المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب وقوت الصلاة - تنوير الحوالك شرح موطأ مالك - جـ ١

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌باب وقوت الصلاة

‌بَاب وقوت الصَّلَاة

ص: 11

[1]

عَن بن شهَاب أَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا روى الحَدِيث عَن مَالك جمَاعَة الروَاة فِيمَا بلغنَا وَظَاهر مساقه يدل على الِانْقِطَاع لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ سَمَاعا لِابْنِ شهَاب من عُرْوَة وَلَا لعروة من بشير وَهَذِه اللَّفْظَة أَعنِي أَن عِنْد جمَاعَة من عُلَمَاء الحَدِيث مَحْمُولَة على الِانْقِطَاع حَتَّى يتَبَيَّن السماع وَمِنْهُم من يحملهَا على الِاتِّصَال قَالَ وَهَذَا يشبه أَن يكون مَذْهَب مَالك لِأَنَّهُ فِي موطآته لَا يفرق بَين شَيْء من ذَلِك وَهَذَا الحَدِيث مُتَّصِل عِنْد الْحفاظ لِأَنَّهُ صَحَّ شُهُود بن شهَاب لما جرى بَين عمر وَعُرْوَة وَسَمَاع عُرْوَة من بشير من رِوَايَة جمَاعَة من أَصْحَاب بن شهَاب فَأخْرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كُنَّا مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز فَأخر الْعَصْر مرّة فَقَالَ لَهُ عُرْوَة حَدثنِي بشير بن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أخر الصَّلَاة مرّة يَعْنِي الْعَصْر فَقَالَ لَهُ أَبُو مَسْعُود وَذكر الحَدِيث وَكَذَا رَوَاهُ عَن بن شهَاب بن جريح أخرجه عبد الرَّزَّاق وَاللَّيْث بن سعد أخرجه البُخَارِيّ وَشُعَيْب أخرجه أخر الصَّلَاة يَوْمًا هِيَ الْعَصْر كَمَا مر فِي رِوَايَة معمر وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عِنْد البُخَارِيّ أخر الْعَصْر شَيْئا قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَبِذَلِك يظْهر مُنَاسبَة ذكر عُرْوَة حَدِيث عَائِشَة بعد حَدِيث أبي مَسْعُود وَلأبي دَاوُد من طَرِيق أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ عَن بن شهَاب أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ قَاعِدا على الْمِنْبَر فَأخر الْعَصْر شَيْئا زَاد بن عبد الْبر من رِوَايَة اللَّيْث بن سعد عَن بن شهَاب فِي إمارته على الْمَدِينَة فَعرف

ص: 12

بذلك سَبَب تَأْخِيره كَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا إِذْ ذَاك بِشَيْء من مصَالح الْمُسلمين قَالَ بن عبد الْبر وَالْمرَاد أَنه أَخّرهَا حَتَّى خرج الْوَقْت الْمُسْتَحبّ المرغوب فِيهِ وَلم يؤخرها حَتَّى غربت الشَّمْس فَأخْبرهُ أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أخر الصَّلَاة يَوْمًا فِي رِوَايَة بن جريح عِنْد عبد الرَّزَّاق فَقَالَ مسى الْمُغيرَة بن شُعْبَة بِصَلَاة الْعَصْر أَلَيْسَ قد علمت قَالَ الْحَافِظ الْقشيرِي قَالَ بعض فضلاء الْأَدَب كَذَا الرِّوَايَة وَهِي جَائِزَة إِلَّا أَن الْمَشْهُور فِي الِاسْتِعْمَال أَلَسْت قلت وتوجيه الأولى أَن فِي لَيْسَ ضمير الشَّأْن قَالَ القَاضِي عِيَاض ظَاهره يدل على علم الْمُغيرَة بذلك وَقد يكون هَذَا على ظن أبي مَسْعُود بِهِ ذَلِك لصحبته النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا صَحبه أَن جِبْرِيل فِيهِ ثَلَاث عشرَة لُغَة قرئَ بهَا وأكثرها فِي الشاذ أوردهَا أَبُو حَيَّان فِي بحره والسمين فِي إعرابه جِبْرِيل بِالْكَسْرِ وبالفتح وجبرئيل كخندريس وَبلا يَاء بعد الْهمزَة وَكَذَلِكَ إِلَّا أَن اللَّام مُشَدّدَة وجبرائيل وجبرائل وجبرال وجبرايل بِالْيَاءِ وَالْقصر وجبراييل بياءين أولاهما مَكْسُورَة وجبرين وجبرين وجبرائين قَالَ الامام جمال الدّين بن مَالك ناظما مِنْهَا سبع لُغَات جِبْرِيل جِبْرِيل جِبْرَائِيل جبرئل وجبرئيل وجبرال وجبرين وَقلت مذيلا عَلَيْهِ بالستة الْبَاقِيَة وجبرئل وجبراييل مَعَ بدل جبرائل وبياء ثمَّ جبرين قولي مَعَ بدل إِشَارَة إِلَى جبرائين لِأَنَّهُ أبدل فِيهِ الْيَاء بِالْهَمْزَةِ وَاللَّام بالنُّون قَالَ بن جني فِي الْمُحْتَسب الْعَرَب إِذا نطقت بالأعجمي خلطت فِيهِ وأصل هَذَا الِاسْم كوريال الْكَاف بَين الْكَاف وَالْقَاف ثمَّ لحقه من التحريف على طول الِاسْتِعْمَال مَا أصاره إِلَى هَذَا التَّفَاوُت قَالَ وَقد قيل إِن معنى جِبْرِيل عبد الله وَذَلِكَ أَن الْخَبَر بِمَنْزِلَة الرجل وَالرجل عبد الله وأل بالنبطية اسْم الله تَعَالَى قَالَ وَلم يسمع الْجَبْر بِمَعْنى الرجل إِلَّا فِي شعر بن أَحْمَر وَهُوَ قَوْله اشرب براووق حييت بِهِ

ص: 13

وأنعم صباحا أَيهَا الْجَبْر وَقَالَ أَبُو حَيَّان جِبْرِيل اسْم أعجمي مَمْنُوع الصّرْف للعلمية والعجمية وَأبْعد من ذهب إِلَى أَنه مُشْتَقّ من جبروت الله وَمن ذهب إِلَى أَنه مركب تركيب الْإِضَافَة وَمن قَالَ جبر عبد وَائِل الله جمعا مركبا تركيب مزج كحضرموت وَقَالَ السمين جِبْرِيل اسْم أعجمي فَلذَلِك لم ينْصَرف وَقَول من قَالَ إِنَّه مُشْتَقّ من جبروت الله بعيد لِأَن الِاشْتِقَاق لَا يكون فِي العجمة وَكَذَا من قَالَ أَنه مركب تركيب الْإِضَافَة وَإِن جِبْرَائِيل مَعْنَاهُ عبد وَائِل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى فَهُوَ بِمَنْزِلَة عبد الله لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يجْرِي الأول بِوُجُوه الْإِعْرَاب وَإِن ينْصَرف الثَّانِي وَكَذَا قَول الْمَهْدَوِيّ أَنه مركب تركيب مزج نَحْو حَضرمَوْت لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يَبْنِي الأول على الْفَتْح لَيْسَ إِلَّا قَالَ وَأما رد الشَّيْخ أبي حَيَّان عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ مركبا تركيب مزج لجَاز فِيهِ أَن يعرب إِعْرَاب المتضايفين أَو يبْنى على الْفَتْح كَأحد عشر فان كل مَا ركب تركيب المزج يجوز فِيهِ هَذِه الْأَوْجه وَكَونه لم يسمع فِيهِ الْبناء وَلَا جربانه مجْرى المتضايفين دَلِيل على عدم تركيبه تركيب المزج فَلَا يحسن ردا لِأَنَّهُ جَاءَ على أحد الجائرين وَاتفقَ على أَنه لم يسْتَعْمل إِلَّا كَذَلِك انْتهى وَقد أخرج بن أبي حَاتِم عَن بن عَبَّاس قَالَ جِبْرِيل كَقَوْلِك عبد الله جبر عبد وايل الله وَأخرج بن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ جبر عبد وئل عبد وايل الله وَأخرج بن جرير عَن بن عَبَّاس قَالَ جِبْرِيل عبيد الله وَمِيكَائِيل عبيد الله وكل اسْم فِيهِ ايل فَهُوَ معبد للهء وَأخرج بن جرير عَن عبد الله بن الْحَارِث الْبَصْرِيّ أحد التَّابِعين قَالَ ايل الله بالعبرانية وَأخرج بن جرير عَن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ اسْم جِبْرِيل عبد الله وَمِيكَائِيل عبيد الله وإسرافيل عبد الرَّحْمَن وكل اسْم فِيهِ ائيل فَهُوَ معبد لله

ص: 14

وَأخرجه الديلمي فِي مُسْند الفردوس من حَدِيث أبي أُمَامَة مَرْفُوعا قَالَ الْحَافِظ بن حجر فِي شرح البُخَارِيّ وَذكر بَعضهم أَن ايل مَعْنَاهُ عبد وَمَا قبله مَعْنَاهُ اسْم الله كَمَا تَقول عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَعبد الرَّحِيم فَلفظ عبد لَا يتَغَيَّر وَمَا بعده يتَغَيَّر لَفظه وَإِن كَانَ الْمَعْنى وَاحِدًا وَيُؤَيِّدهُ أَن الْقَاعِدَة فِي لُغَة غير الْعَرَب تَقْدِيم الْمُضَاف إِلَيّ على الْمُضَاف قلت هَذَا أرجح والْآثَار السَّابِقَة تشهد لَهُ وَأخرج بن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الْعَزِيز بن عُمَيْر قَالَ اسْم جِبْرِيل فِي الْمَلَائِكَة خَادِم الله وَأخرج مُسلم عَن بن مَسْعُود قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جِبْرِيل فِي صورته لَهُ سِتّمائَة جنَاح وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل وددت أَنِّي رَأَيْتُك فِي صُورَتك فنشر جنَاحا من أجنحته فسد أفق السَّمَاء حَتَّى مَا يرى من السَّمَاء شَيْء وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن شُرَيْح بن عبيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما صعد إِلَى السَّمَاء رأى جِبْرِيل فِي خلقته منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت قَالَ فحيل إِلَى أَن مَا بَين عَيْنَيْهِ قد سد الْأُفق وَكنت أرَاهُ قبل ذَلِك على صور مُخْتَلفَة وَأكْثر مَا كنت أرَاهُ على صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وَكنت أَحْيَانًا أرَاهُ كَمَا يرى الرجل صَاحبه من وَرَاء الغربال وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن بن عَبَّاس مَرْفُوعا مَا بَين مَنْكِبي جِبْرِيل مسيرَة خَمْسمِائَة عَام للطائر السَّرِيع الطيران وَلَا خلاف أَن جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت رُؤُوس الْمَلَائِكَة وأشرفهم وَأفضل الْأَرْبَعَة جِبْرِيل وإسرافيل وَفِي التَّفْضِيل بَينهمَا توقف سَببه اخْتِلَاف الْآثَار فِي ذَلِك وَفِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير حَدِيث أفضل الْمَلَائِكَة جِبْرِيل لَكِن سَنَده ضَعِيف وَله معَارض فَالْأولى الْوَقْف عَن ذَلِك نزل قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ نزُول جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي هَيْئَة رجل مَعْنَاهُ أَن الله أفنى الزَّائِد من خلقه أَو أزاله عَنهُ ثمَّ يُعِيدهُ إِلَيْهِ بعد وَجزم بن عبد السَّلَام بالازالة

ص: 15

[2]

كَانَ يُصَلِّي الْعَصْر فِي الصِّحَاح الْعَصْر ان الْغَدَاة والعشي وَمِنْه سميت صَلَاة الْعَصْر وَفِي النِّهَايَة الْعَصْر أَن صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الْعَصْر سميا العصرين لِأَنَّهُمَا يقعان فِي طرفِي العصرين وهما اللَّيْل وَالنَّهَار وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن أبي قلَابَة قَالَ إِنَّمَا سميت الْعَصْر لِأَنَّهَا تعصر وَأخرج أَيْضا عَن شبْرمَة قَالَ قَالَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا سميت الْعَصْر لتعصر وَأخرج أَيْضا من طَرِيق مُصعب بن مُحَمَّد عَن رجل قَالَ أخر طَاوس الْعَصْر جدا فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا سميت الْعَصْر لتعصر أَي ليبطأ بهَا قَالَ الْجَوْهَرِي قَالَ الْكسَائي يُقَال جَاءَ فلَان عصرا أَي بطيئا وَالشَّمْس فِي حُجْرَتهَا للبيهقي فِي قصر حُجْرَتهَا وَهِي بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم الْبَيْت قَالَ بن سَيّده سميت بذلك لمنعها المَال قبل أَن تظهر أَي ترْتَفع قَالَ فِي المواعيب ظهر فلَانا الصُّبْح إِذا علاهُ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فَمَا اسطاعوا أَن يظهره أَي يعلوه وَقَالَ الْخطابِيّ معنى الظُّهُور هُنَا الصعُود وَمِنْه قَوْله تَعَالَى وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَقَالَ القَاضِي عِيَاض قيل المُرَاد تظهر على الْجدر وَقيل ترْتَفع كلهَا عَن الْحُجْرَة وَقيل تظهر بِمَعْنى تَزُول عَنْهَا كَمَا قَالَ وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها انْتهى وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَة عَن بن شهَاب عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم كَانَ يُصَلِّي صَلَاة الْعَصْر وَالشَّمْس طالعة فِي حُجْرَتي لم يظْهر الْفَيْء بعد قَالَ الْحَافِظ بن حجر فَجعل الظُّهُور للفيء وَفِي رِوَايَة مَالك جعل للشمس قَالَ وَالْجمع بَينهمَا أَن كلا من الظُّهُور غير الآخر فظهور الشَّمْس خُرُوجهَا من الحدرة وَظُهُور الْفَيْء انبساطه فِي الْحُجْرَة فِي الْموضع الَّذِي كَانَت الشَّمْس فِيهِ بعد خُرُوجهَا

ص: 16

[3]

عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء بن يسَار أَنه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَن وَقت صَلَاة الصُّبْح اتّفقت رُوَاة الْمُوَطَّأ على إرْسَاله وَقد ورد مَوْصُولا من حَدِيث أنس بن مَالك وَأخرجه الْبَزَّار فِي مُسْنده وَابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد بِسَنَد صَحِيح من طَرِيق حميد عَنهُ وَمن حَدِيث عبد الله بن عمر وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِسَنَد حسن وَمن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن جَارِيَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط وَمن حَدِيث زيد بن جَارِيَة أخرجه أَبُو يعلى فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِي حَدِيث أَن ذَلِك كَانَ فِي سفر وَقَالَ بن عبد الْبر بَلغنِي أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة حدث بِهَذَا الحَدِيث عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء بن يسَار عَن أنس بن مَالك مَرْفُوعا قَالَ وَلَا أَدْرِي كَيفَ صِحَة هَذَا عَن سُفْيَان وَالصَّحِيح عَن زيد بن اسْلَمْ أَنه من مرسلات عَطاء فَسكت فِي حَدِيث زيد بن جَارِيَة فَقَالَ صلها معي الْيَوْم وَغدا حَتَّى إِذا كَانَ من الْغَد صلى الصُّبْح حِين طلع الْفجْر فِي حَدِيث زيد بن جَارِيَة أَن ذَلِك كَانَ بقاع نمرة بِالْجُحْفَةِ ثمَّ صلى الصُّبْح من الْغَد فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن جَارِيَة ثمَّ صلاهَا يَوْمًا وَفِي حَدِيث زيد بن جَارِيَة حَتَّى إِذا كَانَ بِذِي طوى أَخّرهَا فَيحْتَمل أَن يكون قصَّة وَاحِدَة وَيحْتَمل تعدد الْقِصَّة بعد أَن أَسْفر أَي انْكَشَفَ وأضاء وَفِي حَدِيث بن عَمْرو ثمَّ صلاهَا من الْغَد فأسفر وَفِي حَدِيث زيد بن جَارِيَة فَصلاهَا أَمَام الشَّمْس ثمَّ قَالَ أَيْن السَّائِل عَن وَقت الصَّلَاة فِي حَدِيث أنس عَن وَقت صَلَاة الْغَدَاة قَالَ هَا أَنا ذَا يَا رَسُول الله قَالَ بن مَالك فِي شرح التسهيل تفصل هَا التَّنْبِيه من اسْم الْإِشَارَة الْمُجَرّد بِأَنا وأخواته كثيرا كَقَوْلِك هَا أَنا ذَا وَهَا نَحن أولاء وَمِنْه قَول السَّائِل عَن وَقت الصَّلَاة لَهَا أَنا ذَا يَا رَسُول الله وَقَوله تَعَالَى هأنتم أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ انْتهى فَقَالَ مَا بَين هذَيْن وَقت فِي حَدِيث بن عمر وَالْوَقْت فِيمَا بَين أمس وَالْيَوْم وَفِي حَدِيث زيد بن جَارِيَة الصَّلَاة مَا بَين هَاتين الصَّلَاتَيْنِ فَائِدَة فِي هَذَا الحَدِيث أَن السَّائِل سَأَلَ عَن وَقت صَلَاة الصُّبْح خصة وَورد السُّؤَال عَن أَوْقَات كل الصَّلَوَات فَأخْرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن سَائِلًا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا حَتَّى أَمر بِلَالًا فَأَقَامَ الْفجْر حِين انْشَقَّ الْفجْر ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأَقَامَ الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأَقَامَ الْعَصْر وَالشَّمْس بَيْضَاء مُرْتَفعَة فَأمر بِلَالًا فَأَقَامَ الْمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس وَأمر بِلَالًا فَأَقَامَ الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق فَلَمَّا كَانَ الْغَد صلى الْفجْر فَانْصَرف فَقلت أطلعت الشَّمْس وَأقَام الظّهْر فِي وَقت الْعَصْر الَّذِي كَانَ قبله وَصلى الْعَصْر وَقد اصْفَرَّتْ الشَّمْس وَقَالَ أَمْسَى وَصلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق وَصلى الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل ثمَّ قَالَ أَيْن السَّائِل عَن وَقت الصَّلَاة الْوَقْت فِيمَا بَين هذَيْن وَورد مثل ذَلِك أَيْضا من حَدِيث بُرَيْدَة أخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَمن حَدِيث جَابر بن عبد الله أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَمن حَدِيث مجمع بن جَارِيَة أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَمن حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أخرجه أَبُو يعلى وَحِينَئِذٍ فَحَدِيث الْمُوَطَّأ إِمَّا مُخْتَصر من هَذِه الْوَاقِعَة أَو هُوَ قَضِيَّة أُخْرَى وَقع السُّؤَال فِيهَا عَن صَلَاة الصُّبْح خَاصَّة

ص: 17

[4]

عَن يحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَي بن سعيد بن زُرَارَة وَهِي وَالِدَة أبي الرِّجَال أنصارية مَدَنِيَّة تابعية ثِقَة حجَّة كَانَت فِي حجر عَائِشَة رضي الله عنهما قَالَ بن الْمَدِينِيّ هِيَ أحد الثِّقَات الْعلمَاء بعائشة الاثبات فِيهَا عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت إِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليُصَلِّي الصُّبْح أَن هِيَ المخففة من الثَّقِيلَة وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن مَحْذُوف وَاللَّام فِي ليُصَلِّي هِيَ اللَّام الفارقة الدَّاخِلَة فِي خبر أَن فرقا بَين الخففة والنافية فَيَنْصَرِف النِّسَاء متلفعات قَالَ بن عبد الْبر رِوَايَة يحيى بفاءين وَتَبعهُ جمَاعَة وَرَوَاهُ كثير مِنْهُم بفاء ثمَّ عين مُهْملَة وَعَزاهُ القَاضِي عِيَاض لأكْثر رُوَاة الْمُوَطَّأ قَالَ الْأَصْمَعِي التلفع أَن يشْتَمل بِالثَّوْبِ حَتَّى يُجَلل بِهِ جسده وَقَالَ صَاحب النِّهَايَة اللفاع ثوب يُجَلل بِهِ الْجَسَد كُله كسَاء كَانَ أَو غَيره وتلفع بِالثَّوْبِ إِذا اشْتَمَل بِهِ وَقَالَ عبد الْملك بن حبيب فِي شرح الْمُوَطَّأ التلفع أَن يلقِي الثَّوْب على رَأسه ثمَّ يلتف بِهِ لَا يكون الالتفاع إِلَّا بتغطية الرَّأْس وَقد أَخطَأ من قَالَ الالتفاع مثل الاشتمال وَأما التلفف فَيكون مَعَ تَغْطِيَة الرَّأْس وكشفه وَاسْتدلَّ لذَلِك بقول عبيد بن الأبرص كَيفَ يرجون سقاطي بهَا مَا لفع الرَّأْس مشيب وصلع وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند التلفع بِالثَّوْبِ الاشتمال بِهِ وَقيل الالتحاف مَعَ تَغْطِيَة الرَّأْس بمروطهن جمع مرط بِكَسْر الْمِيم كَمَا فِي الصِّحَاح قَالَ وَهِي أكسية من صوف أَو خَز كَانَ يؤتزر بهَا قَالَ الشَّاعِر كساهم ثوباها وَفِي الدرْع رادة وَفِي المرط لنا وَإِن رد فهما عبل وَقَالَ الرَّافِعِيّ المرط كسَاء من صوف أَو خَز أَو كتَّان عَن الْخَلِيل وَيُقَال هُوَ الْإِزَار وَيُقَال درع الْمَرْأَة وَفِي الحكم المرط هُوَ الثَّوْب الْأَخْضَر وَفِي مجمع الغرائب المروط أكسية من شعر أسود وَعَن الْخَلِيل هِيَ أكسية معلمة وَقَالَ بن الْأَعرَابِي هُوَ الْإِزَار وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل لَا يكون المرط إِلَّا درعا وَهُوَ من خَز أَخْضَر وَلَا يُسمى المرط إِلَّا الْأَخْضَر وَلَا يلْبسهُ إِلَّا النِّسَاء نقل ذَلِك مغلطاي فِي شرح البُخَارِيّ وَقَالَ بن دَقِيق الْعِيد فِي شرح الْعُمْدَة زَاد بَعضهم فِي صفتهَا أَن تكون مربعة وَقَالَ بَعضهم إِن سداها من شعر وَقَالَ بن حبيب فِي شرح الْمُوَطَّأ المرط كسَاء صوف رَقِيق خَفِيف مربع كَانَ النِّسَاء فِي ذَلِك الزَّمَان يأتزرن بِهِ ويلتففن وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي شرح المعلقات عِنْد قَول امْرِئ الْقَيْس فَقُمْت بهَا أَمْشِي تجر وَرَاءَنَا على أثرينا أذيال مرط مرحل المرط إِزَار خَز معلم مَا يعرفن قَالَ الدَّاودِيّ أَي مَا مَا يعرفن أهن نسَاء أم رجال وَقَالَ غَيره يحْتَمل أَنه لَا يعرف أعيانهن وَإِن عرفن أَنَّهُنَّ نسَاء وَإِن كن متكشفات الْوُجُوه كَذَا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ فَخفف الْجُمْلَة الْأَخِيرَة ثمَّ قَالَ وَهَذَا ضَعِيف لِأَن المتلفعة فِي النَّهَار أَيْضا لَا يعرف عينهَا فَلَا يبْقى فِي الْكَلَام فَائِدَة انْتهى وَمَعَ تَتِمَّة الْكَلَام بِهَذِهِ الْجُمْلَة لَا يَتَأَتَّى هَذَا الِاعْتِرَاض وَقَالَ الْبَاجِيّ هَذَا يدل على انهن كن سافرات إِذْ لَو كن متنقبات لَكَانَ الْمَانِع من معرفتهن تَغْطِيَة الْوَجْه لَا النَّاس وَقَالَ بَعضهم الْمعرفَة إِنَّمَا تتَعَلَّق بالأعيان وَلَو أُرِيد مَا قَالَه الدَّاودِيّ لعبر بِنَفْي الْعلم من هِيَ ابتدائية أَو تعليلية الْغَلَس قَالَ الرَّافِعِيّ هُوَ ظلمَة آخر اللَّيْل وَقيل اخْتِلَاط ضِيَاء الصُّبْح بظلمة اللَّيْل انْتهى وَالْأول هُوَ المجزوم بِهِ فِي الصِّحَاح وَأنْشد عَلَيْهِ قَول الأخطل لدينك عَيْنك أم رَأَيْت بواسط غلس الظلام من الربَاب خيالا وَقَالَ فِي النهاي الْغَلَس ظلمَة آخر اللَّيْل إِذا اخْتلطت بضوء الصَّباح وَقَالَ القَاضِي عِيَاض الْغَلَس بقايا ظلمَة اللَّيْل يخالطها بَيَاض الْفجْر قَالَه الْأَزْهَرِي والخطابي قَالَ الْخطابِيّ والغبش بِالْبَاء والشين الْمُعْجَمَة قيل الغبس بِالسِّين الْمُهْملَة وَبعده الْغَلَس بِاللَّامِ وَهِي كلهَا فِي آخر اللَّيْل وَيكون الغبش أول اللَّيْل فَوَائِد الأول قد يُعَارض هَذَا الحَدِيث مَا أخرجه الشَّيْخَانِ عَن أبي بَرزَة أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ ينْصَرف صَلَاة الْغَدَاة حِين يعرف الرجل جليسه وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي الْجَواب عَنهُ لَعَلَّ هَذَا مَعَ التَّأَمُّل لَهُ أوفى حَال دون حَال وَذَاكَ فِي نسَاء مغطاة الرؤوس بعيدات عَن الرِّجَال الثَّانِيَة قد يُعَارضهُ أَيْضا مَا أخرجه الْأَرْبَعَة وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ عَن رَافع بن خديج قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول أسفروا بِالْفَجْرِ فَهُوَ أعظم لِلْأجرِ وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْجَواب عَنهُ قد حمله حاملون على اللَّيَالِي المقمرة فان الصُّبْح لَا يتَبَيَّن فِيهَا فَأمر بِالِاحْتِيَاطِ قَوَّال التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه عقب رِوَايَته الحَدِيث قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق معنى الْأَسْفَار أَن يَصح الْفجْر فَلَا يشك فِيهِ وَلم يرَوا أَن معنى الْأَسْفَار تَأْخِير الصَّلَاة الثَّالِثَة أخرج بن ماجة عَن مغيث بن سمى قَالَ صليت مَعَ عبد الله بن الزبير الصُّبْح بِغَلَس فَلَمَّا سلمت أَقبلت على بن عمر فَقلت مَا هَذِه الصَّلَاة قَالَ هَذِه كَانَت صَلَاتنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر وَعمر فَلَمَّا طعن عمر أَسْفر بهَا عُثْمَان

ص: 18

[5]

وَعَن بسر بن سعيد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وسين مُهْملَة سَاكِنة وَعَن الْأَعْرَج زَاد سعيد بن مَنْصُور وَابْن عبد الْبر من طَرِيق حَفْص بن ميسرَة الصفاني عَن زيد بن أسلم وَعَن أبي صَالح كلهم يحدثونه أَي زيد بن أسلم من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس زَاد الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الدَّاودِيّ عَن زيد بن أسلم بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور وركعة بعد مَا تطلع الشَّمْس وَمن طَرِيق أبي غَسَّان مُحَمَّد بن مطرف عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة ثمَّ صلى مَا بَقِي بعد طُلُوع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح وبهذه الزِّيَادَة ظهر مَقْصُود الحَدِيث فَإِنَّهُ كَانَ بِدُونِهَا مُشكل الظَّاهِر حَتَّى قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم أجمع الْمُسلمُونَ على أَن هَذَا لَيْسَ على ظَاهره وَأَنه لَا يكون بالركعة مدْركا لكل الصلا وَتَكْفِيه وَيحصل بَرَاءَته من الصَّلَاة بِهَذِهِ الرَّكْعَة وَهُوَ متأول وَفِيه إِضْمَار انْتهى وللبخاري من طَرِيق أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة فِي الحَدِيث بدل فقد أدْرك فِي الْمَوْضِعَيْنِ فليتم صلَاته وللبيهقي من وَجه آخر من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس زَاد الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي غَسَّان ثمَّ صلى مَا بَقِي بعد غرُوب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي غَسَّان فَلم تفته فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ مُبين أَن المُرَاد بالإدراك إِدْرَاكهَا أَدَاء قَالَ أَبُو السعادات بن الْأَثِير وَأما تَخْصِيص هَاتين الصَّلَاتَيْنِ بِالذكر دون غَيرهمَا مَعَ أَن هَذَا الحكم لَيْسَ خَاصّا بهما بل يعم جَمِيع الصَّلَوَات فلأنهما طرفا النَّهَار والمصلى إِذا صلى بعض الصَّلَاة وطلعت الشَّمْس أَو غربت عرف خُرُوج الْوَقْت فَلَو لم يبين صلى الله عليه وسلم هَذَا الحكم وَعرف الْمُصَلِّي أَن صلَاته تجزيه لظن فَوَات الصَّلَاة وبطلانها بِخُرُوج الْوَقْت وَلَيْسَ كَذَلِك آخر أَوْقَات الصَّلَاة وَلِأَنَّهُ نهى عَن الصَّلَاة عِنْد الشروق والغروب فَلَو لم يبين لَهُم صِحَة صَلَاة من أدْرك رَكْعَة من هَاتين الصَّلَاتَيْنِ لظن الْمُصَلِّي أَن صلَاته فَسدتْ بِدُخُول هذَيْن الْوَقْتَيْنِ فعرفهم ذَلِك لنزول هَذَا الْوَهم وَقَالَ الْحَافِظ مغلطاي فِي رِوَايَة من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح وَفِي أُخْرَى من أدْرك من الصُّبْح رَكْعَة وَبَينهمَا فرق وَذَلِكَ أَن من قدم الرَّكْعَة فَلِأَنَّهَا هِيَ السَّبَب الَّذِي بِهِ الْإِدْرَاك وَمن قدم الصُّبْح أَو الْعَصْر قبل الرَّكْعَة فَلِأَن هذَيْن الاسمين هما اللَّذَان يدلان على هَاتين الصَّلَاتَيْنِ دلَالَة خَاصَّة تتَنَاوَل جَمِيع أوصافها بِخِلَاف الرَّكْعَة فانها تدل على أَوْصَاف الصَّلَاة فَقدم اللَّفْظ الْأَعَمّ الْجَامِع وَقَالَ الرَّافِعِيّ احْتج الشَّافِعِي بِهَذَا الحَدِيث على أَن وَقت الْعَصْر يبْقى إِلَى غرُوب الشَّمْس وَاحْتج بِهِ أَيْضا على أَن من صلى فِي الْوَقْت رَكْعَة وَالْبَاقِي خَارج الْوَقْت تكون صلَاته جَائِزَة مُؤَدَّاة وعَلى أَن الْمَعْذُور إِذا زَالَ عذره وَقد بَقِي ن الْوَقْت قدر رَكْعَة كَمَا إِذا أَفَاق الْمَجْنُون أَو بلغ الصَّبِي تلْزمهُ تِلْكَ الصَّلَاة وعَلى أَن من طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وَهُوَ فِي صَلَاة الصُّبْح لَا تبطل صلَاته خلافًا لقَوْل بَعضهم قَالَ وَفِي الْجمع بَين هَذِه الاحتجاجات توقف انْتهى وَالْبَعْض الْمشَار إِلَيْهِم هم الْحَنَفِيَّة وَقَالَ الشَّيْخ أكمل الدّين فِي شرح الْمَشَارِق فِي الْجَواب عَنْهُم فَحمل الحَدِيث على أَن المُرَاد فقد أدْرك ثَوَاب كل الصَّلَاة بِاعْتِبَار نِيَّته لَا بِاعْتِبَار عمله وَإِن معنى قَوْله فليتم صلَاته أَي ليأت بهَا على وَجه التَّمام فِي وَقت آخر قلت وَهَذَا تَأْوِيل بعيد يردهُ بَقِيَّة طرق الحَدِيث وَقد أخرج الدَّارَقُطْنِيّ من حدث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا إِذا صلى أحدكُم رَكْعَة من صَلَاة الصُّبْح ثمَّ طلعت الشَّمْس فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى قَالَ بن عبد الْبر لَا وَجه لدعوى النّسخ فِي حَدِيث الْبَاب لِأَنَّهُ لم يثبت فِيهِ تعَارض بِحَيْثُ لَا يُمكن الْجمع وَلَا لتقديم حَدِيث النَّهْي عَن الصَّلَاة عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَعند غُرُوبهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يحمل على التَّطَوُّع فَائِدَة روى أَبُو نعيم فِي كتاب الصَّلَاة الحَدِيث بِلَفْظ من أدْرك رَكْعَتَيْنِ قبل أَن تغرب الشَّمْس وَرَكْعَتَيْنِ بعد مَا غَابَتْ الشَّمْس لم تفته الْعَصْر

ص: 19

[6]

عَن نَافِع مولى عبد الله بن عمر أَن عمر بن الْخطاب كتب إِلَى عماله هَذَا مُنْقَطع فان نَافِعًا لم يلق عمر إِن أهم أَمركُم عِنْدِي الصَّلَاة يشْهد لَهُ من الْأَحَادِيث المرفوعة مَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان من طَرِيق عِكْرِمَة عَن عمر قَالَ جَاءَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أَي شَيْء أحب عِنْد الله فِي الْإِسْلَام قَالَ الصَّلَاة لوَقْتهَا من ترك الصَّلَاة فَلَا دين لَهُ وَالصَّلَاة عماد الدّين فِي أَحَادِيث أخر من حفظهَا قَالَ بن رَشِيق أَي علم مَالا تتمّ إِلَّا بِهِ من وضوئها وأوقاتها وَمَا يتَوَقَّف على صِحَّتهَا وتمامها وحافظ عَلَيْهَا أَي سارع إِلَى فعلهَا وَفِي وَقتهَا حفظ دينه وَمن ضيعها فَهُوَ لما سواهَا أضيع فِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ الْأَوْسَط عَن أنس مَرْفُوعا ثَلَاث من حفظهن فَهُوَ ولي حَقًا وَمن ضيعهن فَهُوَ عَدو حَقًا الصَّلَاة وَالصِّيَام والجنابة فَمن نَام فَلَا نَامَتْ عينه فِي مُسْند الْبَزَّار عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من نَام قبل الْعشَاء فَلَا نَامَتْ عينه وَالصُّبْح والنجوم بادية أَي ظَاهِرَة مشتبكة فِي النِّهَايَة اشتبكت النُّجُوم أَي ظَهرت جَمِيعهَا وَاخْتَلَطَ بَعْضهَا بِبَعْض لِكَثْرَة مَا ظهر مِنْهَا وَشَاهد هَذِه الْجُمْلَة من الْمَرْفُوع مَا أخرجه أَحْمد عَن أبي عبد الرَّحْمَن الصنابجي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لن تزَال أمتِي بِخَير مَا لم يؤخروا الْمغرب انْتِظَار الاظلام مضاهاة للْيَهُود وَمَا لم يؤخروا الْفجْر انمحاق النُّجُوم مضاهاة للنصرانية

[7]

زاغت الشَّمْس أَي مَالَتْ

[8]

وَلَا تكن من الغافلين شَاهده من الْمَرْفُوع مَا أخرجه الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من حَافظ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات المكتوبات لم يكْتب من الغافلين

[9]

عَن يزِيد بن زِيَاد عَن عبد الله بن رَافع مولى أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة عَن وَقت الصَّلَاة فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَنا أخْبرك قَالَ بن عبد الْبر هَذَا مَوْقُوف فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جمَاعَة رُوَاته والمواقيت لَا تُؤْخَذ بِالرَّأْيِ وَلَا تدْرك إِلَّا بالتوقيف قَالَ وَقد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة حَدِيث الْمَوَاقِيت مَرْفُوعا بأتم من هَذَا أخرجه النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح الغبش بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وشين مُعْجمَة كَذَا فِي رِوَايَة يحيى بن يحيى وَزَاد يَعْنِي الْغَلَس وَفِي رِوَايَة يحيى بن بكير والقعنبي وسُويد بن سعيد بِغَلَس

[10]

كُنَّا نصلي الْعَصْر قَالَ بن عبد الْبر هَذَا يدْخل عِنْدهم فِي الْمسند وَقد صرح فِي طَرِيق بِرَفْعِهِ فَقَالَ كُنَّا نصلي الْعَصْر مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق بن الْمُبَارك عَن مَالك ثمَّ يخرج الْإِنْسَان إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعلمَاء كَانَت مَنَازِلهمْ على ميلين من الْمَدِينَة فيجدهم يصلونَ الْعَصْر قَالَ النَّوَوِيّ كَانَت صلَاتهم فِي وسط الْوَقْت وَلَعَلَّ تأخيرهم لكَوْنهم أهل أَعمال فِي حروثهم وزروعهم وحوايطهم فَإِذا فرغوا من أَعْمَالهم تأهبوا للصَّلَاة ثمَّ اجْتَمعُوا إِلَيْهَا فتتأخر صلَاتهم لهَذَا الْمَعْنى

ص: 20

[11]

كُنَّا نصلي الْعَصْر قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ لَيْسَ فِيهِ ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ عبد الله بن نَافِع وَابْن وهب فِي رِوَايَة يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَنهُ وخَالِد بن مخلد وَأَبُو عَامر الْعَقدي كلهم عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْر ثمَّ يذهب الذَّاهِب الحَدِيث وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الله بن الْمُبَارك عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة جَمِيعًا عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْر ثمَّ يذهب الذَّاهِب إِلَى قبَاء قَالَ أجدهما فيأتيهم وهم يصلونَ وَقَالَ الآخر فيأتيهم وَالشَّمْس مُرْتَفعَة وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك معمر وَغَيره من الْحفاظ عَن الزُّهْرِيّ فَهُوَ حَدِيث مَرْفُوع قلت وَهُوَ كَذَلِك عِنْد البُخَارِيّ من طَرِيق شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ وَعند مُسلم وَأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من طَرِيق اللَّيْث عَن الزُّهْرِيّ وَعند الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة عَن الزُّهْرِيّ وَرِوَايَة بن الْمُبَارك الَّتِي أوردهَا بن عبد الْبر أخرجهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَقَالَ فِي غرائب مَالك لم يسْندهُ عَن مَالك عَن إِسْحَاق غير بن الْمُبَارك ثمَّ يذهب الذَّاهِب قَالَ الْحَافِظ بن حجر أَرَادَ نَفسه لما أخرجه النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي من طَرِيق أبي الْأَبْيَض عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا الْعَصْر وَالشَّمْس ببيضاء محلقة ثمَّ أرجع إِلَى قومِي فِي نَاحيَة الْمَدِينَة فَأَقُول لَهُم قومُوا فصلوا فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى قلت بل أَعم من ذَلِك لما أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن أنس قَالَ كَانَ أبعد رجلَيْنِ من الْأَنْصَار من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَار أبي لبَابَة بن عبد الْمُنْذر وَأَهله بقباء وَأَبُو عبس بن جبر ومسكنه فِي بني حَارِثَة فَكَانَا يصليان مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ يأتيان قومهما وَمَا صلوا لتعجيل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بهَا إِلَى قبَاء قَالَ النَّوَوِيّ يمد وَيقصر وَيصرف وَلَا يصرف وَيذكر وَيُؤَنث والأفصح فِيهِ التَّذْكِير وَالصرْف وَالْمدّ وَهُوَ على ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة قَالَ النَّسَائِيّ لم يُتَابع مَالك على قَوْله إِلَى قبَاء وَالْمَعْرُوف إِلَى العوالي وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة عَن الزُّهْرِيّ فَقَالَ إِلَى العوالي قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَالح بن كيسَان وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَعقيل وَمعمر وَيُونُس وَاللَّيْث وَعَمْرو بن الْحَارِث وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَابْن أبي ذُؤَيْب وَابْن أخي الزُّهْرِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق وَمَعْقِل بن عبيد الله وَعبيد الله بن أبي زِيَاد الرصافي والنعمان بن رَاشد والزبيدي وَغَيرهم عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس وَقَالَ بن عبد الْبر الَّذِي قَالَه جمَاعَة أَصْحَاب بن شهَاب عَنهُ يذهب الذَّاهِب إِلَى العوالي وَهُوَ الصَّوَاب عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث وَقَول مَالك عِنْدهم إِلَى قبَاء وهم لَا شكّ فِيهِ وَلم يُتَابِعه أحد عَلَيْهِ فِي حَدِيث بن شهَاب هَذَا إِلَّا أَن الْمَعْنى مُتَقَارب فِي ذَلِك على سَعَة الْوَقْت لِأَن العوالي مُخْتَلفَة الْمسَافَة فأقربها إِلَى الْمَدِينَة مَا كَانَ على ميلين أَو ثَلَاثَة وَمِنْهَا مَا يكون على ثَمَانِيَة أَمْيَال أَو عشرَة وَمثل هَذَا هِيَ الْمسَافَة بَين قبَاء وَالْمَدينَة وَقد رَوَاهُ خَالِد بن مخلد عَن مَالك فَقَالَ فِيهِ إِلَى العوالي كَمَا قَالَ سَائِر أَصْحَاب بن شهَاب ثمَّ أسْندهُ من طَرِيقه وَقَالَ هَكَذَا رَوَاهُ خَالِد بن مخلد عَن مَالك وَقَالَ فِيهِ العوالي كَمَا قَالَ سَائِر أَصْحَاب بن شهَاب ثمَّ أسْندهُ من طَرِيقه وَقَالَ هَكَذَا رَوَاهُ خَالِد بن مخلد عَن مَالك وَقَالَ فِيهِ العوالي كَمَا قَالَ سَائِر أَصْحَاب بن شهَاب ثمَّ أسْندهُ من طَرِيقه وَقَالَ هَكَذَا رَوَاهُ خَالِد بن مخلد عَن مَالك وسائى رُوَاة الْمُوَطَّأ قَالُوا قبَاء وَقَالَ القَاضِي عِيَاض مَالك أعلم ببلدته وأمكنتها من غَيره وَهُوَ أثبت فِي بن شهَاب مِمَّن سواهُ وَقد رَوَاهُ بَعضهم عَن مَالك إِلَى العوالي كَمَا قَالَت الْجَمَاعَة وَرَوَاهُ بن أبي ذُؤَيْب عَن الزُّهْرِيّ فَقَالَ إِلَى قبَاء كَمَا قَالَ مَالك وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر نِسْبَة الْوَهم فِيهِ إِلَى مَالك منتقد فَإِنَّهُ إِن كَانَ وهما احْتمل أَن يكون مِنْهُ وَإِن يكون من الزُّهْرِيّ حِين حدث بِهِ مَالِكًا فَإِن الْبَاجِيّ نقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَن بن أبي ذُؤَيْب رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ إِلَى قبَاء وَقد رَوَاهُ خَالِد بن مخلد عَن مَالك فَقَالَ فِيهِ إِلَى العوالي كَمَا قَالَ الْجَمَاعَة فقد اخْتلف فِيهِ على مَالك وتوبع عَن الزُّهْرِيّ بِخِلَاف مَا جزم بِهِ بن عبد الْبر قَالَ وَقَوله الصَّوَاب عِنْد أهل الحَدِيث العوالي صَحِيح من حَيْثُ اللَّفْظ وَأما الْمَعْنى فمتقارب لِأَن قبَاء من العوالي وَلَيْسَت العوالي كل قبَاء فَإِنَّهَا عبارَة عَن الْقرى المجتمعة حول الْمَدِينَة من جِهَة نجد قَالَ وَلَعَلَّ مَالِكًا لما رأى فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ أحمالا حملهَا على الرِّوَايَة المفسرة وَهِي رِوَايَته عَن إِسْحَاق حَيْثُ قَالَ فِيهَا لم يخرج الْإِنْسَان إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف وهم أهل قبَاء بني مَالك على أَن الْقِصَّة وَاحِدَة لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا حَدَّثَاهُ عَن أنس انْتهى

ص: 21

[12]

مَا أدْركْت النَّاس إِلَّا وهم يصلونَ الظّهْر بعشي قَالَ فِي الاستذكار قَالَ مَالك يُرِيد الابراد بِالظّهْرِ وَفِي النِّهَايَة والمطالع العشى مَا بعد الزَّوَال إِلَى الْغُرُوب وَقيل إِلَى الصَّباح طنفسة بِكَسْر الطَّاء وَالْفَاء وبضمهما وبكسر الطَّاء وَفتح الْفَاء الْبسَاط الَّذِي لَهُ خمل رَقِيق ذكره فِي النِّهَايَة وَقَالَ فِي الْمطَالع الْأَفْصَح كسر الطَّاء وَفتح الْفَاء وَيجوز ضمهما وكسرهما وَحكى أَبُو حَاتِم فتح الطَّاء مَعَ كسر الْفَاء وَقَالَ أَبُو عَليّ القالي بِفَتْح الْفَاء لَا غير وَهِي بِسَاط صَغِير وَقيل حَصِير من سعف أَو دوم عرضه ذِرَاع وَقيل قدر عظم الذِّرَاع انْتهى

[13]

ثمَّ نرْجِع بعد صَلَاة الْجُمُعَة فنقبل قائلة الضُّحَى قَالَ فِي الاستذكار أَي انهم يستدركون مَا فاتهم من النّوم وَقت قائلة الضُّحَى على مَا جرت بِهِ عَادَتهم

[14]

بن أبي سليط بِفَتْح السِّين وَكسر اللَّام بملل بِفَتْح الْمِيم ولامين بِوَزْن جمل مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة على تِسْعَة عشر ميلًا من الْمَدِينَة كَذَا فِي النِّهَايَة وَقَالَ بَعضهم على ثَمَانِيَة عشر ميلًا وَقَالَ بن وساح على اثْنَيْنِ وَعشْرين ميلًا حَكَاهُمَا بن رَشِيق

ص: 22

[15]

عَن أبي سَلمَة قيل اسْمه كنيته وَقيل عبد الله بن عبد الرَّحْمَن هُوَ بن عَوْف من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة زَاد النَّسَائِيّ كلهَا لَا أَنه بعض مَا قَالَه قَالَ بن عبد الْبر لَا أعلم اخْتِلَافا فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَلَا فِي لَفظه عِنْد رُوَاة الْمُوَطَّأ عَن مَالك وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَائِر أَصْحَاب بن شهَاب إِلَّا أَن بن عُيَيْنَة رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ فَقَالَ قفد أدْرك لم يقل الصَّلَاة وَالْمعْنَى المُرَاد فِي ذَلِك وَاحِد وَقد رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن أبي بكر عَن بن شهَاب فَقَالَ فقد أدْرك الصَّلَاة وفضلها وَهَذِه لَفْظَة لم يقلها أحد عَن بن شهَاب غير عبد الْوَهَّاب وَلَيْسَ بِحجَّة على من خَالفه فِيهَا من أَصْحَاب بن شهَاب وَلَا أَجَاد فِيهَا قلت وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيّ قَالَ لِأَن معنى أدْرك الصَّلَاة أدْرك فَضلهَا وَلَو أدْركهَا بادراك رَكْعَة فِيهَا لما وَجب عَلَيْهِ عَلَيْهِ قَضَاء بقيتها ثمَّ قَالَ بن عبد الْبر وَقد رَوَاهُ عمار بن مطر عَن مَالك فَقَالَ فقد أدْرك الصَّلَاة ووقتها قَالَ وَهَذَا لم يقلهُ عَن مَالك فَقَالَ فقد أدْرك الْفضل وَلم يقلهُ عَن مَالك غَيره قَالَ وَقد اخْتلف فِي معنى قَوْله فقد أدْرك الصَّلَاة فَقيل أدْرك وَقتهَا قَالَ وقائلوا ذَلِك جَعَلُوهُ فِي معنى الحَدِيث السَّابِق من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح وَلَيْسَ كَمَا ظنُّوا لِأَنَّهُمَا حديثان لكل وَاحِد مِنْهُمَا معنى آخر وَقيل أدْرك فضل الْجَمَاعَة على أَن المُرَاد من أدْرك رَكْعَة مَعَ الإِمَام وَقيل من أدْرك حكمهَا فِيمَا يفوتهُ من سَهْو الإِمَام وَلُزُوم الْإِتْمَام وَنَحْو ذَلِك قَالَ وَظَاهر الحَدِيث يُوجب الْإِدْرَاك التَّام الْوَقْت وَالْحكم وَالْفضل قَالَ وَيدخل فِي ذَلِك إِدْرَاك الْجُمُعَة فَإِذا أدْرك مِنْهَا رَكْعَة مَعَ الإِمَام أضَاف إِلَيْهَا أُخْرَى فَإِن لم يُدْرِكهَا صلى أَرْبعا ثمَّ أخرج من طَرِيق بن الْمُبَارك عَن معمر وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا من أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة فقد أدْركهَا قَالَ الزُّهْرِيّ فنرى الْجُمُعَة من الصَّلَاة وَأخرج من وَجه آخر عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ سَأَلت الزُّهْرِيّ عَن رجل فَاتَتْهُ خطْبَة الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة وَأدْركَ الصَّلَاة فَقَالَ حَدثنِي أَبُو سَلمَة أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أدْرك رَكْعَة من صَلَاة فقد أدْركهَا انْتهى قَالَ الْحَافِظ مغلطاي وَإِذا حملناه على إِدْرَاك فضل الْجَمَاعَة فَهَل يكون ذَلِك مضاعفا كَمَا يكون لمن حضرها من أَولهَا أَو يكون غير مضاعف قَولَانِ وَإِلَى التَّضْعِيف ذهب أَبُو هُرَيْرَة وَغَيره من السّلف وَقَالَ القَاضِي عِيَاض يدل على أَن المُرَاد فضل الْجَمَاعَة مَا فِي رِوَايَة بن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ من زِيَادَة قَوْله مَعَ الإِمَام وَلَيْسَت هَذِه الزِّيَادَة فِي حَدِيث مَالك وَغَيره عَنهُ قَالَ وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا إِفْرَاد مَالك لَهُ فِي التَّبْوِيب فِي الْمُوَطَّأ ويفسره رِوَايَة من روى فقد أدْرك الْفضل

[18]

وَمن فَاتَهُ قِرَاءَة أم الْقُرْآن فقد فَاتَهُ خير كثير قَالَ بن وضاح وَغَيره ذَلِك لموْضِع التَّأْمِين وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من غفران مَا تقدم من ذَنبه

[19]

عَن نَافِع أَن عبد الله بن عمر كَانَ يَقُول دلوك الشَّمْس ميلها أخرجه بن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن بن عمر مَرْفُوعا

[20]

قَالَ أَخْبرنِي مخبر قَالَ فِي الاستذكار هُوَ عِكْرِمَة وَكَانَ مَالك يكتم اسْمه لكَلَام سعيد بن الْمسيب فِي

ص: 23

[21]

