم تشتد حاجة إلى أكله، وإلا جاز، ووجبت فيه الفدية، كذا في حاشية الايضاح، وعبارتها: وقضية ما تقرر: حرمة أكل دهن يعلم أنه يلوث به شاربه، وهو ظاهر إن لم تشتد حاجة إليه، وإلا جاز، ووجبت فيه الفدية.

اه مولف.

(3)

(قوله: وشمع) استشكل عطف الشمع على الشحم، ووصفهما بالذوبان لانهم إن أرادوا أن الانضمام قيد في الفدية فغير مسلم، لان

الشحم الذائب وحده دهو، وأما الشمع الذائب وحده فغير دهن.

وأجيب بأن مرادهم بذلك بيان أن ضمن الشمع إلى الشحم لا يخرجه عن الدهن، بخلاف اللبن المشتمل على الزبد والدهن.

وفى هذا الجواب تسليم لقول المستشكل: إن الشمع الذائب غير دهن، وهو في محل المنع، وأى فرق بينه وبين الشحم لان في كل دهنية يقصد بها تزيين الشعر في الجملة.

اه.

أفاده في حاشية الايضاح.

(4)

(قوله: أو غيرهما من سائر وجوه الإزالة) هو شامل للزائل بواسطة حك رجل الركب في نحو قتب، وهو ظاهر من كلامهم، فتجب فيه الفدية، وإن احتاج لذلك غالبا، لامكان الاحتراز عنه.

خلافا لمن قال بعدمها، وأصال فيه بما ليجدى.

اه مولف.

(5)

القرة: 196.

(6)

البقرة: 196

ص: 363

تأذى به ولو أدنى تأذ.

(ويحرم ستر رجل) - لا امرأة - (بعض رأس بما يعد ساترا) عرقا من مخيط أو غير - كقلنسوة، وخرقة - إما ما لا يعد ساترا - كخيط رقيق، وتوسد نحو عمامة، ووضع يد لم يقصد بها الستر - فلا يحرم، بخلاف ما إذا قصده على نزاع فيه، وكحمل نحو زنبيل لم يقصد به ذلك أيضا، واستظلال بمحمل وإن

ــ

وفي التحفة ما نصه: (تنبيه) كل محذور أبيح للحاجة فيه الفدية، لغيره إلا إزالة نحو شعر العين كما تقرر وإلا نحو لبس السراويل أو الخف المقطوع احتياطا لستر العورة ووقاية الرجل من نحو النجاسة.

وكل محظور بالإحرام فيه الفدية إلا عقد النكاح.

اه.

(قوله: وقلم) معطوف على وطئ أيضا، أي ويحرم قلم بالقياس على حرمة إزالة الشعر بجامع الرفاهية في كل.

(قوله: نعم، له قطع الخ) أي يجوز له ذلك، ولا فدية، وهو استدراك من حرمة القلم.

(وقوله: ما انكسر) أي فقط، فلا يجوز له أن يقطع معه من الصحيح شيئا.

وفي الكردي ما نصه: في شرح مختصر الإيضاح للبكري، وتبعه ابن علان: أن قطع ما لا يتأتى قطع المنكسر إلا به، جائز، لاحتياجه إليه.

وقال ابن الجمال: الأقرب أنها تجب الفدية، لأن الأذى من المنكسر إلا به، جائز، لاحتياجه إليه.

وقال ابن الجمال: الأقرب أنها تجب الفدية، لأن الأذى من غيره، لا منه، وجاز قطعه معه لضرورة التوقف المذكور.

اه.

(قوله: ويحرم ستر إلخ) إنما أظهر العامل ولم يعطفه على ما قبله لطول الكلام عليه.

وإنما حرم الستر المذكور لخبر الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي سقط عن بعيره ميتا لا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا.

وقيس عليه الحي، بل أولى.

(وقوله: رجل) المراد به الذكر، يقينا، فدخل الصبي، وخرج الأنثى والخنثى، فلا يحرم عليهما ذلك.

(وقوله: لا امرأة) أي ولا خنثى.

(قوله: بعض رأس) أي ولو البياض الذي وراء الأذن، لكن المحاذي لأعلاها، لا المحاذي لشحمة الأذن.

قال عبد الرؤوف في حاشية شرح الدماء: المراد به أي البياض ما على الجمجمة، المحاذي لأعلى الأذن لا البياض وراءها، النازل عن الجمجمة، المتصل بآخر اللحى

المحاذي لشحمة الأذن، لأنه ليس من الرأس، وهو المراد بقول الزركشي: لا يجزئ المسح على البياض وراءها.

اه (قوله: بما يعد إلخ) متعلق بستر، أي يحرم ستر رجل بعض رأسه بكل ما يعد ساترا في العرف، وإن حكى لون البشرة كثوب رقيق، وزجاج وكما يحرم الستر بما ذكر، يحرم استدامته، وفارق استدامة الطيب بندب ابتداء هذا قبل الإحرام، بخلاف ذاك، ومن ثم، كان التلبيد بما له جرم كالطيب في حل استدامته، لأنه مندوب مثله.

أفاده في التحفة.

(قوله: من مخيط) بيان لما، وهو بفتح الميم وبالخاء المعجمة، أي شئ فيه خياطة.

(وقوله: أو غيره) أي غير المخيط.

(قوله: كقلنسوة) تمثيل للمخيط، وهي بفتح القاف واللام وضم السين مشتق من قلس الرجل إذا غطاه وستره والنون زائدة، وهي المسماة بالقاووق.

أفاده الشرقاوي.

وقوله: وخرقة تمثيل لغير المخيط، ومثلها عصابة عريضة، ومرهم وطين، وحناء ثخينات.

(قوله: أما ما لا يعد ساترا) أي في العرف.

وهذا محترز قوله بما يعد ساترا.

(وقوله: كخيط رقيق) أي وكماء، ولو كدرا، وإن عد ساترا في الصلاة.

قال ابن قاسم في شرح أبي شجاع: نعم، إن صار ثخينا لا تصح الطهارة به، بأن صار يسمى طينا، فظاهر أنه يمتنع.

اه.

(قوله: وتوسد نحو عمامة) أي وجعل نحو عمامة كالوسادة تحت رأسه، فلا يضر، لأنه لا يعد ساترا.

(قوله: ووضع يد) أي وكوضع يد له أو لغيره على رأسه، فإنه لا يضر أيضا، لأنه لا يعد ساترا.

وقوله: لم يقصد بها الستر الجملة صفة ليد، أي وكوضع يد موصوفة بكونها لم يقصد بها الستر.

(قوله: فلا يحرم) جواب أما، والضمير المستتر يعود على ما لا يعد ساترا.

(قوله: بخلاف ما إذا قصده) أي الستر بوضع اليد، أي فإنه يحرم.

وقوله: على نزاع فيه أي في تحريمه.

وحاصله أن الذي جرى عليه ابن حجر في التحفة، وفتح الجواد، وشرح العباب: الضرر بذلك عند قصد الستر.

والذي جرى عليه في حاشية الإيضاح: عدم الضرر.

وكذلك شيخ الإسلام في شرح البهجة، والرملي في شرحي الإيضاح والبهجة.

وعلى الأول تجب الفدية، وعلى الثاني لا تجب.

(قوله: وكحمل نحو زنبيل) معطوف على كخيط، فهو مما لا يعد ساترا فلا يضر.

(قوله: لم يقصد به) أي يحمل نحو الزنبيل.

(وقوله: ذلك) أي الستر، أي ولم يسترخ بحيث يصير كالطاقية، أما إذا استرخى ولم

ص: 364

مس رأسه، (ولبسه) أي الرجل (مخيطا) بخياطة: كقميص، وقباء، أو نسج، أو عقد في سائر بدنه، (بلا عذر)

ــ

يكن فيه شئ محمول حرم، ولزمته الفدية، وإن لم يقصد به الستر، لأنه في هذه الحالة يسمى ساترا عرفا.

ولو كفأ الزنبيل على رأسه حتى صار كالقلنسوة، حرم ولزمته الفدية مطلقا.

(قوله: واستظلال بمحمل) أي وكاستظلال بمحمل، فهو مما لا يعد ساترا، فلا يحرم.

قال في حواشي الإقناع: أي وإن قصد مع ذلك الستر، لأنه لا يعد ساترا عرفا.

وفصل

بعضهم بين قصد الستر فيفدي وإلا فلا، قياسا على ما لو وضع على رأسه زنبيلا ورد بوضوح الفرق بين الصورتين.

إذا الساتر ما يشمل المستور لبسا أو نحوه، ونحو الزنبيل يتصور فيه ذلك فأثر فيه القصد، بخلاف الهودج.

شرح العباب.

اه.

وقوله: وإن مس رأسه الغاية للرد على من يقول بحرمة الاستظلال بمحمل إن مس رأسه.

وعبارة الإيضاح: أما ما لا يعد ساترا فلا بأس به مثل أن يتوسد عمامة، أو وسادة، أو ينغمس في ماء، أو يستظل بمحمل أو نحوه، فلا بأس به، سواء مس المحمل رأسه أم لا وقيل: إن مس المحمل رأسه لزمته الفدية، وليس بشئ.

اه.

(قوله: ولبسه الخ) معطوف على ستر، أي ويحرم لبس الرجل، لخبر الصحيحين: عن ابن عمر، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: لا يلبس القميص ولا العمائم، ولا السراويلات ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس.

زاد البخاري: ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين.

(فإن قيل) السؤال عما يلبس، وأجيب بما لا يلبس ما الحكمة في ذلك؟ أجيب بأن ما لا يلبس محصور، بخلاف ما يلبس إذ الأصل الإباحة، وفيه تنبيه على أنه كان ينبغي السؤال عما لا يلبس، وبأن المعتبر في الجواب ما يحصل المقصود، وإن لم يطابق السؤال صريحا.

وقوله: محيطا بالمهملة سواء أحاط بجميع بدنه أو بعضه، وسواء كان شفافا كزجاج أم لا.

(قوله: بخياطة) متعلق بمحيطا، والباء سببية، أي محيطا بسبب خياطة.

(قوله: كقميص) تمثيل للمحيط بخياطة، وهو ما لا يكون مفتوحا من قدام، أي وكخف وبابوج وقبقاب ستر سيره أعلى قدميه، فيحرم لبس ذلك، بخلاف ما لا يستر سيره أعلى قدميه، وبخلاف النعل المعروف، والتاسومة.

والحاصل ما ظهر منه العقب ورؤوس الأصابع يحل مطلقا.

وما ستر الأصابع فقط، أو العقب فقط: لا يحل إلا مع فقد النعلين.

(قوله: وقباء) هو ما يكون مفتوحا من قدام، كالشاية، والقفطان، والفرجية.

وفي البجيرمي ما نصه: القباء: بالمد والقصر: قيل هو فارسي معرب، وقيل عربي مشتق من قبوت الشئ: إذا أضممت أصابعك عليه.

سمي بذلك لانضمام أطرافه.

وروي عن كعب أن أول من لبسه سليمان بن دواد عليهما السلام.

اه.

وقوله: أو نسج معطوف على خياطة، أي أو محيطا بسبب نسج كزرد.

وقوله: أو عقد معطوف على

خياطة أيضا، أي أو محيطا بسبب عقد كنوع من اللبد.

ومثل المنسوج والمعقود المضفور والمزرر في عرا والمشكوك بنحو خلال.

قوله: سائر بدنه متعلق بلبسه.

أي يحرم لبسه في جميع بدنه، وهو ليس بقيد، بل مثله بعض بدنه كما علمت، ولا بد من لبسه على الهيئة المألوفة فيه، ليخرج ما إذا ارتدى بقميص أو قباء، أو اتزر بسروايل، فإنه لا حرمة في ذلك، ولا فدية.

(قوله: بلا عذر) متعلق بكل من ستر ولبس، بدليل المفهوم الآتي.

أي ويحرم ستر رأس بلا عذر، ويحرم لبس المحيط بلا عذر، فإن وجد عذر انتفى التحريم.

وفي الفدية تفصيل وسئل السيوطي رحمه الله تعالى عن المحرم، هل يجوز له الستر أو اللبس إذا ظن الضرر قبل وجوده، أو لا يجوز إلا بعد وجوده نظما؟ (فأجاب) كذلك بالجواز، وصورة ذلك: ما قولكم في محرم يلبي * * كاشف رأس راجيا للرب

ص: 365

فلا يحرم على الرجل ستر رأس لعذر - كحر وبرد، ويظهر ضبطه هنا بما لا يطيق الصبر عليه، وإن لم يبح التيمم، فيحل مع الفدية، قياسا على وجوبها في الحلق مع العذر.

ولا لبس مخيط إن لم يجد غيره، ولا قدر

ــ

فهل له اللبس قبيل العذر * * بغالب الظن بدون الوزر؟ أم بعد أن يحصل عذر ظاهر * * يجوز لبس وغطاء ساتر؟ ولو طرا عذر وزال عنه * * هل يجب النزع ببرء منه؟ (أجاب رحمه الله ومحرم قبل طرو العذر * * أجز له اللبس بغير وزر بغالب الظن ولا توقف * * على حصوله، وهذا الأرأف نظيره من ظن من غسل بما * * حصول سقم جوزوا التيمما ومن تزل أعذاره فليقلع * * مبادرا وليعص إن لم ينزع (قوله: فلا يحرم على الرجل الخ) مفهوم قوله بلا عذر.

(وقوله: ستر رأس) أي ولا لبسه محيطا.

وكان الأولى للشارح أن يزيده، لما علمت أن قوله بلا عذر راجع لكل من ستر ولبس، فيكون هو مفهوم قوله بلا عذر بالنسبة للبس، ولا يصح أن يكون قوله الآتي ولا لبس محيط إن لم يجد غيره هو مفهومه بالنسبة له كما ستعرفه.

(قوله: كحر وبرد) تمثيل للعذر، ودخل تحت الكاف: الجراحة، والكسر، والوجع، ونحوها.

(قوله: ويظهر ضبطه) أي العذر.

(وقوله: هنا) أي في هذا الباب، بخلافه في غير هذا الباب، فهو ما أباح التيمم، ومن العذر ما لو تعين ستر وجه المرأة طريقا في دفع

النظر إليها المحرم، فيجوز حينئذ، وتجب به الفدية.

(قوله: بما لا يطيق الصبر عليه) متعلق بضبطه، أي ضبطه بكل ما لا يطيق الصبر عليه كالحر والبرد.

(قوله: وإن لم يبح التيمم) أي لا فرق فيما لا يطيق الصبر عليه بين أن يكون مبيحا لتيمم أو لا.

(قوله: فيحل) أي ستر الرأس لعذر، وهذا عين قوله فلا يحرم، إلا أنه أعاده لأجل إفادة ما بعده.

(وقوله: مع الفدية) أي مع وجوبها عليه.

وقوله: قياسا الخ أي إن وجوب الفدية هنا مقيس على وجوبها في الحلق مع العذر، بجامع أن كلا محظور أبيح لحاجة.

(قوله: ولا لبس محيط إلخ) ظاهره أنه معطوف على ستر رأس، ويكون هو مفهوم قوله بلا عذر بالنسبة للبس، وذلك لما علمت أن قوله بلا عذر مرتبط بكل من ستر ومن لبس، فأخذ أولا مفهومه بالنسبة للستر، وهذا مفهومه بالنسبة للبس.

والمعنى عليه ولا يحرم لبس محيط بعذر إن لم يجد غيره، وهو لا يصح، وذلك لأنه حيث وجد عذر حل لبس المحيط سواء وجد غيره أم لا كما أنه إذا لم يجد: يحل لبسه وجد عذر أم لا.

فيتعين حينئذ أن يكون مستأنفا، وليس معطوفا على ما قبله.

ويقدر عامل للبس، ويكون مفهوم قوله بلا عذر محذوفا كما علمته فيما مر ولا يخفى ما في عبارته المذكورة من الارتباك، وبيانه أن ستر الرأس ولبس المحيط يباحان لحاجة كحر وبرد مطلقا وإن ليس المحيط يباح أيضا إذا لم يجد غيره، لكن بقدر ستر العورة فقط - كسراويل - فلبس المحيط مباح لأحد شيئين: لحاجة نحو ما ذكر، ولعدم وجدان غيره.

وفي الأول: يباح له لبسه في جميع البدن مع الفدية.

وفي الثاني: بقدر ما يستر العورة فقط بلا فدية، فما يباح للحاجة المذكورة غير ما يباح للفقد قدرا وحكما.

والمؤلف رحمه الله لم يفصحهما، بل أدرج أحدهما في الآخر.

وسببه أنه تصرف في عبارة شيخه وسبكها بعبارته، فأدى ذلك إلى الارتباك وعدم حسن السبك.

فلو قال عقب قوله بلا عذر فلا يحرم على الرجل ستر رأس ولا لبس محيط إذا كان ذلك لعذر كحر وبرد الخ.

ثم قال: ولا يحرم أيضا لبسه محيط إن لم يجد غيره، ولا قدر على تحصيله، ولو بنحو استعارة، لا بنحو هبة، لكن بقدر ما يستر العورة فقط.

لكان أولى وأخصر وأوضح.

فتنبه.

وقوله: إن لم يجد غيره أي المحيط حسا كان بأن فقده عنده وعند غيره، أو شرعا بأن وجده بأكثر من ثمن

ص: 366

على تحصيله، ولو بنحو استعارة.

بخلاف الهبة - لعظم المنة - فيحل ستر العورة بالمخيط بلا فدية، ولبسه في باقي بدنه لحاجة نحو حر وبرد مع فدية.

ويحل الارتداء والالتحاف بالقميص والقباء، وعقد الازار، وشد خيط عليه ليثبت: لا وضع طوق القباء على رقبته، وإن لم يدخل يده (و) يحرم (ستر امرأة - لا رجل - بعض وجه) بما

ــ

المثل أو أجرة مثله، وإن قل.

وقوله: ولا قدر على تحصيله أي بشراء ونحوه وهذا لازم لعدم وجدانه حسا، لأنه يلزم منه عدم القدرة على تحصيله، ولو أسقطه ما ضره.

(قوله: ولو بنحو استعارة) غاية للنفي، أي انتفت القدرة على

تحصيله حتى بالاستعارة.

فإن قدر على تحصيله بذلك تعين، ويحرم لبس المحيط.

(قوله: بخلاف الهبة) أي بخلاف ما إذا قدر على تحصيل غير المحيط بالهبة، فلا يحرم عليه لبس المحيط، لأنه لا يلزمه قبول الهبة لعظم المنة فيها وثقلها على النفوس.

(قوله: فيحل ستر العورة إلخ) تفصيل لما أجمله بقوله ولا لبس محيط الخ.

وحاصله أنه إذا لم يجد غير المحيط حل له لبسه بقدر ما يستر العورة، ولا يحل له لبسه في باقي بدنه إلا إذا وجدت حاجة كحر وبرد.

وإذا اقتصر على ساتر العورة لا تلزمه فدية، بخلاف ما إذا زاد عليها فإنه تلزمه فدية.

والفرق كما في البجيرمي نقلا عن الشوبري أن ما كان سببه الفقد لا فدية فيه، وما كان سببه غير الفقد كحر وبرد فيه الفدية.

(قوله: ولبسه إلخ) أي ويحل لبسه، أي المحيط.

(قوله: وعقد الإزار) أي ويحل عقد الإزار، أي ربط طرفه بالآخر.

(قوله: وشد خيط عليه) أي الإزار، بأن يجعل خيطا في وسطه فوق الإزار ليثبت.

ويجوز أيضا أن يجعل فيه مثل الحجزة، ويدخل في التكة إحكاما، وأن يغرز طرف ردائه في طرف إزاره، ولا يجوز أن يعقد طرف ردائه بالآخر، ولا أن يخله به نحو مسلة.

(قوله: لا وضع طوق الخ) معطوف على الارتداء، أي لا يحل له وضع طوق القباء على رقبته وإن لم يدخل يديه في كميه وقصر الزمن، لأنه يستمسك بذلك، فيعد لابسا له.

واعلم أنه لا يحرم دخوله في كيس النوم إن لم يستر رأسه، إذ لا يستمسك عند قيامه، ولا إدخاله رجله في ساق الخف دون قراره، ولا لف عمامة بوسطه بلا عقد، ولا لبس خاتم، ولا احتباء بحبوة وإن عرضت جدا ولا إدخاله يده في كم نحو قباء، ولا لبس السراويل في إحدى رجليه، ولا تقليد السيف، ولا شد نحو منطقة وهميان في وسطه.

(قوله: ويحرم ستر امرأة لا رجل بعض وجه) وذلك لنهيها عن النقاب.

وحكمته أنها تستره غالبا، فأمرت بكشفه لمخالفة عادتها.

نعم، يعفى عما تستره من الوجه احتياطا للرأس، ولو أمة، عند ابن حجر، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ويجوز لها أن ترخى على وجهها ثوبا متجافيا عنه بنحو أعواد ولو لغير حاجة.

فلو سقط الثوب على وجهها بلا اختيارها فإن رفعته فورا فلا شئ عليها، وإلا أثمت، وفدت.

وكما يحرم عليها ستر وجهها، يحرم عليها وعلى الرجل أيضا لبس القفازين، للنهي عنهما في الحديث الصحيح.

والقفاز: شئ يعمل لليد يحشى بقطن ويزر بأزرار على الساعد ليقيها من البرد.

والمراد هنا: المحشو والمزرور وغيرهما.

ولها أن تلف خرقة على كل من يديها وتشدها وتعقدها.

وللرجل شدها بلا عقد.

(تنبيه) المحرمات أربعة أقسام:

الأول: ما يباح للحاجة ولا حرمة ولا فدية.

وهو: لبس السروايل لفقد الإزار، والخف المقطوع لفقد النعل، وعقد خرقة على ذكر سلس لم يستمسك بغير ذلك.

واستدامة ما لبد به شعر رأسه أو تطيب به قبل الإحرام، وحمل نحو مسك بقصد النقل إن قصر زمنه، وإزالة الشعر بجلدة، والنابت في العين ومغطيها، والظفر بعضوه، والمؤذي بنحو كسر، وقتل صيد صائل، ووطئ جراد عم المسالك، والتعرض لنحو بيض صيد وضعه في فراشه ولم يمكن دفعه إلا به أو لم يعلم به فتلف، وتخليص صيد من فم سبع فمات، وما فعله من الترفه كلبس وتطيب ناسيا أو جاهلا أو مكرها.

الثاني: ما فيه الإثم ولا فدية: كعقد النكاح، ومباشرة بشهوة بحائل على ما مر، والنظر بشهوة، والإعانة على قتل

ص: 367

يعد ساترا (وفدية) ارتكاب واحد م (- ما يحرم) بالاحرام غير الجماع (ذبح شاة) مجزئة في الاضحية، وهي

ــ

الصيد بدلالة أو إعارة آلة، ولو لحلال، والأكل من صيد صاده غيره له، ومجرد تنفير الصيد من غير تلف، وفعل محرم من محرمات الإحرام بميت محرم.

الثالث: ما فيه الفدية ولا إثم.

وذلك فيما إذا احتاج الرجل إلى اللبس أو المرأة لتستر وجهها، أو إلى إزالة شعر، أو ظفر لنحو مرض، أو زال نحو شعر جهلا وهو مميز، أو نفر صيدا بغير قصد وتلف به، أو اضطر إلى ذبح صيد لجوع أو تلف صيد برفس دابة معه، أو عضها بلا تقصير.

الرابع: ما فيه الإثم والفدية.

وهو باقي المحرمات.

(قوله: وفدية ارتكاب واحد الخ) لما أنهى الكلام على الواجبات والمحرمات، شرع في بيان ما يترتب على ترك شئ من الأولى، وارتكاب شئ من الثانية، فقال: وفدية إلخ.

وحاصل الكلام على ذلك أن الدماء ترجع باعتبار حكمها إلى أربعة أقسام: دم ترتيب وتقدير.

ودم ترتيب وتعديل.

ودم تخيير وتقدير.

ودم تخيير وتعديل.

فالقسم الأول: كدم التمتع، والقران، والفوات، وترك الإحرام من الميقات، وترك الرمي، وترك المبيت بمزدلفة، وترك المبيت بمنى، وترك طواف الوداع، وترك مشي أخلفه ناذره.

فهذه الدماء دماء ترتيب، بمعنى أنه يلزمه الذبح، ولا يجوز العدول عنه إلى غيره، إلا إذا عجز عنه.

وتقدير: بمعنى أن الشرع قدر ما يعدل إليه بما لا يزيد ولا ينقص.

والقسم الثاني: كدم الجماع، فهو دم ترتيب وتعديل.

بمعنى أن الشرع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة، فيجب فيه بدنة، ثم بقرة، ثم سبع شياه فإن عجز قوم البدنة بدراهم، واشترى بالدراهم طعاما وتصدق به.

فإن

عجز، صام عن كل مد يوما، ويكمل المنكسر بصوم يوم كامل.

وكدم الإحصار: فهو دم ترتيب وتعديل، فيجب فيه شاة، فإن عجز قومها كما ذكر، فإن عجز صام عن كل مد يوما.

والقسم الثالث: كدم الحلق والقلم، ودم الاستمتاع وهو التطيب، والدهن بفتح الدال للرأس أو اللحية، وبعض شعور الوجه على ما تقدم واللبس، ومقدمات الجماع، والاستمناء، والجماع غير المفسد.

فهذه الدماء دماء تخيير بمعنى أنه يجوز العدول عنها إلى غيرها، وتقدير بمعنى أن الشرع قدر ما يعدل إليه، فيتخير إذا أزال ثلاث شعرات بين ذبح وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وصوم ثلاثة أيام.

والقسم الرابع: كدم جزاء الصيد والشجر، فهو دم تخيير وتعديل.

بمعنى أن بالخيار، إن شاء فعل الأول وهو الذبح، أو الثاني وهو التقويم، أو الثالث وهو الصيام.

ومعنى التعديل التقويم.

فجملة هذه الدماء: أحد وعشرون دما تسعة مرتبة مقدرة، وثمانية مخيرة مقدرة، ودمان فيهما ترتيب وتعديل، ودمان فيهما تخيير وتعديل.

ونظمها الدميري رحمه الله تعالى فقال: خاتمة من الدماء ما التزم * * مرتبا وما بتخيير لزم والصفتان لا اجتماع لهما * * كالعدل والتقدير حيث فهما والدم بالترتيب والتقدير في * * تمتع فوت قران اقتفي وترك ميقات ورمي ووداع * * مع المبيتين بلا عذر مشاع ثم مرتب بتعديل سقط * * في مفسد الجماع والحصر فقط مخير مقدر دهن لباس * * والحلق والقلم وطيب فيه باس والوطئ حيث الشاة والمقدمات * * مخير معدل صيد نبات

ص: 368

جذعة ضأن، أو ثنية معز، (أو تصدق بثلاثة آصع لستة) من مساكين الحرم الشاملين للفقراء، لكل واحد نصف

ــ

ونظمها أيضا ابن المقري رحمه الله تعالى - في قوله: أربعة دماء حج تحصر * * أولها المرتب المقدر تمتع، فوت وحج قرنا * * وترك رمي والمبيت بمنى وتركه الميقات والمزدلفة * * أو لم يودع أو كمشي أخلفه

ناذره يصوم إن دما فقد * * ثلاثة فيه وسبعا في البلد والثان ترتيب وتعديل ورد * * في محصر ووطئ حج إن فسد إن لم يجد قومه ثم اشترى * * به طعاما طعمة للفقرا ثم لعجر عدل ذاك صوما * * أعني به عن كل مد يوما والثالث التخيير والتعديل في * * صيد وأشجار بلا تكلف إن شئت فاذبح أو فعدل مثل ما * * عدلت في قيمة ما تقدما وخيرن وقدرن في الرابع * * إن شئت فاذبح أو فجد باصع للشخص نصف أو فصم ثلاثا * * تجتث ما اجتثثته اجتثاثا في الحلق والقلم ولبس دهن * * طيب وتقبيل ووطئ ثني أو بين تحليلي ذوي إحرام * * هذي دماء الحج بالتمام والحمد لله وصلى ربنا * * على خيار خلقه نبينا وهو نظم حسن ينبغي لك طالب علم أن يحفظه.

واعلم أن هذا الدماء لا تختص بوقت، وتراق في النسك الذي وجبت فيه، ودم الفوات يجزئ بعد دخول وقت الإحرام بالقضاء.

كالمتمتع إذا فرغ من عمرته فإنه يجوز له أن يذبح قبل الإحرام بالحج، وهذا هو المعتمد، وإن قال ابن المقري لا يجزئ إلا بعد الإحرام بالقضاء.

وكلها أو بدلها من الطعام تختص تفريقته بالحرم على مساكينه، وكذا يختص به الذبح.

إلا المحصر فيذبح حيث أحصر، فإن عدم المساكين في الحرم أخره حتى يجدهم.

كمن نذر التصدق على فقراء بلد فلم يجدهم.

(قوله: مما يحرم) أي من الدهن والطيب واللبس والستر والحلق والقلم.

(واعلم) أن الفدية تتعدد بتعدد ذلك إن اختلف الزمان والمكان والنوع، وإلا فلا.

والطيب كله نوع، وكذا الدهن وكذا اللبس.

قال النشيلي: وقضية ذلك أن من ستر رأسه لضرورة، واحتاج لكشفه عند مسحه في الوضوء وعند السجود، ثم أعاد الستر، تتكرر عليه الفدية لتكرر الزمان والمكان.

قال السيد السمهودي: ما أظن السلف مع عدم خلو زمانهم عن مثل هذه الصورة يوجبون ذلك، ولم أر من نبه عليه.

والمشقة تجلب التيسير.

اه.

(قوله: غير الجماع) أما هو، فحكمه سيأتي، وظاهر كلامه أن الجماع مطلقا مخالف في الحكم لما هنا، وليس كذلك، بل حكم الجماع الذي بين التحللين حكم ما هنا، وغير عقد النكاح أيضا.

أما هو، فلا فدية فيه أصلا كما تقدم وغير الصيد والنابت، أما هما، فدمهما دم تخيير وتعديل.

(قوله: ذبح شاة) خبر فدية.

وفيه أن الذبح فعل الفاعل، والفدية اسم لما يخرج، فلم يحصل تطابق بين المبتدأ والخبر، ولا بد من تأويله هو وما عطف عليه، أعني قوله أو تصدق باسم المفعول: أي مذبوح شاة.

والإضافة فيه على معنى من، أو متصدق بثلاثة آصع، ولا بد من جعل الباء فيه بمعنى من البيانية، أي من ثلاثة آصع.

(قوله: مجزئة في الأضحية) وهي أن لا تكون عجفاء ولا مقطوعة بعض ذنب أو أذن، ولا عرجاء، ولا عوراء، ولا مريضة مرضا بينا كما سيذكره.

(قوله: وهي) أي الشاة المجزئة.

وقوله: جذعة

ص: 369

صاع، (أو صوم ثلاثة) أيام.

فمرتكب المحرم مخير في الفدية بين الثلاثة المذكورة.

(فرع) لو فعل شيئا من المحرمات ناسيا أو جاهلا بتحريمه، وجبت الفدية إن كان إتلافا - كحلق شعر، وقلم ظفر، وقتل صيد - ولا تجب إن كان تمتعا - كلبس، وتطيب - والواجب في إزالة ثلاث شعرات أو أظفار ولا اتحاد زمان ومكان عرفا فدية كاملة، وفي واحدة: مد طعام.

وفي اثنتين: مدان (ودم ترك مأمور) كإحرام

ــ

ضأن أي ما أجزعت مقدم أسنانها، وإن لم يكن لها سنة.

(قوله: أو ثنية معز) أي لها سنتان.

(قوله: أو تصدق) يقرأ بصيغة المصدر، معطوف على ذبح.

وقوله: بثلاثة آصع بمد الهمزة جمع صاع وهو أربعة أمداد.

(قوله: لستة) متعلق بتصدق، واللام بمعنى على، أي تصدق على ستة.

وقوله: من مساكين الحرم أي ولو كانوا غير مستوطنين به، لكن إعطاء المستوطنين أولى إذا لم تكن حاجة الغرباء أشد.

(قوله: الشاملين للفقراء) أي أن المراد بالمساكين ما يشمل الفقراء، لا ما قابلهم، لأن الفقير والمسكين يجتمعان إذا افترقا، ويفترقان إذا اجتمعا.

(قوله: لكل واحد نصف صاع) ولا يجزئ أقل منه، وليس في الكفارات محل يزاد فيه المسكين من كفارة واحد على مد غير هذا.

(قوله: أو صوم ثلاثة أيام) أي ولو من غير توال.

(قوله: فمرتكب المحرم مخير الخ) أي لقوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه)(1) * أي فحلق.

* (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * (2) وروى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجزة: أيؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم.

قال: انسك أي اذبح شاة أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين.

والفرق - بفتح الفاء والراء - ثلاثة آصع.

وقيس بالحلق وبالمعذور: غيرهما.

واعلم أن الفدية قد تجب على مرتكب المحظور، كالولي بسبب ارتكاب الصبي المميز إياه، بخلافه إذا كان غير مميز فلا فدية على واحد منهما، وإن كان إتلافا.

هذا إذا كان سبب الفدية ارتكابه محظورا فإن كان سببها تمتع موليه، أو قرانه، أو إحصاره، فالفدية في مال الولي مطلقا سواء كان الصبي مميزا، أو كان غير مميز.

(قوله: ولو فعل) أي المحرم.

(قوله: ناسيا) أي للإحرام أو التحريم.

ولا ينافيه التقييد بالتعمد في آية * (ومن قتله

منكم متعمدا) * (2) الآية.

فقد خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له كما في شرح المنهج.

(قوله: إن كان) أي الشئ الذي فعله منها.

وقوله: إتلافا أي محضا كقتل الصيد أو مشوبا باستمتاع، لكن المغلب جانب الإتلاف، كحلق الشعر، وقلم الأظفار.

(قوله: ولا تجب) أي الفدية.

وقوله: إن كان أي الشئ الذي فعله منها.

وقوله: تمتعا أي محضا كاللبس، والطيب أو مشوبا بإتلاف، لكن المغلب فيه جانب التمتع، كالجماع.

(قوله: والواجب الخ) أعاده مع علمه من قوله: وفدية ما يحرم، لأجل بيان شروط ما تجب فيه الفدية الكاملة في إزالة الشعر أو الأظفار، وهي أن يكون المزال ثلاث شعرات فأكثر، أو ثلاثة أظفار فأكثر، وأن تكون إزالة ذلك على التوالي في الزمان والمكان.

وقوله: باتحاد زمان ومكان الباء لتصوير الولاء، والمراد باتحاد الزمان: وقوع الفعل على الأثر المعتاد، وإلا فالاتحاد الحقيقي مع الاتحاد في الفعل مما لا يتصور ح ل.

ويمكن تصويره بأن يزيل شعرتين معا في زمن واحد.

والمراد باتحاد المكان أن يكون المكان الذي أزال الشعر فيه واحدا، وليس المراد به أن يكون العضو الذي أزال الشعر منه واحدا.

بدليل أنه لو أزال شعرة من لحيته، وشعرة من رأسه، وشعرة من باقي بدنه في مكان واحد، لزمته الفدية.

لا يقال يلزم من تعدد المكان تعدد الزمان فهلا اكتفى به؟ لأنا نقول: التعدد هنا عرفي، وقد يتعدد المكان عرفا، ولا يتعدد الزمان عرفا، لعدم طول الفصل.

لأن المراد باتحاد الزمان عدم طول الفصل عرفا، وباتحاد المكان أن لا يتعدد المكان الذي أزال فيه كما علمت واحترز باتحاد ما ذكر عن اختلافه بأن اختلف محل الإزالة أو زمنها، فإنه يجب في كل شعرة مد أفاد جميع ذلك العلامة البجيرمي.

(قوله: وفي واحدة مد طعام الخ) أي والواجب في إزالة شعرة واحدة مد واحد، وفي إزالة

(1) البقرة: 196.

(2)

المائدة: 95

ص: 370

من الميقات، ومبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الاحجار، وطواف الوداع، كدم التمتع والقران.

(ذبح) أي ذبح شاة تجزئ أضحية في الحرم، (ف) - الواجب على العاجز عن الذبح فيه ولو لغيبة ماله - وإن وجد من يقرضه، أو وجده بأكثر من ثمن المثل - (صوم) أيام (ثلاثة) فورا بعد إحرام، (وقبل) يوم (نحر) - ولو مسافرا - فلا يجوز

ــ

شعرتين مدان، وذلك لعسر تبعيض الدم فعدل إلى الطعام لأن الشرع عدل الحيوان به في جزاء الصيد وغيره.

قال في المنهج وشرحه: هذا إن اختار دما، فإن اختار الطعام ففي واحد منهما صاع، وفي اثنين صاعان، أو الصوم، ففي واحد صوم يوم، وفي اثنين صوم يومين.

اه.

وما ذكر ضعيف، والمعتمد وجوب المد أو المدين مطلقا أي سواء اختار الإطعام أو الصوم، أو الدم فلو عجز عن المد أو المدين استقر ذلك في ذمته.

(قوله: ودم ترك مأمور) أي سواء كان يفوت به الحج كالوقوف أو لا، كالواجبات.

وعبر أولا بالفدية، وهنا بالدم مع أن كلاهما يطلق على الحيوان وعلى غيره مما يقوم مقامه تفننا.

(قوله: كإحرام من الميقات إلخ) تمثيل للمأمور به.

