المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كُرْسِيِّهِ} منه {جَسَدًا} وذلك لشدة المرض، والعرب تقول في المريض: - تفسير قوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان. . .} - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٧

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: كُرْسِيِّهِ} منه {جَسَدًا} وذلك لشدة المرض، والعرب تقول في المريض:

كُرْسِيِّهِ} منه {جَسَدًا} وذلك لشدة المرض، والعرب تقول في المريض: إنه

لحم على وَضَم، وجسم بلا روح، {ثُمَّ أَنَابَ} أي: رجع إلى حال الصحة.

ذكره الرازي في "تفسيره"

(1)

ولم ينسبه، وفي "روح المعاني"

(2)

أنه يُروى عن أبي مسلم. والرازي كثيرًا ما يأخذ عن أبي مسلم هذا.

‌تمحيص

هذا ما ظفرت به من الأقوال، ولو كان الحديث المتقدم في القول الثاني أشار إلى أنه في هذه القصة، أو كان انطباقه عليها ظاهرًا، لوجب الوقوف عنده، لكن ليس فيه إشارة، ولا هو ظاهر الانطباق على القصة، بل يحتاج حملها عليه إلى تعسُّف.

وأما القول الثالث فحَدْس محض، وهو مع ذلك متعسف.

بقي القول الأول، وقد طعن فيه المتأخرون بأنه مأخوذ عن أهل الكتاب، وأن في تلك القصص شناعات وتناقضات في بعض الجزئيات، وقد صدقوا، ولكن ذلك لا يمنع من قوة ما اتفقت عليه الروايات القوية، ولم يكن فيه شناعة، وكان ظاهر الانطباق على الآية.

وحكاية نفرٍ من السلف له تدل على أنهم لم ينكروه، وعدم إنكارهم له أقوى في النفس من حَدْس النقاش وأبي مسلم، وموافقة مَن وافقهما.

فعلى هذا الأساس يمكن أن يقال: لعله جرى من سليمان عليه السلام

(1)

"مفاتيح الغيب"(26/ 209).

(2)

(23/ 199).

ص: 236

تقصير مما لا تمنع العصمة صدوره من مثله، وذلك كاحتجابه ثلاثة أيام، فابتلاه

ربه عز وجل بأن أبعده عن ملكه، وذلك كأن يكون خرج وحده للصيد ــ مثلاً ــ فألقى الله تعالى على كرسيه جسدًا يشبه جسد سليمان، خلقه الله تعالى كذلك، وليس بإنسان ولا ملك ولا شيطان، فظن أصحاب سليمان أن ذاك الجسد هو سليمان [ص 6] نفسه على كرسيه. وربما كان له عادة أن يستغرق مدة فلا يجسر أحد أن يدنو منه، كما قد يؤخذ من قول الله عز وجل:{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14].

وإذا أراد الله تعالى أمرًا هيَّأ أسبابه. ثم قد يكون الله عز وجل حال بين سليمان وبين الرجوع إلى أصحابه، أو رجع ولكن غيَّر الله تعالى صورته فلم يعرف، أو عرفت صورته، ولكن لما كانوا يعتقدون أن سليمان هو الذي على كرسيه اعتقدوا أن هذا رجل آخر يشبه سليمان وليس به، فلم يقبلوه، وكأن هذا الأخير أقرب. ولعل الأمر بقي هكذا مدة اضطرب فيها حبل الملك لضعف التدبير، وخاف سليمان أن يقوم متغلِّب فيستولي على الملك ويفسد أمر الدين والدنيا، فأناب إلى ربه واستغفره، وسأله ملكًا يجمع بين العظمة والأمن من أن يصير إلى متغلب. وذلك ــ والله أعلم ــ معنى قوله:{لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} ، فإن الملك الذي لا ينبغي من حيث الجملة لأحد بعده إلى يوم القيامة لا بدَّ أن يكون بغاية العظمة، كأنه عليه السلام قال: ليعط الله تعالى أيَّ مَلِك بعدي من الملك ما شاء، ولكني أطلب أن يعطيني أعظم مما قدر سبحانه لأي إنسان كان إلى يوم القيامة. فلم يقصد عليه السلام حرمان غيره، وإنما قصد عظمة نصيبه.

ص: 237