الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
{وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} وقوع هذه الجملة عقب ما
تقدَّم يُشعِر بأنّ لقضية الفتنة وإلقاء الجسد والإنابة علاقةً بالمُلك. ويقوِّي ذلك أنه لم يؤتَ بين قوله: {أَنَابَ} وقوله: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي} بالواو، فدلَّ عدم الإتيان بها على أن قوله:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي} تفسير لإنابته، وقد وصل الإنابة بقوله:{وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} .
ما قيل في تفسير الآية
القول الأول منقول عن المتقدمين. في "الدر المنثور" ج 5 ص 310: أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أربع آيات من كتاب الله لم أدر ما هي حتى سألت عنهن كعب الأحبار
…
وسألته عن قوله: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} قال: الشيطان أخذ خاتم سليمان عليه السلام الذي فيه ملكه
…
".
وجاء نحو هذا عن جماعة، فذكر بعضهم: أنه جرى من سليمان تقصير، فمنهم من قال: احتجب عن مصالح الناس ثلاثة أيام.
ومنهم من قال: سألته امرأته أن يأمر بصنع تمثال لأبيها، فأمر به، وكان جائزًا في شريعته، لكن المرأة أخذت التمثال عندها، وصارت تسجد له هي وجواريها، وغفل سليمان عن ذلك، ثم فطن وخرَّب [ص 4] التمثال، وعاقب المرأة، فكان تقصيرُه الغفلةَ تلك المدة.
ومنهم من قال: خاصم أهل امرأته قومًا إليه، فودّ أن يكون الحق لهم.
ومنهم من قال: سألته امرأته أن يقضي لأخيها، فقال: نعم، ولم يفعل.
وذكروا ما حاصله: أن ملكه كان في خاتمه، فوقع الخاتم إلى شيطان،
فتمثَّل بصورة سليمان، وقعد على الكرسي مستوليًا على الملك، وأنكر الناس سليمان، وطردوه، فذهب يكدح طلبًا للقوت مدة، ثم وجد خاتمه في بطن سمكة، فلبسه، فعاد إليه ملكه.
وفي القصص طول، فراجعها في "الدر المنثور" إن أحببت.
القول الثاني: زعم النقاش ــ واسمه محمد بن الحسن بن زياد، توفي سنة 351 ــ أن هذه القصة هي التي ورد فيها الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"قال سليمان بن داود: لأطوفنَّ الليلة على سبعين (وفي رواية: تسعين، وفي أخرى: مئة) امرأة، تحمل كل امرأة فارسًا يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: إن شاء الله. فلم يقل، ولم تحمل شيئًا إلا واحدًا ساقطًا أحد شِقَّيه". فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لو قالها لجاهدوا في سبيل الله" لفظ البخاري في ذكر سليمان من أحاديث الأنبياء
(1)
.
قال ابن حجر في "الفتح"
(2)
: حكى النقاش في تفسيره أن الشقّ المذكور هو الجسد الذي ألقي على كرسيه، وقد تقدم قول غير واحد من المفسرين أن المراد بالجسد المذكور: شيطان، وهو المعتمد، والنقاش صاحب مناكير".
القول الثالث لأبي مسلم محمد بن بحر الأصبهاني المعتزلي، قال:{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} بسبب مرض شديد ألقاه الله عليه {وَأَلْقَيْنَا [ص 5] عَلَى
(1)
باب قول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (3424).
(2)
(6/ 461).