(قوله: كدم التمتع والقران) الكاف للتنظير، أي

أن دم ترك المأمور به نظير دم التمتع والقران في كونه مرتبا مقدرا، وفيه أنه لم يسبق منه تعرض، لكون دم التمتع والقران مرتبا مقدرا، ولا غير ذلك.

فكان الأولى أن يقول: ودم تمتع وقران بإسقاط الكاف، فيكون معطوفا على دم ترك مأمور.

(قوله: ذبح) خبر عن دم، ويجري في ما مر.

(قوله: في الحرم) متعلق بذبح، والذبح في الحرم عام في كل الدماء، لا في خصوص هذا القسم كما يوهمه صنيعه حيث قيد به هنا وأطلق فيما سبق، وذلك لقوله تعالى: * (هديا بالغ الكعبة) * وخبر مسلم: نحرت ههنا، ومنى كلها منحر.

فلا يجزئ الذبح في غير الحرم.

وأفضل بقاع الحرم لذبح المعتمر: المروة.

ولذبح الحاج إفرادا أو تمتعا أو قرانا: منى.

(قوله: فالواجب على العاجز عن الذبح فيه) أي في الحرم حسا كان العجز، بأن فقد الشاة أو ثمنها أو شرعا بأن وجدها بأكثر من ثمن مثلها، أو كان محتاجا إليه أو غاب عنه ماله، أو تعذر وصوله إلى ماله.

(قوله: ولو لغيبة ماله) غاية في كون الواجب عليه الصوم.

أي يكون الواجب عليه الصوم، ولو كان عجزه بسبب غيبة ماله.

قال البجيرمي: ولو لدون مسافة القصر.

وخالف في ذلك: البلقيني.

اه.

(قوله: وإن وجد من يقرضه الخ) غاية في الغاية، أي الواجب على العاجز المذكور بسبب غيبة ماله الصوم، ولو وجد من يقرضه إياه، فلا يكلف القبول.

(قوله: أو وجده) لا يصلح أن يكون معطوفا على وجد قبله، لما علمت أنه غاية للغاية، والمعطوف على الغاية غاية، فيلزم أن يكون هذا غاية أيضا للغاية الأولى، وهو لا يصح، فلعل في عبارته سقطا من النساخ.

ثم رأيت عبارة المؤلف المذكورة عين عبارة فتح الجواد لكنه أسقط منها ما هو متعين ذكره، ونصها: ثم الواجب على من عجز عن الدم في محل الذبح فيما ذكر من الفوات والتمتع والقرآن وترك واجب بأن لم يجده ولو لغيبة ماله، وإن وجد من يقرضه فيما يظهر كالتيمم أو وجده بأكثر من ثمن المثل أو به واحتاج إليه لمؤن سفره الجائز فيما يظهر صوم الخ.

اه.

فقوله: أو وجده بأكثر: معطوف على قوله بأن لم يجده الساقط من عبارة مؤلفنا.

(قوله: بأكثر من ثمن المثل) ظاهره وإن قل بحيث يتغابن به، وبه صرح شيخنا زي، لكن ينبغي وجوبه بزيادة لا يتغابن بها.

اه.

ع ش.

(قوله: صوم أيام) خبر المبتدإ الذي قدره، وهو الواجب على العاجز إلخ.

وبقطع النظر عنه يكون معطوفا على ذبح، ولا بد من تعيين نية الصوم كعن تمتع، أو قران، أو نحوهما ومن تبييت النية كصوم رمضان.

(قوله: فورا إلخ) في حاشية عبد الرؤوف ما نصه: قوله فورا وجوبه: أي الصوم.

وكونه فورا مشروطان بالإحرام بالحج بالنسبة للتمتع والفوات والمشي المنذور في الحج، وبالإحرام بالعمرة، أو بالحج بالنسبة لمجاوزة

الميقات، وبتمام الإحرام بهما بالنسبة للقران، وبفراق مكة بالنسبة لترك الوداع، وبفراغ أيام منى بالنسبة لبقية الدماء التسعة.

ومع ذلك فالفورية مشكلة، لأنه إذا أحرم من أول شوال مثلا، لا نكلفه صوم الثلاثة أول إحرامه، بل الواجب عليه

ص: 371

تأخير شئ منها عنه، لانها تصير قضاء.

ولا تقديمه على الاحرام بالحج، الآية.

(و) يلزمه أيضا صوم (سبعة بوطنه) أي إذا رجع إلى أهله.

ويسن تواليها - كالثلاثة - قال تعالى: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج،

ــ

أن لا تغرب شمس يوم عرفة وقد بقي عليه شئ منها.

نعم، قد تحصل الفورية لعارض تضيق كأن أحرم ليلة السابع وفورية السبعة أقوى إشكالا، إذ لا يجب صومها أول دخول بلده.

ويمكن تأويل فورية الثلاثة بعدم تأخيرها عن غروب يوم عرفة.

ثم محل وجوبه أي الصوم إن قدر عليه، وإلا فلا، كهم - بكسر الهاء، وتشديد الميم عاجز يأتي فيه ما في رمضان من وجوب المد عن كل يوم، فإن عجز عنه بقي الواجب عليه، فإن قدر على أي واحد منهما فعله.

اه.

بحذف.

(قوله: بعد إحرام) أي بالحج.

فلا يجوز تقديمه على الإحرام، بخلاف الدم.

والفرق: أن الصوم عبادة بدنية، فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة، والدم عبادة مالية، فأشبه الزكاة.

ويستحب أن يحرم ليلة الخامس ليصومه وتالييه، أو ليلة السادس ليصومه وتالييه، والأول أفضل، ليكون يوم الترويه مفطرا، وهذا مفروض في القرآن والتمتع وإخلاف النذر والفوات، لأنه يمكنه إيقاع الثلاثة في الحج كما يعلم من عبارة عبد الرؤوف المارة آنفا أما ترك المبيتين، والرمي، وطواف الوداع، والميقات في العمرة، فيصوم الثلاثة بعد وجوب الدم حيث شاء، ولو في طريقه، لكن لا يجوز صيامها في ترك طواف الوداع إلا بعد مرحلتين أو بلوغه مسكنه ثم يفطر بقدر مسافة وطنه وأربعة أيام العيد والتشريق، ثم يصوم السبعة في وطنه.

والمكي يفرق بأربعة أيام، إذ لا يحتاج إلى مسافة.

ولذلك قال بعضهم: والصوم في الحج ببعض الصور * * ممتنع كالصوم للمعتمر وصوم تارك المبيتين معا * * والرمي أو صوم الذي ما ودعا (قوله: وقبل يوم نحر) معطوف على بعد إحرام.

(قوله: ولو مسافرا) غاية لوجوب صوم الثلاثة بعد الإحرام وقبل يوم النحر، أي يجب الصوم عليه ولو كان مسافرا فليس السفر عذرا في صومها، للنص عليه فيه بقوله ثلاثة أيام في الحج، فلا يرد أن رمضان أعظم حرمة، مع أن السفر عذر فيه.

(قوله: فلا يجوز تأخير الخ) مفرع على مفهوم التقييد

بقوله وقبل يوم نحر، وما بعده مفرع على مفهوم التقييد ببعد إحرام، فهو على اللف والنشر المشوش.

(وقوله: شئ منها) أي من الثلاثة.

(وقوله: عنه) أي يوم النحر.

(قوله: لأنها تصير قضاء) علة لعدم جواز التأخير، أي لا يجوز تأخيرها، لكونها لو أخرت عنه صارت قضاء.

وتأخير الشئ عن وقته حتى يصير قضاء حرام، كالصلاة.

(قوله: ولا تقديمه) أي ولا يجوز تقديم الصوم على الإحرام بالحج.

والفرق بينه وبين الدم حيث يجوز إخراجه قبل الإحرام بالحج إن الصوم عبادة بدنية فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة والدم عبادة مالية فأشبه الزكاة وهي يجوز تقديمها على وقتها كما مر.

(قوله: للآية) دليل لوجوب صوم الثلاثة بعد الإحرام وقبل النحر.

فهو مرتبط بالمتن، وهي ما سيذكرها بقوله: قال تعالى: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) * (1) الآية.

وكان الأولى أن يصرح بها هنا، ويحيل فيما سيأتي عليه.

(قوله: ويلزمه) أي العاجز عن الذبح.

(وقوله: أيضا) أي كما لزمه صوم الثلاثة.

(وقوله: صوم سبعة بوطنه) أي أو ما يريد توطنه ولو مكة إن لم يكن له وطن أو أعرض عن وطنه.

قال سم: ولو أراد استطيان محل آخر فهل يصح صومها بمجرد وصوله وإن أعرض عن استيطانه قبل صومها؟ فيه نظر، ولا يبعد الصحة.

ثم قال: وفي شرح العباب: فلو لم يتوطن محلا لم يلزمه بمحل أقام فيه مدة كما أفتى به القفال.

وظاهر كلامهم أنه لا يجوز له أيضا، فيصير إلى أن يتوطن محلا.

فإن مات قبل ذلك احتمل أن يطعم أو يصام عنه، لأنه كان متمكنا من التوطن والصوم، واحتمل أن لا يلزم ذلك، وإن خلف

(1) المائدة: 89

ص: 372

وسبعة إذا رجعتم) *.

(ويجب على مفسد نسك) من حج وعمرة (بوطئ: بدنة) بصفة الاضحية، وإن كان النسك، نفلا، والبدنة المرادة الواحد من الابل - ذكرا كان أو أنثى - فإن عجز عن البدنة فبقرة، فإن عجز عنها فسبع شياه، ثم يقوم البدنة، ويتصدق بقيمتها طعاما.

ثم يصوم عن كل مد يوما.

ولا يجب شئ على المرأة، بل

ــ

تركه، لأنه لم يتمكن حقيقة، ولعل الأول أقرب وهو الوجه.

اه.

(قوله: أي إذا رجع إلى أهله) لا حاجة إلى هذا التفسير، لأنهم يفسرون الأهل في عبارتهم بالوطن، فحيث عبر به فقد أدى المقصود، إلا أن يقال أتى به مراعاة للآية الشريفة.

(قوله: ويسن تواليها) أي السبعة.

(وقوله: كالثلاثة) أي كما أنه يسن توالي الثلاثة أداء أو قضاء.

وإنما سن التوالي مبادرة بأداء الواجب.

وخروجا من خلاف من أوجبه.

وقد يجب التتابع في الثلاثة فقط، فيما إذا أحرم بالحج من سادس الحجة لضيق الوقت، لا لذات التتابع.

(قوله: قال تعالى الخ) دليل لوجوب صوم السبعة، ولو اقتصر على هذا وحذف قوله المار للآية لكان دليلا على وجوب الثلاثة أيضا.

(قوله: في الحج) أي في أيام الحج بعد الإحرام به.

(قوله: وسبعة إذا رجعتم) أي إلى الأهل، وهو ليس بقيد، بل مثله ما إذا لم يرجعوا واستوطنوا محلا آخر، فيجزئ فيه الصوم كما علمت.

(قوله: ويجب على مفسد نسك) أي بأن كان عالما عامدا مختارا مميزا، وبأن كان وقوع الوطئ في الحج قبل التحلل الأول كما مر.

(قوله: من حج وعمرة) بيان للنسك.

(قوله: بوطئ) متعلق بمفسد، وهو لا مفهوم له، إذ

الإفساد لا يكون بغير الوطئ، وهو إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في فرج ولو لبهيمة أو ميت كما مر.

(قوله: بدنة) فاعل يجب، وإنما وجبت لقضاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم بها، ولم يعرف لهم مخالف.

(قوله: بصفة الأضحية) أي متصفة بالصفات المشروطة في الأضحية صحة وسنا، فيشترط أن تكون سليمة من العيوب، وأن يكون سنها خمس سنين.

(قوله: وإن كان النسك نفلا) غاية في وجوب البدنة، أي تجب وإن كان النسك الذي أفسده نفلا.

(قوله: والبدنة المرادة) أي في فدية الإفساد.

(وقوله: الواحد من الإبل ذكرا كان أو أنثى) أشار بذلك إلى أن التاء في البدنة للوحدة لا للتأنيث.

قال في المغنى: واعلم أن البدنة حيث أطلقت في كتب الحديث والفقه، والمراد بها البعير ذكرا كان أو انثى وشرطها أن تكون في سن الأضحية، ولا تطلق هذه على غير هذا.

وأما أهل اللغة، فقال كثير منهم أو أكثرهم: إنها تطلق على البعير والبقرة.

وحكى المصنف في التهذيب والتحرير عن الأزهري، أنها تطلق على الشاة، ووهم في ذلك.

اه.

(قوله: فإن عجز عن البدنة) أي حسا أو شرعا.

(وقوله: فبقرة) أي فيجب عليه بقرة.

أي بصفة الأضحية أيضا.

(قوله: فإن عجز عنها) أي البقرة.

(وقوله: فسبع شياه) أي فيجب عليه سبع شياه.

(قوله: ثم يقوم) أي ثم إن عجز عن السبع شياه يقوم البدنة التي هي الأصل.

وكان عليه أن يقول: فإن عجز يقوم البدنة.

والتقويم يكون بالنقد الغالب بسعر مكة حال الوجوب.

(قوله: ويتصدق بقيمتها طعاما) أي يعطي بدل قيمتها طعاما، فالفعل مضمن معنى يعطي، والباء بمعنى بدل.

قال عبد الرؤوف: ولا يكفي التصدق بالقيمة كسائر الكفارات وكأن الفرق بينه وبين إجزاء التصدق بقيمة بنت المخاض عند عدمها، وعدم ابن لبون أن ما هنا له بدل مقدر يصار إليه عند العجز، بخلافه ثم.

انتهى.

(قوله: ثم يصوم) أي ثم إن عجز عن الإطعام يصوم.

وكان عليه أن يعبر بما ذكر.

(قوله: عن كل مد يوما) فإن انكسر مد صام عنه يوما كاملا.

(قوله: ولا يجب شئ على المرأة) مرتبط بمحذوف، وهو أنه يجب ما ذكر على الرجل الواطئ، ولا يجب شئ على المرأة الموطوءة.

وقد تقدم أن ما ذكره من الإطلاق وما اتفق عليه الرملي والخطيب، وأما شيخه ففصل فيه.

وفي الكردي ما نصه: والذي يتلخص مما اعتمده الشارح يعني ابن حجر في كتبه أن الجماع في الإحرام ينقسم على ستة أقسام:

ص: 373

تأثم.

وعلم من قولي بمسد نسك: أنه يبطل بوطئ، ومع ذلك يجب مضي في فاسده.

(وقضاء فورا)، وإن كان نسكه نفلا، لانه - وإن كان وقته موسعا - تضيق عليه بالشروع فيه.

والنفل من ذلك يصير بالشروع فيه فرضا: أي

ــ

أحدها: ما لا يلزم به شئ لا على الواطئ، ولا على الموطوءة، ولا على غيرهما، وذلك إذا كانا جاهلين معذورين بجهلهما، أو مكروهين، أو ناسيين للإحرام أو غير مميزين.

ثانيهما: تجب به البدنة على الرجل الواطئ فقط، وذلك فيما إذا استجمع الشروط، من كونه عاقلا بالغا عالما متعمدا مختارا، وكان الوطئ قبل التحلل الأول، والموطوءة حليلته، سواء كانت محرمة مستجمعة للشروط أو لا.

ثالثها: ما تجب به البدنة على المرأة فقط، وذلك فيما إذا كانت هي المحرمة فقط، وكانت مستجمعة للشروط السابقة، أو كان الزوج غير مستجمع للشروط، وإن كان محرما.

رابعها: ما تجب به البدنة على غير الواطئ والموطوءة، وذلك في الصبي المميز إذا كان مستجمعا للشروط، فالبدنة على وليه.

خامسها: ما تجب به البدنة على كل من الواطئ والموطوءة، وذلك فيما إذا زنى المحرم بمحرمة أو وطئها بشبهة مع استجماعها شروط الكفارة السابقة.

سادسها: ما تجب فيه فدية مخيرة بين شاة، أو إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين، أو صوم ثلاثة أيام، وذلك فيما إذا جامع مستجمعا لشروط الكفارة السابقة بعد الجماع المفسد، أو جامع بين التحليلين.

هذا ملخص ما جرى عليه الشارح، تبعا لشيخ الإسلام زكريا، واعتمد الشمس الرملي والخطيب الشربيني تبعا لشيخهما الشهاب الرملي، أنه لا فدية على المرأة مطلقا.

اه.

(قوله: بل تأثم) أي المرأة، ويفسد حجها، وعليها القضاء.

والإضراب انتقالي.

(قوله: وعلم من قولي بمفسد) الأولى حذف الباء الجارة، لأنها ساقطة من عبارته فيما مر، ووجه العلم أنه يلزم من الإفساد البطلان.

(قوله: أنه) أي النسك.

وقوله: ومع ذلك أي ومع بطلانه.

وقوله: يجب مضي في فاسده أي النسك، لإفتاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم به.

ومعنى المضي فيما ذكر: أنه يأتي بجميع ما يعتبر فيه قبل الوطئ، ويجتنب ما كان يجتنبه قبله، فلو ارتكب محظورا لزمته الفدية.

(قوله: وقضاء) معطوف على بدنه، أي ويجب قضاء ما أفسده.

والمراد القضاء اللغوي، أي إعادته ثانيا، وإلا فهو أداء، لأن النسك على التراخي، فهو لا آخر لوقته، ففي أي عام وقع كان أداء.

(وقوله: فورا) أي كأن يأتي بالعمرة عقب التحلل وتوابعه، وبالحج في سنته إن أمكنه، كأن يحصره العدو بعد الإفساد فيتحلل، ثم يزول

الحصر والوقت باق، فإن لم يمكنه من سنته أتى به من قابل.

واعلم أنه يقع القضاء مثل الفاسد، فإن كان فرضا وقع فرضا، وإن كان تطوعا وقع تطوعا.

فلو أفسد التطوع ثم نذر حجا وأراد تحصيل المنذور بحجة القضاء لم يحصل له ذلك، وليكن إحرامه بالقضاء مما أحرم منه بالأداء أو قبله، فلو أحرم من دونه لزمه دم، ولا يتعين أن يحرم بالقضاء في الزمان الذي أحرم منه في الأداء، بل له التأخير عنه.

وفارق المكان بأن اعتناء الشارع بالميقات المكاني أكمل، ولأن المكان ينضبط، بخلاف الزمان.

أفاده في شرح الروض.

(قوله: وإن كان نسكه نفلا) غاية في وجوب القضاء، أي يجب وإن كان تطوعا.

ويتصور وقوع النسك تطوعا من الأرقاء والصبيان، أما المكلفون الأحرار، فلا يتصور منهم، لأنه حيث وقع منهم فهو فرض كفاية لا تطوع لأن إحياء الكعبة بالنسك فرض كفاية في كل عام على الأحرار المكلفين، ولا يسقط من غيرهم على المعتمد عند م ر وعند ابن حجر: يسقط، وإن كانوا لم يخاطبوا به.

وعبارته في باب الجهاد: ويتصور وقوع النسك غير فرض كفاية ممن لا يخاطب به كالأرقاء، والصبيان، والمجانين لكن الأوجه أنه مع ذلك يسقط به فرض الكفاية، كما تسقط صلاة

ص: 374

واجب الاتمام كالفرض، بخلاف غيره من النفل.

(تتمة) يسن لقاصد مكة، وللحاج - آكد - أن يهدي شيئا من النعم يسوقه من بلده، وإلا فيشتريه من الطريق ثم من مكة، ثم من عرفة، ثم من منى.

وكونه سمينا حسنا، ولا يجب إلا بالنذر.

(مهمات) يسن - متأكدا - لحر قادر، تضحية بذبح جذع ضأن له سنة، أو سقط سنه - ولو قبل تمامها - أو

ــ

الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي.

اه.

(قوله: لأنه) أي النسك، وهو علة للفورية، وعللها في التحفة بتعديه بسببه: أي القضاء، وهو أولى.

(وقوله: وإن كان وقته موسعا) إذ هو على التراخي.

(وقوله: تضيق عليه بالشروع فيه) أي فيلزمه قضاؤه فورا.

(قوله: والنفل الخ) معطوف على اسم أن، أي ولأن النفل من النسك يصير بالشروع فيه فرضا، وهو علة لوجوب قضاء نسك التطوع إذا أفسده.

(قوله: أي واجب الإتمام) تفسير لصيرورته فرضا عليه.

وعبارة التحفة: لأنه يلزم بالشروع فيه، ومن عبر بأنه يصير بالشروع فيه فرضا: مراده أنه يتعين إتمامه كالفرض.

اه.

(قوله: بخلاف غيره من النفل) أي بخلاف غير نفل النسك من بقية النوافل، لأنه لا يصير بالشروع فيه فرضا، أي واجب الإتمام.

قوله: تتمة أي في الحكم الهدي، وهو في الأصل اسم لما سيق إلى الحرم تقربا إلى الله تعالى من نعم وغيرها من الأموال نذرا كان أو تطوعا لكنه عند الإطلاق اسم للإبل والبقر والغنم.

ويستحب أن يقلد البدنة والبقرة نعلين من النعال التي تلبس في الإحرام، ويتصدق بهما بعد ذبحهما، وأن يشعرهما.

والإشعار الإعلام.

والمراد به هنا أن يضرب صفحة سنامهما اليمنى بحديدة حتى يخرج الدم، ويلطخهما به، ليعلم من رآهما أنهما هدي فلا يتعرض لهما.

وإن ساق غنما استحب أن يقلد عرى القرب وآذانها ولا يقلدها النعل، ولا يشعرها لأنها ضعيفة.

(قوله: يسن لقاصد مكة) أي وإن لم يقصد

النسك.

(قوله: وللحاج) مثله المعتمر.

وقوله: آكد أي للاتباع ففي الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم أهدى في حجة الوداع مائة بدنة.

(قوله: أن يهدي الخ) نائب فاعل يسن.

(وقوله: شيئا من النعم) أي ولو واحدا.

(قوله: يسوقه من بلده إلخ) الجملة واقعة صفة لشيئا.

وعبارة شرح الروض وكونه معه من بلده أفضل، وشراؤه من طريقه أفضل من شرائه من مكة، ثم من عرفة، فإن لم يسقه أصلا بل اشتراه من منى جاز، وحصل أصل الهدي.

(قوله: وكونه سمينا حسنا) معطوف على المصدر المؤول من أن يهدي، أي ويسن كون الهدي سمينا حسنا.

قال في شرح الروض: لقوله تعالى: * (ومن يعظم شعائر الله) * (1) فسرها ابن عباس رضي الله عنهما: بالاستسمان والاستحسان.

اه.

(قوله: ولا يجب) أي الهدي.

(وقوله: إلا بالنذر) أي لأنه قربة، فلزم به.

(قوله: مهمات) أي في بيان جمل من المسائل، بوب الفقهاء لكل جملة منها بابا مستقلا، كالأضحية، والعقيقة، والصيد، والذبائح، والنذر، وغير ذلك.

(قوله: يسن الخ) شروع في بيان أحكام الأضحية.

وغالب الفقهاء يذكرونها في الربع الرابع عقب الصيد، والمؤلف خالف وذكرها هنا لشدة تعلقها بالمناسك.

والأصل فيها قوله تعالى: * (فصل لربك وانحر) * (2) وقوله تعالى: * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) * (3) أي من أعلام دينه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ما عمل ابن آدم يوم النحر من عمل أحب إلى الله تعالى من إراقه الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا.

وفي حديث: عظموا ضحاياكم، فإنها على الصراط مطاياكم.

وعن أنس رضي الله عنه، قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده الكريمة وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما.

(قوله: متأكدا) أي في حقنا، وأما في حقه صلى الله عليه وسلم فهي واجبة، وتأكدها على الكفاية.

فلو فعلها واحد من أهل البيت كفت عنهم وإن سنت لكل منهم فإن تركوها كلهم كره، هذا إن تعدد أهل البيت، وإلا فسنة عين.

قال في التحفة:

(1) الحج: 32.

(2)

الكوثر: 2.

(3)

الحج: 36

ص: 375

ثني معز أو بقر لهما سنتان، أو إبل له خمس سنين بنية أضحية عند ذبح أو تعيين.

وهي أفضل من الصدقة.

ــ

ومعنى كونها سنة كفاية مع كونها تسن لكل منهم سقوط الطلب بفعل الغير، لا حصول الثواب لمن لم يفعل.

وفي تصريحهم بندبها لكل واحد من أهل البيت ما يمنع أن المراد بهم المحاجير.

اه.

(قوله: لحر) أي كله أو بعضه، وملك

مالا ببعضه الحر.

(وقوله: قادر) أي مستطيع.

والمراد به: من يقدر عليها فاضلة عن حاجته وحاجة ممنونه يوم العيد وأيام التشريق، لأن ذلك وقتها، كزكاة الفطر، فإنهم اشترطوا فيها أن تكون فاضلة عن حاجته وحاجة ممونه يوم العيد وليلته، لأن ذلك وقتها.

هكذا قاله الخطيب.

والذي يفهم من كلام التحفة تخصيص ذلك بيوم العيد وليلته فقط، وعبارتها بعد كلام قادر، بأن فضل عن حاجة ممونه ما مر في صدقة التطوع ولو مسافرا، وبدويا، وحاجا بمنى، وإن أهدى.

اه.

وقوله: ما مر في صدقة التطوع هو يوم وليلة فقط، فإن فضل عن حاجته وحاجة ممونه يوما وليلة سن له صدقة التطوع، والإحرام.

وذكر المؤلف لمن تسن له التضحية شرطين فقط: الحرية، والقدرة.

وبقي عليه ثلاثة، وهي: الإسلام، والتكليف، والرشد.

فلا يخاطب بها غير المسلم، أو غير المكلف، أو غير الرشيد.

قال في التحفة، نعم، للولي الأب، أو الجد لا غير، التضحية عن موليه من مال نفسه.

اه.

(قوله: تضحية) نائب فاعل يسن، وعبر بالتضحية التي هي فعل الفاعل، ولم يعبر كغيره بالأضحية التي هي اسم لما يتقرب به من النعم، لأن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال لا بالأعيان.

قوله: بذبح إلخ) متعلق بتضحية، والباء للتصوير، إذ التضحية اسم للفعل كما علمت وهو الذبح.

(وقوله: جذع ضأن) أي جذع من الضأن، وذلك لخبر أحمد: ضحوا بالجذع من الضأن، فإنه جائز وكلامه صادق بالذكر والأنثى والخنثى فيجزئ كل منها لكن الأفضل الذكر.

وقوله: له سنة أي تم لذلك الجذع سنة، فهي تحديدية.

(قوله: أو سقط سنه) أي أو لم يتم له سنة، لكن سقط سنه.

والمراد مقدم أسنانه.

فسنه: مفرد مضاف، فيعم أي فيجزئ ذلك، لكن بشرط أن يكون إجزاعه بعد ستة أشهر، ويكون هذا بمنزلة البلوغ بالاحتلام، والذي قبله بمنزلة البلوغ بالسن.

(قوله: أو ثني معز) بالجر، عطف على جذع، أي أو ذبح ثني معز أو بقر.

وقوله: لهما سنتان بيان لمعنى الثني منهما أي أن الثني هو ما كان له سنتان.

أي وطعن في الثالثة.

والأصل في ذلك خبر مسلم: لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن.

والمسنة: هي الثنية من المعز والإبل والبقر فما فوقها.

وقضيته أن جذعة الضأن لا تجزئ إلا إذا عجز عن المسنة، والجمهور على خلافه، وحملوا الخبر على الندب.

والمعنى: يندب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم فاذبحوا جذعة من الضأن.

(قوله: أو إبل) معطوف على معز، أي أو ثني إبل.

وقوله: له خمس سنين بيان لمعنى الثني من الإبل.

(قوله:

بنية أضحية إلخ) متعلق بتضحية، أي يسن تضحية بنية أضحية، أي يشترط فيها النية عند الذبح أو قبله عند التعيين لما يضحي به.

ومعلوم أنها بالقلب، وتسن باللسان، فيقول: نويت الأضحية المسنونة، أو أداء سنة التضحية.

فإن اقتصر على نحو الأضحية صارت واجبة يحرم الأكل منها.

وحينئذ فما يقع في ألسنة العوام كثيرا من شرائهم ما يريدون التضحية به.

من أوائل السنة، وكل من سألهم عنها يقولون له هذه أضحية من جهلهم بما يترتب على ذلك من الأحكام يصير به أضحية واجبة يمتنع عليه أكله منها.

نعم، المعينة ابتداء بنذر لا تجب لها نية أصلا، اكتفاء بالنذر عن النية، لخروجها عن ملكه.

والمعينة عن نذر في ذمته، أو بالجعل، تحتاج لنية عند الذبح، وتجوز مقارنتها للجعل.

وفرق بين المنذورة والمجعولة: بأن الجعل فيه خلاف في لزومه، فاحتاج لنية.

ويجوز أن يوكل مسلما مميزا في

ص: 376

ووقتها من راتفاع شمس نحر إلى آخر أيام التشريق.

ويجزئ سبع بقر أو إبل عن واحد، ولا يجزئ عجفاء ومقطوعة بعض ذنب أو أذن أبين - وإن قل - وذات عرج وعور ومرض بين، ولا يضر شق أذن، أو خرقها.

ــ

النية والذبح، أو كافرا في الذبح فقط.

وكالأضحية سائر الدماء.

ولا يضحي أحد عن غيره بلا إذنه في الحي، وبلا إيصائه في الميت.

فإن فعل ولو جاهلا لم يقع عنه، ولا عن المباشر.

(قوله: وهي) أي التضحية.

(وقوله: أفضل من الصدقة) أي للاختلاف في وجوبها، ولقول الشافعي رضي الله عنه: لا أرخص في تركها لمن قدر عليها.

ومراده أنه يكره تركها للقادر عليها.

(قوله: ووقتها) أي التضحية.

(وقوله: من ارتفاع شمس نحر) أي أن ابتداء وقت الذبح يكون من ارتفاع شمس يوم النحر، وهذا هو الأفضل، وإلا فيصح الذبح من طلوع الشمس، ومضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفات.

وعبارة المنهاج: قلت ارتفاع الشمس فضيلة، والشرط طلوعها، ثم مضي قدر الركعتين والخطبتين، والله أعلم.

اه.

فلو ذبح قبل ذلك لم يقع أضحية، لخبر الصحيحين: أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر.

من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شئ.

وقوله: إلى آخر أيام التشريق أي يمتد وقتها إلى آخر أيام التشريق، أي غروبها سواء ذبح ليلا أو نهارا لكنه يكره في الليل.

فلو ذبح بعد آخر أيام التشريق لم يقع أضحية.

نعم، لو لم يذبح الواجبة حتى خرج الوقت وجب ذبحها، وتكون قضاء.

وفي حاشية الشرقاوي: قال سم: (فائدة) ذهب أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، إلى بقاء

الوقت إلى سلخ الحج.

اه.

(قوله: ويجزئ سبع بقر أو إبل) أي سبع واحدة من البقر، أو واحدة من الإبل، لأن الإبل والبقر اسما جمع، فهما متعددان، ولا معنى لكون السبع يكون من هذا المتعدد.

وعبارة متن الارشاد: ويجزئ سبع ثني إبل وبقر.

اه.

وهي ظاهرة.

فلعل النساخ أسقطوا لفظ ثني من عبارتنا.

والسبع بضم السين والباء، أو إسكانها - والمراد أنه لو اجتمع سبعة أشخاص أو سبعة بيوت وأخرجوا بدنة، أو بقرة: أجزأ، ويخص كلا منهم سبع منهما.

وفي معنى السبعة شخص واحد طلب منه سبع شياه لأسباب مختلفة كتمتع، وقران، وترك رمي، ومبيت بمنى، ونحو ذلك فإنه يجزئ ذبح ما ذكر عنها.

ولو اشترك أكثر من سبعة في بدنة لم تجزئ عن واحد منهم.

ولو ضحى واحد ببدنة أو بقرة بدل شاة، فالزائد على السبع تطوع، يصرفه مصرف التطوع إن شاء.

(قوله: ولا يجزئ إلخ) للخبر الصحيح: أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء البين عجفها.

(قوله: عجفاء) هي التي ذهب مخها من الهزال، بحيث لا يرغب في لحمها غالبا طالبي اللحم في الرخاء.

(قوله: ومقطوعة بعض ذنب أو أذن) أي ولا يجزئ مقطوعة بعض ذنب أو أذن، أي أو ألية أو ضرع، لذهاب جزء مأكول.

وقال أبو حنيفة: إن كان المقطوع من الأذن دون الثلث أجزأ، ولا تجزئ أيضا المخلوقة بلا أذن، بخلاف المخلوقة بلا ذنب، أو بلا ضرع، أو ألية، فإنها تجزئ.

والفرق بين هذه الثلاثة، وبين الأذن أن الأذن عضو لازم لكل حيوان، بخلاف هذه الثلاثة، ولذلك أجزأ ذكر المعز، مع أنه لا ضرع ولا ألية له.

ومثلهما الذنب قياسا عليهما -.

وقوله: أبين أي انفصل ذلك البعض المقطوع، أما إذا لم ينفصل بأن شق الأذن فلا يضر كما سيصرح به.

وقوله: وإن قل أي ذلك البعض الذي أبين، فإنه يضر.

(قوله: وذات عرج) أي ولا يجزئ ذات عرج، ولو حصل لها العرج عند اضجاعها للتضحية بها بسبب اضطرابها.

وقوله: وعور بالجر، عطف على عرج، أي وذات عور وهو ذهاب ضوء إحدى العينين، وهذا هو معناه الشائع، ولكن المراد به هنا البياض الذي يغطي الناظر.

وإن بقيت الحدقة

ص: 377

والمعتمد عدم إجزاء التضحية بالحامل - خلافا لما صححه ابن الرفعة -.

ولو نذر التضحية بمعيبة أو صغيرة، أو قال: جعلتها أضحية، فإنه يلزم ذبحها، ولا تجزئ أضحية، وإن اختص ذبحها بوقت الاضحية، وجرت مجراها في الصرف.

ويحرم الاكل من أضحية أو هدي وجبا بنذره.

ويجب التصدق - ولو على فقير واحد - بشئ نيئا

ــ

بدليل وصفه الآتي: أعني قوله بين، لأنه لا يكون بينا وغير بين إلا بهذا المعنى، أما بالمعنى الأول - فلا يكون إلا بينا، فيكون لا فائدة فيه.

ويعلم من عدم إجزائها بهذا المعنى عدم إجزائها بمعنى فاقدة إحدى العينين بالأولى، ويعلم منه عدم

إجزاء العمياء بالأولى أيضا.

(وقوله: ومرض) أي وذات مرض.

فهو بالجر أيضا عطف على عرج.

(وقوله: بين) أي ظاهر من بان بمعنى ظهر وهو وصف لكل من الثلاثة قبله.

والعرج البين: هو الذي يوجب تخلفها عن الماشية في المرعى الطيب، وإذا ضر العرج ففقد العضو أولى.

والعور البين: هو البياض الكثير الذي يمنع الضوء.

والمرض البين: هو الذي يظهر بسببه الهزال.

وخرج بالوصف المذكور: اليسير من هذه الثلاثة، فإنه لا يضر.

وضابط العرج اليسير: أن تكون العرجاء لا تتخلف عن الماشية بسبب عرجها.

وضابط العور اليسير: أن لا يمنع الضوء.

وضابط المرض اليسير: أن لا يظهر فيها بسببه هزالها وفساد لحمها، ولا يضر فقد قطعة يسيرة من عضو كبير كفخذ ولا فقد قرن، ولا كسره، إذ لا يتعلق به كبير غرض، وإن كانت القرناء أفضل، للخبر فيه.

نعم، إن أثر انكساره في اللحم ضر.

(قوله: ولا يضر شف أذن أو خرقها) هذا محترز قوله المارأبين كما علمت.

(قوله: والمعتمد عدم إجزاء التضحية بالحامل) أي لأن الحمل ينقص لحمها.

وضابط العيب هو ما نقص لحما.

والمعتمد أيضا عدم إجزاء الجرباء، لأن الجرب يفسد اللحم والورك.

قال في التحفة: وألحق به البثور والقروح.

(وقوله: خلافا لما صححه ابن الرفعة) أي من الإجزاء، معللا له بأن ما حصل بها من نقص اللحم ينجبر بالجنين، فهو كالخصي ورد بأن الجنين قد لا يبلغ حد الأكل كالمضغة وبأن زيادة اللحم لا تجبر عيبا، بدليل العرجاء السمينة.

(قوله: ولو نذر التضحية بمعيبة إلخ) أفاد بهذا أنه لو نذر التضحية بسليمة ثم حدث فيها عيب ضحى بها، وثبت لها سائر أحكام التضحية، وهو كذلك - كما صرح به في التحفة والنهاية.

وفرق ع ش بين نذرها سليمة ثم تتعيب، وبين نذر التضحية، بالناقصة بأنه لما التزمها سليمة، خرجت عن ملكه بمجرد نذره، فحكم بأنها ضحية، وهي سليمة.

بخلاف المعيبة، فإن النذر لم يتعلق بها إلا معيبة، فلم تثبت لها صفة الكمال.

وقوله: أو صغيرة أي لم تبلغ سنا تجزئ فيه عن الأضحية.

(قوله: أو قال جعلتها) أي هذه المعيبة، وبالجعل المذكور بتعين ذبحها، لأنه بمنزلة النذر.

