الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن جريج: يكره رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء ويؤمر بالتضرع والاستكانة، ثم روى عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله:{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] في الدعاء ولا في غيره (1) .
[المقومات الخلقية]
المقومات الخلقية: ينبغي للإمام أن يتحلى بالصبر واليقين؛ ليستحق شرف الإمامة في موقفه فإن الصبر واليقين يوصلان العبد إلى مرتبة الإمامة في الدين.
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24](2) .
وينبغي أن يكون رفيقا حليما فإن الرفق ما صار في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه كما جاء بذلك الحديث:
«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه» (3) وبالرفق تلين القلوب ويحصل المقصود، والحلم خصلة حميدة يحبها الله، كما في الحديث الذي رواه مسلم: " أن النبي
(1) انظر تفسير القرآن العظيم ج2 ص221، ط دار الفكر.
(2)
سورة السجدة الآية 24.
(3)
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، الحديث رقم 2594 ج4. .
صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة» (1) .
وينبغي أن يكون رحيما فالرحمة خصلة إيمانية وهي من صفات الرب تبارك وتعالى فهو الرحمن الرحيم، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.
والرحمة تفجر في القلب ينابيع السعادة، وحين تستقر الرحمة في قلب بشر يتم فيه تحول كامل عجيب في تصوراته ومشاعره ومجامع قلبه وفي اتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة قال تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2](2) .
ورحمة الله موجودة غير معدومة يجدها من طلبها بمرضاة الله ويفقدها من طلبها بمعصيته.
وقد وصف الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بصفات عدة منها هذه الصفة العظيمة قال تعالى:
(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله. . . الحديث رقم (25، 26) .
(2)
سورة فاطر آية رقم 2.
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128](1) .
وينبغي أن يكون لينا رقيق القلب ليجمع الناس حوله فيستفيدوا من عطفه، ومساعدته وعلمه، ووقوفه معه في نوائبهم وحوائجهم وينبغي أن يشاورهم فيما يتعلق برسالة المسجد.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقام الأعلى من ذلك كله كما قال تعالى عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159](2) .
وإمام المسجد داعية ومعلم وإمام قائد لجماعة المسجد وأهل الحي ومن يرتاد مسجده فيجب أن يكون له في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة فهو القدوة الصالحة، والأسوة الحسنة، والمثل الأعلى للأمة والقادة.
ويجب أن يكون صادقا فيما يقول سواء أكان ذلك في خطبة الجمعة أو في حلقة الذكر والموعظة ليكون من الصادقين المهتدين الفائزين بالنعيم.
(1) سورة التوبة آية 128.
(2)
سورة آل عمران الآية 159.
فقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلي البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا» متفق عليه (1) .
والكذب شر وبلاء وأعظم الكذب وأفرى الفرى الكذب على الله والقول عليه بلا علم.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33](2) .
فهذه الآية الكريمة جمعت أعظم الذنوب بدأت بالأدنى فالأعلى وهو القول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته وشرعه.
والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الكذب وأقبح الذنوب وهو من الكبائر التي توعد صاحبها بالنار كما في الحديث الذي رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع قال:
(1) رياض الصالحين باب تحريم الكذب (الحديث 1540) .
(2)
سورة الأعراف آية 33.
«سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (1) .
حتى ولو كان عن حسن نية لغرض الترغيب في الخير وحث الناس على عمل الصالحات كما يفعل بعض الوعاظ فهذا قبح لا خير فيه ولا هداية وقائله مأزور غير مأجور وآثم غير غانم.
ويجب على الإمام مع هذه الصفات التي ذكرناها آنفا أن يكون أمينا في نقل الكلمة يتبين ويتثبت من صحة الأخبار ولا يتعجل في الأخذ بالشائعات، ولا يعتمد إلا قولا موثوقا، وقد أمرنا الله تعالى بذلك في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6](2) .
ويجب على الإمام والخطيب أن يبالغا في الستر ويحذرا الشائعات، فمن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف رحله، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19](3) .
(1) صحيح البخاري باب إثم من كذب النبي صلى الله عليه وسلم ج1 ص350.
(2)
سورة الحجرات الآية رقم 6.
(3)
سورة النور آية 19.