الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ليدل على أن العبادة أيضاً مما لا يتم ولا يستتب له إلا بمعونة منه وتوفيق، وقيل: الواو للحال والمعنى نعبدك مستعينين بك. وقرئ بكسر النون فيهما وهي لغة بني تميم فإنهم يكسرون حروف المضارعة سوى الياء إذا لم ينضم ما بعدها.
[سورة الفاتحة (1) : آية 6]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ بيان للمعونة المطلوبة فكأنه قال: كيف أعينكم فقالوا اهْدِنَا. أو إفراد لما هو المقصود الأعظم. والهداية دلالة بلطف ولذلك تستعمل في الخير وقوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ وارد على التهكم. ومنه الهداية وهوادي الوحش لمقدماتها، والفعل منه هدى، وأصله أن يعدى باللام، أو إلى، فعومل معاملة اختار في قوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ وهداية الله تعالى تتنوع أنواعاً لا يحصيها عد كما قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها ولكنها تنحصر في أجناس مترتبة:
الأول: إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة.
الثاني: نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد وإليه أشار حيث قال: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ وقال: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى.
الثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإياها عنى بقوله: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وقوله:
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.
الرابع: أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي، أو الإلهام والمنامات الصادقة، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء وإياه عنى بقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ. وقوله:
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا. فالمطلوب إما زيادة ما منحوه من الهدى، أو الثبات عليه، أو حصول المراتب المرتبة عليه. فإذا قاله العارف بالله الواصل عنى به: أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا، وتميط غواشي أبداننا، لنستضيء بنور قدسك فنراك بنورك. والأمر والدعاء يتشاركان لفظاً ومعنى ويتفاوتان بالاستعلاء والتسفل، وقيل: بالرتبة.
والسراط: من سرط الطعام إذا ابتلعه فكأنه يسرط السابلة، ولذلك سمي لقماً لأنه يلتقمهم. والصِّراطَ من قلب السين صاداً ليطابق الطاء في الإطباق، وقد يشم الصاد صوت الزاي ليكون أقرب إلى المبدل منه. وقرأ ابن كثير برواية قنبل عنه، ورويس عن يعقوب بالأصل، وحمزة بالإشمام، والباقون بالصاد وهو لغة قريش، والثابت في الإمام وجمعه سُرُطْ ككتب وهو كالطريق في التذكير والتأنيث.
والْمُسْتَقِيمَ المستوي والمراد به طريق الحق، وقيل: هو ملة الإسلام.
[سورة الفاتحة (1) : آية 7]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بدل من الأول بدل الكل، وهو في حكم تكرير العامل من حيث إنه المقصود بالنسبة، وفائدته التوكيد والتنصيص على أن طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة على آكد وجه وأبلغه لأنه جعل كالتفسير والبيان له فكأنه من البين الذي لا خفاء فيه أن الطريق المستقيم ما يكون طريق المؤمنين. وقيل: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ الأنبياء، وقيل: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقيل: أصحاب موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام قبل التحريف والنسخ. وقرئ: «صراط مِنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» والإنعام: إيصال النعمة، وهي في الأصل الحالة التي يستلذها الإنسان فأطلقت لما يستلذه من النعمة وهي اللين، ونعم الله وإن كانت
لا تحصى كما قال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها تنحصر في جنسين: دنيوي وأخروي.
والأول قسمان: موهبي وكسبي والموهبي قسمان: روحاني كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوى كالفهم والفكر والنطق، وجسماني كتخليق البدن والقوى الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء والكسبي تزكية النفس عن الرذائل وتحليتها بالأخلاق السنية والملكات الفاضلة، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحلى المستحسنة وحصول الجاه والمال.
والثاني: أن يغفر له ما فرط منه ويرضى عنه ويبوئه في أعلى عليين مع الملائكة المقربين أبد الآبدين.
والمراد هو القسم الأخير وما يكون وصلة إلى نيله من الآخرة فإن ما عدا ذلك يشترك فيه المؤمن والكافر.
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ بدل من الَّذِينَ على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال. أو صفة له مبينة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة، وهي نعمة الإيمان، وبين السلامة من الغضب والضلال وذلك إنما يصح بأحد تأويلين، إجراء الموصول مجرى النكرة إذا لم يقصد به معهود كالمحلى في قوله:
ولَقَد أَمرُّ على اللئيمِ يَسُبُّني وقولهم: إني لأمر على الرجل مثلك فيكرمني. أو جعل غير معرفة بالإضافة لأنه أضيف إلى ماله ضد واحد وهو المنعم عليهم، فيتعين تعين الحركة من غير السكون.
وعن ابن كثير نصبه على الحال من الضمير المجرور والعامل أنعمت. أو بإضمار أعني. أو بالاستثناء إن فسر النعم بما يعم القبيلين، والغضب: ثوران النفس إرادة الانتقام، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد به المنتهى والغاية على ما مر، وعليهم في محل الرفع لأنه نائب مناب الفاعل بخلاف الأول، ولا مزيدة لتأكيد ما في غير من معنى النفي، فكأنه قال: لا المغضوب عليهم ولا الضالين، ولذلك جاز أنا زيداً غير ضارب، كما جاز أنا زيداً لا ضارب، وإن امتنع أنا زيدا مثل ضارب، وقرئ «وَغَيْرُ الضالين» والضلال: العدول عن الطريق السوي عمداً أو خطأ، وله عرض عريض والتفاوت ما بين أدناه وأقصاه كثير.
قيل: الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اليهود لقوله تعالى فيهم: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ. والضَّالِّينَ النصارى لقوله تعالى: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً. وقد روي مرفوعاً، ويتجه أن يقال: المغضوب عليهم العصاة والضالين الجاهلون بالله، لأن المنعم عليه من وفق للجمع بين معرفة الحق لذاته والخير للعمل به، وكان المقابل له من اختل إحدى قوتيه العاقلة والعاملة. والمخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى في القاتل عمداً وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ. والمخل بالعقل جاهل ضال لقوله: فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ.
وقرئ: ولا «الضألين» بالهمزة على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين.
- آمين- اسم الفعل الذي هو استجب.
وعن ابن عباس قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معناه فقال: «افعل بني على الفتح كأين لالتقاء الساكنين»
، وجاء مد ألفه وقصرها قال:
ويرحَمُ الله عبداً قالَ آمِينا وقال:
أمينَ فزادَ الله ما بيننا بُعدا وليس من القرآن وفاقا، لكن يسن ختم السورة به
لقوله عليه الصلاة والسلام «علمني جبريل آمين عند فراغي من قراءة الفاتحة وقال إنه كالختم على الكتاب»
. وفي معناه
قول علي رضي الله عنه: آمين خاتم رب العالمين، ختم به دعاء عبده
. يقوله الإمام ويجهر به في الجهرية لما
روي عن وائل بن حجر «أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته» .
وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لا يقوله: والمشهور عنه أنه يخفيه كما رواه عبد الله بن مغفل وأنس، والمأموم يؤمن معه
لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا قال الإمام «وَلَا الضالين» فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيّ «ألا أخبرك بسورة لم يُنَزَّل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها» . قال: قلت بلى يا رسول الله.
قال: فاتحة الكتاب إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ أتاه ملك فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفاً منهما إلا أعطيته» .
وعن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتماً مقضياً فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة» .