(قوله: فإنه يلزم ذبحها) جواب لو الداخلة على نذر، ولو المقدرة قبل قوله قال جعلتها، وإنما لزم ذبحها مع أنها معيبة لأنها هي الملتزمة في ذمته من قبل هذا الالتزام.

وما ذكر من عدم الإجزاء هو ما صرح به في التحفة والنهاية.

وكلام البجيرمي على الإقناع مصرح بالإجزاء، ونصه: ومحل عدم إجزائها ما لم يلتزمها متصفة بالعيوب المذكورة، فإن التزمها كذلك، كقوله لله علي أن أضحي بهذه وكانت عرجاء مثلا

أو جعلت هذه أضحية وكانت مريضة مثلا أو لله علي أن أضحي بعرجاء أو بحامل فتجزئ التضحية في ذلك كله، ولو كانت معيبة.

اه.

(قوله: وإن اختص ذبحها بوقت الأضحية) أي لأنه لما التزمها أضحية تعين وقتها كما لو عينه في نذره.

والغاية المذكورة لعدم إجزاء ما ذبحه عن الأضحية.

(وقوله: وجرت) أي الملتزمة.

(وقوله: مجراها) أي الأضحية الواجبة.

وقوله: في الصرف أي فيجب صرفها كلها للفقراء والمساكين، كالأضحية الواجبة.

(قوله: ويحرم الأكل إلخ) إي يحرم أكل المضحى والمهدي من ذلك، فيجب عليه التصدق بجميعها، حتى قرنها، وظلفها.

فلو أكل شيئا من ذلك غرم بدله للفقراء.

(وقوله: وجبا) أي الأضحية والهدي.

وقوله: بنذره أي حقيقة.

كما لو قال: لله علي أن أضحي بهذه.

فهذه معينة بالنذر ابتداء.

وكما لو قال: لله علي أضحية، ثم عينها بعد ذلك، فهذه معينة عما في الذمة.

ص: 378

- ولو يسيرا - من المتطوع بها.

والافضل: التصدق بكله إلا لقما يتبرك بأكلها، وأن تكون من الكبد، وأن لا يأكل فوق ثلاث، والتصدق بجلدها.

وله إطعام أغنياء - لا تمليكهم - ويسن أن يذبح الرجل بنفسه.

وأن يشهدها من

ــ

أو حكما كما لو قال: هذه أضحية، أو: أضحية، ثم عينها بعد ذلك، فهذه معينة عما في الذمة.

أو حكما: كما لو قال: هذه أضحية، أو: جعلت هذه أضحية.

فهذه واجبة بالجعل، لكنها في حكم المنذورة.

(قوله: ويجب التصدق إلخ) أي فيحرم عليه أكل جميعها، لقوله تعالى في هدى التطوع وأضحية التطوع مثله.

* (فكلوا منها وأطعموا القانع أي السائل والمعتر) * أي المتعرض للسؤال.

(قوله: ولو على فقير واحد) أي فلا يشترط التصدق بها على جمع من الفقراء، بل يكفي واحد منهم فقط، وذلك لأنه يجوز الاقتصار على جزء يسير منها، وهو لا يمكن صرفه لأكثر من واحد.

(قوله: بشئ) أي من اللحم.

فلا يكفي غير اللحم من نحو كرش وكبد.

(وقوله: نيئا) أي ليتصرف فيه المسكين بما شاء من بيع وغيره.

فلا يكفي جعله طعاما ودعاء الفقير إليه، لأن حقه في تملكه لا في أكله.

(قوله: من التطوع بها) احترز به عن الواجبة، فيجب التصدق بها كلها، ويحرم أكل شئ منها كما تقدم آنفا.

(قوله: والأفضل التصدق بكله) أي بكل المتطوع بها، وذلك لأنه أقرب للتقوى، وأبعد عن حظ النفس.

وسن أن يجمع بين الأكل والتصدق والاهداء، ولا يجوز أن يبيع من الأضحية شيئا، سواء كانت مندوبة أو واجبة.

(قوله: إلا لقما) أي فإنه لا يتصدق بها، بل يسن له أكلها.

والجمع ليس بقيد، بل يكفي في حصول الفضيلة أكل لقمة واحدة.

وعبارة الشيخ الخطيب: إلا لقمة، أو لقمتين، أو لقما.

اه.

وهي ظاهرة.

ومعلوم أن محل ذلك إن ذبح عن نفسه، وإلا امتنع الأكل منها رأسا بغير إذن المنوب عنه إن كان حيا، فإن كان ميتا أوصى بها تعذر حينئذ الإذن، ووجب التصدق بجميعها.

(وقوله: يتبرك بأكلها) أي يقصد بأكلها البركة.

(قوله: وأن تكون من الكبد) أي والأفضل أن تكون اللقمات من كبد الأضحية، لموافقته صلى الله عليه وسلم.

وحكمة ذلك:

التفاؤل بدخول الجنة، فإنهم أول ما يفطرون بزائدة كبد الحوت الذي عليه قرار الأرض، وهي القطعة المعلقة في الكبد إشارة إلى البقاء الأبدي، واليأس من العود إلى الدنيا وكدرها.

(فإن قلت) هي كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم، والواجب يمتنع الأكل منه كما مر -؟ (قلت) كان يذبح أكثر من الواجب، ولا يقتصر عليه، فساغ له الأكل من الزائد.

اه.

ش ق.

(قوله: وأن لا يأكل فوق ثلاث) أي والأفضل أن لا يأكل فوق ثلاث لقم.

(قوله: والتصدق بجلدها) أي والأفضل التصدق بجلدها، وله أن ينتفع به بنفسه، كأن يجعله دلوا أو نعلا، وله أن يعيره لغيره.

ويحرم عليه وعلى وارثه بيعه كسائر أجزائها - وإجارته - وإعطاؤه أجرة جزار في مقابلة الذبح، لخبر: من باع جلد أضحيته فلا أضحية له ولزوال ملكه عنها بذبحها فلا تورث، والقرن مثل الجلد فيما ذكر.

(قوله: وله إطعام أغنياء) أي إعطاء شئ من الأضحية لهم، سواء كان نيئا أو مطبوخا كما في التحفة، والنهاية ويشترط فيهم أن يكونوا من المسلمين.

أما غيرهم فلا يجوز إعطاؤهم منها شيئا.

(قوله: لا تمليكهم) أي لا يجوز تمليك الأغنياء منها شيئا.

ومحله: إن كان ملكهم ذلك ليتصرفوا فيه بالبيع ونحوه كأن قال لهم: ملكتكم هذا لتتصرفوا في بما شئتم أما إذا ملكهم إياه لا لذلك بل للأكل وحده فيجوز، ويكون هديه لهم وهم يتصرفون فيه بنحو أكل وتصدق وضيافة لغني أو فقير لا ببيع وهبة وهذا بخلاف الفقراء، فيجوز تمليكهم اللحم ليتصرفوا فيه بما شاؤا ببيع أو غيره.

وفي ع ش ما نصه: لم يبينوا المراد بالغني هنا، وجوز م ر أنه من تحرم عليه الزكاة، والفقير هنا من تحل له الزكاة.

اه.

سم على منهج.

اه.

(قوله: ويسن أن يذبح الرجل بنفسه) أي للاتباع، وهو أنه صلى الله عليه وسلم: ضحى بمائة بدنة، نحر منها بيده الشريفة ثلاثا وستين، وأمر عليا رضي الله عنه فنحر تمام المائة.

وخرج بالرجل المرأة، فالسنة لها أن تنيب، رجلا يذبح عنها.

ومثلها الخنثى ومن ضعف من الرجال عن الذبح، والأعمى إذ تكره ذبيحته أفاده بجيرمي.

(قوله: وإن يشهدها) أي الأضحية، أي ويسن أن يشهد ذبحها من وكل به أي الذبح وذلك لما صح من أمر السيدة فاطمة رضي الله عنها بذلك، وأن تقول: إن صلاتي ونسكي إلى وأنا من المسلمين ووعدها بأنه يغفر لها بأول قطرة من دمها كل ذنب عملته، وأن هذا لعموم المسلمين.

وإذا وكل به

ص: 379

وكل به.

وكره - لمريدها - إزالة نحو شعر في عشر ذي الحجة وأيام التشريق حتى يضحي.

ويندب لمن تلزمه

ــ

كفت نية الموكل، ولا حاجة لنية الوكيل، بل لو لم يعلم أنه مضح لم يضر.

(قوله: وكره لمريدها) أي التضحية.

ومثلها إهداء شئ من النعم إلى الحرم.

وخرج بمريدها غيره، ولو من أهل البيت، وإن وقعت عنهم، فلا يكره في حقهم ذلك.

قال في التحفة: ولا يقوم نذره بلا إرادة لها مقام إرادته لها، لأنه قد يخل بالواجب.

اه.

والقول بكراهة ما ذكر هو المعتمد، وقيل حرام وعليه الإمام أحمد وغيره ما لم يحتج إليه، وإلا فقد يجب كقطع يد سارق، وختان بالغ وقد يستحب كختان صبي، وكتنظيف لمريد إحرام، أو حضور جمعة على ما بحثه الزركشي.

لكن ينافيه إفتاء غير واحد بأن الصائم إذا أراد أن يحرم أو يحضر الجمعة لا يسن له التطيب - رعاية للصوم فكذا هنا، رعاية لشمول المغفرة أولى.

وقد يباح، كقطع سن وجعه، وسلعة.

أفاده الكردي نقلا عن ابن حجر.

(وقوله: نحو شعر) أي من ظفر وسائر أجزاء بدنه، ألا الدم على نزاع فيه.

(قوله: في عشر ذي الحجة إلخ) متعلق بإزالة.

(قوله: حتى يضحي) غاية في الكراهة.

أي وتستمر الكراهة إلى أن يضحي، وذلك للأمر بالإمساك عن ذلك إلى التضحية في خبر مسلم.

وحكمته شمول المغفرة والعتق من النار لجميعه، لا الشبه بالمحرمين، وإلا لكره، نحو الطيب.

(تتمة) يسن في الأضحية استسمانها، لقوله تعالى: * (ومن يعظم شعائر الله) * الآية.

قال العلماء: هو استسمان الهدايا واستحسانها، وأن لا تكون مكسورة القرن، ولا فاقدته، وأن لا تذبح إلا بعد صلاة العيد، وأن يكون الذابح مسلما لأنه يتوقى ما لا يتوقاه غيره، وأن يكون الذبح نهارا، وأن يطلب لها موضعا لينا، وأن يوجه ذبيحته للقبلة، وأن يتوجه هو إليها، وأن يسمي الله تعالى، ويصلي ويسلم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: اللهم هذا منك وإليك، فتقبل مني.

(تنبيه) جزم في النهاية بحرمة نقل الأضحية، وعبارتها: ويمتنع نقلها عن بلد الأضحية كالزكاة.

اه.

كتب ع ش: قوله ويمتنع نقلها أي الأضحية مطلقا سواء المندوبة والواجبة.

والمراد من المندوبة: حرمة نقل ما يجب التصدق به منها.

وقضية قوله كالزكاة أنه يحرم النقل من داخل السور إلى خارجه، وعكسه.

اه.

وذكر في الأسنى خلافا في جواز النقل، وعبارته مع الأصل: ونقلها عن بلد أي بلد الأضحية إلى آخر كنقل الزكاة.

قال في المهمات: وهذا يشعر يترجيح منع نقلها، لكن الصحيح الجواز، فقد صححوا في قسم الصدقات جواز نقل المنذورة، والأضحية فرد من أفرادها.

وضعفه ابن العماد، وفرق بأن الأضحية تمتد إليها أطماع الفقراء، لأنها مؤقتة بوقت كالزكاة، بخلاف المنذورة والكفارات، لا شعور للفقراء بها حتى تمتد أطماعهم إليها.

اه.

ثم إنه علم مما تقرر أن الممنوع نقله هو ما عين للأضحية بنذر أو جعل، أو القدر الذي يجب التصدق به من اللحم في الأضحية المندوبة.

وأما نقل دراهم من بلد إلى بلد أخرى ليشتري بها أضحية فيها فهو جائز.

وقد وقفت على سؤال وجواب يؤيد ما ذكرناه لمفتي السادة الشافعية، بمكة المحمية، فريد العصر والأوان،

مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان.

(وصورة السؤال) ما قولكم دام فضلكم هل يجوز نقل الأضحية من بلد إلى بلد آخر أم لا؟ وإذا قلتم بالجواز، فهل هو متفق عليه عند ابن حجر والرملي أم لا؟ وهل من نقل الأضحية إرسال دراهم من بلد إلى بلد آخر ليشتري بها أضحية وتذبح في البلد الآخر أم لا؟.

وهل العقيقة كالأضحية أم لا؟ بينوا لنا ذلك بالنص والنقل، فإن المسألة واقع فيها اختلاف كثير، ولكم الأجر والثواب.

(وصورة الجواب) الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم هداية

ص: 380

نفقة فرعه: أن يعق عنه من وضع إلى بلوغ، وهي كضحية، ولا يكسر عظم.

والتصدق بمطبوخ يبعثه إلى

ــ

للصواب: في فتاوي العلامة الشيخ محمد بن سليمان الكردي محشي شرح إبن حجر على المختصر ما نصه: (سئل) رحمه الله تعالى: جرت عادة أهل بلد جاوى على توكيل من يشتري لهم النعم في مكة للعقيقة أو الأضحية ويذبحه في مكة، والحال أن من يعق أو يضحي عنه في بلد جاوى فهل يصح ذلك أو لا؟ أفتونا.

(الجواب) نعم، يصح ذلك، ويجوز التوكيل في شراء الأضحية والعقيقة وفي ذبحها، ولو ببلد غير بلد المضحي والعاق كما أطلقوه فقد صرح أئمتنا بجواز توكيل من تحل ذبيحته في ذبح الأضحية، وصرحوا بجواز التوكيل أو الوصية في شراء النعم وذبحها، وأنه يستحب حضور المضحي أضحيته.

ولا يجب.

وألحقوا العقيقة في الأحكام بالأضحية، إلا ما استثنى، وليس هذا مما استثنوه، فيكون حكمه حكم الأضحية في ذلك.

وبينوا تفاريع هذه المسألة في كل من باب الوكالة والإجارة فراجعه.

وقد كان عليه الصلاة والسلام يبعث الهدي من المدينة يذبح له بمكة، ففي الصحيحين: قالت عائشة رضي الله عنها: أنا قتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم بعث بها مع أبي بكر رضي الله عنه.

وبالجملة فكلام أئمتنا يفيد صحة ما ذكر، تصريحا وتلويحا، متونا وشروحا.

والله أعلم.

اه.

ما في فتاوى العلامة الكردي المذكور.

ومنه يتضح المقصود والمراد، والله سبحانه وتعالى أعلم.

اه.

(قوله: ويندب الخ) شروع في بيان الأحكام المتعلقة بالعقيقة.

وقد أفردها كالأضحية الفقهاء بترجمة مستقلة، وعادتهم ذكرهم لها في كتاب الصيد والذبائح، لكن حيث ذكر الأضحية هنا لارتباطها بالنسك ناسب ذكر العقيقة معها، لمشاركتها لها في كثير من الأحكام.

وهي لغة الشعر الذي على رأس المولود حين ولادته.

وشرعا ما يذبح عن المولود عند حلق شعره وأفضلها

شاتان للذكر، وشاة للأنثى، لخبر الترمذي: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الغلام بشاتين متكافئتين، وعن الجارية بشاة.

وقد جاء فيها أخبار كثيرة، منها خبر: الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويسمى رواه الترمذي.

والحكمة فيها إظهار البشر، والنعمة، ونشر النسب.

ومعنى مرتهن بها.

قيل: لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه.

قال الخطابي: وأجود ما قيل فيها ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل: أنه إذا لم يعق عنه لم يشفع لوالديه يوم القيامة أي لم يؤذن له فيها.

وإنما لم تجب، لخبر أبي دواد: من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل ولأنها إراقة بغير جناية ولا نذر، فلم تجب كالأضحية.

(قوله: لمن تلزمه نفقة فرعه) متعلق بيندب، يعني أن المخاطب بالعقيقة هو الأصل الذي تلزمه نفقة فرعه بتقدير فقر ذلك الفرع، وإن لم يكن فقيرا بالفعل، بأن كان له مال ولا يقعلها الولي من مال الفرع لأنها تيدع وهو ممتنع من ماله، وإنما يفعلها من مال نفسه.

فلو فعلها من مال فرعه ضمن - كما نقله في المجموع عن الأصحاب وشمل قوله من تلزمه نفقة فرعه: أم ولد الزنا، فيندب لها أن تعق عنه، لكن تخفيها خوف الهتيكة.

قال في التحفة: والولد القن ينبغي لأصله الحر العق عنه، وإن لم تلزمه نفقته لأنه أمر عارض دون السيد، لأنها خاصة بالأصول.

اه.

وقال م ر: المتجه أن لا يعق عنه أصلا لا من أصله الحر، ولا من سيده.

وفيه ألغز السيوطي فقال: أيها السالك في الفقه * * على خير طريقه هل لنا نجل غني * * ليس فيه من عقيقه؟ وخرج بمن تلزمه النفقة من لا تلزمه، بأن كان معسرا.

ويعتبر إعساره بمدة النفاس، فإن كان معسرا فيها سقط الطلب عنه.

ولو أيسر بعد مضي مدة النفاس، فإن كان معسرا فيها وأيسر قبل مضي مدة النفاس - سواء كان قبل السابع أو بعده - لم يسقط الطلب عنه، وتندب منه إلى البلوغ.

فلو بلغ ولم يخرجها الولي، سن للصبي أن يعق عن نفسه، ويسقط

ص: 381

الفقراء: أحب من ندائهم إليها ومن التصدق نيئا.

وأن يذبح سابع ولادته، ويسمى فيه، وإن مات قبله، بل يسن تسمية سقط بلغ زمن نفخ الروح.

وأفضل الاسماء: عبد الله، وعبد الرحمن.

ولا يكره اسم نبي، أو ملك، بل

ــ

الطلب حينئذ عن الولي.

والمراد باليسار هنا يسار الفطرة، فيعتبر أن تكون العقيقة فاضلة عما يعتبر في الفطرة على المعتمد.

(قوله: من وضع إلى بلوغ) بيان لوقت ذبح العقيقة.

يعني أن وقتها من حين وضع للولد بأن ينفصل بتمامه فلو قدم الذبح على انفصاله لم يكف على ما اقتضاه إطلاقهم.

لكن المتجه عند ابن حجر أنه يحصل به أصل السنة،

لأن المدار على تحقق وجوده حيا، وقد تحقق.

ويمتد إلى حين بلوغ، فإذا بلغ سقط الطلب عن الغير، وحسن أن يعق عن نفسه كما مر لخبر أنه صلى الله عليه وسلم: عق عن نفسه بعد النبوة.

قال في فتح الجواد: وادعاء النووي بطلانه، مردود، بل هو حديث حسن.

اه.

(قوله: وهي) أي العقيقة.

وقوله: كضحية أي في معظم الأحكام وهو الجنس، والسن، والسلامة من العيوب، والنية، والأكل والتصدق، والإهداء، والتعين بالنذر أو بالجعل كأن قال: لله علي أن أعق بهذه الشاة، أو قال: جعلت هذه عقيقة عن ولدي فتتعين في ذلك، ولا يجوز حينئذ الأكل منها رأسا.

وتفارق الأضحية في بعض الأحكام وهو أنه لا يجب إعطاء الفقراء منها قدر متمول نيئا، وفي أنه إذا أهدى منها شيئا للغني ملكه، وفي أنها لا تتقيد بوقت بخلاف الأضحية في جميع ذلك.

(قوله: ولا يكسر عظم) أي ويندب أن لا يكسر عظمها ما أمكن، سواء العاق والآكل، تفاؤلا بسلامة أعضاء الولد، فإن فعل ذلك لم يكره، لكنه خلاف الأولى.

(قوله: والتصدق) متبدأ، خبره أحب.

(وقوله: يبعثه إلى الفقراء) أي يرسله إليهم.

(وقوله: أحب من ندائهم) أي الفقراء عنده في بيته، وذلك لقول عائشة رضي الله عنها إنه السنة.

وقوله: إليها أي إلى العقيقة.

(وقوله: ومن التصدق نيئا) أي وأحب من التصدق بها نيئا.

ويستثنى من ذلك ما يعطى للقابلة، فإن السنة أن يكون نيئا، والأفضل كونه الرجل اليمنى، ولو تعددت الشياه أعطيت الأرجل اليمنى كلها إن اتحدت القابلة، فإن تعددت وكان تعدد الشياه مماثلا لعددهن أعطيت كل قابلة رجلا.

فإن كان عدد الشياه أقل من عددهن أعطيت لهن، ثم يقسمنها، أو يسامح بعضهن بعضا.

والحكمة في ذلك التفاؤل بأن المولود يعيش، ويمشي على رجله.

(قوله: وأن يذبح سابع ولادته) أي ويندب أن يذبح فيه، فهو معطوف على أن يعق.

وكان المناسب أن يقول: والأفضل أن يذبح في اليوم السابع من ولادته لأن الذبح يندب مطلقا في السابع وما قبله وما بعده.

والأفضل أن يكون في اليوم السابع للخبر المار ويدخل يوم الولادة في الحساب إن كانت قبل الغروب فإن حصلت الولادة ليلا لم يحسب الليل، وإنما يحسب اليوم الذي يلي ليلة الولادة.

ويسن أن يعق عمن مات بعد التمكن من الذبح، وإن مات قبل السابع.

(قوله: ويسمى فيه) أي ويندب أن يسمى في يوم السابع، لانه صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه والعق كما رواه الترمذي ولا بأس بتسميته قبل السابع أو بعده، بل ذكر النووي في أذكاره أن السنة تسميته إما يوم السابع وإما يوم الولادة.

واستدل لكل منهما بأخبار صحيحة.

قال الباجوري: وحمل البخاري أخبار يوم الولادة على من لم يرد العق، وأخبار يوم السابع على من أراده وهو جمع لطيف، كما لا يخفى على كل من له فهم منيف.

اه.

وفي ع ش: وينبغي أن التسمية حق من له عليه الولاية من الأب وإن لم تجب عليه نفقته لفقره ثم

الجد.

وينبغي أيضا أن تكون التسمية قبل العق.

اه.

(قوله: وإن مات قبله) أي السابع، وهو غاية لسن تسميته يوم السابع.

أي يسن تسميته يوم السابع وإن مات قبله.

وظاهره أنه تؤخر التسمية للسابع إذا مات قبله.

ويحتمل أنه غاية في أصل التسمية، لا بقيد كونها في السابع.

وعليه فلا يكون ظاهره ما ذكر، وصنيعه يفيد الاحتمال الأول.

ومثل التسمية العقيقة، فيعق عنه في يوم السابع وإن مات قبله كما في النهاية ويندب العق عمن مات بعد الأيام السبعة والتمكن من الذبح، وكذا قبلها كما في المجموع.

(قوله: بل يسن تسمية سقط الخ) أي لخبر فيه.

قال في النهاية: فإن لم يعلم له ذكورة ولا أنوثة سمي باسم يصلح لهما كطلحة، وهند.

(قوله: أفضل الاسماء عبد الله، وعبد الرحمن) وذلك لحديث مسلم: أحب الأسماء إلى الله تعالى: عبد الله، وعبد الرحمن.

ومثلهما كل ما أضيف بالعبودية لاسم من أسمائه تعالى، كعبد الرحيم، وعبد الخالق، وعبد الرزاق.

(قوله: ولا يكره اسم نبي أو ملك) أي لا تكره التسمية باسم من

ص: 382

جاء في التسمية بمحمد فضائل علية.

ويحرم التسمية بملك الملوك، وقاضي القضاة، وحاكم الحكام.

وكذا عبد النبي، وجار الله، والتكني بأبي القاسم.

ــ

اسماء الانبياء كموسى أو باسم من اسماء الملائكة كجبريل وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرج الله أهل التوحيد من النار، وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي.

وفي العهود للشعراني: أخذ علينا العهد أن نزيد في تعظيم كل عبد يسمى بمثال اسماء الله عزوجل، أو بمثال اسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بمثال اسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو بمثال اسماء أكابر الأولياء رضي الله عنهم زيادة على تعظيم غيره ممن لم يسم بما ذكر.

وقال لي سيدي محمد بن عنان: أحب للناس أن يسموا أولادهم: أحمد دون محمد فقلت له: ولم ذلك؟ قال: للحن العامة في اسم محمد، فإن أهل الأرياف يقولونها بكسر الميم والحاء.

وأهل الحاضرة يقولونها بفتح الميم الأولى.

وكلاهما لحن.

فاعلم ذلك.

اه.

(واعلم) أنه تكره الاسماء القبيحة كحمار وكل ما يتطير بنفيه أو إثباته كبركة، وغنيمة، ونافع، ويسار، وحرب، ومرة، وشهاب، وشيطان.

وتشتد الكراهة بنحو: ست الناس، أو ست العرب أو ست العلماء أو ست القضاة، أو سيد الناس أو العلماء أو العرب، لأنه من أقبح الكذب.

(قوله: بل جاء في التسمية بمحمد فضائل عليه) منهما: قوله عليه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة كرامة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

فينبغي أن لا يخلى الشخص أولاده من اسم محمد، ويلاحظ في

ذلك عود بركة اسمه صلى الله عليه وسلم عليه.

قال الشافعي رضي الله عنه لما ولد له ولد وسماه بمحمد سميته بأحب الاسماء إلي أي بعد عبد الله، وعبد الرحمان كما في التحفة وكثير يسمون محمدا، ويقول سميته باسم أبي وجدي، فكان الأولى أن يلاحظ فيه اسمه صلى الله عليه وسلم أولا، ثم اسم أبيه.

وينبغي لمن سمى محمدا أن يحترمه، لكونه سميه صلى الله عليه وسلم، فقد ورد: إذا سميتم محمدا فلا تضربوه، ولا تحرموه.

(قوله: ويحرم التسمية بملك الملوك) أي لأنه لا يصلح لغيره تعالى.

ومثله ما هو بمعناه كشاهن شاه.

(قوله: وقاضي القضاة) أي ويحرم التسمية بقاضي القضاة.

والمعتمد: الكراهة.

ومثله أقضى القضاة، لكن المعتمد فيه الحرمة.

وأول من سمى قاضي القضاة أو أبو يوسف، ولم ينكره أحد مع توفر الأئمة في زمانه وأول من سمى أقضى القضاة الماوردي، واعترضه بعض أهل عصره.

وفي الكردي: واختلفوا في أقضى القضاة وقاضي القضاة، وقد بينته في الأصل.

ومثلهما وزير الوزراء، وأمير الأمراء، وداعي الدعاة.

اه.

(قوله: وحاكم الحكام) أي ويحرم التسمية بحاكم الحكام.

وهذا فيه خلاف أيضا، والمعتمد إلحاقه بملك الملوك في الحرمة، وقيل إنه مكروه إلحاقا له بقاضي القضاة.

(قوله: وكذا عبد النبي) أي وكذا يحرم التسمية بعد النبي، أي لإيهام التشريك، أي أن النبي شريك الله في كونه له عبيد.

وما ذكر من التحريم هو معتمد ابن حجر.

أما معتمد الرملي فالجواز، وعبارته: ومثله عبد النبي على ما قاله الأكثرون والأوجه جوازه، لا سيما عند إرادة النسبة له صلى الله عليه وسلم.

(قوله: وجار الله) أي وكذا يحرم التسمية بجار الله، ومثله رفيق الله لإيهام التشريك.

ص: 383

وسن أن يحلق رأسه - ولو أنثى - في السابع، ويتصدق بزنته ذهبا، أو فضة، وأن يؤذن، ويقرأ سورة الاخلاص، وآية: * (إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * بتأنيث الضمير - ولو في الذكر - في أذنه

ــ

وتحرم التسمية أيضا بعبد الكعبة، أو عبد الحسن، أو عبد علي.

وكذا كل ما أضيف بالعبودية لغير اسمائه تعالى كعبد العزى، وعبد مناف وذلك لإيهام التشريك.

وفي الباجوري: وتحرم التسمية بعبد العاطي، وعبد العال، لأن كلا منهما لم يرد، واسماؤه تعالى توقيفية.

ويحرم أيضا قول بعض العوام عند إرادة حمل ثقيل الحملة على الله ونحو ذلك كالشدة على الله.

(قوله: والتكني بأبي القاسم) أي وكذا يحرم التكني به، أي وضع هذه الكنية على هذا الشخص، أما إذا اشتهر بها فلا حرمة.

ولذا يكنى النووي الرافعي بها في كتبه، مع اعتماده إطلاق الحرمة.

واعلم أنه يندب أن يكني أهل الفضل الذكور والأناث، وإن لم يكن لهم ولد، ويندب تكنيه من له أولاد بأكبر أولاده.

ولو أنثى.

والأدب أن لا يكني نفسه في كتاب أو غيره إلا إن كانت أشهر من الاسم، أو لا يعرف إلا بها.

ولا بأس بالألقاب الحسنة، فلا ينهى عنا لأنها لم تزل في الجاهلية والإسلام، إلا ما أحدثه الناس في آخر ما نشأ من التوسع، حتى لقبوا السفلة بالألقاب العلية كصلاح الدين.

ويحرم تلقيب الإنسان بما يكره، وإن كان فيه كالأعمش، لكن يجوز ذكره به للتعريف إذا لم يعرف إلا به.

ويندب - لولد الشخص، وقنه، وتلميذه أن لا يسميه باسمه، ولو في مكتوب، كأن يقول العبد: يا سيدي، والولد: يا والدي أو يا أبي، والتلميذ: يا أستاذنا أو يا شيخنا.

(قوله: وسن أن يحلق رأسه) أي رأس المولود كله، وذلك للخبر المار أول مبحث العقيقة.

قال في فتح الجواد: وسن أن يكون بعد الذبح، وتقدم عن ع ش أنه قال: ينبغي أن تكون التسمية قبل العق.

وعليه: فالسنة التسمية، ثم الذبح، ثم الحلق.

(قوله: ولو أنثى) غاية في سنية حلق رأس المولود، أي يسن ذلك وإن كان أنثى.

(وقوله: في السابع) متعلق بيحلق.

(قوله: ويتصدق بزنته الخ) أي وسن أن يتصدق بوزن الشعر ذهبا أو فضة، لخبر أنه صلى الله عليه وسلم: أمر فاطمة أن تزن شعر الحسين وتتصدق بوزنه فضة، ففعلت ذلك، فوجدته عادل درهما أو درهما إلا شيئا.

قال في شرح الروض: ولا ريب أن الذهب أفضل من الفضة، وإن ثبت بالقياس عليها.

والخبر محمول على أنها كانت هي المتيسرة إذ ذاك.

اه.

(قوله: وإن يؤذن) أي: وسن أن يؤذن أي ولو من امرأة، أو كافر، وذلك لخبر ابن السني: من ولد له مولود فأذن له في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، لم تضره أم الصبيان، أي التابعة من الجن وهي المسماة عند الناس بالقرينة .. ، ولانه صلى الله عليه وسلم: أذن في أذن سيدنا الحسين حين ولدته فاطمة رضي الله عنها.

وليكون إعلامه بالتوحيد أول ما يقرع سمعه حين قدومه إلى الدنيا كما يلقن عند خروجه من الدنيا -، ولما فيه من طراد الشيطان عنه، فإنه يدير عند سماع الأذان.

وقوله: ويقرأ سورة الإخلاص أي وسن أن يقرأ سورة الإخلاص، لما في مسند أبي رزين أنه صلى الله عليه وسلم: قرأ في أذن مولود سورة الإخلاص، والمراد أذنه اليمنى.

ونقل عن الشيخ الديربي أنه يسن أن يقرأ في أذن المولود اليمنى: * (إنا أنزلناه) * لأن من فعل به ذلك لم يقدر الله عليه زنا طول عمره.

(قوله: وآية إني الخ) أي وسن أن يقرأ هذه الآية وهي: * (إني

أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * فإضافة آية إلى ما بعدها للبيان، وليس المراد أنه يقرأ الآية من أولها أعني: * (فلما وضعتها) * إلى آخرها .. وهو: * (من الشيطان الرجيم) *.

وعبارة الروض: وإن يقول: * (إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) *.

((قوله: بتأنيث الضمير، ولو في الذكر) أي بقرأ ما ذكر بالضمير مؤنثا، ولو كان المولود ذكرا.

ويرجع الضمير في أعيذها وذريتها إليه على تأويله بالتسمية.

وعبارة شرح الروض: وظاهر كلامهم أنه يقول أعيذها بك

(1) آل عمران: 36

ص: 384

اليمنى، ويقام في اليسرى عقب الوضع.

وأن يحنكه رجل، فامرأة - من أهل الخير - بتمر، فحلو - لم تمسه النار - حين يولد.

ويقرأ عندها - وهي تطلق - آية الكرسي و * (إن ربكم الله) * الآية، والمعوذتان، والاكثار من دعاء الكرب.

قال شيخنا: أما قراءة سورة الانعام، إلى: * (رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) * يوم يعق عن المولود، فمن مبتدعات العوام الجهلة، فينبغي الانكفاف عنها، وتحذير الناس منها - ما أمكن -.

انتهى.

ــ

وذريتها وإن كان الولد ذكرا على سبيل التلاوة والتبرك بلفظ الآية، بتأويل إرادة التسمية.

(قوله: في أذنه اليمنى) متعلق بكل من يؤذن ويقرأ.

(قوله: ويقام في اليسرى) أي وسن أن يؤتي بالإقامة في الأذن اليسرى .. للحديث المار.

(قوله: عقب الوضع) متعلق بكل من يؤذن، ويقرأ، ويقام.

(قوله: وأن يحنكه) أي وسن أن يحنك المولود ذكرا أو أنثى لانه صلى الله عليه وسلم: أتى بابن أبي طلحة .. حين ولد وتمرات، فلاكهن، ثم فغرفاه، ثم مجه فيه، فجعل يتلمظ، فقال صلى الله عليه وسلم: حب الأنصار التمر، وسماه: عبد الله.

رواه مسلم.

والتحنيك: هو مضغ نحو التمر، وذلك حنك المولود به لينزل منه شئ إلى الجوف.

وقوله: حب الأنصار هو بكسر الحاء أي محبوبهم.

(قوله: رجل، فامرأة من أهل الخير) أفاد سن كون المحنك له رجلا، فإن لم يوجد فامرأة.

وأن يكونا من أهل الخير والصلاح.

وعبارة شرح الروض: قال في المجموع: وينبغي أن يكون المحنك له من أهل الخير، فإن لم يكن رجل فامرأة صالحة.

اه.

(وقوله: بتمر) في معناه الرطب.

قال في النهاية: والأوجه تقديم الرطب على التمر نظير ما مر في الصوم.

اه.

ومثله في التحفة.

(وقوله: فحلو) أي فإن لم يوجد تمر فبحلو لم يمسه النار أي كزبيب.

(قوله: حين يولد) متعلق بحنكه.

ومن المعلوم أن المراد بالحينية: العقيبة، وحينئذ فانظره مع قوله السابق عقب الوضع، المجعول قيدا لكل من الأذان والقراءة والإقامة، فإنه يقتضي أن الأذان وما بعده مقدمان، وهذا يقتضي أن التحنيك مقدم وهذا خلف.

ثم رأيت المنهاج قيد الأذان والإقامة بحين الولادة، ولم يقيد التحنيك به، بل ذكره بعد القيد المذكور، وعبارته مع التحفة: ويسن أن يؤذن في أذنه اليمنى، ثم يقام في اليسرى حين يولد، وأن يحنكه بتمر.

اه.

وهو يفيد أن الأذان وما بعده مقدمان على التحنيك، ويمكن أن يقال إن مراده بالحينية: أن يكون بعد الأذان وما بعده.

فتنبه.

(قوله: ويقرأ عندها الخ) أي وسن أن يقرأ عند المرأة وهي تطلق، آية الكرسي إلخ، ويقرأ أيضا * (إن ربكم الله

الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) *.

(قوله: والإكثار الخ) معطوف على المصدر المؤول من أن يقرأ، أي وسن الإكثار من دعاء الكرب، وهو: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم.

ويسن إيضا الإكثار من دعاء يونس، وهو: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

(فائدة) لوضع الحمل إذا تعسر يكتب في إناء جديد: اخرج أيها الولد من بطن ضيقة إلى سعة هذه الدنيا.

اخرج بقدرة الله الذي جعلك في قرار مكين إلى قدر معلوم * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون) * (1)، * (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) * (2) * (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) * (3) ثم يمحى بماء، وتشربه الحامل، ويرش على وجهها منه.

(1) الحشر: 21 - 22 - 23.

(2)

الحشر: 24.

(3)

الاسراء: 82

ص: 385

(فرع) يسن لكل أحد، الادهان غبا، والاكتحال بالاثمد وترا عند نومه، وخضب شيب رأسه ولحيته: بحمرة أو صفرة.

ويحرم حلق لحية، وخضب يدي الرجل ورجليه بحناء، خلافا لجمع فيهما.

وبحث الاذرعي

ــ

(قوله: قال شيخنا إلخ) لعله في غير التحفة وفتح الجواد وشرح بافضل.

(قوله: فرع) الأنسب فروع، بصيغة الجمع.

(قوله: يسن لكل أحد الإدهان غبا) أي وقتا بعد وقت، بحسب الحاجة، وذلك لخبر الترمذي، وصححه، عن عبد الله بن مغفل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإدهان إلا غبا.

وفي الشمائل للترمذي، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته.