الَّذِي تفوته صَلَاة الْعَصْر اخْتلف فِي معنى الْفَوات فِي هَذَا الحَدِيث فَقيل هُوَ فِيمَن لم يصلها فِي وَقتهَا الْمُخْتَار وَقيل هُوَ أَن تفوته بغروب الشَّمْس قَالَ الْحَافِظ مغلطاي فِي موطأ بن وهب قَالَ مَالك تَفْسِيرهَا ذهَاب الْوَقْت وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر قد أخرج عبد الرَّزَّاق هَذَا الحَدِيث من طَرِيق بن جريج عَن نَافِع وَزَاد فِي آخِره قلت لنافع حَتَّى تغيب الشَّمْس قَالَ نعم قَالَ وَتَفْسِير الرَّاوِي إِذا كَانَ فَقِيها أولى قلت وَقد ورد مُصَرحًا بِرَفْعِهِ فِيمَا أخرجه بن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن هشيم عَن حجاج عَن نَافِع عَن بن عمر مَرْفُوعا من ترك الْعَصْر حَتَّى تغيب الشَّمْس من غير عذر فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله وَقيل هُوَ تفويتها إِلَى أَن تصفر الشَّمْس وَقد ورد مُفَسرًا من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ وفواتها أَن تدخل الشَّمْس صفرَة أخرجه أَبُو دَاوُد قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَلَعَلَّه مَبْنِيّ على مذْهبه فِي خُرُوج وَقت الْعَصْر وَقَالَ مغلطاي فِي علل بن أبي حَاتِم من فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر وفواتها أَن تدخل الشَّمْس صفرَة فَكَأَنَّمَا وتر أهل وَمَاله قَالَ أَبُو حَاتِم التَّفْسِير من قبل نَافِع وَقَالَت طَائِفَة المر اد فَوَاتهَا فِي الْجَمَاعَة لما يفوتهُ من شُهُود الْمَلَائِكَة الليلية والنهارية وَيُؤَيِّدهُ مَا أخرجه بن مَنْدَه بِلَفْظ المأتور أَهله وَمَاله من وتر صَلَاة فِي جمَاعَة وَهِي صَلَاة الْعَصْر وروى عَن سَالم أَنه قَالَ هَذَا فِيمَن فَاتَتْهُ نَاسِيا وَمَشى عَلَيْهِ التِّرْمِذِيّ وَالْمعْنَى أَنه يلْحقهُ من الأسف عِنْد مُعَاينَة الثَّوَاب لمن صلى مَا يلْحق من ذهب أَهله وَمَاله وَقَالَ الداوودي إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَامِد قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر قلت وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة من غر عذز وَاخْتلف أَيْضا فِي تَخْصِيص صَلَاة الْعَصْر بذلك فَقيل نعم لزِيَادَة فَضلهَا وَلِأَنَّهَا الْوُسْطَى وَلِأَنَّهَا تَأتي فِي وَقت تَعب النَّاس من مقاساة أَعْمَالهم وحرصهم على قَضَاء أشغالهم وتسويفهم بهَا إِلَى انْقِضَاء وظائفهم ولاجتماع المتعاقبين من الْمَلَائِكَة فِيهَا وَهَذَا مَا رَجحه الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند وَالنَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ بن الْمِنْبَر الْحق أَن الله يخص مَا يَشَاء من الصَّلَوَات بِمَا شَاءَ من الْفَضِيلَة وَقَالَ بن عبد الْبر يحْتَمل أَن الحَدِيث خرج جَوَابا على سُؤال السَّائِل عَمَّن تفوته الْعَصْر وَأَنه لَو سُئِلَ عَن غَيرهَا لأجابه بِمثل ذَلِك فَيكون حكم سَائِر الصَّلَوَات كَذَلِك خُصُوصا وَقد ورد الحَدِيث من رِوَايَة نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الدئلي بِلَفْظ من فَاتَتْهُ الصَّلَاة وبلفظ من فَاتَتْهُ صَلَاة وَلم يخص الْعَصْر وَقَالَ النَّوَوِيّ فِيمَا قَالَه بن عبد الْبر نظر لِأَن الشَّرْع ورد فِي الْعَصْر وَلم تتَحَقَّق الْعلَّة فِي هَذَا الحكم فَلَا يلْحق بهَا غَيرهَا بِالشَّكِّ وَالوهم وَإِنَّمَا يلْحق غير الْمَنْصُوص بالمنصوص إِذا عرفنَا الْعلَّة واشتركا فِيهَا وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر حَدِيث نَوْفَل بن مُعَاوِيَة أرجه بن جبان وَغَيره بِلَفْظ من فَاتَتْهُ الصَّلَاة وَأخرجه عبد الرَّزَّاق بِلَفْظ لِأَن يُوتر أحدكُم أَهله وَمَاله خير لَهُ من أَن تفوته وَقت صَلَاة وَهَذَا ظَاهره العمون لَكِن الْمَحْفُوظ من حَدِيثه صَلَاة الْعَصْر قلت روى النَّسَائِيّ من طَرِيق عرَاك بن مَالك قَالَ سَمِعت نَوْفَل بن مُعَاوِيَة يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من الصَّلَاة صَلَاة من فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله فَقَالَ بن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول هِيَ صَلَاة الْعَصْر وَأخرج بن أبي شيبَة من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا من ترك صَلَاة مَكْتُوبَة حَتَّى تفوته من غير عذر فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله لكنه مخرج فِي مُسْند أَحْمد بِلَفْظ من ترك الْعَصْر فَرجع الحَدِيث إِلَى تَعْيِينهَا نعم فِي فَوَائِد تَمام من طَرِيق مَكْحُول عَن أنس مَرْفُوعا من فَاتَتْهُ صَلَاة الْمغرب فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله فَإِن كَانَ رَاوِيه حفظ وَلم يهم دلّ ذَلِك على عدم الِاخْتِصَاص كَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله قَالَ النَّوَوِيّ روى بِنصب اللامين ورفعهما وَالنّصب هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور على أَنه مفعول ثَان وَمن رفع فعلى مَا لم يسم فَاعله وَمَعْنَاهُ انتزع مِنْهُ أَهله وَمَاله وَهَذَا تَفْسِير مَالك بن أنس وَأما على النصب فَقَالَ الْخطابِيّ وَغَيره مَعْنَاهُ نقص أَهله وَمَاله وسلبهم فَبَقيَ وترا بِلَا أهل وَلَا مَال فيحذر من تفويتها كحذره من ذهَاب أَهله وَمَاله وَقَالَ بن عبد الْبر مَعْنَاهُ عِنْد أهل الْفِقْه واللغة أَنه كَالَّذي يصاب بأَهْله وَمَاله إِصَابَة يطْلب بهَا وترا وَالْوتر الْجِنَايَة الَّتِي يطْلب تارها فيجتمع عَلَيْهِ غمان غم الْمُصِيبَة وغم مقاساة طلب الثار وَلذَا قَالَ وتر وَلم يقل مَاتَ أَهله وَقَالَ الداوودي مَعْنَاهُ يتَوَجَّه عَلَيْهِ النَّدَم والأسف لتفويته الصَّلَاة وَقيل مَعْنَاهُ فَاتَهُ من الثَّوَاب مَا يلْحقهُ من الأسف عَلَيْهِ كَمَا يلقح من ذهب أَهله وَمَاله انْتهى وَقَالَ غَيره حَقِيقَة الْوتر كَمَا قَالَ الْخَلِيل هُوَ الظُّلم فِي الدَّم واستعماله فِي غَيره مجَاز وَقَالَ الْجَوْهَرِي الموتور هُوَ الَّذِي قتل لَهُ قَتِيل فَلم يدْرك دَمه وَيُقَال أَيْضا وتره حَقه أَي نَقصه وَقيل الموتور من أَخذ أَهله وَمَاله وَهُوَ ينظر وَذَلِكَ أَشد لغمه وَلذَلِك وَقع عِنْد أبي مُسلم الْكَجِّي من طَرِيق حَمَّاد بن مسلمة عَن أَيُّوب عَن نَافِع فِي آخر الحَدِيث وَهُوَ قَاعد فَهُوَ إِشَارَة إِلَى أَنه أخذا مِنْهُ وَهُوَ ينظر وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ كَانَ مَعْنَاهَا أَنه وتر هَذَا الْوتر وَهُوَ قَاعد غير مقَاتل عَنْهُم وَلَا ذاب وَهُوَ أبلغ فِي الْغم لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَقع مِنْهُ شَيْء من ذَلِك لَكَانَ أسلى لَهُ قَالَ وَيحْتَمل أَن مَعْنَاهُ وَهُوَ مشَاهد لتِلْك المصايب غير غَائِب عَنْهُم فَهُوَ أَشد لتحسره قَالَ وَإِنَّمَا خص الْأَهْل وَالْمَال بِالذكر لِأَن الِاشْتِغَال فِي وَقت الْعَصْر إِنَّمَا هُوَ بالسعي على الْأَهْل والشغل بِالْمَالِ فَذكر أَن تَفْوِيت هَذِه الصَّلَاة نَازل منزلَة فقد الْأَهْل وَالْمَال فَلَا معنى لتفويتهما بالاشتغال بهما مَعَ كَون تفويتها كفواتهما أصلا ورأسا وَقَالَ بن الْأَثِير فِي النِّهَايَة يرْوى بِنصب الْأَهْل وَرَفعه فَمن نصب جعله مَفْعُولا ثَانِيًا لوتر وأضمر فِيهَا مَفْعُولا للم يسم فَاعله عَائِدًا إِلَى الَّذِي وَمن رفع لم يضمر وأنام الْأَهْل مقَام مَا لم يسم فَاعله لأَنهم المصابون المأخوذون فَمن رد النَّقْص إِلَى الرجل نصبهما وَمن رده إِلَى الْأَهْل وَالْمَال رفعهما وَقَالَ الْحَافِظ مغلطاي قيل إِن النصب على نزع الْخَافِض وَالْأَصْل وتر فِي أَهله وَقيل إِن الرّفْع على أَنه يدل اشْتِمَال أَو بدل بعض وَفِي شرح الْمَشَارِق للشَّيْخ أكمل الدّين قيل يجوز أَن يكون النصب على التَّمْيِيز أَي وتر من حَيْثُ الْأَهْل نَحْو غبن رَأْيه وألم نَفسه وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ على وَجه

[22]

فلقي رجلا لم يشْهد الْعَصْر قَالَ فِي الاستذكار ذكر بعض من شرح الْمُوَطَّأ إِن هَذَا الرجل هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ وَهَذَا لَا يُوجد فِي أثر علته وَإِنَّمَا هُوَ رجل من الْأَنْصَار من بني حَدِيدَة طففت أَي نقصت نَفسك حطها من الْأجر تأخيرك عَن صَلَاة الْجَمَاعَة والتطفيف فِي لِسَان الْعَرَب هُوَ الزِّيَادَة على الْعدْل وَالنُّقْصَان مِنْهُ

ص: 25

[23]

عَن يحيى بن سعيد أَنه كَانَ يَقُول إِن الْمُصَلِّي ليُصَلِّي الصَّلَاة وَمَا فَاتَهُ وَقتهَا وَلما فَاتَهُ من وَقتهَا أعظم أَو أفضل من أَهله وَمَاله قَالَ بن عبد الْبر هَذَا لَهُ حكم الْمَرْفُوع إِذْ يَسْتَحِيل أَن يكون مثله رَأيا وَقد ورد نَحوه من طرق مَرْفُوعا فَأخْرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عبيد الله بن مُوسَى عَن إِبْرَاهِيم بن الْفضل عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن أحدكُم ليُصَلِّي الصَّلَاة لوَقْتهَا وَقد ترك من الْوَقْت الأول مَا هُوَ خير لَهُ من أَهله وَمَاله وَأخرج بن عبد الْبر من طَرِيق شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الرجل ليدرك الصَّلَاة وَمَا فَاتَهُ مِنْهَا خير من أَهله وَمَاله

ص: 26

[25]

عَن بن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين قف هَذَا مُرْسل تبين وَصله فَأخْرجهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة من طَرِيق بن وهب عَن يُونُس عَن بن شهَاب عَن سعيد بن المسي عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ والقفول الرُّجُوع من السّفر وَلَا يُقَال لمن سَافر مبتدئا قف قَالَ النَّوَوِيّ وَاخْتلفُوا هَل كَانَ هَذَا النّوم مرّة أَو مرَّتَيْنِ قَالَ وَظَاهر الحَدِيث مَرَّتَانِ وَكَذَا رَجحه القَاضِي عِيَاض وَغَيره وَبِذَلِك يجمع بَين مَا فِي الْأَحَادِيث من الْمُغَايرَة من خَيْبَر بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة قَالَ الْبَاجِيّ وَابْن عبد الْبر وَغَيرهمَا هَذَا هُوَ الصَّوَاب وَقَالَ الْأصيلِيّ إِنَّمَا هُوَ من حنين بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا غَرِيب ضَعِيف وَلأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث بن مَسْعُود من الْحُدَيْبِيَة وللطبراني من حَدِيث بن عَمْرو من غَزْوَة تَبُوك وَلَا يجمع إِلَّا بِتَعَدُّد الْقِصَّة أسرى قَالَ فِي النِّهَايَة السرى السّير بِاللَّيْلِ يُقَال سرى يسري سرى وَأسرى يسري اسراء لُغَتَانِ وَلأبي مُصعب أسْرع وَلأَحْمَد من حَدِيث ذِي مخبر زِيَادَة وَكَانَ يفعل ذَلِك لقلَّة الزَّاد فَقَالَ لَهُ قَائِل يَا نَبِي الله انْقَطع النَّاس وَرَاءَك فحبس وَحبس النَّاس مَعَه حَتَّى تكاملوا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُم هَل لكم أَن نهجع هجعة فَنزل ونزلوا حَتَّى إِذا كَانَ من آخر اللَّيْل فِي حَدِيث بن عَمْرو حَتَّى إِذا كَانَ مَعَ السحر عرس بتَشْديد الرَّاء قَالَ الْخَلِيل وَالْجُمْهُور التَّعْرِيس نزُول الْمُسَافِر آخر اللَّيْل للنوم والاستراحة وَلَا يُسمى نزُول أول اللَّيْل تعريسا كلأ بِالْهَمْز أَي احفظ وارقب قَالَ تَعَالَى قل من يكلؤكم بِاللَّيْلِ أَي يحفظكم والمصدر كلاءة بِفَتْح الْكَاف وَالْمدّ ضربتهم الشَّمْس قَالَ القَاضِي عِيَاض أَي أَصَابَهُم شعاعها وحرها فَفَزعَ قَالَ النَّوَوِيّ أَي انتبه وَقَامَ وَقَالَ صَاحب النِّهَايَة يُقَال فزع من نَومه أَي هَب وانتبه وَكَأَنَّهُ من الْفَزع الْخَوْف لِأَن الَّذِي ينتبه لَا يَخْلُو من فزع مَا وَقَالَ الْأصيلِيّ فَفَزعَ لأجل عدوهم خوف أَن يكون ابتعهم فيجدهم بِتِلْكَ الْحَال من النّوم وَقَالَ بن عبد الْبر يحْتَمل أَن يكون تأسفا على مَا فاتهم من وَقت الصَّلَاة قَالَ وَفِيه دَلِيل على أَن ذَلِك لم يكن من عَادَتهم مُنْذُ بعث قَالَ وَلَا معنى لقَوْل الْأصيلِيّ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يتبعهُ عَدو فِي انْصِرَافه من خَيْبَر وَلَا من حنين وَلَا ذكر ذَلِك أحد من أهل الْمَغَازِي بل انْصَرف من كلا الغزوتين غانما ظَاهرا أَخذ بنفسي الَّذِي أَخذ بِنَفْسِك قَالَ بن رَشِيق أَي إِن الله استولى بقدرته عَليّ كَمَا استولى عَلَيْك مَعَ منزلتك قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد أَن النّوم غلبني كَمَا غلبك وَقَالَ بن عبد الْبر مَعْنَاهُ قبض نَفسِي الَّذِي قبض نَفسك فالباء زَائِدَة أَي توفاها متوفي نَفسك قَالَ وَهَذَا قَول من جعل النَّفس وَالروح شَيْئا وَاحِدًا لِأَنَّهُ قَالَ فِي الحَدِيث الآخر إِن الله قبض أَرْوَاحنَا فنص على أَن الْمَقْبُوض هُوَ الرّوح وَفِي الْقُرْآن اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الْآيَة وَمن قَالَ إِن النَّفس غير الرّوح تَأَول أَخذ بنفسي من النّوم الَّذِي أَخذ بِنَفْسِك مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيّ فَإِن قيل كَيفَ نَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن صَلَاة الصُّبْح حَتَّى طلعت الشَّمْس مَعَ قَوْله إِن عَيْني تنامان وَلَا ينَام قلبِي فَجَوَابه من وَجْهَيْن أصححهما وأشهرهما أَنه لَا مُنَافَاة بَينهمَا لِأَن الْقلب إِنَّمَا يدْرك الحسيات الْمُتَعَلّقَة بِهِ كالحدث والألم وَنَحْوهمَا وَلَا يدْرك طُلُوع الْفجْر وَغَيره مِمَّا يتَعَلَّق بِالْعينِ وَإِنَّمَا يدْرك ذَلِك بِالْعينِ وَالْعين نَائِمَة وَإِن كَانَ الْقلب يقظان وَالثَّانِي أَنه كَانَ لَهُ حالان أَحدهمَا ينَام فِيهِ الْقلب وصادف هَذَا الْموضع وَالثَّانِي لَا ينَام وَهَذَا هُوَ الْغَالِب من أَحْوَاله قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا ضَعِيف وَالصَّحِيح الْمُعْتَمد هُوَ الأول قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَلَا يُقَال الْقلب وَإِن كَانَ لَا يدْرك المرئيات يدْرك إِذا كَانَ يقظان مُرُور الْوَقْت الطَّوِيل لأَنا نقُول كَانَ قلبه صلى الله عليه وسلم إِذْ ذَاك مُسْتَغْرقا بِالْوَحْي وَلَا يلْزم مَعَ ذَلِك وَصفه بِالنَّوْمِ كَمَا كَانَ يسْتَغْرق حَالَة إِلْقَاء الْوَحْي فِي الْيَقَظَة وَتَكون الْحِكْمَة فِي ذَلِك بَيَان الشَّرْع بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ أوقع فِي النَّفس كَمَا فِي قصَّة السَّهْو قَالَ وَقَرِيب من هَذَا جَوَاب بن الْمُنْذر أَن الْقلب قد يحصل لَهُ السَّهْو فِي الْيَقَظَة لمصْلحَة التشريع فَفِي النّوم أولى اقتادوا أَي ارتحلوا زَاد مُسلم فَإِن هَذَا منزل حَضَرنَا فِيهِ الشَّيْطَان قَالَ بن رَشِيق قد علله النَّبِي صلى الله عليه وسلم بذلك وَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا هُوَ وَقَالَ القَاضِي عِيَاض هَذَا أظهر الْأَقْوَال فِي تَعْلِيله واقتادوا شَيْئا للطبراني من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن حَتَّى كَانَت الشَّمْس فِي كبد السَّمَاء فَأَقَامَ الصَّلَاة لِأَحْمَد من حَدِيث ذِي مخبر فَأمر بِلَالًا فَأذن ثمَّ قَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فصلى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الصُّبْح وَهُوَ غير عجل ثمَّ أمره فَأَقَامَ الصَّلَاة وَقَالَ القَاضِي عِيَاض أَكثر رُوَاة الْمُوَطَّأ فِي هَذَا الحَدِيث على أَقَامَ بَعضهم قَالَ فَأذن أَو أَقَامَ على الشَّك فصلى بهم الصُّبْح زَاد الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عمرَان فَقُلْنَا يَا رَسُول الله أنعيدها من الْغَد لوَقْتهَا قَالَ نَهَانَا الله عَن الرِّبَا ويقبله منا وَعَن بن عبد الْبر لَا يَنْهَاكُم الله عَن الرِّبَا ويقبله مِنْكُم ثمَّ قَالَ حِين قضي الصَّلَاة من نسي الصَّلَاة زَاد القعْنبِي أَو نَام عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا وَلأبي يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عبد الْبر من حَدِيث أبي جُحَيْفَة ثمَّ قَالَ إِنَّكُم كُنْتُم أَمْوَاتًا فَرد الله إِلَيْكُم أرواحكم فَمن نَام عَن صَلَاة فليصلها إِذا اسْتَيْقَظَ وَمن نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا وَزَاد الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك وَيُسْتَفَاد من هَذَا سَبَب وُرُود هَذَا الحَدِيث فَإِن من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث معرفَة أَسبَابه كأسباب نزُول الْقُرْآن وَقد صنف فِيهِ بعض الْمُتَقَدِّمين وَلم نقف عَلَيْهِ وَلَكِن شرعت فِي جمع كتاب لطيف فِي ذَلِك فَإِن الله تبارك وتعالى يَقُول فِي كِتَابه أقِم الصَّلاةَ لِذِكْرِي قَالَ القَاضِي عِيَاض قَالَ بَعضهم فِيهِ تَنْبِيه على ثُبُوت هَذَا الحكم وَأَخذه من الْآيَة الَّتِي تَضَمَّنت الْأَمر لمُوسَى عليه السلام وَأَنه مِمَّا يلْزمنَا اتِّبَاعه وَقَالَ غَيره اسْتشْكل وَجه أَخذ الحكم من الْآيَة فَإِن معنى لذكري إِمَّا لتذكرني فِيهَا وَإِمَّا لأَذْكُرك عَلَيْهَا على اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيلهَا وعَلى كلا فَلَا يعْطى ذَلِك قَالَ بن جرير وَلَو كَانَ المُرَاد حِين تذكرها لَكَانَ التَّنْزِيل لذكرها وَأَصَح مَا أُجِيب بِهِ أَن الحَدِيث فِيهِ تَغْيِير من الرَّاوِي وَإِنَّمَا هُوَ للذِّكْرَى بلام التَّعْرِيف وَألف الْقصر كَمَا فِي سنَن أبي دَاوُد وَفِيه وَفِي مُسلم زِيَادَة وَكَانَ بن شهَاب يقْرؤهَا للذِّكْرَى فَبَان بِهَذَا أَن استدلاله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَة فَإِن مَعْنَاهَا للتذكر أَي لوقت التَّذَكُّر قَالَ القَاضِي عِيَاض وَذَلِكَ هُوَ الْمُنَاسب لسياق الحَدِيث وَعرف أَن التَّغْيِير صدر من الروَاة عَن مَالك أَو من دونهم لَا عَن مَالك وَلَا مِمَّن فَوْقه قَالَ فِي الصِّحَاح لذكري نقيض النسْيَان

ص: 27

[26]

بطرِيق مَكَّة قَالَ بن عبد الْبر لَا يُخَالف مَا فِي الحَدِيث قبله لِأَن طَرِيق خَيْبَر وَطَرِيق مَكَّة من الْمَدِينَة وَقَالَ بن عبد الْبر وَاحِد إِن الله قبض أَرْوَاحنَا زَاد أَبُو دَاوُد من حَدِيث ذِي مخبر ثمَّ ردهَا إِلَيْنَا فصلينا وَله من حَدِيث أبي قَتَادَة إِن الله قبض أرواحكم حِين شَاءَ وردهَا حِين شَاءَ وللبزار من حَدِيث أنس أَن هَذِه الْأَرْوَاح عَارِية فِي أجساد الْعباد يقبضهَا ويرسلها إِذا شَاءَ قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام فِي كل جَسَد إِحْدَاهمَا روح الْيَقَظَة الَّتِي أجْرى الله الْعَادة أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي الْجَسَد كَانَ الْإِنْسَان مستيقظا فَإِذا خرجت من الْجَسَد نَام الْإِنْسَان وَرَأَتْ تِلْكَ الرّوح المنامات وَالْأُخْرَى روح الْحَيَاة الَّتِي أجرا الله الْعَادة أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي الْجَسَد كَانَ حَيا فَإِذا فارقته مَاتَ فَإِذا رجعت إِلَيْهِ حييّ قَالَ وَهَاتَانِ الروحان فِي بَاطِن الْإِنْسَان لَا يعرف مقرهما إِلَّا من أطلعه الله على ذَلِك فهما كجنينين فِي بطن امْرَأَة وَاحِدَة قَالَ وَلَا يبعد عِنْدِي أَن تكون الرّوح فِي القل قَالَ وَيدل على وجود روحي الْحَيَاة واليقظة قَوْله تَعَالَى الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا تَقْدِيره ويتوفى الْأَنْفس الَّتِي لم تمت أجسادها فِي منامها فَيمسك الْأَنْفس الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت عِنْده وَلَا يرسلها إِلَى أجسادها وَيُرْسل الْأَنْفس الْأُخْرَى وَهِي أنفس الْيَقَظَة إِلَى أجسادها إِلَى انْقِضَاء أجل مُسَمّى وَهُوَ أجل الْمَوْت فَحِينَئِذٍ تقبض أَرْوَاح الْحَيَاة وأرواح الْيَقَظَة جَمِيعًا من الأجساد انْتهى وَلَو شَاءَ لردها إِلَيْهَا فِي حِين غير هَذَا لِأَحْمَد من حَدِيث بن مَسْعُود لَو أَن الله أَرَادَ أَن لَا تناموا عَنَّا لم تناموا وَلَكِن أَرَادَ أَن يكون لمن بعدكم فَهَكَذَا لمن نَام أَو نسي وَلأَحْمَد عَن بن عَبَّاس مَوْقُوفا مَا يسرني بهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا يعين الرُّخْصَة وَأخرج بن أبي شيبَة عَن مَسْرُوق قَالَ مَا أحب أَن لي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِصَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعد طُلُوع الشَّمْس يهديه قَالَ بن عبد الْبر أهل الحَدِيث يروون هَذِه اللَّفْظَة بترك الْهمزَة وَأَصلهَا عِنْد أهل اللُّغَة الْهَمْز وَقَالَ فِي الْمطَالع هُوَ بِالْهَمْز أَي يسكته وَيتَوَجَّهُ من هدأت الصَّبِي إِذا وضعت يدك عَلَيْهِ لينام وَفِي رِوَايَة الْمُهلب بِغَيْر همز على التسهيل وَيُقَال فِي ذَلِك أَيْضا يهدئه بالنُّون وَرُوِيَ يهدهده من هدهدت الْأُم وَلَدهَا لينام أَي حركته انْتهى

ص: 28

[27]

عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء بن يسَار قَالَ بن الْعَرَبِيّ هَذَا من عَطاء الَّتِي تكلم النَّاس فِيهَا وَقَالَ بن عبد الْبر يقويه الْأَحَادِيث الْمُتَّصِلَة الَّتِي رَوَاهَا مَالك وَغَيره من طرق كَثِيرَة إِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم الفيح بفاء مَفْتُوحَة وياء تحتية سَاكِنة وحاء مُهْملَة والفوح بواو سطوع الْحر وانتشاره وَاخْتلف على هَذَا على حَقِيقَته فَقَالَ الْجُمْهُور نعم وَقيل إِنَّه كَلَام خرج مخرج التَّشْبِيه أَي كَأَنَّهُ نَار جَهَنَّم فِي الْحر فَاجْتَنبُوا ضَرَره قَالَ القَاضِي عِيَاض كلا الْوَجْهَيْنِ ظَاهر وَحمله على الْحَقِيقَة أولى وَقَالَ النَّوَوِيّ أَنه الصَّوَاب لِأَنَّهُ ظَاهر الحَدِيث وَلَا مَانع يمْنَع من حمله على حَقِيقَته فَوَجَبَ الحكم بِأَنَّهُ على ظَاهره وجهنم قَالَ يُونُس وَغَيره اسْم أعجمي وَنَقله بن الْأَنْبَارِي فِي الزَّاهِر عَن أَكثر النَّحْوِيين وَقيل عَرَبِيّ وَلم يصرف للتأنيث والعلمية وَفِي الْمُحكم سميت بذلك لبعد قعرها من قَوْلهم بِئْر جهنام بعيدَة القعر وَفِي الموعب عَن أبي عَمْرو جهنام اسْم للغليظ وَفِي المغيث لأبي مُوسَى الْمدنِي جَهَنَّم تعريب كهنام بالعبرانية فَإِذا اشْتَدَّ قَالَ مغلطاي هُوَ افتعل من الشدَّة بِمَعْنى الْقُوَّة فأبردوا عَن الصَّلَاة قَالَ القَاضِي عِيَاض مَعْنَاهُ بِالصَّلَاةِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة وَعَن تَأتي بِمَعْنى الْبَاء كَمَا قيل رميت عَن الْقوس أَي بِهِ وَهَذَا مَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ قَالَ اقاضي وَقد تكون عَن هُنَا زَائِدَة أَي أبردوا الصَّلَاة يقا أبرد الرجل كَذَا إِذا فعله فِي برد النَّهَار وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ بن الْعَرَبِيّ فِي القبس وَقَالَ الْخطابِيّ مَعْنَاهُ تَأَخَّرُوا عَن الصَّلَاة مبردين أَي داخلين فِي وَقت الْبرد وَقَالَ السفاقسي أبردوا أَي ادخُلُوا فِي وَقت الْإِبْرَاد مثل أظلم دخل فِي الظلام وَأمسى دخل فِي الْمسَاء وَهَذَا بِخِلَاف الْحمى من فيح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُم فَإِنَّهُ يقْرَأ بوصل الأف لِأَنَّهُ ثلاثي من برد المَاء حرارة جوفي وَالْمرَاد بِالصَّلَاةِ بِالظّهْرِ كَمَا صرح بِهِ فِي حَدِيث أبي سعيد فِي الصَّحِيح وَغَيره قَالَ بن الْعَرَبِيّ فِي القبس لَيْسَ للابراد تَحْدِيد فِي الشَّرِيعَة الشَّرِيفَة إِلَّا مَا ورد فِي حَدِيث بن مَسْعُود كَانَ قدر صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الصَّيف ثَلَاثَة أَقْدَام إِلَى خَمْسَة أَقْدَام وَفِي الشتَاء خَمْسَة أَقْدَام إِلَى سَبْعَة أَقْدَام أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ قَالَ وَذَلِكَ بعد طرح ظلّ الزَّوَال فَلَعَلَّ الابراد كَانَ ريثما يكون للجدار ظلّ يأوي اليه المجتاز وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَالنَّوَوِيّ اخْتلف الْعلمَاء فِي الْجمع بَين هَذَا الحَدِيث وَنَحْوه وَبَين حَدِيث خباب شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فَلم يشكنا فَقَالَ بَعضهم الابراد رخصَة والتقديم أفضل وَقَالَ بَعضهم حَدِيث خباب مَنْسُوخ بِأَحَادِيث الابراد وَقَالَ آخَرُونَ الابراد مُسْتَحبّ وَحَدِيث خباب مَحْمُول على أَنهم طلبُوا تَأْخِيرا زَائِدا على قدر الابراد وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح انْتهى وَمن الْغَرِيب فِي الْحَدِيثين تَفْسِير بَعضهم أبردوا أَي لَا تصلوها لوَقْتهَا الأول ردا إِلَى حَدِيث خباب نَقله القَاضِي عِيَاض عَن حِكَايَة الْهَرَوِيّ وَتَفْسِير آخر فَلم يشكنا أَي لم يحوجنا إِلَى الشكوى ردا إِلَى حَدِيث الابراد نَقله بن عبد الْبر عَن ثَعْلَب اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا اخْتلف أَيْضا هَل هُوَ حَقِيقَة بِلِسَان القال أَو مجَاز بِلِسَان الْحَال أَو تكلم عَنْهَا خازنها أَو من شَاءَ الله عَنْهَا والارجح حمله على الْحَقِيقَة كَذَا رَجحه بن عبد الْبر وَقَالَ أنطقها الله لذِي أطق كل شَيْء وَالْقَاضِي عِيَاض وَقَالَ إِن الله قَادر على خلق الْحَيَاة بِجُزْء مِنْهَا حَتَّى تَتَكَلَّم أَو يخلق لَهَا كلَاما يسمعهُ من شَاءَ من خلقه وَالنَّوَوِيّ وَقَالَ جعل الله فِيهَا إدراكا وتمييزا بِحَيْثُ تَكَلَّمت بِهَذَا وَابْن الْمُنِير وَقَالَ إِن اسْتِعَارَة الْكَلَام للْحَال وَإِن عهِدت وَسمعت لَكِن الشكوى وتفسيرها وَالتَّعْلِيل لَهُ وَالْإِذْن وَالْقَبُول وَالنَّفس وقصره على اثْنَيْنِ فَقَط بعيد من الْمجَاز خَارج عَمَّا ألف من اسْتِعْمَاله وَرجح الْبَيْضَاوِيّ الثَّانِي فَقَالَ شكواها مجَاز عَن غليانها وَأكل بَعْضهَا بَعْضًا مجَاز عَن ازدحام أَجْزَائِهَا ونفسها مجَاز عَن خُرُوج مَا يبرز مِنْهَا فَأذن لَهَا بنفسين بفت الْفَاء قَالَ الْقُرْطُبِيّ النَّفس التنفس قَالَ غَيره وَأَصله الرّوح وَهُوَ مَا يخرج من الْجوف وَيدخل فِيهِ من لهواء فَشبه الْخَارِج من حرارة جَهَنَّم وبردها إِلَى الدُّنْيَا بِالنَّفسِ الَّذِي يخرج من جَوف الْحَيَوَان وَقَالَ بن الْعَرَبِيّ فِي الحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَن جَهَنَّم مطبقة محاط عَلَيْهَا بجسم يكتنفها من جَمِيع نَوَاحِيهَا قَالَ وَالْحكمَة فِي التَّنْفِيس عَنْهَا إِعْلَام الْخلق بأنموذج مِنْهَا قلت وَقد روى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِسَنَد حسن عَن بن مَسْعُود قَالَ تطلع الشَّمْس من جَهَنَّم فِي قرن شَيْطَان وَبَين قَرْني شَيْطَان فَمَا ترْتَفع من قَصَبَة إِلَّا فتح بَاب من أَبْوَاب النَّار فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فتحت أَبْوَابهَا كلهَا وَهَذَا يدل على أَن التنفس يَقع من أَبْوَابهَا وعَلى أَن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم حَقِيقَة

ص: 29

[28]

نفس فِي الشتَاء وَنَفس فِي الصَّيف هما بِالْجَرِّ على الْبَدَل أَو الْبَيَان وَيجوز الرّفْع وَلمُسلم زِيَادَة فَمَا ترَوْنَ من شدَّة الْبرد فَذَلِك من زمهريرها وَمَا ترَوْنَ من شدَّة الْحر فَهُوَ من سمومها أَو قَالَ من حرهَا قَالَ القَاضِي عِيَاض قيل مَعْنَاهُ انها إِذا تنفست فِي الصَّيف قوي لَهب تنفسها حر الشَّمْس وَإِذا تنفست فِي الشتَاء دفع حرهَا شدَّة الْبرد إِلَى الأَرْض وَقَالَ بن عبد الْبر لفظ الحَدِيث يدل على أَن نَفسهَا فِي الشتَاء غير الشتَاء ونفسها فِي الصَّيف غير الصَّيف وَقَالَ بن التِّين فَإِن قيل كَيفَ يجمع بَين الْبرد وَالْحر فِي النَّار فَالْجَوَاب أَن جَهَنَّم فِيهَا زَوَايَا فِيهَا نَار وزوايا فِيهَا زمهرير وَلَيْسَت محلا وَاحِدًا يَسْتَحِيل أَن يجتمعا فِيهِ وَقَالَ مغلطاي لقَائِل أَن يَقُول الَّذِي خلق الْملك من ثلج ونار قَادر على جمع الضدين فِي مَحل وَاحِد قَالَ وَأَيْضًا فَالنَّار من أُمُور الْآخِرَة وَالْآخِرَة لَا تقاس على أَمر الدُّنْيَا

[30]

عَن بن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من أكل من هَذِه الشَّجَرَة قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جَمِيعهم مُرْسل إِلَّا مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن معمر عَن روح بن عبَادَة عَن صَالح بن أبي الْأَخْضَر وَمَالك بن أنس عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة مرّة مَوْصُولا وَقد وَصله معمر وَيُونُس وَإِبْرَاهِيم بن سعد عَن بن شهَاب قلت رِوَايَة معمر أخرجهَا مُسلم وَرِوَايَة إِبْرَاهِيم أخرجهَا بن ماجة وَرِوَايَة يُونُس عزاها بن عبد الْبر لِابْنِ وهب وللبخاري من حَدِيث بن عمر أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِك فِي غَزْوَة خَيْبَر فَلَا يقربن مَسَاجِدنَا اخْتلف فِي هَذَا النَّهْي فالاكثرون على أَنه عَام فِي كل مَسْجِد وَقيل هُوَ خَاص بِمَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم من أجل جِبْرِيل عليه السلام ونزوله فِيهِ

[31]

عَن عبد الرَّحْمَن بن الْمُجبر قَالَ فِي الاستذكار هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن الْخطاب وَإِنَّمَا قيل لَهُ الْمُجبر لِأَنَّهُ سقط فتكسر فجبر

ص: 30

[32]

كتاب الطَّهَارَة عَن عَمْرو بن يحيى الْمَازِني عَن أَبِيه يحيى بن عبَادَة بن أبي حسن أَنه قَالَ بِعَبْد الله بن زيد بن عَاصِم لأبي مُصعب وَأكْثر رُوَاة الْمُوَطَّأ أَن رجلا قَالَ لعبد الله ولمعن بن عِيسَى عَن عَمْرو وَعَن أَبِيه يحيى أَنه سمع أَبَا حسن وَهُوَ جد عَمْرو بن يحيى قَالَ لعبد الله بن زيد وَفِي موطأ مُحَمَّد بن حسن عَن مَالك حَدثنَا عَمْرو عَن أَبِيه يحيى أَنه سمع جده أَبَا حسن يسْأَل عبد الله بن زيد وَكَذَا سَاقه سجنون فِي الْمُدَوَّنَة وَعند البُخَارِيّ من طَرِيق وهيب عَن عَمْرو بن يحيى ع أَبِيه قَالَ شهِدت عَمْرو بن أبي حسن يسْأَل عبد الله بن زيد وَعِنْده أَيْضا من طَرِيق سُلَيْمَان عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه قَالَ كال يكثر عَمْرو من الْوضُوء فَقَالَ لعبد الله بن زيد وَفِي الْمُسْتَخْرج لأبي نعيم من طَرِيق الداروردي عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن عَمه عَمْرو بن أبي حسن قَالَ كنت كثير الْوضُوء فَقلت لعبد الله بن زيد قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَالَّذِي يجمع هَذَا الِاخْتِلَاف أَن يُقَال اجْتمع عِنْد عبد الله بن زيد أَبُو حسن الْأنْصَارِيّ وَابْنه عَمْرو وَابْن ابْنه يحيى فَسَأَلُوهُ عَن صفة الْوضُوء وَتَوَلَّى السُّؤَال مِنْهُم لَهُ عَمْرو بن أبي حسن فَحَيْثُ نسب إِلَيْهِ السُّؤَال كَانَ على الْحَقِيقَة وَحَيْثُ نسب إِلَى أبي حسن فعلى الْمجَاز لكَونه الْأَكْبَر كَانَ حَاضرا وَحَيْثُ نسب ليحيى فعلى الْمجَاز أَيْضا لكَونه ناقل الحَدِيث وَقد حضر السُّؤَال قَالَ وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق خَالِد الوَاسِطِيّ عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه قَالَ قُلْنَا لعبد الله فَإِنَّهُ يشْعر بِأَنَّهُم اتَّفقُوا على سُؤَاله وَهُوَ جد عمْرَة بن يحيى قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جَمِيع رُوَاته وَانْفَرَدَ بِهِ مَالك وَلم يُتَابِعه عَلَيْهِ أحد وَلم يقل أحد من رُوَاة هَذَا الحَدِيث فِي عبد الله بن زيد بن عَاصِم إِنَّه جد عَمْرو بن يحيى الْمَازِني إل مَالك وَحده فَإِنَّهُ عَمْرو بن يحيى بن عمَارَة بن أبي حسن الْمَازِني الْأنْصَارِيّ لَا خلاف فِي ذَلِك ولجده أبي حسن صُحْبَة فِيمَا ذكر بَعضهم فَعَسَى أَن يكون جده لأمه وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي شرح الْإِلْمَام هَذَا وهم قَبِيح من يحيى بن يحيى أَو من غَيره قَالَ وأعجب مِنْهُ أَنه سُئِلَ عَنهُ بن وضاح وَكَانَ من الْأَئِمَّة فِي الحَدِيث وَالْفِقْه فَقَالَ هُوَ جده لأمه ورحم الله من انْتهى إِلَى مَا سمع ووقف دون مَا لم يعلم وَكَيف جَازَ هَذَا على بن وضاح وَالصَّوَاب فِي الْمُدَوَّنَة الَّتِي كَانَ يقرئها ويرويها عَن سَحْنُون وَهِي بَين يَدَيْهِ ينظر فِيهَا كل حِين قَالَ وصواب الحَدِيث مَالك عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه أَن رجلا قَالَ لعبد الله بن زيد وَهَذَا الرجل هُوَ عمَارَة بن أبي حسن الْمَازِني وَهُوَ جد عَمْرو بن يحيى الْمَازِني انْتهى قَالَ الشَّيْخ ولي الدّين الْعِرَاقِيّ فِي شرح أبي دَاوُد وَهُوَ حسن وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر الضمي رَاجع للرجل الْقَائِل الثَّابِت فِي رِوَايَة أَكثر الروَاة فَإِن صَحَّ أَنه أَبُو حسن فَهُوَ جد عَمْرو حَقِيقَة أَو ابْنه عَمْرو فمجاز لِأَنَّهُ عَم أَبِيه يحيى فَأطلق عَلَيْهِ جدا لكَونه فِي مَنْزِلَته قَالَ وَزعم بَعضهم أَن الضمي رَاجع لعبد الله بن زيد وَهُوَ سَهْو لِأَنَّهُ لَيْسَ جدا لعمرة بن يحيى لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا قَالَ وَأما قَول صَاحب الْكَمَال وَمن تبعه فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن يحيى أَنه بن بنت عبد الله بن زيد فغلط توهمه من هَذِه الرِّوَايَة وَقد ذكر بن سعد أَن أم عَمْرو هِيَ حميدة بنت مُحَمَّد بن إِيَاس بن المنكذر وَقَالَ غَيره هِيَ أم النُّعْمَان بنت أبي حَيَّة وَقَالَ بن عبد الْبر رَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن يحيى فَقَالَ فِيهِ عَن عبد الله بن زيد بن عبد ربه وأخطا فِيهِ إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم وهما صحابيان متغايران وهم إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فيهمَا فجعلهما وَاحِدًا فِيمَا حكى قَاسم بن أصبغ عَنهُ قَالَ والغلط لَا يسلم مِنْهُ أحد وَإِذا كَانَ بن عُيَيْنَة مَعَ جلالته غلط فِي ذَلِك فإسماعيل بن إِسْحَاق أَيْن يَقع من بن عُيَيْنَة إِلَّا أَن الْمُتَأَخِّرين أوسع علما وَأَقل عذرا انْتهى وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم غلط الْحفاظ من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي ذَلِك وَمِمَّنْ نَص على غلطه البُخَارِيّ وَقد قيل إِن بن عبد ربه لَا يعرف لَهُ غير حَدِيث الْأَذَان هَل تَسْتَطِيع أَن تريني قَالَ بن التِّين هَذَا من التلطف بالعالم فِي السوال فَدَعَا بِوضُوء هُوَ بِفَتْح الْوَاو المَاء بِالْكَسْرِ يفرغ فراغا كسمع يسمع سَمَاعا أَي انصب ذكره فِي الصِّحَاح على يَده زَاد أَبُو مُصعب الْيَمين فَغسل يَدَيْهِ مرَّتَيْنِ قَالَ الْحَافِظ بن جُحر كَذَا لمَالِك وَوَقع فِي رِوَايَة وهيب عِنْد البُخَارِيّ وخَالِد بن عبد الله عِنْد مُسلم والداروردي عِنْد أبي نعيم ثَلَاثًا قَالَ فَهَؤُلَاءِ حفاظ وَقد اجْتَمعُوا ورواياتهم مُقَدّمَة على الْحَافِظ الْوَاحِد قَالَ وَقد ذكر مُسلم عَن وهيب أَنه سمع هَذَا الحَدِيث مرَّتَيْنِ من عَمْرو بن يحيى املاء فتأكد تَرْجِيح رِوَايَته وَلَا يُقَال يحمل على وَاقِعَتَيْنِ لِاتِّحَاد الْمخْرج وَالْأَصْل عدم التَّعَدُّد وَفِي رِوَايَة أبي مُصعب يَده بالافراد على إِرَادَة الْجِنْس ثمَّ تمضمض واستنثر كَذَا فِي رِوَايَة يحيى وَفِي رِوَايَة أبي مُصعب بدله واستنشق قَالَ الشَّيْخ ولي الدّين وَفِيه إِطْلَاق الاستنثار على الِاسْتِنْشَاق قَالَ الْحَافِظ بن حجر لِأَنَّهُ يستلزمه وَفِي شرح مُسلم للنووي الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور من أهل اللُّغَة وَغَيرهم أَن الاستنثار غير الِاسْتِنْشَاق وَأَنه إِخْرَاج المَاء من الْأنف بعد الِاسْتِنْشَاق خلافًا لما قَالَه بن الْأَعرَابِي وَابْن قُتَيْبَة أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ مَأْخُوذ من النثرة وَهُوَ طرف الْأنف وَأما الِاسْتِنْشَاق فَهُوَ إِيصَال المَاء إِلَى دَاخل الْأنف وجذبه بِالنَّفسِ إِلَى أقصاه ثمَّ غسل يَدَيْهِ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ قَالَ الشَّيْخ ولي الدّين الْمَنْقُول فِي علم الْعَرَبيَّة أَن أَسمَاء الْأَعْدَاد والمصادر والأجناس إِذا كررت كَانَ المُرَاد حُصُولهَا مكررة لَا للتوكيد اللَّفْظِيّ فَإِنَّهُ قَلِيل الْفَائِدَة لَا يحسن حَيْثُ يكون للْكَلَام محمل غَيره مِثَال ذَلِك جَاءَ الْقَوْم اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَو رجلا رجلا وضربته ضربا ضربا أَي اثْنَيْنِ بعد اثْنَيْنِ ورجلا بعد رجل وَضَربا بعد ضرب قَالَ وَهَذَا الْموضع مِنْهُ أَي غسلهمَا مرَّتَيْنِ بعد مرَّتَيْنِ أَي أفرد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِالْغسْلِ مرَّتَيْنِ وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر لم تخْتَلف الرِّوَايَات عَن عَمْرو بن يحيى فِي غسل الْيَدَيْنِ مرَّتَيْنِ لَكِن فِي مُسلم من طَرِيق حبَان بن وَاسع عَن عبد الله بن زيد أَنه رَأْيِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ وَفِيه وَغسل يَده الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثمَّ الْأُخْرَى ثَلَاثًا فَيحمل على أَنه وضوء آخر لكَون مخرج الْحَدِيثين غر مُتحد إِلَى الْمرْفقين تَثْنِيَة مرفق بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْفَاء وبفتح الْمِيم وَكسر الْفَاء لُغَتَانِ مشهورتان قَالَ فِي الصِّحَاح وَهُوَ موصل الذِّرَاع من الْعَضُد وَقَالَ فِي الْمُحكم أَعلَى الذِّرَاع وأسفل الْعَضُد وَقَالَ فِي الْمَشَارِق عظم طرف الذِّرَاع مِمَّا يَلِي الْعَضُد قَالَ بَعضهم سمي بذلك لِأَنَّهُ يرتفق عَلَيْهِ أَي تكأ ويعتمد قَالَ الشَّيْخ ولي الدّين الْيَد حَقِيقَة من أَطْرَاف الانامل الى الابط وَنَحْوه قَول الْخطاب مَا بَين الْمنْكب إِلَى أَطْرَاف الْأَصَابِع كُله اسْم لليد وارتضاه النَّوَوِيّ فِي تهذيبه وَقد كَانَ وَقع من أَيَّام السُّؤَال عَمَّا تطلق عَلَيْهِ الْيَد حَقِيقَة هَل هُوَ هَذَا أَو الذِّرَاع أَو الْكَفّ وَعز عَلَيْهِم النَّقْل فِي ذَلِك فأخرجت لَهُم هَذَا النَّقْل ثمَّ مسح رَأسه لأبي مُصعب بِرَأْسِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيّ الْبَاء للتعدية فَيجوز حذفهَا واثباتها لذَلِك يُقَال مسحت رَأس الْيَتِيم ومسحت بِرَأْسِهِ وَقيل دخلت الْبَاء لتفيد مَعنا آخر وَإِن الْغسْل لُغَة يَقْتَضِي مغسولا بِهِ وَالْمسح لُغَة لَا يَقْتَضِيهِ فَلَو قَالَ تَعَالَى وَامْسَحُوا رؤوسكم لأجزأ الْمسْح بِالْيَدِ بِغَيْر مَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ برؤسكم المَاء فَهُوَ على الْقلب وَالتَّقْدِير امسحوا رؤسكم بِالْمَاءِ فَأقبل بهما وَأدبر قَالَ القَاضِي عِيَاض قيل مَعْنَاهُ أقبل إِلَى جمة قَفاهُ وَرجع كَمَا فسر بعده وَقيل المُرَاد أدبر وَأَقْبل وَالْوَاو لَا تَقْتَضِي رُتْبَة قَالَ وَهَذَا أولى ويعضده رِوَايَة هيب فِي البُخَارِيّ فَأَدْبَرَ بهما وَأَقْبل بَدَأَ بِمقدم رَأسه إِلَى آخر قَالَ الْحَافِظ بن حجر الظَّاهِر أَنه من الحَدِيث وَلَيْسَ مدرجا من كَلَام مَالك وَفِي الصِّحَاح بدأت بالشَّيْء ابتدأت بِهِ وبدأت الشَّيْء فعلته ابْتِدَاء ومقدم الرَّأْس ومؤخره كِلَاهُمَا بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد وَيجوز فيهمَا الْكسر وَالتَّخْفِيف والقفا بِالْقصرِ وَحكى بن جني فِيهِ الْمَدّ وَهُوَ قَلِيل قَالَ فِي الصِّحَاح هُوَ مُؤخر الْعُنُق وَقَالَ فِي الْمُحكم وَرَاء الْعُنُق وَفِيه التَّذْكِير والتأنيث قَالَ بن عبد الْبر روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة هَذَا الحَدِيث فَذكر فِيهِ مسح الرَّأْس مرَّتَيْنِ وَهُوَ خطأ لم يذكرهُ أحد غَيره قَالَ وَأَظنهُ تَأَوَّلَه على أَن الإقبال مرّة والأدبار أخري ثمَّ غسل رجلَيْهِ زَاد وهيب فِي رِوَايَته عِنْد البُخَارِيّ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قَالَ بن سَيّده الرجل قدم الْإِنْسَان وَغَيره قَالَ أَبُو إِسْحَاق الرجل من أصل الْفَخْذ إِلَى الْقدَم انْتهى قَالَ الشَّيْخ ولي الدّين وَهُوَ حَقِيقَة فِي ذَلِك وَأما الكعبان فَالْمَشْهُور أَنَّهُمَا العظمان الناتئان عِنْد مفصل السَّاق والقدم من كل رجل وَقيل الكعب الْعظم الَّذِي فِي ظهر الْقدَم عِنْد معقد الشرَاك فَائِدَة قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي شرح مُسلم لم يَجِيء فِي حَدِيث عبد الله بن زيد للأذنين ذكر وَيُمكن أَن يكون ذَلِك لَان اسْم الرَّأْس يضمهما وَتعقبه الشَّيْخ ولي الدّين بِأَن الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أخرجَا من حَدِيثه رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ فَأخذ مَاء لأذنيه خلاف المَاء الَّذِي مسح بِهِ رَأسه وَقَالا صَحِيح

