الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومَنْ أطلقت ِ النظرات دامتْ لها الحسرات.
قالَ بنُ القيم ِ رحمه الله: ومَنْ أطلقَ نظرَهُ دامتْ حسرتُه فأضرُّ شيءٍ على القلب ِ إرسالُ البصرِ فإنَّهُ يُريهِ ما لاصبرَ لهُ عنهُ ولا وصولَ لهُ إليه وذلكَ غايةُ ألمِهِ وعذابِهِ. (1)
وقد قيل:
وأنتَ متى أرسلتَ طرفَك رائداً
…
لقلبِك يوماً أتعبتْك المناظِرُ
رأيتَ الذي لاكلَّهُ أنتَ قادرٌ
…
عليه ِ ولا عَنْ بعضِهِ أنتْ صابرُ
ومَنْ فتحتِ بابَ الحُبِّ فإنَّما ترمي القلب
.
قالَ بنُ القيم ِ رحمه الله: والناظرُ إنَّما يرمي مِنْ نظرِه ِ بسهام ٍ هدفُها قلبُهُ.
يا رامياً بسهام ِ اللحظ ِمجتهداً
…
أنتَ القتيلُ بما تَرْم ِ فلا تُصِب ِ
وباعثَ الطرْف ِ يرتادُ الشفاءَ لَهَ
…
توقَّه إنَّهُ يأتيكَ بالعطبِ
وما جَنَت ِ المرأةُ على جسدِها بمثلِ إطلاقِ بصرِها فتعيشُ تهوى أشخاصا ولا ترَى أبدانا
وكما قيل:
واللهِ يا بصري الجاني على جسدي
…
لأطفئنَّ بدمعي لوعة َ الحَزَن ِ
تالله ِ تطمعُ أنْ أبكي هوىً وضنىً
…
وأنتَ تشبعُ مِنْ نوم ٍ ومِنْ وسَن ِ
هيهاتَ حتى تُرى طرفاً بلا نظر
…
كما أَرَى في الهوى شخصاً بلا بدَن ِ
فلا أضرَّ على البشر مِنْ إطلاق ِ النظر
عَنْ أبي أمامةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله ِ صلى الله عليه وسلم (النظرُ سهمٌ مسمومٌ مِنْ سهام ِ إ بليس مَنْ تركَهُ مخافتي أبد لتُهُ إيماناً يجدُ حلاوتَه في قلبِه ِ) رواه أحمد
فالنظرُ سهمٌ مسموم يصيبُ القلبَ بجروح ٍ وهموم كما أخبرَ المعصوم فإنْ لم يصبِ القلبَ شهوة أصابتْه محبةٌ وحسره. قالَ بنُ القيم ِ رحمه الله: فإنَّ السهمَ شأنُهُ أنْ يسريَ في القلب ِ فيعملَ فيه عملَ السُمِّ الذي يُسْقاه المسموم فإنْ بادرَ و ا ستفرغَه وإلا قتله. (2)
(1)(روضة المحبين ص113)
(2)
. (روضة المحبين ص112)
وقالَ رحمه الله ُ: النظرُ يَفعلُ في القلب ِ ما يَفعلُ السهمُ في الرمية ِ فإنْ لمْ تقتلْه جرحتْه
وقالَ رحمه الله: النَّظرةُ بمنزلةِ الشرارةِ مِنَ النَّارِ تُرْمَى في الحشيش ِ اليابس ِ فإنْ لمْ تُحرِقْهُ كلَّهُ أحرقتْ بعضَه. (1)
وعَنْ أبي هريرة َ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله ِ صلى الله عليه وسلم (كُتِبَ على بني آدمَ نصيبُهُ مِنَ الزِّنى مُدْرِك ٌ ذلكَ لامحا له العينان ِ زناهُمَا النَّظَر) رواه البخاري ومسلم
قالَ بنُ القيم ِ رحمه الله: العينُ مرآة ُ القلبِ فإذا غَضَّ العبدُ بصرَهُ غَضَّ القلبُ شهوتَهُ وإذا أطلقَ بصرَهُ أطلقَ القلبُ شهوتَه. (2)
قلت ُ: وهذا عامٌ للرجال ِ والنِّساء على حد ٍّ سواء فقدْ أُمِرَ النِّساءِ في النور بما أُمِرَ بهِ الذكور.