(قوله: والاكتحال بالإثمد) معطوف على الإدهان، أي ويسن الاكتحال بالإثمد، لخبر الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه صلى الله عليه وسلم قال: اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر.

رواه النسائي وابن حبان بلفظ: إن من خير أكحالكم الإثمد.

وعن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالإثمد، فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذي، مصفاة للبصر.

وفي الحديث: عليكم بالإثمد المروح عند النوم أي

المطيب بالمسك.

(وقوله: وترا) أي لخبر أبي داود وغيره بإسناد جيد: من اكتحل فليوتر واختلفوا في قوله فليوتر فقيل: يكتحل في اليمنى ثلاثا، وفي اليسرى مرتين، فيكون المجموع وترا.

والأصح: أنه يكتحل في كل عين ثلاثا، لخبر الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل منها في كل عين ثلاثا.

(قوله: وخضب شيب رأسه ولحيته) معطوف على الإدهان، أي ويسن خضب ما شاب من شعر رأس الرجل أو والمرأة، ومن لحية الرجل.

ومحل سنيته: ما لم يفعله تشبيها بالصالحين والعلماء ومتبعي السنة وغيرهم، فإن فعله كذلك كره كذا في شرح الروض.

(وقوله: بحمرة أو صفرة) أي لا بسواد، أما به فيحرم إن كان لغير إرهاب العدو في الجهاد، وذلك لخبر أبي دواد والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة.

قال في الزبد: وحرموا خضاب شعر بسواد * * لرجل وامرأة لا للجهاد قال الرملي في شرحه: نعم، يجوز للمرأة ذلك بإذن زوجها أو سيدها، لأن له غرضا في تزينها به.

اه.

(قوله: ويحرم حلق لحية) المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب وغيرهم: الكراهة.

وعبارة التحفة: (فرع) ذكروا هنا في اللحية ونحوها خصالا مكروهة: منها نتفها وحلقها، وكذا الحاجبان.

ولا ينافيه قول الحليمي لا يحل ذلك، لإمكان حمله على أن المراد نفي الحل المستوي الظرفين.

والنص على ما يوافقه إن كان بلفظ لا يحل يحمل على ذلك.

أو يحرم كان خلاف المعتمد.

وصح عند ابن حبان: كان صلى الله عليه وسلم يأخذ من طول لحيته وعرضها وكأنه مستند ابن عمر رضي الله عنهما في كونه كان يقبض لحيته ويزيل ما زاد.

لكن ثبت في الصحيحين الأمر بتوفير اللحية أي بعدم أخذ شئ منها وهذا مقدم، لأنه أصح.

على أنه يمكن حمل الأول على أنه لبيان أن الأمر بالتوفير للندب، وهذا أقرب من حمله على ما إذا زاد انتشارها وكبرها على المعهود، لأن ظاهر كلام أئمتنا كراهة الأخذ منها مطلقا.

وادعاء أنه حينئذ يشوه الخلقة، ممنوع.

اه.

وكتب سم: قوله: أو يحرم - كان خلاف المعتمد في شرح العباب.

(فائدة) قال الشيخان: يكره حلق اللحية.

واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم.

قال الزركشي: وكذا الحليمي في شعب الإيمان.

وأستاذه القفال الشاشي في محاسن

الشريعة.

وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها، كما يفعله القلندرية.

اه.

إذا علمت ذلك، فلعله جرى على ما جرى عليه شيخه في شرح العباب، وهو ضعيف، لأنه إذا اختلف كلامه في كتبه، فالمعتمد ما في التحفة.

ص: 386

كراهة حلق ما فوق الحلقوم من الشعر.

وقال غيره إنه مباح.

ويسن الخضب للمفترشة، ويكره للخلية.

ويحرم وشر الاسنان ووصل الشعر بشعر نجس، أو شعر آدمي، وربطه به - لا بخيوط الحرير، أو الصوف - ويستحب أن يكف الصبيان أول ساعة من الليل، وأن يغطي الاواني - ولو بنحو عود يعرض عليها - وأن يغلق الابواب مسميا الله فيهما، وأن يطفى المصابيح عند النوم.

ــ

(قوله: وخضب يدي الرجل الخ) معطوف على حلق لحية.

أي يحرم خضب يدي الرجل ورجليه بحناء أي أو نحوه وذلك لأن فيه تشبها بالنساء، وقد قال عليه السلام: لعن الله المتشبهين بالنساء من الرجال.

وقد أتي له عليه السلام: بمخنث خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال: ما بال هذا؟ فقالوا: يتشبه بالنساء.

فأمر به فنفي إلى البقيع.

ومحله إن لم يكن هناك عذر، وإلا فلا حرمة، ولا كراهة.

وعبارة النهاية وخضاب اليدين والرجلين بالحناء للرجل والخنثى حرام بلا عذر.

اه.

(قوله: خلافا لجمع فيهما) أي في حلق اللحية وفي الخضب، فقالوا: لا يحرمان، بل يكرهان فقط.

(قوله: وبحث الأذرعي إلخ) هكذا في التحفة.

(قوله: ويسن الخضب للمفترشة) مفهوم التقييد بالرجل في قوله وخضب يدي إلخ، وذكر فيه تفصيلا، وهو أنه إذا كانت مفترشة أي تحت زوج أو سيد سن الخضب، وإذا كانت خلية أي ليست تحت زوج أو سيد كره.

وبقي أنه قد يحرم.

وذلك فيما إذا كانت محدة.

وعبارة الكردي: قوله: ويحرم الحناء للرجل.

خرج به المرأة، ففيها تفصيل، فإن كان لإحرام استحب لها سواء كانت مزوجة.

أو غير مزوجة، شابة أو عجوزا وإذا اختضبت عمت اليدين بالخضاب.

وأما المحدة: فيحرم عليها، والخنثى كالرجل.

ويسن لغير المحرمة إن كانت حليلة وإلا كره.

ولا يسن لها نقش وتسويد وتطريف وتحمير وجنة، بل يحرم واحد من هذه على خلية ومن لم يأذن لها حليلها.

اه.

(قوله: ويحرم وشر الأسنان) أي تحديدها، وتفليجها بمبرد ونحوه للتحسين.

(قوله: ووصل الشعر) أي ويحرم على المرأة وصل الشعر، وذلك لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة والأولى: هي التي تصل الشعر بشعر آخر لنفسها أو غيرها.

والثانية: هي التي تطلب أن يفعل بها الوصل.

والثالثة: هي التي تغرز الإبرة في الجسد ثم نذر عليه كحلا أو نيلة يخضر (1) والرابعة: هي التي تطلب الفعل ويفعل بها.

(وقوله: بشعر نجس) لملابسة النجاسة لغير ضرورة.

(وقوله: وشعر آدمي) أي لاحترامه، ويحرم ذلك عليها مطلقا، خلية أو مزوجة، أذن لها حليلها أو لا.

وكذا يحرم بالشعر الطاهر على الخلية والمزوجة بغير إذن زوجها.

أما الطاهر من غير آدمي لذات حليل أذن فيه حليلها فلا يحرم الوصل به.

(قوله:

لا بخيوط الحرير أو الصوف) أي لا يحرم الوصل بذلك.

(قوله: ويستحب أن يكف الصبيان إلخ) لخبر مسلم: إذا كان جنح الليل وأمسيتم، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ.

وإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم روي بالحاء المهملة المضمومة، وبالخاء المعجمة المفتوحة وضم اللام.

(قوله: وأن يغطى الأواني - ولو بنحو عود) قال ابن رسلان: ويستحب في الأواني التغطية * * ولو بعود حط فوق الآنية ويستحب أيضا أن يوكئ القر ب، أي يربط أفواها.

قال الرملي: قال الأئمة: وفائدة ذلك من ثلاثة أوجه.

أحدها: ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يكشف إناء.

ثانيها: ما جاء في رواية لمسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال: في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء.

ثالثها: صيانتها من النجاسة ونحوها.

(1) لعلها: ليخضر، أو فيخضر اه

ص: 387

(واعلم) أن ذبح الحيوان البري المقدور عليه بقطع كل حلقوم - وهو مخرج النفس - وكل مرئ - وهو مجرى الطعام تحت الحلقوم - بكل محدد يجرح غير عظم، وسن، وظفر - كحديد - وقصب، وزجاج،

ــ

وقد عمل بعضهم بالسنة في التغطية بعود، فأصبح وأفعى ملتفة على العود، ولم تنزل في الإناء.

ولكن لا يعرض العود على الإناء إلا مع ذكر اسم الله، فإن السر الدافع هو اسم الله.

اه.

(قوله: يعرض عليها) مبني للمجهول، أي يجعل ذلك العود عرضا.

(قوله: وأن يغلق الأبواب) أي ويستحب أن يغلق الأبواب، لما في خبر مسلم: وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا.

(قوله: مسميا الله) حال في فاعل يغطي وفاعل يغلق المستتر إن بنيا للمعلوم، أو المحذوف إن بنيا للمجهول.

(قوله: وأن يطفئ المصابيح) أي ويستحب أن يطفئ المصابيح أي الأسرجة خوفا من الفويسقة وهي الفأرة أن تجر الفتيلة فتحرق البيت.

وفي سنن أبي دواد: من حديث ابن عباس: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها وألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها موضع درهم.

وفي الشنواني على ابن أبي جمرة: نعم، القنديل المعلق إن أمن منها لا بأس بعدم إطفائه، لانتفاء العلة.

اه.

ويستحب أيضا إطفاء النار مطلقا عند النوم، لورود حديث فيه.

(قوله: واعلم أن ذبح الحيوان الخ) شروع في بيان الأحكام المتعلقة بالذبائح والصيد، وقد أفردها الفقهاء بكتاب

مستقل، وذكروها بعد كتاب الجهاد، وذكرها في الروضة في آخر ربع العبادات، تبعا لطائفة من الأصحاب، قال: وهو أنسب.

قال ابن قاسم الغزي في شرحه على المنهاج: ولعل وجه الا نسبية أن طلب الحلال فرض عين، والعبادات فرض عين، فناسب ضم فرض العين إلى فرض العين.

اه.

فذكرها المؤلف رحمه الله تعالى هنا تبعا للروضة.

والأصل فيها قوله تعالى: * (إلا ما ذكيتم) * (1) فإنه مستثنى من المحرمات السابقة في الآية، واستثناؤه من المحرمات يفيد حل المذكيات، وفي الصيد، قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (2) والأمر بالاصطياد يقتضي حل المصيد.

(قوله: البري) أي المأكول.

فخرج البحري، فإنه يحل أكله من غير ذبح، وغير المأكول فلا يحل ذبحه ولو لإراحته من الحياة عند تضرره من طول الحياة.

(قوله: المقدور عليه) أي على ذبحه.

والمراد أنه قدر عليه حال إصابته، ولو بإعيائه عند عدوه حال صيده، لأن العبرة بالقدرة وعدمها حال الإصابة لا وقت الرمي.

فلو رماه وهو غير مقدور عليه، وأصابه وهو مقدور عليه، فذكاته بقطع حلقه ومريئه.

ولو رماه وهو مقدور عليه، وأصابه وهو غير مقدور عليه فذكاته عقره حيث قدر عليه في أي موضع كان العقر.

(قوله: بقطع الخ) متعلق بمحذوف خبر أن، والباء للتصوير، أي أن ذبحه مصور بقطع كل حلقوم، وخرج بقطع ما لو اختطف رأس عصفور أو غيره بيده أو ببندقة فإنه ميتة.

وبقوله: كل حلقوم: ما لو قطع البعض وانتهى إلى حركة مذبوح ثم قطع الباقي، فلا يحل.

(قوله: وهو) أي الحلقوم.

وقوله: مخرج النفس أي محل خروج النفس بفتح الفاء وهو أيضا محل دخوله.

(قوله: وكل مرئ) معطوف على كل حلقوم، أي وبقطع كل مرئ بفتح ميمه، وهمز آخره وخرج به قطع بعضه، فإنه لا يحل كالذي قبله.

وقوله: وهو أي المرئ.

(وقوله: مجرى الطعام) أي والشراب، أي محل جريانهما من الحلق إلى المعدة.

(قوله: تحت الحلقوم) خبر بعد خبر، أي وهو كائن تحت الحلقوم.

(قوله: بكل إلخ) متعلق بقطع.

(قوله: محدد) بفتح الدال المشددة، أي ذي حد.

والمراد كل شئ له حد، كحديد، ورصاص، وخشب، وقصب، وحجر، وزجاج إلا الظفر، والسن، وسائر العظام لخبر الصحيحن: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر.

وسأحدثكم عن ذلك أي عن سبب عدم إجزائهما.

(1) المائدة: 3.

(2)

المائدة: 2

ص: 388

وذهب، وفضة - يحرم ما مات بثقل ما أصابه من محدد أو غيره - كبندقة - وإن أنهر الدم وأبان الرأس أو ذبح بكال لا يقطع إلا بقوة الذابح، فلذا ينبغي الاسراع بقطع الحلقوم بحيث لا ينتهي إلى حركة المذبوح قبل تمام القطع.

ويحل الجنين بذبح أمه إن مات في بطنها، أو خرج في حركة مذبوح، ومات حالا.

أما غير المقدور عليه

ــ

أما السنن: فعظم، وأما الظفر: فمدي الحبشة.

وألحق بهما باقي العظام، سواء كانت متصلة أو منفصلة، من آدمي أو غيره.

نعم، ما قتلته الجارحة بظفرها أو نابها لا يحرم كما هو معلوم وقوله: ما أنهر الدم: أي أساله وصبه بكثرة، فشبه الإسالة بالأنهار، واستعارة لها واشتق منه أنهر بمعنى أسال على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.

وقوله: ليس السن والظفر: بالنصب على أنه خبر ليس، ويجوز الرفع على أنه اسمها، والخبر محذوف، أي ليس السن والظفر مباحا.

(قوله: يجرح) الجملة صفة لمحدد، وهو قيد لا بد منه، وخرج به الذي لا يجرح، وهو الكال كما سيذكره.

(قوله: كحديد إلخ) أمثلة لمحدد وهنا مضاف محذوف، أي كمحدد حديد، ومحدد قصب إلخ.

(قوله: يحرم ما مات بثقل إلخ) هذا محترز قوله بقطع إلخ، لأن ما ذكر لم يمت بالقطع، وإنما مات بالثقل.

وإنما حرم ذلك لأن المقتول بالثقل موقوذة، فإنها: ما قتل بمثقل كخشبة، وحجر، ونحوهما.

ومثل ذلك: ما لو مات بأحبولة كشبكة منصوبة له فإنه المنخنقة المذكورة في قوله تعالى: * (والمنخنقة) * (وقوله: من محدد أو غيره) بيان لما.

(وقوله: كبندقة) أي مطلقا، بندقة الطين أو الرصاص.

وهو تمثيل لغير المحدد.

(قوله: وإن أنهر الدم) أي أساله.

كما مر.

(قوله: وأبان الرأس) أي وإن أزال الرأس، فهو غاية ثانية للحرمة.

(قوله: أو ذبح بكال) معطوف على مات، وهو محترز قوله يجرح كما علمت.

أي ويحرم ما ذبح بكال: أي غير قاطع بحسب ذاته.

قال في المصباح: كل السيف كلا، وكلة بالكسر وكلولا فهو كليل، وكال: أي غير قاطع.

اه.

(وقوله: لا يقطع إلا بقوة الذابح) أي وأما بنفسه فلا يقطع رأسا، وهو كالتفسير للكال.

(قوله: فلذا ينبغي إلخ) أي فلأجل حرمة الذبح بالكال الذي لا يقطع إلا بقوة الذابح، ينبغي الإسراع إلخ.

وتأمل في العلة المذكورة، فإن حرمة الذبح بالكال لا تظهر علة في انبغاء الإسراع.

فلو قال كغيره وينبغي الإسراع بإسقاط لفظ فلذا لكان أولى.

ثم إن المراد بالانبغاء الندب - كما يدل عليه عبارة التحفة، ونصها: وسيأتي ندب وإسراع القطع بقوة وتحامل ذهابا وعودا، ومحله: إن لم يكن بتأنيه في القطع ينتهي الحيوان قبل تمام قطع المذبح إلى حركة المذبوح، وإلا وجب الإسراع، فإن تأتي حينئذ: حرم، لتقصيره.

اه.

(وقوله: بحيث لا ينتهي إلخ) تصوير للإسراع، أي يسرع إسراعا مصورا بحيث لا ينتهي إلخ، فلو انتهى إلى ذلك قبل تمام القطع لم يحل، لتقصيره.

ولا ينافيه ما سيأتي من أنه يشترط الحياة المستقرة عند أول الذبح، لا استمرارها إلى انتهاء الذبح، لأن ذلك فيما إذا لم

يوجد تقصير منه في وصوله إلى حركة المذبوح.

(قوله: ويحل الجنين بذبح أمه) أي لخبر: ذكاة الجنين ذكاة أمه أي ذكاة أمه التي أحلتها أجلته تبعا لها، ولأنه جزء من أجزائها وذكاتها أحلت جميع أجزائها، حتى لو كان للمذكاة عضو أشل، حل كسائر أجزائها ولأنه لو لم يحل بذكاة أمه لحرم ذبحها مع ظهور الحمل كما لا تقتل الحامل قودا.

ولا فرق في الجنين بين أن يكون واحدا أو متعددا، ولو وجد جنين في بطن جنين كان حكمه كذلك.

ولا تحل العلقة والمضغة، ولو تخططت، بناء على عدم وجوب الغرة فيها، وعدم ثبوت الاستيلاد بها فيما إذا كانت من آدمي.

(قوله: إن مات في بطنها) قيد في حله بذكاة أمه، أي يحل إن مات في بطنها، أي بسبب ذبح أمه بأن سكن عقب ذبحها بلا مهلة، ولم يوجد سبب يحال عليه موته، فلو اضطرب في بطن أمه بعد ذبحها زمنا طويلا، ثم سكن، لم يحل.

ولو ضربت أمه على بطنها فسكن، ثم ذبحت فوجد ميتا، لم يحل لإحالة موته على ضرب أمه.

ولو شك: هل مات بذكاة أمه أو لا؟ فالظاهر: عدم

ص: 389

بطيرانه أو شدة عدوه، وحشيا كان أو إنسيا كجمل، أو جدي - نفر شاردا، ولم يتيسر لحوقه حالا - وإن كان لو صبر سكن وقدر عليه - وإن لم يخف عليه نحو سارق - فيحل بالجرح المزهق بنحو سهم أو سيف في أي محل كان، ثم إن أدركه وبه حياة مستقرة، ذبحه - فإن تعذر ذبحه من غير تقصير منه حتى مات - كأن اشتغل بتوجيهه

ــ

حله.

والذي في حاشية الشوبري: حله.

قال: لأنها سبب في حله، والأصل عدم المانع.

ولو مات في بطنها قبل ذبحها كان ميتة لا محالة.

لأن ذكاة أمه لم تؤثر فيه، والحديث يشير إليه.

(قوله: أو خرج في حركة مذبوح) خرج به ما إذا خرج وفيه حياة مستقرة، فيذكى حينئذ.

(قوله: إما غير المقدور عليه) أي على ذبحه بقطع ما ذكر بما ذكر، وهو محترز قوله المقدور عليه.

وقوله: بطيرانه أي بسبب طيرانه.

وقوله: أو شدة عدوه أي أو بسبب عدوه أي جريه أي أو بسبب وقوعه في بئر وتعذر إخراجه.

قال في الزبد: إلخ.

وغير مقدور عليه صيدا * * أو البعير ند أو تردى الجرح إن يزهق بغير عظم (قوله: وحشيا كان) أي غير المقدور عليه كضبع، وغزال.

(وقوله: أو إنسيا) أي توحش أم لا.

والأول: كمثاله.

والثاني: كبعير تردى في بئر.

(وقوله: كجمل) تمثيل للإنسي.

وقوله: أو جدي هو الذكر من أولاد المعز.

(وقوله: نفر) أي المذكور من الجمل أو الجدي.

ومعنى نفر: هرب وذهب.

(وقوله: شاردا) أي هاربا، فهو حال مؤكدة.

(قوله: ولم يتيسر لحوقه حالا) قيد في حله بالجرح المزهق، وخرج به ما إذا تيسر لحوقه، فإنه لا يحل بالجرح المزهق، بل لا بد من قطع كل الحلقوم وكل المرئ كالذي قبله.

(قوله، وإن كان الخ) غاية في حله بالجرح، ولو أخرها وما بعدها وما قبلها عن قوله فيحل بالجرح، لكان أولى.

وقوله سكن أي الجمل أو الجدي.

وقوله: وقدر عليه أي

على ذبحه كما مر.

(قوله: وإن لم يخف عليه نحو سارق) أي لو أبقاه مطلقا على حاله، وهذه غاية ثانية فيما ذكر.

وإنما حل بالجرح مع كونه لو صبر سكن، أو مع كونه لا يخاف عليه لأنه قد يريد الذبح حالا.

وخالف في ذلك الإمام.

(قوله: فيحل بالجرح) جواب أما.

(وقوله: المزهق) بكسر الهاء، أي المخرج للروح.

وخرج غير الزهق، كالخدشة اللطيفة فلا يحل بها لو مات.

(قوله: بنحو سهم) متعلق بالجرح.

(قوله: في أي محل كان) متعلق بالجرح أيضا، أي الجرح في أي موضع كان، وإن لم يكن في الحلق واللبة.

(قوله: ثم إن أدركه) أي ثم بعد جرحه بما ذكر إن أدركه، أي غير المقدور عليه.

وهذا كالتقييد لما قبله أي محل حله بالجرح المذكور إن لم يدركه وبه حياة مستقرة بأن مات حالا عقب الجرح.

أما إن أدركه ففيه تفصيل وهو ما ذكره.

(قوله: وبه حياة مستقرة) أي والحال أن فيه حياة مستقرة، أي ثابتة مستمرة، وهي أن تكون الروح في الجسد ومعها إبصار، ونطق، وحركة اختيارية لا اضطرارية.

واعلم أنه يوجد في عباراتهم حياة مستقرة، وحياة مستمرة وحركة مذبوح ويقال لها عيش مذبوح والفرق بينها أن الحياة المستقرة هي ما مر.

والمستمرة هي التي تستمر إلى خروج الروح من الجسد.

وحركة المذبوح هي التي لا يبقى معها إبصار باختيار، ولا نطق باختيار، ولا حركة اختيارية، بل يكون معها إبصار ونطق وحركة إضطرارية.

وبعضهم فرق بينها: بأن الحياة المستقرة هي التي لو ترك الحيوان لجاز أن يبقى يوما أو يومين.

والحياة المستمرة هي التي تستمر إلى انقضاء الأجل.

وحركة المذبوح هي التي لو ترك لمات في الحال.

والأول هو المشهور.

(قوله: ذبحه) أي بقطع كل حلقوم وكل مرئ، وهذا جواب إن.

(قوله: فإن تعذر ذبحه) أي غير المقدور عليه.

(وقوله: من غير تقصير منه) أي من الجارح.

(وقوله: حتى مات) أي إلى أن مات بعد جرحه.

(قوله: كأن اشتغل إلخ) تمثيل لتعذر ذبحه مع عدم تقصير منه.

واندرج تحت الكاف ما إذا وقع منكسا فاحتاج لقلبه ليقدر على ذبحه فمات.

وما إذا امتنع الحيوان منه بسبب قوته، أو حال بينه وبينه حائل كسبع فمات بعد ذلك.

فيحل في الجميع، لتعذر ذبحه، مع

ص: 390

للقبلة، أو سل السكين فمات قبل الامكان، حل، وإلا كأن لم يكن معه سكين، أو علق في الغمد بحيث تعسر إخراجه، فلا.

ويحرم قطعا رمي الصيد بالبندق المعتاد الآن - وهو ما يصنع بالحديد ويرمى بالنار - لانه محرق مذفف سريعا غالبا.

قال شيخنا: نعم، إن علم حاذق أنه إنما يصيب نحو جناح كبير: فيشقه فقط، احتمل الجواز.

والرمي بالبندق المعتاد قديما - وهو ما يصنع من الطين - جائز - على المعتمد - خلافا لبعض المحقين.

ــ

عدم التقصير منه.

(قوله: أو سل السكين) معطوف على توجيهه، أي وكأن اشتغل بسل السكين، أي إخراجها من غمدها.

والسكين تذكر وتؤنث والغالب تذكيرها سميت بذلك لأنها تسكن الحياة، وتسمى مدية لأنها تقطع مدة الحياة أفاده: م ر.

(قوله: قبل الإمكان) أي إمكان الذبح.

(قوله: حل) جواب فإن.

وإنما حل لعذره في ذلك.

ولو شك: هل تمكن من ذبحه أو لا؟ حل أيضا إحالة على السبب الظاهر.

(قوله: وإلا) أي بأن لم يتعذر ذبحه، أو تعذر

بتقصير منه.

(قوله: كأن لم يكن الخ) تمثيل لما إذا تعذر بتقصير منه.

وعبارة الروض وشرحه: ومن التقصير: عدم السكين، وتحديدها، لأنه كان يمكنه حملها وتحديدها ونشبها بالغمد بكسر الغين المعجمة أي علوقها فيه، بحيث يعسر إخراجها، لأن حقه أن يستصحب غمدا يوافقه، حتى لو استصحب فنشب فيه لعارض، حل، وكذا لو غصبت منه السكين، لأنه عذر نادر.

ومن التقصير: الذي ذبح بظهرها أي السكين غلطا اه.

(قوله: أو علق في الغمد) معطوف على مدخول كأن، أي أو كان علق أي نشب في غمده أي غلافه.

(وقوله: بحيث تعسر) الباء للتصوير، متعلق بمحذوف، أي علق علوقا مصورا بحالة هي عسر خروجه منه.

وقوله: فلا أي فلا يحل لتقصيره بذلك.

قال في التحفة: وبحث البلقيني في صورة العلوق أنه لا يعد تقصيرا.

(قوله: ويحرم قطعا رمي إلخ) والحاصل أن الرمي ببندق الرصاص بواسطة النار حرام مطلقا، إلا أن يكون الرامي حاذقا، ويعلم أنه إنما يصيب جناحه، فلا يحرم.

وأن الرمي ببندق الطين جائز مطلقا، لأنه طريق إلى الاصطياد المباح.

وقال ابن عبد السلام ومجلي والماوردي: يحرم لأن فيه تعريض الحيوان للهلاك ويؤخذ من العلة المذكورة حل رمي طير كبير لا يقتله البندق المذكور غالبا كالأوز بخلاف صغير.

قال الأذرعي: وهذا مما لا شك فيه، لأنه يقتلها غالبا.

وقتل الحيوان عبثا حرام.

وهذا كله بالنسبة لحل الرمي، وأما بالنسبة لحل المرمي الذي هو الصيد فإنه حرام مطلقا، إلا أن تدرك فيه الحياة المستقرة ويذكى.

(قوله: وهو) أي البندق المعتاد الآن.

(وقوله: ما يصنع بالحديد) أي من الحديد، فالباء بمعنى من.

وقوله: ويرمى بالنار أما إذا لم يرم بها فلا يحرم.

(قوله: لأنه) أي البندق المعتاد الآن، وهو تعليل لحرمة الرمي به.

(وقوله: مذفف) أي مخرج للروح.

(وقوله: سريعا) منصوب على الحال، أو بإسقاط الخافض، أي حال كون التذفيف به سريعا، أو تذفيفا بسرعة.

(وقوله: غالبا) ومن غير الغالب قد لا يكون مذففا بسرعة.

(قوله: نعم، إن علم الخ) إستدراك من حرمة الرمي بالبندق المذكور.

وقوله: حاذق أي رام حاذق في رميه.

وقوله: جناح كبير بالإضافة، أي جناح طير كبير.

(قوله: فيشقه) أي الجناح.

وعبارة التحفة: فيثبته وهي أولى - لأنه لا يشترط الشق، بل المدار على الإثبات، والوقوف بسبب الرمي حصل شق أو لا ولعل في عبارتنا تحريفا من النساخ.

(قوله: احتمل الجواز) أي الرمي بالبندق المذكور.

(قوله: والرمي) مبتدأ خبره جائز.

(قوله: وهو) أي البندق المعتاد قديما.

وقوله: ما يصنع من الطين قال البجيرمي: مثله الرصاص من غير نار.

اه.

وقوله: جائز أي إن كان الرمي به طريقا للاصطياد، وإلا حرم، لما فيه من

تعذيب الحيوان من غير فائدة.

(قوله: خلافا لبعض المحققين) أي حيث قال: يحرم الرمي ببندق الطين.

وعلله بأن فيه

ص: 391

وشرط الذابح أن يكون مسلما - أو كتابيا ينكح.

ويسن أن يقطع الودجين - وهما عرقا صفحتي عنق وأن يحد شفرته، ويوجه ذبيحته لقبلة، وأن يكون الذابح رجلا عاقلا، فامرأة، فصبيا.

ويقول - ندبا - عند الذبح،

ــ

تعريض الحيوان للهلاك كما علمت.

(قوله: وشرط الذابح الخ) إعلم أنه كان المناسب أن يذكر أولا أركان الذبح، ثم يذكر ما يشترط في كل - كما صنع في المنهج.

وحاصل ذلك: أن أركان الذبح بالمعنى الحاصل بالمصدر وهو الانذباح أربعة: ذبح، وذابح، وذبيح، وآلة.

والمراد بكونها أركانا للذبح: أنه لا بد لتحققه منها، لأنه يتوقف على فاعل، ومفعول، وفعل، وآلة.

وإلا فليس واحد منها جزءا منه.

وشرط في الذبح: القصد أي قصد إيقاع الفعل على العين أو على واحد من الجنس فلو سقطت سكين على مذبح شاة، أو احتكت الشاة به فانذبحت، أو أرسل سهما لا لصيد بل أرسله لغرض اختبار قوته مثلا فقتل صيدا، أو استرسلت جارحة بنفسها فقتلت، حرم ذلك كله، وصار ميتة، لعدم وجود القصد.

وشرط في الآلة كونها محددة تجرح كما مر وأما شرط الذابح وشرط الذبيح فقد ذكرهما المؤلف.

(قوله: أن يكون مسلما) أي أو مسلمة.

وشرط أيضا أن يكون غير أعمى في غير مقدور عليه من صيد وغيره، فلا يحل مذبوح الأعمى بإرسال آلة الذبح، إذ ليس له في ذلك قصد صحيح.

وقوله: أو كتابيا أي أو كتابية.

وأهل الكتاب هم اليهود، والنصارى.

وخرج بذلك الوثني، والمجوسي، ونحوهما ممن لا كتاب له كعابد الشمس والقمر فلا تحل ذبيحتهم، لأنهم ليسوا من أهل الكتاب.

والذي تحل ذبيحته لا بد أن يكون من أهل الكتاب، قال تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * (1) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما حلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل رواه الحاكم وصححه.

وقوله: ينكح بالبناء للمجهول، قيد في الكتابي، أي يشترط في حل ذبيحة الكتابي نكاحنا لأهل ملته.

ولصحة نكاحنا لهم شروط وهي أنه يشترط في الإسرائيلية أن لا يعلم دخول أول آبائها في دين سيدنا موسى بعد بعثة عيسى عليه السلام.

وفي غيرها أن يعلم أول آبائها فيه قبلها، ولو بعد التحريف إن تجنبوا المحرف.

فلو فقد شرط من هذه الشروط لا يحل نكاحنا لهم، فلا تحل ذبيحتهم.

وعبارة التحفة: فعلم إن من لم يعلم كونه إسرائيليا، وشك في دخول أول أصوله قبل ما مر، ثم لا تحل ذبيحته.

ومن ثم أفتى بعضهم في يهود اليمن بحرمة ذبائحهم للشك فيهم، قال: بل نقل الأئمة أن كل أهل اليمن أسلموا.

اه.

ولا خصوصية ليهود اليمن بذلك، بل كل من شك فيه وليس إسرائيليا كذلك.

اه.

وقوله: أسلموا: أي ثم ارتد بعضهم وهم اليهود المذكورون فعليه يكون عدم حل ذبيحتهم بالإجماع، لارتدادهم.

(قوله: ويسن أن يقطع الودجين) المناسب ذكر هذا فيما مر بعد قوله بقطع كل حلقوم وكل مرئ، لأن هذا من سنن الذبح، وذكره في المنهج بعد ذكره شرط الذبح.

والودجان تثنية ودج بفتح الدال وكسرها - وهو المسمى بالوريد من الآدمي، قال تعالى: * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * وإنما سن قطعهما لأنه أسرع وأسهل لخروج الروح، فهو من الإحسان في الذبح.

(قوله: وهما) أي الودجان.

وقوله عرقا صفحتي عنق: أي عرقان في صفحتي العنق، محيطان بالحلقوم من الجانبين.

(قوله: أن يحد شفرته) أي ويسن أن يحد شفرته، لخبر مسلم: إن الله كتب الإحسان في كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته.

وقوله: وليحد

(1) المائدة: 5.

(2)

ق: 16

ص: 392

وكذا عند رمي الصيد - ولو سمكا - وإرسال الجارحة: بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد.

ــ

بسكون اللام، وضم الياء، وكسر الحاء من أحد وبفتح الياء وضم الحاء من حد.

والشفرة بفتح الشين المعجمة، وقد تضم السكين العريضة، وهي ليست بقيد، بل مثلها كل محدد.

وإنما آثرها لورودها في الخبر المذكور.

ويسن مواراتها عنها في حال إحدادها، فيكره أن يحدها قبالتها، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم: مر برجل واضع رجله على صفحة شاة، وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليها ببصرها، فقال له: أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟.

وروي أن سبب ابتلاء يعقوب بفرقة ولده يوسف عليهما السلام: أنه ذبح عجلا بين يدي أمه وهي تخور، فلم يرحمها.

ومن غريب ما وقع مما يتعلق بذلك ما حكي عن بعضهم: أنه دخل على بعض الأمراء وقد أمر بذبح جملة من الغنم فذبح بعضها ثم اشتغل الذابح عن الذبح، ثم عاد إليه في الحال، فلم يجد المدية التي يذبح بها، فاتهم بعض الحاضرين، فأنكر أخذها، وحصل بسبب ذلك لغط، فجاء رجل كان ينظر إليهم من بعيد، وقال: السكين التي تتخاصمون عليها أخذتها هذه الشاة بفمها، ومشت بها إلى هذه البئر وألقتها.

فأمر الأمير شخصا بالنزول إلى هذه البئر

ليتبين هذا الأمر، فنزل فوجد الأمر كما أخبر الرجل.

(قوله: ويوجه ذبيحته لقبلة) أي ويسن أن يوجه ذبيحته أي مذبحها فقط.

لا يقال ينبغي كراهة التوجه المذكور، لأنه حالة إخراج النجاسة كالبول لوضوح الفرق بأن هذا حالة يتقرب إلى الله بها، ومن ثم يسن فيها ذكر الله تعالى بخلاف تلك أفاده الشوبري.

وكما يسن أن يوجه ذبيحته لها، كذلك يسن له هو أن يتوجه لها.

(قوله: وأن يكون الذابح الخ) أي ويسن أن يكون الذابح.

والمناسب إضمار اسم يكون على نسق ما قبله لأن المقام للإضمار.

قوله: رجلا عاقلا أي مسلما.

وقوله: فامرأة أي عاقلة مسلمة.

وقوله: فصبيا أي مسلما مميزا.

ثم من بعده الكتابي، ثم المجنون والسكران، وفي معناهما الصبي غير المميز.

والحاصل أولى الناس بالذبح: الرجل العاقل المسلم، ثم المرأة العاقلة المسلمة، ثم الصبي المسلم المميز، ثم الكتابي، ثم الكتابية، ثم المجنون والسكران وفي معناهما الصبي غير المميز.

وحلت ذبيحة هؤلاء: لأن لهم قصدا وإرادة في الجملة، لكن مع الكراهة كما نص عليه في الأم خوفا من عدولهم عن محل الذبح.

ويكره ذكاة الأعمى في المقدور عليه لذلك.

(قوله: ويقول) الفعل مرفوع، بدليل قوله ندبا، ولو أسقطه لكان الفعل منصوبا معطوفا على ما قبله، وكان لفظ يسن يتسلط عليه وهو الأولى.

(قوله: وكذا عند رمي الصيد) أي وكذا يقول عند رمي الصيد.

وقوله: ولو سمكا أي أو جرادا.

وقوله: وإرسال الجارحة أي وعند إرسال الجارحة، وهي الحيوان المعلم كالكلب وغيره.

(قوله: بسم الله الرحمن الرحيم) مقول القول.

والإتيان بالبسملة كاملة هو الأفضل.

ولو اقتصر على بسم الله كان آتيا بالسنة.

ولا يقال على الأفضل الذبح فيه تعذيب للحيوان، والرحمن الرحيم لا يناسبانه لأنا نقول إن تحليل ذلك لنا غاية في الرحمة بنا، ومشروعية ذلك في الحيوان رحمة له.

ففي الذبح رحمة للآكلين، ورحمة للحيوان، لما فيه من سهولة خروج روحه.

وعن بعض العلماء أن القصاب إذا سمى الله عند الذبح، قالت الذبيحة: أخ أخ.

وذلك أنها استطيبت الذبح مع ذكر الله تعالى وتلذذت به.

وقالت المالكية: لا يزيد الرحمن الرحيم، لأن في الذبح تعذيبا وقطعا، والرحمن الرحيم اسمان رقيقان، ولا قطع مع الرقة، ولا عذاب مع الرحمة.