ص: 32

[33]

إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فليجعل فِي أَنفه قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ يحيى وَلم يقل مَاء وَهُوَ مَفْهُوم من الْخطاب فَكَأَن قَوْله فليجعل فِي أَنفه إِذا تَوَضَّأ إِنَّمَا هُوَ المَاء وَلذَلِك قَالَ ثمَّ لينثر وَرَوَاهُ القعْنبِي وَابْن بكير وَأكْثر الروَاة فَقَالُوا فِي أَنفه مَاء ثمَّ لينثر بِكَسْر الْمُثَلَّثَة بعد النُّون الساكنة على الْمَشْهُور وَحكى ضمهَا قَالَه النَّوَوِيّ وَفِي الصَّحِيح ثمَّ لينتثر بِزِيَادَة تَاء وَفِي النَّسَائِيّ ثمَّ ليستنثر بِزِيَادَة سين وتاء قَالَ الْفراء يُقَال نثر الرجل وانتثر واستنثر إِذا حرك النثرة فِي الطَّهَارَة وَهِي طرف الْأنف وَقيل الْأنف نَفسه وَقَالَ القَاضِي عِيَاض هُوَ من النثر وَهُوَ الطرح وَهُوَ هُنَا طرح المَاء الَّذِي تَنْشَق قبل ليخرج مَا تعلق بِهِ من قذر الْأنف وَقَالَ صَاحب النِّهَايَة نثر ينثر بِالْكَسْرِ إِذا امتخط واستنثر استفعل مِنْهُ أَي استنشق المَاء ثمَّ استخرج مَا فِي الْأنف وَمن استجمر فليوتر قَالَ القَاضِي عِيَاض قَالَ الْهَرَوِيّ الِاسْتِجْمَار هُوَ الْمسْح بالجمار وَهِي الْأَحْجَار الصغار وَمِنْه سميت جمار الرَّمْي وَقَالَ بن الْقصار يجوز أَن يُقَال إِنَّه أَخذ من الِاسْتِجْمَار بالبخور الَّذِي يطيب بِهِ الرَّائِحَة وَهَذَا يزِيل الرَّائِحَة القبيحة قَالَ وَقد اخْتلف قَول مَالك وَغَيره فِي معنى الِاسْتِجْمَار الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث فَقيل هَذَا وَقيل المُرَاد بِهِ فِي البخور أَن يَأْخُذ مِنْهُ ثَلَاث قطع أَو يَأْخُذ ثَلَاث مَرَّات تسْتَعْمل وَاحِدَة بعد أُخْرَى قَالَ وَالْأول أظهر وَقَالَ النَّوَوِيّ إِنَّه الصَّحِيح الْمَعْرُوف

ص: 33

[35]

مَالك أَنه بلغه أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَصله ملم من طرق عَن سَالم مولى شَدَّاد بِهِ ويل قَالَ النَّوَوِيّ أَي هلكة وخيبة وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر اخْتلف فِي مَعْنَاهُ على أَقْوَال أظهرها مَا رَوَاهُ بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا ويل وَاد فِي جَهَنَّم قَالَ وَجَاز الِابْتِدَاء بالنكرة لِأَنَّهُ دُعَاء للاعقاب جمع عقب بِكَسْر الْقَاف وسكونها وَهُوَ مُؤخر الْقدَم قَالَ الْبَغَوِيّ مَعْنَاهُ لأَصْحَاب الأعقاب الْمُقَصِّرِينَ فِي غسلهَا وَقيل أَرَادَ أَن الْعقب يخْتَص بالقعاب إِذا قصر فِي غسله زَاد القَاضِي عِيَاض فَإِن مَوَاضِع الْوضُوء لَا تمسها النَّار كَمَا جَاءَ فِي أثر السُّجُود أَنه محرم على النَّار قَالَ بن عبد الْبر ورد هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة وأصحها من جِهَة الْإِسْنَاد حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَحَدِيث عبد الله بن الْحَارِث بن جرير الزبيدِيّ وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ ثمَّ حَدِيث عَائِشَة فَهُوَ مدنِي حسن وَفِي حَدِيث عبد الله بن الْحَارِث زِيَادَة فَإِن لَفظه ويل لِلْأَعْقَابِ وبطون الْأَقْدَام من النَّار قلت حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَابْن عَمْرو أخرجهُمَا الشَّيْخَانِ وَحَدِيث عبد الله بن الْحَارِث أخرجه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ

ص: 34

[37]

إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فليغسل يَده قبل أَن يدخلهَا فِي وضوئِهِ أَي فِي المَاء الَّذِي فِي الْإِنَاء الْمعد للْوُضُوء زَاد الشَّافِعِي وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَة ثَلَاث مَرَّات قَالَ الرَّافِعِيّ وَالْقدر الَّذِي يسْتَحبّ غسله مَا بَين رُؤُوس الْأَظْفَار والكوع هُوَ الَّذِي يغمس فِي الْإِنَاء غَالِبا للاغتراف قَالَ وعَلى ذَلِك ينزل قَوْله تَعَالَى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا قَالَ وَلَو دخل الساعد فِي مُسَمّى الْيَد لم يكن إِلَى التَّقْيِيد بالمرافق حَاجَة فِي قَوْله تَعَالَى وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ فَإِن أحدكُم قَالَ الْبَيْضَاوِيّ فِيهِ إِيمَاء إِلَى أَن الْبَاعِث على الْأَمر بذلك احْتِمَال النَّجَاسَة لَان الشَّارِع إِذا ذكر حكما وعقبه بعلة دلّ على أَن ثُبُوت الحكم لأَجلهَا وَمثله قَوْله فِي حَدِيث الْمحرم الَّذِي سقط فَمَاتَ فَإِنَّهُ يبْعَث عَلَيْهَا بعد نهيهم عَن تطييبه فنبه على عِلّة النَّهْي وَهِي كَونه محرما وَعبارَة الشَّيْخ أكمل الدّين إِذا ذكر الشَّارِع حكما وعقبه أمرا مصدرا بِالْفَاءِ كَانَ ذَلِك إِيمَاء إِلَى أَن ثُبُوت الحكم لأَجله نَظِيره قَوْله الْهِرَّة لَيست بنجسة فَإِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده زَاد بن خُزَيْمَة وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْهُ أَي من جسده وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث جَابر وَلَا على مَا وَضعهَا وَلأبي دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده أَو أَيْن كَانَت تَطوف يَده قَالَ الشَّيْخ ولي الدّين يحْتَمل أَنه شكّ من بعض الروَاة وَهُوَ الْأَقْرَب وَيحْتَمل أَنه ترديد من النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الشَّافِعِي كَانُوا يستجمرون وبلادهم حارة فَرُبمَا عرق أحدهم إِذا نَام فَيحْتَمل أَن تَطوف يَده على الْمحل أَو على بشرة أَو دم حَيَوَان أَو قذر غير ذَلِك وَذكر غير وَاحِد أَن بَات فِي هَذَا الحَدِيث بِمَعْنى صَار مِنْهُم بن عُصْفُور والأبدي فِي شرح الجزولية وَإِن كَانَ أَصْلهَا للسكون لَيْلًا كَمَا قَالَه الْخَلِيل وَغَيره وَقد اسْتشْكل هَذَا التَّرْكِيب من جِهَة أَن انْتِفَاء الدِّرَايَة لَا يُمكن أَن يتَعَلَّق بِلَفْظ أَيْن باتت يَده وَلَا بِمَعْنَاهُ لَان مَعْنَاهُ الِاسْتِفْهَام وَلَا يُقَال إِنَّه لَا يدْرِي الِاسْتِفْهَام فَقَالُوا مَعْنَاهُ لَا يدْرِي تعْيين الْموضع الَّذِي باتت فِيهِ فَيكون فِيهِ مُضَاف مَحْذُوف وَلَيْسَ استفهاما وَإِن كَانَت صورته صُورَة الِاسْتِفْهَام وَوَقع فِي آخر الحَدِيث عِنْد بن عدي فِي الْكَامِل زِيَادَة فَإِن غمس يَده فِي الْإِنَاء من قبل أَن يغسلهَا فليرق ذَلِك المَاء قَالَ بن عدي هَذِه الزِّيَادَة مُنكرَة لَا تحفظ

[41]

عَن سعيد بن سَلمَة من آل بني الْأَزْرَق قَالَ بن عبد الْبر لم يرو عَنهُ فِيمَا علمت إِلَّا صَفْوَان بن سليم وَمن كَانَت هَذِه حَاله فَهُوَ مَجْهُول لَا تقوم بِهِ حجَّة عِنْدهم وَتعقب بِأَنَّهُ روى عَنهُ أَيْضا اللحلاح أَبُو كثير ذكره الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند وَحَدِيثه عَنهُ فِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم قَالَ الرَّافِعِيّ وَعكس بعض الروَاة الاسمين فَقَالَ سَلمَة بن سعيد وَبدل بَعضهم فَقَالَ عبد الله بن سعيد عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة قَالَ بن عبد الْبر سَأَلَ مُحَمَّد بن عِيسَى التِّرْمِذِيّ البُخَارِيّ عَن حَدِيث مَالك هَذَا فَقَالَ هُوَ حَدِيث صَحِيح قَالَ قلت هشيم يَقُول فِيهِ الْمُغيرَة بن أبي بردة فَقَالَ وهم فِيهِ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة قَالَ الرَّافِعِيّ روى الحَدِيث بَعضهم عَن الْمُغيرَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ وَلَا يُوهم ذَلِك إرْسَالًا فِي إِسْنَاد الْكتاب فَإِن فِيهِ ذكر سَماع الْمُغيرَة من أبي هُرَيْرَة جَاءَ رجل قَالَ الرَّافِعِيّ يذكر أَنه كَانَ من بني مُدْلِج قلت كَذَا فِي مُسْند أمد وَعند الطَّبَرَانِيّ أَن اسْمه عبد الله المدلجي وَفِي رِوَايَة عِنْده العركي أَي الملاح وَعند بن عبد الْبر أَنه الْفراش الطّهُور مَاءَهُ الْحل ميتَته قَالَ الرَّافِعِيّ لما عرف صلى الله عليه وسلم اشْتِبَاه الْأَمر على السَّائِل فِي مَاء الْبَحْر أشْفق أَن يشْتَبه عَلَيْهِ حكم ميتَته وَقد يبتلى بهَا رَاكب الْبَحْر فعقب الْجَواب عَن سُؤَاله بِبَيَان حكم الْميتَة قَالَ والحل بِمَعْنى الْحَلَال وَقد ورد بِلَفْظ الْحَلَال فِي بعض الرِّوَايَات انْتهى قلت أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث جَابر بن عبد الله وَأنس وَعبد الله بن عمر

ص: 35

[42]

عَن حميدة بنت أبي عُبَيْدَة بن فَرْوَة قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا قَالَ يحيى وَهُوَ غلط مِنْهُ لم يُتَابِعه عَلَيْهِ أحد وَإِنَّمَا يَقُول رُوَاة الْمُوَطَّأ كلهم ابْنة عبيد بن رِفَاعَة إِلَّا أَن زيد بن الْحباب قَالَ فِيهِ عَن مَالك حميدة بنت عبيد بن رَافع نِسْبَة إِلَى جده وَهُوَ عبيد بن رِفَاعَة بن رَافع بن مَالك بن العجلان الْأنْصَارِيّ وَقَالَ يحيى أَيْضا حميدة بِفَتْح الْحَاء وَإِن عبيد الله بن يحيى وَمُحَمّد بن وضاح عَنهُ وَغير يحيى من رُوَاة الْمُوَطَّأ عَن مَالك يَقُول حميدة بِضَم الْحَاء وحميدة هَذِه امْرَأَة إِسْحَاق وَكَذَلِكَ قَالَ يحيى الْقطَّان وَمُحَمّد بن الْحسن لشيباني عَن مَالك وكنيها أم يحيى انْتهى وَكَانَت تَحت بن أبي قَتَادَة قَالَ بن عبد الْبر رَوَاهُ بن الْمُبَارك عَن مَالك فَقَالَ امْرَأَة أبي قَتَادَة قَالَ وَهَذَا وهم مِنْهُ إِنَّمَا هِيَ امْرَأَة ابْنه وَوَقع فِي الْأُم للشَّافِعِيّ وَكَانَت تَحت بن قَتَادَة أَو أبي قَتَادَة الشَّك من الرّبيع كَذَا وَقع فِي الأَصْل قَالَ الرَّافِعِيّ وَفِي الشَّك إِلَى الرّبيع شُبْهَة لِأَن أَب نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدي روى عَن الْحسن بن مجد الزَّعْفَرَانِي عَن الشَّافِعِي عَن مَالك الحَدِيث وَقَالَ فِيهِ كَذَلِك وَهَذَا يُوهم أَن الشَّك من غير الرّبيع وَقَالَ وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق وَغَيره عَن مَالك وَكَانَت عِنْد أبي قَتَادَة وَهَذَا يصدق على التَّقْدِيرَيْنِ قَالَ وَالْوَاقِع مَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ الأول وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي مَوضِع آخر بِلَا شكّ قَالَ وَيدل عَلَيْهِ أَنه قَالَ لَهَا يَا ابْنة أخي وَلَا يحسن تَسْمِيَة الزَّوْجَة باسم الْمَحَارِم فَسَكَبت قَالَ الرَّافِعِيّ يُقَال سكب يسْكب سكبا أَي صب فسكب سكوبا أَي انصب وضوا أَي المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ فرآني أنظر إِلَيْهِ أَي نظر الْمُنكر أَو المتعجب إِنَّهَا لَيست بِنَجس قَالَ الرَّافِعِيّ مَحْمُول على الْوَصْف بِالْمَصْدَرِ يُقَال نجس ينجس نجسا فَهُوَ نجس أَيْضا ونجس والمذكر والمؤنث يستويان فِي الْوَصْف بِالْمَصْدَرِ قَالَ وَلَو قرئَ أَنَّهَا لَيست تنجس أَي مَا تلغ فِيهِ لَكَانَ صَحِيحا فِي الْمَعْنى وَكَأن قَوْله إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم حسن الْموقع أَي إِذا كَانَت تَطوف فِي الْبَيْت وَلَا يسْتَغْنى عَنْهَا تخفف الْأَمر فِيمَا تلغ فِيهِ وَلذَلِك صَار بَعضهم إِلَى الْعَفو مَعَ تَيَقّن نَجَاسَة فمها لَكِن الرِّوَايَة لَا تساعد انْتهى أَنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم أَو الطوافات قَالَ الرَّافِعِيّ يرويهِ بَعضهم بِالْوَاو وعَلى رِوَايَة أَو يجوز أَن يكون هَذَا شكا من بعض الروَاة وَيجوز أَن يُرِيد التنويع أَي ذكورها هِيَ ذُكُور من يطوف وإناثها من الْإِنَاث قَالَ ويروى عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّهَا لَيست بِنَجس هِيَ كبعض أهل الْبَيْت يَعْنِي الْهِرَّة قلت أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَكَذَا رِوَايَة الْوَاو وَقَالَ بن عبد الْبر معنى الطوافي الَّذِي يداخلوننا ويخالطوننا

[44]

إِن كَانَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليتوضؤون جَمِيعًا قَالَ الرَّافِعِيّ يُرِيد كل رجل مَعَ امْرَأَته وأنهما كَانَا يأخذان من إِنَاء وَاحِد وَكَذَلِكَ ورد فِي بعض الرِّوَايَات قَالَ وَمثل هَذَا اللَّفْظ يُرَاد بِهِ أَنه كَانَ مَشْهُورا فِي ذَلِك الْعَهْد وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يُنكر عَلَيْهِ وَلَا يُغَيِّرهُ قلت مَا تَتَكَلَّم على هَذَا الحَدِيث أحد أحسن من الرَّافِعِيّ فَلَقَد خطّ فِيهِ جمَاعَة

ص: 36

[45]

عَن أم ولد لإِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَوَاهُ قُتَيْبَة عَن مَالك فَقَالَ عَن أم ولد لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَمن طَرِيق أخرجه التِّرْمِذِيّ ثمَّ قَالَ وَرَوَاهُ عبد الله بن الْمُبَارك عَن مَالك فَقَالَ عَن أم ولد لعوف بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ وَهُوَ وهم وَإِنَّمَا هُوَ لإِبْرَاهِيم وَهُوَ الصَّحِيح أَنَّهَا سَأَلت أم سَلمَة قَالَ بن عبد الْبر رَوَاهُ الْحُسَيْن بن الْوَلِيد عَن مَالك فَأَخْطَأَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث عَن حميدة أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة وَهَذَا خطأ وَإِنَّمَا هُوَ لأم سَلمَة لَا لعَائِشَة وَكَذَا رَوَاهُ الْحفاظ فِي الْمُوَطَّأ وَغير الْمُوَطَّأ عَن مَالك يطهره مَا بعده قَالَ بن عبد الْبر وَغَيره قَالَ مَالك مَعْنَاهُ فِي الْعِنَب الْيَابِس والقذر الجاف الَّذِي لَا يلصق مِنْهُ بِالثَّوْبِ شَيْء وَإِنَّمَا يعلق فيزول الْمُتَعَلّق بِمَا بعده لِأَن النَّجَاسَة يطهرها غير المَاء

[46]

يقلس قَالَ فِي النِّهَايَة القلس بِالتَّحْرِيكِ وَقيل بِالسُّكُونِ مَا خرج من الْجوف مَلأ الْفَم أَو دونه وَلَيْسَ بقيء فَإِن عَاد فَهُوَ الْقَيْء

[48]

أكل كتف شَاة ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ قَالَ الْحَافِظ بن حجر أَفَادَ القَاضِي إِسْمَاعِيل أَن ذَلِك كَانَ فِي بَيت ضباعة بنت الزبير بن عبد الْمطلب وَهِي بنت عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 37

[49]

بالصهباء بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْمدّ وَهِي من أدنى خَيْبَر أَي طرفها مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم الْبلدَانِ هِيَ على بريد من خَيْبَر وَبَين البُخَارِيّ أَن هَذِه الْجُمْلَة من قَول يحيى بن سعيد أدرجت بالسويق قَالَ الداوودي هُوَ دَقِيق الشّعير أَو السلت المقلو فثرى بِضَم الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الرَّاء وَيجوز تخفيفها أَي بل بِالْمَاءِ

[55]

عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دعِي لطعام وَصله أَبُو دَاوُد من طَرِيق بَان جريج وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر وَفِيه أَن الدَّاعِي امْرَأَة من الْأَنْصَار ثمَّ تَوَضَّأ وَصلى زَاد فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ الظّهْر ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ زَاد فِي رِوَايَته الْعَصْر قَالَ بن عبد الْبر عِنْد هَذَا الحَدِيث مرسلات مَالك كلهَا صَحِيحَة مُسندَة

[56]

أعراقية قَالَ بن رَشِيق أَي أبالعراق اسْتَفَدْت هَذَا الْعلم يَعْنِي وَتركت عمل أهل الْمَدِينَة

[57]

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الاستطابة قَالَ بن الْبر هَكَذَا رَوَاهُ عَن مَالك جمَاعَة الروَاة مُرْسلا إِلَّا مَا ذكره سَحْنُون فِي رِوَايَة بعض الشُّيُوخ عَنهُ عَن بن الْقَاسِم عَن مَالك عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ وَقد رُوِيَ عَن بن بكير أَيْضا فِي الْمُوَطَّأ هَكَذَا وَهُوَ غلط فَاحش وَلم يره وَاحِد كَذَلِك لَا من أَصْحَاب هِشَام وَلَا من أَصْحَاب مَالك وَلَا رَوَاهُ أحد عَن عُرْوَة عَن بِأَيّ هُرَيْرَة وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُسلم بن قرظ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قلت وَمن طريقها خرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والاستطابة طلب الطّيب وَهِي والاستجمار والاستنجاء بِمَعْنى وَاحِد إِلَّا أَن الِاسْتِجْمَار لَا يكون إِلَّا بالأحجار والآخران يكونَانِ بِالْمَاءِ ويكونان بالأحجار

ص: 38

[58]

الْمقْبرَة بِتَثْلِيث الْبَاء وَالْكَسْر أقلهَا السَّلَام عَلَيْكُم قَالَ الْبَاجِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض يحْتَمل أَن أحيوا لَهُ حِين سمعُوا سَلَامه كَأَهل القليب وَيحْتَمل أَن يسلم عَلَيْهِم مَعَ كَونهم أَمْوَاتًا لامتثال أمته ذَلِك بعده قَالَ الْبَاجِيّ وَهُوَ الْأَظْهر وَقَالَ بن عبد الْبر روى تَسْلِيم النَّبِي صلى الله عليه وسلم على الْقُبُور من وُجُوه بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَجَاء عَن الصَّحَابَة وَالسَّلَف الصَّالح فِي ذَلِك آثَار كَثِيرَة وَقَالَ بن رَشِيق كَانَ عليه السلام إِذا مر بالقبور يسلم ليحصل لَهُم ثَوَاب التَّحِيَّة وتزكيتها دَار قوم قَالَ صَاحب الْمطَالع هُوَ مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص أَو النداء الْمُضَاف وَالْأول أظهر قَالَ وَيصِح الْجَرّ على الْبَدَل من الْكَاف وَالْمِيم فِي عَلَيْكُم وَالْمرَاد بِالدَّار على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ الْجَمَاعَة أَو أهل الدَّار وعَلى الأول مثله أَو الْمنزل وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون قَالَ النَّوَوِيّ وَغَيره للْعُلَمَاء فِي اتيانه بِالِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَن الْمَوْت لَا شكّ فِيهِ أَقْوَال أظهرها أَنه لَيْسَ للشَّكّ وَإِنَّمَا هُوَ للتبرك وامتثال أَمر الله فِيهِ وَالثَّانِي أَنه عَادَة للمتكلم حسن بِهِ كَلَامه وَالثَّالِث أَنه عَائِد إِلَى اللحوق فِي هَذَا الْمَكَان وَالْمَوْت بِالْمَدِينَةِ وَالرَّابِع أَن إِن بِمَعْنى إِذا وَالْخَامِس أَنه رَاجع إِلَى اسْتِصْحَاب الْإِيمَان لمن مَعَه لاله وَالسَّادِس أَنه كَانَ مَعَه من يظنّ بهم النِّفَاق فَعَاد الِاسْتِثْنَاء إِلَيْهِم وددت أَنِّي قد رَأَيْت إِخْوَاننَا أَي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا قَالَ القَاضِي عِيَاض وَقيل المُرَاد تمني لقائهم بعد الْمَوْت قَالَ بل أَنْتُم أَصْحَابِي قَالَ الْبَاجِيّ فِي شرح الْمُوَطَّأ لم ينف بذلك أخوتهم وَلَكِن ذكر مزيتهم الزَّائِدَة بالصحبة واختصاصهم بهَا وَإِنَّمَا منع أَن يسموا بذل لِأَن التَّسْمِيَة وَالْوَصْف على سَبِيل الثَّنَاء والمدح للمسمى يجب أَن يكون بأرفع حالاته وَأفضل صِفَاته وللصحابة بالصحبة دَرَجَة لَا يلحقهم فِيهَا أحد فَيجب أَن يوصفوا بهَا وَنَقله القَاضِي عِيَاض ثمَّ النَّوَوِيّ وَزَاد فَهَؤُلَاءِ إخْوَة صحابة وَالَّذين لم يَأْتُوا إخْوَة لَيْسُوا بصحابة وَأَنا فرطهم على الْحَوْض قَالَ اباجي يُرِيد أَنه يتقدمهم إِلَيْهِ ويجدونه عِنْده يُقَال فرطت الْقَوْم إِذا تقدمتهم لترود لَهُم المَاء وتهيء لَهُم الدلاء والرشاء وافترط فَلِأَن ابْنا لَهُ أَي تقدم لَهُ بن غر جمع أغر والغرة بَيَاض فِي وَجه لفرس محجلة من التحجيل وَهُوَ بَيَاض فِي يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ دهم جمع أدهم وَهُوَ الْأسود والدهمة السوَاد بهم جمع بهيم قيل وَهُوَ الْأسود أَيْضا وَقيل هُوَ الَّذِي لَا يخالط لَونه لون سواهُ سَوَاء كَانَ أَبيض أَو أسود أَو أَحْمَر بل يكون لَونه خَالِصا فَإِنَّهُم يأْتونَ يَوْم الْقِيَامَة غرا محجلين من الْوضُوء زَاد مُسلم وَغَيره سِيمَا أمتِي لَيْسَ لأحد غَيرهَا فاستدل بذلك طَائِفَة على أَن الْوضُوء من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بهَا وَإِنَّمَا الَّذِي اخْتصّت بِهِ الْغرَّة والتحجيل وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث هَذَا وضوئي ووضوء الْأَنْبِيَاء من قبلي وَأجَاب الْأَولونَ بِأَنَّهُ حدث ضَعِيف وَلَو صَحَّ احْتمل أَن يكون الْأَنْبِيَاء اخْتصّت بِهِ دون أممهم وَعند بن عبد الْبر من حَدِيث عبد الله بن بسر أمتِي يَوْم الْقِيَامَة غر من السُّجُود ومحجلون من الْوضُوء فَلَا يذادن قَالَ الْبَاجِيّ وَابْن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ يحيى وَتَابعه مطرف وَابْن نَافِع على النَّهْي أَي لَا يفعلن أحد فعلا يذاد بِهِ عَن حَوْضِي وَرَوَاهُ أَبُو مُصعب وَتَابعه بن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأكْثر رُوَاة الْمُوَطَّأ بلام التَّأْكِيد على الاخبار أَي لَيَكُونن لَا محَالة من يذاد عَن حَوْضِي أَي يطرد عَنهُ وذاله الأولى مُعْجمَة وَالثَّانيَِة مُهْملَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ أناديهم إِلَّا هَلُمَّ أَي تعللوا قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن الْمُنَافِقين والمرتدين وكل من تَوَضَّأ يحْشر بالغرة والتحجيل ولأجلها دعاهم وَلَو لم يكن السيما إِلَّا للْمُؤْمِنين لما دعاهم وَلما ظن أهم مِنْهُم قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك لمن رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فبدل بعده وارتد فَدَعَاهُمْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعلمه بهم أَيَّام حَيَاته وتظاهرهم بِالْإِسْلَامِ وَإِن لم يكن لَهُم يَوْمئِذٍ غرَّة وَلَا تحجيل لَكِن لكَوْنهم عِنْده أَيَّام حَيَاته وصحبته باسم الْإِسْلَام وَظَاهره قَالَ القَاضِي عِيَاض ولأول أظهر فقد ورد أَن الْمُنَافِقين يُعْطون نورا ويطفأ عِنْد الْحَاجة فَكَمَا جعل الله لَهُم نورا بِظَاهِر إِيمَانهم ليغتروا بِهِ حَتَّى يطفأ عِنْد حَاجتهم على الصِّرَاط كَذَلِك لَا يبعد أَن يكون لَهُم هُنَا غرَّة وتحجيل حَتَّى يذادوا عِنْد حَاجتهم إِلَى الْوُرُود نكالا من الله ومكرا بهم وَقَالَ الداوودي لَيْسَ فِي هَذَا مِمَّا يحتم بِهِ للمذادين بِدُخُول النَّار وَيحْتَمل أَن يذادوا وقتا فتلحقهم شدَّة ثمَّ يتلافاهم الله برحمته وَيَقُول لَهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم سحقا ثمَّ يشفع فيهم قَالَ الْبَاجِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض كَأَنَّهُ جعلهم من أهل الْكَبَائِر من الْمُؤمنِينَ زَاد القَاضِي أَو من بدل ببدعة لَا تخرجه عَن الْإِسْلَام قَالَ غَيره وعَلى هَذَا لَا يبعد أَن يَكُونُوا أهل غرَّة وتحجيل بكونهم من الْمُؤمنِينَ وَقَالَ بن عبد الْبر كل من أحدث فِي الدّين فَهُوَ من المطرودين عَن الْحَوْض كالخوارج وَالرَّوَافِض وَأَصْحَاب الْأَهْوَاء وَكَذَلِكَ الظلمَة المسرفون فِي الْجور وطمس الْحق والمعلنون بالكبائر فَكل هَؤُلَاءِ يخَاف عَلَيْهِم أَن يَكُونُوا مِمَّن عنوا بِهَذَا الْخَبَر فسحقا بِسُكُون الْهَاء وَضمّهَا لُغَتَانِ أَي بعدا وَهُوَ مَنْصُوب على تَقْدِير ألزمهم الله سحقا أَو سحقهم سحقا فَائِدَة روى بن شَاكر فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قَالَ ذكر الشَّافِعِي الْمُوَطَّأ فَقَالَ مَا علمنَا أَن أحدا من الْمُتَقَدِّمين ألف كتابا أحسن من موطأ مَالك وَمَا ذكر فِيهِ من الْأَخْبَار وَلم يذكر مرغوبا عَنهُ الرِّوَايَة كَمَا ذكر غَيره فِي كتبه وَمَا عَلمته ذكر حَدِيثا فِيهِ ذكر أحد من الصَّحَابَة إِلَّا مَا فِي حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن ليذادن رجال عَن حَوْضِي فَلَقَد أَخْبرنِي من سمع مَالِكًا ذكر هَذَا الحَدِيث وَأَنه ورد أَنه لم يُخرجهُ فِي الْمُوَطَّأ

[59]

عَن حمْرَان بِضَم الْحَاء على المقاعد قيل هِيَ دكاكين حول دَار عُثْمَان وَقيل الدرج وَقيل مَوضِع قرب الْمَسْجِد قَالَ القَاضِي عِيَاض ولفظها يَقْتَضِي أَنَّهَا مَوَاضِع جرت الْعَادة بالقعود فِيهَا لَوْلَا أَنه فِي كتاب الله قَالَ الْبَاجِيّ وَغَيره كَذَا رَوَاهُ يحيى بن بكير بالنُّون وهاء الضَّمِير أَي لَوْلَا أَن مَعْنَاهُ فِيهِ مَا حَدثكُمْ بِهِ لِئَلَّا تتكلوا وَرَوَاهُ أَبُو مُصعب بِالْيَاءِ وَمد الْألف وهاء التَّأْنِيث أَي لَوْلَا أَنه تضمن مَعْنَاهُ فَيحسن وضوءه أَي يَأْتِي بِهِ تَاما بِكَمَال صفته وآدابه إِلَّا غفر لَهُ هَذَا مَخْصُوص بالصغائر كَمَا صرح بِهِ فِي حَدِيث آخر وَبَين الصَّلَاة الْأُخْرَى أَي الَّتِي تَلِيهَا قَالَ مَالك أرَاهُ يُرِيد هَذِه الْآيَة أقِم الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ قَالَ الْبَاجِيّ على هَذَا التَّأْوِيل تصح الرِّوَايَتَانِ أَنه وَآيَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عُرْوَة أَن الْآيَة إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ قَالَ الْبَاجِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض وَالنَّوَوِيّ وعَلى هَذَا لَا تصح رِوَايَة النُّون وَالْمعْنَى على هَذَا لَوْلَا آيَة تمنع من كتمان شَيْء من الْعلم مَا حدثتكم قَالَ النَّوَوِيّ وَالصَّحِيح تَأْوِيل عُرْوَة قلت وَيشْهد لَهُ مَا أخرجه أَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب فِي كتاب الْعلم لَهُ قَالَ حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد عَن بن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَطاء أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة وَالنَّاس يسألونه يَقُول لَوْلَا آيَة أنزلت فِي سُورَة الْبَقَرَة مَا أخْبرت بِشَيْء لَوْلَا أَنه قَالَ إِن الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى الْآيَة

ص: 40

[60]

عَن عبد الله الصنَابحِي قَالَ بن عبد الْبر سُئِلَ بن معِين عَن أَحَادِيث الصنَابحِي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مُرْسلَة لَيْسَ لَهُ صُحْبَة وَإِنَّمَا هُوَ من كبار التَّابِعين وَلَيْسَ هُوَ عبد الله وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو عبيد الله واسْمه عبد الرَّحْمَن بن عسيلة خرجت الْخَطَايَا من فِيهِ قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يكون معنى ذَلِك أَن فِيهِ كَفَّارَة لما يخص الْفَم من الْخَطَايَا فَعبر عَن ذَلِك بخروجها مِنْهُ وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ أَن يعفوا تَعَالَى عَن عِقَاب ذَلِك الْعُضْو بِالذنُوبِ الَّتِي اكتسبها الْإِنْسَان وَإِن لم يخْتَص بذلك الْعُضْو وَقَالَ القَاضِي عِيَاض ذكر خُرُوج الْخَطَايَا اسْتِعَارَة لحُصُول الْمَغْفِرَة عِنْد ذَلِك لاأن الْخَطَايَا فِي الْحَقِيقَة شَيْء يحل فِي المَاء حَتَّى تخرج من تَحت أشفار عَيْنَيْهِ قَالَ الْبَاجِيّ جعل الْعَينَيْنِ مخرجا لخطايا الْوَجْه دون الْفَم وَالْأنف لِأَنَّهُمَا مختصان بِطَهَارَة مَشْرُوعَة فِي الْوضُوء دون الْعَينَيْنِ فَإِذا مسح بِرَأْسِهِ خرجت الْخَطَايَا من رَأسه حَتَّى تخرج من أُذُنَيْهِ فِيهِ إِشْعَار بِأَن خَطَايَا الرَّأْس مُتَعَلقَة بِالسَّمْعِ وأصرح مِنْهُ مَا عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير من حَدِيث أبي أُمَامَة وَإِذا مسح بِرَأْسِهِ كفر بِهِ مَا سَمِعت أذنَاهُ نَافِلَة أَي زَائِدا لَهُ فِي الْأجر على كَفَّارَة الذُّنُوب

ص: 41

[61]

العَبْد الْمُسلم أَو الْمُؤمن قَالَ الْبَاجِيّ الظَّاهِر أَن هَذَا اللَّفْظ شكّ من الرَّاوِي كل خَطِيئَة نظر إِلَيْهَا بِعَيْنيهِ قَالَ الْبَاجِيّ هَذَا يدل على أَن الْوضُوء يكفر عَن كل عُضْو مَا اخْتصَّ بِهِ من الْخَطَايَا مَعَ المَاء أَو مَعَ آخر قطر المَاء قَالَ الْبَاجِيّ هَذَا شكّ من الرَّاوِي فَإِذا غسل يَدَيْهِ قَالَ الْبَاجِيّ كَذَا روى هَذَا الحَدِيث رُوَاة الْمُوَطَّأ غير بن وهب فَإِنَّهُ زَاد فِيهِ ذكر الرَّأْس وَالرّجلَيْنِ حَتَّى يخرج نقيا من الذُّنُوب قَالَ الشَّيْخ ولي الدّين الْعِرَاقِيّ خص الْعلمَاء هَذَا بالضمائر قَالُوا وَأما الْكَبَائِر فَلَا يكفرهَا إِلَّا التَّوْبَة قَالَ وَكَذَلِكَ فعلوا فِي غير هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي ذكر فِيهَا غفران الذُّنُوب ومسندهم فِي ذَلِك أَنه ورد التَّقْيِيد بِهِ فِي الحَدِيث الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة ورمضان إِلَى رَمَضَان كَفَّارَات لما بَينهمَا مَا اجْتنبت فَجعلُوا التَّقْيِيد فِي هَذَا الحَدِيث مُقَيّدا للاطلاق فِي غَيره لَكِن قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِيهِ نظر وَحكى بن التِّين فِي ذَلِك خلافًا فَقَالَ اخْتلف هَل يغْفر لَهُ بِهَذَا الْكَبَائِر إِذا لم يصر عَلَيْهَا أم لَا يغْفر لَهُ سوى الصَّغَائِر قَالَ وَهَذَا كُله لَا يدْخل فِيهِ مظالم الْعباد وَقَالَ صَاحب الْمُفْهم لَا بعد فِي أَن يكون بعض الْأَشْخَاص تغْفر لَهُ الْكَبَائِر والصغائر بِحَسب مَا يحضرهُ من الْإِخْلَاص ويراعيه من الْإِحْسَان والآداب وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَقَالَ النَّوَوِيّ ماوردت بِهِ الْأَحَادِيث أَنه يكفر إِن وجد مَا يكفره من الصَّغَائِر كفره وَإِن لم يُصَادف صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة كتب بِهِ حَسَنَات وَرفع بِهِ دَرَجَات وَإِن صَادف كَبِيرَة أَو كَبَائِر وَلم يُصَادف صَغِيرَة رجونا أَن يُخَفف من الْكَبَائِر

[62]

وحانت بِالْمُهْمَلَةِ أَي قربت فالتمس النَّاس أَي طلبُوا وضوأ بِفَتْح الْوَاو فَأتى بِالضَّمِّ وَفِي رِوَايَة عِنْد البُخَارِيّ أَن ذَلِك كَانَ بالزوراء وَهِي سوق بِالْمَدِينَةِ ثمَّ أَمر النَّاس يَتَوَضَّئُونَ مِنْهُ قَالَ الْبَاجِيّ هَذَا إِنَّمَا يكون بِوَحْي يعلم بِهِ أَنه إِذا وضع يَده فِي الْإِنَاء نبع المَاء حَتَّى يعم أَصْحَابه الْوضُوء فَرَأَيْت المَاء يَنْبع بِفَتْح أَوله وَضم الْمُوَحدَة وَيجوز كسرهَا وَفتحهَا من تَحت أَصَابِعه قَالَ بن عبد الْبر الَّذِي أُوتِيَ نَبينَا صلى الله عليه وسلم من هَذِه الْآيَة أوضح مِمَّا أُوتِيَ مُوسَى من انفجار المَاء من الْحجر فَإِن خُرُوج المَاء من الْحِجَارَة مَعْهُود بِخِلَاف الْأَصَابِع حَتَّى توضؤوا من عِنْد آخِرهم قَالَ الْكرْمَانِي حَتَّى للتدريج وَمن للْبَيَان أَي تَوَضَّأ النَّاس حَتَّى تَوَضَّأ الَّذين هم عِنْد آخِرهم وَهُوَ كِنَايَة عَن جَمِيعهم وَعند بِمَعْنى فِي لَان عِنْد وَإِن كَانَت للظرفية الْخَاصَّة لَكِن الْمُبَالغَة تَقْتَضِي أَن يكون لمُطلق الظَّرْفِيَّة وَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذين هم فِي آخِرهم وَقَالَ التَّيْمِيّ الْمَعْنى تَوَضَّأ الْقَوْم حَتَّى وصلت النّوبَة إِلَى الآخر وَقَالَ النَّوَوِيّ إِن من هُنَا بِمَعْنى إِلَى وَهِي لُغَة فَائِدَة قَالَ بن بطال هَذَا الحَدِيث شهده جمع من الصَّحَابَة إِلَّا انه لم يرو إِلَّا من طَرِيق أنس وَذَلِكَ لطول عمره ولطلب النَّاس غلو السَّنَد وَقَالَ القَاضِي عِيَاض هَذِه الْقِصَّة رَوَاهَا الْعدَد الْكثير من الثِّقَات عَن الجم الْغَفِير عَن الكافة مُتَّصِلا عَن جملَة من الصَّحَابَة بل لم يُؤثر عَن أحد مِنْهُم إِنْكَار ذَلِك فَهُوَ مُلْحق بالقطعي من معجزاته

[63]

نعيم بن عبد الله الْمدنِي المجمر كَانَ أَبوهُ عبد الله يجمر الْمَسْجِد إِذا قعد عمر على الْمِنْبَر وَقبل كَانَ من الَّذين يجمرون الْكَعْبَة من تَوَضَّأ فَأحْسن وضوءه الحَدِيث قَالَ بن عبد البركان نعيم يُوقف كثيرا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَمثل هَذَا الحَدِيث لَا يُقَال من جِهَة الرَّأْي فَهُوَ مُسْند وَقد ورد مَعْنَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره بأسانيد صِحَاح ثمَّ خرج عَامِدًا إِلَى الصَّلَاة أَي قَاصِدا لَهَا دون غَيرهَا يكْتب لَهُ بِإِحْدَى خطوتيه حَسَنَة ومحى عَنهُ بِالْأُخْرَى سَيِّئَة قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يُرِيد أَن لخطاه حكمين فَيكْتب لَهُ بِبَعْضِهَا حَسَنَات وتمحى عَنهُ بِبَعْضِهَا سيئات وَإِن حكم زِيَادَة الْحَسَنَات غير حكم محو السَّيِّئَات قَالَ وَهَذَا ظَاهر اللَّفْظ وَلذَلِك فرق بَينهمَا قَالَ وَقد ذكر قوم أَن معنى ذَلِك وَاحِد وَإِن كتبه الْحَسَنَات هُوَ بِعَيْنِه محو السَّيِّئَات وَفِي الصِّحَاح الخطوة بِالضَّمِّ مَا بَين الْقَدَمَيْنِ وبالفتح الْمرة الْوَاحِدَة وَقد جزم الْيَعْمرِي أَنَّهَا هُنَا بِالْفَتْح وضبطها الْقُرْطُبِيّ وَابْن حجر بِالضَّمِّ فَإِذا سمع أحدكُم الْإِقَامَة فَلَا يسع قَالَ الْبَاجِيّ منع من ذَلِك لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا انه تقل بِهِ الخطا وَكَثْرَة الخطا مرغب فِيهِ لما ذكر من كتب الْحَسَنَات ومحو السَّيِّئَات وَالثَّانِي أَنه يخرج عَن الْوَقار الْمَشْرُوع فِي إتْيَان الصَّلَاة

ص: 42

[64]

إِنَّمَا ذَلِك وضوء النِّسَاء قَالَ الْبَاجِيّ قَالَ بن نَافِع يرد أَن الِاسْتِجْمَار بِالْحِجَارَةِ يُجزئ الرجل وَإِنَّمَا يكون الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ للنِّسَاء وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد يحْتَمل عِنْدِي وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه أَرَادَ أَن ذَلِك عَادَة النِّسَاء وَإِن عَادَة الرِّجَال الِاسْتِجْمَار وَالثَّانِي أَنه يُرِيد بذلك عيب الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء وَهَذَا لَا يرَاهُ مَالك وَلَا أَكثر أهل الْعلم

[65]

إِذا شرب الْكَلْب قَالَ الْحَافِظ بن حجر كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ وَالْمَشْهُور من رِوَايَة جُمْهُور أَصْحَاب أبي الزِّنَاد عَنهُ إِذا ولغَ وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة يُقَال ولغَ يلغ بِالْفَتْح فيهمَا إِذا شَرّ ب بِطرف لِسَانه وَقَالَ ثَعْلَب هُوَ أَن يدْخل لِسَانه فِي المَاء وَغَيره من كل مَائِع فيحركه زَاد بن درسْتوَيْه شرب أَو لم يشرب وَقَالَ مكي فَإِن كَانَ غير مَائِع يُقَال لعقه وَقَالَ الْمُطَرز فَإِن كَانَ فَارغًا يُقَال لحسه قَالَ الحافئ بن حجر وَادّعى بن عبد الْبر أَن لفظ شرب لم يروه إِلَّا مَالك وَغَيره رَوَاهُ بِلَفْظ ولغَ وَلَيْسَ كَمَا ادّعى فقد رَوَاهُ بن خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر من طَرِيقين عَن هِشَام بن حسان عَن بن سِيرِين بِلَفْظ إِذا شرب وَرَوَاهُ مَالك بِلَفْظ إِذا ولغَ أخرجه أَبُو عبيد فِي كتاب الطّهُور لَهُ عَن إِسْمَاعِيل بن عمر عَنهُ وَمن طَرِيقه أوردهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَكَذَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الموطآت من طَرِيق أبي عَليّ الْحَنَفِيّ عَن مَالك وَهُوَ فِي نُسْخَة صَحِيحَة من بن ماجة من رِوَايَة روح بن عبَادَة عَن مَالك أَيْضا قَالَ وَكَانَ أَبُو الزِّنَاد حدث بِهِ باللفظين مَعًا لتقاربهما فِي الْمَعْنى فِي إِنَاء أحدكُم قَالَ الرَّافِعِيّ أَي مِنْهُ أَو شرب المَاء فِي الْإِنَاء فليغسله سبع مَرَّات زَاد الشَّافِعِي وَمُسلم من طَرِيق بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ قَالَ الْحَافِظ بن حجر لم يَقع فِي رِوَايَة مَالك التتريب وَلَا ثَبت فِي شَيْء من الروايت عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا عَن بن سِيرِين على أَن بعض أَصْحَابه لم يذكرهُ وَرُوِيَ أَيْضا عَن الْحسن وَأبي رَافع عَنهُ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَعبد الرَّحْمَن وَالِد السّديّ عِنْد الْبَزَّار

ص: 43

[66]

عَن مَالك أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اسْتَقِيمُوا وَلنْ تُحْصُوا وَاعْمَلُوا وَخير أَعمالكُم الصَّلَاة وَلَا يحافظ على الْوضُوء إِلَّا مُؤمن قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث يتَّصل مُسْندًا من حَدِيث ثَوْبَان وَعبد الله بن عَمْرو من طرق صِحَاح قلت حَدِيث ثَوْبَان أخرجه بن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ بِلَفْظ الْمُوَطَّأ إِلَّا أَن فِيهِ وَاعْلَمُوا أَن خير أَعمالكُم الصَّلَاة وَحَدِيث بن عمر وَأخرجه بن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَفِيه وَاعْلَمُوا أَن من أفضل أَعمالكُم الصَّلَاة وَأخرج بن ماجة أَيْضا عَن أبي أُمَامَة يرفع الحَدِيث قَالَ اسْتَقِيمُوا وَنِعما إِن اسْتَقَمْتُمْ وَخير أَعمالكُم الصَّلَاة الحَدِيث وَأخرج بن عبد الْبر من وَجه آخر عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا سددوا وقاربوا وَاعْمَلُوا وَخير أَعمالكُم الصَّلَاة الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر اسْتَقِيمُوا أَي لَا تزيغوا وتميلوا عَمَّا سنّ لكم وَفرض عَلَيْكُم وليتكُمْ تطيقون ذَلِك قَالَ الْبَاجِيّ وَلنْ تُحْصُوا قَالَ بن نَافِع مَعْنَاهُ وَلنْ تُحْصُوا الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَلَا تمكنكم الاسْتقَامَة فِي كل شَيْء وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد مَعْنَاهُ عِنْدِي لَا يمكنكم اسْتِيعَاب أَعمال الْبر من قَوْله تَعَالَى عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ وَقَالَ مطرف مَعْنَاهُ وَلنْ تُحْصُوا مالكم من الْأجر إِن اسْتَقَمْتُمْ قَالَ الْبَاجِيّ وَقَوله وَخير أَعمالكُم الصَّلَاة يُرِيد أَنَّهَا أَكثر أَعمالكُم أجرا وَلَا يحافظ على الْوضُوء إِلَّا مُؤمن يُرِيد أَنه لَا يديم فعله فِي المكاره وَغَيرهَا مُنَافِق

ص: 44

[71]

