المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بقية مسألة الجهر بالتسميع: - إفادة المبتدي المستفيد فى حكم إتيان المأموم بالتسميع

[برهان الدين الناجي]

الفصل: ‌بقية مسألة الجهر بالتسميع:

والمأمومِ مؤمِّنًا، أن لا يكون الإِمامُ مُؤمِّنًا".

قال: "ويَقْرُبُ منه الجمعُ بين الحيعلة والحوقلة لسامع المؤذن"(1).انتهى ملخصًا.

وهذا القدر كافٍ شافٍ وافٍ والجواب (2) عمَّا تمسك به الغير، وإلزامهم نظير ما احتجوا به، و"سنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن تُتَّبَع"، رواه البخاري في كتابه "رفع اليدين في الصلاة"(3) بإسناده الصحيح، عن سالم بن عبد الله بن عمر.

ورَوى فيه عن مجاهد قال: "ليس أحدٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلَاّ يُؤخَذُ مِن قوله ويترك إلَاّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم"(4). وهذا الثاني معناه مشهور عن الإِمام مالك.

‌بقية مسألة الجهر بالتسميع:

قال الإِمام النووي في "شرح المهذب"(5): "قال صاحب "الحاوي" (6) -يعني القاضي الماوردي- وغيرُه: يستحب للإِمام أن يجهر بقوله: (سمع الله لمن حمده)؛ لِيَسْمَعَ المأمومون ويَعْلَموا انتقالَه،

(1)"فتح الباري"(2/ 283، 284).

(2)

كذا في الأصل، ولعله: في الجواب.

(3)

(ص 192)، برقم (106)، موقوفاً على ابن عمر رضي الله عنهما، وإسناده صحيح.

(4)

(ص 193)، برقم (107)، وإسناده صحح.

(5)

(3/ 392).

(6)

انظر: "الحاوي"(2/ 124).

ص: 33

كما يجهر بالتكبير، ويُسِرُ بقوله:(ربنا لك الحمد)؛ لأنه يفعله في الاعتدال، فأُسِرَّ به؛ كالتسبيح في الركوع والسُّجود.

وأما المأموم فيُسِرُّ بهما كما يسر بالتكبير، فإن أراد تبليغ غيره انتقالَ الإِمام كما يُبَلَغُ التكبير، جَهَرَ بقوله:(سمع الله لمن حمده)؛ لأنَّه المشروع في حال الارتفاع، ولا يجهر بقوله:(ربنا لك الحمد)؛لأنه إنما يشرع في حال الاعتدال". انتهت عبارته.

قال شيخنا شهاب الدين ابن رِسْلان فيما عمله على كتاب "الأذكار" للنووي بعد أن ذكر من"المجموع" له جَهْرَ المبلغ بالتسميع: "ينبغي معرفتُه؛ فإنَّ عَمَلَ الناسِ على خلافه" انتهى.

وكذا نقله عنه الشيخ جمالُ الدينِ الإِسنانيُّ في "شرح المنهاج".

وجزم سراج الدين ابن الملقِّن وشهاب الدين الأذرعي (1) وكمال الدين الأدميري (2)، وغير واحد من الشافعية بهذه السُّنَّةِ السَّنِيَّةِ

(1) هو: أحمد بن حمدان الأذرعي -نسبةَ إلى أذرعات ناحية الشام- الشافعي، ولد سنة سبع أو ثمان وسبعمائة. قرأ على المزي والذهبي، وأخذ عن ابن النقيب وغيره، وأخذ عنه الزركشي وغيره. له "القوت على المنهاج" في عشر مجلدات. مات سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة. انظر:"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 292 - 294)، و"شذرات الذهب"(6/ 278 - 279).