ص: 393

ويشترط في الذبيح - غير المريض - شيآن.

أحدهما: أن يكون فيه حياة مستقرة أول ذبحه ولو ظنا، بنحو

ــ

واعلم أنه يكره تعمد ترك البسملة، فلو تركها ولو عمدا حلت ذبيحته، وذلك لأن الله تعالى أباح لنا ذبائح أهل الكتاب بقوله: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * (1) وهم لا يذكرون البسملة.

وقد أمر صلى الله عليه وسلم فيما شك أن ذابحه سمى أم لا: يأكله.

فلو كانت التسمية شرطا لما حل عند الشك.

وأما قوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * (2) فالمراد بما لم يذكر اسم الله عليه في الآية أنه ما ذكر عليه اسم غير الله، وهو الصنم مثلا، بدليل * (وإنه لفسق) * إذ الحالة التي يكون فيها فسقا هي الإهلال، أي الذبح لغيره تعالى، كما قال تعالى في آية أخرى: * (أو فسقا أهل لغير الله به) * فوصف الفسق بأنه ما أهل لغير الله به.

وقال في تعدد المحرمات: * (حرمت عليكم الميتة) * إلى أن قال * (وما أهل لغير الله به) *.

والحاصل أن قوله تعالى: * (مما لم يذكر اسم الله عليه) * صادق بما إذا ذكر اسم غير الله عليه، وبما إذا لم يذكر شيئا أصلا.

والأول هو المراد بدليل ما ذكر.

وإذا علمت ذلك فما يذبح عند لقاء السلطان، أو عند قبور الصالحين، أو غير ذلك، فإن كان قصد به ذلك السلطان، أو ذلك الصالح كسيدي أحمد البدوي حرم، وصار ميتة، لأنه مما أهل لغير الله.

بل إن ذبح بقصد التعظيم والعبادة لمن ذكر كان ذلك كفرا.

وإن كان قصد بذلك التقرب إلى الله تعالى، ثم التصدق بلحمه عن ذلك الصالح مثلا، فإنه لا يضر.

كما يقع من الزائرين فإنهم يقصدون الذبح لله، ويتصدقون به كرامة ومحبة لذلك المزور، دون تعظيمه وعبادته.

(قوله: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد) أي ويقول ندبا مع البسملة اللهم صل وسلم على محمد.

لأنه محل يشرع فيه ذكر الله، فشرع فيه ذكر نبيه كالأذان، والصلاة.

(تنبيه) لا يقول باسم الله، واسم محمد فلو قال ذلك حرمت ذبيحته وكفر إن قصد التشريك فإن أطلق حلت الذبيحة وأثم بذلك.

وإن قصد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد، كره، وحلت الذبيحة فالأقسام ثلاثة: الحرمة مع حل الذبيحة في صورة الإطلاق.

الكفر مع حرمة الذبيحة في صورة قصد التشريك.

الكراهة مع حل الذبيحة في صورة قصد التبرك باسم محمد.

(قوله: ويشترط في الذبيح) أي في الحيوان الذي يؤول إلى كونه ذبيحا بعد ذبحه، فهو مجاز بالأول.

والمراد يشترط في حل أكله بعد ذبحه.

(قوله: غير المريض) سيذكر مفهومه بقوله: ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض.

(قوله: شيئان) نائب فاعل يشترط.

(قوله: أحدهما) أي الشيئين.

(قوله: أن يكون فيه) أي الذبيح.

(قوله: حياة مستقرة أول

ذبحه) أي عند ابتداء ذبحه خاصة، ولا يشترط بقاؤها إلى تمامه، خلافا لمن قال به.

فلا يضر انتهاؤه لحركة مذبوح قبل تمام القطع، إلا إن قصر في الذبح بأن تأنى فيه حتى وصل إلى ذلك قبل تمامه، فإنه يحرم لتقصيره كما مر فإن لم توجد الحياة المستقرة أول الذبح ذبح كان ميتة إلا ما استثنى، وهو المريض الآتى وظاهر صنيعه أنه تشترط الحياة المستقرة في غير المريض مطلقا وجد سبب يحال عليه الهلاك أو لا.

والذي في حواشي البجيرمي على الخطيب والشرقاوي والباجوري: أن محل اشتراط وجود الحياة المستقرة في أول الذبح، عند تقدم سبب يحال عليه الهلاك كأكل نبات مضر وإلا بأن لم يتقدم سبب أصلا أو تقدم سبب لكن لا يحال عليه الهلاك كالمرض فلا يشترط ذلك.

بل إذا وصل إلى آخر رمق ثم ذبح حل.

ونص عبارة البجيرمي: والحاصل أن الحيوان سواء المأكول والآدمي إذا صار في آخر رمق إن كان ذلك من سبب يحال عليه الهلاك، كان كالميت، ومعناه في المأكول أنه إذا ذبح في هذه الحالة لا يحل.

وفي الآدمي: أنه يجوز

(1) المائدة: 5.

(2)

الانعام: 121.

(1)

الانعام

ص: 394

شدة حركة بعده، ولو وحدها - على المعتمد - وانفجار دم، وتدفقه إذا غلب على الظن بقاؤها فيهما - فإن شك في استقرارها لفقد العلامات حرم.

ولو جرح حيوان، أو سقط عليه نحو سيف أو عضه نحو هرة - فإن بقيت فيه حياة مستقرة فذبحه، حل.

وإن تيقن هلاكه بعد ساعة، وإلا لم يحل - كما لو قطع بعد رفع السكين ولو لعذر،

ــ

أن تقسم التركة في تلك الحالة.

وإذا وضعت المرأة في تلك الحالة فتنقضي عدتها، أو كان ذلك بلا سبب يحال عليه الهلاك كان كالحي.

ومعناه في المأكول: أنه إذا ذبح في هذه الحالة: حل.

وفي الآدمي: أنه لا تنقضي عدة امرأته إذا وضعت في تلك الحالة، وكذا جميع أحكام الميت.

اه.

ونص عبارة الباجوري: ولا تشترط الحياة المستقرة إلا فيما إذا تقدم سبب يحال عليه الهلاك، كأكل نبات مضر، وجرح السبع للشاة، وانهدام البناء على البهيمة، وجرح الهرة للحمامة، وعلامتها: انفجار الدم والحركة العنيفة، فيكفي أحدهما على المعتمد وأما إذا لم يوجد سبب يحال عليه الهلاك فلا تشترط الحياة المستقرة، بل يكفي الحياة المستمرة، وعلامتها: وجود النفس فقط.

فإذا انتهى الحيوان إلى حركة مذبوح بمرض أو جوع، ثم ذبح: حل، وإن لم ينفجر الدم، ولم يتحرك الحركة العنيفة خلافا لمن يغلط فيه.

اه.

ومثلها: عبارة الشرقاوي.

(قوله: ولو ظنا) غاية لمقدر، أي يكتفي بوجود الحياة المستقرة، ولو كان ظنا، فلا يشترط تيقنها.

(قوله: بنحو

شدة حركة) متعلق بمحذوف، أي ويحصل ظنها بنحو شدة حركة.

ودخل في النحو صوت الحلق، وقوام الدم على طبيعته وغير ذلك من القرائن والعلامات.

وقوله: بعده أي بعد الذبح، فلا تكفي شدة الحركة قبل الذبح.

(قوله: ولو وحدها) غاية في الاكتفاء بشدة الحركة في حصول الظن: أي تكفي ولو لم يوجد معها غيرها من العلامات.

(وقوله: على المعتمد) مقابله يقول لا تكفي وحدها.

(قوله: وانفجار دم) بالجر، معطوف على نحو شدة إلخ، من عطف الخاص على العام، والواو فيه وفيما بعده بمعنى أو.

والانفجار هو السيلان مطلقا بتدفق أولا.

وقوله: وتدفقه هو الخروج بشدة.

قال في المصباح: دفق الماء دفقا من باب قتل: انصب بشدة.

اه.

(قوله: إذا غلب إلخ) أنظره مع قوله أولا ولو ظنا، فإنه لا يفيد أنه لا يشترط غلبة الظن، وهذا يفيد اشتراطه، وأيضا الجمع بينهما يورث ركاكة، فكان عليه أن يقتصر على أحدهما، لكن الإقتصار على الأول أولى.

وذلك لأن غلبة الظن ليست بشرط، بل متى وجد الظن بهذه العلامات كفى.

وعبارة الإرشاد مع فتح الجواد تؤيد ذلك، ونصها: ولا يشترط تيقن الحياة المستقرة، بل يكتفي بها ولو ظنا ويحصل ظنها بنحو شدة حركة ولو وحدها على المعتمد، وانفجار دم، وتدفقه ولو وحده أيضا وصوت الحلق، وقوام الدم على طبيعته، وغير ذلك من القرائن والعلامات التي لا تضبطها عبارة كما قال الرافعي ولا يكتفي بذلك قبل القطع المذكور، بل بعده فإن شك في استقرارها لفقد العلامات، أو لكون الموجود منها لا يحصل بشدة الحركة، حرم، للشك في المبيح.

اه.

(قوله: بقاؤها) أي الحياة المستقرة.

وقوله: فيهما أي: في الانفجار والتدفق.

وانظر أيضا ما وجه تخصيص غلبة الظن بهما فقط دون شدة الحركة؟.

(قوله: فإن شك في استقرارها) أي الحياة.

(وقوله: لفقد العلامات) علة الشك.

وقوله: حرم أي ذلك الذبيح أي أكله للشك في المبيح، وتغليبا للتحريم.

(قوله: ولو جرح الخ) المقام للتفريع، فالأولى التعبير بالفاء، وعبارة فتح الجواد عقب العبارة المارة فعلم أنه لو جرح حيوان الخ.

اه.

وهي أولى.

وقوله: أو سقط عليه أي الحيوان.

وقوله: نحو سيف أي من كل مهلك كسكين، وسقف.

(قوله: أو عضه) أي الحيوان، عضا يحال عليه الهلاك عادة.

وقوله: نحو هرة أي كسبع.

(قوله: فإن بقيت الخ) جواب لو.

(وقوله: فيه) أي في الحيوان.

وقوله: فذبحه أي والحال أن فيه حياة مستقرة.

وقوله: حل أي ذلك الحيوان، أي أكله، لأنه مذكاة.

وقوله: وإن تيقن هلاكه أي من ذلك الجرح، أو السقوط، أو العض.

وهو غاية لحله بعد ذبحه.

وقوله: بعد

ص: 395

ما بقي بعد انتهائها إلى حركة مذبوح.

قال شيخنا في شرح المنهاج: وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابه فأعادها فورا وأتم الذبح، حل، وقول بعضهم: لو رفع يده ثم أعادها لم يحل، مفرع على عدم الحياة المستقرة، عند إعادتها، أو محمول على ما إذا لم يعدها على الفور.

ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انفلتت شفرته فردها حالا، أنه يحل.

انتهى.

ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض، وإن كان سببه أكل نبات مضر، كفى ذبحه في

ــ

ساعة أي لحظة كما في ع ش - ونصه: قوله: بعد يوم أو يومين ليس بقيد، بل المدار على مشاهدة حركة اختيارية تدرك بالمشاهدة، أو انفجار الدم بعد ذبحها، أو وجود الحركة الشديدة.

وكان الأولى أن يقول: وإن تيقن موتها بعد لحظة.

اه.

(قوله: وإلا) أي وإن لم تبق فيه حياة مستقرة بعد جرحه، أو سقوط نحو السيف عليه، أو العض، أو بقيت فيه ولم يذبحه ومات.

وقوله: لم يحل أي لوجود ما يحال عليه الهلاك مما ذكر.

وروى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي ثعلبة الخشني: وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم، فإن أدركت ذكاته فكل.

اه.

شرح الروض.

(قوله: كما لو قطع الخ) أي فإنه لا يحل.

وقوله: بعد دفع السكين أي من المذبح.

وقوله: ولو لعذر أي ولو كان رفع السكين لعذر، أي كأن كان لأجل سنها أو لأجل أخذ سكين غيرها، أو لاضطراب يده.

فالعذر صادق بذلك كله وبغيره.

وقوله: ما بقي مفعول قطع، أي قطع ما بقي من الحلقوم والمرئ اللذين يجب قطعهما.

وقوله: بعد انتهائها أي الشاة.

والظرف متعلق بقطع.

(قوله: قال شيخنا الخ) قصده بنقل عبارة شيخه بيان أن الغاية السابقة أعني قوله ولو لعذر خالف فيها بعضهم، وقال أنه إذا كان رفع يده لعذر، وأعادها فورا: حل.

ونص عبارة شيخه: وفي كلام غير واحد أن من ذبح بكال فقطع بعض الواجب ثم أدركه فورا آخر فأتمه بسكين أخرى قبل رفع الأول يده حل سواء أوجدت الحياة المستقرة عند شروع الثاني، أم لا.

وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابها فأعادها فورا وأتم الذبح حل أيضا.

ولا ينافي ذلك قولهم: لو قطع البعض من تحرم ذكاته كوثني، أو سبع فبقيت الحياة المستقرة فقطع الباقي كله من تحل ذكاته: حل لأن هذا إما مفرع على مقابل كلام الإمام أي من أنه لا بد من بقاء الحياة المستقرة إلى تمام الذبح وإما لكون السابق محرما.

وكذا قول بعضهم: لو رفع يده ثم أعادها: لم تحل.

فهو إما مفرع على ذلك، أو يحمل على ما إذا أعادها لا على الفور.

ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انقلبت شفرته فردها حالا أنه يحل وأيده بعضهم بأن النحر عرفا الطعن في الرقبة، فيقع في وسط الحلقوم، وحينئذ يقطع الناحر جانبا، ثم يرجع للآخر فيقطعه.

اه.

ببعض تصرف.

(قوله: وفي كلام بعضهم) خبر مقدم، وما بعده مبتدأ مؤخر.

(قوله: أنه) أي الذابح.

(قوله: لنحو اضطرابه) الذي في عبارة التحفة المارة لنحو اضطرابها بتأنيث الضمير العائد على اليد فلعل في عبارتنا تحريفا من النساخ.

(قوله: فأعادها فورا) قال سم: ظاهره وإن لم يبق حياة مستقرة.

اه.

(قوله: حل) جواب لو.

(قوله: وقول بعضهم) مبتدأ، خبره مفرع الخ.

وقوله: لو رفع الخ مقول القول.

(قوله: مفرع) أي مرتب.

وقوله: على عدم الحياة المستقرة عند إعادتها ليس هذا في عبارة

التحفة المارة، وإنما الذي فيها على مقابل كلام الإمام.

أي وهو اشتراط وجود الحياة المستقرة عند انتهاء الذبح، كما يشترط عند ابتدائه.

نعم، ما ذكره المؤلف يفهم من المقابل المذكور إذ اشتراط وجود الحياة المستقرة عند انتهائه يفهم أنه لو لم توجد عند ذلك لا يحل.

(قوله: أو محمول الخ) معطوف على مفرع.

(قوله: ويؤيده) أي ما ذكر من أنه لو رفع يده فأعادها فورا وأتم الذبح: حل.

ومن أن قول بعضهم فيما إذا رفع يده ثم أعادها أنه لا يحل.

محمول على عدم إعادتها على الفور.

(قوله: فيما لو انفلتت) الذي في عبارة التحفة المارة: انقلبت بقاف بعد النون، وبباء بعد اللام.

(وقوله: أنه يحل) أن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بإسقاط الخافض، أي إفتاء غير واحد بالحل.

(قوله: انتهى) أي قول شيخه في شرح المنهاج، لكن بتصرف وحذف كما يعلم من عبارته المارة.

(وقوله: ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض) مقابل قوله غير المريض.

وكان المناسب أن يقول كعادته: وخرج بقولي غير المريض: المريض، فلا يشترط فيه وجود حياة مستقرة أول ذبحه، فإذا انتهى إلى حركة مذبوح وذبحه ولو أخرها عن قوله كفى ذبحه، لكان أولى.

أي أن المريض إذا انتهى لحركة مذبوح كفى ذبحه، وإن كان سبب المرض أكل نبات مضر.

(قوله: كفى ذبحه) جواب لو.

ص: 396

آخر رمقه، إذ لم يوجد ما يحال عليه الهلاك من جرح أو نحوه.

فإن وجد، كأن أكل نباتا يؤدي إلى الهلاك، اشترط فيه وجود الحياة المستقرة فيه عند ابتداء الذبح، ولو بالظن، بالعلامة المذكورة بعده.

(فائدة) من ذبح تقريا لله تعالى لدفع شر الجن عنه لم يحرم، أو بقصدهم حرم.

وثانيهما: كونه مأكولا - وهو من الحيوان البري: الانعام، والخيل، وبقر وحش، وحماره، وظبي،

ــ

(قوله: في آخر رمقه) قال في المصباح: الرمق بفتحتين بقية الروح، وقد يطلق على القوة.

اه.

وكلا المعنيين صحيح هنا، إلا أنه يحتاج إلى تقدير مضاف على الأول.

أي في آخر خروج بقية روحه.

(قوله: إذ لم يوجد ما يحال عليه الهلاك) أي سبب يحال عليه الهلاك ويجعله قتيلا، وهو علة لقوله كفى ذبحه الخ.

وقوله: من جرح بيان لما.

وقوله: أو نحوه أي مما مر من سقوط نحو سيف عليه، أو عض نحو هرة إياه.

(قوله: فإن وجد) أي ما يحال عليه الهلاك.

(قوله: كأن أكل إلخ) أي وكأن جرح أو سقط عليه نحو سيف، أو عضه نحو هرة.

(وقوله: نباتا يؤدي إلى الهلاك) علم من هذا ومما مر من النبات المؤدي إلى المرض أنه فرق بين النباتين، فالذي يؤدي إلى المرض لا يؤثر، والذي يؤدي إلى الهلاك يؤثر.

(قوله: اشترط فيه) أي في الاكتفاء بذبحه.

قوله: وجود الخ نائب فاعل اشترط.

وقوله: فيه أي الحيوان المريض.

وقوله: عند ابتداء الذبح أي فقط كما مر وهو متعلق بوجود.

قوله: ولو بالظن أي ولو كان وجود الحياة بالظن لا باليقين فإنه يكفي.

وقوله: بالعلامة أي بالظن الحاصل بالعلامة.

وقوله: المذكورة أي فيما مر من نحو شدة حركة، وانفجار دم وتدفقه.

وقوله: بعده متعلق بمحذوف صفة للعلامة، أي العلامة الكائنة بعد الذبح، ولا يصح تعلقه بالمذكورة كما هو ظاهر -.

(قوله: فائدة: من ذبح) أي شيئا من الإبل، أو البقر، أو الغنم.

وقوله: تقربا لله تعالى أي بقصد التقرب والعبادة لله تعالى وحده.

وقوله: لدفع شر الجن عنه علة الذبح، أي الذبح تقربا لأجل أن الله سبحانه وتعالى يكفي الذابح شر الجن عنه.

وقوله: لم يحرم أي ذبحه، وصارت ذبيحته مذكاة، لأن ذبحه لله لا لغيره، (قوله: أو بقصدهم: حرم) أي أو ذبح بقصد الجن لا تقربا إلى الله، حرم ذبحه، وصارت ذبيحته ميتة.

بل إن قصد التقرب والعبادة للجن كفر كما مر فيما يذبح عند لقاء السلطان أو زيارة نحو ولي.

(قوله: وثانيهما) أي وثاني شرطي الذبيح: كونه مأكولا.

واعلم أن الفقهاء أفردوا بيان المأكول من الحيوانات البرية والبحرية، وغير المأكول، بباب سموه باب الأطعمة، وذكروه قبل الصيد والذبائح، وبعضهم ذكره بعده، وإن من أهم الأشياء معرفة ما يحل أكله وما لا يحل.

وذلك لأن في تناول الحرام الوعيد الشديد، فقد ورد في الخبر: أي لحم نبت من حرام فالنار أولى به.

وإذا علمت ذلك، فكل طاهر يحل أكله إلا عشرة أشياء: الآدمي، والمضر كالسم والحجر، والتراب، والمستقذر كالمني وذا المخلب، وذا الناب القوي الذي يعدو به، وما نص عليه في آية * (حرمت عليكم الميتة) * (1)، وما استخبثته العر ب كالحشرات، وما نهى عن قتله كخطاف، ونحل، وضفدع (1)، وما أمر بقتله كحية وعقرب وما يركب من الدواب إلا الإبل والخيل.

(قوله: وهو إلخ) بيان للمأكول من حيث هو بالعد.

وقوله: من الحيوان البري الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من المبتدأ الذي هو الضمير على رأي سيبويه.

(قوله: الأنعام) أي الإبل والبقر والغنم.

وحل أكلها لأن الله تعالى نص عليه في قوله: * (أحلت لكم بهيمة الأنعام) * (1)، ولاستطابة العرب لها.

وكالأنعام النعام، فيحل أكله بالإجماع.

(قوله: والخيل) أي لانه صلى الله عليه وسلم: نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل رواه الشيخان، ورويا

(1) المائدة: 3.

(1)

(قوله: وضفدع) عن ابن عمرو بن العاصي: لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقهن تسبيح.

وفي المناوي قوله نقيقهن: أي ترجيح صوتهن.

اه.

(1)

المائدة 1

ص: 397

وضبع، وضب، وأرنب، وثعلب، وسنجاب، وكل لقاط للحب.

لا أسد، وقرد، وصقر، وطاوس، وحدأة،

ــ

أيضا عن اسماء قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ونحن بالمدينة.

وأما خبر النهي عن لحوم الخيل فهو منكر كما قاله الإمام أحمد وغيره أو منسوخ كما قاله أبو داود.

والخيل: اسم جمع لا واحد له من لفظه وأصل خلقها من الريح.

وسميت خيلا لاختيالها في مشيها.

وروى ابن ماجه عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإبل عز لأهلها، والغنم بركة، والخيل معقود في نواصيها الخير، ومعنى عقد الخير بنواصيها: أنه لازم لها كأنه معقود فيها.

والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة، وكنى بالناصية عن جميع ذات الفرس.

كما يقال: فلان مبارك الناصية.

وفي حديث لا تحضر الملائكة من اللهو شيئا إلا ثلاثة: لهو رجل مع امرأته، وإجراء الخيل، والنصال كذا في البجيرمي.

(قوله: وبقر وحش وحماره) أي لانه صلى الله عليه وسلم قال في الثاني: كلوا من لحمه.

وأكل منه رواه الشيخان.

وقيس به الأول.

ولا فرق في حمار الوحش بين أن يستأنس أو يبقى على توحشه.

قال في شرح الروض: وفارقت الحمر الوحشية الحمر الأهلية بأنها لا ينتفع بها في الركوب والحمل، فانصرف الانتفاع بها إلى أكلها خاصة.

اه.

(قوله: وظبي) أي للإجماع على حل أكله.

(قوله: وضبع) هو بضم الباء أفصح من إسكانها.

وحل أكله لأنه صلى الله عليه وسلم قال: يحل أكله، رواه الترمذي.

ولا يقال: كيف يحل أكله مع كونه ذا ناب؟ لأنا نقول إن نابه ضعيف فكأنه لا ناب له.

ومن عجيب أمره أنه يحيض، ويكون سنة ذكرا، وسنة أنثى.

ويقال للذكر: ضبعان على وزن عمران وللأنثى ضبع.

وهو من أحمق الحيوان، لأنه يتناوم حتى يصاد.

(قوله: وضب) أي لأنه أكل على مائدته صلى الله عليه وسلم ولم يأكل هو منه، فقيل له: أحرام هو؟ قال: لا.

ولكنه ليس بأرض قومي، فأجد نفسي تعافه.

وهو حيوان للذكر منه ذكران، وللأنثى فرجان.

وهو يعيش سبعمائة سنة فصاعدا، وأنه يبول في كل أربعين يوما قطرة، ولا يشرب الماء بل يكتفي بالنسيم، أو برد الهواء.

ولا يسقط له سن، ويقال إن أسنانه قطعة واحدة، وإن أكل لحمه يذهب العطش.

ومن الأمثال لا أفعل كذا حتى يرد الضب الماء يقوله: من أراد أن لا يفعل الشئ لأن الضب لا يشرب الماء كما علمت.

(قوله: وأرنب) أي لأنه: بعث بوركها إليه صلى الله عليه وسلم فقبله.

رواه الشيخان، زاد البخاري: وأكل منه، وهو حيوان يشبه العناق، قصير، عكس الزرافة، يطأ الأرض على مؤخر قدميه.

اه.

شرح المنهج.

(قوله: وثعلب) أي لأنه مما استطابته العرب، ولا يتقوى بنابه، وكنيته أبو الحصين، والأنثى ثعلبة، وكنيتها أم هويل.

وفي البجيرمي: وقال الدميري: نص الشافعي على حل أكله، وكرهه أبو حنيفة ومالك، وحرمه جماعة منهم أحمد بن حنبل في أكثر رواياته.

ومن حيلته في طلب الرزق أنه يتماوت، وينفخ بطنه، ويرفع قوائمه، حتى يظن أنه قد مات، فإذا قرب عليه الحيوان وثب عليه وصاده.

وحيلته هذه لا تتم على كلب الصيد.

قيل الثعلب: ما لك تعدو أكثر من الكلب؟ فقال: إني أعدو لنفسي، والكلب يعدو لغيره.

ومن العجيب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله، ويصيد الثعلب القنفذ فيأكله، ويصيد القنفذ الأفعى فيأكلها، والأفعى تصيد العصفور فتأكله، والعصفور يصيد الجراد فيأكلها، والجراد يلتمس فرخ الزنانير فيأكله، والزنبور يصيد النحلة فيأكلها، والنحلة تصيد الذبابة فتأكلها، والذبابة تصيد البعوضة فتأكلها ومما يروى من حيل الثعلب، ما ذكره الشافعي رضي الله عنه، قال: كنا بسفر في أرض اليمن، فوضعنا سفرتنا لنتعشى، فحضرت صلاة المغرب، فقمنا لنصلي ثم نتعشى، وتركنا السفرة كما هي وقمنا إلى الصلاة، وكان فيها دجاجتان، فجاء الثعلب فأخذ إحدى الدجاجتين، فلما قضينا الصلاة أسفنا عليها، وقلنا حرمنا طعامنا، فبينما نحن

ص: 398

وبوم، ودرة، وكذا غراب أسود ورمادي اللون، خلافا لبعضهم.

ويكره جلالة - ولو من غير نعم - كدجاج إن

ــ

كذلك إذ جاء الثعلب وفي فمه شئ كأنه الدجاجة، فوضعها، فبادرنا إليه لنأخذها ونحن نحسبه الدجاجة فلما قمنا: جاء إلى الأخرى وأخذها من السفرة، وأصبنا الذي قمنا إليه لنأخذها، فإذا هو ليف قد هيأه مثل الدجاجة.

اه.

(قوله: وسنجاب) أي لأن العرب تستطيبه.

قال البجيرمي: وهو حيوان على حد اليربوع، يتخذ من جلده الفراء.

اه.

ومثله السمور بفتح السين، وتشديد الميم وهما نوعان من ثعالب الترك.

(قوله: وكل لقاط للحب) أي كالحمام.

ودخل فيه سائر أنواع الطيور ما عدا ذا المخلب: أي الظفر كالصقر، والباز، والشاهين للنهي عنها في خبر مسلم.

(قوله: لا أسد) معطوف على الأنعام، أي وليس من المأكول الأسد، ومثله كل ذي ناب قوي يعدو به على الحيوان، كنمر، وذئب، ودب، وفيل، وكلب، وخنزير، وفهد، وابن آوى، وهرة ولو وحشية.

(قوله: وقرد) أي لأنه ذو ناب، وهو حيوان ذكي، سريع الفهم، يشبه الإنسان في غالب حالاته، فإنه يضحك، ويضرب، ويتناول الشئ بيده، ويأنس بالناس.

وفي البجيرمي: قال الدميري: يحرم أكله، ويجوز بيعه.

اه.

(قوله: وصقر الخ) أي ولا صقر إلخ.

أي ونحوها من كل ذي مخلب من الطير.

والصقر اسم جنس لكل ما يصيد، فهو شامل للبازات، والشواهين، وغيرهما.

قال الشرقاوي: وكالصقر في الحرمة: الرخ وهو أعظم الطيور جثة، لأن طول جناحه عشرة آلاف باع، المساوية لأربعين ألف ذراع وكذا النسر، والعقاب بضم أوله وجميع جوارح الطير.

اه.

بحذف.

(قوله: وطاوس) هو طائر في طبعه العفة، وحب الزهو بنفسه، والخيلاء والإعجاب بريشه.

(قوله: وحدأة) هي بوزن عنبه، وجمعها حدى.

ذكر عن ارسطا طاليس أن الغراب يصير حدأة، وهي تصير عقابا، كذا يتبدلان كل سنة.

ومن طبع الحدأة أن تقف

في الطيران، وليس ذلك لغيرها.

ويقال إنها أحسن الطير مجاورة لما جاورها من الطير، فلو ماتت جوعا لم تعد على فراخ جارها.

والسبب في صياحها عند سفادها أن زوجها قد جحد ولدها منه، فقالت: يا نبي الله، قد سفدني، حتى إذا حضنت بيضي، وخرج منه ولدي، جحدني، فقال سليمان عليه السلام للذكر: ما تقول؟ فقال: يا نبي الله، إنها تحوم حول البراري، ولا تمتنع من الطيور، فلا أدري، أهو مني، أو من غيري؟ فأمر سليمان عليه السلام بإحضار الولد، فوجده يشبه والده، فألحقه به، ثم قال سليمان: لا تمكنيه أبدا حتى تشهدين على ذلك الطير، لئلا يجحد بعدها.

فصارت إذا سفدها صاحت وقالت: يا طيور، اشهدوا، فإنه سفدني.

اه.

بجيرمي.

ومثل الحدأة: الرخمة، وهو طائر أبيض، ومن طبعه أنه لا يرضى من الجبال إلا الموحش منها، ولا من الأماكن إلا أبعدها من أماكن أعدائه.

والأنثى لا تمكن من نفسها غير ذكرها، وتبيض بيضة واحدة.

(قوله: وبوم) هو بلا تاء للذكر، والأنثى يقال لها بومة بالتاء وهي المصاصة، ومن طبعها أن تدخل على كل طائر في وكره، وتخرجه منه، وتأكل فراخه وبيضه، وهي قوية السطوة في الليل، لا يحتملها شئ من الطير، ولا تنام في الليل.

وعن سيدنا سليمان صلوات الله وسلامه عليه: ليس من الطيور أنصح لبني آدم، وأشفق عليهم من البومة تقول إذا وقفت عند خربة: أين الذين كانوا يتنعمون في الدنيا ويسعون فيها؟ ويل لبني آدم كيف ينامون وأمامهم الشدائد؟ تزودوا يا غافلين، وتهيأوا لسفركم.

ح ل.

اه.

بجيرمي.

(قوله: ودرة) هي في قدر الحمامة، فيتخذها الناس للانتفاع بصوتها كما يتخذون الطاووس للانتفاع بصوته ولونه ولها قوة على حكاية الأصوات، وقبول التلقين.

قال ح ل: وقد وقع لي أني دخلت منزلا لبعض أصحابنا وفيه درة لم أرها، فإذا هي تقول: مرحبا بالشيخ البكري وتكرر ذلك فعجبت من فصاحة عبارتها.

ص: 399

وجد فيها ريح النجاسة.

ويحل أكل بيض غير المأكول، خلافا لجمع.

ويحرم من الحيوان البحري: ضفدع، وتمساح، وسلحفاة، وسرطان.

لا قرش، ودنليس على الاصح فيهما.

قال في المجموع: الصحيح المعتمد أن

ــ

(وحكى) الكمال الأقوى في الطالع السعيد عن الفاضل الأديب محمد القوصى عن الشيخ علي الحريري: أنه رأى درة تقرأ سورة يس.

وعن بعضهم، قال: شاهدت غرابا يقرأ سورة السجدة، وإذا وصل إلى محل السجود

سجد، وقال: سجد لك سوادي، وآمن بك فؤادي.

اه.

(قوله: وكذا غراب إلخ) فصله عما قبله بكذا، لأن فيه خلافا، لكن الشارح أطلق في الأسود، مع أن غراب الزرع يحل أكله على الأصح - وهو أسود صغير، يقال له الزاغ.

وحاصل ما يقال في الغربان أنها أنواع: فمنها ما هو حرام بالاتفاق، لوروده في الخبر، وهو الأبقع الذي فيه سواد وبياض.

ومنها ما هو حرام على الأصح، وهو الغداف الكبير، وهو أسود، ويسمى الجبلي لأنه لا يسكن إلا الجبال.

وكذا العقعق: وهو ذو لونين أبيض وأسود، طويل الذنب، قصير الجناح، صوته العقعقة.

ومنها ما هو حلال على الأصح، وهو غراب الزرع، وهو أسود صغير، يقال له الزاغ.

والغداف الصغير وهو أسود أو رمادي اللون.

وممن اعتمد حل هذا: البغوي، والجرجاني، والروياني، والأسنوي، والبلقني، والشهاب الرملي، وولده.

والذي اعتمده في أصل الروضة: تحريم هذا، وجرى عليه إبن المقري وظاهر التحفة اعتماده، ولعل هذا الأخير هو مراد شارحنا، ويكون هو ممن اعتمد الحرمة تبعا لظاهر كلام شيخه.

(قوله: ورمادي اللون) الواو بمعنى أو.

(قوله: خلافا لبعضهم) أي حيث قال: بحل أكله.

(قوله: ويكره جلالة) أي ويكره أكل لحم الجلالة وبيضها، وكذا شرب لبنها، لخبر: أنه صلى الله عليه وسلم: نهى عن أكل الجلالة وشرب لبنها حتى تعلف أربعين ليلة رواه الترمذي.

وزاد أبو داود: وركوبها.

والجلالة هي التي تأكل الجلة وهي بفتح الجيم وكسرها وضمها البعرة كذا في القاموس لكن المراد بها هنا النجاسة مطلقا.

(قوله: ولو من غير نعم) أي ولو كانت الجلالة من غير النعم.

وقوله: كدجاج بفتح أوله أفصح من ضمه وكسره، وهو تمثيل للغير.

وقوله: إن وجد فيها ريح النجاسة تقييد للكراهة، أي محل الكراهة إن ظهر في لحمها ريح النجاسة.

ومثله ما إذا تغير طعمه أو لونه.

وعبارة التحفة مع الأصل: وإذا ظهر تغير لحم جلالة أي طعمه، أو لونه أو ريحه كما ذكره الجويني، واعتمده جمع متأخرون ومن اقتصر على الأخير أراد الغالب.

اه.

فإن لم يظهر ما ذكر فلا كراهة، وإن كانت لا تأكل إلا النجاسة.

والسخلة المرباة بلبن كلبة أو نحوها كالجلالة فيما ذكر.

ولا يكره بيض سلق بماء نجس، كما لا يكره الماء إذا سخن بالنجاسة، ولا حب زرع نبت في زبل أو غيره من النجاسات.

(قوله: ويحل أكل بيض غير المأكول) هذا قد ذكره الشارح في مبحث النجاسة، وأعاده هنا لكون الكلام في بيان حكم الأطعمة.

(قوله: خلافا لجمع) أي حيث قالوا بحرمة أكله.

وعبارة الروض: وفي حل أكل بيض ما لا يؤكل تردد قال في شرحه: أي خلاف مبني على طهارته.

قال في المجموع: وإذا قلنا

بطهارته.

حل أكله، بلا خلاف، لأنه طاهر غير مستقذر بخلاف المني.

قال البلقيني: وهو مخالف لنص الأم والنهاية والتتمة والبحر على منع أكله، وإن قلنا بطهارته، وليس في كتب المذهب ما يخالفه.

اه.

(قوله: ويحرم من الحيوان البحري الخ) مقابل قوله من الحيوان البري، لكن كان الأنسب في المقابلة أن يقول: ومن الحيوان البحري كل ما فيه، ما عدا كذا وكذا.

والمراد من الحيوان البحري في كلامه كل ما يوجد في البحر سواء كان لا يعيش إلا فيه، أو كان يعيش فيه وفي البر كالضفدع، وما ذكر بعده.

(قوله: ضفدع) بكسر أوله مع كسر ثالثه أو فتحه، وهو حيوان لا عظم له، يعيش في البر وفي البحر.

ومن خواصه أنه كفئ طشت في بركة هو فيها منع من نقيقه فيها.

(قوله: وتمساح) هو حيوان يعيش

(1)(قوله: من نقيقه) بقافين.

قال في المختار: نق الضفدع والعقرب والدجاجة، ينق - بالكسر - نقيا: أي صوت.

اه

ص: 400

جميع ما في البحر يحل ميتته إلا الضفدع، ويؤيده نقل ابن الصباغ عن الاصحاب حل جميع ما فيه، إلا الضفدع.

ــ

في البر والبحر.

قال الدميري: هو على صورة الضب، وهو من أعجب حيوان الماء، له فم واسع، وستون نابا في فكه الأعلى، وأربعون في فكه الأسفل، وبين كل نابين سن صغير مربع، ويدخل بعضها في بعض عند الانطباق، ولسانه طويل، وظهره كظهر السلحفاة، لا يعمل الحديد فيه، وله أربعة أرجل، وذنب طويل، ولا يكون إلا في نيل مصر خاصة.