قالَ الإ مامُ الشافعيُّ ر حمَهُ الله: وكما لايجوزُ للرجل ِ أنْ ينظرَ في المرأةِ فكذلكَ لا يجوز للمرأة ِ أنْ تنظرَ في الرجل ِ لهذِه ِالآيةِ. (3)
و قالَ بنُ كثير رحمه الله: وقدْ ذهبَ كثيرٌ مِنَ العلماءِ إلي أنَّهُ لايجوزُ للمرأة ِ النَّظرُ إلي الرجال ِ الأجانبِ بشهوة ٍ أو بغيرِ شهوةٍ أصلا. (4)
وقالَ بنُ تيميةَ رحمه الله: وإن ِ انتفتِ الشهوة ُ يبقى النَّظرُ مظنة َ الفتنةِ والأصلُ أنَّ كلَ ما كانَ سبباً في الفتنةِ فإنَّهُ لا يجوز.
وقالَ: ومَنْ كرَّرَ النَّظرَ وأدامَهُ وقالَ إني لا أنظرُ لشهوة ٍ فقدْ كذبَ لأنَّه ُ لمْ يكنْ النظرُ إلا لمِا حصلَ في قلبِهِ مِنَ اللذَّة ِ و أ ما نظرُ الفجأة ِ فهو عفو إ ذا صرفَ بصرَهُ. (5)
(1)(روضة المحبين ص114)
(2)
(روضة المحبين ص109)
(3)
التمهيد لبن عبد البر: (ج19 - ص155)
(4)
(التفسيرج3 - ص 284)
(5)
(مجموع كتب ورسائل بن تيميه ج15 - ص415)
و قالَ النووي رحمه الله: والصحيح ُ الذي عليهِ جمهورُ العلماءِ وأكثرُ الصحابةِ أنَّهُ يحرمُ على المرأةِ النظرُ إلى الأجنبي كما يحرمُ عليهِ النَّظرُ إليها لهذه الآية أي آية النور ولأنْ الفتنةَ مشتركة ٌ فكما يَخافُ الرجلُ الإفتتانَ بالمرأة ِ فإنَّ المرأةَ تَخافُ الإ فتتانَ بالرجل ِ. (1)
وقال العظيم أبادي: ولأنْ النِّساء أحدُ نوعي الآدميين فَحرُمَ عليهنَّ النَّظرُ إلي النوع ِ الآخرِ قياساً على الرجال ِ وإنَّما مُُنِعَ النَّظَرُ خوفَ الفتنةِ وهذا في المرأةِ أبلغُ فإنَّها أشدُ شهوةً وأقلُ عقلاً فتسارعُ إليها الفتنةُ أكثرَ مِنَ الرجال. (2) وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان: 20]
قالَ بنً رجبِ الحنبلي رحمه الله: جعلَ الله ُ المرأة َ فتنة ً للرجل ِ والرجلَ فتنةً للمرأة ِ.
وقالَ النووي (إنَّما مُنِعَ النَّظرُ خوفَ الفتنةِ]. (3)
قلتُ: وهذا التعليل دلَّ عليهِ الدليل.
عن عبدِ الله بن ِ عباس ٍ رضي الله عنه:أنَّ النبيَّ لوى عنقَ الفضل ِ بن ِ عباس ٍلمَّا نظرَ في الخثعميةِ فقالَ لهُ العباسُ لويتَ عنقَ بنِ عمِكَ فقالَ صلى الله عليه وسلم رأيتُ شاباً وشابة ً فلمْ آمنَ الشيطانَ عليهما) رواه البخاري ومسلم
ولأحمد فخفتُ الشيطانَ عليهما وفي بعض ِ الرواياتِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وضعَ يدَهُ على وجهِ الفضل ِ وصرفَهُ.
قالَ النووي رحمه الله: وفيهِ دليلٌ على صرفِ الفتنةِ عنهُ وعنها وفيهِ غضُّ البصرِ عَن ِ الأجنبيات وغضًُّهنَّ عَن ِ الرِّجال ِ الأجانب. (4)
(1) شرح صحيح مسلم (ج10 - ص96)
(2)
عون المعبود شرح سنن أبي داود (ج11 - ص114)
(3)
(شرح صحيح مسلم ج10 - ص96)
(4)
(شرح صحيح مسلم ج 8 - ص190)