عَن بن شهَاب عَن عباد بن زِيَاد وَهُوَ من ولد الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن أَبِيه عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا قَالَ مَالك بن عباد بن زِيَاد وَهُوَ من ولد الْمُغيرَة لم يخْتَلف رُوَاة الْمُوَطَّأ عَنهُ فِي ذَلِك وَهُوَ غلط مِنْهُ لم يُتَابِعه أحد من رُوَاة بن شهَاب وَلَا غَيرهم عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ من ولد الْمُغيرَة وَلم يقل أحد ذَلِك غَيره وَسَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ يَقُولُونَ عَن عباد بن زِيَاد من ولد الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَلَا يَقُولُونَ عَن أَبِيه الْمُغيرَة كَمَا قَالَ يحيى قَالَ ثمَّ وجدت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي رَوَاهُ عَن مَالك كَذَلِك قَالَ وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن سعيد بن عبد الحميد بن جَعْفَر قَالَ فِيهِ عَن أَبِيه كَمَا قَالَ يحيى قَالَ وَهُوَ وهم قَالَ بن عبد الْبر وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَغَيره لَيْسَ بالقائم وَهُوَ مُنْقَطع فَإِن عباد بن زِيَاد لم ير الْمُغيرَة وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا وَإِنَّمَا يرويهِ بن شهَاب عَن عباد بن زِيَاد عَن عُرْوَة وَحَمْزَة ابْني الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن أَبِيهِمَا الْمُغيرَة وَرُبمَا حدث بِهِ بن شهَاب عَن عباد بن زِيَاد عَن عُرْوَة بن الْمُغيرَة عَن أَبِيه لَا يذكر حَمْزَة انْتهى وَفِي شرح أبي دَاوُد للشَّيْخ ولي الدّين الْعِرَاقِيّ قَالَ الشَّافِعِي وهم مَالك فَقَالَ عباد بن زِيَاد من ولد الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَإِنَّمَا هُوَ مولى الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَرَآهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِيمَا نَقله عَنهُ ابْنه فِي الْعِلَل وهم مَالك فِي هَذَا الحَدِيث فِي نسب عباد بن زِيَاد وَلَيْسَ هُوَ من ولد الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَيُقَال لَهُ عباد بن زِيَاد بن أبي سُفْيَان وَإِنَّمَا يرويهِ عَن عُرْوَة وَحَمْزَة ابْني الْمُغيرَة عَن الْمُغيرَة وَقَالَ مُصعب الزبيرِي أَخطَأ فِيهِ مَالك حَيْثُ قَالَ عَن عباد بن زِيَاد من ولد الْمُغيرَة وَالصَّوَاب عَن عباد بن زِيَاد عَن رجل من ولد الْمُغيرَة وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَحَادِيث الَّتِي خُولِفَ فِيهَا مَالك خَالفه صَالح بن كيسَان وَمعمر وَابْن جريج وَيُونُس وَعَمْرو بن الْحَارِث وَعقيل بن خَالِد وَعبد الرَّحْمَن بن مُسَافر وَغَيرهم فَرَوَوْه عَن الزُّهْرِيّ عَن عباد بن زِيَاد عَن عُرْوَة بن الْمُغيرَة عَن أَبِيه فزادوا على مَالك فِي الْإِسْنَاد عُرْوَة بن الْمُغيرَة بَعضهم قَالَ عَن بن شهَاب عَن عباد عَن عُرْوَة وَحَمْزَة ابْني الْمُغيرَة عَن أَبِيهِمَا قَالَ ذَلِك عقيل وَعبد الرَّحْمَن بن خَالِد وَيُونُس من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ وَلم ينْسب أحد مِنْهُم عبادا إِلَى الْمُغيرَة وَهُوَ عباد بن زِيَاد بن أبي سُفْيَان قَالَ ذَلِك مُصعب الزبيرِي وَقَالَهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين وَغَيرهم وَوهم مَالك فِي إِسْنَاده فِي موضِعين أَحدهمَا قَوْله عباد بن زِيَاد من ولد الْمُغيرَة وَالْآخر إِسْقَاطه من الْإِسْنَاد عُرْوَة وَحَمْزَة ابْني الْمُغيرَة وَقَالَ فِي الْعِلَل وهم فِيهِ مَالك وَهُوَ مِمَّا يعْتد بِهِ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن روح بن عبَادَة عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن عباد بن زِيَاد عَن رجل من ولد الْمُغيرَة فَإِن كَانَ روح حفظه عَن مَالك هَكَذَا فقد أَتَى بِالصَّوَابِ عَن الزُّهْرِيّ وَرَوَاهُ أُسَامَة عَن رجل من ولد الْمُغيرَة فَإِن كَانَ روح حفظه عَن مَالك هَكَذَا فقد أَتَى بِالصَّوَابِ عَن الزُّهْرِيّ وَرَوَاهُ أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ وَبرد بن سِنَان وَابْن سمْعَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الْمُغيرَة عَن أَبِيه لم يذكرُوا فِي الْإِسْنَاد عبادا وَالصَّحِيح قَول من ذكر عبادا وَعُرْوَة انْتهى ذهب لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَة تَبُوك زَاد مُسلم وَأَبُو دَاوُد قبل الْفجْر وَكَانَت غَزْوَة تَبُوك سنة تسع من الْهِجْرَة فِي رَجَب وَهِي آخر غَزَوَاته صلى الله عليه وسلم بِنَفسِهِ وَهِي من أَطْرَاف الشَّام المقاربة للمدينة قيل سميت بذلك لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رأى قوما من أَصْحَابه يبوكون عين تَبُوك أَي يدْخلُونَ فِيهَا الْقدح ويحركونه ليخرج المَاء فَقَالَ مَا زلتم تبوكونها بوكا كمى بِضَم الْكَاف الْجُبَّة هِيَ مَا قطع من الثِّيَاب مشمرا قَالَه فِي الْمَشَارِق وَقد صلى بهم رَكْعَة زَاد مُسلم وَأَبُو دَاوُد من صَلَاة الْفجْر وَزَاد أَحْمد قَالَ الْمُغيرَة فَأَرَدْت تَأْخِير عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعه فصلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زَاد مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَرَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَفِي مُسْند الْبَزَّار من حَدِيث أبي بكر الصّديق رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا قبض نَبِي حَتَّى يؤمه رجل من أمته الرَّكْعَة الَّتِي بقيت عَلَيْهِم لفظ مُسلم وَأبي دَاوُد الرَّكْعَة الثَّانِي ثمَّ سلم عبد الرَّحْمَن فَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي صلَاته فَفَزعَ الْمُسلمُونَ فَأَكْثرُوا التَّسْبِيح لأَنهم سبقوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا سلم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُم قد أصبْتُم أَو قد أَحْسَنْتُم وَبِهَذَا ظهر أَن فِي رِوَايَة مَالك حذفا كثيرا فَائِدَة اخْرُج بن سعد فِي الطَّبَقَات بِسَنَد صَحِيح عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَنه سُئِلَ هَل أم النَّبِي صلى الله عليه وسلم أحد من هَذِه الْأمة غير أبي بكر قَالَ نعم كُنَّا فِي سفر فَلَمَّا كَانَ من السحر انْطلق وَانْطَلَقت مَعَه حَتَّى تبرزنا عَن النَّاس فَنزل عَن رَاحِلَته فتغيب عني حَتَّى مَا أرَاهُ فَمَكثَ طَويلا ثمَّ جَاءَ فَصَبَبْت عَلَيْهِ فَتَوَضَّأ وَمسح على خفيه ثمَّ ركبنَا فَأَدْرَكنَا النَّاس وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة فتقدمهم عبد الرَّحْمَن ببن عَوْف وَقد صلى بهم رَكْعَة وهم فِي الثَّانِيَة فَذَهَبت أوذنه فنهاني فصلينا الرَّكْعَة الَّتِي أدْركْت وقضينا الَّتِي سبقتنا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين صلى خلف عبد الرَّحْمَن بن عَوْف مَا قبض نَبِي قطّ حَتَّى يُصَلِّي خلف رجل صَالح من أمته هَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى مرّة مؤتما بِأبي بكر وَقد اسْتشْكل بِمَا فِي الصَّحِيح عَن سهل بن سعيد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف ليصلح بَينهم فحانت الصَّلَاة فجَاء الْمُؤَذّن إِلَى أبي بكر فَقَالَ أَتُصَلِّي للنَّاس فأقيم قَالَ نعم فصلى أَبُو بكر فجَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالنَّاس فِي الصَّلَاة فتخلص حَتَّى وقف فِي الصَّفّ فصفقت النَّاس وَكَانَ أَبُو بكر لَا يلْتَفت فِي صلَاته فَلَمَّا أَكثر النَّاس التصفيق الْتفت فَرَأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن امْكُث مَكَانك فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله على مَا أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بكر حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفّ وَتقدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فَلَمَّا انْصَرف قَالَ يَا أَبَا بكر مَا مَنعك أَن ثَبت إِذْ أَمرتك فَقَالَ أَبُو بكر مَا كَانَ لِابْنِ أبي قُحَافَة أَن يُصَلِّي بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالْجَوَاب أَن التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ قد أخرجَا عَن عَائِشَة قَالَت صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدا قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس قَالَ صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر قَاعِدا فِي ثوب متوشحا بِهِ وَقَالَ حسن صَحِيح وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر فِي ثوب وَاحِد برد مُخَالفا بَين طَرفَيْهِ فَلَمَّا أَرَادَ أَن يقوم قَالَ ادْع لي أُسَامَة بن زيد فجَاء فأسند ظَهره إِلَى نَحوه فَكَانَت آخر صَلَاة صلاهَا وَأخرج النَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ آخر صَلَاة صلاهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَعَ الْقَوْم فِي ثوب وَاحِد متوشحا خلف أبي بكر وَأخرج بن حبَان فِي صَحِيحه عَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر صلى بِالنَّاسِ وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الصَّفّ خَلفه وَقد استشكلت هَذِه الْأَحَادِيث بِمَا فِي الصَّحِيح عَن عَائِشَة قَالَت لما مرض النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرت الصَّلَاة أذن فَقَالَ مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَخرج أَبُو بكر يُصَلِّي فَوجدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من نَفسه خفَّة فَخرج يهادي بَين رجلَيْنِ كَأَنِّي أنظر رجلَيْهِ تخطان من الوجع فَأَرَادَ أَبُو بكر أَن يتَأَخَّر فأومئ إِلَيْهِ أَن مَكَانك ثمَّ أَتَى بِهِ حَتَّى جلس إِلَى جنبه فَقيل للاعمش فَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَبُو بكر يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاس بِصَلَاة أبي بكر فَقَالَ نعم وَلمُسلم عَن جَابر نَحوه وَفِيه أَن أَبَا بكر كَانَ مَأْمُوما وَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ هُوَ الامام وَفِيه وَأَبُو بكر يسمع النَّاس تكبيره وَالْجَوَاب أَن هَذِه الْأَحَادِيث الْمُخْتَلفَة قد جمع بَينهَا بن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن حزم فَقَالَ بن حبَان وَنحن نقُول بِمَشِيئَة الله وتوفيقه إِن هَذِه الْأَخْبَار كلهَا صِحَاح وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا معَارض الآخر وَلَكِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى فِي عَلَيْهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِد جمَاعَة لَا صَلَاة وَاحِدَة فِي أحداهما كَانَ مَأْمُوما وَفِي الْأُخْرَى كَانَ إِمَامًا قَالَ وَالدَّلِيل على أَنَّهَا كَانَت صَلَاتَيْنِ لَا صَلَاة وَاحِدَة أَن فِي خبر عبيد الله بن عبد الله عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج بَين رجلَيْنِ تُرِيدُ بأحهما الْعَبَّاس وبالآخر عليا وَفِي خبر مَسْرُوق عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج بَين بُرَيْدَة وثوبة قَالَ فَهَذَا يدلك على أَنَّهَا كَانَت صَلَاتَيْنِ لَا صَلَاة وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة وَالَّذِي نعرفه بالاستدلال بِسَائِر الْأَخْبَار أَن الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر هِيَ صَلَاة الصُّبْح يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَهِي آخر صَلَاة صلاهَا حَتَّى مضى لسبيله وَهِي غير الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا أَبُو بكر خَلفه قَالَ وَلَا يُخَالف هَذَا مَا ثَبت عَن أنس فِي صلَاتهم يَوْم الْإِثْنَيْنِ وكشف النَّبِي صلى الله عليه وسلم ستر الْحُجْرَة وَنَظره إِلَيْهِم وهم صُفُوف فِي الصَّلَاة وَأمره إيَّاهُم باتمامها وإرخائه السّتْر فَإِن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ فِي الرَّكْعَة الأولى ثمَّ انه وجد فِي نَفسه خفَّة فَخرج فَأدْرك مَعَه الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَالَ وَالَّذِي يدل على ذَلِك مَا ذكر مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي وَذكره أَبُو الْأسود عَن عُرْوَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أقلع عَنهُ الوعك لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ فغدا صَلَاة الصُّبْح يتَوَكَّأ على الْفضل بن عَبَّاس وَغُلَام لَهُ وَقد سجد النَّاس مَعَ أبي بكر فِي صَلَاة الصُّبْح وَهُوَ قَائِم فِي الْأُخْرَى فتخلص رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَامَ إِلَى جنب أبي بكر فاستأخر أَبُو بكر فَأخذ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبِهِ فقدمه فِي مُصَلَّاهُ فصفا جَمِيعًا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَالس وَأَبُو بكر قَائِم يقْرَأ الْقُرْآن فَلَمَّا قضى أَبُو بكر قِرَاءَته قَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَرَكَعَ مَعَه الرَّكْعَة الْأَخِيرَة ثمَّ جلس أَبُو بكر حِين قضى سُجُوده يتَشَهَّد وَالنَّاس جُلُوس فَلَمَّا سمل أتم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَة الْأَخِيرَة ثمَّ انْصَرف إِلَى جذع من جُذُوع الْمَسْجِد فَذكر الْقِصَّة فِي دُعَائِهِ أُسَامَة بن زيد وَعَهده إِلَيْهِ فِيمَا بَعثه فِيهِ ثمَّ فِي وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى بن شهَاب وَعُرْوَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ فَالصَّلَاة الَّتِي صلاهَا أَبُو بكر وَهُوَ مَأْمُوم هِيَ صَلَاة الظّهْر وَهِي الَّتِي خرج فِيهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَين الْفضل بن عَبَّاس وَغُلَام لَهُ قَالَ وَفِي ذَلِك جمع بَين الاخبار الَّتِي وَردت فِي هَذَا الْبَاب وَقَالَ بن حزم أَيْضا إنَّهُمَا صلاتان متغايرتان بِلَا شكّ إِحْدَاهمَا الَّتِي رَوَاهَا الْأسود عَن عَائِشَة وَعبيد الله عَنْهَا وَعَن بن عَبَّاس صفتهَا أَنه عليه السلام أم النَّاس وَالنَّاس خَلفه وَأَبُو بكر عَن يَمِينه فِي موقف الْمَأْمُوم الَّذِي يسمع النَّاس تكبيره وَالصَّلَاة الثَّانِيَة الَّتِي رَوَاهَا مَسْرُوق وَعبيد الله عَن عَائِشَة وَحميد عَن أنس صفتهَا أَنه عليه الصلاة والسلام كَانَ خلف أبي بكر فِي الصَّفّ مَعَ النَّاس فارتفع الاشكال جملَة قَالَ وَلَيْسَت صَلَاة وَاحِدَة فِي الدَّهْر فَجعل ذَلِك على التَّعَارُض بل فِي يَوْم خمس صلوَات ومرضه عليه الصلاة والسلام كَانَ مُدَّة اثْنَي عشر يَوْمًا فِيهِ سِتُّونَ صَلَاة أَو نَحْو ذَلِك انْتهى

ص: 47

[77]

رعف بِفَتْح الْعين والمضارع بضَمهَا

[82]

وَلَا حَظّ فِي الْإِسْلَام لمن ترك الصَّلَاة أَخذ بِظَاهِرِهِ من كفر بترك الصَّلَاة تكاسلا وَهُوَ مَذْهَب جمع من الصَّحَابَة وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَمَال اليه الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ فِي ترغيبه يثعب بمثلثة ثمَّ عين مُهْملَة ثمَّ مُوَحدَة قَالَ فِي النِّهَايَة أَي يجْرِي وَقَالَ فِي الْعين أَي ينفجر

ص: 48

[84]

عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن الْمِقْدَاد بن الْأسود أَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ بن عبد الْبر هَذَا إِسْنَاد لَيْسَ بِمُتَّصِل لِأَن سُلَيْمَان بن يسَار لم يسمع من الْمِقْدَاد وَلَا من عَليّ وَلم ير وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ ولد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَلَا خلاف أَن الْمِقْدَاد توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ قَالَ وَبَين سُلَيْمَان وَعلي فِي هَذَا الحَدِيث بن عَبَّاس أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق بن وهب عَن مخرمَة بن بكير عَن أَبِيه عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن بن عَبَّاس قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب أرْسلت الْمِقْدَاد بن الْأسود الحَدِيث الْمَذْي فِي لُغَتَانِ أفصحهما فتح الْمِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء وَالْأُخْرَى كسر الذَّال وَتَشْديد الْيَاء وَهُوَ مَاء أَبيض رَقِيق يخرج عِنْد الملاعبة وتذكر الْجِمَاع فلينضح فرجه أَي ليغسله قَالَ فِي النِّهَايَة يرد النَّضْح بِمَعْنى الْغسْل والازالة وَأَصله الرشح وَيُطلق على الرش وَضَبطه النَّوَوِيّ بِكَسْر الضَّاد قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَاتفقَ فِي بعض مجَالِس الحَدِيث أَن الشَّيْخ أَبَا حَيَّان قَرَأَهُ بِفَتْح الضَّاد فَرد عَلَيْهِ السراج الدمنهوري وَقَالَ نَص النَّوَوِيّ على أَنه بِالْكَسْرِ فأساء أَبُو حَيَّان وَقَالَ حق النَّوَوِيّ أَن يستفيده مني وَالَّذِي نلْت هُوَ الْقيَاس قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَكَلَام الْجَوْهَرِي يشْهد لما قَالَه النَّوَوِيّ لَكِن نقل عَن صَاحب الْجَامِع أَن الْكسر لُغَة وَإِن الْأَفْصَح الْفَتْح وليتوضأ وضوءه للصَّلَاة قَالَ الرَّافِعِيّ بِقطع احْتِمَال حمل التَّوَضُّؤ على الْوَضَاءَة الْحَاصِلَة بِغسْل الْفرج فَإِن غسل الْعُضْو الْوَاحِد قد يُسمى وضوا كَمَا ورد أَن الْوضُوء قبل الطَّعَام يَنْفِي الْفقر وَالْمرَاد غسل ليد

[85]

مثل الخريزة تَصْغِير الخرزة وَهِي الْجَوْهَرَة وَفِي رِوَايَة عَنهُ مثل الحمانة وَهِي اللؤلؤة

[88]

الصَّلْت بن زبيد بِضَم الزَّاي ومثناتين تَحت مصغر

ص: 49

[89]

عَن عبد الله بن أبي بكر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ بن عبد الْبر هَذَا خطأ من يحيى حَيْثُ قَالَ عَن مُحَمَّد وَالصَّوَاب بن مُحَمَّد بِلَا شكّ وَلَيْسَ الحَدِيث لمُحَمد بن عَمْرو بن حزم عِنْد أحد من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَلَا رَوَاهُ بِوَجْه من الْوُجُوه وَقد حدث بِهِ بن وضاح على الصِّحَّة فَقَالَ عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فَقَالَ عُرْوَة مَا علمت هَذَا قَالَ بن عبد الْبر هَذَا مَعَ مَنْزِلَته من الْعلم وَالْفضل دَلِيل على أَن الْجَهْل بِبَعْض المعلومات لَا يدْخل نقيصة على الْعَالم إِن كَانَ عَالما بالسنن إِذْ الْإِحَاطَة بِجَمِيعِ المعلومات لَا سَبِيل إِلَيْهَا بسرة بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُهْملَة

ص: 50

[98]

غرفات بِفَتْح الرَّاء ثمَّ يفِيض أَي يسيل والافاضة الاسالة على جلده قَالَ الرَّافِعِيّ سَائِر بدنه قَالَ وَقد يكنى بِالْجلدِ عَن الْبدن

[99]

الْفرق بِفَتْح الرَّاء على الْأَفْصَح الْأَشْهر وَحكى اسكانه وَنقل أَبُو عبيد الِاتِّفَاق على أَنه ثَلَاثَة آسع وَأَنه سِتَّة عشر رطلا قَالَ الْبَاجِيّ روى يحيى الْفرق بتسكين الرَّاء وَرَوَاهُ غَيره بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الصَّحِيح وَقَالَ الْأَزْهَرِي الْفرق فِي كَلَام الْعَرَب الْفَتْح والمحدثون يسكنونه وَفِي النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير الْفرق بِالتَّحْرِيكِ مكيال يسع سِتَّة عشر رطلا وَهِي اثْنَا عشر مدا وَثَلَاثَة آصَع فَأَما الْفرق بِالسُّكُونِ فمائة وَعِشْرُونَ رطلا قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَهُوَ غَرِيب من الْجَنَابَة أَي بِسَبَب الْجَنَابَة

[100]

ونضح فِي عَيْنَيْهِ قَالَ بن عبد الْبر لم يُتَابع بن عمر على النَّضْح فِي الْعين أحد قَالَ وَله شَدَائِد حمله عَلَيْهَا الْوَرع قَالَ وَفِي أَكثر الموطآت سُئِلَ مَالك عَن ذَلِك فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَل

ص: 51

[101]

ولتضغث باعجام الضَّاد والغين ومثلثة قَالَ فِي النِّهَايَة الضغث معالجة شعر الرَّأْس بِالْيَدِ عِنْد الْغسْل كَأَنَّهَا تخلط بعضه بِبَعْض ليدْخل فِيهِ الغسول وَالْمَاء إِذا مس الْخِتَان الْخِتَان قَالَ أهل اللُّغَة ختان الْمَرْأَة إِنَّمَا يُسمى حفاضا فَذكره هُنَا بِلَفْظ الْخِتَان للمشاكلة

[104]

يكسل قَالَ فِي النِّهَايَة أكسل الرجل إِذا جَامع ثمَّ أدْركهُ فتور فَلم ينزل وَمَعْنَاهُ صَار ذَا كسل

[103]

مثل الْفروج يسمع الديكة قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل مَعْنيين أَنه كَانَ صَبيا قبل الْبلُوغ فَسَأَلَ عَن مسَائِل الْجِمَاع الَّذِي لَا يعرفهُ وَلم يبلغ حَده وَالثَّانِي أَنه لم يبلغ مبلغ الْكَلَام فِي الْعلم

ص: 52

[107]

عَن عبد الله بن دِينَار عَن بن عمر قَالَ بن عبد الْبر كَذَا فِي الْمُوَطَّأ وَهُوَ الْمَحْفُوظ وَرَوَاهُ عِيسَى عَن مَالك عَن نَافِع عَن بن عمر وَهَذَا كالمستغرب عِنْدهم وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر قد رَوَاهُ عَنهُ عَن نَافِع كَذَلِك خَمْسَة أَو سِتَّة فَلَا غرابة لَكِن الأول أشهى أَنه قَالَ ذكر عمر قَالَ الْحَافِظ بن حجر مُقْتَضَاهُ أَنه من مُسْند بن عمر وَكَذَا هُوَ عِنْد أَكثر الروَاة وَرَوَاهُ أَبُو نوح عَن مَالك فَزَاد عَن عمر وَقد بَين النَّسَائِيّ سَبَب ذَلِك فِي رِوَايَته من طَرِيق بن عون عَن نَافِع قَالَ أصَاب ان عمر جَنَابَة فَأتى عمر فَذكر ذَلِك لَهُ فَأتى عمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فاستخبره فَقَالَ ليتوضأ ويرقد قَالَ الْحَافِظ وعَلى هَذَا فَالضَّمِير فِي قَوْله أَنه تصيبه يعود على بن عمر لَا على عمر تَوَضَّأ واغسل ذكرك ثمَّ نم قَالَ بن الْجَوْزِيّ الْحِكْمَة فِيهِ أَن الْمَلَائِكَة تبعد عَن الْوَسخ وَالرِّيح الكريهة وَأَن الشَّيَاطِين تقرب من ذَلِك وَقَالَ النَّوَوِيّ اخْتلف فِي حِكْمَة هَذَا الْوضُوء فَقَالَ أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ يُخَفف الْحَدث وَقيل لَعَلَّه أَن ينشط إِلَى الْغسْل إِذا بل أعضاءه وَقيل ليبيت على إِحْدَى الطهارتين خشيَة أَن يَمُوت فِي مَنَامه قلت أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن مَيْمُونَة بنت سعد قَالَت قلت يَا رَسُول الله هَل يَأْكُل أَحَدنَا وَهُوَ جنب قَالَ لَا يَأْكُل حَتَّى يتَوَضَّأ قلت يَا رَسُول الله هَل يرقد الْجنب قَالَ مَا أحب أَن يرقد وَهُوَ جنب حَتَّى يتَوَضَّأ فَانِي أخْشَى أَن يتوفى فَلَا يحضرهُ جِبْرِيل عليه السلام قَالَ الْبَاجِيّ وَلَا يبطل هَذَا الْوضُوء ببول وَلَا غَائِط قَالَه مَالك فِي الْمَجْمُوعَة وَلَا يبطل بِشَيْء إِلَّا بمعاودة الْجِمَاع فَإِن جَامع بعد وضوئِهِ أعَاد الْوضُوء لِأَن الْجِمَاع الثَّانِي يحْتَاج من إِحْدَاث الْوضُوء مثل مَا احتاجه الأول قلت وَيخرج من هَذَا لغز لطيف فَيُقَال لنا وضوء لَا يُبطلهُ الْحَدث وَإِنَّمَا يُبطلهُ الْجِمَاع وَقد نظمته فَقلت قل للفقيه وللمفيد وَلكُل ذِي بَاعَ مديد مَا قلت فِي متوضئ قد جَاءَ بِالْأَمر السديد لَا ينقضون وضوءه مهما تغوط أَو يزِيد ووضوؤه لم ينْتَقض إِلَّا بإيلاج جَدِيد

[110]

أَن عَطاء بن يسَار أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كبر فِي صَلَاة قَالَ بن عبد الْبر هَذَا مُرْسل وَقد رُوِيَ مُتَّصِلا مُسْندًا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي بكرَة قلت حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَحَدِيث أبي بكرَة أخرجه أَبُو دَاوُد وَفِيه أَنَّهَا صَلَاة الْفجْر

[111]

إِلَى الجرف بِضَم الْجِيم وَالرَّاء وَفَاء قَالَ الرَّافِعِيّ على ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة من جَانب الشَّام فَنظر فِي ثَوْبه فَرَأى فِيهِ أثر الِاحْتِلَام وَغسل مَا رأى فِي ثَوْبه قَالَ الرَّافِعِيّ يحْتَمل أَن ذَلِك لِأَنَّهُ استنجى بِالْحجرِ وَيحْتَمل أَنه كَانَ تنظفا وَلذَلِك نضح مَا لم ير فِيهِ شَيْئا مُبَالغَة فِي التَّنْظِيف

ص: 53

[112]

فَقَالَ لقد ابْتليت بالاحتلام مُنْذُ وليت أَمر النَّاس قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يُرِيد أَن شغله بِأَمْر النَّاس واهتمامه بهم صرفه عَن الِاشْتِغَال بِالنسَاء فَكثر عَلَيْهِ الِاحْتِلَام وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَن ذَلِك كَانَ وقتا لابتلائه بِهِ لِمَعْنى من الْمعَانِي لم يذكرهُ وَوَقته بِمَا ذكر من ولَايَته

ص: 54

[115]

عَن بن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير أَن أم سليم قَالَ بن عبد الْبر كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ وَقَالَ فِيهِ بن أبي أويس عَن مَالك عَن بن شهَاب عَن عُرْوَة عَن أم سليم وكل من روى هَذَا الحَدِيث عَن مَالك لم يذكر فِيهِ عَنهُ عَن عَائِشَة فِيمَا علمت إِلَّا بن أبي الْوَزير وَعبد الله بن نَافِع فَإِنَّهُمَا روياه عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن أم سليم ثمَّ أسْندهُ من طريقهما قَالَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ تَابع بن أبي الْوَزير على إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَن مَالك حباب بن جبلة وَعبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون ومعن بن عِيسَى قَالَ بن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَقَالَ أَبُو دَاوُد تَابع بن شهَاب مسافع الحَجبي فَرَوَاهُ أَيْضا عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَ بن عبد الْبر وَأما هِشَام بن عُرْوَة فَرَوَاهُ عَن أَبِيه عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي وهما حديثان عندنَا اتهى قلت وَقد وَصله مُسلم وَأَبُو دَاوُد من طَرِيق عَن عَائِشَة فَقَالَت لَهَا عَائِشَة أُفٍّ لَك فِي حَدِيث آخر أَن أم سَلمَة هِيَ القائلة ذَلِك قَالَ القَاضِي عِيَاض وَيحْتَمل أَن عَائِشَة وَأم سَلمَة كَانَتَا هما أنكرتا عَلَيْهَا فَأجَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم كل وَاحِدَة بِمَا أجابها وَإِن كَانَ أهل الحَدِيث يَقُولُونَ ان الصَّحِيح هُنَا أم سَلمَة لَا عَائِشَة قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَهُوَ جمع حسن لِأَنَّهُ لَا يمْتَنع حُضُور أم سَلمَة وَعَائِشَة عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي مجْلِس وَاحِد قَالَ الْبَاجِيّ قَوْلهَا أُفٍّ لَك على معنى الْإِنْكَار لقولها والاغلاظ عَلَيْهَا لما أخْبرت بِهِ عَن النِّسَاء وَقَالَ القَاضِي عِيَاض أُفٍّ لَك أَي استحقارا لَك وَهِي كلمة تسْتَعْمل فِي الاستحقار والاستقذار وأصل الأف وسخ الأظافر فِيهِ عشرَة لُغَات أُفٍّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْر وَالْفَتْح دون تَنْوِين وبالتنوين أَيْضا وَذَلِكَ مَعَ ضم الْهمزَة فَهَذِهِ سِتَّة وَإنَّهُ واف بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْفَاء وأف بِضَم الْهمزَة وتسكين الْفَاء وافى بِضَم الْهمزَة وَالْقصر انْتهى قلت بل فِيهِ نَحْو أَرْبَعِينَ لُغَة حَكَاهَا أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف وَغَيره وَقد نظمتها فِي أَبْيَات فَقلت أُفٍّ ربع أخيره ثمَّ ثلث مبتداه مشددا ومخفف وبتنوينه وبالترك أفا لَا ممالا وبالامالة مضعف وبكسر ابتدا وافى مثلت وزد الْهَاء فِي أُفٍّ أطلق لَا أُفٍّ ثمَّ مدا بِكَسْر أُفٍّ واف ثمَّ أفو فاحفظ ودع مَا يزيف وَهل ترى ذَلِك بِكَسْر الْكَاف الْمَرْأَة قَالَ بن عبد الْبر فِيهِ دَلِيل على أه لَيْسَ كل النِّسَاء تحتلمن وَإِلَّا لما أنْكرت عَائِشَة وَأم سَلمَة قَالَ قد يُوجد عدم الِاحْتِلَام فِي بعض الرِّجَال إِلَّا أَن فِي ذَلِك النِّسَاء أوجد وَأكْثر قلت وَأي مَانع من أَن يكون ذَلِك خصيصة لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم إنَّهُنَّ لَا يحتلمن كَمَا أَن من خَصَائِص الْأَنْبِيَاء عليهم السلام انهم لَا يحتلمون لِأَن الِاحْتِلَام من الشَّيْطَان فَلم يُسَلط عَلَيْهِم وَكَذَلِكَ لم يُسَلط على أَزوَاجه تكريما لَهُ تربت يَمِينك قَالَ الْبَاجِيّ قَالَ عِيسَى بن دِينَار مَا أرَاهُ أَرَادَ بذلك إِلَّا خيرا وَمَا الاتراب إِلَّا الْغنى قَالَ الْبَاجِيّ فَرَأى أَن ترب من الاتراب وَلَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ من التُّرَاب وَقَالَ بن نَافِع مَعْنَاهُ ضعف عقلك الْجُهَنِيّ هَذَا وَقيل مَعْنَاهُ افْتَقَرت يداك من الْعلم إِذا جهلت مثل هَذَا فقد قل حظك من الْعلم وَهُوَ معنى قَول بن كيسَان وَقَالَ الْأَصْمَعِي مَعْنَاهُ الحض على تعلم مثل هَذَا كَمَا يُقَال انج ثكلتك أمك لَا يُرِيد أَن تثكل وَقَالَ أَبُو عَمْرو معنى تربت يَمِينك أَصَابَهَا التُّرَاب وَلم يدع عَلَيْهَا بالفقر وَقَالَ الدَّاودِيّ قد قَالَ قوم إِنَّهَا ثربت بالثاء الْمُثَلَّثَة يُرِيد استغنت من الثرب وَهُوَ الشَّحْم وَقَالَ هِيَ لُغَة للقبط صيروا التَّاء ثاء حَتَّى جرى على أَلْسِنَة الْعَرَب كَمَا أبدلوا من الثَّاء فَاء قَالَ الْبَاجِيّ وَالْأَظْهَر أَنه صلى الله عليه وسلم خاطبها على عَادَة الْعَرَب فِي تخاطبها وهم يستعملون هَذِه اللَّفْظَة عِنْد الْإِنْكَار لمن لَا يُرِيدُونَ فقره وَإِن كَانَ مَعْنَاهَا افْتَقَرت يداك يُقَال ترب فلَان إِذا افْتقر فلصق بِالتُّرَابِ وأترب إِذا اسْتغنى وَصَارَ مَاله كالتراب كَثْرَة قَالَ وَيحْتَمل أَن يفعل ذَلِك بعائشة على وَجه التَّأْدِيب لَهَا لانكارها مَا أقرّ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يقر إِلَّا على الصَّوَاب وَقد قَالَ اللَّهُمَّ أَيّمَا مُؤمن سببته فَاجْعَلْ ذَلِك قربَة إِلَيْك فَلَا يمْتَنع على هَذَا أَن يَقُول ذَلِك لَهَا لتؤجر وليكفر بهَا مَا قالته لأم سليم قَالَ وروى بن حبيب عَن مَالك تربت بِمَعْنى خسرت وَهُوَ بِمَعْنى مَا قدمْنَاهُ وَقيل مَعْنَاهُ امْتَلَأت تُرَابا انْتهى وَقَالَ القَاضِي عِيَاض هَذَا اللَّفْظ وَشبهه يجْرِي على أَلْسِنَة الْعَرَب من غير قصد للدُّعَاء وَقد قَالَ البديع فِي رسَالَته وَقد يوحش اللَّفْظ وَكله ود وَيكرهُ الشَّيْء وَلَيْسَ من فعله بُد هَذِه الْعَرَب تَقول لَا أَب لَك للشَّيْء إِذا أهم وقاتله الله وَلَا يُرِيدُونَ الذَّم وويل أمه لأمر إِذا تمّ وَلَك لباب فِي هَذَا الْبَاب أَن تنظر إِلَى القَوْل وقائله فَإِن كَانَ وليا فَهُوَ الولا وَإِن خشن وَإِن كَانَ عدوا فَهُوَ الْبلَاء وَإِن حسن وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي هَذِه اللَّفْظَة خلاف كثير منتشر جدا للسلف وَالْخلف من الطوائف كلهَا وَالأَصَح الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهَا أَنَّهَا كلمة أَصْلهَا افْتَقَرت وَلَكِن الْعَرَب اعتادت اسْتِعْمَالهَا غير قاصدة حَقِيقَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ فَيذكرُونَ تربت يداك وقاتله الله مَا أشجعه وَلَا أم لَهُ وَلَا أَب لَك وثكلته أمه وويل أمه وَمَا اشبه هَذَا من الفاظهم يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء والزجر عَنهُ أَو الذَّم عَلَيْهِ أَو استعظامه أَو الْحَث عَلَيْهِ أَو الْإِعْجَاب بِهِ وَقَالَ صَاحب النِّهَايَة هَذِه الْكَلِمَة جَارِيَة على أَلْسِنَة الْعَرَب لَا يُرِيدُونَ بهَا الدُّعَاء على الْمُخَاطب وَلَا وُقُوع الْأَمر بهَا كَمَا يَقُولُونَ قَاتله الله وَقَالَ بَعضهم هُوَ دُعَاء على الْحَقِيقَة لِأَنَّهُ رأى الْحَاجة خيرا لَهَا وَالْأول الْوَجْه انْتهى وَاعْلَم أَنِّي فِي هَذَا الْكتاب أطنب حَيْثُ يسْتَحق الإطناب وأوجز حَيْثُ مَا يَقْتَضِي الْحَال الإيجاز وَمَا أحسن قَول من قَالَ يرْمونَ بالخطب الطوَال وَتارَة وَحي الملاحظ خيفة الرقباء وَمن أَيْن يكون الشّبَه ضبط بِفَتْح الشين وَالْبَاء وبكسر الشين وَسُكُون الْبَاء قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد شبه الابْن لأحد أَبَوَيْهِ أَو لاقاربه وَمعنى ذَلِك أَن للْمَرْأَة مَاء تَدْفَعهُ عِنْد اللَّذَّة الْكُبْرَى كَمَا للرجل مَا يَدْفَعهُ عِنْد اللَّذَّة الْكُبْرَى فَإِذا سبق مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة خرج الْوَلَد يشبه عمومته وَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل خرج الْوَلَد يشبه خؤلته

ص: 55

[116]

جَاءَت أم سليم امْرَأَة أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ زَاد أَبُو دَاوُد وَهِي أم أنس بن مَالك إِن الله لَا يستحي من الْحق قَالَ ابباجي يحْتَمل أَن تُرِيدُ لَا يَأْمر أَن يسحي من الْحق وَيحْتَمل أَن تُرِيدُ لَا يمْتَنع من ذكره امْتنَاع المستحيي قَالَ وَإِنَّمَا قدمت ذَلِك بَين يَدي قَوْلهَا لما احْتَاجَت إِلَيْهِ من السُّؤَال عَن أَمر يسحي النِّسَاء من ذكره وَلم يكن لَهَا بُد مِنْهُ وَقَالَ الرَّافِعِيّ مَعْنَاهُ لَا يتْركهُ فَإِن من يستحي من الشَّرّ يتْركهُ وَالْمعْنَى أَن الْحيَاء لَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع من طلب الْحق ومعرفته وَقَالَ بن دَقِيق الْعِيد لَعَلَّ لقَائِل أَن يَقُول إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل الْحيَاء فِي حق الله إِذا كَانَ الْكَلَام مثبتا كَمَا جَاءَ إِن الله حييّ كريم وَأما فِي النَّفْي فالمستحيلات على الله تنفى وَلَا يشْتَرط فِي النَّفْي أَن يكون الْمَنْفِيّ مُمكنا وَجَوَابه أَنه لم يرد النَّفْي على الاستحياء مُطلقًا بل ورد على الاستحياء من الْحق وبطريق الْمَفْهُوم يَقْتَضِي أَنه يستحي من غير الْحق فَيَعُود بطرِيق الْمَفْهُوم إِلَى جَانب الاثبات انْتهى ويستحيي بياءين فِي لُغَة الْحجاز وبياء وَاحِدَة فِي لُغَة تَمِيم إِذا هِيَ احْتَلَمت الِاحْتِلَام افتعال من الْحلم بِضَم الْحَاء وَسُكُون اللَّام وَهُوَ مَا يرَاهُ النَّائِم فِي نَومه وخصصه الْعرف بِبَعْض ذَلِك وَهُوَ رُؤْيَة الْجِمَاع وَفِي رِوَايَة أَحْمد من حَدِيث أم سليم أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله إِذا رَأَتْ الْمَرْأَة أَن زَوجهَا يُجَامِعهَا فِي الْمَنَام أتغتسل وَفِي ربيع الْأَبْرَار للزمخشري عَن بن سِيرِين قَالَ لَا تحتلم ودعا إِلَّا على أَهله قَالَ نعم إِذا رَأَتْ المَاء أَي الْمَنِيّ بعد الاستيقاظ زَاد البُخَارِيّ من طَرِيق آخر عَن هِشَام فغطت أم سَلمَة يَعْنِي وَجههَا وَقَالَت يَا رَسُول الله وتحتلم الْمَرْأَة قَالَ نعم تربت يَمِينك فيمَ يشبهها وَلَدهَا وَلأَحْمَد أَنَّهَا قَالَت وَهل للْمَرْأَة مَاء فَقَالَ هن شقائق الرِّجَال قَالَ الرَّافِعِيّ أَي نظائرهم وأمثالهم فِي الْخلق

ص: 56

[119]

ويعطينه الْخمْرَة قَالَ فِي النِّهَايَة هِيَ مِقْدَار مَا يضع الرجل عَلَيْهِ وَجهه فِي سُجُوده من حَصِير أَو نسجة خوص أَو نَحوه من الثِّيَاب وَلَا يكون خمرة إِلَّا فِي هَذَا الْمِقْدَار وَسميت خمرة لِأَن خيوطها مستورة بسعفها انْتهى

ص: 57

[120]

عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي بعض أَسْفَاره قَالَ جمَاعَة مِنْهُم بن سعد وَابْن حبَان وَابْن عبد الْبر أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة بني المصطلق حَتَّى إِذا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ هِيَ الشّرف الَّذِي قُدَّام ذِي الحليفة أَو بِذَات الْجَيْش هِيَ من الْمَدِينَة على بريد وَبَينهَا وَبَين العقيق سَبْعَة أَمْيَال عقد بِكَسْر الْمُهْملَة كل مَا يعْقد ويعلق فِي الْعُنُق وَتسَمى قلادة وَلأبي دَاوُد من حَدِيث عمار بن يَاسر أَنه كَانَ من جزع أظفار على التماسه أَي لأجل طلبه وَجعل يطعن بِضَم الْعين وَكَذَا جَمِيع مَا هُوَ حسي وَأما الْمَعْنَوِيّ فَيُقَال يطعن بِالْفَتْح هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فيهمَا مَعًا وَحكى فيهمَا مَعًا الْفَتْح وَالضَّم فَأنْزل الله آيَة التَّيَمُّم قَالَ بن الْعَرَبِيّ هَذِه العضلة مَا وجدت لدائها من دَوَاء لأَنا لَا نعلم أَي الْآيَتَيْنِ عنت عَائِشَة وَقَالَ بن بطال هِيَ آيَة النِّسَاء أَو آيَة الْمَائِدَة وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ هِيَ آيَة النِّسَاء وَوَجهه بِأَن آيَة الْمَائِدَة تسمى آيَة الْوضُوء وَآيَة النِّسَاء لَا ذكر للْوُضُوء فِيهَا فَيتَّجه تَخْصِيصه أَن بِآيَة التَّيَمُّم وَأورد الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول هَذَا الحَدِيث عِنْد ذكر آيَة النِّسَاء أَيْضا قَالَ الْحَافِظ بن حجر وخفي على الْجَمِيع مَا ظهر للْبُخَارِيّ من أَن المُرَاد بهَا آيَة الْمَائِدَة بِغَيْر تردد لرِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث إِذْ ضرح فِيهَا بقوله فَنزلت يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الْآيَة فَقَالَ أسيد هُوَ بِالتَّصْغِيرِ بن حضير هُوَ مُهْملَة ثمَّ مُعْجمَة مصغر أَيْضا مَا هِيَ بِأول بركتكم يَا آل أبي بكر أَي بل هِيَ مسبوقة بغَيْرهَا من البركات وَالْمرَاد بآل أبي بكر نَفسه وَأَهله وَأَتْبَاعه وَفِي تَفْسِير إِسْحَاق المسببي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا مَا كَانَ أعظم بركَة قلادتك فَبَعَثنَا الْبَعِير أَي أثرناه فَوَجَدنَا العقد تَحْتَهُ لأبي دَاوُد من حَدِيث عمار بن يَاسر فِي آخِره زِيَادَة فَقَامَ الْمُسلمُونَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَضربُوا بِأَيْدِيهِم الأَرْض ثمَّ رفعوا أَيْديهم وَلم يقبضوا من التُّرَاب شَيْئا فمسحوا بهَا وُجُوههم وأيديهم إِلَى المناكب وَمن بطُون أَيْديهم إِلَى الآباط

[124]

عَن زيد بن اسْلَمْ أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا يحل لي من امْرَأَتي وَهِي حَائِض قَالَ بن عبد الْبر لَا أعلم أحدا روى هَذَا مُسْندًا بِهَذَا اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ صَحِيح ثَابت

[125]

عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن أَن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَت مُضْطَجِعَة قَالَ بن عبد الْبر لم تخْتَلف رُوَاة الْمُوَطَّأ فِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث وَلَا أعلم أَنه رُوِيَ بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث عَائِشَة أَلْبَتَّة ويتصل مَعْنَاهُ من حَدِيث أم سَلمَة وَهُوَ فِي الصَّحِيح وَغَيره نفست قَالَ الْخطابِيّ أصل هَذِه الْكَلِمَة من النَّفس إِلَّا أَنهم فرقوا بَين بِنَاء الْفِعْل من الْحيض وَالنّفاس فَقَالُوا فِي الْحيض نفست بِفَتْح النُّون والولادة بضَمهَا وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم هُوَ هُنَا بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة وَهُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور فِي اللُّغَة إِن نفست بِفَتْح النُّون مَعْنَاهُ حَاضَت وَأما فِي الْولادَة فَيُقَال بِضَم النُّون قَالَ وَقد نقل أَبُو حَاتِم عَن الاسمعي الْوَجْهَيْنِ فِي الْحيض والولادة وَذكر ذَلِك غير وَاحِد قَالَ وأصل ذَلِك كُله خُرُوج الدَّم وَالدَّم يُسمى نفسا

ص: 59

[128]

بالدرجة قَالَ بن عبد الْبر من رَوَاهُ هَكَذَا فَهُوَ على تَأْنِيث الدرج وَكَانَ الْأَخْفَش يرويهِ الدرجَة وَيَقُول هُوَ جمع درج مثل خرجَة وَخرج وترسة وترس وَقَالَ صَاحب النِّهَايَة هَكَذَا يرْوى بِكَسْر الدَّال وَفتح الرَّاء جمع درج وَهُوَ كالصفد الصَّغِير تضع فِيهِ الْمَرْأَة خف متاعها وطيبها وَقيل إِنَّمَا هُوَ بالدرجة تَأْنِيث درج وَقيل إِنَّمَا هِيَ الدرجَة بِالضَّمِّ وَجَمعهَا الدرج وَأَصله شَيْء يدرج أَي يلف فَيدْخل فِي حَيَاء النَّاقة ثمَّ يخرج وَيتْرك على حوار فتشتبه فتظنه وَلَدهَا فتر أمه انْتهى الكرسف الْقطن حَتَّى تَرين الْقِصَّة الْبَيْضَاء بِفَتْح الْقَاف وَالصَّاد الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة قَالَ بن رَشِيق وَهُوَ الطُّهْر الْأَبْيَض الَّذِي يرينه النِّسَاء عِنْد النَّقَاء من الْحيض شبه بياضه بالقص وَهُوَ الجص وَقَالَ فِي النِّهَايَة هُوَ أَن تخرج القطنة أَو الْخِرْقَة الَّتِي تحشى بهَا الْحَائِض كَأَنَّهَا قصَّة بَيْضَاء لَا يخالطها صفة وَقيل الْقِصَّة شَيْء كالخيط يخرج بعد انْقِطَاع الدَّم كُله

[129]

عَن ابْنة زيد بن ثَابت اسْمهَا أم أسعد فَكَانَت تعيب ذَلِك عَلَيْهِنَّ قَالَ الْبَاجِيّ لتكلفهن من ذَلِك مَالا يلْزم قَالَ وَإِنَّمَا يلْزم النّظر إِلَى الطُّهْر إِذا أَرَادَت النّوم أَو إِن أقمن لصَلَاة الصُّبْح قَالَه مَالك فِي الْمَبْسُوط

[133]

أرجل بتَشْديد الْجِيم من الترجيل وَهُوَ تَسْرِيح الشّعْر وتنظيفه

ص: 60

[134]

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر قَالَ بن عبد الْبر كَذَا وَقع فِي رِوَايَة يحيى وَهُوَ خطأ بَين مِنْهُ وَغلط بِلَا شكّ وَإِنَّمَا الحَدِيث فِي لهشام عَن فَاطِمَة امْرَأَته وَكَذَا رَوَاهُ كل من روى عَن هِشَام مَالك وَغَيره عَن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق أَنَّهَا قَالَت سَأَلت امْرَأَة فِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن هِشَام أَن أَسمَاء قَالَت سَأَلت كَذَا أخرجه الشَّافِعِي قَالَ الرَّافِعِيّ مُمكن أَن تَعْنِي فِي رِوَايَة مَالك نَفسهَا وَيُمكن أَنَّهَا سَأَلت عَنهُ وَسَأَلَ غَيرهَا أَيْضا فترجع كل رِوَايَة إِلَى سُؤال قَالَ وَذكر الْبَيْهَقِيّ أَن الصَّحِيح أَن امْرَأَة سَأَلت وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر أغرب النَّوَوِيّ فضعف رِوَايَة سُفْيَان بِلَا دَلِيل وَهِي صَحِيحَة الْإِسْنَاد لَا عِلّة لَهَا قَالَ وَلَا بعد فِي أَن يتهم الرَّاوِي اسْم نَفسه كَمَا وَقع فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي قصَّة الرّقية بِفَاتِحَة الْكتاب أَرَأَيْت هِيَ بِمَعْنى أَخْبرنِي وَيجب فِي التَّاء إِذا لم تتصل بهَا الْكَاف مَا يجب لَهَا مَعَ سَائِر الْأَفْعَال من تذكير وتأنيث وتثنية وَجمع إِذا أصَاب ثوبها الدَّم بِنصب ثوبها وَرفع الدَّم من الْحَيْضَة قَالَ النَّوَوِيّ بِفَتْح الْحَاء أَي الْحيض وَقَالَ الرَّافِعِيّ يجوز فِيهِ الْكسر وَهِي الْحَالة الَّتِي عَلَيْهَا الْمَرْأَة وَيجوز الْفَتْح وَهِي الْمرة من الْحيض قَالَ وَهَذَا أظهر فلتقرضه قَالَ الْبَاجِيّ رَوَاهُ يحيى وَأكْثر الروَاة بِضَم الرَّاء وتخفيفها وَرَوَاهُ القعْنبِي بِكَسْر الرَّاء وتشديدها وَمَعْنَاهُ تَأْخُذ المَاء وتغمره بأصبعها للْغسْل وَقَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ تقطعه بأطراف الْأَصَابِع مَعَ المَاء ليتحلل ثمَّ لتنضحه قَالَ النَّوَوِيّ أيتغسله قَالَ وَهُوَ بِكَسْر الضَّاد كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره وَقَالَ الرَّافِعِيّ فسره الشَّافِعِي بِالْغسْلِ قَالَ النَّضْح يُطلق على الصب والرش وَالْغسْل وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ المُرَاد هُنَا الرش لِأَن غسل الدَّم اسْتُفِيدَ من قَوْله فلتقرصه وَأما النصح فَهُوَ لما شكت فِيهِ من الثَّوْب ورده الْحَافِظ بن حجر بِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ اخْتِلَاف الضمائى فِي الْمرجع وَهُوَ خلاف الأَصْل وَبِأَن الرش على الْمَشْكُوك فِيهِ لَا يُفِيد شَيْئا لِأَنَّهُ إِن كَانَ طَاهِرا فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ وَإِن كَانَ متنجسا لم يطهر بذلك

[135]

فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْمُوَحَّدَة والشين الْمُعْجَمَة بِصِيغَة التصغير اسْمه قيس بن الْمطلب بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي وَهِي غير فَاطِمَة بنت قيس الَّتِي طلقت ثَلَاثًا إِنِّي لَا أطهر قَالَ الْبَاجِيّ تُرِيدُ لَا يَنْقَطِع عَنْهَا الدَّم إِنَّمَا ذَلِك بِكَسْر الْكَاف عرق بِكَسْر الْعين وَسُكُون الرَّاء هُوَ الْمُسَمّى بالعاذل بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَلَيْسَت بالحيضة قَالَ النَّوَوِيّ يجوز فِيهَا الْوَجْهَانِ الْكسر على الْحَالة وَاخْتَارَهُ الْخطابِيّ وَالْفَتْح وَهُوَ الْأَظْهر أَي الْحيض قَالَ وَهَذَا الْوَجْه نَقله الْخطابِيّ عَن أَكثر الْمُحدثين أَو كلهم وَهُوَ فِي هَذَا الْموضع مُتَعَيّن أَو قريب من الْمُتَعَيّن فَإِن الْمَعْنى يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ إِثْبَات الِاسْتِحَاضَة وَنفي الْحيض قَالَ وَأما مَا يَقع فِي كثير من كتب الْفِقْه إِنَّمَا ذَلِك عرق انْقَطع أَو انفجر فَهِيَ زِيَادَة لَا تعرف فِي الحَدِيث وَإِن كَانَ لَهَا معنى فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة قَالَ النَّوَوِيّ يجوز هُنَا الْوَجْهَانِ فتح الْحَاء وَكسرهَا جَوَازًا حسنا فَإِذا ذهب قدرهَا قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يُرِيد قدر الْحَيْضَة على مَا قدره الشَّرْع وَإِن يُرِيد قدرهَا على مَا ترَاهُ الْمَرْأَة باجتهادها وَإِن يُرِيد قدرهَا على مَا تقدم من عَادَتهَا فِي حَيْضهَا