ومن عجائب أمره أنه ليس له مخرج، فإذا امتلأ جوفه خرج إلى البر، وفتح فاه، فيجئ طائر يقال له القطقاط، فيلقط ذلك من فيه، وهو طائر صغير، يجئ يطلب الطعم، فيكون في ذلك غذاء له، وراحة للتمساح.

وهذا الطائر في رؤوس أجنحته شوك، فإذا أغلق التمساح فمه عليه نخسه بها فيفتحه.

اه.

(قوله: وسلحفاة) بضم السين، وفتح اللام واحدة السلاحف، وهو حيوان يبيض في البر، فما نزل منه في البحر كان لجأة، وما استمر منه في البر كان سلحفاة.

ويعظم الصنفان جدا، إلى أن يصير كل واحد حمل جمل.

وفي العجائب: إن السلحفاة حيوان بري وبحري، أما البحري: فقد يكون عظيما جدا، حتى يظن أصحاب المراكب أنها جزيرة.

حكى بعض التجار، قال: ركبنا البحر، فوجدنا في وسط البحر جزيرة مرتفعة عن الماء فيها نبات أخضر، فخرجنا إليها، وحفرنا حفرا للطبخ، فبينما نحن مشتغلون بالطبخ إذ تحركت الجزيرة، فقال الملاحون: هلموا إلى مكانكم، فإنها سلحفاة أصابها حرارة النار، بادروا قبل أن تنزل بكم البحر فكانت من عظم جسمها تشابه جزيرة، واجتمع على ظهرها التراب بطول الزمان، حتى صار كالأرض، ونبت عليها الحشيش.

اه.

رشيدي.

وفي حاشية شرح

المعفوات.

(قوله: وسرطان) قال الدميري: هو من خلق الماء، ويعيش في البر أيضا وهو جيد المشي، سريع العدو، ذو فكين، ومخلب، وأظفار حداد، وله ثمانية أرجل.

اه.

قال ع ش: وليس من السرطان المذكور: ما وقع السؤال عنه، وهو أن ببلاد الصين نوعا من حيوان البحر يسمونه سرطانا، وشأنه أنه متى خرج من البحر انقلب حجرا، وجرت عادتهم باستعماله في الأدوية، بل هو ما يسمى سمكا لانطباق تعريف السمك عليه فهو طاهر، يحل الانتفاع به في الأدوية وغيرها.

اه.

(قوله: لا قرش) أي لا يحرم قرش وهو بكسر القاف، وسكون الراء ويقال له اللخم: بفتح اللام، والخاء المعجمة.

اه.

شرح الروض.

(قوله: ودنيلس) أي ولا يحرم دنيلس، وهو مضبوط بالقلم في نسخ فتح الجواد الصحيحة بفتح الدال والنون المخففة، وسكون الياء، وفتح اللام.

قال في شرح الروض: ولم يتعرضوا للدنيلس.

وعن ابن عدلان وعلماء عصره أنهم أفتوا بحله، لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه.

وعن ابن عبد السلام أنه أفتى بتحريمه.

قال الزركشي: وهو الظاهر، لأنه أصل السرطان.

لكن قال الدميري: لم يأت على تحريمه دليل، وما نقل عن ابن عبد السلام لم يصح، فقد نص الشافعي على أن حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه يؤكل، لعموم الآية والأخبار.

اه.

(قوله: على الأصح فيهما) أي أن عدم حرمة القرش والدنيلس: مبني على القول الأصح فيهما، ومقابله يقول بالحرمة.

(قوله: قال في المجموع إلخ) عبارة فتح الجواد: ونازع في ذلك في المجموع، فقال: الصحيح المعتمد، أن جميع ما في البحر يحل ميتته، إلا الضفدع.

وحمل ما ذكروه من السلحفاة والحية أي التي لا اسم لها لحرمة ذات السم مطلقا، والنسناس على غير ما في البحر.

اه.

(قوله: أن جميع ما في البحر يحل ميتته) أي لقوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه)(1) * ولقوله صلى الله عليه وسلم: أحلت لنا ميتتان: السمك، والجراد.

وقوله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته.

(قوله: إلا الضفدع) قال في التحفة: أي وما فيه سم.

(قوله: ويؤيده) أي ما اعتمده في المجموع.

(قوله: حل جميع ما

(1) المائدة: 96

ص: 401

ويحل أكل ميتة الجراد والسمك - إلا ما تغير في جوف غيره، ولو في صورة كلب أو خنزير.

ويسن ذبح

ــ

فيه) أي في البحر.

(قوله: ويحل أكل ميتة الجراد) أي للحديث المار.

والجراد مشتق من الجرد، وهو بري وبحري، وبعضه أصفر، وبعضه أبيض، وبعضه أحمر، وله ديدان في صدره، وقائمتان في وسطه، ورجلان في مؤخره.

وليس في الحيوانات أكثر إفسادا منه.

قال الأصمعي: أتيت البادية، فرأيت رجلا يزرع برا، فلما قام على سوقه، وجاد بسنبله، جاء إليه الجراد، فجعل الرجل ينظر إليه، ولا يعرف كيف يصنع؟ ثم أنشأ يقول: مر الجراد على زرعي فقلت له: * * لا تأكلن، ولا تشغل بإفساد فقام منهم خطيب فوق سنبلة: * * إنا على سفر، لا بد من زاد ولعابه سم على الأشجار، لا يقع على شئ إلا أفسده.

في البجيرمي: أسند الطبراني عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: كنا على مائدة نأكل أنا وأخي محمد بن الحنفية وبنو عمي عبد الله والقاسم والفضل أولاد العباس، فوقعت جرادة على المائدة، فأخذها عبد الله وقال لي: ما مكتوب على هذه؟ فقلت: سألت أبي أمير المؤمنين عن ذلك، فقال: سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مكتوب عليها: أنا الله لا إله إلا أنا، رب الجراد ورازقها، إن شئت بعثتها رزقا لقوم، وإن شئت بعثتها بلاء على قوم.

فقال ابن عباس: هذا من العلم المكنون.

وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله عزوجل خلق ألف أمة: ستمائة منها في البحر، وأربعمائة منها في البر، وإن أول هلاك هذه الأمة: الجراد.

فإذا هلك الجراد تتابع هلاك الأمم.

وحكى القزويني أن هددا قال لسليمان عليه السلام: أريد أن تكون ضيفي أنت وعسكرك يوم كذا بجزيرة كذا، فحضر سليمان بجنوده، فأتى الهدهد بجرادة ميتة، فألقاها في البحر، وقال كلوا، فمن فاته اللحم أدرك المرق، فضحك منه سليمان وجنوده، وفي هذا قيل: جاءت سليمان يوم العرض هدهدة * * أهدت إليه جرادا كان في فيها وأنشدت - بلسان الحال - قائلة: * * إن الهدايا على مقدار مهديها لو كان يهدى إلى الإنسان قيمته: * * لكان يهدى لك الدنيا بما فيها (قوله: والسمك) أي ويحل أكل ميتة السمك، وهذا قد علم من قوله السابق: أن جمع ما في البحر يحل ميتته، لكن أعاده لأجل الاستثناء بعده.

(قوله: ما تغير) أي من الجراد والسمك، أي وتقطع كما صرح به في التحفة وعبارتها: ولو تغيرت سمكة، وتقطعت بجوف أخرى حرمت.

ونوزع في اعتبار التقطع.

ويجاب بأن العلة أنها صارت كالروث، ولا تكون مثله إلا إن تقطعت.

أما مجرد التغير فهو بمنزلة نتن اللحم، أو الطعام، وهو لا يحرمه.

اه.

وقوله: في جوف غيره أفرد الضمير باعتبار لفظ ما، وإلا فحقه غيرهما بضمير التثنية العائد على السمك والجراد

والمراد بالغير الحيوان، وهو صادق بالسمك نفسه، فلو بلعت سمكة سمكة وتغيرت في جوفها وتقطعت حرمت كما مر عن التحفة، ومثلها النهاية ونصها: ولو وجدنا سمكة في جوف أخرى ولم تتقطع وتتغير حلت، وإلا فلا.

اه.

(قوله: ولو في صورة كلب) غاية في حل السمك، أي يحل، وإن لم يكن على صورة السمك المشهور بأن كان على صورة كلب، أو خنزير وهي للرد على القائل: بأنه لا يحل إلا ما كان على صورة السمك المشهور لتخصيص الحل به

ص: 402

كبيرهما الذي يطول بقاؤه.

ويكره ذبح صغيرهما، وأكل مشوي سمك قبل تطييب جوفه، وما أنتن منه - كاللحم - وقلي حي في دهن مغلي.

وحل أكل دود نحو الفاكهة - حيا كان أو ميتا - بشرط أن لا ينفرد عنه، وإلا لم يحل أكله، ولو معه - كنمل السمن - لعدم تولده منه - على ما قاله الرداد - خلافا لبعض أصحابنا.

ــ

في خبر: أحل لنا ميتتان: السمك، والجراد.

ويرده أن كل ما في البحر يسمى سمكا.

(قوله: يسن ذبح كبيرهما) أي الجراد والسمك، وفيه أن الجراد لا يصير كبيرا حتى أنه يسن ذبحه.

وعبارة الخطيب: ويكره ذبحهما، إلا سمكة كبيرة يطول بقاؤها فيسن ذبحها.

اه.

ومثلها عبارة شرح المنهج، وهي أولى.

وقوله: فيسن ذبحها.

قال البجيرمي: أي من الذيل، لأنه أصفى للدم، ما لم تكن على صورة حيوان بذبح، وإلا فتذبح من رقبتها.

اه.

(قوله: ويكره ذبح صغيرهما) أي لما فيه من التعذيب.

(قوله: وأكل مشوي إلخ) أي ويكره أكل سمك مشوي قبل تطييب جوفه، أي قبل إخراج ما في جوفه من المستقذرات.

وظاهره أنه يجوز أكله مع ما في جوفه مطلقا، ولو كان كبيرا.

وقيد في مبحث النجاسة جواز ذلك بالصغير، وعبارته هناك: ونقل في الجواهر عن الأصحاب: لا يجوز أكل سمك ملح ولم ينزع ما في جوفه أي من المستقذرات وظاهره: لا فرق بين كبيرة وصغيره.

لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير مع ما في جوفه لعسر تنقية ما فيه.

اه.

ثم إن التقييد بسمك يفيد أنه لا كراهة في أكل مشوي الجراد قبل ذلك وعبارة فتح الجواد مصرحة بأنه مثل السمك ونصها ويكره ذبح صغيرها وأكل مشوي كل قبل تطييب جوفه.

اه.

فقوله: أي من السمك والجراد.

(قوله: وما أنتن منه) معطوف على مشوي، أي يكره أكل ما أنتن، أي تغير من السمك، ومحل الكراهة إن لم يضر، وإلا حرم.

(قوله: كاللحم) أي كما يكره أكل المنتن من لحم غير السمك.

(قوله: وقلي حي) أي ويكره قلي حي من سمك أو جراد.

ومثل القلي الشي.

وقيل يحرم ذلك، لما فيه من التعذيب.

وكتب سم على قول التحفة ويكره أيضا قليها وشيها إلخ ما نصه: فيه التسوية بين السمك والجراد في حل قليه وشيه حيا، وفيه نظر.

والمتجه: الحل في السمك فإنه حاصل ما اعتمده في الروضة دون الجراد، كما يؤخذ من تعليل الروضة الحل في السمك بأن حياته في البر حياة المذبوح، وما في شرح الروض مما هو كالصريح في نقل الحل في الجراد عن الروضة فيه نظر، فإنه ليس في الروضة كما يعلم بمراجعتها.

اه.

وقوله: في دهن مغلى أي ولا يتنجس بما في جوفه، لأنه يتسامح به.

(قوله:

وحل أكل دود (إلخ) هذا قد ذكره أيضا فيما مر، وأعاده هنا لكون الكلام في الأطعمة، وعبارته هناك ويحل أكل دود مأكول معه، ولا يجب غسل نحو الفم منه.

اه.

وقوله: نحو الفاكهة أي من كل مأكول، كالفول والمش.

(قوله: حيا كان) أي الدود.

(قوله: بشرط إلخ) متعلق بحل.

وقوله: أن لا ينفرد أي ينفصل الدود.

وقوله: عنه أي عن ولد كان أكله مع نحو الفاكهة.

(قوله: وإلا) أي بأن انفرد.

وقوله: لم يحل أكله أي الدود المنفرد.

وقوله: ولو معه أي ولو كان أكله مع نحو الفاكهة.

وقوله: كنمل السمن أي فإنه لا يحل أكله.

فالكاف لتنظير الدود المنفرد بالنمل في ذلك.

ولو قال لا نمل عطف على دود لكان أولى، لأن النمل لا يحل أكله مطلقا متصلا بالسمن، أو منفردا عنه بدليل العلة بعده، وهي: لعدم تولده أي النمل فيه أي السمن بخلاف دود نحو الفاكهة، فإنه متولد منه، ولذلك اغتفر أكله.

وعبارة المنهاج: وكذا يحل الدود المتولد من الطعام كخل، وفاكهة إذا أكل معه.

قال في التحفة: يعني إذا لم ينفرد، أما المنفرد عنه: فيحرم، وإن أكل معه، لنجاسته إن مات، وإلا فلاستقذاره.

ولو وقع في عسل نمل وطبخ جاز أكله.

أو في لحم: فلا، لسهولة تنقيته كذا جزم به غير واحد، وفيه نظر ظاهر، إذ العلة إن كانت الاستهلاك لم يتضح الفرق، مع علمه مما يأتي في نحو الذبابة أو غيره، فغايته أنه ميتة لا دم له سائل، وهي لا يحل أكله مع ما ماتت فيه وإن لم تنجسه.

نعم، أفتى بعضهم بأنه إن تعذر تخليصه، ولم يظن منه ضررا حل أكله معه.

اه.

(قوله: على ما قاله إلخ) أي أن عدم حل أكل نمل السمن هو مبني على ما قاله الكمال الرداد أي وهو المعتمد كما يعلم من كلام التحفة المار.

(قوله: خلافا لبعض أصحابنا) أي حيث قال: يحل أكله مثل الدود - لكن بشرط أن يكون في نحو السمن كالعسل.

أما في

ص: 403

ويحرم كل جماد مضر لبدن أو عقل - كحجر، وتراب، وسم - وإن قل، إلا لمن لا يضره - ومسكر، ككثير أفيون، وحشيش، وبنج.

(فائدة) أفضل المكاسب الزراعة، ثم الصناعة، ثم التجارة.

قال جمع: هي أفضلها - ولا تحرم معاملة

ــ

اللحم فلا يحل بالاتفاق، كما يعلم أيضا من كلام التحفة المار.

(قوله: ويحرم كل جماد مضر) أي ضررا بينا لا يحتمل عادة لا مطلق ضرر كذا في البجيرمي، نقلا عن الأذرعي.

(قوله: كحجر إلخ) أمثلة للمضر للبدن.

وقوله: وتراب قال في التحفة: ومنه مدر، وطفل لمن يضره.

وعليه يحمل إطلاق جمع متقدمين حرمته، بخلاف من لا يضره كما قاله جمع متقدمون، واعتمده السبكي وغيره.

اه.

ومثله في النهاية.

وفي البجيرمي: ومحل تحريم الطين: في غير النساء الحبالى، فإنه لا يحرم عليهن أكله، لأنه بمنزلة التداوي.

اه.

(قوله: وإن قل) يحتمل رجوعه للسم فقط وهو ما يفيده صنيع التحفة ويحتمل رجوعه للمذكور من الحجر وما بعده.

وعبارة متن الروض: يحرم تناول ما يضر كالحجر، والتراب، والزجاج، والسم إلا قليله.

اه.

قال في شرحه: أي السم كما في الأصل أو ما يضر

وهو أعم.

اه.

وقوله: وما يضر معناه أن الضمير يعود عليه.

وقوله: إلا لمن لا يضره أي القليل، فإنه لا يحرم في حقه.

أما الكثير فيحرم مطلقا كما في ع ش.

(قوله: ومسكر) تمثيل للجماد المضر للعقل.

(قوله: ككثير أفيون) أي وجوز، وعنبر، وزعفران.

(قوله: وحشيش) أي وكثير حشيش.

وما أحسن قول بعضهم فيه: قل لمن يأكل الحشيشة جهلا * * يا خسيسا قد عشت شر معيشه دية العقل بدرة فلماذا * * يا سفيها قد بعتها بحشيشه؟ (قوله: وبنج) أي وكثير بنج، وفي البجيرمي: يجوز تناوله، ليزيل عقله، لقطع عضو متأكل، حتى لا يحس بالألم.

اه.

وفي الروض وشرحه: ويحرم مسكر النبات أي النبات المسكر وإن لم يطرب، لإضراره بالعقل، ولا حد فيه إن لم يطرب، بخلاف ما إذا أطرب كما صرح به الماوردي ويتداوى به عند فقد غيره مما يقوم مقامه وإن أسكر للضرورة، وما لا يسكر إلا مع غيره يحل أكله وحده لا مع غيره.

اه.

وقوله: بخلاف ما إذا أطرب أي فإنه يحد.

وخالف فيه سم، وقال: الظاهر أنه لا يحد.

وفي البجيرمي: ويحرم البنج والحشيش، ولا يحد به، بخلاف الشراب المسكر.

وإنما لم يحد لأنه لا يلذ، ولا يطرب، ولا يدعو قليله إلى كثيره، بل فيه التعزيز.

اه.

وتعليله يقتضي أنه يحد إذا أطرب، واستلذ به، فيكون مؤيدا لما في شرح الروض.

(قوله: أفضل المكاسب: الزراعة) أي لأنها أقرب إلى التوكل، ولأن الحاجة إليها أعم.

ولا يرزوه أحد - أي ينقصه - إلا كان له صدقة ".

وفي رواية: " لا يغرس مسلم غرسا، ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان ولا دابة، ولا شئ إلا ينقصه إلا ان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه صدقة أعم.

ولا يرزؤه أحد أي ينقصه إلا كان له صدقة.

(قوله: ثم الصناعة) أي ثم الأفضل بعد الزراعة الصناعة.

لأن الكسب يحصل فيها بكد اليمين، وورد: من بات كالا من عمله بات مغفورا له.

وورد أيضا: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده.

(قوله: ثم التجارة) أي ثم الأفضل بعد الزراعة والصناعة: التجارة، لأن الصحابة كانوا يتجرون ويأكلون منها.

(قوله: قال جمع) مقابل لما قبله.

وقوله: هي أي التجارة.

وقوله: أفضلها أي المكاسب.

وقيل أفضلها الصناعة.

(تنبيه) يكره لحر تناول ما كسب مع مخامرة النجاسة، كحجم، وكنس زبل، وذبح، لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن كسب الحجام فنهى عنه، وقال: أطعمه رقيقك، واعلفه ناضحك.

رواه ابن حبان وصححه، والترمذي وحسنه.

وقيس بما فيه

غيره.

ص: 404

من أكثر ماله حرام، ولا الاكل منها - كما صححه في المجموع -.

وأنكر النووي قول الغزالي بالحرمة، مع أنه تبعه في شرح مسلم.

ولو عم الحرام الارض جاز أن يستعمل منه ما تمس حاجته إليه، دون ما زاد.

هذا إن توقع معرفة أربابه.

وإلا صار لبيت المال، فيأخذ منه بقدر ما يستحقه فيه - كما قاله شيخنا.

(فرع) نذكر فيه ما يجب على المكلف بالنذر.

وهو قربة - على ما اقتضاه كلام الشيخين، وعليه كثيرون -

ــ

وصرف النهي عن الحرمة: خبر الشيخين عن ابن عباس: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجرته.

فلو كان حراما لم يعطه.

وخرج بمخامرة النجاسة غيرها.

فلا يكره ما كسب بفصد، وحياكة، وحلاقة، ونحوها وإن كانت الصنعة دنيئة وهذا مبني على أن علة الكراهة في الأول خبث النجاسة وهو المعتمد أما على أنها دناءة الحرفة: فيكره كسب كل ذي حرفة دنيئة، ولو لم يخامر نجاسة وهو ضعيف والكلام في تعاطي الكسب.

أما أصل الحرفة: فهي فرض كفاية.

ولما حجم أبو العتاهية شخصا أنشد: وليس على عبد تقي نقيصة * * إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم (قوله: ولا تحرم إلخ) عبارة التحفة: يسن للإنسان أن يتحرى في مؤنة نفسه وممونه ما أمكن.

فإن عجز ففي مؤنة نفسه، ولا تحرم معاملة إلخ.

اه.

ومع عدم الحرمة يكره ذلك كما نبه الشارح عليها في آخر باب الزكاة ونص عبارته هناك: (فائدة) قال في المجموع: يكره الأخذ ممن بيده حلال وحرام.

كالسلطان الجائر وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها، ولا يحرم إلا أن تيقن أن هذا من الحرام.

وقول الغزالي: يحرم الأخذ ممن أكثر ماله حرام، وكذا معاملته شاذ.

اه.

(قوله: ولا الأكل منها) أي ولا يحرم الأكل من المعاملة المذكورة، أي مما تحصل منها.

(قوله: كما صححه) أي عدم الحرمة.

(قوله: مع أنه) أي النووي.

وقوله: تبعه أي الغزالي في شرح مسلم.

(قوله: ولو عم الحرام الأرض) أي استوعب الحرام الأرض ولم يوجد فيها حلال.

(قوله، جاز أن يستعمل منه) أي من الحرام.

(قوله: ما تمس حاجته إليه) أي الشئ الذي تدعو حاجته إليه، قال ع ش: وإن لم يصل إلى حد الضرورة.

اه.

(قوله: دون ما زاد) أي على القدر الذي تمس الحاجة إليه.

(قوله: هذا) أي ما ذكر من جواز الاستعمال من الحرام بقدر ما تمس الحاجة إليه، لا ما زاد.

وقوله: إن توقع أي ترجى.

وقوله: معرفة أربابه أي أصحاب ذلك المال الذي يحرم الاستعمال منه.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يتوقع معرفتهم.

(قوله: صار لبيت المال) أي انتقل لبيت المال، فيكون لجميع المسلمين حق فيه.

(قوله: فيأخذ منه) أي من المال الذي صار لبيت المال.

وقوله: بقدر ما يستحقه فيه أي بقدر ما يخصه من بيت المال لو قسمه الإمام وأعطاه منه.

(قوله: كما قاله شيخنا) أي في التحفة، ومثله في النهاية.

(تتمة) في إعطاء النفس حظها من الشهوات المباحة مذاهب ذكرها الماوردي، أحدها: منعها وقهرها كي لا تطغى.

والثاني: إعطاؤها تحيلا على نشاطها وبعثا لروحانيتها.

والثالث: قال وهو الأشبه - التوسط، لأن في إعطاء الكل سلاطة، وفي منع الكل بلادة.

اه.

عميرة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

(قوله: فرع: نذكر فيه ما يجب إلخ) اعلم أن معظم الفقهاء يذكر النذر بعد الإيمان، وذلك لما بينهما من المناسبة، وهي أن كلا منهما عقد يعقده المرء على نفسه تأكيدا لما أراد أن يلتزمه، ولأن بعض أنواع النذر فيه كفارة يمين.

والمؤلف رحمه الله خالفهم وذكره هنا تبعا لبعضهم، وله وجه أيضا في ذلك، وهو أن الحج قد يكون منذورا، وكذلك الأضحية قد تكون منذورة، فناسب أن يستوفي الكلام على ما يتعلق بالنذر.

(قوله: بالنذر) الباء سببية متعلق بيجب، وهو لغة: الوعد بخير أو شر.

وشرعا: ما سيذكره وأركانه ثلاثة: ناذر، ومنذور، وصيغة.

ص: 405

بل بالغ بعضهم، فقال: دل على ندبه الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس.

وقيل مكروه، للنهي عنه.

وحمل الاكثرون النهي على نذر اللجاج، فإنه تعليق قربة بفعل شئ أو تركه - كإن دخلت الدار، أو إن لم أخرج منها،

ــ

وشرط في الناذر: إسلام، فلا المؤلف يصح من الكافر.

واختيار، فلا يصح من المكره.

ونفوذ تصرف فيما ينذره بكسر الذال وضمها فلا يصح ممن لا ينفذ تصرفه فيما ينذره، كصبي، ومجنون، مطلقا بخلاف السكران، فيصح منه، وكمحجور عليه بسفه أو فلس في القرب المالية العينية كعتق هذا العبد بخلاف القرب البدنية، أو القرب المالية التي في الذمة.

وإمكان فعله المنذور، فلا يصح نذره صوما لا يطيقه، ولا نذر بعيد عن مكة حجا في هذه السنة.

وشرط في المنذور: كونه قربة لم تتعين بأصل الشرع.

وشرط في الصيغة: كونها لفظا يشعر بالالتزام كلله علي كذا، أو علي كذا.

وفي معنى اللفظ الكتابة، وإشارة أخرس تدل أو تشعر بالالتزام مع النية في الكتابة، فلا يصح بالنية كسائر العقود ولا بما لا يشعر بالالتزام، كأفعل كذا.

(قوله: وهو) أي النذر.

وقوله: قربة على ما اقتضاه إلخ والحاصل أنهم اختلفوا في النذر: هل هو قربة؟ أو مكروه؟ فقال بعضهم بالأول وهو المعتمد الذي اقتضاه كلام الشيخين، ودل عليه الكتاب والسنة والإجماع والقياس.

وقال بعضهم بالثاني: لثبوت النهي عنه وهو ضعيف، والنهي محمول على نذر اللجاج.

وعبارة المغني: (تنبيه) اختلفوا: هل النذر مكروه أو قربة؟ نقل الأول عن النص، وجزم به المصنف في مجموعه، لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم: نهى عنه، وقال: إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل.

ونقل الثاني: عن القاضي

والمتولي والغزالي، وهو قضية قول الرافعي: النذر تقرب، فلا يصح من الكفار.

وقول المصنف في مجموعه في كتاب الصلاة النذر عمدا في الصلاة لا يبطلها في الأصح، لأنه مناجاة لله تعالى، فهو يشبه قوله: سجد وجهي للذي خلقه وصوره.

وقال في المهمات: ويعضده النص، وهو قوله تعالى: * (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه) * (1) أي فيجازي عليه.

والقياس: وهو أنه وسيلة إلى القربة، وللوسائل حكم المقاصد، وأيضا فإنه يثاب عليه ثواب الواجب كما قاله القاضي حسين وهو يزيد على النفل بسبعين درجة كما في زوائد الروضة في النكاح عن حكاية الإمام والنهي محمول على من ظن أنه لا يقوم بما التزمه، أو أن للنذر تأثيرا كما يلوح به الخبر، أو على المعلق بشئ.

وقال الكرماني: المكروه التزام القربة لا القربة إذ ربما لا يقدر على الوفاء.

وقال ابن الرفعة: الظاهر أنه قربة في نذر التبرر دون غيره.

اه.

وهذا أوجه.

اه.

(قوله: وعليه) أي على أنه قربة.

(قوله: بل بالغ إلخ) إضراب انتقالي.

(قوله: فقال: دل على ندبه الكتاب) أي القرآن العظيم.

وذلك كقوله تعالى: * (وليوفوا نذورهم) * (2) وقوله: والسنة أي الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كخبر البخاري: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه.

وقوله: فليطعه أي ليف بنذره.

(قوله: والقياس) أي وهو أنه وسيلة إلى القربة، وللوسائل حكم المقاصد كما يعلم من عبارة المغني المارة -.

(قوله: وقيل مكروه) أي أن النذر مكروه.

(قوله: للنهي عنه) أي عن النذر.

(قوله: وحمل الأكثرون إلخ) إنما حملوه عليه لأن الناذر لا يقصد به القربة، وإنما يقصد به منع نفسه أو غيره من شئ، كقوله: إن كلمت فلانا أو فعل فلان كذا، فلله علي كذا.

أو الحث لنفسه أو غيره على شئ، كقوله: إن لم أدخل الدار أو إن لم يفعل فلان كذا، فلله علي كذا.

أو تحقيق خبره، كقوله: إن لم يكن الأمر كما قلت، أو كما قال فلان، فلله علي كذا.

وقوله: نذر اللجاج هو بفتح اللام التمادي في الخصومة أي التطويل فيها وضابط هذا النذر أن يمنع الشخص نفسه أو غيرها من شئ أو بحث عليه أو

(1) البقرة: 270.

(2)

الحج: 29

ص: 406

فلله علي صوم أو صدقة بكذا.

فيتخير - من دخلها أو لم يخرج - بين ما التزمه وكفارة يمين.

ولا يتعين الملتزم - ولو حجا -.

والفرع: ما اندرج تحت أصل كلي.

(النذر: التزام) مسلم، (مكلف) رشيد:(قربة لم تتعين) - نفلا كانت أو فرض كفاية - كإدامة وتر، وعيادة مريض، وزيادة رجل قبرا، وتزوج حيث سن - خلافا لجمع - وصوم أيام البيض، والاثانين.

فلو وقعت في

ــ

يحقق خبرا.

(قوله: فإنه) أي نذر اللجاج.

وقوله: تعليق قربة بفعل شئ أي على فعل شئ ولا بد من أن يكون

مرغوبا عنه ومبغوضا للنفس فإن كان مرغوبا للنفس ومحبوبا لها كان من نذر التبرر.

وهو قربة ليس بمنهي عنه كما سيذكره المؤلف.

وقوله: أو تركه معطوف على فعل شئ.

أي أو تعليق قربة على ترك شئ، أي وكان تركه ترغب عنه النفس وتبغضه أيضا كما مر.

(قوله: فيتخير إلخ) أي لأنه يشبه النذر من حيث إنه التزام قربة، اليمين من حيث إن مقصوده مقصود اليمين من المنع أو الحث أو تحقيق الخبر، ولا سبيل للجمع بين ما التزمه وكفارة اليمين، ولا لتعطيلهما، فتعين التخيير وهذا هو الراجح وقيل يلزم فيه كفارة اليمين، لخبر مسلم: كفارة النذر: كفارة يمين.

ولا كفارة في نذر التبرر جزما.

فتعين حمله على نذر اللجاج.

وقيل يلزم فيه ما التزمه، لخبر: من نذر وسمى فعليه ما سمى.

وقوله: من دخلها أي الدار، وهذا راجع للصورة الأولى: وقوله: أو لم يخرج أي من الدار.

وهذا راجع للصورة الثانية.

(قوله: ولا يتعين الملتزم) أي في صيغة النذر، لأنه خرج مخرج اليمين، بخلاف نذر التبرر فإنه لم يخرج مخرجه، فلذلك يلزم فيه ما التزم عينا، لا غير، لكن على التراخي إن لم يقيده بوقت معين.

وأشار إلى الخلاف في نذر اللجاج ابن رسلان في زبده بقوله: ومن يعلق فعل شئ بالغضب * * أو ترك شئ بالتزامه القرب إن وجد المشروط ألزم من حلف * * كفارة اليمين مثل ما سلف كما به أفتى الإمام الشافعي * * وبعض أصحاب له كالرافعي أما النواوي فقال خيرا * * ما بين تكفير وما قد نذرا (قوله: ولو حجا) أي ولو كان الملتزم حجا، فإنه لا يتعين.

(قوله: والفرع إلخ) أراد أن يبين معنى الفرع الذي ترجم به.

وقوله: تحت أصل كلي انظره هنا.

ويمكن أن يجعل الأصل الكلي هو باب الحج، باعتبار بعض أفراده، حسبما ذكرناه أول الفرع، من مناسبة ذكره هنا.

(قوله: النذر) أي شرعا.

وقوله: التزام إلخ يؤخذ من هذا التعريف أركانه الثلاثة المتقدمة، وذلك لأن الالتزام يستلزم المستلزم وهو الناذر والقربة هي المنذور، وبلفظ إلخ هو الصيغة.

وقوله: مسلم ظاهره اشتراطه في نذر التبرر ونذر اللجاج.

وهو أيضا ظاهر التحفة والنهاية والأسنى وشرح المنهج والمغني: ونقل البجيرمي عن ح ل: أن ذلك في نذر التبرر دون نذر اللجاج.

أما هو، فيصح من الكافر.

قال: وكان قياسه صحة التبرر منه أيضا.

إلا أنه لما كان فيه مناجاة لله، أشبه العبادة، ومن ثم لم يبطل الصلاة.

بخلاف نذر اللجاج.

اه.

وقوله: مكلف أي ولو حكما، فدخل السكران، فيصح نذره.

وقوله: رشيد ولا بد أن يكون مختارا أيضا كما

مر.

(قوله: قربة) مفعول التزام، وهي فعل الشئ يشرط معرفة المتقرب إليه.

والعبادة فعل ما يتوقف على نية.

والطاعة تعمهما.

(قوله: لم تتعين) أي بأصل الشرع.

(قوله: نفلا كانت) أي القربة، بقطع النظر عن قيدها.

أعني لم تتعين، لأن النفل لا يتعين أصلا.

وقوله: أو فرض كفاية أي أو كانت القربة فرض كفاية، ولا بد فيه أن لا يتعين عليه.

أما إذا تعين فلا يصح نذره كصلاة الجنازة إذا لم يعلم بالميت إلا واحد.

وقال بعضهم: يصح نذره حينئذ، نظرا لأصله.

وأما تعيينه فهو عارض.

(قوله: كإدامة وتر) مثال للنفل، والظاهر أن إدامته ليست بقيد في صحة النذر، بل مثله ما إذا نذر الوتر فإنه يصح لأن نفس الوتر سنة.

(قوله: وعيادة مريض) هو وما بعده من أمثلة النفل أيضا، إلا قوله وكصلاة جنازة وما بعده، فإنه من أمثلة فرض الكفاية.

(قوله: وزيارة رجل قبرا) خرج بالرجل غيره من أنثى، أو خنثى فلا يصح نذره

ص: 407

أيام التشريق أو الحيض، أو النفاس، أو المرض، لم يجب القضاء - وكصلاة جنازة، وتجهيز ميت.

ولو نذر صوم يوم بعينه، لم يصم قبله، فإن فعل أثم - كتقديم الصلاة على وقتها المعين - ولا يجوز تأخيره عنه - كهي - بلا عذر، فإن فعل صح، وكان قضاء.

ولو نذر صوم يوم خميس ولم يعين، كفاه أي خميس.

ولو نذر صلاة: فيجب ركعتان بقيام قادر.

أو صوما: فصوم يوم أو صوم أيام فثلاثة.

أو صدقة، فمتمول،

ــ

زيارة قبر، لأنها مكروهة في حقه، وقيل محرمة، للخبر الصحيح: لعن الله زوارات القبور.

ويستثنى من ذلك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تسن في حقه، فعليه، ينعقد نذرها.

ومثل قبر النبي: قبر سائر الأنبياء، والأولياء، والصالحين.

(قوله: وتزوج حيث سن) أي بأن يكون مريده محتاجا مطيقا لمؤن النكاح.

كما قال ابن رسلان: سن لمحتاج مطيق للأهب * * نكاح بكر ذات دين ونسب وهذا هو ما جرى عليه ابن حجر.

ونص عبارته في باب النكاح نعم، حيث ندب لوجود الحاجة والأهبة: ويجب بالنذر على المعتمد الذي صرح به ابن الرفعة وغيره كما بينته في شرح العباب ومحل قولهم: العقود لا تلتزم في الذمة: ما إذا التزمت بغير نذر.

اه.

والذي جرى عليه م ر: عدم صحة نذره مطلقا، ونص عبارته في باب النكاح أيضا.

ولا يلزم بالنذر مطلقا، وإن استحب كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا لبعض المتأخرين.

(قوله: خلافا لجمع) أي حيث قالوا لا يصح نذر التزوج، وعللوه بأنه مباح عرض له الندب، وهو لا يصح إلا في المندوب أصالة.

وعبارة بعضهم: قوله في قربة: أي أصالة، فلا يصح نذر مباح عرض له الندب كالنكاح خلافا لابن حجر.

اه.

(صوم: أيام البيض) أي وأيام السود، أو نحو ذلك، فيصح نذرها.

وقوله: والأثانين جمع تكثير لاثنين، وليس جمع مذكر سالما، ولا ملحقا به.

(قوله: فلو وقعت) أي أيام البيض أو الأثانين المنذورة.

وقوله: في أيام التشريق أي أو أيام رمضان.

(قوله أو المرض) تبع فيه م ر د وخالف شيخه ابن حجر، فإنه صرح في التحفة بأنه يقضي إن أفطر لعذر المرض كالسفر.

وعلله بأن زمنهما يقبل الصوم، فشمله النذر، بخلاف نحو الحيض.

اه.

وجزم بهذا في الروض،

وعبارته: ويقضيها للمرض الواقع فيها.

اه.

(قوله: لم يجب القضاء) أي يجب الفطر فيها، ولا يجب القضاء، لأنها لا تقبل الصوم أصلا، فلا تدخل في نذر ما ذكر، فهي مستثناة شرعا من دخولها في المنذور.

وعدم وجوب القضاء في المرض هو ما اعتمده الرملي، وخالف ابن حجر فجزم بوجوب القضاء به.

قال سم: وجزم به في الروض.

(قوله: وكصلاة جنازة) هو وما بعده مثالان لفرض الكفاية كما علمت.

(قوله: ولو نذر صوم يوم بعينه) أي كيوم الجمعة، والسبت، وهكذا.

(قوله: لم يصم قبله) أي لم يصم يوما قبل اليوم الذي عينه في نذره.

(قوله: فإن فعل) أي صام يوما قبله.

وقوله: أثم أي ولا يصح.