(2)

كذا في الأصل: "الأَدميري"، والأصح "الدَّمِيري"، نسبةً إلى "دَميرة"، قرية بمصر، وهو: كمال الدين، أبو البقاء، محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدَّميري، الشافعي. ولد في أوائل سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وتفقه على الشيخ بهاء الدين أحمد السبكي والشيخ جمال الدين الإِسنوي، وغيرهما. =

ص: 34

التي كانت ميتةً في زماننا، لكن أحياها الله على يد مَن شاء، فأحياهُ الله كما أحياها وغَيْرَها مِن الأمور المهملة.

وقد اقتصرت فيها على هذه الأحرف النزْرةِ، متبرِّعًا بالإِشارة إلى دليلها وتعليلها؛ لتُحْفَظَ ويُعْلَمَ أنها مذهبنا لا شك فيه، ولا خلاف ولا غبار عليه، عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِله مَن جهله.

ومع اختصارها ضمَّنتُها ما لا يوجد في الكتب المطوَّلة، مع أنَّ المصلِّيَ لو اقتصر على التسميع دون التحميد، أو تركهما معًا، وتكبيراتِ الانتقال أو الأذكار التي هي هيئاتٌ -وهي معروفة- عمدًا أو سهوًا، كُرِه له كراهةَ ننزيه عندنا وعند الجمهور (1) ولم يأثم ولا تبطُل صلاته، ولا يسجد للسهو. لكن ينبغي الإِتيان به (2)، والمحافظة عليها (3)، بل قال الشافعي في كتابه "الأم" -وتابعه الأصحاب (4) -:"لو قال: (مَن حمد الله سمع له) أجزأه".

= كان ذا حظ من العبادة. له "النجم الوهاج في شرح المنهاج" أربع مجلدات. توفي بالقاهرة سنة ثمان وثمانمائة. انظر: "الضوء اللامع"(10/ 59 - 62)، و "شذرات الذهب"(7/ 79، 80).

(1)

فقد ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أن الإِتيان بهذه الأذكار سنة. وهو -أيضًا- رواية عن أحمد. وذهب أحمد في المشهور عنه إلى أن ذلك واجب مع الذكر. انظر "الإِفصاح" لابن هبيرة (1/ 150).

(2)

كذا في الأصل، ويمكن عود الضمير على معنى "اللفظ".

(3)

يمكن عود الضمير على معنى "السنة".

(4)

انظر: "الأم"(1/ 112)، و"المجموع"(3/ 391).

ص: 35

قال الشيخ أبو إسحاقَ الشيرازيُّ في "المهذب"(1)"لأنه أتى باللفظ والمعنى".

قال النووي في "الروضة"(2): "ولكن (سمع الله لمن حمده) أولى".

وقال في "التحقيق"(3): "أفضل".

وقال في "التحرير"(4) و"التهذيب"(5) وغيرهما: " (سمع الله

(1)(3/ 388) - مع "المجموع".

وذهب الحنابلة إلى أنه لا يجزئه قوله: "من حمد الله سَمعَ له"؛ لأنه عكس اللفظ المشروع؛ كما لو قال في التكبير: "الأكبرُ الله"، ذكره ابن قدامة رحمه الله وقال:"ولا نُسَلَّم أنه أتى بالمعنى؛ فإن قولَه: (سمع الله لمن حمده) صيغةُ خبر تَصْلُحُ دعاءً، واللفظُ الآخرُ صيغة شرط وجزاء لا تصلح لذلك، فهما متغايران". اهـ. "المغني"(2/ 191). وانظر: "لفروع" لابن مفلح (1/ 432). وهذا القول هو الراجح؛ لأن مبنى العبادات على التوقيف والاتِّباع؛ ولا سيما أنه قال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ

" الحديث، وفيه: "ثم يقول: (سمع الله لمن حمده)

" أخرجه أبو داود (857)، وصححه الحاكم (1/ 241، 242) ووافقه الذهبي، وهو من رواية رفاعة بن رافع رضي الله عنه.