ص: 61

[136]

عَن نَافِع عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن أم سَلمَة قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ مَالك وَأَيوب وَرَوَاهُ اللَّيْث بن سعد وصخر بن جوَيْرِية وَعبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن رجلا أخبرهُ عَن أم سَلمَة فادخلوا بَين سُلَيْمَان وَبَين أم سَلمَة رجلا أَن امْرَأَة قَالَ الْبَاجِيّ يُقَال هِيَ فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش قَالَ وَقد بَين ذَلِك حَمَّاد بن زيد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي حَدِيثهمَا عَن أَيُّوب عَن سُلَيْمَان بن يسَار قلت وَكَذَا هُوَ مُبين فِي سنَن أبي دَاوُد من طَرِيق وهيب عَن أَيُّوب كَانَت تهراق الدِّمَاء قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد أَنَّهَا من كَثْرَة الدَّم بهَا كَانَت تهريقه وَفِي النِّهَايَة كَذَا جَاءَ هَذَا الحَدِيث تهراق الدَّم على مَا لم يسم فَاعله وَالدَّم مَنْصُوب أَي تهراق هِيَ الدَّم وَهُوَ مَنْصُوب على التَّمْيِيز وَإِن كَانَ معرفَة وَله نَظَائِر أَو يكون قد أجْرى تهراق مجْرى نفست الْمَرْأَة غُلَاما ونتج الْفرس مهْرا قَالَ وَيجوز رفع الدَّم على تَقْدِير تهراق دماؤها وَيكون اللف وَاللَّام بَدَلا من الْإِضَافَة كَقَوْلِه أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ أَي عقدَة نِكَاحه أَو نِكَاحهَا قَالَ وَالْهَاء تهراق بدل من همزَة أراق يُقَال أراق المَاء يريقه وهراقه يهريقه بِفَتْح الْهَاء هراقة انْتهى وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل اخْتلفُوا فِي تَشْبِيه الْفِعْل اللَّازِم بِالْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي كَمَا شبه وَصفه باسم الْفَاعِل الْمُتَعَدِّي فَأجَاز ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين فَتَقول زيد قد تفقأ الشَّحْم أَصله تفقأ شحمه فأضمرت فِي تفقأ ونصبت الشَّحْم تَشْبِيها بالمفعول وَاسْتدلَّ بِمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث كَانَت امْرَأَة تهراق الدِّمَاء وَمنع من ذَلِك أَبُو عَليّ الشلويين وَقَالَ لَا يكون ذَلِك إِلَّا فِي الصِّفَات وَتَأَول الحَدِيث على أَنه إِسْقَاط حرف الْجَرّ أَو على إِضْمَار فعل أَي بالدماء أَو يهريق الله الدِّمَاء مِنْهَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح إِذْ لم يثبت ذَلِك من لِسَان الْعَرَب لتستثفر بمثلثة قبل الْفَاء قَالَ فِي النِّهَايَة هُوَ أَن تشد فرجهَا بِخرقَة عريضة بعد أَن تحتشي قطنا وتوثق طرفيها فِي شَيْء تشده على وَسطهَا فتمنع بذلك سيل الدَّم وَهُوَ مَأْخُوذ من ثفر الدَّابَّة الَّذِي يَجْعَل تَحت ذنبها فَائِدَة قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي الْحيض ثَلَاثَة أَحَادِيث حديثان لَيْسَ فِي نَفسِي شَيْء مِنْهُمَا حَدِيث عَائِشَة فِي قَضِيَّة فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش وَحَدِيث أم سَلمَة وَالثَّالِث فِي قلبِي مِنْهُ شَيْء وَهُوَ حَدِيث حمْنَة بنت جحش قَالَ أَبُو دَاوُد وَمَا عدا هَذِه الثَّلَاثَة أَحَادِيث فَفِيهَا اخْتِلَاف واضطراب وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الأشبيلي حَدِيث فَاطِمَة أصح حَدِيث يرْوى فِي الِاسْتِحَاضَة

ص: 62

[137]

عَن زَيْنَب بنت أم سَلمَة أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَب بنت جحش الَّتِي كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَكَانَت تستحاض قَالَ الْبَاجِيّ قَول رَأَتْ زَيْنَب وهم لِأَن زَيْنَب بنت جحش كَانَت زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأُخْتهَا حمْنَة كَانَت تَحت طَلْحَة بن عبيد الله وَأُخْتهَا أم حَبِيبَة كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَاسْمهَا جهبة وَقد روى هَذَا الحَدِيث بن عفير عَن مَالك وَقَالَ ابْنة جحش فَلم يسمهَا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ القعْنبِي عَن مَالك فَإِن كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فَهُوَ الصَّوَاب وَقَالَ القَاضِي عِيَاض اخْتلف أَصْحَاب الْمُوَطَّأ فِي هَذَا عَن مَالك فأكثرهم يَقُولُونَ زَيْنَب بنت جحش وَكثير من الروَاة يَقُولُونَ عَن ابْنة جحش قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب قَالَ وَيبين الْوَهم فِيهِ بقوله كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن وَزَيْنَب هِيَ أم الْمُؤمنِينَ لم يَتَزَوَّجهَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قطّ إِنَّمَا تزَوجهَا أَولا زيد بن حَارِثَة ثمَّ تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالَّتِي كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف هِيَ أم حَبِيبَة وَقَالَ بن عبد الْبر قيل إِن بَنَات جحش الثَّلَاثَة زَيْنَب وَأم حَبِيبَة وَحمْنَة زوج طَلْحَة كن يستحضن كُلهنَّ وَقيل إِنَّه لم يستحض مِنْهُنَّ إِلَّا أم حَبِيبَة وَذكر القَاضِي يُونُس بن مغيث فِي كِتَابه الموعب فِي شرح الْمُوَطَّأ مث لهَذَا وَذكر أَن كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ اسْمهَا زَيْنَب ولقب إِحْدَاهُنَّ حمْنَة وكنبة الْأُخْرَى أم حَبِيبَة قَالَ وَإِذا كَانَ هَذَا هَكَذَا فقد سلم مَالك من الْخَطَأ فِي تَسْمِيَة أم حَبِيبَة زَيْنَب انْتهى كَلَام القَاضِي قَالَ النَّوَوِيّ وَأما قَوْله أم حَبِيبَة فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ الصَّحِيح أَنَّهَا أم حبيب بِلَا هَاء وَاسْمهَا حَبِيبَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ قَول الْحَرْبِيّ صَحِيح وَكَانَ من أَئِمَّة النَّاس بِهَذَا الشَّأْن وَقَالَ أَبُو عَليّ الغساني الصَّحِيح أَن اسْمهَا حَبِيبَة وَقَالَ بن الْأَثِير يُقَال لَهَا أم حَبِيبَة وَقيل أم حبيب قَالَ وَالْأول أَكثر وَكَانَت مُسْتَحَاضَة وَأهل السّير يَقُولُونَ الْمُسْتَحَاضَة أُخْتهَا حمْنَة بنت جحش قَالَ بن عبد الْبر الصَّحِيح إنَّهُمَا كَانَتَا تستحاضان انْتهى وَقَالَ صَاحب الْمطَالع قَول الْمُوَطَّأ رَأَتْ زَيْنَب بنت جحش قَالَ الْحَرْبِيّ صَوَابه أم حبيب وَاسْمهَا حَبِيبَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ الصَّوَاب قَالَ أَبُو عَمْرو وَهُوَ الْأَكْثَر وَبَنَات جحش ثَلَاث زَيْنَب وحبيبة هَذِه وَحمْنَة فَقيل كن يستحضن كُلهنَّ وَقيل بل حَبِيبَة فَقَط وَقيل بل حَبِيبَة وَحمْنَة وَهَذَا الْأَصَح وَحكى لنا شَيخنَا أَبُو إِسْحَاق اللواتي عَن بن سهل عَن يُونُس بن عبد الله القَاضِي أَنه حكى إِن بَنَات جحش كن ثَلَاثًا اسْم كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ زَيْنَب وَكن يستحضن كُلهنَّ قَالَ القَاضِي وَسَأَلت عَن ذَلِك حفيده يُونُس بن مُحَمَّد بن مغيث فصححه قَالَ بن قرقول وَهَذَا لَا يقبل وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يسمع إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَأهل الْمعرفَة بِهَذَا الشَّأْن لَا يثبتونه وَإِنَّمَا حمل عَلَيْهِ من قَالَه إِنَّه لَا ينْسب إِلَى مَالك وهم انْتهى فَائِدَة عد الْحَافِظ بن حجر فِي شرح البُخَارِيّ المستحاضات من الصحابيات فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فبلغن عشرَة بَنَات جحش الثَّلَاثَة على مَا تقدم وَفَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش وَتقدم حَدِيثهَا وَسَوْدَة بنت زَمعَة وحديثها عِنْد أبي دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَأم سَلمَة وحديثها فِي سنَن سعيد بن مَنْصُور وَأَسْمَاء بنت عُمَيْس رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ فِي سنَن أبي دَاوُد أَيْضا لَكِن على التَّرَدُّد هَل هُوَ عَنَّا أَو عَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش وسهلة بنت سُهَيْل ذكرهَا أَبُو دَاوُد أَيْضا وَأَسْمَاء بنت مرشد ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وبادية بنت غيلَان ذكرهَا ان مَنْدَه وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي حمْنَة حَدِيث يحيى بن أبي كثير أَن زَيْنَب بنت أم سَلمَة استحاضت قَالَ الْحَافِظ بن حجر لَكِن الحَدِيث فِي سنَن أبي دَاوُد من حِكَايَة زَيْنَب عَن غَيرهَا وَهُوَ أشبه فانها كَانَت ف زَمَنه صلى الله عليه وسلم صَغِيرَة لِأَنَّهُ دخل على أمهَا فِي السّنة الثَّالِثَة وَهِي ترْضع

[140]

أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بصبي فَبَال على ثَوْبه قَالَ الْحَافِظ بن حجر يظْهر لي أَن المُرَاد بِهِ بن أم قيس الْمَذْكُور فِي الحَدِيث بعده قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون الْحسن بن عَليّ أَو الْحُسَيْن فقد وَقع لَهما أَيْضا ذَلِك كَمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث أم سَلمَة وَغَيرهَا فَأتبعهُ إِيَّاه بِإِسْكَان الْمُثَنَّاة أَي أتبع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْبَوْل المَاء أَي صبه عَلَيْهِ وَلمُسلم فَاتبعهُ وَلم يغسلهُ وَلابْن الْمُنْذر فنضحه عَلَيْهِ

ص: 63

[141]

عَن أم قيس بنت مُحصن قَالَ بن عبد الْبر اسْمهَا جذامة يَعْنِي بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة وَقَالَ السُّهيْلي اسْمهَا آمِنَة وَهِي أُخْت عكاشة بن مُحصن الْأَسدي وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول أَنَّهَا أَتَت بِابْن لَهَا صَغِير قَالَ الْحَافِظ بن حجر لم أَقف على تَسْمِيَته قَالَ وروى النَّسَائِيّ أَن ابْنهَا هَذَا مَاتَ فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَغِير فِي حجره بِفَتْح الْحَاء فَبَال على ثَوْبه قَالَ الْحَافِظ بن حجر أَي ثوب النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ وَأغْرب بن شعْبَان من الْمَالِكِيَّة فَقَالَ المُرَاد بِهِ ثوب الصَّبِي وَالصَّوَاب الأول وَلم يغسلهُ ادّعى الْأصيلِيّ أه هَذِه الْجُمْلَة مدرجة فِي آخر الحَدِيث من كَلَام بن شهَاب وَإِن الْمَرْفُوع انْتهى عِنْد قَوْله فنضحه قَالَ وَكَذَلِكَ روى معمر عَن بن شهَاب وَكَذَلِكَ أخرجه بن أبي شيبَة قَالَ فرشه وَلم يرد على ذَلِك وَتوقف الْحَافِظ بن حجر فِي ذَلِك قَالَ نعم زَاد معمر فِي رِوَايَته قَالَ بن شهَاب فمضت السّنة أَن يرش بَوْل الصَّبِي وَيغسل بَوْل الْجَارِيَة أخرجه عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه

[142]

عَن يحيى بن سعيد أَنه قَالَ دخل أَعْرَابِي الْمَسْجِد وَصله البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من طرق عَن يحيى عَن أنس بقه قَالَ بن عبد الْبر وَهَذَا الحيدث أصح حَدِيث يرْوى فِي المَاء قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَقد حكى أَبُو بكر التاريخي عَن عبد الله بن رَافع الْمدنِي أَن هَذَا الْأَعرَابِي هُوَ الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي لَكِن أخرج أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي الصَّحَابَة من مُرْسل سُلَيْمَان بن يسَار أَنه ذُو الْخوَيْصِرَة قَالَ وَكَانَ رجلا جَافيا وَفِي الصَّحِيح أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ الْقِسْمَة أعدل فَقَالَ لَهُ وَيحك وَمن يعدل إِذا لم أعدل وَفِي التِّرْمِذِيّ فِي أول هَذَا الحَدِيث انه صلى ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحمدا وَلَا ترحم مَعنا أحدا فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم لقد تحجرت وَاسِعًا فَلم يلبث أَن بَال فِي الْمَسْجِد قَالَ بعض الْفُضَلَاء فَهُوَ الْقَائِل والسائل والبائل بذنوب بِفَتْح الْمُعْجَمَة قَالَ الْخَلِيل هُوَ الدَّلْو ملأى مَاء وَقَالَ بن فَارس الدَّلْو الْعَظِيمَة وَقَالَ بن السّكيت فِيهَا مَاء قربت من الملء وَلَا يُقَال لَهَا فارغة ذنُوب فصب على ذَلِك الْمَكَان زَاد مُسلم ثمَّ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِن هَذِه الْمَسَاجِد لَا تصلح لشَيْء من هَذَا الْبَوْل وَلَا القذر إِنَّمَا هِيَ لذكر الله وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن

[143]

بَلغنِي أَن بعض من مضى كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ من الْغَائِط قَالَ فِي الاستذكار عي بِمن مضى عمر بن الْخطاب لِأَن من رِوَايَته أَنه كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ لما تَحت إزَاره وَقد روى فِي قصَّة أهل قبَاء أَنهم كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ من الْغَائِط بِالْمَاءِ

ص: 64

[144]

عَن بن شهَاب عَن بن السباق أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي جُمُعَة من الْجمع وَصله بن ماجة من طَرِيق صَالح بن أبي الْأَخْضَر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد بن السباق عَن بن عَبَّاس بِهِ وَفَاتَ بن عبد الْبر ذَلِك وَاسم بن السباق عبيد وَهُوَ من ثِقَات التَّابِعين بِالْمَدِينَةِ وأشرافهم يَا معشر الْمُسلمين قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم المعشر الطَّائِفَة الَّذين يشملهم وصف فالشباب معشر والشيوخ معشر وَالنِّسَاء معشر والأنبياء معشر وَكَذَا مَا أشبهه إِن هَذَا يَوْم جعله الله عيدا أَي لهَذِهِ الْأمة خَاصَّة قَالَ أَبُو سعد فِي شرف الْمُصْطَفى وَابْن سراقَة فِي الاعداد خص رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِيَوْم الْجُمُعَة عيدا لَهُ ولأمته قَالَ بن عبد الْبر فِي الحَدِيث دَلِيل على أَن من حلف أَن يَوْم الْجُمُعَة يَوْم عيد لم يَحْنَث وَكَذَا لَو حلف على فعل شَيْء يَوْم عيد وَلَا نِيَّة لَهُ فَإِنَّهُ يبر بِفِعْلِهِ يَوْم جُمُعَة وَعَلَيْكُم بِالسِّوَاكِ قَالَ الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند السِّوَاك فِيمَا حكى بن دُرَيْد من قَوْلهم سكت الشَّيْء إِذا دلكته سوكا وَذكر أَنه يُقَال ساك فَاه فَإِذا قلت استاك لم يذكر الْفَم وَعَن الْخَلِيل أَنه من قَوْلهم تساوكت الْإِبِل أَي اضْطَرَبَتْ أعناقها من الهزال وَذَلِكَ لِأَن الْيَد تضطرب عِنْد السِّوَاك قَالَ والسواك الْعود نَفسه والسواك اسْتِعْمَاله وَعَن أبي حنيفَة الدينَوَرِي أَنه يُقَال سواك ومسواك وَيجمع مساويك وسوكا انْتهى

[145]

لَوْلَا أَن أشق على أمتِي قَالَ الرَّافِعِيّ أَي اثقل عَلَيْهِم يَقُول شققت عَلَيْهِ إِذا أدخلت عَلَيْهِ الْمَشَقَّة أشق شقا بِالْفَتْح لأمرتهم بِالسِّوَاكِ قَالَ الرَّافِعِيّ أَي أَمر إِيجَاب وَقَالَ بن دَقِيق الْعِيد اسْتدلَّ بِهِ بعض أهل الْأُصُول على أَن الْأَمر للْوُجُوب وَوجه الِاسْتِدْلَال أَن كلمة لَوْلَا تدل على انْتِفَاء الشَّيْء لوُجُود غَيره فتدل على انْتِفَاء الْأَمر لوُجُود الْمَشَقَّة والمنفي لأجل الْمَشَقَّة إِنَّمَا هُوَ الْوُجُوب لَا الِاسْتِحْبَاب فَإِن اسْتِحْبَاب السِّوَاك ثَابت عِنْد كل صَلَاة فَيَقْتَضِي ذَلِك أَن الْأَمر للْوُجُوب انْتهى وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث فتم بن الْعَبَّاس أَو تَمام بن الْعَبَّاس لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لفرضت عَلَيْهِم السِّوَاك كَمَا فرضت عَلَيْهِم الْوضُوء وَلابْن ماجة من حَدِيث أبي أُمَامَة مَا جَاءَ فِي جِبْرِيل إِلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى خشيت أَن يفْرض عَليّ وعَلى أمتِي لَوْلَا أَنِّي أَخَاف أَن أشق على أمتِي لفرضته لَهُم تَنْبِيه فِي الحَدِيث اخْتِصَار من أَثْنَائِهِ وَآخره وَقد أخرجه الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن سُفْيَان عَن أبي الزِّنَاد بِسَنَدِهِ بِلَفْظ لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِتَأْخِير الْعشَاء والسواك عِنْد كل صَلَاة

[146]

عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ لَوْلَا أَن يشق على أمته لأمرهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كل وضوء قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث يدْخل فِي الْمسند لاتصاله من غير مَا وَجه وَلما يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ قَالَ وَبِهَذَا اللَّفْظ رَوَاهُ أَكثر الروَاة عَن مَالك وَمِمَّنْ رَوَاهُ كَمَا رَوَاهُ يحيى أَبُو مُصعب وَابْن بكير والقعنبي وَابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَابْن نَافِع وَرَوَاهُ معن بن عِيسَى وَأَيوب بن صَالح وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَجُوَيْرِية وَأَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس ومطرف بن عبد الله اليساري ألأصم وَبشر بن عمر وروح بن عبَادَة وَسَعِيد بن عفير وَسَحْنُون عَن بن الْقَاسِم عَن مَالك بِسَنَدِهِ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَوْلَا أَن يشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كل وضوء

ص: 65

[147]

كتاب الصَّلَاة عَن يحيى بن سعيد أَنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد أَرَادَ أَن يتَّخذ خشبتين الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر روى قصَّة عبد الله بن زيد هَذِه فِي بَدْء الْأَذَان جمَاعَة من الصَّحَابَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَمَعَان مُتَقَارِبَة والأسانيد فِي ذَلِك متواترة وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر قد اسْتشْكل اثبات حكم الْأَذَان برؤيا عبد الله بن زيد لِأَن رُؤْيا غير الْأَنْبِيَاء لَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا حكم شَرْعِي وَأجِيب بِاحْتِمَال مُقَارنَة الْوَحْي لذَلِك وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل من طَرِيق عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ أحد كبار التَّابِعين أَن عمر لما رأى الْأَذَان جَاءَ ليخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَوجدَ الْوَحْي قد ورد بذلك فَمَا راعه إِلَّا أَذَان بِلَال فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَبَقَك بذلك الْوَحْي قَالَ الْحَافِظ وَهَذَا أصح مِمَّا حكى الدَّاودِيّ عَن بن إِسْحَاق أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْأَذَانِ قبل أَن يُخبرهُ عبد الله بن زيد وَعمر بِثمَانِيَة أَيَّام انْتهى وَفِي كتاب الْأَذَان لأبي الشَّيْخ عَن بن عَبَّاس قَالَ الْأَذَان نزل على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَعَ فرض الصَّلَاة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ الْحَافِظ مغلطاي أَي مَعَ فرض الْجُمُعَة وَأخرج بن عَبَّاس قَالَ علم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْأَذَان حِين أسرِي بِهِ وَأخرج بن شاهين عَن زيد بن الْمُنْذر قَالَ حَدثنِي الْعَلَاء قَالَ قلت لِابْنِ الحنيفة كُنَّا نتحدث أَن الْأَذَان رُؤْيا رَآهَا رجل من الْأَنْصَار فَفَزعَ وَقَالَ عمدتم إِلَى أحسن دينكُمْ فزعمتم أَنه كَانَ رُؤْيا هَذَا وَالله الْبَاطِل وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بِهِ انْتهى إِلَى مَكَان من السَّمَاء وقف وَبعث الله ملكا مَا رَآهُ أحد فِي السَّمَاء قبل ذَلِك الْيَوْم فَعلمه الْأَذَان

[148]

عَن بن شهَاب عَن عَطاء بن يزِيد ذكر الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر فِي كتاب ذخيرة الْحفاظ أَن الْمُغيرَة بن سكلاب رَوَاهُ عَن مَالك فَزَاد فِي سَنَده سعيد بن الْمسيب مَقْرُونا بعطاء وَقَالَ بن عدي ذكر سعيد فِي هَذَا الْإِسْنَاد غَرِيب لَا أعلم يرويهِ عَن مَالك غير مُغيرَة وَهُوَ ضَعِيف وَفِي التَّمْهِيد رَوَاهُ مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ بن عبد الْبر وَذَلِكَ خطأ من كل من رَوَاهُ عَن مُسَدّد أَو غَيره وَفِي كتاب أَطْرَاف الْمُوَطَّأ لأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى الدانىء وَرَوَاهُ عَمْرو بن مَرْزُوق عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ وَذَلِكَ وهم إِذا سَمِعْتُمْ النداء قَالَ الرَّافِعِيّ أَي الْأَذَان سمي بِهِ لِأَنَّهُ نِدَاء إِلَى الصَّلَاة وَدُعَاء إِلَيْهَا فَقولُوا مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن قَالَ الْحَافِظ بن حجر ادّعى بن وضاح أَن قَوْله الْمُؤَذّن مدرج وَإِن الحَدِيث انْتهى عِنْد قَوْله مثل مَا يَقُول قَالَ وَتعقب بِأَن الادراج لَا يثبت بِمُجَرَّد الدَّعْوَى وَقد اتّفقت الرِّوَايَات فِي الصَّحِيحَيْنِ والموطأ على إِثْبَاتهَا وَلم يصب صَاحب الْعُمْدَة فِي حذفهَا قَالَ الْحَافِظ مغلطاي وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي الموطآت أَن لفظ عبد الرَّزَّاق عَن مَالك فَقولُوا مثل مَا يَقُول الْمُنَادِي قَالَ الرَّافِعِيّ وَظَاهر قَوْله مثل مَا يَقُول أَنه يَقُول مثل قَوْله فِي جَمِيع الْكَلِمَات لَكِن وَردت أَحَادِيث باستثناء حَيّ على الصَّلَاة وَحي على الْفَلاح وَإنَّهُ يَقُول بدلهما لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقَالَ بن الْمُنْذر يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من الِاخْتِلَاف الْمُبَاح فَيَقُول تَارَة كَذَا وَتارَة كَذَا

ص: 66

[149]

عَن سمى بِضَم أَوله بِلَفْظ التصغير مولى أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن أَي بن الْحَارِث بن هِشَام لَو يعلم النَّاس قَالَ الطَّيِّبِيّ وضع الْمُضَارع مَوضِع الْمَاضِي ليُفِيد اسْتِمْرَار الْعلم مَا فِي النداء فِي رِوَايَة بشر بن عمر عَن مَالك عِنْد السراج الْأَذَان والصف الأول زَاد أَبُو الشَّيْخ فِي رِوَايَة لَهُ من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة من الْخَيْر وَالْبركَة قَالَ الْبَاجِيّ اخْتلف فِي الصَّفّ الأول هَل هُوَ الَّذِي يَلِي الامام أَو الْمُنكر قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَالصَّحِيح أَنه الَّذِي يَلِي الامام قَالَا فَإِن كَانَ بَين الامام وَالنَّاس سَائل كَمَا أحدث النَّاس المقاصير فالصف الأول الَّذِي يَلِي الْمَقْصُورَة ثمَّ لم يَجدوا إِلَّا أَن يستهموا أَي يقترعوا وَقيل المُرَاد يتراموا بِالسِّهَامِ وَإنَّهُ خرج مخرج الْمُبَالغَة وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث لتجالدوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ عَلَيْهِ أَي على مَا ذكر من الْأَمريْنِ وَقَالَ بن عبد الْبر الْهَاء عَائِدَة على الصَّفّ الأول لَا على النداء وَهُوَ وَجه الْكَلَام لِأَن الضَّمِير يعود لأَقْرَب مَذْكُور ونازعه الْقُرْطُبِيّ وَقَالَ إِنَّه يلْزم مِنْهُ أَن يبْقى النداء ضائعا لَا فَائِدَة لَهُ قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَقد رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن مَالك بِلَفْظ لاستهموا عَلَيْهِمَا وَهُوَ مفصح بالمراد من غير تكلّف مَا فِي التهجير هُوَ النكير إِلَى الصَّلَاة أَي صَلَاة كَانَت قَالَه الْهَرَوِيّ وَغَيره وَخَصه الْخَلِيل بِالْجمعَةِ قَالَ النَّوَوِيّ وَالصَّوَاب الْمَشْهُور الأول وَقَالَ الْبَاجِيّ التهجير التبكير إِلَى الصَّلَاة فِي الهاجرة وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا فِي الظّهْر أَو الْجُمُعَة لاستبقوا إِلَيْهِ قَالَ بن أبي جَمْرَة المُرَاد الاستباق معنى لَا حسا لِأَن الْمُسَابقَة على الْأَقْدَام حسا تَقْتَضِي السرعة فِي الْمَشْي وَهُوَ مَمْنُوع مِنْهُ مَا فِي الْعَتَمَة أَي العشا قَالَ النَّوَوِيّ وَقد سبق النَّهْي عَن تَسْمِيَة الْعشَاء عتمة وَالْجَوَاب عَن هَذَا الحَدِيث من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذِه التَّسْمِيَة بَيَان للْجُوَاز وَإِن ذَلِك النَّهْي لَيْسَ للتَّحْرِيم وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر أَن اسْتِعْمَاله الْعَتَمَة هُنَا لمصْلحَة وَنفي مفْسدَة لِأَن الْعَرَب كَانَت تسْتَعْمل لَفْظَة الْعشَاء فِي الْمغرب فَلَو قَالَ لَو يعلمُونَ مَا فِي الْعشَاء لحملوها على الْمغرب ففسد الْمَعْنى وَفَاتَ الْمَطْلُوب فَاسْتعْمل الْعَتَمَة الَّتِي يعرفونها وَلَا يَشكونَ فِيهَا قَالَ وقواعد الشَّرْع متظاهرة على احْتِمَال أخف المفسدتين لدفع أعظمها وَالصُّبْح قَالَ الْبَاجِيّ خص هَاتين الصَّلَاتَيْنِ بذلك لِأَن السَّعْي إِلَيْهِمَا أشق من غَيرهمَا زَاد النَّوَوِيّ لما فِيهِ من تنقيص أول النّوم وَآخره وَلَو حبوا بِسُكُون الْبَاء قَالَ النَّوَوِيّ وَإِنَّمَا ضَبطه لِأَنِّي رَأَيْت من الْكِبَار من صحفه وَفِي شرح الْمَشَارِق للشَّيْخ أكمل الدّين الحبو بِالْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُوَحدَة هُوَ الْمَشْي على الْيَدَيْنِ والركبتين وَلابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء وَلَو حبوا على الْمرَافِق والركب

[150]

إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ قَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ أُقِيمَت قَالَ وَسميت الْإِقَامَة تثويبا لِأَنَّهَا دُعَاء إِلَى الصَّلَاة بعد الدُّعَاء بِالْأَذَانِ من قَوْلهم ثاب إِذا رَجَعَ وَقد ورد من طَرِيق آخر بِلَفْظ إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة قَالَ النَّوَوِيّ وَإِنَّمَا ذكر الْإِقَامَة للتّنْبِيه بهَا على مَا سواهَا لِأَنَّهُ إِذا نهى عَن إتيانها سعيا فِي حَال الْإِقَامَة مَعَ خوف فَوت بَعْضهَا فَقبل الْإِقَامَة أولى قَالَ وأكد ذَلِك بِبَيَان الْعلَّة بقوله فَإِن أحدكُم فِي صَلَاة مَا كَانَ يعمد إِلَى صَلَاة وَهَذَا يتَنَاوَل جَمِيع أَوْقَات الْإِتْيَان إِلَى الصَّلَاة وأكد ذَلِك تَأْكِيدًا آخر بقوله فَمَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فَأتمُّوا فَحصل فِيهِ تَنْبِيه وتأكيد لِئَلَّا يتَوَهَّم متوهم أَن النَّهْي إِنَّمَا هُوَ لمن لم يخف فَوت بعض الصَّلَاة فَصرحَ بِالنَّهْي وَإِن فَاتَ من اصلاة مَا فَاتَ وَبَين مَا يفعل فِيمَا فَاتَ وَقَوله وَعَلَيْكُم السكنية بِالرَّفْع على أَنَّهَا جملَة فِي مَوضِع الْحَال وَضَبطه الْقُرْطُبِيّ بِالنّصب على الإغراء

ص: 67

[151]

فَإِذا كنت فِي غنمك أَو باديتك قَالَ الرَّافِعِيّ يحْتَمل أَن يكون شكا من الرَّاوِي وَيحْتَمل أَن يُرِيد فِي غنمك أَو فِي باديتك بَعيدا عَن الْغنم أَو بِلَا غنم قَالَ مغلطاي والبادية هِيَ الصَّحرَاء لاتي لَا عمَارَة فِيهَا لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن المدى بِفَتْح الْمِيم وَالْقصر الْغَايَة والمنتهى قَالَ الْبَيْضَاوِيّ غَايَة الصَّوْت يكون للمصغي من انتهائه فَإِذا شهد لَهُ من بعد عَنهُ وَوصل إِلَيْهِ مُنْتَهى صَوته فَلِأَن يشْهد لَهُ من دنا مِنْهُ وَسمع مبادي صَوته أولى جن قَالَ الرَّافِعِيّ يشبه أَن يُرِيد مُؤمن الْجِنّ وَأما غَيرهم فَلَا يشْهدُونَ للمؤذن بل يغيرون وينفرون من الْأَذَان وَلَا أنس قَالَ القَاضِي عِيَاض قيل هُوَ خَاص بِالْمُؤْمِنِينَ فَأَما الْكفْر فَلَا شَهَادَة لَهُ قَالَ وَهَذَا لَا يسلم لقائله لما جَاءَ فِي الْآثَار من خِلَافه وَلَا شَيْء قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ سَائِر الْحَيَوَانَات لِأَنَّهُ الَّذِي يَصح أَن يسمع صَوته وَقَالَت طَائِفَة الحَدِيث على عُمُومه فِي سَائِر الْحَيَوَانَات والجماد وَإِن الله تَعَالَى يخلق لَهَا إدراكا للاذان وعقلا وَمَعْرِفَة كَقَوْلِه تَعَالَى وَإِن من شَيْء إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ قلت وَيشْهد لَهُ مَا فِي رِوَايَة بن خُزَيْمَة لَا يسمع صَوته شجر وَلَا مدر وَلَا حجر وَلَا جن وَلَا إنس وَلأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس وَنَحْوه للنسائي من حَدِيث الْبَراء وَصَححهُ بن السكن إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الزين بن الْمُنِير السِّرّ فِي هَذِه الشَّهَادَة مَعَ أَنَّهَا تقع عِنْد عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَن أَحْكَام الْآخِرَة جرت على نعت أَحْكَام الْخلق فِي الدُّنْيَا من تَوْجِيه الدَّعْوَى وَالْجَوَاب وَالشَّهَادَة وَقَالَ التوربشتي المُرَاد من هَذِه الشَّهَادَة إشهار الْمَشْهُود لَهُ يَوْم الْقِيَامَة بِالْفَضْلِ وعلو الدرجَة وكما أَن الله يفضح بِالشَّهَادَةِ قوما فَكَذَلِك يكرم بِالشَّهَادَةِ آخَرين وَقَالَ الْبَاجِيّ فَائِدَة ذَلِك أَن من يشْهد لَهُ يكون أعظم أجرا فِي الْآخِرَة مِمَّن أذن فَلم يسمعهُ من يشْهد لَهُ قَالَ أَبُو سعيد سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الرَّافِعِيّ يَعْنِي أَنه لَا يسمع إِلَى آخِره قلت وَقد بَينه بن خُزَيْمَة فِي رِوَايَته وَلَفظه قَالَ أَبُو سعيد إِذا كنت فِي الْبَوَادِي فارفع صَوْتك بالنداء فَانِي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا يسمع إِلَى آخِره وَرَوَاهُ يحيى الْقطَّان عَن مَالك بِلَفْظ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا أَذِنت فارفع صَوْتك فَإِنَّهُ لَا يسمع إِلَى آخِره قَالَ الْحَافِظ بن حجر فَالظَّاهِر أَن ذكر الْبَادِيَة وَالْغنم وقُوف

ص: 68

[152]

إِذا نُودي للصَّلَاة أدبر الشَّيْطَان زَاد مُسلم حَتَّى يكون مَكَان الروحاء قَالَ الرَّاوِي وَهِي من الْمَدِينَة سِتَّة وَثَلَاثُونَ ميلًا قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ إِبْلِيس وَيحْتَمل أَن المُرَاد جنس شَيْطَان الْجِنّ لَهُ ضراط جملَة اسمية وَقعت حَالا بِدُونِ وَاو لحُصُول الارتباط بالضمير وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَله بِالْوَاو وَقَالَ القَاضِي عِيَاض يُمكن حمله على ظَاهره لِأَنَّهُ جسم منفذ يَصح مِنْهُ خُرُوج الرّيح وَيحْتَمل أَنه عبارَة عَن شدَّة خَوفه ونفاره حَتَّى لَا يسمع النداء أَو يصنع ذَلِك اسْتِخْفَافًا كَمَا يَفْعَله السُّفَهَاء وَيحْتَمل أَنه لَا يعمد ذَلِك بل يحصل لَهُ عِنْد سَماع الْأَذَان شدَّة خوف يحصل لَهُ ذَلِك الصَّوْت بِسَبَبِهَا وَيحْتَمل أَن يتَعَمَّد ذَلِك ليناسب مَا يُقَابل الصَّلَاة من الطَّهَارَة بِالْحَدَثِ قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعلمَاء وَإِنَّمَا أدبر الشَّيْطَان عِنْد الْأَذَان لِئَلَّا يسمعهُ فيضطر إِلَى أَن يشْهد لَهُ بذلك يَوْم الْقِيَامَة وَقيل لعظم أَمر الْأَذَان لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من قَوَاعِد التَّوْحِيد وَإِظْهَار شعار الْإِسْلَام وإعلانه وَقيل ليأسه من وسوسته للْإنْسَان عِنْد الاعلان بِالتَّوْحِيدِ قَالَ بن الْجَوْزِيّ فَإِن قيل كَيفَ يهرب الشَّيْطَان من الْأَذَان وَيَدْنُو فِي الصَّلَاة وفيهَا الْقُرْآن ومناجاة الْحق عز وجل فَالْجَوَاب أَن بعده عِنْد الْأَذَان لغيظه من ظُهُور الدّين وَغَلَبَة الْحق وعَلى الْأَذَان هَيْبَة يشْتَد انزعاجه لَهَا وَلَا يكَاد يَقع فِيهِ رِيَاء وَلَا غَفلَة عِنْد النُّطْق بِهِ لِأَن النَّفس لَا تحضره وَأما الصَّلَاة فَإِن النَّفس تحضر فَيفتح لَهَا الشَّيْطَان أَبْوَاب الوسواس وَقَالَ بن أبي جَمْرَة الْأَذَان إِعْلَام بِالصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أفضل الْأَعْمَال بِأَلْفَاظ هِيَ من الذّكر لَا يُزَاد فِيهَا وَلَا ينقص مِنْهَا بل تقع على وفْق الْأَمر فيفر من سماعهَا وَأما الصَّلَاة فَلَمَّا يَقع من كثير من النَّاس فِيهَا من التَّفْرِيط فيتمكن من المفرط فَلَو قدر أَن الْمُصَلِّي وفى بِجَمِيعِ مَا أَمر بِهِ فِيهَا لم يقر بِهِ إِذا كَانَ وَحده وَهُوَ نَادِر وَكَذَا إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ مثله فَإِنَّهُ يكون أندر فَإِذا قضي النداء أقبل زَاد مُسلم فوسوس حَتَّى إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ بِضَم الْمُثَلَّثَة وَكسر الْوَاو الْمُشَدّدَة أَي أُقِيمَت وَأَصله من ثاب إِذا رَجَعَ ومقيم الصَّلَاة رَاجع إِلَى الدُّعَاء إِلَيْهَا فَإِن الْأَذَان دُعَاء إِلَى الصَّلَاة والاقامة دَعَا إِلَيْهَا حَتَّى يخْطر بَين الْمَرْء وَنَفسه هُوَ بِضَم الطَّاء وَكسرهَا حَكَاهُمَا القَاضِي عِيَاض فِي الْمَشَارِق قَالَ وضبطناه عَن المتقنين بِالْكَسْرِ وسمعناه من أَكثر الروَاة بِالضَّمِّ قَالَ وَالْكَسْر هُوَ الْوَجْه وَمَعْنَاهُ يوسوس وَهُوَ من قَوْلهم خطر الْفَحْل بدنه إِذا حركه فَضرب بِهِ فَخذيهِ وَأما بِالضَّمِّ فَمن السلوك وَالْمرَاد أَن يدنو مِنْهُ فيمر بَينه وَبَين قلبه فيشغله عَمَّا هُوَ فِيهِ وَبِهَذَا فسر الشارحون للموطأ وبالأول فسره الْخَلِيل وَقَالَ الْبَاجِيّ فيحول بَين الْمَرْء وَبَين مَا يُرِيد من نَفسه من إقباله على صلَاته وإخلاصه انْتهى اذكر كَذَا قَالَ الْحَافِظ بن حجر هَذَا أَعم من أَن يكون فِي أُمُور الدُّنْيَا أَو فِي أُمُور الدّين كَالْعلمِ لما لم يكن يذكر زَاد مُسلم من قبل أَي لشَيْء لم يكن على ذكره قبل دُخُوله فِي الصَّلَاة وَمن هُنَا استنبط أَبُو حنيفَة للَّذي شكا إِلَيْهِ أَنه دفن مَالا ثمَّ لم يهتد لمكانه أَن يُصَلِّي ويحرص على أَن لَا يحدث نَفسه بِشَيْء من أُمُور الدُّنْيَا فَفعل فَذكر مَكَان المَال فِي الْحَال حَتَّى يظل الرجل إِن يدْرِي كم صلى الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة بالظاء المشالة الفتوحة بِمَعْنى يصير وبكسر همزَة إِن بِمَعْنى مَا أَو لَا النافية وَرُوِيَ بِفَتْح الْهمزَة ونسبها ابْن عبد الْبر لأكْثر رُوَاة الْمُوَطَّأ وَرُوِيَ بالضاد الساقطة مَكْسُورَة بِمَعْنى ينسى ومفتوحة بِمَعْنى يتحير من الضلال وَهُوَ الْحيرَة قَالَ الْقُرْطُبِيّ لَيست رِوَايَة فتح أَن بِشَيْء إِلَّا مَعَ رِوَايَة الضَّاد الساقطة فَتكون أَن مَعَ الْفِعْل فِي تَأْوِيل الْمصدر فِي مَوضِع مفعول صل أَو بِإِسْقَاط حرف لجر أَي يضل من درايته وَكَذَا قَالَ القَاضِي عِيَاض لَا يَصح فتحهَا إِلَّا على رِوَايَة من روى يضل بِكَسْر الضَّاد فَتكون أَن مَعَ الْفِعْل مَفْعُوله أَي يجهل درايته وينسى عدد ركعاته قَالَ بن دَقِيق الْعِيد وَلَو روى هَذَا الْوَجْه حَتَّى يضل الرجل بِضَم أَوله لَكَانَ وَجها صَحِيحا يُرِيد حَتَّى يضل الشَّيْطَان الرجل عَن دراية كم صلى قَالَ وَلَا أعلم أحدا رَوَاهُ كَذَا لكنه لَو روى لَكَانَ صَحِيحا فِي الْمَعْنى غير خَارج عَم مُرَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 69

[153]

عَن أبي حَازِم اسْمه سَلمَة بن دِينَار عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أَنه قَالَ ساعتان يفتح لَهما أَبْوَاب السَّمَاء قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جمَاعَة الروَاة وَمثله لَا يُقَال من جِهَة الرَّأْي وَقد رَوَاهُ أَيُّوب بن سُوَيْد وَمُحَمّد بن مخلد وَإِسْمَاعِيل بن عَمْرو عَن مَالك مَرْفُوعا وَرُوِيَ من طرق مُتعَدِّدَة عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكره قلت وَمن بعض طرقه المرفوعة أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَلأبي نعيم فِي الْحِلْية من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا ثَلَاث سَاعَات للمرء الْمُسلم مَا دَعَا فِيهِنَّ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ مَا لم يسْأَل قطيعة رحم أَو مأثما حِين يُؤذن الْمُؤَذّن بِالصَّلَاةِ حَتَّى يسكت وَحين يلتقي الصفان حَتَّى يحكم الله بَينهمَا وَحين ينزل الْمَطَر حَتَّى يسكن قَالَ الْبَاجِيّ قَوْله يفتح لَهما يحْتَمل أَن يُرِيد يَقع فيهمَا وَإِن يُرِيد يفتح من أجل فضيلتهما وَقل دَاع ترد عَلَيْهِ دَعوته قَالَ الْبَاجِيّ إِخْبَار بِأَن الْإِجَابَة فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ هِيَ الْأَكْثَر وَإِن رد الدُّعَاء فيهمَا ينْدر وَلَا يكَاد يَقع قلت بل قل هُنَا للنَّفْي الْمَحْض كَمَا هُوَ أحد استعمالاتها قَالَ بن مَالك فِي التسهيل وَغَيره ترد قل للنَّفْي الْمَحْض فَترفع الْفَاعِل متلوا بِصفة مُطَابقَة لَهُ نَحْو قل رجل يَقُول ذَلِك وَقل رجلَانِ يَقُولَانِ ذَلِك وَهِي من الْأَفْعَال الَّتِي منعت التَّصَرُّف وَسُئِلَ مَالك عَن تَسْلِيم الْمُؤَذّن على الامام ودعائه إِيَّاه للصَّلَاة وَمن أول من سلم عَلَيْهِ فَقَالَ لم يبلغنِي أَن التَّسْلِيم كَانَ فِي الزَّمَان الأول قَالَ الْبَاجِيّ أَي لم يكن فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رضي الله عنهم وَإِنَّمَا كَانَ الْمُؤَذّن يُؤذن فَإِن كَانَ الامام فِي شغل جَاءَ الْمُؤَذّن فاعلمه باجتماع النَّاس للصَّلَاة دون تكلّف وَلَا اسْتِعْمَال فَأَما مَا يتَكَلَّف الْيَوْم من وقُوف الْمُؤَذّن بِبَاب الْأَمِير وَالسَّلَام عَلَيْهِ وَالدُّعَاء للصَّلَاة بعد ذَلِك فَإِنَّهُ لِمَعْنى المباهاة وَالصَّلَاة تنزه عَن ذَلِك وَقد قَالَ القَاضِي أَبُو الْحق فِي مبسوطه عَن عبد الْملك بن الْمَاجشون ان كَيْفيَّة السَّلَام السَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْأَمِير وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الصَّلَاة يَرْحَمك الله وَقد قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق رُوِيَ أَن عمر أنكر على أبي مَحْذُورَة دعاءه إِيَّاه إِلَى الصَّلَاة وَأول من فعله مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رضي الله عنه انْتهى وَقَالَ بن عبد الْبر أول من فعل ذَلِك مُعَاوِيَة أَمر الْمُؤَذّن أَن يشعره ويناديه فَيَقُول السَّلَام على أَمِير الْمُؤمنِينَ الصَّلَاة يَرْحَمك اله وَقيل أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أول من فعل ذَلِك قَالَ وَالْأول أصح وَفِي الخطط للمقريزي قَالَ الْوَاقِدِيّ وَغَيره كَانَ بِلَال يقف على بَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يعد الْأَذَان فَيَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله الصَّلَاة يَا رَسُول اله فَلَمَّا ولى أَبُو بكر كَانَ سعد الْقرظ يقف على بَابه فَيَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا خَليفَة رَسُول اله الصَّلَاة يَا خَليفَة رَسُول الله فَلَمَّا ولي عمر ولقب أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ الْمُؤَذّن يقف على بَابه وَيَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ إِن عمر أَمر الْمُؤَذّن فَزَاد فِيهَا رَحِمك الله وَيُقَال إِن عُثْمَان زَادهَا وَمَا زَالَ المؤذنون إِذا أذنوا سلمُوا على الْخُلَفَاء وأمراء الْأَعْمَال ثمَّ يُقِيمُونَ الصَّلَاة بعد السَّلَام فَيخرج الْخَلِيفَة أَو الْأَمِير فَيصَلي بِالنَّاسِ هَكَذَا كَانَ الْعَمَل مُدَّة أَيَّام بني أُميَّة ثمَّ مُدَّة أَيَّام بني الْعَبَّاس حَتَّى ترك الْخُلَفَاء الصَّلَاة بِالنَّاسِ فَترك ذَلِك انْتهى وَفِي الْأَوَائِل للعسكري من طَرِيق الْوَاقِدِيّ عَن بن أبي قَالَ قلت لِلزهْرِيِّ من أول من سلم عَلَيْهِ فَقيل السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة اله وَبَرَكَاته حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح الصَّلَاة يَرْحَمك الله فَقَالَ مُعَاوِيَة بِالشَّام ومروان بن الحكم بِالْمَدِينَةِ

[154]

مَالك أَنه بلغه أَن الْمُؤَذّن جَاءَ عمر بن الْخطاب يُؤذنهُ لصَلَاة الصُّبْح فَوَجَدَهُ نَائِما فَقَالَ الصَّلَاة خير من النّوم فَأمره عمر فَجَعلهَا فِي نِدَاء الصُّبْح قَالَ بن عبد الْبر لَا أعلم أحدا روى هَذَا عَن عمر من وَجه يحْتَج بِهِ وَتعلم صِحَّته وَإِنَّمَا جَاءَ من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن رجل يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل لَا أعرفهُ قَالَ والتثويب مَحْفُوظ مَعْرُوف فِي أَذَان بِلَال وَأبي مَحْذُورَة فِي صَلَاة الصُّبْح للنَّبِي صلى الله عليه وسلم قلت روى بن ماجة من حَدِيث بن الْمسيب عَن بِلَال أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُؤذنهُ لصَلَاة الْفجْر فَقيل هُوَ نَائِم فَقَالَ الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ فأقرت فِي تأذين الْفجْر فَثَبت الْأَمر على ذَلِك وروى بَقِي بن مخلد عَن أبي مَحْذُورَة قَالَ كنت غُلَاما صَبيا فَأَذنت بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْفجْر يَوْم حنين فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى حَيّ على الْفَلاح قَالَ ألحق فِيهَا الصَّلَاة خير من النّوم والأثر الَّذِي ذكره مَالك عَن عمر أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من طَرِيق وَكِيع فِي مُصَنفه عَن الْعمريّ عَن نَافِع عَن بن عمر عَن عمر وَعَن سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن نَافِع عَن بن عمر عَن عمر أَنه قَالَ لمؤذنه إِذا بلغت حَيّ على الْفَلاح فِي الْفجْر فَقل الصَّلَاة خير من النّوم الصَّلَاة خير من النّوم

[155]

عَن عَمه أبي سهل بن مَالك عَن أَبِيه أَنه قَالَ مَا أعرف شَيْئا مِمَّا أدْركْت النَّاس عَلَيْهِ قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد الصَّحَابَة إِلَّا النداء بِالصَّلَاةِ قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد أَنه بَاقٍ على مَا كَانَ عَلَيْهِ لم يدْخلهُ تَغْيِير وَلَا تَبْدِيل بِخِلَاف الصَّلَاة فقد أخرت عَن أَوْقَاتهَا وَسَائِر الْأَعْمَال دَخلهَا التَّغْيِير

ص: 71

[156]

إِلَّا صلوا فِي الرّحال جمع رَحل وَهُوَ الْمنزل والمسكن قَالَ الرَّافِعِيّ وَقد يُسمى مَا يستصحبه الْإِنْسَان فِي سَفَره من الأثاث رحلا قَالَ وَرُبمَا سبق إِلَى الظَّن لذَلِك أَن أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمُؤَذّن يَقُول ذَلِك كَانَ فِي الْأَسْفَار وَقد ورد التَّصْرِيح بذلك فِي رِوَايَة وَورد فِي أُخْرَى أَن ذَلِك كَانَ بِالْمَدِينَةِ والحم فِي ذَلِك لَا يخْتَلف قَالَ وَلَيْسَ فِي الحَدِيث بَيَان أَنه مَتى يُنَادي الْمُنَادِي بِهَذِهِ الْكَلِمَة أَفِي خلال الْأَذَان أم بعده لَكِن الشاعفي عرف من سَائِر الرِّوَايَات أَنه لَا بَأْس بادخالها فِي الْأَذَان فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُم وَأحب للامام أَن يَأْمر بِهَذَا إِذا فرغ الْمُؤَذّن من أَذَانه وَإِن قَالَه فِي أَذَانه فَلَا بَأْس

[160]

عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كَانَ يَقُول من صلى بِأَرْض فلاة صلى عَن يَمِينه ملك وَعَن شِمَاله ملك فَإِن أذن وَأقَام الصَّلَاة أَو أَقَامَ صلى وَرَاءه من الْمَلَائِكَة أَمْثَال الْجبَال هَذَا مُرْسل لَهُ حكم الرّفْع فَإِن مثله لَا يُقَال من جِهَة الرَّأْي وَقد رُوِيَ مَوْصُولا وَمَرْفُوعًا فَأخْرج سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن من طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ إِذا كَانَ الرجل فِي أَرض فِي فَأَقَامَ الصَّلَاة خَلفه ملكان فَإِن أذن وَأقَام صلى خَلفه من الْمَلَائِكَة مَالا يرى طرفاه يَرْكَعُونَ بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دُعَائِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكره وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مَكْحُول قَالَ من أَقَامَ الصَّلَاة صلى مَعَه ملكان فَإِن أذن وَأقَام صلى خَلفه سَبْعُونَ ملكا قَالَ الْبَاجِيّ قَوْله صلى عَن يَمِينه ملك وَعَن شِمَاله ملك يحْتَمل أَن يَكُونَا هما الحافظين وَإِن ذَلِك مكانهما من الْمُكَلف فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا حكما يخْتَص بِالْمَلَائِكَةِ وَحكم الْآدَمِيّين مُخَالف لذَلِك فَإِنَّهُ لَو صلى مَعَه رجلَانِ قاما وَرَاءه قَالَ وَقَوله فَإِن أذن وَأقَام الصَّلَاة أَو أَقَامَ كَذَا فِي رِوَايَة يحيى بِالشَّكِّ وَرِوَايَة أبي منصف وَغَيره فَإِن أذن وَأقَام صلى وَرَاءه إِلَى آخِره قَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد وَهَذِه الرِّوَايَة عِنْدِي هِيَ الأَصْل قَالَ الْبَاجِيّ وَيحْتَمل أَن يبلغ بالملكين دَرَجَة الْجَمَاعَة إِذا كَانَ بِموضع لَا يقدر عَلَيْهَا وَهُوَ رَاغِب فِيهَا قلت وَفِي فتاوي الحناطي من أَصْحَابنَا لَو حلف من صلى فِي فضاء من الأَرْض مُنْفَردا بِأَذَان وَإِقَامَة أَنه صلى بِالْجَمَاعَة كَانَ بارا فِي يَمِينه وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَاسْتدلَّ بِحَدِيث سلمَان وَوَافَقَهُ السُّبْكِيّ فِي الحلبيات وَاسْتدلَّ بِهِ وَبِحَدِيث الْمُوَطَّأ

ص: 72

[161]

إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وأشربوا حَتَّى يُنَادي بن أم مَكْتُوم قَالَ الْحَافِظ بن حجر فِي صَحِيح بن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَغَيرهمَا من حَدِيث أنيسَة مَرْفُوعا أَن بن أم مَكْتُوم يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن بِلَال وَادّعى بن عبد الْبر وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة أَنه مقلوب وَإِن الصَّوَاب حَدِيث الْبَاب قَالَ الْحَافِظ وَقد كنت أميل إِلَى ذَلِك إِلَى أَن رَأَيْت الحَدِيث فِي صَحِيح بن خُزَيْمَة من طَرِيقين آخَرين عَن عَائِشَة وَفِي بعض أَلْفَاظه مَا يبعد وُقُوع الْوَهم فِيهِ وَهُوَ قَوْله إِذا أذن عَمْرو فَإِنَّهُ ضَرِير الْبَصَر فَلَا يَغُرنكُمْ وَإِذا أذن بِلَال فَلَا يطعن أحدكُم وَجَاء عَن عَائِشَة أَيْضا أَنَّهَا كَانَت تنكر حَدِيث بن عمر وَتقول إِنَّه غلط أخرج ذَلِك الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الداروردي عَن هِشَام عَن أَبِيه عَنْهَا مَرْفُوعا أَن بن أم مَكْتُوم يؤذه بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن بِلَال قَالَت عَائِشَة وَكَانَ بِلَال لَا يُؤذن حَتَّى يبصر الْفجْر قَالَ وَكَانَت عَائِشَة تَقول غلط بن عمر فَقَالَ الْحَافِظ بن حجر وَقد جمع بن خُزَيْمَة والصفي بَين الْحَدِيثين بِمَا حَاصله أَنه يحْتَمل أَن يكون الْأَذَان كَانَ نوبا بَين بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يعلم النَّاس أَن الْأَذَان الأول مِنْهُمَا لَا يحرم على الصَّائِم شَيْئا وَلَا يدل على دُخُول وَقت الصَّلَاة بخلف الثَّانِي وَجزم بن حبَان بذلك وَلم يُبْدِهِ احْتِمَالا لمن قد روى ذَلِك قَالَ بن أبي شيبَة فِي المُصَنّف حَدثنَا عَفَّان بن شُعْبَة عَن جَعْفَر بن عبد الرَّحْمَن قَالَ سَمِعت عَمَّتي تَقول حججْت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن بن أم مَكْتُوم يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وأشربوا حَتَّى يُنَادي بِلَال وَإِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وأشربوا حَتَّى يُنَادي بن أم مَكْتُوم وَابْن أم مَكْتُوم اسْمه عَمْرو وَقيل كَانَ اسْمه الْحصين فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عبد الله وَهُوَ قرشي عامري أسلم قَدِيما وَالْأَشْهر فِي اسْم أَبِيه قيس بن زَائِدَة وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُكرمهُ ويستخلفه على وَشهد الْقَادِسِيَّة فِي خلَافَة عمر وَاسْتشْهدَ بهَا وَقيل رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة فَمَاتَ بهَا وَاسم أمه عَاتِكَة بنت عبد الله المخزومية وَزعم بَعضهم أَنه ولد أعمى فكنيت أمه أم مَكْتُوم لاكتتام نور بَصَره وَالْمَعْرُوف أَنه عمي بعد سنتَيْن

ص: 73

[162]

عَن بن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله هَذَا إِسْنَاد آخر لمَالِك فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر لم يخْتَلف على مَالك فِي الْإِسْنَاد الول أَنه مَوْصُول وَأما هَذَا فَرَوَاهُ يحيى مُرْسلا وَتَابعه أَكثر رُوَاة الْمُوَطَّأ وَوَصله القعْنبِي فَقَالَ عَن أَبِيه وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ انْفَرد القعْنبِي بروايته إِيَّاه فِي الْمُوَطَّأ مَوْصُولا عَن مَالك وَلم يذكر غَيره من رُوَاة الْمُوَطَّأ فِيهِ بن عمر وَوَافَقَهُ على وَصله عَن مَالك خَارج الْمُوَطَّأ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَعبد الرَّزَّاق وروح بن عبَادَة وَأَبُو مرّة وكامل بن طَلْحَة وَآخَرُونَ وَوَصله عَن الزُّهْرِيّ جمَاعَة من حفاظ أَصْحَابه قَالَ وَكَانَ بن أم مَكْتُوم رجلا أعمى ظَاهره على رِوَايَة القعْنبِي أَن فَاعل قَالَ هُوَ بن عمر وَبِه جزم الشَّيْخ موفق الدّين الْحَنْبَلِيّ فِي الْمُغنِي وَفِي البُخَارِيّ فِي بَاب الصّيام مَا يتعهد لَهُ وَصرح الْحميدِي فِي الْجمع بِأَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة رَوَاهُ عَن بن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه أَنه قَالَ وَكَانَ بن أم مَكْتُوم إِلَى آخِره قَالَ الْحَافِظ بن حجر فثبتت صِحَة وَصله وَذكر الْخَطِيب فِي كتاب المدرج أَن يُونُس بن يزِيد رَوَاهُ عَن بن شهَاب فَجعله من كَلَام سَالم وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن بن وهب عَن يُونُس وَاللَّيْث جَمِيعًا عَن بن شهَاب وَفِيه قَالَ سَالم وَكَانَ رجلا ضَرِير الْبَصَر وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي خَليفَة والطَّحَاوِي عَن يزِيد بن سُفْيَان كِلَاهُمَا عَن القعْنبِي مُفِيدا أَنه بن شهَاب وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق ومعاذ بن الْمثنى وَأَبُو مُسلم الْكَجِّي الثَّلَاثَة عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ والخزاعي عِنْد أبي الشَّيْخ وَتَمام عِنْد أبي نعيم وَعُثْمَان الدَّارمِيّ عِنْد الْبَيْهَقِيّ كلهم عَن القعْنبِي لَا يُنَادي حَتَّى يُقَال لَهُ أَصبَحت أَصبَحت قَالَ بن وضاح قَالَ بعض أهل الْعلم لَيْسَ معنى أَصبَحت أَن الصُّبْح قد ظهر وانفجر وَلكنه على معنى التحذير من طلوعه وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الأولى عِنْدِي أَن مَعْنَاهُ أَن الْفجْر قد بدا وَلَو كَانَ على مَا قَالَه بن وضاح لَكَانَ أَذَان بن أم مَكْتُوم فِي بَقِيَّة اللَّيْل وَقبل انفجار الصُّبْح فَإِن قيل إِبَاحَة الْأكل إِلَى أَذَانه على هَذَا يُؤَدِّي إِلَى الْأكل بعد الْفجْر فَالْجَوَاب أَن معنى الحَدِيث كلوا إِلَى الْوَقْت الَّذِي يُؤمر فِيهِ بِالْأَذَانِ وَهُوَ إِذا قيل لَهُ أَصبَحت وَهُوَ أول طُلُوع الْفجْر وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر الأولى قَول من قَالَ معنى أَصبَحت قاربت الصَّباح وَهُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ بن حبيب وَابْن عبد الْبر والأصيلي وَجَمَاعَة وَلَا يلْزم وُقُوع أَذَانه قبل الْفجْر لاحْتِمَال أَن يكون قَوْلهم ذَلِك يَقع فِي آخر جُزْء من اللَّيْل قَالَ وَهَذَا وَإِن ان مستبعدا فِي الْعَادة فَلَيْسَ بمستبعد من مُؤذن النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمُؤَيد بِالْمَلَائِكَةِ فَلَا يُشَارِكهُ فِيهِ من لم يكن بِهَذِهِ الصّفة وأذانه يَقع فِي أول جُزْء من طُلُوع الْفجْر وَقد روى أَبُو قُرَّة من وَجه آخر عَن بن عمر حَدِيثا فِيهِ وَكَانَ بن أم مَكْتُوم يتوخى الْفجْر فَلَا يخطيه

[163]

عَن بن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفعهما كَذَلِك قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا رَوَاهُ يحيى عَن مَالك وَلم يذكر فِيهِ الرّفْع عِنْد الانحطاط إِلَى الرُّكُوع وَتَابعه على ذَلِك جمَاعَة من الروَاة للموطأ عَن مَالك مِنْهُم القعْنبِي وَأَبُو مُصعب وَابْن بكير وَسَعِيد بن الحكم ومعن بن عِيسَى وَالشَّافِعِيّ وَيحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي وَإِسْحَاق الطباع وروح بن عبَادَة وَعبد الله بن نَافِع الزبيدِيّ وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأَبُو حذافة أَحْمد بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل وَابْن وهب فِي رِوَايَة عَنهُ وَرَوَاهُ بن وهب وَابْن الْقَاسِم وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَابْن أبي أويس وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وجريرة بن أَسمَاء وَإِبْرَاهِيم بن طهما وَعبد الله بن الْمُبَارك وَبشر بن عمر وَعُثْمَان بن عمر وَعبد الله بن يُوسُف وخَالِد بن مخلد ومكي بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ وخارجة بن مُصعب وَعبد الْملك بن زِيَاد وَعبد الله بن نَافِع الصايغ وَأَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق ومطرف بن عبد الله كل هَؤُلَاءِ رَوَوْهُ عَن مَالك فَذكرُوا فِيهِ الرّفْع عِنْد الانحطاط للرُّكُوع قَالُوا فِيهِ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة حَذْو مَنْكِبَيْه وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع ذكر الدَّارَقُطْنِيّ الطّرق عَن أَكْثَرهم عَن مَالك كَمَا ذكرنَا وَهُوَ الصَّوَاب وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَائِر من رَوَاهُ من أَصْحَاب بن شهَاب عَنهُ وَقَالَ جمَاعَة إِن إِسْقَاط ذكر الرّفْع عِنْد الانحطاط إِنَّمَا أَتَى من مَالك وَهُوَ الَّذِي رُبمَا وهم فِيهِ لِأَن جماعته حفاظ رووا عَنهُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا قَالَ بن عبد الْبر وَهَذَا الحَدِيث آخر الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة الَّتِي رَفعهَا سَالم عَن أَبِيه ووقفها نَافِع عَن بن عمر وَالْقَوْل فِيهَا قَول سَالم وَلم يلْتَفت النَّاس فِيهَا إِلَى نَافِع وَالثَّانِي من بَاعَ عبدا وَله مَال جعله نَافِع عَن بن عمر عَن عمر وَالثَّالِث النَّاس كابل مائَة لَا تَجِد فِيهَا رَاحِلَة وَالرَّابِع فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ بعلا الْعشْرَة وَمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر قَالَ بن عبد الْبر وَرفع الْيَدَيْنِ فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة عِنْد أهل الْعلم تَعْظِيم لله وَعبادَة لَهُ وابتهال إِلَيْهِ واستسلام لَهُ وخضوع فِي الْوُقُوف بَين يَدَيْهِ وَاتِّبَاع لسنة الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ سلم وروى الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ يكْتب فِي كل إِشَارَة يشيرها الرجل بِيَدِهِ فِي الصَّلَاة بِكُل أصْبع حَسَنَة أَو دَرَجَة والحذو بِسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة والحذاء بِالْمدِّ الازاء والمقابل وللطبراني من حَدِيث وَائِل بن حجر قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صليت فَاجْعَلْ يَديك حذاء أذنيك وَالْمَرْأَة تجْعَل يَديهَا حذاء ثديها وَقَالَ سمع الله لمن حَمده قَالَ الْعلمَاء معنى سمع هُنَا أجَاب وَمَعْنَاهُ أَن من حمد الله تَعَالَى متعرضا لثوابه اسْتَجَابَ الله لَهُ وَأَعْطَاهُ مَا تعرض لَهُ فانا نقُول رَبنَا لَك الْحَمد لتَحْصِيل ذَلِك

ص: 74

[164]

عَن بن شهَاب عَن عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يكبر فِي الصَّلَاة كلما خفض وَرفع قَالَ بن عبد الْبر لَا أعلم خلافًا من رُوَاة الْمُوَطَّأ فِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث وَرَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن عَطاء عَن مَالك عَن بن شهَاب عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن أَبِيه مَوْصُولا وَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن نجيح عَن أَبِيه عَن مَالك عَن بن شهَاب عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن عَليّ بن أبي طَالب وَلَا يَصح فِيهِ إِلَّا مَا فِي الْمُوَطَّأ مُرْسل وَقد أَخطَأ فِيهِ أَيْضا مُحَمَّد بن مُصعب القرقساني فَرَوَاهُ عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَلَا يَصح فِيهِ هَذَا الْإِسْنَاد وَالصَّوَاب عِنْدهم مَا فِي الْمُوَطَّأ

[165]

عَن يحيى بن سعيد عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة رَوَاهُ شُعْبَة عَن يحيى بن سعيد عَن سُلَيْمَان كَذَلِك مُرْسلا بِلَفْظ كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر لافتتاح اصلاة وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع

[166]

إِنِّي لأشبهكم بِصَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الرَّافِعِيّ هَذِه الْكَلِمَة مَعَ الْفِعْل المأتي بِهِ نازلة منزلَة حِكَايَة فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 75

[171]

عَن بن شهَاب عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ مَالك وَجَمَاعَة أَصْحَاب بن شهَاب عَنهُ عَن مُحَمَّد بن جُبَير وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عَمْرو عَن بن شهَاب عَن نَافِع بن جُبَير وَالصَّوَاب فِيهِ مُحَمَّد بن جُبَير عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ بِالطورِ فِي الْمغرب قَالَ بن عبد الْبر فِي هَذَا الحَدِيث شَيْء سقط وَهُوَ معنى بديع حسن من الْفِقْه وَذَلِكَ أَن جُبَير بن مطعم سمع هَذَا الحَدِيث من النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ كَافِر وَحدث بِهِ عَنهُ وَهُوَ مُسلم وَقد روى هَذِه الْقِصَّة فِيهِ عَن مَالك عَليّ بن الرّبيع بن الركين وَإِبْرَاهِيم بن عَليّ التَّمِيمِي جَمِيعًا عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي فدَاء أُسَارَى بدر فَسَمعته يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ وَلم أسلم يَوْمئِذٍ فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي وَقَالَ لَو كَانَ مطعم حَيا وكلمني فِي هَؤُلَاءِ النَّفر لأعتقتهم وَلَفظ إِبْرَاهِيم فِي هَؤُلَاءِ لتركتهم لَهُ وروى البُخَارِيّ من طَرِيق سُفْيَان قَالَ حَدثُونِي عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقْرَأ فِي الْمغرب وَالطور فَلَمَّا بلغ هَذِه الْآيَة أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هم المسيطرون كَاد قلبِي يطير قَالَ سُفْيَان فَأَما أَنا فَانِي سَمِعت الزُّهْرِيّ يحدث عَن مُحَمَّد بن جُبَير عَن أَبِيه سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ لم أسمعهُ زَاد الَّذِي قَالُوا لي قَالَ اب عبد الْبر وَرَوَاهُ يزِيد بن أبي حبيب عَن بن شهَاب فَجعل مَوضِع الْمغرب الْعَتَمَة ثمَّ أخرج من طَرِيق بن لَهِيعَة قَالَ حَدثنَا يزِيد بن أبي حبيب أَن بن شهَاب كتب إِلَيْهِ قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه قَالَ قدمت على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي فدَاء أُسَارَى بدر فَسَمعته يقْرَأ فِي الْعَتَمَة بِالطورِ وَرَوَاهُ سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأكلمه فِي أُسَارَى بدر فوافقته وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ الْمغرب أَو الْعشَاء فَسَمعته وَهُوَ يقْرَأ وَقد خرج صَوته من الْمَسْجِد إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَاله مِنْ دَافِعٍ فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي أخرجه أَبُو عبيد وَابْن عبد الْبر

ص: 76

[172]

أَن أم الْفضل بنت الْحَارِث هِيَ وَالِدَة بن عَبَّاس الرَّاوِي عَنْهَا وَاسْمهَا لبَابَة الْهِلَالِيَّة وَيُقَال إِنَّهَا أول امْرَأَة أسلمت بعد خَدِيجَة إِنَّهَا لآخر مَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقْرَأ بهَا فِي الْمغرب زَاد البُخَارِيّ ثمَّ مَا صلى لنا بعْدهَا حَيّ قَبضه الله وَفِي النَّسَائِيّ أَن هَذِه الصَّلَاة الَّتِي حكتها أم الْفضل كَانَت فِي بَيته لَا فِي الْمَسْجِد

[175]

عَن الْبَراء بن عَازِب أَنه قَالَ صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْعشَاء زَاد البُخَارِيّ فِي سفر فَقَرَأَ فِيهَا بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ فِي الرَّكْعَة الأولى

[176]

بن حنين بِضَم الْحَاء وَفتح النُّون نهى عَن لبس القسي قَالَ الْبَاجِيّ بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد السِّين قَالَ وَفَسرهُ بن وهب بِأَنَّهَا ثِيَاب مضلعة يُرِيد مخططة بالحرير كَانَت تعْمل بالقس وَهُوَ مَوضِع بِمصْر يَلِي الفرماء وَفِي النِّهَايَة هِيَ ثِيَاب من كتَّان مخلوط بحرير يُؤْتى بهَا من مصر نسبت إِلَى قَرْيَة على سَاحل الْبَحْر قَرِيبا من تنيس يُقَال لَهَا القس بِفَتْح الْقَاف وَبَعض أهل الحَدِيث بِكَسْرِهَا وَقيل أصل القسي القزي بالزاي مَنْسُوب إِلَى القز وَهُوَ ضرب من الابريسم فأبدل من الزَّاي سينا وَقيل هُوَ مَنْسُوب إِلَى القس وَهُوَ الابريسم الصقيع لبياضه قَالَ الْبَاجِيّ وَقع فِي رِوَايَة أبي مُصعب زِيَادَة وَلَفظه فَنهى عَن لبس القسي والمعصفر وَتَابعه على ذَلِك العقنبي ومعن وَبشر وَأحمد بن إِسْمَاعِيل السَّهْمِي وَجَمَاعَة وَعَن قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الرُّكُوع رَوَاهُ معمر عَن بن شهَاب عَن إِبْرَاهِيم بن حُصَيْن فَزَاد وَالسُّجُود

ص: 77

[177]

عَن أبي حَازِم التمار اسْمه دِينَار مولى الْأَنْصَار وَيُقَال مولى أبي رهم الْأنْصَارِيّ وَذكر حبيب عَن مَالك ااسمه يسَار مولى قيس بن عسد بن عبَادَة عَن البياضي اسْمه فَرْوَة بن عَمْرو بن ودقة بن عبيد بن عَامر بن بياضة فَخذ من الْخَزْرَج شهد الْعقبَة وبدرا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد خرج على النَّاس وهم يصلونَ رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن يحيى بن سعيد فَذكر فِي حَدِيثه أَن ذَلِك كَانَ فِي رَمَضَان وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم معتكف فِي قبَّة على بَابهَا حَصِير وَالنَّاس يصلونَ عصبا عصبا أخرجه بن عبد الْبر إِن الْمُصَلِّي يُنَاجِي ربه قَالَ الْبَاجِيّ تَنْبِيه على معنى الصَّلَاة وَالْمَقْصُود بهَا ليكْثر الِاحْتِرَاز من الْأُمُور الْمَكْرُوهَة المدخلة للنقص فِيهَا والاقبال على أُمُور الطَّاعَة المتممة لَهَا فَلْينْظر بِمَا يناجيه بِهِ قَالَ الْبَاجِيّ أَرَادَ بِهِ التحذير من أَن يناجيه بِالْقُرْآنِ على وَجه مَكْرُوه وَإِن كَانَ الْقُرْآن كُله طَاعَة وقربة وَلَا يجْهر بَعْضكُم على بعض بِالْقُرْآنِ قَالَ الْبَاجِيّ لِأَن فِي ذَلِك أَذَى ومنعا من الإقبال على الصَّلَاة وتفريغ السِّرّ لَهَا وَتَأمل مَا يُنَاجِي بِهِ ربه من الْقُرْآن قَالَ وَإِذا كَانَ رفع الصَّوْت بِقِرَاءَة الْقُرْآن مَمْنُوعًا حِينَئِذٍ لأَذى الْمُصَلِّين فبغيره من الحَدِيث وَغَيره أولى قَالَ بن عبد الْبر وَإِذا نهي الْمُسلم عَن أَذَى الْمُسلم فِي عمل الْبر وتلاوة الْقُرْآن فأذاه فِي غير ذَلِك أَشد تَحْرِيمًا وَقد ورد مثل هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن أبي سعيد قَالَ اعْتكف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد فَسَمِعتهمْ يجهرون بِالْقِرَاءَةِ فكشف السّتْر وَقَالَ إِلَّا إِن كلكُمْ يُنَاجِي ربه فَلَا يؤذين بَعْضكُم بَعْضًا وَلَا يرفع بَعْضكُم على بعض فِي الْقِرَاءَة أَو قَالَ فِي الصَّلَاة قَالَ بن عبد الْبر حَدِيث البياضي وَأبي سعيد ثابتان صَحِيحَانِ قَالَ وَقد رُوِيَ بِسَنَد ضَعِيف عَن عَليّ قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يرفع الرجل صَوته بِالْقُرْآنِ قبل الْعشَاء وَبعدهَا يغلط أَصْحَابه وهم يصلونَ قلت وَكَثِيرًا مَا يسْأَل فِي هَذَا الْمَعْنى عَمَّا اشْتهر على الْأَلْسِنَة مَا أنصف الْقَارئ الْمُصَلِّي وَلَا أصل لَهُ وَلَكِن هَذِه أُصُوله

ص: 78

[178]

عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك أَنه قَالَ قُمْت وَرَاء أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فكلهم كَانَ لَا يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب الروَاة عَن مَالك كَذَا رَوَاهُ عَن مَالك كَافَّة أَصْحَابه مَوْقُوفا وَكَذَا رَوَاهُ غير وَاحِد عَن أبي مُصعب عَن مَالك وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن عبد الحميد البهراني عَن أبي مُصعب عَن مَالك عَن حميد عَن أنس قَالَ صليت مَعَ رَسُول صلى الله عليه وسلم فَلم يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصليت وَرَاء أبي بكر فَلم يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصليت وَرَاء عمر فَلم يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصليت وَرَاء عُثْمَان فَلم يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الْخَطِيب تفرد سُلَيْمَان بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن أبي مُصعب هَكَذَا مَرْفُوعا وَقَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جمَاعَة رُوَاته فِيمَا علمت مَوْقُوفا وروته طَائِفَة عَن مَالك فَرَفَعته ذكرت فِيهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ ذَلِك بِمَحْفُوظ مِنْهُ الْوَلِيد بن مُسلم وَأَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق وَإِسْمَاعِيل بن مُوسَى السّديّ كلهم رَوَوْهُ عَن مَالك عَن حميد عَن أنس قَالَ صليت خلف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فكلهم كَانَ لَا يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرحين إِذا افْتتح الصَّلَاة وَرَوَاهُ بن أخي بن وهب عَن عَمه عبد الله بن وهب حَدثنَا عبيد الله بن عمر وَمَالك بن أنس وسُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن حميد عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يجْهر بِالْقِرَاءَةِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن أنس قَتَادَة وثابت الْبنانِيّ وَغَيرهمَا كلهم أسْندهُ وَذكر فِيهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَنهم اخْتلف عَلَيْهِم فِي لَفظه اخْتِلَافا كثيرا مضطربا متدافعا مِنْهُم من يَقُول فِيهِ كَانُوا لَا يقرؤون بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمِنْهُم من يَقُول كَانُوا لَا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقد قَالَ فِيهِ بَعضهم كَانُوا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمِنْهُم من قَالَ كَانُوا لَا يتركون بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمِنْهُم من قَالَ كَانُوا يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين قَالَ وَهَذَا اضْطِرَاب لَا تقوم مَعَه حجَّة لأحد من الْفُقَهَاء انْتهى وَأَقُول قد كثرت الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْبَسْمَلَة إِثْبَاتًا ونفيا وكلا الْأَمريْنِ صَحِيح أَنه صلى الله عليه وسلم قَرَأَ بهَا وَترك قرَاءَتهَا وجهر بهَا وأخفاها وَالَّذِي يُوضح صِحَة الْأَمريْنِ ويزيل إِشْكَال من شكك على الْفَرِيقَيْنِ مَعًا أَعنِي من أثبت كَونهَا آيَة من أول الْفَاتِحَة وكل سُورَة وَمن نفى ذَلِك قَائِلا إِن الْقُرْآن لَا يثبت بِالظَّنِّ وَلَا ينفى بِالظَّنِّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ طَائِفَة من الْمُتَأَخِّرين أَن إِثْبَاتهَا ونفيها كِلَاهُمَا قَطْعِيّ وَلَا يستغرب ذَلِك فَإِن الْقُرْآن نزل على سَبْعَة أحرف وَنزل مَرَّات متكررة فَنزل فِي بَعْضهَا بِزِيَادَة وَبَعضهَا بِحَذْف كَقِرَاءَة ملك وَمَالك ونجوى تحتهَا وَمن تحتهَا فِي بَرَاءَة وَإِن الله هُوَ الْغَنِيّ الحميد وَإِن الله الْغَنِيّ فِي سُورَة الْحَدِيد فَلَا يشك أحد وَلَا يرتاب فِي أَن الْقِرَاءَة بِإِثْبَات الْألف وَمن وَهُوَ وَنَحْو ذَلِك متواترة قَطْعِيَّة الاثبات وَإِن الْقِرَاءَة بِحَذْف ذَلِك أَيْضا متواترة قَطْعِيَّة الْحَذف وَإِن ميزَان الاثبات والحذف فِي ذَلِك سَوَاء وَكَذَلِكَ نقُول فِي الْبَسْمَلَة انها نزلت فِي بعض الأحرف وَلم تنزل فِي بَعْضهَا فاثباتها قَطْعِيّ وحذفها قَطْعِيّ وكل متواتر وكل فِي السَّبع فَإِن نصف الْقُرَّاء السَّبْعَة قرؤوا بإثباتها وَبَعْضهمْ قرؤوا بحذفها وَقِرَاءَة السَّبْعَة كلهَا متواترة فَمن قَرَأَ بهَا فَهِيَ ثَابِتَة فِي حرفه متواترة اليه ثمَّ مِنْهُ إِلَيْنَا وَمن قَرَأَ بحذفها فحذفها فِي حرفه متواتر إِلَيْهِ ثمَّ مِنْهُ إِلَيْنَا وألطف من ذَلِك أَن نَافِعًا لَهُ راويان قَرَأَ أَحدهمَا عَنهُ بهَا وَالْآخر بحذفها فَدلَّ على أَن الْأَمريْنِ تواترا عِنْده بِأَن قَرَأَ بالحرفين مَعًا كل بأسانيد متواترة فَبِهَذَا التَّقْرِير اجْتمعت الْأَحَادِيث الْمُخْتَلفَة على كَثْرَة كل جَانب مِنْهَا وانجلى الاشكال وزاح التشكيك يستغرب الاثبات مِمَّن أثبت وَلَا النَّفْي مِمَّن نفى وَقد أَشَارَ إِلَى بعض مَا ذكره أستاذ الْقُرَّاء الْمُتَأَخِّرين الامام شمس الدّين بن الْجَزرِي فَقَالَ فِي كِتَابه النشر بعد أَن حكى فِي المسئلة خَمْسَة أَقْوَال مَا نَصه قلت هَذِه الْأَقْوَال ترجع إِلَى النَّفْي والاثبات وَالَّذِي نعتقده أَن كليهمَا صَحِيح وَإِن كل ذَلِك حق فَيكون الِاخْتِلَاف فِيهَا كاختلاف الْقِرَاءَة هَذَا لَفظه وَقَررهُ أَيْضا بأبسط من كَلَام بن الْجَزرِي الْحَافِظ بن حجر فِيمَا نَقله عَنهُ تِلْمِيذه الشَّيْخ برهَان الدّين البقاعي فِي مُعْجَمه فَائِدَة قَالَ الْحَافِظ بن حجر فِي نكته على بن الصّلاح سمع حميد هَذَا الحَدِيث من أنس وَمن قَتَادَة عَن أنس إِلَّا أَنه سمع من أنس الْمَوْقُوف وَمن قَتَادَة عَنهُ الْمَرْفُوع قَالَ أَبُو سعيد بن الْأَعرَابِي فِي مُعْجَمه حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني حَدثنَا يحيى بن معِين عَن بن أبي عدي عَن حميد عَن قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَبا بكر وَعمر وَعُثْمَان كَانُوا يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين قَالَ بن معِين قَالَ بَان عدي وَكَانَ حميد إِذا قَالَ عَن قَتَادَة عَن أنس رَفعه وَإِذا قَالَ عَن أنس لم يرفعهُ

ص: 79

[186]

أَن أَبَا سعيد مولى عَامر بن كرير قَالَ بن عبد الْبر هُوَ تَابِعِيّ مَعْدُود فِي أهل الْمَدِينَة لَا يُوقف لَهُ على اسْم وَذكر المذى فِي تهذيبه أَنه رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَلم يذكر لَهما ثَالِثا مَعَ أَنه سمع هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه من أبي بن كَعْب وَصله من طَرِيقه عَنهُ الْحَاكِم إِنِّي لأرجو أَن لَا تخرج من الْمَسْجِد حَتَّى تعلم سُورَة قَالَ الْبَاجِيّ هُوَ معنى التَّسْلِيم لأمر الله والاقرار بقدرته وانه وَإِن كَانَ تَعْلِيم ذَلِك يَسِيرا إِلَّا انه لَا يقطع بِتَمَامِهِ إِلَّا أَن يُعلمهُ الله بذلك وَمعنى تعلم سُورَة أَي تعلم من حَالهَا مَا لم تكن تعلمه قبل ذَلِك وَإِلَّا فقد كَانَ عَالما بالسورة وحافظا لَهَا مَا أنزل الله فِي التَّوْرَاة وَلَا فِي الْإِنْجِيل وَلَا فِي الْقُرْآن مثلهَا قَالَ الْبَاجِيّ ذكر بعض شُيُوخنَا أَن معنى ذَلِك انها تجزي من غَيرهَا فِي الصَّلَاة وَلَا يَجْزِي غَيرهَا مِنْهَا وَسَائِر السُّور يَجْزِي بَعْضهَا من بعض وَهِي سُورَة قسمهَا الله تَعَالَى بَينه وَبَين عَبده يحْتَمل أَن تكون هَذِه من الصِّفَات الَّتِي يخْتَص بهَا وَلها مَعَ ذَلِك صِفَات تخْتَص بهَا من أَنَّهَا السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم وَغير ذَلِك من كَثْرَة ثَوَاب أَو حَسَنَة قلت وَيُؤَيّد ذَلِك مَا أخرجه عبد بن حميد عَن بن عَبَّاس يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فَاتِحَة الْكتاب تعدل بِثُلثي الْقُرْآن وَلم يرد فِي سُورَة مثل ذَلِك وَإِنَّمَا ورد فِي قُلْ هُوَ الله أحد أَنه ثلث الْقُرْآن وَفِي قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَنَّهَا ربع الْقُرْآن وَهِي السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أَعْطَيْت قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد قَوْله تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم وَسميت السَّبع لِأَنَّهَا سبع آيَات والمثاني لآنها تثنى فِي كل رَكْعَة قَالَ الْبَاجِيّ وَإِنَّمَا قيل لَهَا الْقُرْآن الْعَظِيم على معنى التَّخْصِيص لَهَا بِهَذَا الِاسْم وَإِن كَانَ كل شَيْء من الْقُرْآن قُرْآنًا عَظِيما كَمَا يُقَال فِي الْكَعْبَة بَيت الله وَإِن كَانَت الْبيُوت كلهَا لله وَلَكِن على سَبِيل التَّخْصِيص والتعظيم لَهُ

ص: 80

[188]

عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن قَالَ بن عبد الْبر لَيْسَ هَذَا الحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ إِلَّا عَن الْعَلَاء عِنْد جَمِيع الروَاة وَقد انْفَرد مطرف فِي غير الْمُوَطَّأ فَرَوَاهُ عَن مَالك عَن بن شهَاب عَن أبي السَّائِب وَسَاقه كَمَا فِي الْمُوَطَّأ سواهُ وَهُوَ غير مَحْفُوظ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ غَرِيب من حَدِيث مَالك عَن بن شهَاب لم يروه غير مطرف أَنه سمع أَبَا السَّائِب قَالَ النَّوَوِيّ لَا يعرف اسْمه مولى هِشَام بن زهرَة قَالَ المذى فِي التَّهْذِيب وَيُقَال مولى عبد الله بن هِشَام زهرَة وَيُقَال مولى بني زهرَة روى عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ والمغيرة بن شُعْبَة وَلم يذكر لَهُم رَابِعا من صلى صَلَاة لم يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن هِيَ الْفَاتِحَة سميت بذلك لِأَنَّهَا فاتحته كَمَا سميت مَكَّة أم الْقرى لِأَنَّهَا أَصْلهَا ذكره النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَقيل لِأَنَّهَا اشْتَمَلت على جَمِيع عُلُوم الْقُرْآن بطرِيق الْإِجْمَال فَهِيَ خداج أَي ذَات خداج أَي نُقْصَان يُقَال خدجت النَّاقة إِذا أَلْقَت وَلَدهَا قبل أَوَان النِّتَاج وَإِن كَانَ نَام الْخلق وأخدجته إِذا وَلدته نَاقِصا وَإِن كَانَ لتَمام الْولادَة هَذَا قَول الْخَلِيل والأصمعي وَأبي حَاتِم وَآخَرين وَقَالَ جمَاعَة من أهل اللُّغَة خدجت وأخدجت إِذا ولدت لغير تَمام غير تَمام هُوَ تَأْكِيد فغمز ذراعي قَالَ الْبَاجِيّ هُوَ على معنى التأنيس لَهُ وتنبيهه على فهم مُرَاده والبعث لَهُ على جمع ذهنه وفهمه لجوابه قَالَ الله تَعَالَى قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ قَالَ الْعلمَاء أَرَادَ بِالصَّلَاةِ هن الْفَاتِحَة سميت بذلك لِأَنَّهَا لَا تصح إِلَّا بهَا كَقَوْلِه الْحَج عَرَفَة وَالْمرَاد قسمتهَا من جِهَة الْمَعْنى لِأَن نصفهَا الأول تحميد لله تَعَالَى وتمجيد وثناء عَلَيْهِ وتفويض إِلَيْهِ وَالنّصف الثَّانِي سُؤال وتضرع وافتقار وَاحْتج الْقَائِلُونَ بِأَن الْبَسْمَلَة لَيست من الْفَاتِحَة بِهَذَا الحَدِيث قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ من أوضح مَا احْتَجُّوا بِهِ لِأَنَّهَا سبع آيَات بِالْإِجْمَاع فَثَلَاث فِي أَولهَا ثَنَاء أَولهَا الْحَمد لله وَثَلَاث دُعَاء أَولهَا اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَالسَّابِعَة متوسطة وَهِي إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين قَالُوا وَلِأَنَّهُ لم يذكر الْبَسْمَلَة فِيمَا عدده وَلَو كَانَت مِنْهَا لذكرها وَأجِيب بِأَن التصنيف عَائِد إِلَى جملَة الصَّلَاة لَا إِلَى الْفَاتِحَة هَذَا حَقِيقَة اللَّفْظ أَو عَائِد إِلَى مَا يخْتَص بِالْفَاتِحَةِ من الْآيَات الْكَامِلَة وَبِأَن معنى قَوْله يَقُول العَبْد الْحَمد لله أَي إِذا انْتهى فِي قِرَاءَته إِلَى ذَلِك يَقُول العَبْد الْحَمد لله رب الْعَالمين يَقُول الله حمدني عَبدِي إِلَى آخِره قَالَ الْعلمَاء إِنَّمَا قَالَ حمدني وَأثْنى عَليّ ومجدني لِأَن التَّحْمِيد وَالثنَاء بجميل الْأَفْعَال والتمجيد الثَّنَاء بِصِفَات الْجلَال وَيُقَال أثنى عَلَيْهِ فِي ذَلِك كُله وَلِهَذَا جَاءَ جَوَابا للرحمن الرَّحِيم لاشتمال اللَّفْظَيْنِ على الصِّفَات الذاتية والفعلية يَقُول العَبْد إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين فَهَذِهِ الْآيَة بيني وَبَين عَبدِي قَالَ الْبَاجِيّ مَعْنَاهُ أَن بعض الْآيَة تَعْظِيم للباري تَعَالَى وَبَعضهَا استعانة من العَبْد بِهِ على أَمر دينه ودنياه ولعبدي مَا سَأَلَ أَي من العون فَهَؤُلَاءِ لعبدي قَالَ الْبَاجِيّ مَعْنَاهُ أَن هَؤُلَاءِ الْآيَات مُخْتَصَّة بِالْعَبدِ لِأَنَّهَا دعاؤه بالتوفيق إِلَى صِرَاط من أنعم عَلَيْهِم والعصمة من صِرَاط المغضوب عَلَيْهِم والضالين

[193]

عَن بن أكيمَة اسْمه عمَارَة وَقيل عَمْرو وكنيته أَبُو الْوَلِيد آنِفا بِمد أَوله وَكسر النُّون أَي قَرِيبا إِنِّي أَقُول مَالِي أنازع الْقُرْآن هُوَ بِمَعْنى التثريب واللوم لمن فعل ذَلِك قَالَ الْبَاجِيّ وَمعنى منازعتهم لَهُ إِلَّا يفردوه بِالْقِرَاءَةِ ويقرؤوا مَعَه من التَّنَازُع بِمَعْنى التجاذب

ص: 82

[194]

إِذا أَمن الامام فَأمنُوا قَالَ الْبَاجِيّ قيل مَعْنَاهُ إِذا بلغ مَوضِع التَّأْمِين من الْقِرَاءَة وَقيل إِذا دَعَا قَالُوا وَقد يُسمى الدَّاعِي مُؤمنا كَمَا يُسمى الْمُؤمن دَاعيا قَالَ وَالْأَظْهَر عندنَا أَن معنى أَمن الامام قَالَ آمين كَمَا أَن معنى فَأمنُوا قُولُوا آمين إِلَّا أَن يعدل عَن هَذ االظاهر بِدَلِيل إِن وجد أَي وَجه سَائِغ فِي اللُّغَة انْتهى وَالْجُمْهُور على القَوْل الْأَخير لَكِن اولوا قَوْله إِذا أَمن على أَن المُرَاد إِذا أَرَادَ التَّأْمِين ليَقَع تَأْمِين الامام والمأمون مَعًا فَإِنَّهُ يسْتَحبّ بِهِ الْمُقَارنَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ لَا يسْتَحبّ مُقَارنَة الامام فِي شَيْء من الصَّلَاة غَيره وَقَالَ وَلَده إِمَام الْحَرَمَيْنِ يُمكن تقليله بِأَن التَّأْمِين لقِرَاءَة الامام لَا لتأمينه فَلذَلِك لَا يتَأَخَّر عَنهُ فَإِنَّهُ من وَافق فِي رِوَايَة فِي الصَّحِيحَيْنِ فَإِن الْمَلَائِكَة تؤمن فَمن وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة قَالَ الْبَاجِيّ فِيهِ أَقْوَال أَحدهَا من كَانَ تأمينه على صفة تَأْمِين الْمَلَائِكَة من الْإِخْلَاص والخشوع وَحُضُور النِّيَّة والسلامة من الْغَفْلَة وَقيل مَعْنَاهُ أَن يكون دعاؤه للْمُؤْمِنين كدعاء الْمَلَائِكَة لَهُم فَمن كَانَ دعاؤه على ذَلِك فقد وَافق دعاؤهم وَقيل إِن الْمَلَائِكَة الْحفظَة المتعاقبين يشْهدُونَ الصَّلَاة مَعَ الْمُؤمنِينَ فيؤمنون إِذا أَمن الامام فَمن فعل مثل فعلهم فِي حضورهم الصَّلَاة وَقَوْلهمْ آمين عِنْد تَأْمِين الامام غفر لَهُ وَقيل معنى الْمُوَافقَة الْإِجَابَة فَمن اسْتُجِيبَ لَهُ كَمَا يُسْتَجَاب للْمَلَائكَة غفر لَهُ قَالَ الْبَاجِيّ وَهَذِه تاويلات فِيهَا تعسف وَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا يدل على شَيْء مِنْهَا دَلِيل وَالْأولَى حمل الحَدِيث على ظَاهره مَا لم يمْنَع من ذَلِك مَانع وَمَعْنَاهُ أَن من قَالَ آمين عِنْد قَول المئشكة آمين غفر لَهُ وَإِلَى هَذَا ذهب الداوودي انْتهى وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر المُرَاد الْمُوَافقَة فِي القَوْل وَالزَّمَان خلافًا لمن قَالَ المُرَاد الْمُوَافقَة فِي الْإِخْلَاص والخشوع كَابْن حبَان فَإِنَّهُ لما ذكر الحَدِيث قَالَ يُرِيد مُوَافقَة المئشكة فِي الْإِخْلَاص بِغَيْر إعجاب وَكَذَا جنح إِلَيْهِ غَيره فَقَالَ نَحْو ذَلِك من الصِّفَات المحمودة فِي إِجَابَة الدُّعَاء أَو فِي الدُّعَاء بِالطَّاعَةِ خَاصَّة أَو المُرَاد بتأمين المئئكة استغفارهم للْمُؤْمِنين وَقَالَ بن الْمُنِير الْحِكْمَة فِي اثار الْمُوَافقَة فِي القَوْل وَالزَّمَان أَن يكون الْمَأْمُوم على يقظة للاتيان بالوظيفة فِي محلهَا لِأَن المئئكة لَا غَفلَة عِنْدهم فَمن وافقهم كَانَ متيقظا ثمَّ ظَاهره أَن المُرَاد بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعهم وَاخْتَارَهُ بن بزيزة وَقيل الْحفظَة مِنْهُم وَقيل الَّذين يتعاقبون مِنْهُم إِذا قُلْنَا إِنَّهُم غير الْحفظَة قَالَ الْحَافِظ وَالَّذِي يظْهر أَن المُرَاد بهم من يشْهد تِلْكَ الصَّلَاة مِمَّن فِي الأَرْض أَو فِي السَّمَاء للْحَدِيث الْآتِي إِذا قَالَ أحدكُم آمين وَقَالَت الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء آمين فَوَافَقت أحداهما الأخري وروى عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة قَالَ صُفُوف أهل الأَرْض على صوف أهل السَّمَاء فَإِذا وَافق آمين فِي الأَرْض آمين فِي السَّمَاء غفر للْعَبد قَالَ الْحَافِظ وَمثله لَا يُقَال بِالرَّأْيِ فالمصير إِلَيْهِ أولى قلت وَقد أخرجه سنيد عَن حجاج عَن بن جريج قَالَ أَخْبرنِي الحكم بن أبان أَنه سمع عِكْرِمَة يَقُول إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة نصف أهل الأَرْض صف أهل السَّمَاء فَإِذا قَالَ قَارِئ الأَرْض وَلَا الضَّالّين قَالَت الْمَلَائِكَة آمين فَإِذا وَافَقت آمين أهل الأَرْض آمين أهل السَّمَاء غفر لأهل الأَرْض مَا تقدم من ذنوبهم غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه قَالَ الْبَاجِيّ يَقْتَضِي غفران جَمِيع ذنُوبه الْمُتَقَدّمَة قَالَ غَيره وَهُوَ مَحْمُول عِنْد الْعلمَاء على الصَّغَائِر وَوَقع فِي أمالي الْجِرْجَانِيّ فِي آخر هَذَا الحَدِيث زِيَادَة وَمَا تَأَخّر فَائِدَة ألف الْحَافِظ بن حجر كتابا سَمَّاهُ الْخِصَال المكفرة للذنوب الْمُقدمَة والمؤخرة وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ وَقد رَأَيْت أَن ألخص أَحَادِيثه هُنَا لتستفاد أخرج بن أبي شيبَة فِي مُسْنده ومصنفه وَأَبُو بكر الْمروزِي فِي مُسْند عُثْمَان وَالْبَزَّار عَن عُثْمَان بن عَفَّان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا يسبغ عبد الْوضُوء إِلَّا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه عَن سعد بن أبي وَقاص عَن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ حِين يسمع الْمُؤَذّن أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَفِي لفظ رَسُولا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج بن وهب فِي مُصَنفه عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا أَمن الامام فَأمنُوا فَإِن الْمَلَائِكَة تؤمن فَمن وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس فِي كتاب الثَّوَاب عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى سبْحَة الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ إِيمَانًا واحتسابا غفرت لَهُ ذنُوبه كلهَا مَا بقدم مِنْهَا وَمَا تَأَخّر إِلَّا الْقصاص وَأخرج أَبُو الأسعد الْقشيرِي فِي الْأَرْبَعين عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ إِذا سلم الامام يَوْم الْجُمُعَة قبل أَن يثني رجلَيْهِ فَاتِحَة الْكتاب وَقل هُوَ الله أحد وَقل أعوذ بِرَبّ الفلق وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس سبعا سبعا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر أخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج النَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى وقاسم بن أصبغ فِي مُصَنفه عَن عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَامَ شهر رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَمن قَامَ لَيْلَة الْقدر إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج أَبُو سعيد النقاش الْحَافِظ فِي أَمَالِيهِ عَن بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صَامَ يَوْم عَرَفَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أم سَلمَة أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من أهل بِحجَّة أَو عمْرَة من الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَوَجَبَت لَهُ الْجنَّة وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الله هُوَ بن سمعود سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من جَاءَ حَاجا يُرِيد وَجه الله غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج أَحْمد بن منيع وَأَبُو يعلى فِي مسنديهما عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قضى نُسكه وَسلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ آخر سُورَة الْحَشْر غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج أَبُو عبد الله بن مَنْدَه فِي أَمَالِيهِ عَن بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قاد مكفوفا أَرْبَعِينَ خطْوَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج أَبُو أَحْمد الناصح فِي فَوَائده عَن بن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سعى لِأَخِيهِ الْمُسلم فِي حَاجَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَأخرج الْحسن بن سُفْيَان وَأَبُو يعلى فِي مسنديهما عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من عَبْدَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فيتصافحان ويصليان على النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا لم يَتَفَرَّقَا حَتَّى يغْفر لَهما ذنوبهما مَا تقدم مِنْهَا وَمَا تَأَخّر وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن معَاذ بن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من أكل طَعَاما ثمَّ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي أَطْعمنِي هَذَا الطَّعَام ورزقنيه من غير حول مني وَلَا قُوَّة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمن لبس ثوبا فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي كساني هَذَا ورزقنيه من غير حول مني وَلَا قُوَّة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَقد تلخص من هَذِه الْأَحَادِيث سِتَّة عشر خصْلَة وَقد نظمتها فِي أَبْيَات على وزن يَا سلسلة الرمل وَهِي هَذِه قد جَاءَ من الْهَادِي وَهُوَ خير نَبِي أَخْبَار مسانيد قد رويت بايصال فِي فضل خِصَال غافرات ذنُوب مَا قدم أَو أخر للممات بافضال حج وضوء قيام لَيْلَة قدر واسهر وصم لَهُ وقُوف عَرَفَة إقبال آمين وقارئ الْحَشْر ثمَّ من قاد أعمى وشهيد إِذا الْمُؤَذّن قد قَالَ سمى لأخ وَالضُّحَى وَعند لِبَاس حمد ومجيء من اليلياء باهلال فِي الْجُمُعَة يقْرَأ نوافلا وصفاح مَعَ ذكر صَلَاة على النَّبِي مَعَ الْآل قَالَ بن شهَاب وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول آمين هَذَا مَرَاسِيل بن شهَاب وَقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي غرائب مَالك والعلل مَوْصُولا من طَرِيق حَفْص بن عمر الْمدنِي عَن مَالك عَن بن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ وَقَالَ تفرد بِهِ حَفْص بن عمر وَهُوَ ضَعِيف وَقَالَ بن عبد الْبر لم يُتَابع حَفْص على هَذَا اللَّفْظ بِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ الْحَافِظ بن حجر وآمين بِالتَّخْفِيفِ وَالْمدّ فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَعَن جَمِيع الْقُرَّاء وفيهَا لُغَات أُخْرَى شَاذَّة لم ترد بهَا الرِّوَايَة وَمَعْنَاهَا اللَّهُمَّ استجب عِنْد الْجُمْهُور وَقيل هُوَ اسْم من أَسمَاء الله رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد ضَعِيف وَعَن هِلَال بن يسَار التَّابِعِيّ مثله وَأنْكرهُ جمَاعَة