وقوله: كتقديم الصلاة على وقتها أي فإنه يأثم به، ولا تصح.

(قوله: ولا يجوز تأخيره) أي الصوم.

وقوله: عنه أي عن اليوم الذي عينه.

(قوله: كهي) أي كالصلاة، فإنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها.

(قوله: بلا عذر) متعلق بقوله ولا يجوز.

أي لا يجوز تأخيره بلا عذر، فإن أخره بعذر كسفر جاز، ولا إثم عليه.

(قوله: فإن فعل) أي أخر الصوم عن اليوم المعين في النذر بلا عذر.

وقوله: صح أي صومه، لكن مع الإثم.

(قوله: ولو نذر صوم يوم خميس) أي مثلا.

(قوله: ولم يعين) أي بأن لم يقل من هذا الأسبوع مثلا.

(قوله: كفاه أي خميس) أي صوم أي خميس من أي أسبوع كان.

لكن لو مضى خميس يمكنه فيه الصوم ولم يصمه استقر في ذمته، حتى لو مات فدى عنه، ولا إثم عليه، لعدم عصيانه بالتأخير.

ولو نذر يوما من اسبوع ثم نسيه، صام آخره، وهو الجمعة فإن لم يكن هو المنذور وقع قضاء، وإن كان هو فقد وفى بما التزمه.

ومن نذر إتمام كل نافلة دخل فيها لزمه الوفاء بذلك لأنه قربة.

ومن نذر بعض يوم لم ينعقد نذره، لانتفاء كونه قربة، لأنه غير معهود شرعا.

وكذا لو نذر سجدة من غير سبب، أو ركوعا، أو بعض ركعة، فإنه لا ينعقد لما ذكر.

أما سجدة التلاوة، وسجدة الشكر فينعقد نذرهما.

(قوله: ولو نذر صلاة) أي مطلقة، من غير أن يقيدها بعدد.

(قوله: فيجب ركعتان) أي لأنهما أقل واجب من الصلاة، ولو قال فيكفي ركعتان، لكان أولى.

ص: 408

ويجب صرفه لحر مسكين - ما لم يعين شخصا أو أهل بلد - وإلا تعين صرفه له.

ولا يتعين لصوم وصلاة مكان عينه، ولا لصدقة زمان عينه.

وخرج بالمسلم، المكلف: الكافر والصبي، والمجنون - فلا يصح نذرهم - كنذر السفيه -، وقيل يصح من الكافر.

وبالقربة: المعصية - كصوم أيام التشريق

ــ

وقوله: بقيام قادر أي مع وجوب قيام قادر عليه، إلحاقا للنذر بواجب الشرع.

ولو نذر صلاة قاعدا جاز فعلها قائما لإتيانه بالأفضل لا إن نذر الصلاة قائما فلا يجوز فعلها قاعدا، مع القدرة على القيام، لأنه دون ما التزمه.

(قوله: أو صوما) معطوف على صلاة، أي أو نذر صوما أي مطلقا بأن لم يقيده بعدد.

(قوله: فصوم يوم) أي فيجب صوم يوم واحد، لأنه أقل ما يفرد بالصوم.

(قوله: أو صوم أيام) معطوف على صلاة أيضا، أي أو نذر صوم أيام بصيغة الجمع وأطلقها أيضا.

(قوله: فثلاثة) أي فيجب صوم ثلاثة أيام، لأنها أقل الجمع.

(قوله: أو صدقة) معطوف على صلاة

أيضا، أي أو نذر صدقة أي مطلقة ولم يقيدها بقليل ولا كثير.

وقوله: فمتمول أي فيجب التصدق بما يتمول وإن قل وكذا لو نذر التصدق بمال عظيم فيجب التصدق، فإنه يقبل تقسيره بأقل متمول، ولا ينافيه وصفه بالعظيم، لحمله على إثم غاصبه.

كما قالوه فيما لو أقر بمال عظيم، فإنه يقبل تفسيره بأقل متمول.

ومن نذر عتقا فتجزئ رقبة، ولو ناقصة ككافرة لوقوع الاسم عليها.

(قوله: ويجب صرفه) أي المتمول.

(قوله: لحر مسكين) خرج بالحر الرقيق، فلا يجوز إعطاؤه له كالزكاة والمراد بالمسكين ما يشمل الفقير.

وعبارة فتح الجواد: وعند إطلاقهم يتعين صرفها لمسلم أي حر كما هو ظاهر مما مر آنفا فقير أو مسكين.

اه.

(قوله: ما لم يعين شخصا) أي في نذره، بأن قال: نذرت هذا المال لزيد، فيتعين، ولو كان غنيا، أو ولده، لأن الصدقة عليهما جائزة وقربة كما صرح به في الروض وشرحه.

(قوله: وأهل بلد) أي وما لم يعين في نذره أهل بلد ولو غير مكة، فإنه يتعين للمساكين المسلمين منهم، وفاء بالملتزم.

وقياس ما مر في قسم الصدقات أنه يعمم به المحصورين، وله تخصيص ثلاثة في غير المحصورين.

(قوله: وإلا) أي بأن عين شخصا أو أهل بلد.

(وقوله: تعين صرفه له) أي لما عينه من شخص أو أهل بلد.

قال في المغني ولو نذر لمعين دراهم مثلا كان له مطالبة الناذر بها، إن لم يعطه كالمحصورين من الفقراء لهم المطالبة بالزكاة التي وجبت فإن أعطاه ذلك فلم يقبل، برئ الناذر، لأنه أتى بما عليه، ولا قدرة له على قبول غيره، ولا يجبر على قبوله.

اه.

(قوله: ولا يتعين لصوم وصلاة مكان عينه) يعني أنه لو نذر أن يصوم أو يصلي في مكان معين كمصر لزمه الصوم والصلاة.

ولا يتعين المكان الذي خصصه في نذره، بل له أن يصوم أو يصلي في أي مكان سواء الحرم وغيره.

نعم، لو نذر الصلاة في المسجد الحرام تعين، لعظم فضله، وتعلق النسك به، وصح أن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، وقيل بمائة ألف ألف، وقيل بمائة ألف صلاة.

قال في التحفة: وبه يتضح الفرق بينها أي الصلاة وبين الصوم.

اه.

والمراد بالمسجد الحرام: الكعبة والمسجد حولها مع ما زيد فيه.

وقيل جميع الحرم.

ومثله المسجد النبوي، والمسجد الأقصى.

فيتعينان للصلاة بالنذر فيهما، لمشاركتهما له في بعض الخصوصيات.

ويقوم الأول مقام الأخيرين، وأولهما مقام الآخر، دون العكس كما سيذكره الشارح.

ومثل الصلاة في ذلك الاعتكاف كما مر لنا في بابه.

(قوله: ولا لصدقة زمان عينه) أي ولا يتعين لصدقة زمان عينه فلو نذر أن يتصدق بدرهم يوم الجمعة جاز له أن يتصدق قبله كالزكاة فإنه يجوز تقديمها.

وخرج بقوله لصدقة: الصلاة والصوم، فيتعينان بزمن عينه.

وعبارة الروض وشرحه، فإن عين للصلاة أو الصوم لا للصدقة وقتا: تعين وفاء بالملتزم فلا يجوز فعلهما قبله.

فإن فات الوقت ولو بعذر قضاهما، وأثم بتأخيره إن قصر، بخلاف

ما إذا لم يقصر كأن أخر لعذر سفر أما وقت الصدقة فلا يتعين، اعتبارا بما ورد به الشرع من جنسها وهو الزكاة فيجوز تقديمها، بخلاف الصلاة.

وقضية كلامه: جواز تأخيرها.

قال الأذرعي: وهو بعيد، بل الوجه عدم جوازه بغير عذر كالزكاة اه.

(قوله: وخرج بالمسلم المكلف إلخ) الأولى عدم جمع المخرجات كما هو عادته بأن يقول: وخرج بالمسلم الكافر، وبالمكلف الصبي والمجنون.

وأن يزيد، وبالرشيد السفيه.

وقوله: الكافر بالرفع فاعل خرج.

(قوله: فلا يصح نذرهم) أي الكافر والصبي والمجنون، وذلك لعدم أهلية الكافر للقرب، ولرفع القلم عن الصبي والمجنون.

ص: 409

وصلاة لا سبب لها في وقت مكروه - فلا ينعقدان -.

وكالمعصية: المكروه - كالصلاة عند القبر.

والنذر لاحد أبويه أو أولاده فقط.

وكذا المباح: كلله علي أن آكل أو أنام.

وإن قصد تقوية على العبادة، أو النشاط لها - ولا

ــ

(قوله: كنذر السفيه) أي كما لا يصح نذر السفيه، ومثله المفلس، ومحله كما مر في القرب المالية العينية، كعتق هذا العبد.

أما القرب البدنية أو المالية التي في الذمة، فيصح نذرهما لها كما علمت أول الفرع.

قال في المغني: ويصح نذر الرقيق المال في ذمته، ولو بغير إذن سيده كما اقتضاه كلامهم فإن قيل ينبغي أن لا يصح كما قاله ابن رفعة كما لا يصح ضمانه في ذمته بغير إذن سيده.

أجيب بأن المغلب في النذر حق الله تعالى: إذ لا يصح إلا في قربة، بخلاف الضمان، وإلا صح انعقاد نذره الحج.

قال ابن الرفعة: ويشبه أن غير الحج كذلك.

اه.

(قوله: وقيل يصح من الكافر) لم يذكره في التحفة والنهاية والمغني والأسنى وفتح الجواد، ولعله محمول على نذر اللجاج لما مر أنه يصح من الكافر.

(قوله: وبالقربة المعصية) معطوف على بالمسلم، أي وخرج بالقربة المعصية فلا ينعقد نذرها لحديث: لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملكه ابن آدم.

وللحديث المار: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه.

ولا فرق في المعصية بين أن تكون فعلا: كأن قال: لله علي نذر أن أشرب الخمر أو أقتل.

أو تكون تركا كأن قال: لله علي أن أترك الصلوات الخمس أو إحداها.

ولا فرق فيها أيضا بين أن تكون ذاتية كما ذكر أو عارضية كما لو نذر أن يصلي في الأرض المغصوبة فلا ينعقد كما جزم به المحاملي، ورجحه الماوردي، وكذا البغوي في فتاويه، ويؤيده أنه لا ينعقد نذر الصلاة في الأوقات المكروهة، ولا في ثوب نجس.

وقيل يصح النذر للصلاة في الأرض المغصوبة، ويصلي في موضع آخر.

ويمكن حمله على ما لو نذر الصلاة في هذه الأرض وكانت مغصوبة فإنه يصح النذر، ويصلي في موضع آخر.

(قوله: كصوم أيام التشريق) أي فإنه معصية، ومثله صوم العيدين.

(قوله: وصلاة لا سبب لها) أي متقدم أو

مقارن، فإنها معصية في الوقت المكروه.

(قوله: فلا ينعقدان) أي الصوم والصلاة المذكوران.

والمراد: لا ينعقد نذرهما.

(قوله: وكالمعصية: المكروه) أي فهو لا ينعقد نذره.

وظاهره أنه لا فرق فيه بين المكروه الذاتي والعارضي، وليس كذلك، بل هو مقيد بالأول كما في التحفة، والنهاية.

ونص عبارة الأولى: وكالمعصية: المكروه لذاته، أو لازمة كصوم الدهر الآتي، وكنذر ما لا يملك غيره وهو لا يصبر على الإضافة، لا لعارض كصوم يوم الجمعة، وكنذره لأحد أبويه أو أولاده فقط وقول جمع لا يصح لأن الإيثار هنا بغير غرض صحيح مكروه، مردود بأنه لأمر عارض وهو خشية العقوق من الباقين.

ثم قال: ومحل الخلاف: حيث لم يسن إيثار بعضهم.

أما إذا نذر للفقير أو الصالح أو البار منهم، فيصح اتفاقا.

اه.

(قوله: والنذر لأحد أبويه إلخ) مخالف لما مر في عبارة التحفة، ولعله جار على قول جمع.

(قوله: وكذا المباح) أي ومثل المعصية في عدم الانعقاد: نذر المباح فعلا أو تركا - وهو ما استوى فعله وتركه، وذلك لخبر ابن داود: لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى.

وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم: أمر أبا إسرائيل أن يترك ما نذره من نحو قيام وعدم استظلال.

وإنما قال صلى الله عليه وسلم لمن نذرت أن تضرب على رأسه بالدف حين قدم المدينة: أوفي بنذرك: لما اقترن به من غاية سرور المسلمين، وإغاظة المنافقين بقدومه، فكان وسيلة لقربة عامة، ولا يبعد فيما هو وسيلة لهذه أنه مندوب للازمة، على أن جمعا قالوا بندبه لكل عارض سرور، لا سيما النكاح، ومن ثم أمر به في أحاديث، وعليه: فلا إشكال أصلا.

اه.

تحفة.

(قوله: ك: لله علي أن آكل أو أنام) تمثيل لنذر فعل المباح، ومثله نذر تركه، ك: لله علي أن أترك الأكل أو النوم.

(قوله: وإن قصد إلخ) أي لا ينعقد نذر المباح، وإن اقترن بنية عبادة، كقصد التقوي به على الطاعة، أو

ص: 410

كفارة في المباح، على الاصح.

وبلم تتعين: ما تعين عليه من فعل واجب عيني كمكتوبة وأداء ربع عشر مال تجارة وكترك محرم وإنما ينعقد النذر من المكلف (بلفظ منجز) بأن يلتزم قربة به من غير تعليق بشأ - وهذا نذر تبرر (كلله على كذا) من صلاة أو صوم أو نسك أو صدقة أو قراء أو اعتكاف (أو علي كذا) وإن لم يقل لله (أو نذرت كذا) وإن لم يذكر معها لله على المعتمد الذي صرح به البغوي وغيره من اضطراب

طويل (أو) بلفظ (معلق) ويسمى نذر مجازاة وهو أن يلتزم قربة في مقابلة ما يرغب في حصوله من حدوث

ــ

قصد النشاط لها.

(قوله: ولا كفارة في المباح على الأصح) أي لا كفارة عليه إن خالف على الأصح.

ومقابله يقول: إن عليه كفارة يمين، ورجحه النووي في منهاجه، ونص عبارته: لكن إن خالف لزمه كفارة يمين على المرجح.

اه.

(قوله: وبلم تتعين الخ) معطوف على بالمسلم أيضا، أي وخرج بلم تتعين الشئ الذي تعين عليه فعله أو تركه بأصل الشرع، فإنه لا يصح نذره.

(قوله: من فعل واجب) بيان لما، وإنما لم يصح نذر هذا: لأن الشارع ألزمه إياه عينا، فلا معنى لا لتزامه بالنذر (قوله: كمكتوبة) تمثيل للواجب العينى (قوله: وكترك محرم) معطوف على كمكتوبة، فهو تمثيل للواجب العينى أيضا.

ولو حذف الكاف، وعطفه على فعل واجب: لكان أولى، وعليه: يصير بيانا لما (قوله: وإنما ينعقد إلخ) دخول على المتن، ذكره لطول الكلام على ما قبله، وإلا فالجار والمجرور بعده من جملة التعريف، فهو

باعتبار المتن متعلق بالتزام (قوله: بلفظ) أي وأما في معناه مما مر.

وقوله منجز: سيأتي مقابله في قوله أو معلق إلخ (قوله: بأن يلتزم قربه إلخ) تصوير للمنجز (قوله: وهذا نذر تبرر) أي ما ذكر من التزام قربة من غير تعليق بشئ يسمى نذر تبرر، وذلك: لأن الناذر يطلب به البر والتقرب إلى الله تعالى، وصريحه أن المعلق لا يسمى بذلك مطلقا سواء كان نذر لجاج، أو نذر مجازاة وليس كذلك، بل الثاني يسمى أيضا به، لأن نذر التبرر: هو التزام قربة بلا تعليق كعلى كذا أو بتعليق بحدوث نعمة، أو اندفاع نقمة.

فلو قال: وهذا من نذر التبرر بزيادة من التبعيضية لكان أولى (قوله: كلله علي كذا الخ) تمثيل للفظ المنجز في النذر.

وقوله من صلاة إلخ: بيان لقوله كذا (قوله: أو علي كذا) أي صلاة إلخ (قوله: وإن لم يقل لله) الأحسن جعل الواو: للحال، وإن: زائدة أي يكفي علي كذا في الصيغة، والحال أنه لم يضف لله.

ومثله: يقال في الغاية الآتية، وفي التحفة: قولهم علي لك كذا صريح في النذر ينافيه أنه صريح في الإقرار، إلا أن يقال لا مانع من أنه صريح فيهما، وينصرف لأحدهما بقرينة.

اه.

(قوله: أو نذرت كذا) أي صلاة إلخ (قوله: وإن لم يذكر معها) أي يكفي في صيغة النذر: نذرت كذا وإن لم يذكر مع هذه الصيغة لفظ لله، وعبارة النهاية: ويكفي في صراحتها أي الصيغة نذرت لك كذا، وإن لم يقل لله.

اه.

وقوله على المعتمد: لذى صرح به البغوي: أي من أن ما ذكر: صريح من غير أن يضيف إليه لفظ لله، قال في التحفة: ومما يصرح به ويوضحه: قول محصول الفخر الرازي لا شك أن نحو نذرت وبعت: صيغ اخبار لغة، وقد تستعمل له شرعا أيضا، إنما النزاع في أنها حيث تستعمل لا حداث الاحكام هل هي اخبارات أو إنشاآت؟ والأقرب: الثاني لوجوه وساقها.

وقد حكيا أي الشيخان في نذرت لله لأفعلن كذا، ولم ينو يمينا، ولا نذرا: وجهين وجزم في الأنوار بما بحثه الرافعي أنه نذر أي نذر تبرر وزعم شارح أن مخاطبة المخلوق بنحو نذرت لك تبطل صراحتها عجيب مع قولهم إن علي لك كذا، أو إن شفى الله مريضى فعلى لك كذا: صريحان في النذر، مع أن فيهما مخاطبة مخلوق، وزعم أن لا التزام في نحو نذرت: ممنوع.

نعم: إن نوى به الإخبار عن نذر سابق عرف أخذا مما مر: فواضح، أو اليمين في نذرت لأفعلن: فيمين.

اه.

بتصرف (قوله: من اضطراب طويل) أي اختلاف كثير، وهو متعلق بالمعتمد (قوله: أو بلفظ معلق) معطوف على بلفظ منجز: أي وإنما ينعقد النذر بلفظ معلق أي على ما يرغب في حصوله من حدوث نعمة أو اندفاع نقمة (قوله: ويسمى) أي النذر الكائن بلفظ معلق.

وقوله نذر مجازاة: أي مكافأة، وهو نوع من التبرر كما علمت (قوله: وهو) أي نذر المجازاة.

وقوله أن يلتزم قربة: أي لم تتعين بأصل الشرع كما مر وقد علمت معنى القربة.

فلا تغفل (قوله: في مقابلة إلخ) متعلق بيلتزم،

ص: 411

نعمة أو اندفاع نقمة (كان شفاني الله أو سلمني الله فعلى كذا) أو ألزمت نفسي أو واجب على كذا وخرج بلفظ النية فلا يصح بمجرد النية كسائر العقود إلا باللفظ.

وقيل يصح بالنية وحدها، (فيلزم) عليه (ما التزمه حالا في منجز وعند وجود صفة في معلق).

وظاهر كلامهم أنه يلزمه الفور بأدائه عقب وجود المعلق عليه - خلافا لقضية كلام ابن عبد السلام - ولا يشترط قبول المنذور له في قسمي النذر ولا القبض، بل يشترط عدم رده.

ــ

أو متعلق بمحذوف صفة لقربة: أي يلتزم قربة كائنة في مقابلة الشئ المرغوب في حصوله، وخرج بذلك: ما إذا التزم قربة في مقابلة ما لا يرغب في حصوله، فإن ذلك هو نذر اللجاج، وقد مر بيانه.

(تنبيه) المراد بالمرغوب فيه والمرغوب عنه عند المتكلم، ولذلك احتمل قوله إن صليت فعلى كذا، أو إن رأيت فلانا فعلى صوم: أن يكون من نذر اللجاج بأن تكون الصلاة عنده مبغوضة، وكذا رؤية فلان.

واحتمل أن يكون من نذر التبرر: بأن يكون ذلك عنده محبوبا كذا في الروضة ونص عبارته: (فرع) الصيغة: إن احتملت نذر اللجاج ونذر التبرر، رجع فيها إلى قصده أي الناذر فالمرغوب فيه: تبرر، والمرغوب عنه: لجاج.

إلخ.

اه.

وأطلق الشارح: النعمة، ولم يقيدها بما يكون لها وقع، بحيث تقتضى سجود الشكر.

ونقل الإمام عن والده، وطائفة من الأصحاب: تقييدها بذلك لكنه رجح الأول، وهو قول القاضي، ويؤيده ضبط الصيمري للنعمة الحادثة بما يجوز أن يدعى الله به أي من غير كراهة وربما يؤيد الثاني تعبيره بحدوث، إذ يخرج به المستمر من النعم، وهو قياس سجود الشكر.

وقوله واندفاع نقمة: يجرى فيه نظير ما مر في حدوث النعمة (قوله: كإن شفاني الله) قال البجيرمي نقلا عن س ل: يظهر أن المراد بالشفاء: زوال العلة من أصلها، وأنه لا بد فيه من قول عدلي طب أخذا مما مر في المرض المخوف أو من معرفة المريض ولو بالتجربة ويظهر أنه لا يضر بقاء أثره من ضعف الحركة ونحوه.

اه.

(قوله: أو سلمنى) معطوف على فعل الشرط، فهو مثال ثان (قوله: فعلى كذا) جواب الشرط بالنسبة للمثالين (قوله: أو ألزمت الخ) معطوف على فعلى كذا، فهو جواب للشرط أيضا.

وقوله كذا: تنازعه كل من ألزمت ومن واجب على: أي ألزمت نفسى كذا، أو واجب على كذا، وهو عبارة عن صدقة أو صلاة أو صيام كما مر (قوله: وخرج بلفظ) أي بقسميه المنجز والمعلق.

وقوله النية: فاعل خرج (قوله: فلا يصح) أي النذر.

وقوله بمجرد النية: أي بالنية المجردة وإشارة أخرس ينعقد بالكتابة مع النية عن اللفظ وعن الكتابة أيضا وإشارة الأخرس المفهمة لما مر أنه تفهم الالتزام.

وقوله كسائر العقود: أي فإنها لا تنعقد بالنية فقط.

وقوله إلا باللفظ: الصواب إسقاطه، لأن قوله فلا يصح: مفرع على المخرج باللفظ.

(قوله: وقيل يصح) أي النذر.

ولم يذكر هذا القيل في الأسنى، وشرح المنهاج، والتحفة، وفتح الجواد، والنهاية، والمغني، فانظره فلعله في غير هذه الكتب.

(قوله: فيلزم إلخ) مفرع على انعقاد النذر باللفظ المذكور.

أي وإذا انعقد: لزمه ما التزمه فورا في النذر المنجز، وعند وجود المعلق عليه في المعلق، لأن الله تعالى قد ذم أقواما عاهدوا

ولم يفوا، فقال: * (ومنهم من عاهد الله) * (1) الآية.

وللحديث المار: من نذر أن يطيع الله فليطعمه.

وقوله: عليه متعلق بيلزم على تضمينه معنى يجب كما مر غير مرة.

وقوله: حالا منصوب بإسقاط الخافض.

أي لزمه أداء ما التزمه في الحال.

والذي في النهاية أنه يجب عليه ذلك وجوبا موسعا.

وقوله: في منجز متعلق بيلزم باعتبار قيده أي يلزمه حالا في النذر المنجز.

قوله: وعند الخ معطوف على حالا، أي ويلزم ذلك عند وجود صفة في النذر المعلق عليها.

(قوله: وظاهر كلامهم) عبارة شيخه: وظاهر كلامه بإفراد الضمير العائد على المصنف - وكتب عليه سم ما نصه: قوله: وظاهر كلامه إلخ.

قد يقال المفهوم من العبارة فور اللزوم، وهو لا يستلزم فور الأداء.

اه.

وما قاله يؤيد كلام الرملي في قوله إنه يجب عليه ذلك موسعا، وهو لا ينافي قولهم حالا، إذ هو بالنسبة للزوم، وما قاله بالنسبة للأداء، فهو يتعلق بذمته حالا، ولكن لا يجب عليه أداؤه في الحال.

وقوله: أنه أي الناذر المعلق نذره على صفة.

(قوله: يلزمه الفور بأدائه) قال في النهاية: محله إذا كان لمعين وطالب به وإلا فلا.

اه.

(قوله: خلافا لقضية كلام ابن عبد السلام) أي من أنه لا

(1) التوبة: 75

ص: 412

ويصح النذر بما في ذمة المدين - ولو مجهولا - فيبرأ حالا، وإن لم يقبل - خلافا للجلال البلقيني - ولو نذر لغير أحد أصليه أو فروعه من ورثته بماله قبل مرض موته بيوم ملكه كله من غير مشارك، لزوال ملكه عنه، ولا يجوز للاصل الرجوع فيه.

وينعقد معلقا في نحو: إذا مرضت فهو نذر قبل مرضي بيوم، وله التصرف قبل حصول المعلق عليه.

ــ

يلزمه الفور بأدائه عقب وجود المعلق عليه.

(قوله: ولا يشترط قبول المنذور له إلخ) أي ولا يشترط في لزوم وفاء الناذر بما التزمه في ذمته بنذر المنجز أو المعلق أن يقبل لفظا لشخص المنذور له الشئ الملتزم أو يقبضه بالفعل، بحيث أنه إذا لم يقبل لفظا أو يقبض لا يلزم الناذر ذلك أي فيسقط عنه بل يشترط في ذلك أن لا يزده فما دام لم يرده اللزوم باق عليه.

فإن رده سقط عنه.

قال في شرح الروض: أي لأنه أتى بما عليه، ولا قدرة له على قبول غيره.

قال الزركشي: ومقتضاه أنه لا يجبر فلان أي المنذور له على قبوله.

ويفارق الزكاة بأن مستحقيها إنما أجبروا على قبولها خوف تعطيل أحد أركان الإسلام، بخلاف النذر.

اه.

ويفارق أيضا: بأن مستحقيها ملكوها، بخلاف مستحقي النذر.

اه.

ثم إن ما ذكر من أن الرد يؤثر: محله في المنذور الملتزم في الذمة كما أشرت إليه بقولي بما التزمه في ذمته أما المنذور المعين: فلا يتأثر بالرد.

والفرق أن ما في الذمة لا يملك إلا بقبض صحيح فأثر الرد قبل القبض، وأن المعين يزول ملكه عنه بالنذر فلا يتأثر

بالرد كما سيذكره الشارح وكما في التحفة، ونصها: ولا يشترط قبوله النذر، وهو كذلك.

نعم، الشرط عدم رده، وهو المراد بقول الروضة عن القفال في إن شفى الله مريضى فعلي أن أتصدق على فلان بعشرة لزمته، إلا إذا لم يقبل فمراده بعدم القبول: الرد، لا غير، على أنه مفروض كما ترى في ملتزم في الذمة وما فيها لا يملك إلا بقبض صحيح، فأثر، وبه يبطل النذر من أصله، ما لم يرجع ويقبل كالوقف على ما مر فيه، بخلاف نذره التصدق بمعين، فإنه يزول ملكه عنه بالنذر، ولو لمعين فلا يتأثر بالرد، كإعراض الغانم بعد اختياره التملك.

اه.

(قوله: ويصح النذر) أي للمدين.

(وقوله: بما في ذمة المدين) أي بالدين الذي في ذمة المدين.

وقوله: ولو مجهولا أي ولو كان الذي في الذمة قدرا مجهولا للناذر، فإنه يصح، لأن النذر لا يتأثر بالغرر بخلاف البيع.

(قوله: فيبرأ) أي المدين.

(وقوله: وإن لم يقبل) أي وإن رد ذلك.

(قوله: خلافا للجلال البلقيني) هكذا في التحفة، والمتبادر من صنيعه أنه راجع للغاية الثانية، فيكون الجلال خالف في براءته عند عدم القبول.

(قوله: ولو نذر لغير أحد أصليه) خرج به ما لو نذر لأحد أصليه، فلا يصح نذره، وهذا بناء على ما جرى عليه المؤلف تبعا لجمع من أن النذر لأحد أصوله مكروه، وهو لا يصح نذره.

أما على المعتمد من أن محل عدم الصحة في المكروه لذاته فقط، فيصح، لأن هذا مكروه لعارض، وهو خشية العقوق من الباقي.

وقوله: أو فروعه معطوف على أصليه، فلفظ أحد: مسلط عليها أي أو لغير أحد فروعه وخرج به ما لو نذر لأحد فروعه، فإنه لا يصح هذا أيضا، بناء على ما جرى عليه المؤلف من أن النذر لأحد فروعه مكروه، وهو لا يصح نذره.

أما على المعتمد فيصح نذره كما سبق وجرى في التحفة على المعتمد في هذه وفيما قبلها ورد ما جرى عليه جمع، وقد تقدم لفظها عند قول شارحنا: وكالمعصية المكروه.

وقوله: من ورثته بيان لغير من ذكر، ودخل في الورثة جميع الحواشي كالإخوة والأعمام ودخل أيضا النذر لجميع أصوله، أو لجميع فروعه، فإنه يصح بالاتفاق، وذلك لأن المنفي هو أحد الأصول أو أحد الفروع فقط، فغير هذا الأحد صادق بجميع ما ذكر.

وقوله: بماله متعلق بنذر.

وقوله: قبل مرض موته متعلق بنذر أيضا.

وخرج به ما إذا كان النذر في مرض موته، فإنه لا يصح نذره في الزائد على الثلث، إلا إن أجاز بقية الورثة، وذلك لأن التبرعات المنجزة في مرض الموت تصح في الثلث فقط، ولا تصح في الزائد عليه إلا إن أجاز بقية الورثة.

(قوله: ملكه كله) أي ملك المنذور له المال كله.

وقوله: من غير مشارك أي من غير أن أحدا من الورثة الباقين يشاركه فيه، بل يختص به.

(قوله: لزوال ملكه) أي الناذر من قبل مرض الموت.

وقوله: عنه أي عن ماله كله الذي نذره.

قوله: ولا يجوز للأصل الرجوع فيه انظره مع قوله

ص: 413

ويلغو قوله: متى حصل لي الامر الفلاني أجئ لك بكذا - ما لم يقترن به لفظ التزام، أو نذر.

وأفتى جمع فيمن أراد أن يتبايعا فاتفقا على أن ينذر كل للآخر بمتاعه، ففعلا، صح، وإن زاد المبتدئ: إن نذرت لي بمتاعك.

وكثيرا ما يفعل ذلك فيما لا يصح بيعه ويصح نذره.

ويصح إبراء المنذور له الناذر - عما في ذمته.

قال القاضي: ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به - كخمس ما

ــ

لغير أحد أصوله أو فروعه، فإن ذلك يفيد أن نذر الأصل لأحد فروعه لا يصح من أصله، وهذا يفيد أنه يصح، إلا أنه لا يصح رجوعه فيه، وبينهما تناف.

فكان الصواب إسقاطه، إلا أن يقال إن هذا مفروض فيما إذا نذر الأصل لجميع فروعه، وهو يصح كما مر وهو بعيد أيضا، فتأمل.

ثم إن عدم جواز رجوع الأصل على الفرع فيما نذره هو المعتمد الذي جرى عليه كثيرون.

وقد صرح به الشارح في باب الهبة، ونص عليه في التحفة في بابها أيضا، وعبارتها: وبحث البلقيني امتناعه أي الرجوع في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وكذا في لحم أضحية تطوع لأنه إنما يرجع ليستقل بالتصرف، وهو فيه ممتنع.

وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه.

وتأخر عنه، وردوا على من أفتى بجواز الرجوع في النذر بكلام الروضة وغيرها.

اه.

بتصرف.

(قوله: وينعقد) أي النذر.

(وقوله: معلقا) حال من فاعل ينعقد أي لا منجزا.

(وقوله: في نحو إذا مرضت) دخل فيه إذا سافرت.

(قوله: فهو نذر له) جواب إذا.

والضمير الأول راجع للمنذور، والثاني راجع للشخص المنذور.

(قوله: وله) أي الناذر المعلق نذره.

وقوله: التصرف أي ببيع أو غيره.

وقوله: قبل حصول المعلق عليه وإنما صح التصرف قبله لضعف النذر حينئذ.

(قوله: وبلغوا إلخ) كلام مستأنف ليس له تعلق بما قبله، فلو أخره وذكره بعد قوله ويقع لبعض العوام وجعلت هذا للنبي صلى الله عليه وسلم كما صنع في التحفة لكان أولى.

وعبارة التحفة: يقع لبعض العوام جعلت هذا للنبي صلى الله عليه وسلم، فيصح، لأنه اشتهر في النذر، بخلاف: متى حصل لي كذا أجئ له بكذا، فإنه لغو ما لم يقترن لفظ به التزام، أو نذر أي أو نيته ولا نظر إلى أن النذر لا ينعقد بالنية، لأنه لا يلزم من النظر إليها في التوابع النظر إليها في المقاصد.

اه.

بحذف.

وقوله: ما لم يقترن به أي بقوله المذكور.

وقوله: لفظ التزام أي كأن قال: متى حصل لي الأمر الفلاني، فلله علي أن أجئ لك بكذا.

وقوله: أو نذر أي أو لفظ نذر كأن قال متى حصل لي الأمر الفلاني، فنذر علي أن أجئ لك بكذا.

ومثلهما النية كما مر عن التحفة.

(قوله: فيمن أرادا) راعى معنى من فثنى الضمير.

وقوله: أن يتبايعا أي يبيع كل منهما متاعه لصاحبه ويشتري بدله متاعه.

(قوله: فاتفقا) أي المتبايعان.

(قوله: ففعلا) أي نذر كل للآخر بمتاعه.

(قوله: صح) هو المفتى به، وهو لا يصح أن يكون مفعولا لأفتى، فكان الصواب أن يقول بالصحة، وعليه يصير متعلقا بأفتى.

(قوله: وإن زاد المبتدئ إلخ) أي يصح نذر كل لصاحبه بمتاعه، وإن أتى المبتدئ بصيغة التعليق بعد قوله نذرت لك، بأن قال نذرت لك بمتاعي إن نذرت لي بمتاعك.

(قوله: وكثيرا ما يفعل ذلك) أي ما ذكر من نذر كل لصاحبه بمتاعه.

وقوله: فيما لا يصح بيعه ويصح نذره

أي كما في الربويات مع التفاصيل، فإنه لا يصح بيعها ويصح نذرها.

(قوله: ويصح إبراء المنذور له الناذر عما في ذمته) أي يصح أنه يبرئ الشخص المنذور له الناذر عما التزمه في ذمته بنذره له وإن لم يقبضه كما يصح إسقاط حق الشفعة.

(قوله: قال القاضي إلخ) قال الرشيدي: عبارة القاضي: إذا قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن تصدق بخمس ما يحصل لي من المعشرات، فشفي، يجب التصدق به.

وبعد إخراج الخمس يجب العشر في الباقي إن كان نصابا ولا عشر في ذلك الخمس، لأنه لفقراء غير معينين.

فأما إذا قال: لله علي أن أتصدق بخمس مالي: يجب إخراج العشر، ثم ما بقي بعد إخراج العشر يخرج منه الخمس.

انتهت.

قال الأذرعي: ويشبه أن يفصل في الصورة الأولى.

فإن تقدم النذر على اشتداد الحب فكما قال، وإن نذر بعد اشتداده وجب إخراج العشر اولا من الجميع.

اه.

وقوله: ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به أي لا يشترط في صحة النذر أن يعرف الناذر ما نذره قدرا أو عينا أو صفة، وذلك لقوة

ص: 414

يخرج له مع معشر، وككل ولد، أو ثمرة يخرج من أمتي أو شجرتي هذه -.

وذكر أيضا أنه لا زكاة في الخمس المنذور.

وقال غيره: محله إن نذر قبل الاشتداد، ويصح النذر للجنين - كالوصية له، بل أولى، لا للميت - إلا لقبر الشيخ الفلاني، وأراد به قربة.

ثم: كإسراج ينتفع به، أو اطرد عرف - فيحمل النذر له على ذلك.

ويقع لبعض العوام: جعلت هذا للنبي (ص) فيصح - كما بحث - لانه اشتهر في عرفهم للنذر، ويصرف لمصالح الحجرة النبوية.

قال السبكي: والاقرب عندي في الكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة، أن من خرج من ماله عن شئ لها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها: صرف إليها واختصت به.

اه.

قال

ــ

النذر، فاغتفر فيه من الضرر والجهالات ما لا يغتفر في غيره.

(قوله: كخمس ما يخرج له من معشر) أي كنذر خمس ما يخرج له من المعشرات، فهو صحيح مع أنه حال النذر لم يعرفه، وهو تمثيل لنذر ما لم يعرفه الناذر.

(قوله: وككل ولد أو ثمرة) معطوف على كخمس: أي وكنذر وكل ولد يخرج من أمتي، أو كل ثمرة تخرج من شجرتي، فهو صحيح مع أنه حال النذر لم يعرفه.

وقوله: هذه راجع للأمة أو للشجرة، وهو يفيد أنه يشترط تعيين الأمة والشجرة، وليس كذلك.

(قوله: وذكر) أي القاضي، كما يعلم من عبارته المارة.

وقوله: أيضا أي كما ذكر ما مر.

