المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ١٦٦

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الحشر [11 - 24]

- ‌تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرىً محصنة)

- ‌تفسير قوله تعالى: (كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر وذلك جزاء الظالمين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة)

- ‌تفسير قوله تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن)

- ‌تفسير قوله تعالى: (هو الله الخالق البارئ المصور)

- ‌معنى اسم الله: المتكبر

- ‌معنى اسم الله: الجبار

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد)

‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد)

قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18].

قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} أي: بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، قال المهايمي: يعني: أن مقتضى إيمانكم ألا تأمنوا مكر الله، فاتقوه أن يسلط عليكم الشيطان ليغويكم بالكفر، ثم يتبرأ منكم، ((وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)) أي: لما بعد الموت من الصالحات، ((وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) يعني: فيجازيكم بحسبها.

يقول صاحب (الظلال): وعند هذا الحد من رواية الحادث والتعقيب عليه، وربطه بالحقائق البعيدة المدى، يتجه الخطاب في السورة إلى المؤمنين، فيهتف بهم باسم الإيمان، ويناديهم بالصفة التي تربطهم بصاحب الخطاب، وتيسر عليهم الاستجابة لتوجيهه وتكليفه، ويتجه إليهم ليدعوهم إلى التقوى، والنظر فيما أعدوه للآخرة، واليقظة الدائمة، والحذر من نسيان الله كالذين نسوه من قبل، ممن رأوا مصير فريق منهم، وممن كتب عليهم أنهم من أصحاب النار.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:18 - 20].

والتقوى حالة في القلب يشير إليها اللفظ بظلاله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ))، ولكن العبارة لا تبلغ تصوير حقيقتها، فهي حالة تجعل القلب يقظاً حساساً، شاعراً بالله في كل حالة، خائفاً متحرجاً مستحيياً أن يطلع عليه الله في حالة يكرهها، وعين الله على كل قلب في كل لحظة، فمتى يأمن ألّا يراه؟! وقوله:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)) تعبير كذلك ذو ظلال وإيحاءات أوسع من ألفاظه، ومجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة أعماله، بل صفحة حياته، ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها، وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته؛ لينظر ماذا قدم لغده في هذه الصفحة.

وهذا التأمل كفيل بأن يوقظه إلى مواضع خطأ، ومواضع نقص، ومواضع تقصير مهما يكن قد أسلف من خير، وبذل من جهد، فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلاً، ونصيبه من البر ضئيلاً؟! إنها لمسة لا ينام عن معناها القلب أبداً، ولا يكف عن النظر والتقليب، ولا تنتهي الآية التي تثير كل هذه المشاعر حتى تلح على القلوب المؤمنة بمزيد من الإيقاع.

قوله: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))، فتزيد هذه القلوب حساسية ورهبة واستحياء، والله خبير بما يعملون، وبمناسبة ما تدعو إليه هذه الآية من يقظة وتذكُّر يحذرهم في الآية الثانية من أن يكونوا ((كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ))، وهي حالة عجيبة، ولكنها حقيقة، فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى، وبلا هدف لهذه الحياة يرفعه عن السائمة التي ترعى، وفي هذا نسيان لإنسانيته، وهذه الحقيقة تنشأ عنها حقيقة أخرى وهي: نسيان هذا المخلوق لنفسه، فلا يدخر لها زاداً للحياة الطويلة الباقية، ولا ينظر فيما قدم لها في الغداة من رصيد.

ص: 8