[196]

إِذا قَالَ أحدكُم آمين زَاد مُسلم فِي صلَاته قَالَ الْحَافِظ بن حجر فَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيد

[197]

إِذا قَالَ الإِمَام سمع الله لمن حَمده فَقولُوا اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد فَإِنَّهُ من وَافق قَوْله قَول الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه قَالَ الْحَافِظ بن حجر فِيهِ إِشْعَار بِأَن الْمَلَائِكَة تَقول مَا يَقُول المأمومون وَقَالَ بن عبد الْبر الْوَجْه عِنْدِي فِي هَذَا وَالله أعلم تَعْظِيم فضل الذّكر وَأَنه يحط الأوزار وَيغْفر الذُّنُوب وَقد أخبر الله عَن الْمَلَائِكَة أَنهم يَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا فَمن كَانَ مِنْهُ من القَوْل مثل هَذَا بإخلاص واجتهاد وَنِيَّة صَادِقَة وتوبة صَحِيحَة غفرت ذنُوبه إِن شَاءَ الله قَالَ ومث لهَذِهِ الْأَحَادِيث المشكلة الْمعَانِي الْبَعِيدَة التَّأْوِيل عَن مخارج لَفظهَا وَاجِب ردهَا إِلَى الْأُصُول الْمُجْتَمع ليها

ص: 85

[198]

عَن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن المعاوي بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين وَبعد الْألف وَاو قَالَ بن عبد الْبر مَنْسُوب إِلَى بني مُعَاوِيَة فَخذ من الْأَنْصَار وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ قَالَ الْبَاجِيّ روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة هَذَا الحَدِيث عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم وَزَاد فِيهِ قَالَ هِيَ مذبة الشَّيْطَان لَا يسهو أحدكُم مَا دَامَ يُشِير بأصبع قَالَ الْبَاجِيّ فَفِيهِ أَن معنى الْإِشَارَة دفع السَّهْو وقمع الشَّيْطَان الَّذِي يوسوس وَقيل إِن الْإِشَارَة مَعْنَاهَا التَّوْحِيد

[201]

إِنَّمَا سنة الصَّلَاة أَن تنصب رجلك إِلَى آخِره هَذِه الصّفة حكمهَا الرّفْع

ص: 86

[203]

أَنه سمع عمر بن الْخطاب وَهُوَ على الْمِنْبَر يعلم النَّاس التَّشَهُّد قَالَ فِي الاستذكار مَا أوردهُ مَالك فِي التَّشَهُّد عَن عمر وَابْن عمر وَعَائِشَة حكمه الرّفْع لِأَن من الْمَعْلُوم أَنه لَا يُقَال بِالرَّأْيِ وَلَو كَانَ رَأيا لم يكن ذَلِك أَقُول من الذّكر أولى من غَيره من سَائِر الذّكر التَّحِيَّات لله فَسرهَا بَعْضهَا بِالْملكِ وَبَعْضهمْ بِالْبَقَاءِ وَبَعْضهمْ بِالسَّلَامِ وَعَن الْعُتْبِي أَن الْجمع فِي لفظ التَّحِيَّات سَببه أَنهم كَانُوا يحيون الْمُلُوك بأثنية مُخْتَلفَة كَقَوْلِهِم أنعم صباحا وأبيت اللَّعْن وعش كَذَا سنة فَقيل اسْتِحْقَاق الأثنية كلهَا لله تَعَالَى وَقيل الْمَعْنى ان التَّحِيَّات بالأسماء الْحسنى كلهَا لله تَعَالَى الزاكيات لله قَالَ بن حبيب هِيَ صَالح الْأَعْمَال الطَّيِّبَات هِيَ طَيّبَات القَوْل الصَّلَوَات لله قَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا يَنْبَغِي أَن يُرَاد بهَا غير الله وَقَالَ الرَّافِعِيّ مَعْنَاهُ الرَّحْمَة لله على الْعباد السَّلَام علينا قيل السَّلَام هُوَ الله تَعَالَى وَمَعْنَاهُ الله علينا أَي على حفظنا وَقيل هُوَ جمع سَلامَة

ص: 87

[208]

عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة قَالَ بن عبد الْبر لم يخرج عَنهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ حكما وَاسْتغْنى عَنهُ فِي الْأَحْكَام بالزهري وَمثله وَإِنَّمَا ذكر عَنهُ فِي الْمُوَطَّأ حَدِيثا وَاحِدًا من الْمسند فِي بَاب الْجَامِع وَهَذَا الحَدِيث أوردهُ مَالك عَنهُ هُنَا مَوْقُوفا وَرَوَاهُ الداروردي عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن مليح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعا الَّذِي يرفع رَأسه وَيخْفِضهُ قبل الإِمَام فَإِنَّمَا ناصيته يَد شَيْطَان قَالَ الْبَاجِيّ مَعْنَاهُ الْوَعيد لمن فعل ذَلِك واخبار أَن ذَلِك من فعل الشَّيْطَان بِهِ وَإِن انقياده لَهُ وطاعته إِيَّاه فِي الْمُبَادرَة بالخفض وَالرَّفْع قبل إِمَامه انقياد من كَانَت ناصيته بِيَدِهِ

[211]

سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَلَاة الْعَصْر قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ يحيى وَلم يقل لنا وَرَوَاهُ بن الْقَاسِم وَابْن وهب والقعنبي وَالشَّافِعِيّ وقتيبة عَن مَالك فَقَالُوا صلى لنا فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ واسْمه الْخِرْبَاق بن عَمْرو كل ذَلِك لم يكن قَالَ النَّوَوِيّ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا أَن مَعْنَاهُ لم يكن الْمَجْمُوع فَلَا يَنْفِي وجود أَحدهمَا وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّوَاب أَن مَعْنَاهُ لم يكن ذَاك وَلَا ذَا فِي ظَنِّي بل فِي ظَنِّي أَنِّي أكملت الصَّلَاة أَرْبعا قَالَ وَيدل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل وَأَنه لَا يجوز غَيره أَنه جَاءَ فِي رِوَايَات للْبُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث انه صلى الله عليه وسلم قَالَ لم تقصر وَلم أنس فنفى الْأَمريْنِ فَقَالَ أصدق ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا نعم قَالَ النَّوَوِيّ فَإِن قيل كَيفَ تكلم ذُو الْيَدَيْنِ وَالْقَوْم وهم بعد فِي الصَّلَاة فَجَوَابه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنهم لم يَكُونُوا على يَقِين من الْبَقَاء فِي الصَّلَاة لأَنهم كَانُوا مجوزين لنسخ الصَّلَاة من أَربع إِلَى رَكْعَتَيْنِ وَالثَّانِي أَن هَذَا كَانَ خطابا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وجوابا وَذَلِكَ لَا يبطل الصَّلَاة وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح أَن الْجَمَاعَة أومئوا أَي نعم فعلى هَذِه الرِّوَايَة لم يتكلموا فَإِن قيل كَيفَ رَجَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى قَول الْجَمَاعَة وعندكم لَا يجوز للْمُصَلِّي الرُّجُوع فِي قدر صلَاته إِلَى قَول غَيره إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما وَلَا يعْمل إِلَّا على يَقِين نَفسه فَجَوَابه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُمْ ليتذكر فَلَمَّا ذَكرُوهُ تذكر فَعلم السَّهْو فَبنى عَلَيْهِ لَا أَنه رَجَعَ إِلَى مُجَرّد قَوْلهم

ص: 88

[212]

عَن بن شهَاب عَن أبي بكر بن سُلَيْمَان بن أبي حثْمَة قَالَ بن عبد الْبر هُوَ قرشي عدوي لَا يُوقف لَهُ على اسْم وَهُوَ من ثِقَات التَّابِعين وَحَدِيثه هَذَا مُنْقَطع عِنْد جَمِيع رُوَاة الْمُوَطَّأ فَقَالَ لَهُ ذُو الشمالين رجل من بني زهرَة بن كلاب قَالَ الْبَاجِيّ قَول بن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث ذُو الشمالين فِيهِ نظر وَقَالَ بن أبي حثْمَة ذُو الشمالين عُمَيْر بن عبيد بن عَمْرو بن فضلَة من خُزَاعَة حَلِيف لبني زهرَة بن كلاب قتل يَوْم بدر وَذُو الْيَدَيْنِ هُوَ الْخِرْبَاق وَهُوَ غير ذِي الشمالين وَالْجمع بَينهمَا فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ مِمَّا خَلفه فِيهِ الْحفاظ من الروَاة عَن أبي هُرَيْرَة مُحَمَّد بن سِيرِين وَأَبُو سُفْيَان غَيرهمَا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحفاظ عَن أبي سَلمَة وَبَين هَذَا أَن أَبَا هُرَيْرَة يَقُول فِي هَذَا الحَدِيث صلى لنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو مُصعب وَغَيره وَهَذَا يَقْتَضِي مُشَاهدَة أبي هُرَيْرَة لهَذِهِ الصَّلَاة وَذُو الشمالين قتل يَوْم بدر وَإِسْلَام أبي هُرَيْرَة بعد ذَلِك بأعوام جمة قَالَ وَلم يذكر أَن شهَاب فِي حَدِيثه هَذَا سُجُود السَّهْو وَقد ذكره جمَاعَة من الْحفاظ عَن أبي هُرَيْرَة وَالْأَخْذ بِالزَّائِدِ أولى إِذا كَانَ رَاوِيه ثِقَة وَقَالَ بن عبد الْبر الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْمُتَكَلّم ذُو الشمالين لم يُتَابع عَلَيْهِ فذو الشمالين هُوَ عُمَيْر بن عَمْرو بن غيثان خزاعي حَلِيف لبني زهرَة قتل ببدر وَذُو الْيَدَيْنِ اسْمه الْخِرْبَاق سلمي من بني سليم قَالَ وَقد اضْطربَ الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ اضطرابا أوجب عِنْد أهل الْعلم بِالنَّقْلِ تَركه من رِوَايَته خَاصَّة ثمَّ ذكر طرقه وَبَين اضطرابها فِي الْمَتْن والإسناد وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج غلط الزُّهْرِيّ فِي حَدِيثه قَالَ بن عبد الْبر لَا أعلم أحدا من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ المصنفين فِيهِ عول على الزُّهْرِيّ فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَكلهمْ تَرَكُوهُ لاضطرابه وَأَنه لم يتم لَهُ إِسْنَادًا وَلَا متْنا وَإِن كَانَ إِمَامًا عَظِيما فِي هَذَا الشَّأْن فالغلط لَا يسلم مِنْهُ بشر والكمال لله تَعَالَى وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إِلَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر اتَّفقُوا على تغليط الزُّهْرِيّ فِي قَوْله ذُو الشمالين لِأَنَّهُ قتل ببدر وَذُو الْيَدَيْنِ عَاشَ بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُدَّة وَحدث بِهَذَا الحَدِيث ولقب بذلك لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَده طول وَقيل كَانَ يعْمل بيدَيْهِ جَمِيعًا

ص: 89

[214]

عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء بن يسَار أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا روى الحَدِيث عَن مَالك جَمِيع الروَاة مُرْسلا وَلَا أعلم أحدا أسْندهُ عَن مَالك إِلَّا الْوَلِيد بن مُسلم فَإِنَّهُ وَصله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد تَابع مَالِكًا على إرْسَاله الثَّوْريّ وَحَفْص بن ميسرَة الصَّنْعَانِيّ وَمُحَمّد بن جَعْفَر وَدَاوُد بن قيس وتابع الْوَلِيد على وَصله جمَاعَة عَن زيد بن أسلم قلت وَصله مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من طرق عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من طَرِيق عبد الْعَزِيز الداروردي عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء بن يسَار عَن بن عَبَّاس وَقَالَ بن حبَان فِي صَحِيحه وهم عبد الْعَزِيز فِي قَوْله عَن بن عَبَّاس وَإِنَّمَا هُوَ عَن أبي سعيد شفعها أَي ردهَا إِلَى الشفع ترغيم للشَّيْطَان أَي إِي إغاظة لَهُ وإذلال قَالَ النَّوَوِيّ الْمَعْنى ان الشَّيْطَان لبس عَلَيْهِ صلَاته وتدارك مَا لبس عَلَيْهِ فأرغم الشَّيْطَان ورده خاسئا مُبْعدًا عَن مُرَاده وكملت صَلَاة بن آدم وامتثل أَمر الله تَعَالَى الَّذِي عصى بِهِ إِبْلِيس من امْتِنَاعه عَن السُّجُود

[218]

عَن عبد الله بن بُحَيْنَة هِيَ أمه وَاسم أَبِيه مَالك بن القشب الْأَزْدِيّ ونظرنا أَي انتظرنا

ص: 90

[220]

عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة عَن أمه أَن عَائِشَة قَالَ بن عبد الْبر رَوَاهُ جمَاعَة الروَاة عَن املك فِي الْمُوَطَّأ عَن عَلْقَمَة عَن أمه عَن عَائِشَة وَسقط ليحيى عَن أمه وَهُوَ مِمَّا عد عَلَيْهِ وَلم يُتَابِعه على ذَلِك أحد من الروَاة أهْدى أَبُو جهم بن حُذَيْفَة اسْمه عبيد وَيُقَال عَامر قرشي عدوي صَحَابِيّ مَشْهُور وَيُقَال فِيهِ أَبُو جهيم بِالتَّصْغِيرِ خميصة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم وبالصاد الْمُهْملَة كسَاء مربع لَهُ علمَان فكاد يفتنني قَالَ الْبَاجِيّ بَين أَن الْفِتْنَة لم تقع وَإِن صلَاته صلى الله عليه وسلم كملت

[221]

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لبس خميصة قَالَ بن عبد الْبر هَذَا مُرْسل عِنْد جَمِيع الروَاة عَن مَالك إِلَّا معن بن عِيسَى فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن مَالك عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مُسْندًا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جمَاعَة أَصْحَاب هِشَام عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أنبجانية بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَكسر الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْجِيم وَبعد النُّون يَاء النِّسْبَة كسَاء غليظ لَا علم لَهُ قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ مَنْسُوب إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ أنبجان وَتعقب بذلك قَول أبي حَاتِم السجسْتانِي لَا يُقَال كسَاء أنبجاني وَإِنَّمَا يُقَال ميجاني نِسْبَة إِلَى ميج مَوضِع أعجمي

[222]

عَن عبد الله بن أبي بكر أَن أَبَا طَلْحَة الْأنْصَارِيّ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِط لَهُ قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث لَا أعلمهُ مرويا من غير هَذَا الْوَجْه وَهُوَ مُنْقَطع فطار دبسي فَطَفِقَ يتَرَدَّد يلْتَمس مخرجا قَالَ الْبَاجِيّ يَعْنِي أَن انتساق النّخل واتصال جرائدها كَانَت تمنع الدبسي من الْخُرُوج فَجعل يتَرَدَّد بِطَلَب الْمخْرج فأعجبه ذَلِك أَي سُرُورًا بصلاح مَاله وَحسن إقباله ثمَّ رَجَعَ إِلَى صلَاته أَي الإقبال عَلَيْهَا وتفريغ نَفسه لتمامها فَقَالَ لقد أصابتني فِي مَالِي هَذَا فتْنَة أَي اختبرت فِي هَذَا المَال فشغلني عَن الصَّلَاة هُوَ صَدَقَة لله قَالَ الْبَاجِيّ أَرَادَ إِخْرَاج مَا فتن بِهِ من مَاله وتكفير اشْتِغَاله عَن صلَاته قَالَ وَهَذَا يدل على أَن مثل هَذَا كَانَ يقل مِنْهُم ويعظم فِي نُفُوسهم فضعه حَيْثُ شِئْت قَالَ الْبَاجِيّ إِنَّمَا صرف ذَلِك إِلَى اخْتِيَار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعلمه بِأَفْضَل مَا تصرف إِلَيْهِ الصَّدقَات

ص: 91

[223]

قد ذللت أَي مَالَتْ الثَّمَرَة بعراجينها لِأَنَّهَا عظمت وَبَلغت حد النضج

[224]

فَلبس عَلَيْهِ بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة أَي خلط عَلَيْهِ

[225]

مَالك أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنِّي لأنسى أَو أنسى لأسن قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُسْندًا وَلَا مَقْطُوعًا من غير هَذَا الْوَجْه وَهُوَ أحد الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة الَّتِي فِي الْمُوَطَّأ الَّتِي لَا تُوجد فِي غَيره مُسندَة وَلَا مُرْسلَة وَمَعْنَاهُ صَحِيح فِي الْأُصُول وَقَالَ الْبَاجِيّ أَو فِي الحَدِيث للشَّكّ عِنْد بَعضهم وَقَالَ عِيسَى بن دِينَار وَابْن نَافِع لَيست للشَّكّ وَمعنى ذَلِك أنسى أَنا أَو ينسيني الله تَعَالَى قَالَ وَيحْتَاج هَذَا إِلَيّ بَيَان لِأَنَّهُ أضَاف أحد النسيانين إِلَيْهِ وَالثَّانِي إِلَى الله تَعَالَى وَإِن كُنَّا نعلم أَنه إِذا نسي فَإِن الله هُوَ الَّذِي نساه أَيْضا وَذَلِكَ يحْتَمل مَعْنيين أَحدهمَا أَن يُرِيد لأنسى فِي الْيَقَظَة وأنسى فِي النّوم فَأصَاب النسْيَان فِي الْيَقَظَة إِلَيْهِ لِأَنَّهَا حَال التَّحَرُّز فِي غَالب أَحْوَال النَّاس وأضاف النسْيَان فِي النّوم إِلَى غَيره لما كَانَت حَالا يقل فِيهَا التَّحَرُّز وَلَا يُمكن فِيهَا مِنْهُ مَا يُمكن فِي حَال الْيَقَظَة وَالثَّانِي أَن يُرِيد إِنِّي لأنسى على حسب مَا جرت الْعَادة بِهِ من النسْيَان مَعَ السَّهْو والذهول عَن الْأَمر أَو أنسى مَعَ تذكر الْأَمر والاقبال عَلَيْهِ والتفرغ لَهُ فأضاف أحد النسيانين إِلَى نَفسه لما كَانَ كالمضطر إِلَيْهِ

ص: 92

[227]

من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة غسل الْجَنَابَة قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ غسلا على صفة غسل الْجَنَابَة وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ الْجنب المغتسل بجنابته قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَالْأول قَول الْأَكْثَر وَفِي رِوَايَة بن جريج عَن سمي عِنْد عبد الرَّزَّاق فاغتسل أحدكُم كَمَا يغْتَسل من الْجَنَابَة وَالثَّانِي فِيهِ إِشَارَة إِلَى اسْتِحْبَاب الْجِمَاع يَوْم الْجُمُعَة وَالْحكمَة فِيهِ أَن تسكن نَفسه فِي الرواح إِلَى الصَّلَاة وَلَا تمتد عينه إِلَى شَيْء يرَاهُ وَفِيه حمل الْمَرْأَة أَيْضا على الِاغْتِسَال قلت وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث أَيعْجزُ أحدكُم أَن يُجَامع أَهله فِي كل يَوْم جُمُعَة قَالَ لَهُ أَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ أجر غسله وَأجر غسل امْرَأَته أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة ثمَّ رَاح فِي السَّاعَة الأولى قيل ذَلِك مُعْتَبر من الزَّوَال وَعَلِيهِ مَالك وَالْمرَاد بِهِ حِينَئِذٍ بالساعات الْخمس أَجزَاء لَطِيفَة عقبه لِأَن الرواح إِنَّمَا يكون بعد نصف النَّهَار وَقيل من أول النَّهَار وَعَلِيهِ الشَّافِعِي وَالْمرَاد بالرواح الذّهاب وسوغ الْإِطْلَاق كَونه ذَهَابًا لأمر يُؤْتى بِهِ بعد الزَّوَال قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَلم أر التَّعْبِير بالرواح فِي شَيْء من طرق هَذَا الحَدِيث إِلَّا فِي رِوَايَة مَالك هَذِه عَن سمي وَقد رَوَاهُ بن جريج عَن سمي بِلَفْظ غَدا وَرَوَاهُ أَبُو سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ المستعجل إِلَى الْجُمُعَة كالمهدي بَدَنَة الحَدِيث صَححهُ بن خُزَيْمَة وَفِي حَدِيث سَمُرَة ضرب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الْجُمُعَة فِي التبكير كَأَجر الْبَدنَة الحَدِيث أخرجه بن ماجة وَلأبي دَاوُد من حَدِيث عَليّ مَرْفُوعا إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة غَدَتْ الشَّيَاطِين براياتها إِلَى الْأَسْوَاق وتغدو الْمَلَائِكَة فتجلس على بَاب الْمَسْجِد فتكتب الرجل من سَاعَة وَالرجل من ساعتين الحَدِيث فَدلَّ مَجْمُوع هَذِه الْأَحَادِيث على أَن المُرَاد بالرواح الذّهاب فَكَأَنَّمَا قرب بَدَنَة أَي تصدق بهَا متقربا إِلَى الله وَقيل المُرَاد أَن لَهُ نَظِير مَا لصَاحب الْبَدنَة من الثَّوَاب مِمَّن شرع لَهُ القربان لِأَن القربان لم يشرع لهَذِهِ الْأمة على الْكَيْفِيَّة الَّتِي كَانَت بالأمم السالفة أَي فعوضوا عَنهُ مَا يقوم مقَامه وَفِي لفظ عِنْد البُخَارِيّ كَمثل الَّذِي يهدي بَدَنَة فَكَانَ المُرَاد بالقربان فِي رِوَايَة مَالك الاهداء إِلَى الْكَعْبَة وَالْمرَاد بالبدنة الْوَاحِد من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى سميت بذلك لعظم دنها وَالْهَاء فِيهَا للوحدة لَا للتأنيث كَبْشًا أقرن قَالَ النَّوَوِيّ وَصفه بِهِ لِأَنَّهُ أكمل وَأحسن صُورَة وَلِأَن قرنه ينْتَفع بِهِ وَمن رَاح فِي السَّاعَة الرَّابِعَة فَكَأَنَّمَا قرب دجَاجَة فِي رِوَايَة عِنْد النَّسَائِيّ فَكَأَنَّمَا قرب بطة وَجعل الدَّجَاجَة فِي السَّاعَة الْخَامِسَة والبيضة فِي السَّاعَة السَّادِسَة والدجاجة بِتَثْلِيث الدَّال وَالْفَتْح أفْصح ثمَّ الْكسر وتقعان على الذّكر وَالْأُنْثَى فَإِذا خرج الامام حضرت الْمَلَائِكَة استنبط مِنْهُ الْمَاوَرْدِيّ أَن التبكير لَا يسْتَحبّ للْإِمَام قَالَ وَيدخل الْمَسْجِد من أقرب أبوابه إِلَى الْمِنْبَر وَقَالَ الْبَاجِيّ قَوْله خرج يُرِيد بِهِ خرج عَلَيْهِم فِي الْجَامِع لِأَنَّهُ خُرُوج مِمَّا كَانَ مَسْتُورا فِيهِ من منزل وَغَيره وَحَضَرت بِفَتْح الضَّاد أفْصح من كسرهَا قَالُوا وَالْمَلَائِكَة الْمشَار إِلَيْهِم غير الْحفظَة وظيفتهم كِتَابَة حاضري الْجُمُعَة ذكره النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَفِي رِوَايَة فِي الصَّحِيح إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وقفت الْمَلَائِكَة على بَاب الْمَسْجِد يَكْتُبُونَ الأول فَالْأول فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ فَإِذا جلس الامام طَوَوْا صُحُفهمْ وجاؤا يَسْتَمِعُون الذّكر وَلأبي نعيم فِي الْحِلْية من حَدِيث بن عمر مَرْفُوعا إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة بعث الله مَلَائِكَة بصحف من نور وَأَقْلَام من نور فَذكر الحَدِيث يَسْتَمِعُون الذّكر قَالَ الرَّافِعِيّ أَي الْخطْبَة وَقَالَ الْبَاجِيّ الْمَعْنى أَنَّهَا لَا تكْتب فَضِيلَة من يَأْتِي ذَلِك الْوَقْت

ص: 93

[229]

عَن بن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله أَن قَالَ دخل رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ أَكثر رُوَاة الْمُوَطَّأ عَن مَالك مُرْسلا لم يَقُولُوا عَن أَبِيه وَوَصله عَن مَالك عَن بن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه رواح بن عبَادَة وَجُوَيْرِية بن أَسمَاء وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان وَعُثْمَان بن الحكم الجذامي وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل وَعبد الْوَهَّاب بن عَطاء وَيحيى بن مَالك بن أنس وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي والوليد بن مُسلم وَعبد الْعَزِيز بن عمرَان وَمُحَمّد بن عمر الْوَاقِدِيّ وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الحنيني والقعنبي فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق عَنهُ زَاد الدَّارَقُطْنِيّ فِي الموطآت وَيحيى بن مُحَمَّد الشجري وخَالِد بن حميد زَاد فِي الْعِلَل وَأَبُو قُرَّة قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَصْحَاب الزُّهْرِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن عمر وَهُوَ الصَّوَاب وَعند الزُّهْرِيّ فِيهِ أَسَانِيد أخر صِحَاح مِنْهَا سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمِنْهَا طَاوس عَن بن عَبَّاس وَعَن نَافِع عَن بن عمر وَقيل عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة وَقيل عَنهُ عَن عبيد بن السباق عَن بن عَبَّاس وَقيل عَنهُ عَن أنس وَالصَّحِيح من ذَلِك كُله حَدِيث عمر وَابْنه وَرَوَاهُ عَمْرو بن دِينَار عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا انْتهى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل والْحَدِيث مَوْصُول فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأخْرجهُ البُخَارِيّ من طَرِيق جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن مَالك وَمُسلم من طَرِيق بن وهب عَن يُونُس وَكِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَالرجل الْمَذْكُور سَمَّاهُ بن وهب وَابْن الْقَاسِم فِي روايتيهما للموطأ عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ بن عبد الْبر وَلَا أعلم فِيهِ خلافًا قَالَ وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة بن وهب عَن أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ عَن نَافِع عَن بن عمر وَفِي رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ عِنْد عبد الرَّزَّاق وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي رواتيه لهَذِهِ الْقِصَّة عِنْد مُسلم قَالَ وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار أَن عِكْرِمَة مولى بن عَبَّاس أخبرهُ أَن عُثْمَان بن عَفَّان جَاءَ وَعمر يخْطب فَذكر مثل حَدِيث بن عمر وَأبي هُرَيْرَة قَالَ وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث مَرْفُوعا ثمَّ أخرج من طَرِيق مُحَمَّد بن عمر الْمدنِي حَدثنَا بشر بن السّري عَن عمر بن الْوَلِيد الشني عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يلهو أحدكُم حَتَّى إِذا كَادَت الْجُمُعَة تفوت جَاءَ يتخطى رِقَاب النَّاس يؤذيهم فَقَالَ مَا فعلت يَا رَسُول الله وَلَكِن كنت رَاقِدًا ثمَّ استيقظت وَقمت فَتَوَضَّأت ثمَّ أَقبلت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو يَوْم وضوء هَذَا قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا حدث بِهِ مَرْفُوعا وَهُوَ عِنْدِي وهم لَا أَدْرِي مِمَّن وَإِمَّا الْقِصَّة مَحْفُوظَة لعمر لَا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم انْتهى فَقَالَ عمر أَيَّة سَاعَة هَذِه بتَشْديد الْيَاء التَّحْتِيَّة تَأْنِيث أَي اسْتِفْهَام إِنْكَار وتوبيخ على تَأَخره إِلَى هَذِه السَّاعَة وَفِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فَقَالَ عمر لم تحتبسون عَن الصَّلَاة انقلبت من السُّوق روى أَشهب عَن مَالك فِي الْعُتْبِيَّة أَن الصَّحَابَة كَانُوا يكْرهُونَ ترك الْعَمَل يَوْم الْجُمُعَة على نَحْو تَعْظِيم الْيَهُود السبت وَالنَّصَارَى الْأَحَد وَالْوُضُوء أَيْضا قَالَ النَّوَوِيّ هُوَ مَنْصُوب أَي تَوَضَّأت الْوضُوء فَقَط قَالَه الزُّهْرِيّ وَقَالَ بن حجر أَي وَالْوُضُوء أَيْضا اقتصرت على الْوضُوء وَجوز الْقُرْطُبِيّ الرّفْع على أَنه مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي وَالْوُضُوء أَيْضا تقتصر عَلَيْهِ قَالَ وَأغْرب السُّهيْلي فَقَالَ اتّفق الروَاة على الرّفْع لِأَن النصب يُخرجهُ إِلَى معنى الْإِنْكَار يَعْنِي وَالْوُضُوء لَا يُنكر قَالَ مَا تقدم قَالَ وَالظَّاهِر أَن الْوَاو عاطفة وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ هِيَ عوض من همزَة الِاسْتِفْهَام كَقِرَاءَة بن كثير قَالَ فِرْعَوْن وآمنتم بِهِ وَقَوله أضا أَي ألم يكفك أَن فاتك فعل التبكير إِلَى الْجُمُعَة حَتَّى أضفت إِلَيْهِ ترك الْعَمَل المرغوب فِيهِ قلت وَفِيه دَلِيل على أَن هَذِه اللَّفْظَة عَرَبِيَّة فَإِن بن هِشَام توقف فِي ذَلِك ثمَّ أعْربهَا مصدرا من آض تَاما بِمَعْنى رَجَعَ لَا من آض نَاقِصا بِمَعْنى صَار قَالَ وَهِي إِمَّا مفعول مُطلق حذف عَامله أَي أرجع إِلَى الاخبار رُجُوعا وَلَا أقتصر على مَا قدمت أَو حَال حذف عاملها وصاحبها أَي أخبر أَو أحكي أَيْضا فَتكون حَالا من ضمير الْمُتَكَلّم فَهَذَا هُوَ الَّذِي يسْتَمر فِي جَمِيع الْمَوَاضِع قَالَ وَمِمَّا يؤنسك بِمَا ذكرته من أَن الْعَامِل مَحْذُوف أَنَّك تَقول عِنْد مَال وَأَيْضًا علم فَلَا يكون قبلهَا مَا يصلح للْعَمَل فِيهَا فَلَا بُد حِينَئِذٍ من التَّقْدِير

ص: 94

[230]

عَن صَفْوَان بن سليم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هَذَا الحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ عِنْد رِوَايَة لم يَخْتَلِفُوا فِي إِسْنَاده وَرَوَاهُ بكر بن السرُور الصفاني عَن مَالك زيد بن أسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن أَبِيه مَرْفُوعا قَالَ وَهَذَا خطأ فِي الْإِسْنَاد بِلَا شكّ وَبكر سيء الْحِفْظ ضَعِيف هَذِه عَن مَالك مَنَاكِير وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر لم تخْتَلف رُوَاة الْمُوَطَّأ فِي إِسْنَاده عَن مَالك وَرِجَاله مدنيون وَفِي رُوَاته تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ صَفْوَان عَن عَطاء وَقد تَابع مَالِكًا على رِوَايَته الداروردي عَن صَفْوَان عِنْد بن حبَان وَخَالَفَهُمَا عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق فَرَوَاهُ عَن صَفْوَان بن سليم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة أخرجه أَبُو بكر الْمروزِي فِي كتاب الْجُمُعَة لَهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الموطآت رَوَاهُ يحيى بن مَالك عَن أَبِيه بِهَذَا السَّنَد مثله مَوْقُوفا أَحْسبهُ سقط على بعض الروَاة ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ فِي الْعِلَل رَوَاهُ إِسْحَاق بن الطباع عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد عَن أبي سعيد وَوهم فِيهِ وَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن صَفْوَان فَقَالَ عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد وَمِنْهُم من قَالَ عَنهُ بِالشَّكِّ عَن أَحدهمَا وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة عَن صَفْوَان عَن عَطاء بن يسَار مُرْسلا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ نَافِع الْقَارِي عَن صَفْوَان عَن أبي هُرَيْرَة وَوهم فِيهِ وَالصَّحِيح من ذَلِك صَفْوَان عَن بن يسَار عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم انْتهى غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب أَي متأكد قَالَ بن عبد الْبر المُرَاد أَنه وَاجِب فرضا بل مؤول أَي وَاجِب فِي السّنة أَو فِي الْمُرُوءَة أَو فِي الْأَخْلَاق الجميلة كَمَا تَقول الْعَرَب وَجب حَقك ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ من طَرِيق أَشهب عَن مَالك أَنه سُئِلَ عَن غسل الْجُمُعَة أواجب هُوَ قَالَ هُوَ حسن وَلَيْسَ بِوَاجِب وَأخرج من طَرِيق بن وهب أَن مَالِكًا سُئِلَ عَن غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب هُوَ قَالَ هُوَ سنة ومعروف قيل إِن فِي الحَدِيث وَاجِب قَالَ وَلَيْسَ كل مَا جَاءَ فِي الحَدِيث يكون كَذَلِك على كل محتلم أَي بَالغ وَإِنَّمَا ذكر الِاحْتِلَام لكَونه الْغَالِب

ص: 95

[231]

عَن نَافِع عَن بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا جَاءَ أحدكُم أَي إِذا أَرَادَ أَن يَجِيء كَمَا فِي رِوَايَة اللَّيْث عَن نَافِع عِنْد مُسلم إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يَأْتِي الْجُمُعَة فليغتسل قَالَ الْحَافِظ بن حجر رِوَايَة نَافِع عَن بن عمر لهَذَا الحَدِيث مَشْهُورَة جدا وَقد اعتنى بتخريج طرقه أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه فساقه من طَرِيق سبعين نفسا رَوَوْهُ عَن نَافِع قَالَ وَقد تتبعت مَا فته وجمعت مَا وَقع لي من طرقه فِي جُزْء مُفْرد فبلغت أَسمَاء من رَوَاهُ عَن نَافِع مائَة وَعشْرين نفسا فمما يُسْتَفَاد مِنْهُ هُنَا ذكر سَبَب الحَدِيث فَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن نَافِع عِنْد أبي عوَانَة كَانَ النسا يَغْدُونَ فِي أَعْمَالهم فَإِذا كَانَ الْجُمُعَة جاؤوا وَعَلَيْهِم ثِيَاب متغيرة فشكوا ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ من جَاءَ مِنْكُم الْجُمُعَة فليغتسل وَمِنْهَا ذكر مَحل القَوْل فَفِي رِوَايَة الحكم بن عتيبة عَن نَافِع عَن بن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول على أَعْوَاد هَذَا الْمِنْبَر بِالْمَدِينَةِ أخرجه يَعْقُوب الْجَصَّاص فِي فَوَائده وَمِنْهَا يدل على تكْرَار ذَلِك فَفِي رِوَايَة صَخْر بن جوَيْرِية عَن نَافِع عَن أبي مُسلم الْكَجِّي بِلَفْظ كَانَ إِذا خطب يَوْم الْجُمُعَة قَالَ الحَدِيث وَمِنْهَا زِيَادَة فِي امتن فَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن وَاقد عَن نَافِع عَن أبي عوَانَة وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صحاحهم من أَتَى الْجُمُعَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء فليغتسل وَمن لم يأتها فَلَيْسَ عَلَيْهِ غسل وَمِنْهَا زِيَادَة فِي الْمَتْن والإسناد أَيْضا أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من طرق عَن مفضل بن فضال عَن عَيَّاش بن عَبَّاس الْقِتْبَانِي عَن بكير بن عبد الله الْأَشَج عَن نَافِع عَن بن عمر عَن حَفْصَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَة وَاجِبَة على كل محتلم وعَلى من رَاح إِلَى الْجُمُعَة الْغسْل قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط لم يروه عَن نَافِع بِزِيَادَة حَفْصَة إِلَّا بكير وَلَا عَنهُ غلا عَيَّاش تفرد بِهِ مفضل قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَرُوَاته ثِقَات وَلَا مَانع أَن يسمعهُ بن عمر من النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمن غَيره من الصَّحَابَة

[232]

إِذا قلت لصاحبك أنصت والأمام يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فقد لغوت قَالَ الْبَاجِيّ مَعْنَاهُ الْمَنْع من الْكَلَام وأكد ذَلِك بِأَن من أَمر غَيره حِينَئِذٍ بِالصَّمْتِ فَهُوَ لاغ لِأَنَّهُ قد أَتَى من الْكَلَام بِمَا ينْهَى عَنهُ كَمَا أَن من نهى فِي الصَّلَاة مُصَليا عَن الْكَلَام فقد أفسد على نَفسه صلَاته وَإِنَّمَا نَص على أَن الْأَمر بِالصَّمْتِ لاغ تَنْبِيها على أَن كل مُكَلم غَيره لاغ واللغو رَدِيء الْكَلَام وَمَا لاخير فِيهِ انْتهى وَفِي حَدِيث بن عَمْرو مَرْفُوعا وَمن لنا وتخطى رِقَاب النَّاس كَانَت لَهُ ظهرا أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة قَالَ بن وهب أحد رُوَاته مَعْنَاهُ أَجْزَأت عَنهُ الصَّلَاة وَحرم فَضِيلَة الْجُمُعَة وَلأَحْمَد من حَدِيث عَليّ مَرْفُوعا وَمن قَالَ صه فقد تكلم وَمن تكلم فَلَا جُمُعَة لَهُ

ص: 96

[236]

أَن رجلا عطس يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب فشمته رجل إِلَى جنبه فَسَأَلَ عَن ذَلِك سعيد بن الْمسيب فَنَهَاهُ بِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَخَالف فِي الْجَدِيد وَقَالَ ليشمت وَاسْتدلَّ فِي الْأُم بِحَدِيث الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا عطس الرجل والأمام يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فشمته وَهُوَ مُرْسل وَلَيْسَ مَذْهَب الشَّافِعِي رد الْمُرْسل مُطلقًا بل يحْتَج بِهِ إِذا اعتضد فَكَأَنَّهُ رأى لَهُ عاضدا ثمَّ رَأَيْت فِي مُصَنف بن أبي شيبَة من طَرِيق الْأَعْمَش والغيرة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ كَانُوا يردون السَّلَام يَوْم الْجُمُعَة والأمام يخْطب ويشمتون الْعَاطِس فَهَذَا عاضده

ص: 97

[239]

فَقَالَ بن شهَاب كَانَ عمر بن الْخطاب يقْرؤهَا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فامضوا إِلَى ذكر الله وَصله عبد بن حميد فِي تَفْسِيره قَالَ أَنا عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ لقد توفّي عمر وَمَا يقْرَأ هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْجُمُعَة إِلَّا فامضوا إِلَى ذكر الله وَأخرج مثله عَن أبي وَابْن مَسْعُود

ص: 98

[240]

فِيهِ سَاعَة لَا يُوَافِقهَا أَي يصادفها عبد مُسلم وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا يَقُول عَامَّة رُوَاة الْمُوَطَّأ فِي هَذَا الحَدِيث وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي إِلَّا قُتَيْبَة بن سعيد وَأَبا مُصعب وَابْن أبي أويس والتنيس ومطرفا فانهم أسقطوها وَقَالُوا وَهُوَ يسْأَل الله فِيهَا شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ وَبَعْضهمْ يَقُول أعطَاهُ إِيَّاه قَالَ وَهِي زِيَادَة مَحْفُوظَة عَن أبي الزِّنَاد من رِوَايَة مَالك وورقاء وَغَيرهمَا عَنهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر حكى أَبُو مُحَمَّد بن السَّيِّد عَن مُحَمَّد بن وضاح أَنه كَانَ يَأْمر بحذفها من الحَدِيث قَالَ وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَنه يشكل عَلَيْهِ أصح الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي تعْيين هَذِه السَّاعَة وهما حديثان أَحدهمَا أَنَّهَا من جُلُوس الْخَطِيب على الْمِنْبَر إِلَى انْصِرَافه من الصَّلَاة وَالثَّانِي أَنَّهَا من بعد الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس وَقد احْتج أَبُو هُرَيْرَة على عبد الله بن سَلام لما ذكر لَهُ القَوْل الثَّانِي بِأَنَّهَا لَيست سَاعَة صَلَاة وَقد ورد النَّص بِالصَّلَاةِ فَأَجَابَهُ بِالنَّصِّ الآخر أَن منتظر الصَّلَاة ف يحكم الْمُصَلِّي فَلَو كَانَ قَوْله وَهُوَ قَائِم عِنْد أبي هُرَيْرَة ثَابتا لاحتج عَلَيْهِ بِهِ لكنه سلم لَهُ الْجَواب وارتضاه وَأفْتى بِهِ بعده وَأما إشكاله على الحَدِيث الأول فَمن جِهَة انه يتَنَاوَل حَال الْخطْبَة كُله وَلَيْسَت صَلَاة على الْحَقِيقَة وَقد أُجِيب عَن هَذَا الاشكال بِحمْل الصَّلَاة على الدُّعَاء أَو الِانْتِظَار وبحمل الْقيام على الْمُلَازمَة أَو الْمُوَاظبَة وَيُؤَيّد ذَلِك أَن حَال الْقيام فِي الصَّلَاة غير حَال السُّجُود وَالرُّكُوع وَالتَّشَهُّد مَعَ أَن السُّجُود مَظَنَّة إِجَابَة الدُّعَاء فَلَو كَانَ المُرَاد بِالْقيامِ حَقِيقَة لأخرجه فَدلَّ لعى أَن المُرَاد مجَاز الْقيام وَهُوَ الْمُوَاظبَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ثمَّ إِن جملَة وَهُوَ قَائِم حَال من عبد وَيُصلي حَال ثَانِيَة أَو من ضمير قَائِم وَيسْأل حَال ثَالِثَة مرادفة أَو متداخلة وَأَشَارَ بِيَدِهِ يقللها فِي رِوَايَة البُخَارِيّ من طَرِيق سَلمَة بن عَلْقَمَة عَن بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة وَوضع أنملته على بطن الْوُسْطَى والخنصر وَبَين أَبُو مُسلم الْكَجِّي أَن الَّذِي وضع هُوَ بشر بن الْمفضل رِوَايَة عَن سَلمَة قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَكَأَنَّهُ فسر الْإِشَارَة بذلك وللطبراني فِي الْأَوْسَط من حَدِيث أنس وَهِي قدر هَذَا يَعْنِي قَبْضَة وَلمُسلم وَهِي سَاعَة خَفِيفَة قَالَ الزين بن الْمُنِير الْإِشَارَة لتقليلها هُوَ التَّرْغِيب فِيهَا والحض عَلَيْهَا ليسارة وَقتهَا وغزارة فَضلهَا وَقد اخْتلف أهل الْعلم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ فِي هَذِه السَّاعَة على أَكثر من ثَلَاثِينَ قولا فَقيل انها رفعت حَكَاهُ بن عبد الْبر عَن قوم وزيفه وَقَالَ القَاضِي عِيَاض رده السّلف على قَائِله وَقيل انها فِي جُمُعَة وَاحِدَة من كل سنة وَقيل إِنَّهَا مخفية فِي جَمِيع الْيَوْم كَمَا أخفيت لَيْلَة الْقدر فِي الْعشْر وَالِاسْم الْأَعْظَم فِي الْأَسْمَاء الْحسنى وَهُوَ قَضِيَّة كَلَام الرَّافِعِيّ وَغَيره وَالْحكمَة فِي ذَلِك بعث الْعباد على الِاجْتِهَاد فِي الطّلب واستيعاب الْوَقْت بِالْعبَادَة وَقيل انها تنْتَقل فِي يَوْم الْجُمُعَة وَلَا تلْزم سَاعَة بِعَينهَا وَرجحه الْغَزالِيّ والمحب الطَّبَرِيّ وَقيل هِيَ عِنْد أَذَان الْمُؤَذّن لصَلَاة الْغَدَاة وَقيل من طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس وَقيل عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَقيل أول سَاعَة بعد طُلُوع الشَّمْس وَقيل فِي آخر السَّاعَة الثَّالِثَة من النَّهَار لحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَفِي آخر ثَلَاث سَاعَات مِنْهُ سَاعَة من دَعَا الله فِيهَا اسْتُجِيبَ لَهُ أخرجه أَحْمد وَقيل إِذا زَالَت الشَّمْس وَقيل إِذا أؤم الْمُؤَذّن لصَلَاة الْجُمُعَة وَقيل من الزَّوَال إِلَى مصير الظل ذِرَاعا وَقيل إِلَى أَن يخرج الامام وَقيل إِلَى أَن يدْخل فِي الصَّلَاة وَقيل من الزَّوَال إِلَى غرُوب الشَّمْس وَقيل مَا بَين خُرُوج الامام إِلَى أَن تُقَام الصَّلَاة وَقيل عِنْد خُرُوج الامام وَقيل مَا بَين خُرُوج الامام إِلَى أَن تَنْقَضِي الصَّلَاة وَقيل مَا بَين أَن يحرم البيع إِلَى أَن يحل وَقيل مَا بَين الْأَذَان إِلَى انْقِضَاء الصَّلَاة وَقيل مَا بَين أَن يجلس الامام على الْمِنْبَر إِلَى أَن تقضي الصَّلَاة رَوَاهُ مُسلم عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَهَذَا القَوْل يُمكن أَن يتحد مَعَ الَّذِي قبله وَقيل من حِين يفْتَتح الامام الْخطْبَة حَتَّى يفرغها رَوَاهُ بن عبد الْبر عَن بن عمر مَرْفُوعا وَقيل عِنْد الْجُلُوس بَين الْخطْبَتَيْنِ وَقيل عِنْد نزُول الامام من الْمِنْبَر وَقيل عِنْد أقامة الصَّلَاة لحَدِيث الطَّبَرَانِيّ عَن مَيْمُونَة بنت سعد أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله أَفْتِنَا عَن صَلَاة الْجُمُعَة قَالَ فِيهَا سَاعَة لَا يَدْعُو العَبْد فِيهَا ربه إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ قلت أَيَّة سَاعَة هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ ذَلِك حِين يقوم الإِمَام وَقيل من إِقَامَة الصَّلَاة إِلَى الِانْصِرَاف مِنْهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَمْرو بن عَوْف مَرْفُوعا وَحسنه وَقيل هِيَ السَّاعَة الت كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَة وَقيل من صَلَاة الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس مَرْفُوعا وَقيل فِي صَلَاة الْعَصْر وَقيل بعد الْعَصْر إِلَى آخر وَقت الِاخْتِيَار وَقيل من حِين تصفر الشَّمْس إِلَى أَن تغيب وَقيل آخر سَاعَة بعد الْعَصْر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن جَابر مَرْفُوعا وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عقب هَذَا الحَدِيث وَقيل إِذا تدلى نصف الشَّمْس للغروب رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن فَاطِمَة بنت النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعا قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ أصح الْأَحَادِيث فِيهَا حَدِيث أبي مُوسَى فِي مُسلم وَأشهر الْأَقْوَال فِيهَا قَول عبد الله بن سَلام قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَمَا عداهما إِمَّا ضَعِيف الْإِسْنَاد أَو مَوْقُوف اسْتندَ قَائِله إِلَى اجْتِهَاد دون تَوْقِيف ثمَّ اخْتلف السّلف أَي الولين الْمَذْكُورين أرجح فرجح كلا مرجحون فرجح مَا فِي حَدِيث أبي مُوسَى الْبَيْهَقِيّ وَابْن الْعَرَبِيّ والقرطبي وَقَالَ النَّوَوِيّ إِنَّه الصَّحِيح أَو الصَّوَاب وَرجح قَول بن سَلام أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن رَاهَوَيْه وَابْن عبد الْبر والطرطوشي وَابْن الزملكاني من الشَّافِعِيَّة وَأَقُول هَهُنَا أَمر وَذَلِكَ أَن مَا أوردهُ أَبُو هُرَيْرَة على بن سَلام منن أَنَّهَا لَيست سَاعَة صَلَاة وَارِد على حَدِيث أبي مُوسَى أَيْضا لِأَن حَال الْخطْبَة لَيست سَاعَة صَلَاة ويتميز مَا بعد الْعَصْر بِأَنَّهَا سَاعَة دُعَاء وَقد قَالَ فِي الحَدِيث يسْأَل الله شَيْئا وَلَيْسَ حَال الْخطْبَة سَاعَة دُعَاء لِأَنَّهُ مَأْمُور فِيهَا بالإنصات وَكَذَلِكَ غَالب الصَّلَاة وَوقت الدُّعَاء مِنْهَا إِمَّا عِنْد الْإِقَامَة أَو فِي السُّجُود أَو فِي التَّشَهُّد فَإِن حمل الحَدِيث على هَذِه الْأَوْقَات اتَّضَح وَيحمل قَوْله وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي على حَقِيقَته فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ وعَلى مجازه فِي الْإِقَامَة أَي قَائِم يُرِيد الصَّلَاة وَهَذَا تَحْقِيق حسن فتح الله بِهِ وَبِه يظْهر تَرْجِيح رِوَايَة أبي مُوسَى على قَول بن سَلام لابقاء الحَدِيث على ظَاهره من قَوْله يُصَلِّي وَيسْأل فَإِنَّهُ أولى من حمله على انْتِظَار الصَّلَاة لِأَنَّهُ مجَاز بعيد وموهم أَن انْتِظَار الصَّلَاة شَرط فِي الْإِجَابَة وَلِأَنَّهُ لَا يُقَال فِي منتظر الصَّلَاة قَائِم يُصَلِّي وَإِن صدق أَنه فِي صَلَاة لِأَن لفظ قَائِم يشْعر بملابسة الْفِعْل وَالَّذِي أختاره أَنا من هَذِه الْأَقْوَال أَنَّهَا عِنْد إِقَامَة الصَّلَاة وغالب الْأَحَادِيث المرفوعة تشهد لَهُ أما حَدِيث مَيْمُونَة فصريح فِيهِ وَكَذَا حَدِيث عَمْرو بن عَوْف وَلَا يُنَافِيهِ حَدِيث أبي مُوسَى لِأَنَّهُ ذكر أَنَّهَا فِيمَا بَين أَن يجلس الامام إِلَى أَن تقضي الصَّلَاة وَذَلِكَ صَادِق بِالْإِقَامَةِ بل منحصر فِيهَا لِأَن وَقت الْخطْبَة لَيْسَ وَقت صَلَاة وَلَا دُعَاء فِي غالبها وَلَا تظن أَنه أَرَادَ استغراق هَذَا الْوَقْت قطعا لِأَنَّهَا خَفِيفَة بالنصوص وَالْإِجْمَاع وَوقت الْخطْبَة وَالصَّلَاة متسع وغالب الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة بعد الزَّوَال وَعند الْأَذَان تحمل على هَذَا وَترجع إِلَيْهِ وَلَا تتنافى وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَوْف بن مَالك الصَّحَابِيّ قَالَ إِنِّي لأرجو أَن تكون سَاعَة الْإِجَابَة فِي أحدى السَّاعَات الثَّلَاث إِذا أذن الْمُؤَذّن وَمَا دَامَ الامام على الْمِنْبَر وَعند الْإِقَامَة وَأقوى شَاهد لَهُ قَوْله وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فأحمل وَهُوَ قَائِم على الْقيام للصَّلَاة عِنْد الْإِقَامَة وَيُصلي على الْحَال الْمقدرَة وَتَكون هَذِه الْجُمْلَة الحالية شرطا فِي الْإِجَابَة وَأَنَّهَا مُخْتَصَّة بِمن شهد الْجُمُعَة ليخرج من تخلف عَنْهَا هَذَا مَا ظهر لي فِي هَذَا الْمحل من التَّقْرِير وَالله أعلم