(قوله: أنه لا زكاة في الخمس) أي لما مر أنه لفقراء غير معينين، والزكاة إنما تجب على معين كما مر.

(قوله: وقال غيره) أي غير القاضي وهو الأذرعي كما صرح به الرشيدي في عبارته المارة.

(قوله: محله) أي عدم وجوب الزكاة في الخمس المنذور.

(قوله: إن نذر قبل الاشتداد) أي قبل الصلاح للثمرة، وخرج به ما إذا نذره بعده، فإن الزكاة تتعلق بالخمس المنذور.

فيخرج الزكاة أولا من المعشر بتمامه، ثم يخرج خمسه.

وكتب سم ما نصه: قوله: قبل الاشتداد.

مفهومه أن فيه الزكاة إن نذر بعد الاشتداد.

فإن أريد الواجب بالنذر حينئذ: خمس ما عدا قدر الزكاة ففيه إنه وإن كان الخمس حينئذ أي خمس الجملة قد أخرجت زكاته، فالمنذور ليس خمسا أخرجت زكاته.

وإن أريد أن المنذور حينئذ خمس المجموع، لكن يسقط منه قدر زكاته، ففيه أن النذر لا يتعلق بالزكاة، لأنها ملك غير الناذر، فلا تصدق الزكاة في الخمس المنذور.

اه.

(قوله: ويصح النذر للجنين كالوصية) أي قياسا على صحة الوصية له.

(قوله: بل أولى) أي بل صحة النذر له أولى من صحة الوصية.

ووجه الأولوية أن النذر وإن شارك الوصية في قبول التعليق والخطر، وصحته بالمجهول والمعدوم هو يتميز عنها بأنه لا يشترط فيه القبول، بل عدم الرد فقط.

(قوله: لا للميت) معطوف على للجنين، أي لا يصح النذر للميت لأنه لا ينتفع به، فهو إضاعة مال، وهي حرام.

(قوله: إلا لقبر الشيخ الفلاني) لا معنى للاستثناء من الميت، فلو قال: ويصح لقبره أي الميت إن أراد به قربة هناك إلخ.

لكان أولى وأخصر.

فتنبه.

(قوله: وأراد) أي الناذر.

وقوله: به أي بنذره للقبر.

وقوله: قربة ثم أي عند القبر.

وقوله: كإسراج ينتفع به تمثيل للقربة المرادة هناك، والانتفاع به شرط، فلو لم يوجد هناك من ينتفع به من مصل أو نائم أو نحوهما لم يصح النذر، لأنه إضاعة مال.

(قوله: أو اطراد عرف) معطوف على وأراد، أي أو اطرد عرف في صرف المنذور للقبر، كترميم أو صنع طعام للفقراء، ونحو ذلك.

(قوله: فيحمل النذر له) أي للقبر.

وقوله: على ذلك أي على ما اقتضاه العرف.

(قوله: ويقع لبعض العوام إلخ) مثله في التحفة والنهاية.

(قوله: جعلت إلخ) فاعل يقع، لأن القصد اللفظ، أي ويقع هذا اللفظ من بعض العوام.

(قوله: فيصح) أي هذا اللفظ للنذر.

(قوله: لأنه اشتهر إلخ) تعليل للصحة.

وقوله: في عرفهم أي الفقهاء.

وقوله: للنذر متعلق باشتهر.

(قوله: ويصرف) أي المجعول للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: لمصالح الحجرة النبوية أي من بناء، أو ترميم، أو تطيب، أو كسوة.

(قوله: والأقرب عندي إلخ) مقول القول.

(قوله: والمساجد الثلاثة) أي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.

(قوله: أن من إلخ) اسم أن ضمير الشأن وجملة الشرط، والجواب خبرها، والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها: خبر الأقرب.

وقوله: خرج أي بطريق النذر.

وقوله لها

ص: 415

شيخنا: فإن لم يقتض العرف شيئا، فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف رأي ناظرها.

قال: وظاهر أن الحكم كذلك في النذر لمسجد غيرها.

انتهى.

وأفتى بعضهم في، إن قضى الله حاجتي فعلي للكعبة كذا، بأنه غيرها.

انتهى يتعين لمصالحها، ولا يصرف لفقراء الحرم - كما دل عليه كلام المهذب وصرح به جمع متأخرون.

ولو نذر شيئا للكعبة ونوى صرفه لقربة معينة - كالاسراج - تعين صرفه فيها، إن احتيج لذلك، وإلا بيع، وصرف لمصالحها - كما استظهره شيخنا -.

ولو نذر

ــ

بخرج، والضمير يعود للكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة.

(قوله: واقتضى إلخ) الجملة حالية، يعني أن من خرج من ماله لها، والحال أن العرف اقتضى صرفه في جهة من جهاتها، صرف إليها.

وقوله: صرفه أي الشئ المخرج لها.

وقوله: في جهة من جهاتها أي كبناء، أو ترميم، أو إسراج، أو تطيب، أو كسوة، أو نحو ذلك.

(قوله: صرف) أي الشئ المخرج وهو جواب من.

وقوله: إليها أي تلك الجهة التي اقتضاها العرف.

(قوله: واختصت) أي تلك الجهة.

وقوله: به أي بالعرف، فلا يقوم غير مقامها.

(قوله: قال شيخنا) أي في التحفة.

(قوله: فإن لم يقتض العرف شيئا) أي جهة يصرف المال إليها.

(قوله: فالذي يتجه إلخ) جواب أن.

وقوله: يرجع يقرأ بالبناء للمجهول.

وقوله: في تعيين المصرف أي مصرف المال المخرج لما ذكر من الكعبة وما بعدها.

(قوله: لرأي ناظرها) أي الناظر عليها، فهو الذي يعين المصرف بحسب ما يقتضيه نظره.

(قوله: قال) أي شيخه.

(قوله: أن الحكم كذلك في النذر إلخ) أي فإن اقتضى العرف شيئا، عمل به، وإلا فيرجع لرأي الناظر.

وقوله: لمسجد بالتنوين.

وقوله: غيرها أي غير المساجد الثلاثة.

قوله: وأفتى بعضهم في إن قضى الله إلخ أي فيما إذا علق إخراج شئ من ماله للكعبة على قضاء حاجته وقضيت، هذا هو المراد.

وقوله: بأنه إلخ متعلق بأفتى، وضميره وضمير الفعل الذي بعده يعود على ما التزمه معلقا.

وقوله: لمصالحها أي الكعبة، من بناء، أو ترميم، أو نحو ذلك مما مر.

قوله: ولا يصرف لفقراء الحرم من هنا يؤخذ الفرق بين الإفتاء المذكور وبين ما مر عن السبكي، فإن ما مر عنه مبني على العرف، ومفاده أنه إذا اقتضى العرف صرفه للفقراء صرف إليهم.

ورأيت ع ش كتب على قوله: ويصرف لمصالح الحجرة النبوية في صورة ما يقع لبعض العوام من جعلت إلخ، ما نصه: أي من بناء أو ترميم دون الفقراء ما لم تجربه العادة.

اه.

والظاهر أن مثله يجري هنا، فيقال: لا يعطى للفقراء ما لم تجربه عادة وإلا فيعطى لهم.

وعليه: لا فرق بين الإفتاء المذكور، وما مر عن السبكي.

فتنبه.

قوله: كما دل عليه أي على عدم صرفه للفقراء، وهذا من كلام بعضهم المفتي بذلك، لا من كلام الشارح.

وقوله: كلام المهذب: قال في التحفة بعده: وخبر مسلم: لولا قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله.

المراد بسبيل الله فيه، إنفاقه في مصالحها.

اه.

وكتب سم ما نصه: قوله: المراد بسبيل الله إلخ: هذا خلاف المتبادر جدا من سبيل الله.

وأيضا: فقومها لا يكرهون إنفاق كنزها في مصالحها.

اه.

قوله: ولو نذر شيئا للكعبة إلخ في الروض وشرحه: وإن نذر سترا للكعبة - ولو بالحرير - أو تطييبها أو صرف ماله فيه - أي في سترها أو تطييبها - جاز، لأنه من القربات.

فإن الناس اعتادوها على ممر الأعصار، ولم ينكره أحد.

فإن نوى المباشرة لذلك بنفسه لزمه، وإلا فله بعثه إلى القيم ليصرفه في ذلك.

وفي جواز نذر تطيب مسجد المدينة والأقصى وغيرهما من المساجد، تردد للإمام.

قال في الأصل: ومال إلى تخصيصه بالكعبة والمسجد الحرام.

وقال في المجموع: المختار: الصحة في كل مسجد، لأن تطييبها سنة مقصودة، فلزم بالنذر، كسائر القرب.

وخرج بالمساجد البيوت ونحوها - كمشاهد العلماء، والصالحين -.

اه.

بحذف.

قوله: ونوى أي من غير لفظ، بأن قال: نذرت هذا للكعبة.

ونوى صرفه للإسراج أو للتطييب أو نحو ذلك.

قوله: كالإسراج تمثيل للقربة المعينة.

وقوله: تعين صرفه أي الشئ المنذور.

وقوله: فيها أي في القربة

المعينة المنوية.

قوله: إن احتيج لذلك أي لصرف الشئ المنذور في القربة المعينة التي نواها.

قوله: وإلا أي وإن

ص: 416

إسراج نحو شمع أو زيت بسمجد، صح - إن كان ثم من ينتفع به، ولو على ندور - وإلا فلا.

ولو نذر إهداء منقول إلى مكة، لزمه نقله، والتصدق بعينه على فقراء الحرم ما لم يعين قربة أخرى - كتطييب الكعبة - فيصرفه إليها.

وعلى الناذر مؤنة إيصال الهدي إلى الحرم - فإن كان معسرا، باع بعضه لنقل الباقي.

فإن

ــ

لم يحتج لذلك، بأن كان نوى في نذره الإسراج، وليس هناك أحد ينتفع به.

وقوله: بيع أي الشئ المنذور والمنوي للإسراج مثلا.

قوله: وصرف أي ثمنه.

وقوله: لمصالحها أي الكعبة مما مر آنفا.

قوله: ولو نذر إسراج إلخ أي بأن قال: علي نذر أن أسرج هذا الشمع في المسجد.

والفرق بين هذه الصورة، وما قبلها، أن هذه صرح فيها لفظا بالجهة، وتلك نواها فيها فقط.

قوله: أو زيت معطوف على نحو، من عطف الخاص على العام.

قوله: بمسجد قال في التحفة: أو غيره - كمقبرة.

قوله: صح أي نذره وهو جواب لو.

قوله: إن كان ثم أي في المسجد الذي نذر الإسراج فيه.

وقوله: من ينتفع به أي بالإسراج.

قوله: ولو على ندور أي ولو كان الانتفاع به على قلة، أي ليس دائما بل في بعض الأوقات.

قوله: وإلا فلا أي وإن لم يكن ثم من ينتفع به فلا يصح نذره، لأنه إضاعة مال.

قال البجيرمي: فهو باق على ملك مالكه، لا يتصرف فيه من دفعه له، فإن مات دفع لوارثه إن علم، وإلا صار للمصالح العامة إن لم يتوقع معرفته، وإلا وجب حفظه حتى يدفع له.

اه.

وانظر ما الفرق بين هذه الصورة - حيث بطل النذر فيها إذ لم يكن ثم من ينتفع به - وبين الصورة المارة في الكعبة - حيث إنه إذا لم يحتج إلى الصرف إلى الجهة المنوية بيع، وصرف لمصالحها؟ ويمكن أن يقال: الفرق أنه هنا صرح بالجهة في نذره لفظا، بخلافه هناك، فإنه لم يصرح بها لفظا في نذره، وإنما نواها فقط.

فصار اللفظ في الأولى: كالقيد لصحة النذر، فإذا لم يوجد القيد لم يوجد المقيد.

بخلاف الثانية، فإن صيغة النذر مطلقة، والنية لا تؤثر تأثيرا قويا.

قوله: ولو نذر إهداء منقول أي ما يسهل نقله من نعم أو غيره، بدليل مقابله، وهو: فإن تعسر نقله إلخ.

وقوله: إلى مكة أو إلى الحرم، فمكة ليست بقيد، ولو عبر بالحرم بدل مكة - كالمنهج - لكان أولى.

قوله: لزمه نقله أي إلى مكة إن عينها في نذره، وهو ظاهر عبارته.

فإن لم يعينها فيه، فإلى الحرم، لأنه محل الهدي.

قوله: والتصدق بعينه أي ولزمه التصدق بعينه، أي فيما إذا عينه في نذره، كأن قال: علي أن أتصدق بهذا.

فيلزمه ذلك، ولا يجزئه مثله، ولو من جنسه.

وهذا في غير ما يذبح.

أما هو: فبعد ذبحه.

ومحل لزوم التصدق بالعين: إذا لم يعسر التصدق به، فإن عسر - كلؤلؤ - باعه، وفرق ثمنه على فقراء الحرم.

ثم إن استوت قيمته ببلده وبالحرم: تخير في بيعه فيما شاء منهما، وإلا لزمه بيعه في الأزيد قيمة، وإن كان بين بلده والحرم كما استظهره في التحفة.

وقوله: على فقراء الحرم أي المقيمين والمستوطنين، ويجب التعميم في المحصورين بأن سهل عدهم على

الآحاد، ويجوز في غيرهم الاقتصار على ثلاثة.

قال ع ش: ولا يجوز له أي الناذر - الأكل منه، ولا لمن تلزمه نفقتهم - قياسا على الكفارة.

اه.

قوله: ما لم يعين إلخ قيد في لزوم التصدق بعينه.

أي محله ما لم يعين الناذر في نذره قربة أخرى غير التصدق على الفقراء، كصرف ما نذره إلى تطييب الكعبة أو سترها.

فإن عينها صرفه إلى تلك القربة المعينة.

وقوله: كتطييب الكعبة تمثيل للقربة.

وقوله: فيصرفه أي المنذور.

وهو جواب شرط مقدر، أي وإذا عين ذلك صرفه.

وقوله: إليها أي إلى القربة الأخرى.

قوله: وعلى الناذر مؤنة إيصال الهدي أي ما أهداه من نعم أو غيرها.

ولو قال: إيصال المنقول لكان أولى وأنسب بما قبله.

وقوله: إلى الحرم متعلق بإيصال.

قوله: فإن كان أي الناذر.

وقوله: معسرا أي لم يكن عنده مؤنة النقل.

وقوله: باع بعضه أي بعض الهدي، وهذا إن أمكن - بأن تعدد، أو لم يتعدد وأمكن بيع ربعه أو نصفه - وإلا فيصير مما تعسر نقله فيبيعه، ويتصدق بثمنه على فقراء الحرم.

فتنبه.

وقوله: لنقل الباقي أي لأجل نقل الباقي إلى الحرم.

وهو تعليل لبيع البعض.

قوله: فإن تعسر نقله أي المنذور.

وهو مقابل قوله

ص: 417

تعسر نقله - كعقار، أو حجر رحى - باعه، ولو بغير إذن حاكم، ونقل ثمنه، وتصدق به على فقراء الحرم.

وهل له إمساكه بقيمته أو لا؟ وجهان.

ولو نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة، أجزأ بعضها عن بعض - كالاعتكاف - ولا يجزئ ألف صلاة في غير مسجد المدينة عن صلاة نذرها فيه، كعكسه - كما لا يجزئ قراءة الاخلاص عن ثلث القرآن المنذور.

ومن نذر إتيان سائر المساجد وصلاة التطوع فيه، صلى حيث شاء، ولو في بيته.

ــ

منقول، المراد منه ما يسهل نقله - كما علمت.

قوله: كعقار فيه أن هذا يتعذر نقله بالكلية.

وعبارة الروض: وما تعذر نقله مما أهداه - كالدار - أو تعسر - كحجر الرحى - فعليه بيعه، ونقل ثمنه.

اه.

وهي ظاهرة.

فلو جرى المؤلف على صنيعه، بأن قال: فإن تعذر أو تعسر.

لكان أولى.

قوله: باعه أي ما تعسر نقله.

وقوله: ونقل ثمنه معطوف على باعه.

والمتولي لجميع ذلك هو الناذر، وليس لقاضي مكة نزعة منه - كما في التحفة، والنهاية، والمغني.

قوله: وهل له أي للناذر.

وقوله: إمساكه أي المتعسر نقله، والمراد به عدم بيعه.

وقوله: بقيمته أي ويدفعها لفقراء الحرم.

وقوله: أو لا أي أو ليس له إمساكه، بل يجب عليه بيعه.

وقوله: وجهان أي فقال بعضهم بالأول، وقال بعضهم بالثاني.

قال في التحفة: ويظهر ترجيح أنه ليس له إمساكه بقيمته، لأنه متهم في محاباة نفسه، ولاتحاد القابض والمقبض.

اه.

ومثله في النهاية.

قوله: ولو نذر إلخ كان المناسب أن يؤخره عن قوله: ومن نذر إتيان سائر المساجد إلخ.

ويغير هذا الأسلوب، كأن يزيد عقب قوله حيث شاء حكم المساجد الثلاثة، بأن يقول بعده: نعم، المساجد الثلاثة تتعين، لمزيد فضلها، ويجزئ بعضها عن بعض.

قوله: أجزأ بعضها عن بعض كان الأولى أن يقول: صح نذره وأجزأ إلخ، والمراد: أجزأ بعضها الفاضل عن بعضها المفضول، فإذا نذر الصلاة في المسجد الأقصى: تجزئه الصلاة في المسجد الحرام أو المسجد المدني.

أو نذر في المدني تجزئ في المكي، لا العكس.

قوله: كالاعتكاف أي نظير

الاعتكاف في أنه إذا نذره في أحد المساجد الثلاثة أجزأ بعضها عن بعض، لكن بالمراد المار.

قوله: ولا يجزئ ألف صلاة أي أو مائة صلاة بالنسبة لمن نذر صلاة واحدة في المسجد الحرام، وإنما لم يجزئ ذلك لأن العبرة بما نذره، فلا يجزئ غيره عنه، وإن كان يساويه في الفضل.

وقوله: عن صلاة نذرها فيه أي في مسجد المدينة.

قوله: كعكسه وهو أنه لا يجزئ صلاة في المسجد النبوي عن ألف صلاة نذرها في غير مسجد المدينة.

قوله: كما لا يجزئ إلخ أي نظير ما لو نذر أن يقرأ ثلث القرآن، فلا يجزئ أن يقرأ بدله سورة الإخلاص، وإن ورد أنها تعدل ثلث القرآن.

قوله: ومن نذر إتيان سائر المساجد اعلم أن لفظ سائر: إن أخذ من السؤر - أي البقية - فهو بمعنى باقي.

وإن أخذ من سور البلد - أي المحيط بها - يكون بمعنى جميع.

والمناسب هنا: الثاني، لأنه لم يتقدم حكم إتيان بعض المساجد، حتى يكون هذا بيانا لحكم بقيتها.

وعليه: فلا بد من استثناء المساجد الثلاثة، فإنها تتعين للنذر - كما علمت - ويمكن أن يقال باحتمال الأول، ويكون قوله ولو نذر الصلاة إلخ: متضمنا لحكم النذر في المساجد الثلاثة، وهو تعينها به.

ثم إن نذره إتيان جميع المساجد ليس بقيد، بل مثله في عدم التعين للصلاة إتيان مسجد منها، ولو عبر به - كغيره - لكان أولى.

وقوله: وصلاة التطوع فيه يعني ونذر صلاة التطوع في سائر المساجد، وهي المقصودة من النذر.

وأما الإتيان إلى ما ذكر فهو لازم.

فلو قال: ومن نذر صلاة التطوع في سائر المساجد.

لكان أولى.

وخرج بصلاة التطوع صلاة الفرض، فإذا نذرها في مسجد تعينت فيه - صرح به في الروض، وعبارته مع شرحه: لو قال: لله علي أن أصلي الفرائض في المسجد: لزمه أن يصليها فيه، بخلاف النفل.

والفرق أن أداء الفرائض في المسجد أفضل، ولا يتعين لها مسجد.

وقضيته: أنه لو عين لها مسجدا غير الثلاثة، جاز أداؤها في غيره.

اه.

ومثل صلاة التطوع الصوم، فإذا نذره في مسجد لا يتعين له، إلا أنه لا يستثنى فيه شئ من المساجد، فلا يتعين الصوم بنذره في مسجد - ولو كان أحد المساجد الثلاثة -.

قوله: صلى أي الناذر.

وقوله: حيث شاء أي في أي مكان شاء الصلاة فيه - سواء كان المنذور فيه أو غيره -.

وقوله: ولو في بيته

ص: 418

ولو نذر التصدق بدرهم لم يجزئ عنه جنس آخر.

ولو نذر التصدق بمال بعينه، زال عن ملكه.

فلو قال: علي أن أتصدق بعشرين دينارا وعينها على فلان، أو إن شفي مريضي فعلي ذلك: ملكها - وإن لم يقبضها ولا قبلها، بل وإن رد، فله التصرف فيها، وينعقد حول زكاتها من حين النذر.

وكذا إن لم يعينها ولم يردها المنذور له فتصير دينا له عليه ويثبت لها أحكام الديون من زكاة وغيرها.

ولو تلف المعين لم يضمنه، إلا أن قصر - على ما استظهره شيخنا -.

ولو نذر أن يعمر مسجدا معينا أو في موضع معين، لم يجز له أن يعمر غيره بدلا عنه، ولا

ــ

أي ولو صلى في بيته، فإنها تكفى عن صلاته في المسجد المنذور الصلاة فيه.

قوله: ولو نذر التصدق بدرهم أي معين أو غير معين.

وقوله: لم يجزئ عنه جنس آخر أي لا يجزئ أن يتصدق بدل الدرهم من جنس آخر - كمن الذهب، أو من النحاس - ولا من جنسه أيضا في المعين، كأن قال: بهذا الدرهم.

قوله: ولو نذر التصدق بمال بعينه أي كهذه الشاة، أو هذا الثوب، أو هذا الدينار، أو الدرهم.

وقوله: زال عن ملكه أي بمجرد النذر، ولو لغير معين، أو

لمعين ورده.

بخلاف المنذور في ذمته، فإنه لا يزول ملكه عنه إلا بعدم رد النذور له، فإن رده برئ الناذر.

قوله: فلو قال على إلخ مفرع على زوال ملكه عن المال المعين بمجرد النذر.

قوله: وعينها أي العشرين دينارا، أو التعيين يكون بإشارة إليها، أو وصف، كأن قال: بهذه العشرين، أو العشرين هذه، أو العشرين التي في الصندوق، أو الكيس.

وقوله: على فلان متعلق بأتصدق.

قوله: أو إن شفي مريضي إلخ أي أو قال إن شفى الله مريضى فعلى عشرون دينارا لفلان - وعين تلك العشرين كما مر -.

قوله: ملكها جواب فلو، والضمير المستتر يعود على المنذور له، والبارز يعود على العشرين دينارا.

قوله: وإن لم يقبضها أي فلان المنذور له.

وقوله: ولا قبلها أي وإن لم يقبلها لفظا.

وقوله: بل وإن رد أي بل يملكها وإن ردها - لما مر أن المنذور المعين لا يتأثر بالرد - كإعراض الغانم بعد اختياره التملك.

قوله: فله أي لفلان المنذور له.

وقوله: التصرف فيها أي في العشرين.

قوله: وينعقد حول زكاتها من حين النذر أي لأنها دخلت في ملكه من حينئذ.

قوله: وكذا إن لم يعينها هذا مقابل قوله وعينها.

أي وكذا يملكها المنذور له من حين النذر - إذا لم تكن معينة - كعلي أي أتصدق بعشرين، ولكن لم يردها على الناذر، فإن ردها برئ الناذر وبطل النذر، لما مر أن الملتزم في الذمة لا يملك إلا بقبض صحيح، فإذا رد قبل قبضه أثر فيه الرد.

والحاصل أن النذر على فلان إن كان بمعين لم يرتد بالرد، وإن كان بغير معين ارتد به.

قوله: فتصير أي العشرون.

وقوله: دينا له أي للمنذور له.

وقوله: عليه أي على الناذر.

قوله: ويثبت لها أي العشرين التي صارت دينا على الناذر.

وقوله: أحكام الديون فاعل يثبت.

وقوله: من زكاة إلخ بيان للأحكام والزكاة على المنذور له، لأن العشرين المنذورة صارت ملكه، فهو كالدائن.

وقوله: وغيرها أي غير الزكاة من جواز الاستبدال عنها والإبراء منها.

قوله: ولو تلف المعين أي عند الناذر.

قوله: لم يضمنه أي الناذر.

وقوله: إلا إن قصر كأن طالبه المنذور له وامتنع من إعطائه إياه، فإنه يضمن بدله.

وقوله: على ما استظهره شيخنا أي في التحفة.

وعبارتها: وإن تلف المعين في يده لا يضمنه - أي إلا إن قصر - كما هو ظاهر.

اه.

قوله: ولو نذر أن يعمر مسجدا معينا أي كأن قال: لله علي أن أعمر هذا المسجد، أو المسجد الحرام.

أو قال: إن شفى الله مريضي فعلي عمارة هذا المسجد، فإنه يتعين عليه عمارته، قال ع ش: ويخرج عن عهدة ذلك بما يسمى عمارة بمثل ذلك المسجد.

اه.

ولو قال: إن شفى الله مريضي عمرت مسجد كذا، فلغو، لأنه وعد عار عن الالتزام، والنذر هو التزام قربة - كما مر -.

قال في التحفة: نعم، لو نوى به الالتزام لم يبعد انعقاده.

اه.

ومثله في النهاية.

قوله: أو في موضع معين أي أو نذر أن يعمر مسجدا في مكان معين - كمكة والمدينة -.

قوله: لم يجز إلخ

جواب لو.

وقوله: له أي للناذر.

وقوله: أن يعمر غيره أي مسجدا غير المسجد الذي عينه في نذره.

وقوله: بدلا عنه أي حال كون الغير بدلا عن المسجد الذي عينه.

وخرج به ما لو أراد أن يعمره - لا بقصد البدلية عما نذره - فجائز.

فالممنوع: تعميره بقصد البدلية.

قال في النهاية: ولو نذر عمارة هذا المسجد وكان خرابا، فعمره غيره، فهل يبطل نذره لتعذر نفوذه، لأنه إنما أشار

ص: 419

في موضع آخر.

كما لو نذر التصدق بدرهم فضة لم يجز التصدق بدله بدينار لاختلاف الاغراض.

(تتمة) اختلف جمع من مشايخ شيوخنا في نذر مقترض مالا معينا لمقرضه ما دام دينه في ذمته فقال بعضهم لا يصح، لانه على هذا الوجه الخاص غير قربة، بل يتوصل به إلى ربا النسيئة.

وقال بعضهم يصح، لانه في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إن اتجر به، أو فيه اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في ذمته لاعسار أو

ــ

إليه وهو خراب - فلا يتناوله خرابه مرة أخرى - أو لا، بل يوقف حتى يخرب فيعمره تصحيحا للفظ ما أمكن؟ كل محتمل، والأول أقرب.

وتصحيح اللفظ ما أمكن إنما يعدل إليه إن احتمله لفظه، وقد تقرر أن لفظه لا يحتمل ذلك، لأن الإشارة إنما وقعت للخراب حال النذر لا غير.

نعم، إن نوى عمارته - وإن خرب بعد - لزمته.

اه.

قوله: ولا في موضع آخر أي ولا يجوز أن يعمر مسجدا في موضع آخر غير الموضع الذي نذر أن يعمر مسجد فيه.

قوله: كما لو نذر إلخ الكاف للتنظير، أي لا يجوز أن يعمر غير المعين، نظير ما لو نذر أن يتصدق بدرهم فضة، فلا يجوز أن يبدله بدينار.

ومثله ما لو عين مكانا للصدقة فإنه يتعين ولا يجوز التصدق في غيره - كما مر.

قوله: لاختلاف الأغراض أي المقاصد، وهو علة لكل من عدم جواز تعمير مسجد آخر غير المسجد المعين في النذر أو في موضع غير الموضع المعين فيه.

وعدم جواز التصدق بدينار بدل الدرهم، أي وإنما لم يجز ذلك لاختلاف المقاصد، فيمكن أن الناذر له قصد وغرض بتعمير مسجد دون أخر، أو في موضع دون آخر، كقربه من داره، أو عدم وجود مسجد في ذلك الموضع الذي عين تعمير مسجد فيه.

ويمكن أن الدرهم هو الرائج في السوق دون الدينار، فيرغب المنذور له في الأول، دون الثاني.

قوله: تتمة أي في بيان حكم نذر المقترض لمقرضه.

قوله: في نذر مقترض متعلق باختلف، والمراد الاختلاف في حكم ذلك، من الصحة وعدمها.

قوله: مالا مفعول لنذر، ويصح أن يكون مفعولا لمقترض، ويكون مفعول نذر محذوفا يدل عليه المذكور.

وقوله: معينا كعشرة دراهم، أو هذه العشرة.

والتعيين ليس بقيد في صحة النذر، لما مر أنه لا يشترط معرفة الناذر ما نذر به، وأنه يصح بالمجهول والمعدوم - كالوصية.

قوله: ما دام دينه عبارة النهاية: ما دام دينه أو شئ منه.

ولو اقتصر على قوله في نذره ما دام مبلغ القرض في ذمته ثم دفع المقترض شيئا منه، بطل حكم النذر - أي بلا خلاف - لانقطاع الديمومة.

اه.

بحذف.

قال ش ق: فيشترط أن يقول: لله علي ما دام المبلغ المذكور أو شئ منه في ذمتي أن أعطيك كل يوم أو كل سنة أو

كل شهر كذا.

فإن لم يقل أو شئ منه، ودفع دينارا مثلا، ونوى جعله من رأس المال، لم يلزمه بعد ذلك شئ، لأنه لم يبق المبلغ كله في ذمته.

اه.

إذا علمت ذلك، فقوله ما دام دينه: المراد كله، أو شئ منه، وليس المراد الأول فقط.

قوله: فقال بعضهم: لا يصح أي نذر المقترض المذكور.

قوله: لأنه أي النذر المذكور.

وهو علة لعدم الصحة.

وقوله: على هذا الوجه الخاص أي وهو كونه في مقابلة دوام الدين في ذمته.

وقوله: غير قربة أي وشرط النذر أن يكون لقربة.

وقوله: بل يتوصل به أي بالنذر.

والإضراب انتقالي.

وقوله: إلى ربا النسيئة أي هو أن يشترط أجلا في أحد العوضين.

وفي ذلك نظر ظاهر، إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع - كما سيذكره بعده -.

قوله: وقال بعضهم: يصح أي نذر المقترض للمقرض.

قال ع ش: ومحل الصحة حيث نذر لمن ينعقد نذره له، بخلاف ما لو نذر لأحد بني هاشم والمطلب، فلا ينعقد، لحرمة الصدقة الواجبة - كالزكاة، والنذر، والكفارة - عليهم.

اه.

وجمع في التحفة بين القولين، وعبارتها: وقد يجمع بحمل الأول - أعني عدم الصحة - على ما إذا قصد أن نذره ذلك في مقابلة الربح الحاصل له.

والثاني - أعني الصحة - على ما إذا جعله في مقابلة حصول النعمة أو اندفاع النقمة المذكورين، ويتردد النظر في حالة الإطلاق.

والأقرب: الصحة، لأن إعمال كلام المكلف - حيث كان - له محمل صحيح، خير من إهماله.

اه.

بتصرف.

قوله: لأنه أي نذر المقترض لمقرضه.

وقوله: في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إضافة نعمة لما بعدها

ص: 420

إنفاق، ولانه يسن للمقترض أن يرد زيادة عما اقترضه فإذا التزمها بنذر انعقد، ولزمته، فهو حينئذ مكافأة إحسان، لا وصلة للربا، إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع، ومن ثم لو شرط عليه النذر في عقد القرض، كان ربا.

وقال شيخ مشايخنا العلامة المحقق الطنبداوي، فيما إذا نذر المديون للدائن منفعة الارض المرهونة مدة بقاء الدين في ذمته: والذي رأيته لمتأخري أصحابنا اليمنيين ما هو صريح في الصحة، وممن أفتى بذلك شيخ الاسلام محمد بن حسين القماط والعلامة الحسين بن عبد الرحمن الاهدل.

(والله أعلم).

ــ

للبيان، أي نعمة هي ربح القرض، وإضافة ربح لقرض بمعنى اللام.

والمراد من القرض: اسم المفعول، أي ربح للمقرض.

وقد عبر باسم المفعول في النهاية.

وكتب ع ش ما نصه: قوله: لأنه في مقابلة إلخ.

لكن مر أنه لو نذر شيئا لذمي أو مبتدع جاز صرفه لمسلم أو سني.

وعليه، فلو اقترض من ذمي ونذر له بشئ ما دام دينه في ذمته، انعقد نذره، لكن يجوز دفعه لغيره من المسلمين.

فتفطن له فإنه دقيق.

وهذا بخلاف ما لو اقترض الذمي من مسلم ونذر له بشئ ما دام الدين عليه، فإنه لا يصح نذره، لما مر من أن شرط الناذر الإسلام.

اه.

قوله: أن اتجربه أي بالقرض، بمعنى اسم المفعول.

قوله: أو فيه اندفاع إلخ أي أو لأن فيه اندفاع نقمة المطالبة.

فقوله: اندفاع: معطوف على الضمير في لأنه، والجار والمجرور قبله معطوف على في مقابلة.

وعبارة التحفة:

أو اندفاع نقمة المطالبة، بإسقاط لفظ فيه.

وهو الأولى، لأن المعنى أو لأنه في مقابلة اندفاع النقمة المذكورة.

قوله: إن احتاج أي الناذر المقترض.

وقوله: لبقائه أي الدين.

وقوله: لإعسار علة للاحتياج.

وقوله: أو إنفاق أي عليه أو على من تلزمه مؤنته، وهو معطوف على إعسار، فهو علة ثانية للاحتياج.

قوله: ولأنه يسن الخ معطوف على لأنه في مقابلة إلخ، فهو علة ثانية لصحة نذر المقترض.

وقوله: أن يرد زيادة أي للخبر الصحيح: إن خياركم أحسنكم قضاء.

قوله: فإذا التزمها أي الزيادة.

وقوله: بنذر أي بسبب نذر.

وقوله: انعقد أي نذره.

وقوله: ولزمته أي الزيادة التي التزمها.

قوله: فهو أي ما التزمه المقترض بالنذر.

وقوله: حينئذ أي حين إذ كان على هذا الوجه الخاص - أعني ما دام الدين في ذمته -.

وقوله: مكافأة إحسان أي ذو مكافأة للإحسان، أي وهو رضا المقرض ببقاء ماله في ذمة المقترض.

والحاصل الرضا المذكور إحسان، والتزام المقترض بشئ زائد على الدين الذي عليه مقابل له.

قوله: لا وصلة للربا أي لا أنه يوصل للربا، أي ربا النسيئة.

قوله: إذ هو أي الربا من حيث هو - سواء كان ربا نسيئه أو ربا قرض، أو لا.

قوله: لا يكون إلا في عقد أي في صلب عقد، أي وفي مسألتنا لم يوجد عقد.

وقوله: كبيع تمثيل للعقد.

فإذا باعه ربويا بربوي متحدي الجنس، وشرط أحدهما في صلب العقد زيادة في أحد العوضين، كان ربا.

قوله: ومن ثم أي ومن أجل أن الربا لا يكون إلا في عقد.

قوله: لو شرط عليه النذر في عقد القرض كأن قال: أقرضتك هذه العشرة، بشرط أن تنذر أنك تردها اثني عشر.

وقوله: كان ربا أي ربا قرض، إذ هو ما جر نفعا للمقرض مشروطا في صلب العقد - كما سيأتي -.

قوله: وقال شيخ مشايخنا إلخ هذا تأييد للقول بصحة نذر المقترض شيئا للمقرض ما دام دينه في ذمته.

قوله: فيما إذا نذر، إلخ أي في بيان حكم ذلك.

وقوله: منفعة الأرض المرهونة هي ما يحصل من إيجارها أو من الثمار الكائنة فيها.

وقوله: مدة إلخ ظرف متعلق بمنفعة.

قوله: والذي رأيته إلخ مقول القول.

قوله: ما هو صريح خبر الذي.

وقوله: في الصحة أي صحة نذر منفعة الأرض المرهونة للدائن.

قوله وممن أفتى بذلك أي بما ذكر، من صحة النذر بما ذكر للدائن.

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال المؤلفف رحمه الله تعالى.

وقد تم تبيض وتحرير هذا الجزء الثاني من الحاشية المباركة - بحمد الله، وعونه، وحسن توفيقه - يوم الاربعاء المبارك لاثني عشر من شعبان المكرم، سنة تسع وتسعين بعن المائتين والالف، من هجرة من خلق على أحسن وصف.

صلى الله عليه وسلم على يد مؤلفها: فقير عفو ربه، وأسير وصمة ذنبه، الراجي من ربه كشف الغطا: أبي بكر بن محمد شطا - غفر الله له، ولمشايخه، ولمحبيه، ولسائر المسلمين.

وأرجو - من الكريم الوهاب، متوسلا بسيدنا محمد: سيد الاحباب - أن يعين على التمام والكمال، ويمن علينا بجزيل الافضال.

والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى وم الدين.

وسلام على المرسلين.

والحمد الله رب العالمين.

آمين.

تم الجزء الثاني من إعانة الطالبين ويليه الجزء الثالث: أوله (باب البيع)

ص: 422