(2)

(1/ 252). وقال الشافعي رحمه الله في "الأم"(1/ 212): "ولو قال: (من حمد الله سمع له) لم أر عليه إعادة، وأن يقول؛ (سمع الله لمن حمده) اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي". اهـ.

(3)

هو للإِمام النووي رحمه الله في الفقه، وصل فيه إلى باب صلاة المسافر. انظر:"تذكرة الحفاظ"(4/ 1473). وقد طبع حديثاً.

(4)

"تحرير التنبيه"(ص 76).

(5)

"تهذيب الأسماء واللغات"(3/ 155).

ص: 36

لمن حمده)، أي: تَقَبَّلَ منه حَمْدَه وجازاه به". انتهى.

ويقْرُبُ منه اللفظ الآخر: "سمع الله لمن دعا"(1)، وكذا لو قال:"ربنا لك -أو: ولك- الحمد"، أو:"اللَّهُمَ ربنا لك -أو: ولك- الحمد". وكذا: "لك الحمد ربَّنا"، فالكُلّ جائز قد ورد به الحديث سوى الأخير، فإنه في "الروضة"(2)، وقال:"إن الأول أولى".

ولبسط هذا كلِّه موضع آخرُ، وإنما المقصود تقرير هذه السُّنَّة المذكورة، وحثُّ كل من كان على مذهب الشافعي من الخاصَّة والعامة على فعلها وإظهارها؛ لكونها عند من لا يعرفها مستغرَبةً مستهجنةً مهجورةً، ومَن ساءَهُ إحياؤها فأَرغم اللهُ أنفه، وأمات ذكره وعجَّل حتفه (3).

وقد رُوِيَ عن عليّ بن أبي طالب أنَّه قال: اتَّبع الطريقَ

(1) هذا اللفظ مخالفٌ -أيضًا- للمأثور الذي أمر به صلى الله عليه وسلم المسي صلاتَه، فحكمه حكم سابقه، والله تعالى أعلم.

(2)

(1/ 252)، وكذا ذكره الشافعي رحمه الله في "الأم"(1/ 112)، قال:"ولو قال: (لك الحمد ربَّنا) كفى، والقول الأول اقتداءً بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليّ". اهـ.

(3)

يمكن أن يحمل كلام المؤلف رحمه الله على مَن تبينت له هذه السنة، ومع هذا يسؤوه إحياؤها؛ تعصبًا وعناداً مع ما في عبارة المؤلف من نوع مبالغة. فأما من لم تتبين له، بل وتبين له خلافها، إما باجتهاد منه إن كان من أهل الاجتهاد، أو بسؤال عالم معتبر إن كان من أهل التقليد، فلا شيء عليه حينئذ، ويكون قد أدّى ما عليه.

ص: 37

المستقيم، ولا تستوحِشْ لِقِلَّةِ أهلها، فإنَّ إبراهيم عليه السلام كانَ أمَّةً قانتًا لِلَّه وحده".

والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلواته وسلامه على نبيِّه وصفيِّه محمد، الذي أعطاه ما لَم يُعْطِ سواه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه مِن كل حُرٍّ أوَّاه.

علَّقه فقير رحمة ربه الغفورِ الرحيم، العبدُ الفقيرُ إليه: إبراهيم، في شهر رمضان المعظم، سنة ثمانٍ وسبعين وثمانمائة (1).

* * *

(1) تمت المقابلة لهذه الرسالة -بحمد الله تعالى وفضله- بين العصر والمغرب من يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، لعام واحد وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة، في صحن المسجد الحرام -تجاه الركن اليماني من الكعبة المشرفة- بقراءتي النسخة المصفوفة على الشيخ الفاضل نظام محمد صالح يعقوبي على الأصل المخطوط، ومتابعة الأخ الكريم الشيخ رمزي دمشقية، وحضور الشيخ العزيز محمد بن ناصر العجمي، نسأل الله تعالى الإِخلاص والقبول، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم. (عبد الرؤوف الكمالي)

ص: 38