ص: 100

[241]

عَن يزِيد بن عبد الله بن الْهَاد قَالَ بن عبد الْبر لَا أعلم أحدا سَاق هَذَا الحَدِيث أحسن سِيَاقَة من يزِيد بن الْهَاد وَلَا أتم معنى فِيهِ مِنْهُ إِلَّا أَنه قَالَ فِيهِ فَلَقِيت بضرة بن أبي بصرة وَلم يُتَابِعه أحد عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف فَلَقِيت أَبَا بصرة وَهِي مصيخة أَي مستمعة مصغية حَتَّى تطلع الشَّمْس شفقا من السَّاعَة قَالَ الرَّافِعِيّ أَي خوفًا كَأَنَّهَا أعلمت أَنَّهَا تقوم يَوْم الْجُمُعَة فتخاف هِيَ قِيَامهَا كل جُمُعَة وَقَوله حَتَّى تطلع الشَّمْس يدل على أَنَّهَا إِذا طلعت عرفت الدَّوَابّ أَنه لَيْسَ بذلك الْيَوْم إِلَّا الْجِنّ والأنس قَالَ الْبَاجِيّ هُوَ اسْتثِْنَاء من الْجِنْس لِأَن اسْم الدَّابَّة وَاقع على كل مَا دب ودرج قَالَ وَقد قيل إِن وَجه عدم اشفاقهم أَنهم قد علمُوا أَن بَين يَدي السَّاعَة شُرُوطًا ينتظرونها قَالَ وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بالبين لأَنا نجد مِنْهُم من لَا يصيخ وَلَا علم لَهُ بِالشُّرُوطِ وَقد كَانَ النَّاس قبل أَن يعلمُوا بِالشُّرُوطِ لَا يصيخون فَلَقِيت بصرة قَالَ بن عبد الْبر الصَّوَاب أَبَا بصرة واسْمه جميل بن بصرة قَالَ والغلط من يزِيد لَا من مَالك لَا تعْمل المطى أَي لَا تسير ويسافر عَلَيْهَا إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد هُوَ اسْتثِْنَاء مفرغ أَي إِلَى مَوضِع قَالَ السكي لَيْسَ فِي الأَرْض بقْعَة لَهَا فضل بذاتها حَتَّى يُسَافر أليها لذَلِك الْفضل غير هَذِه الثَّلَاثَة وَأما غَيرهَا فَلَا يُسَافر إِلَيْهَا لذاتها بل لِمَعْنى فِيهَا من علم أَو جِهَاد أَو نَحْو ذَلِك فَلم يَقع الْمُسَافِر إِلَى ذَلِك الْمَكَان بل إِلَى من فِي ذَلِك الْمَكَان قَالَ عبد الله بن سَلام كذب كَعْب قَالَ بن عبد الْبر فِيهِ أَن من سمع الْخَطَأ وَجب عَلَيْهِ إِنْكَاره ورده على كل من سَمعه مِنْهُ إِذا كَانَ عِنْده فِي رده أصل صَحِيح قَالَ عبد الله بن سَلام قد علمت أَيَّة سَاعَة هِيَ قَالَ بن عبد الْبر فِيهِ دَلِيل على أَن للْعَالم أَن يَقُول أَنا أعلم كَذَا إِذا لم يكن على سَبِيل الْفَخر والسمعة وَلَا تضن أَي لَا تبخل

ص: 101

[242]

عَن يحيى بن سعيد أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا على أحدكُم لَو اتخذ ثَوْبَيْنِ لجمعته سوى ثوبي مهنته وَصله بن عبد الْبر من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي عَن يحيى بن سعيد الْأمَوِي عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عمْرَة عَن عَائِشَة وَمن طَرِيق مهْدي بن مَيْمُون عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَ وَأكْثر رُوَاة الْمُوَطَّأ رَوَوْهُ هَكَذَا عَن يحيى فَقَط وَرَوَاهُ بن وهب عَن يحيى بن سعيد وَرَبِيعَة بن عبد الرَّحْمَن فَذكر الحَدِيث قَالَ وَالْمرَاد بثوبين قَمِيص ورداء أَو جُبَّة ورداء والمهنة بِفَتْح الْمِيم الْخدمَة وَقد ورد هَذَا الْمَتْن من حَدِيث يُوسُف بن عبد الله بن سَلام مَرْفُوعا لَا يضر أحدكُم أَن يتَّخذ ثَوْبَيْنِ للْجُمُعَة سوى ثوبي مهنته وَمن طَرِيق آخر عَن يُوسُف عَن أَبِيه قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم جُمُعَة فَقَالَ وَمَا على أحدكُم لَو اشْترى ثَوْبَيْنِ للْجُمُعَة سوى ثوبي مهنته أخرجهُمَا بن عبد الْبر

[245]

على إِثْر سُورَة الْجُمُعَة أَي فِي الرَّكْعَة الثَّانِي

[246]

عَن صَفْوَان بن سليم قَالَ مَالك لَا أَدْرِي أعن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أم لَا أَنه قَالَ من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير عذر وَلَا عِلّة طبع الله على قلبه قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث يسند من وُجُوه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أحْسنهَا إِسْنَادًا حَدِيث أبي الْجَعْد الضمرِي أخرجه الشَّافِعِي فِي الْأُم وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة بِلَفْظ من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات تهاونا بهَا طبع الل على قلبه وَأخرج بن عبد الْبر من حيدث أبي قَتَادَة مَرْفُوعا من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير ضَرُورَة فقد طبع الله على قلبه وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا وَلَاء من غير عذر فقد طبع الله على قلبه وَمن مُرْسل سعيد بن الْمسيب مَرْفُوعا ن ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير عذر طبع الل على قلبه وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم من حَدِيث بن عَبَّاس مَرْفُوعا من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير ضَرُورَة كتب منافقا فِي كتاب لَا يمحى وَلَا يُبدل قَالَ الْبَاجِيّ معنى الطَّبْع على الْقلب أَن يَجْعَل بِمَنْزِلَة الْمَخْتُوم عَلَيْهِ لَا يصل إِلَيْهِ شَيْء من الْخَيْر

[247]

عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين يَوْم الْجُمُعَة وَجلسَ بَينهمَا قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ جمَاعَة رُوَاة الْمُوَطَّأ مُرْسلا وَهُوَ يتَّصل من وُجُوه ثَابِتَة من غير حَدِيث مَالك فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من طَرِيق عبيد اله بن عمر عَن نَافِع عَن بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يخْطب خطبتين قَائِما يفصل بَينهمَا بجلوس

ص: 102

[248]

أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلى فِي الْمَسْجِد إِلَى آخِره قَالَ بن عبد الْبر تَفْسِير هَذِه اللَّيَالِي الْمَذْكُورَات فِيهِ بِمَا رَوَاهُ النُّعْمَان بن بشير قَالَ قمنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي شهر رَمَضَان لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين إِلَى ثلث اللَّيْل ثمَّ قمنا مَعَه لَيْلَة خمس وَعشْرين إِلَى نصف اللَّيْل ثمَّ قمنا لَيْلَة سبع وَعشْرين حَتَّى ظننا أَن لَا ندرك الْفَلاح أخرجه النَّسَائِيّ وَأما عدد مَا صلى فَفِي حَدِيث ضَعِيف أَنه صلى عشْرين رَكْعَة وَالْوتر أخرجه بن أبي شيبَة من حَدِيث بن عَبَّاس وَأخرج بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر أَنه صلى بهم ثَمَان رَكْعَات ثمَّ أوتر وَهَذَا أصح إِلَّا أَنِّي خشيت أَن يفْرض عَلَيْكُم قَالَ الْبَاجِيّ قَالَ القاض أَبُو بكر يحْتَمل أَن يكون الله أوحى إِلَيْهِ أه إِن وَاصل هَذِه الصَّلَاة مَعَهم فَرضهَا عَلَيْهِم وَيحْتَمل أَنه صلى الله عليه وسلم ظن أَن ذَلِك سيفرض عَلَيْهِم لما جرت عَادَته بِأَن مَا داوم عَلَيْهِ على وَجه الِاجْتِمَاع من الْقرب فرض على أمته وَيحْتَمل أَن يُرِيد بذلك أَنه خَافَ أَن يظنّ أحد من أمته بعده إِذا داوم عَلَيْهَا وُجُوبهَا

ص: 103

[249]

عَن بن شهَاب عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يرغب فِي قيام رَمَضَان قَالَ بن عبد الْبر اخْتلفت الروَاة عَن مَالك فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فَرَوَاهُ يحيى بن يحى ي هَكَذَا مُتَّصِلا وَتَابعه بن بكير وَسَعِيد بن عفير وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْقسم ومعن وَعُثْمَان بن عمر عَن مَالك بِهِ وَرَوَاهُ القعْنبِي وَأَبُو مُصعب ومطرف وَابْن نَافِع وَابْن وهب وَأكْثر رُوَاة الْمُوَطَّأ وَكِيع بن الْجراح وَجُوَيْرِية بن أَسمَاء كلهم عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُرْسلا لم يذكرُوا أَبَا هُرَيْرَة وَعند القعْنبِي ومطرف وَالشَّافِعِيّ وَابْن نَافِع وَابْن بكير وَأبي مُصعب عَن مَالك حَدِيثه عَن بن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه هَكَذَا رَوَوْهُ فِي الْمُوَطَّأ وَلَيْسَ هُوَ عِنْد يحيى أصلا وَعند الشَّافِعِي حَدِيث حميد وَلَيْسَ عِنْده حَدِيث أبي سَلمَة من غير أَن يَأْمر بعزيمة قَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ لَا يَأْمُرهُم أَمر إِيجَاب وتحتيم بل أَمر ندب وترغيب ثمَّ فسره بقوله فَيَقُول إِلَى آخِره وَهَذِه الصِّيغَة تَقْتَضِي التَّرْغِيب وَالنَّدْب دون الْإِيجَاب فَيَقُول من قَامَ رَمَضَان قَالَ بن عبد الْبر أجمع رُوَاة الْمُوَطَّأ على هَذَا اللَّفْظ وَلذَلِك أدخلهُ مَالك فِي بَاب قيام رَمَضَان ويصححه قَوْله كَانَ يرغب فِي قيام رَمَضَان وَأما أَصْحَاب بن شهَاب فانهم اخْتلفُوا فَرَوَاهُ مَالك وَمعمر وَيُونُس وَأَبُو أويس كَذَلِك وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَحده عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ من صَامَ رضمان وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن عمر وَيحيى بن أبي كثير وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ كلهم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ من صَامَ رَمَضَان وَرَوَاهُ عقيل عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ من صَامَ رَمَضَان وقامه قَالَ النَّوَوِيّ وَالْمرَاد بِقِيَام رَمَضَان صَلَاة التَّرَاوِيح وَقَالَ غَيره لَيْسَ المُرَاد بِقِيَام رَمَضَان صَلَاة التَّرَاوِيح بل مُطلق الصَّلَاة الْحَاصِل بهَا قيام اللَّيْل إِيمَانًا واحتسابا قَالَ النَّوَوِيّ معنى إِيمَانًا تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حق مُعْتَقد أفضليته وَمعنى احتسابا أَن يُرِيد بِهِ الله وَحده لَا بِقصد رُؤْيَة النَّاس وَلَا غير ذَلِك مِمَّا يُخَالف الْإِخْلَاص انْتهى ونصبهما على الْمصدر أَو الْحَال غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه قَالَ النَّوَوِيّ الْمَعْرُوف عِنْد الْفُقَهَاء أَن هَذَا مُخْتَصّ بغفران الصَّغَائِر دون الْكَبَائِر قَالَ بَعضهم وَيجوز أَن يُخَفف من الْكَبَائِر إِذا لم يُصَادف صَغِيرَة وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر ظَاهره يتَنَاوَل الصَّغَائِر والكبائر وَبِه جزم بن الْمُنْذر فَائِدَة اخْرُج بن عبد الْبر من طَرِيق حَامِد بن يحيى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا قَالَ حَامِد بن يحيى عَنهُ قَامَ رَمَضَان وَلم يقل صَامَ وَزَاد وَمَا تَأَخّر وَهِي زِيَادَة مُنكرَة فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر قد تَابعه على هَذِه الزِّيَادَة قُتَيْبَة عَن سُفْيَان عِنْد النَّسَائِيّ وَالْحُسَيْن الْمروزِي فِي كتاب الصّيام لَهُ وَهِشَام بن عمار فِي الْجُزْء الثَّانِي عشر من فَوَائده ويوسف النجاحي فِي فَوَائده كلهم عَن بن عُيَيْنَة ووردت أَيْضا من طَرِيق أبي سَلمَة من وَجه آخر أخرجهَا أَحْمد من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَعَن ثَابت عَن الْحسن كِلَاهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ووردت أَيْضا من رِوَايَة مَالك نَفسه أخرجهَا أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ فِي أَمَالِيهِ من طَرِيق بَحر بن نصر عَن بن وهب عَن ملك وَيُونُس عَن الزُّهْرِيّ وَلم يُتَابع بَحر بن نصر على ذَلِك أحد من أَصْحَاب بن وهب وَلَا من أَصْحَاب مَالك وَلَا يُونُس سوى مَا قدمْنَاهُ قَالَ بن شهَاب فَتوفي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالْأَمر على ذَلِك إِلَى آخِره قَالَ الْبَاجِيّ هَذَا مُرْسل أرْسلهُ بن شهَاب قَالَ وَمعنى قَوْله وَالْأَمر على ذَلِك وَحَال النَّاس على مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من ترك النَّاس وَالنَّدْب إِلَى الْقيام وَإِن لَا يجتمعوا فِيهِ على إِمَام يُصَلِّي بهم خشيَة أَن يفْرض عَلَيْهِم وَيصِح أَن يَكُونُوا لَا يصلونَ إِلَّا فِي بُيُوتهم أَو يُصَلِّي الْوَاحِد مِنْهُم فِي الْمَسْجِد وَيصِح أَن يَكُونُوا لم يجمعوا على إِمَام وَاحِد وَلَكنهُمْ كَانُوا يصلونَ أوزاعا مُتَفَرّقين وَقَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ اسْتمرّ الْأَمر هَذِه الْمدَّة على أَن كل وَاحِد يقوم رَمَضَان فِي بَيته مُنْفَردا حَتَّى انْقَضى صدر من خلَافَة عمر ثمَّ جمعهم عمر على أبي بن كَعْب فصلى بهم جمَاعَة وَاسْتمرّ الْعَمَل على فعلهَا جمَاعَة وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر قَوْله وَالْأَمر على ذَلِك أَي على ترك الْجَمَاعَة فِي التَّرَاوِيح وَلأَحْمَد فِي رِوَايَة بن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث وَلم يكن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جمع النَّاس على الْقيام قَالَ وَقد أدرج بَعضهم قَول بن شهَاب فِي نفس الْخَبَر أخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيق معمر عَن بن شهَاب قَالَ وَأما مَا رَوَاهُ بن وهب عَن أبي هُرَيْرَة خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِذا النَّاس فِي رَمَضَان يصلونَ فِي نَاحيَة الْمَسْجِد فَقَالَ مَا هَذَا فَقيل نَاس يصلى بهم أبي بن كَعْب فَقَالَ أَصَابُوا وَنعم مَا صَنَعُوا ذكره بن عبد الْبر فَفِيهِ مُسلم بن خَالِد وَهُوَ ضَعِيف وَالْمَحْفُوظ أَن عمر هُوَ الَّذِي جمع النَّاس على أبي بن كَعْب انْتهى

ص: 104

[250]

أوزاع بِسُكُون الْوَاو بعْدهَا زَاي أَي جمَاعَة متفرقون فَقَوله فِي الرِّوَايَة متفرقون تَأْكِيد لَفْظِي وَقَوله يُصَلِّي الرجل إِلَى آخِره بَيَان لما أجمله أَولا فَقَالَ عمر إِلَى آخِره قَالَ بن التِّين وَغَيره استنبط عمر ذَلِك من تَقْرِير النَّبِي صلى الله عليه وسلم من صلى مَعَه فِي تِلْكَ اللَّيَالِي وَإِن كَانَ كره ذَلِك لَهُم فانما كره خشيَة أَن يفْرض عَلَيْهِم فَلَمَّا مَاتَ صلى الله عليه وسلم حصل الْأَمْن من ذَلِك وَرَأى عمر ذَلِك لما فِي الِاخْتِلَاف من افْتِرَاق الْكَلِمَة ولآن الِاجْتِمَاع على وَاحِد أنشط لكثير من الْمُصَلِّين فَجَمعهُمْ على أبي بن كَعْب أَي جعله لَهُم إِمَامًا قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَكَأَنَّهُ اخْتَارَهُ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله وَقد قَالَ عمر أقرؤنا أبي وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق عُرْوَة أَن عمر جمع النَّاس على أبي بن كَعْب فَكَانَ يُصَلِّي بِالرِّجَالِ وَكَانَ تَمِيم الدَّارِيّ يُصَلِّي بِالنسَاء وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب قيام اللَّيْل لَهُ مَه هَذَا الْوَجْه فَقَالَ سُلَيْمَان بن أبي حثْمَة بدل تَمِيم قَالَ بن حجر وَلَعَلَّ ذَلِك كَانَ فِي وَقْتَيْنِ ثمَّ خرجت مَعَه لَيْلَة أُخْرَى وَالنَّاس يصلونَ بِصَلَاة قارئهم أَي إمَامهمْ الْمَذْكُور وَهُوَ صَرِيح فِي أَن عمر كَانَ لَا يُصَلِّي مَعَهم لِأَنَّهُ كَانَ يرى أَن الصَّلَاة فِي بَيته وَلَا سِيمَا فِي آخر اللَّيْل أفضل وَقد روى مُحَمَّد بن نصر فِي قيام اللَّيْل من طَرِيق طَاوس عَن بن عَبَّاس قَالَ جِئْت عمر فِي السحر فَسمع هيعة النَّاس فَقَالَ مَا هَذَا قيل خَرجُوا من الْمَسْجِد وَذَلِكَ فِي رَمَضَان فَقَالَ مَا بَقِي من اللَّيْل أحب مِمَّا مضى فَقَالَ عمر نعمت الْبِدْعَة هَذِه أصل الْبِدْعَة مَا على غير مِثَال سَابق وَتطلق فِي الشَّرْع على مَا يُقَابل السّنة أَي مَا لم يكن فِي عَهده صلى الله عليه وسلم ثمَّ تَنْقَسِم إِلَى الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَالَّتِي تنامون عَنْهَا أفضل قَالَ بن حجر هَذَا تَصْرِيح مِنْهُ بِأَن الصَّلَاة فِي آخر اللَّيْل أفضل من أَوله

[151]

عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن السَّائِب بن يزِيد قَالَ أَمر عمر بن الْخطاب أبي بن كَعْب وتميما الدَّارِيّ أَن يقوما للنَّاس بِإِحْدَى عشرَة رَكْعَة قَالَ الْبَاجِيّ لَعَلَّ عمر أَخذ ذَلِك من صَلَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَفِي حَدِيث عَائِشَة انها سُئِلت عَن صلَاته فِي رَمَضَان فَقَالَت مَا كَانَ يزِيد فِي رَمَضَان وَلَا فِي غَيره على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة إِلَّا فِي بزوغ الْفجْر قَالَ الْبَاجِيّ هِيَ أَوَائِله وَأول مَا يَبْدُو مِنْهُ

[253]

مَا أدْركْت النَّاس قَالَ الْبَاجِيّ أَي الصَّحَابَة إِلَّا وهم يلعنون الْكَفَرَة فِي رَمَضَان قَالَ اباجي أَي فِي قنوت الْوتر

ص: 105

[255]

عَن سعيد بن جُبَير عَن رجل عِنْده رضَا قَالَ بن عبد الْبر قيل انه الْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ فقد أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن سعيد بن جُبَير عَن الْأسود بن يزِيد عَن عَائِشَة بِهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من وَجه آخر عَن أبي جَعْفَر عَن بن الْمُنْكَدر عَن سعيد بن جُبَير عَن عَائِشَة بِهِ وَلم يذكر بَينهمَا أحدا وَقد ورد مثل حَدِيث عَائِشَة هَذَا من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أخرجه الْبَزَّار مَا من امْرِئ تكون لَهُ صَلَاة بلَيْل يغلبه عَلَيْهَا نوم قَالَ الْبَاجِيّ هُوَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يذهب بِهِ النّوم فَلَا يَسْتَيْقِظ وَالثَّانِي أَن يَسْتَيْقِظ ويمنعه غَلَبَة النّوم من الصَّلَاة فَهَذَا حكمه أَن ينَام حَتَّى يذهب عَنهُ مَانع النّوم إِلَّا كتب الله لَهُ أجر صلَاته قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد الَّتِي اعتادها وَقَالَ وَيحْتَمل ذَلِك عِنْدِي وُجُوهًا أَحدهَا أَن يكون لَهُ أجرهَا غير مضاعف وَلَو عَملهَا لَكَانَ لَهُ أجرهَا مضاعفا لِأَنَّهُ لَا خلاف أَن الَّذِي يُصَلِّي أكمل حَالا وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَن لَهُ أجر نِيَّته وَيحْتَمل أَن يكون لَهُ أجر من تمنى أَن يُصَلِّي مثل تِلْكَ الصَّلَاة وَلَعَلَّه أَرَادَ أجر تأسفه على مَا فَاتَهُ مِنْهَا انْتهى وَقَالَ بن عبد الْبر الحَدِيث دَلِيل على أَن الْمَرْء يجازى على مَا نوى من الْخَيْر وَإِن لم يعْمل كَا لَو علمه وَأَن النِّيَّة يعْطى عَلَيْهَا كَالَّذي يعْطى على الْعَمَل إِذا حيل بَينه وَبَين ذَلِك الْعَمَل ينوم أَو نِسْيَان أوغير ذَلِك من وُجُوه الْمَوَانِع فَيكْتب لَهُ أجر ذَلِك الْعَمَل وَإِن لم يعمله فضلا من الله ونعمة وَكَانَ نَومه عَلَيْهِ صَدَقَة قَالَ الْبَاجِيّ يَعْنِي أَنه لَا يحْتَسب عَلَيْهِ وَيكْتب لَهُ أجر الْمُصَلِّين

[256]

كنت أَنَام بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بن عبد الْبر هَذَا من أثبت حَدِيث يرْوى فِي هَذَا الْمَعْنى فَإِذا سجد غمزني أقل النَّوَوِيّ اسْتدلَّ بِهِ من يَقُول لمس النِّسَاء لَا ينْقض الْوضُوء وَالْجُمْهُور حملوه على أَن غمزه فَوق حَائِل قَالَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر من حَال لنائم والبيوت يَوْمئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مصابيح قَالَ النَّوَوِيّ أَرَادَت بِهِ الِاعْتِذَار تَقول لوك ان فِيهَا مصابيح فقبضت رجْلي عِنْد إِرَادَة السُّجُود وَلم أحوجه إِلَى غمزي وَقَالَ بن عبد الْبر قَوْلهَا يَوْمئِذٍ تُرِيدُ حِينَئِذٍ إِذْ المصابيح إِنَّمَا تتَّخذ فِي اللَّيَالِي دون الْأَيَّام قَالَ وَهَذَا مَشْهُور فِي لِسَان الْعَرَب يعبر بِالْيَوْمِ عَن الْحِين وَالْوَقْت كَمَا يعبر بِهِ عَن النَّهَار

[257]

إِذا نعس بِفَتْح الْعين أحدكُم فِي صلَاته فليرقد قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا عَام فِي صَلَاة الْفَرْض وَالنَّفْل فِي اللَّيْل وَالنَّهَار هَذَا مَذْهَبنَا وَمذهب الْجُمْهُور وَلَكِن لَا يخرج فَرِيضَة عَن وَقتهَا وَحمله مَالك وَجَمَاعَة على نفل اللَّيْل لِأَنَّهُ مَحل النُّون غلابا لَعَلَّه يذهب يسْتَغْفر قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ القَاضِي معنى يسْتَغْفر مَعنا يَدْعُو

ص: 106

[258]

عَن إِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سمع امْرَأَة من اللَّيْل قَالَ بن عبد الْبر هَذَا مُنْقَطع منن رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَهُوَ مُتَّصِل من طرق صِحَاح ثَابِتَة من حَدِيث مَالك وَغَيره فَأخْرجهُ البُخَارِيّ من طَرِيق القعْنبِي عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَأخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من طَرِيق يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة الحولاء بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمدّ بنت تويت بتاء مثناة من فَوق أَوله وَآخره وَهُوَ بن حبيب بِفَتْح الْمُهْملَة بن أَسد بن عبد الْعُزَّى من رَهْط خَدِيجَة أم المومنين رضي الله عنها عرفت الْكَرَاهِيَة بتَخْفِيف الْيَاء فِي وَجهه قَالَ الْبَاجِيّ يَعْنِي أَنه رُؤِيَ فِي وَجهه من التقطيب وَغير ذَلِك مَا عرفت بِهِ كراهيته لما وصفت بِهِ إِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا قَالَ النَّوَوِيّ هُوَ بِفَتْح الْمِيم فيهمَا قَالَ والملل بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارف فِي حَقنا محَال فِي حق الله تَعَالَى فَيجب تَأْوِيل الحَدِيث قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مَعْنَاهُ لَا يعاملكم مُعَاملَة المَال فَيقطع عَنْكُم ثَوَابه وجزاءه وَبسط فَضله وَرَحمته حَتَّى تقطعوا أَعمالكُم وَقيل مَعْنَاهُ لَا يمل إِذا مللتم قَالَه بن قُتَيْبَة وَغَيره وَفِي فتح الْبَارِي الملال استثقال الشَّيْء ونفور النَّفس عَنهُ بعد محبته وَهُوَ محَال على الله تَعَالَى بِاتِّفَاق قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَجَمَاعَة من الْمُحَقِّقين إِنَّمَا أطلق هَذَا على جِهَة الْمُقَابلَة اللفظية مجَازًا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وأنظاره وَهَذَا بِنَاء على أَن حَتَّى على بَابهَا فِي انْتِهَاء الْغَايَة وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من الْمَفْهُوم وجنح بَعضهم إِلَى تَأْوِيلهَا فَقيل مَعْنَاهُ لَا يمل الله إِذا مللتم وَهُوَ مُسْتَعْمل فِي كَلَام الْعَرَب وَمِنْه قَوْلهم فِي البليغ لَا يَنْقَطِع حَتَّى يَنْقَطِع خصومه لِأَنَّهُ لَو انْقَطع حِين ينقطعون لم يكن لَهُ عَلَيْهِم مزية وَقَالَ الْمَازرِيّ قيل إِن حَتَّى هُنَا بِمَعْنى الْوَاو فَيكون التَّقْدِير لَا يمل وتملون فنفى عَنهُ الْملَل وأثبته لَهُم قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَالْأول أليق وأجرى على الْقَوَاعِد وَأَنه من بَاب الْمُقَابلَة اللفظية وَقَالَ بن حبَان فِي صَحِيحه هَذَا من أَلْفَاظ المعارف الَّتِي لَا يتهيأ للمخاطب أَن يعرف الْقَصْد بِمَا يُخَاطب بِهِ إِلَّا بهَا وَهَذَا رَأْيه فِي جَمِيع الْمُتَشَابه اكلفوا بِسُكُون الْكَاف وَفتح اللَّام أَي خُذُوا وتحملوا من الْعَمَل مَا لكم بِهِ طَاقَة قَالَ الْبَاجِيّ أَي بالمداومة عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ يحْتَمل مَعْنيين أَحدهمَا النّدب إِلَى تَكْلِيف مالنا طَاقَة وَالثَّانِي نهينَا عَن تَكْلِيف مَالا نطيق وَهُوَ أليق بنسق الحَدِيث قَالَ وَقَوله من الْعَمَل الْأَظْهر أَنه أَرَادَ بِهِ عمل الْبر لأه ورد على سَببه وَلِأَنَّهُ لفظ ورد من الشَّارِع فَوَجَبَ أَن يحمل على الْأَعْمَال الشَّرْعِيَّة

ص: 107

[262]

كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل أحدى عشرَة رَكْعَة يُوتر مِنْهَا بِوَاحِدَة فَإِذا فرغ اضْطجع على شقَّه الْأَيْمن قَالَ بن عبد الْبر إِلَى هُنَا انْتَهَت رِوَايَة يحيى وَتَابعه جمَاعَة الروَاة للموطأ وَأما أَصْحَاب بن شهَاب فرووا هَذَا الحَدِيث عَن بن شهَاب بِإِسْنَادِهِ هَذَا فَجعلُوا الِاضْطِجَاع بعد رَكْعَتي الْفجْر لَا بعد الْوتر وَذكر بَعضهم فِيهِ أَن كَانَ يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ وَمِنْهُم من لم يذكر ذَلِك وَكلهمْ ذكر اضطجاعه بعد رَكْعَتي الْفجْر فِي هَذَا الحَدِيث وَزعم مُحَمَّد بن يحيى الديلِي وَغَيره أَن مَا ذكرُوا فِي ذَلِك هُوَ الصَّوَاب دون مَا قَالَه مَالك قَالَ بن عبد الْبر وَلَا يدْفع مَا قَالَه مَالك من ذَلِك لموضعه من الْحِفْظ والإتقان ولثبوته فِي بن شهَاب وَعلمه بحَديثه

[263]

مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يزِيد فِي رَمَضَان وَلَا فِي غَيره على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَأما مَا رَوَاهُ بن أبي شيبَة من حَدِيث بن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي رَمَضَان عشْرين رَكْعَة وَالْوتر فإسناده ضَعِيف وَقد عَارضه هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح مَعَ كَون عَائِشَة أعلم بِحَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْلًا من غَيرهَا يُصَلِّي أَرْبعا فَلَا تسْأَل عَن حسنهنَّ وطولهن قَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ هن فِي نِهَايَة من كَمَال الْحسن والطول مستغنيات بِظُهُور حسنهنَّ وطولهن عَن السُّؤَال عَنهُ إِن عَيْني تنامان وَلَا ينَام قلبِي قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا من خَصَائِص الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

[264]

يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاث عشرَة رَكْعَة قَالَ بن عبد الْبر ذكر قوم من الروَاة لهَذَا الحَدِيث عَن هِشَام بن عُرْوَة أَنه كَانَ لَا يجلس فِي شَيْء من الْخمس رَكْعَات إِلَّا فِي آخِرهنَّ رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة وَأَبُو عوَانَة ووهيب وَغَيرهم وَأكْثر الْحفاظ رووا هَذَا الحَدِيث عَن هِشَام كَمَا رَوَاهُ مَالك قَالَ وَالرِّوَايَة الْمُخَالفَة لرِوَايَة مَالك إِنَّمَا حدث بهَا عَن هِشَام أهل الْعرَاق وَمَا حدث بهَا هِشَام بِالْمَدِينَةِ قبل خُرُوجه إِلَى الْعرَاق أصح عِنْدهم وَقَالَ الْبَاجِيّ ذكرت عَائِشَة فِي هَذَا الحَدِيث أَنه كَانَ يُصَلِّي ثَلَاث عشرَة رَكْعَة غير رَكْعَتي الْفجْر وَذكرت فِي الحَدِيث السَّابِق أَنه كَانَ لَا يزِيد على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة وَقد ذكر بعض من لم يتَأَمَّل أَن رِوَايَة عَائِشَة اضْطَرَبَتْ فِي الْحَج وَالرّضَاع وَصَلَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ وَقصر الصَّلَاة فِي السّفر قَالَ وَهَذَا غلط مِمَّن قَالَه فقد أجمع الْعلمَاء على أَنَّهَا أحفظ الصَّحَابَة فَكيف بغيرهم وَإِنَّمَا حمله على هَذَا قلَّة مَعْرفَته بمعاني الْكَلَام ووجوه التَّأْوِيل فَإِن الحَدِيث الأول إِخْبَار عَن صلَاته الْمُعْتَادَة الْغَالِبَة وَالثَّانِي إِخْبَار عَن زِيَادَة وَقعت فِي بعض الْأَوْقَات أَو ضمت فِيهِ مَا كَانَ يفْتَتح بِهِ صلَاته من رَكْعَتَيْنِ خفيفتين قبل الاحدى عشرَة

ص: 108

[265]

مخرمَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَات لَيْلَة عِنْد مَيْمُونَة فِي بعض طرق الحَدِيث عِنْد أبي عوَانَة قَالَ بَعَثَنِي أبي الْعَبَّاس إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَة فَوَجَدته جَالِسا فِي الْمَسْجِد فَلم أستطع أَن ُأكَلِّمهُ فَلَمَّا صلى الْمغرب قَامَ فَرَكَعَ حَتَّى أذن الْمُؤَذّن بِصَلَاة الْعشَاء زَاد مُحَمَّد بن نصر فِي قيام اللَّيْل فَقَالَ لي يَا بني بت اللَّيْلَة عندنَا فاضطجعت فِي عرض الوسادة بِفَتْح الْعين لمقابلته بالطول وَقيل بِالضَّمِّ بِمَعْنى الْجَانِب وَالصَّوَاب الأول 1 قَالَ الداوودي والوسادة مَا يضعون رؤوسهم عَلَيْهِ للنوم وَعند مُحَمَّد بن نصر وسَادَة من أَدَم حشوها لِيف فَمسح النّوم عَن وَجهه بِيَدِهِ أَي أثر النّوم من بَاب إِطْلَاق السَّبَب على الْمُسَبّب أَو عَيْنَيْهِ من بَاب إِطْلَاق اسْم الْحَال على الْمحل ثمَّ قَرَأَ الْعشْر الْآيَات أَولهَا إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَى آخر السُّورَة قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن ذَلِك ليبتدئ يقظته بِذكر الله ويختمها بِذكرِهِ عِنْد نَومه وَيحْتَمل أَن ذَلِك ليذكر مَا ندب إِلَيْهِ من الْعِبَادَة وَمَا وعد على ذَلِك من الثَّوَاب فَإِن هَذِه الْآيَات جَامِعَة لكثير من ذَلِك تنشيطا لَهُ على الْعِبَادَة إِلَى شن مُعَلّق فِي رِوَايَة البُخَارِيّ معلقَة قَالَ النَّوَوِيّ الشن الْقرْبَة الْخلق فَمن أنث وَمن ذكر فعلى إِرَادَة السقاء والوعاء فَتَوَضَّأ مِنْهَا فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن نصر فاستفرغ من الشن فِي إِنَاء ثمَّ تَوَضَّأ فَأحْسن وضوءه فِي رِوَايَة لمُسلم فأسبغ الْوضُوء وَلم يمس من المَاء إِلَّا قَلِيلا وَأخذ بأذني الْيُمْنَى يفتلها قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَنه فعل ذَلِك تأنيسا لَهُ وَيحْتَمل أَنه فعله إيقاظا لَهُ وَقَالَ النَّوَوِيّ قيل فتلها تَنْبِيها لَهُ من النعاس وَقيل ليتنبه لهيبة الصَّلَاة وموقف الْمَأْمُوم وَغير ذَلِك قَالَ وَالْأول أظهر 2 لقَوْله فِي الرِّوَايَة الآخرى فَجعلت إِذا أغفيت يَأْخُذ بشحمة أُذُنِي وَهِي عِنْد مُسلم قلت لَكِن فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن نصر فَعرفت أَنه إِنَّمَا صنع ذَلِك ليؤنسني بِيَدِهِ فِي ظلمَة اللَّيْل فصلى رَكْعَتَيْنِ إِلَى آخِره هِيَ مَذْكُورَة سِتّ مَرَّات زَاد بن خُزَيْمَة يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أوتر زَاد ملم فتكاملت صلَاته ثَلَاث عشرَة رَكْعَة أَتَاهُ الْمُؤَذّن هُوَ بِلَال كَمَا سمي فِي رِوَايَة البُخَارِيّ

ص: 109

[266]

عَن عبد الله بن أبي بكر هُوَ بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ فتوسدت عتبته أَو فسطاطه قَالَ الْبَاجِيّ العتبة مَوضِع الْبَاب والفسطاط نوع لقباب وَالْخَبَر بالتفسير الأول أشبه وَيحْتَمل أَن ذَلِك شكّ من الرَّاوِي فصلى رَكْعَتَيْنِ طويلتين قَالَ الْبَاجِيّ انْفَرد يحيى بن يحيى فِي هَذَا الحَدِيث بأمرين أَحدهمَا أَنه قَالَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين طويلتين وَسَائِر أَصْحَاب الْمُوَطَّأ قَالُوا عَن مَالك فِي الْأَوليين خفيفتين وَالثَّانِي أَنه قَالَ طويلتين طويلتين ثَلَاثًا وسائى أَصْحَاب الْمُوَطَّأ قَالُوا ذَلِك مرَّتَيْنِ فَقَط بِعني بذلك الْمُبَالغَة فِي طولهما وَقَالَ بن عبد الْبر لم يُتَابع يحيى على هَذَا أحد من رِوَايَة الْمُوَطَّأ وَالَّذِي فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جَمِيعهم فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ طويلتين طويلتين طويلتين فأسقط يحيى ذكر الرَّكْعَتَيْنِ الخفيفتين وَذَلِكَ خطأ وَاضح لِأَن الْمَحْفُوظ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من حَدِيث زيد بن خَالِد وَغَيره أَنه كَانَ يفْتَتح صَلَاة اللَّيْل بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين وَقَالَ أَيْضا طويلتين طويلتين مرَّتَيْنِ وَغَيره يَقُول ثَلَاث مَرَّات وَذَلِكَ مَا عد على يحيى من سقطه وغلطه والغلط لَا يسلم مِنْهُ أحد انْتهى دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا قَالَ الْبَاجِيّ يَعْنِي فِي الطول

[267]

عَن نَافِع وَعبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر قَالَ الْحَافِظ بن حجر لم يخْتَلف على مَالك فِي إِسْنَاد إِلَّا أَن فِي رِوَايَة مكي بن إِبْرَاهِيم عَن مَالك أَن نَافِعًا وَعبد الله بن دِينَار أخبراه كَذَا فِي الموطآت للدارقطني وَأوردهُ الْبَاقُونَ بالعنعنة أَن رجلا للنسائي من أهل الْبَادِيَة قَالَ بن حجر وَلم أَقف على اسْمه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن صَلَاة اللَّيْل فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن نصر قَالَ يَا رَسُول الله كَيفَ تَأْمُرنَا أَن نصلي من اللَّيْل صَلَاة اللَّيْل زَاد أَصْحَاب السّنَن وَابْن خُزَيْمَة من طَرِيق عَليّ الْأَزْدِيّ عَن بن عمر وَالنَّهَار مثنى مثنى أَي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَهُوَ غير منصرف للعدل وَالْوَصْف وَلمُسلم من طَرِيق عقبَة بن حُرَيْث قَالَ قلت لِابْنِ عمر مَا مثنى مثنى قَالَ تسلم من كل رَكْعَتَيْنِ صلى رَكْعَة وَاحِدَة فِي رِوَايَة الشَّافِعِي وَابْن وهب ومكي بن إِبْرَاهِيم عَن مَالك فَليصل رَكْعَة أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الموطآت هَكَذَا بِصِيغَة الْأَمر وَقَالَ بن عبد الْبر كل من روى هَذَا الحَدِيث عَن مَالك من رُوَاة الْمُوَطَّأ وَغَيرهم قَالُوا فِيهِ صفة صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى إِلَّا الحنيني وَحده فَإِنَّهُ روى هَذَا الحَدِيث عَن مَالك والعمري جَمِيعًا عَن نَافِع عَن بن عمر مَرْفُوعا صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى فَزَاد فِيهِ وَالنَّهَار وَذَلِكَ خطأ عَن مَالك لم يُتَابِعه أحد عَلَيْهِ

ص: 110

[268]

عَن بن محيريز اسْمه عبد الله أَن رجلا من بني كنَانَة يدعى المخدجي قَالَ بن عبد الْبر هُوَ مَجْهُول لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث وَقيل ان اسْمه رفيع والمخدجي لقب وَلَيْسَ بِنسَب فِي شَيْء من قبائل الْعَرَب يكنى أَبَا مُحَمَّد قَالَ بن عبد الْبر يُقَال انه سعد بن أَوْس الْأنْصَارِيّ لم يضيع مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن قَالَ الْبَاجِيّ احْتِرَاز من السَّهْو وَالنِّسْيَان الَّذِي لَا يُمكن أحدا الِاحْتِرَاز مِنْهُ إِلَّا من خصّه الله بالعصمة وَقَالَ بن عبد الْبر ذهبت طَائِفَة إِلَى أَن التضييع للصَّلَاة الْمشَار إِلَيْهِ هُنَا إِلَّا يُقيم حُدُودهَا من مُرَاعَاة وَقت وطهارة وإتمام رُكُوع وَسُجُود وَنَحْو ذَلِك وَهُوَ مَعَ ذَلِك يُصليهَا

[269]

عَن أبي بكر بن عمر قَالَ بن عبد الْبر كَذَا وَقع عِنْد شُيُوخنَا وَكَانَ أَحْمد بن خَالِد يَقُول ان يحيى رَوَاهُ أَبُو بكر بن عمر وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جمَاعَة أَصْحَاب مَالك وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ أَبُو بكر بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب لم يُوقف لَهُ على اسْم

ص: 111

[276]

صَلَاة الْمغرب وتر صَلَاة النَّهَار قَالَ بن عبد الْبر هَذَا مَرْفُوع عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قلت أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد ضَعِيف من حَدِيث بن مَسْعُود مَرْفُوعا وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقفه علية

[283]

عَن عبد الله بن عمر أَن أُخْته حَفْصَة أخْبرته قَالَ بن عبد الْبر فِيهِ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن مثله قلت وَالْأَخ عَن أُخْته

ص: 112

[284]

عَن يحيى بن سعيد أَن عَائِشَة قَالَت قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هَذَا الحَدِيث عِنْد جمَاعَة رُوَاة الْمُوَطَّأ وَقد رَوَاهُ بن عُيَيْنَة وَغَيره عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عمْرَة عَن عَائِشَة قلت أخرجه البُخَارِيّ من طَرِيق زُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَمُسلم من طَرِيق عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق جرير ثَلَاثَتهمْ عَن حييّ بن سعيد عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عمْرَة عَن عَائِشَة بِهِ قَالَ الْمزي فِي الْأَطْرَاف وَقد رَوَاهُ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن يحى بن حبَان عَن عمْرَة وَهُوَ وهم لم يُتَابِعه عَلَيْهِ أحد وَرَوَاهُ هشيم عَن يحيى بن سعيد عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن عمْرَة وَهُوَ أَيْضا لم يُتَابع عَلَيْهِ

[285]

عَن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ سمع قوم الْإِقَامَة قَالَ بن عبد الْبر لم يخْتَلف الروَاة عَن مَالك فِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث إِلَّا الْوَلِيد بن مُسلم فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن مَالك عَن شريك عَن أنس وَرَوَاهُ الداروردي عَن شريك فأسند عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة ثمَّ أخرجه من الطَّرِيقَيْنِ وَقَالَ وَقد روى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْمَعْنى من حَدِيث عبد الله بن سرجس وَابْن بُحَيْنَة وَأبي هُرَيْرَة أصلاتان مَعًا قَالَ الْبَاجِيّ إِنْكَار وتوبيخ

ص: 113

[288]

صَلَاة الْجَمَاعَة تفضل صَلَاة الْفَذ بِالْمُعْجَمَةِ أَي الْمُنْفَرد بِسبع وَعشْرين دَرَجَة قَالَ التِّرْمِذِيّ عَامَّة من رَوَاهُ قَالُوا خمْسا وَعشْرين إِلَّا بن عمر فَإِنَّهُ قَالَ سبعا وَعشْرين قَالَ بن حجر وَعنهُ أَيْضا رِوَايَة مخمس وَعشْرين عِنْد أبي عوَانَة فِي مستخرجه وَهِي شَاذَّة وَإِن كَانَ راويها ثِقَة قَالَ وَأما غَيره فصح عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد فِي الصَّحِيح وَعَن بن مَسْعُود عِنْد أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَعَن أبي بن كَعْب عِنْد بن ماجة وَالْحَاكِم وَعَن عَائِشَة وَأنس عِنْد السراج وَورد أَيْضا من طرق ضَعِيفَة عَن معَاذ وصهيب وَعبد الله بن زيد وَزيد بن ثَابت وَكلهَا عِنْد الطَّبَرَانِيّ وَاتفقَ الْجَمِيع على خمس وَعشْرين سوى رِوَايَة أَنِّي فَقَالَ أَربع أَو خمس على الشَّك وَسوى رِوَايَة لأبي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمد قَالَ فِيهَا سبع وَعِشْرُونَ وَفِي سندها ضعف قَالَ وَاخْتلف فِي أَي العددين أرجح فَقيل رِوَايَة الْخمس لِكَثْرَة رواتها وَقيل رِوَايَة السَّبع لِأَن فِيهَا زِيَادَة من عدل حَافظ قَالَ وَوَقع الِاخْتِلَاف أَيْضا فِي مُمَيّز الْعدَد فَفِي رِوَايَة دَرَجَة وَفِي أُخْرَى جزأ وَفِي أُخْرَى ضعفا وَفِي أُخْرَى صَلَاة وَالظَّاهِر أَن ذَلِك من تصرف الروَاة وَيحْتَمل أَن يكون من التفنن فِي الْعبارَة قَالَ ثمَّ إِن الْحِكْمَة فِي هَذَا الْعدَد الْخَاص غير مُحَققَة الْمَعْنى وَنقل الْقُرْطُبِيّ عَن النوربشتي مَا حَاصله أَن ذَلِك لَا يدْرك بِالرَّأْيِ بل مرجعه إِلَى علم النُّبُوَّة الَّتِي قصرت عُلُوم الالباء عَن إِدْرَاك حَقِيقَته انْتهى وَقَالَ بن عبد الْبر الْفَضَائِل لَا تدْرك بِقِيَاس وَلَا مدْخل فِيهَا للنَّظَر وَإِنَّمَا هِيَ بالتوقيف قَالَ وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَاد لَا أحفظه الْآن صَلَاة الْجَمَاعَة تفضل صَلَاة أحدكُم أَرْبَعِينَ دَرَجَة وَقَالَ الْبَاجِيّ هَذَا الحَدِيث يَقْتَضِي أَن صَلَاة الْمَأْمُوم تعدل ثَمَانِيَة وَعشْرين من صَلَاة الْفَذ لِأَنَّهَا تساويها وتزيد عَلَيْهَا سبعا وَعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند اخْتلفت الرِّوَايَات فِي الْعدَد الَّذِي تفضل بِهِ صَلَاة الْجَمَاعَة صَلَاة الرجل وَحده فَروِيَ بِسبع وَعشْرين وبخمس وَعشْرين وَأَرْبع وَعشْرين وَعَن شُعَيْب بن الحبحاب عَن أنس قَالَ فضل الصَّلَوَات فِي الْجمع على الْوَاحِد بِعشْرين وَمِائَة دَرَجَة فَلَقَد رَأَيْته يَقُول أَرْبعا وَعشْرين وأربعا وَعشْرين حَتَّى عد خمس مَرَّات قَالَ وَكَيف يجمع بَين الرِّوَايَات ذكرُوا فِيهِ وُجُوهًا مِنْهَا أَن الله تَعَالَى يُعْطي مَا شا من شَاءَ فيزيد وَينْقص كَمَا يبسط الرزق ويدر وَمِنْهَا أَن الْأجر يتَفَاوَت بالتفاوت فِي رِعَايَة الْأَدَب والخشوع وَمِنْهَا أَن التَّفَاوُت يَقع بحس قلَّة الْجُمُعَة وَكَثْرَتهَا أَو يتَفَاوَت حَال الامام أَو فَضِيلَة الْمَسْجِد وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم الْجمع بَين رِوَايَة سبع وَعشْرين وَخمْس وَعشْرين من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا مُنَافَاة بَينهمَا فَذكر الْقَلِيل لَا يَنْفِي الْكثير وَمَفْهُوم الْعدَد بَاطِل عِنْد جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ وَالثَّانِي أَن يكون أخبر أَولا بِالْقَلِيلِ ثمَّ أعلمهُ الله تَعَالَى بِزِيَادَة الْفضل فَأخْبر بهَا الثَّالِث أَنه يخْتَلف باخْتلَاف الْمُصَلِّين وَالصَّلَاة فَيكون لبَعْضهِم سبع وَعِشْرُونَ ولبعضهم خمس وَعِشْرُونَ بِحَسب كَمَال الصَّلَاة ومحافظته على هيئتها وخشوعها وَكَثْرَة جماعتها وفضلهم وَشرف الْبقْعَة وَنَحْو ذَلِك فَهَذِهِ هِيَ الْأَجْوِبَة الْمُعْتَمدَة وَقد قيل إِن الدرجَة غير الْجُزْء وَهَذَا غَفلَة من قَائِله فَإِن فِي الصَّحِيحَيْنِ سبعا وَعشْرين دَرَجَة خمْسا وَعشْرين دَرَجَة فَاخْتلف الْقدر مَعَ اتِّحَاد لفظ الدرجَة وَقَالَ الشَّيْخ سراج الدّين البُلْقِينِيّ ظهر لي فِي هذَيْن العددين شَيْء لم أسبق إِلَيْهِ لِأَن لفظ بن عمر صَلَاة الْجَمَاعَة وَمَعْنَاهُ الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة كَمَا وَقع فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة صَلَاة الرجل فِي الْجَمَاعَة وعَلى هَذَا فَكل وَاحِد من الْمَحْكُوم لَهُ بذلك صفى فِي جمَاعَة وَأدنى الْأَعْدَاد الَّتِي يتَحَقَّق فِيهَا ذَلِك ثَلَاثَة حَتَّى يكون كل وَاحِد صلى فِي جُمُعَة وكل وَاحِد مِنْهُم أَتَى بحسنة وَهِي بِعشْرَة فَيحصل من مَجْمُوعه ثَلَاثُونَ فاقتصر فِي الحَدِيث على الْفضل الزَّائِد وَهُوَ سَبْعَة وَعِشْرُونَ دون الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ أصل ذَلِك انْتهى قلت وَأخرج بن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن بن عَبَّاس قَالَ فضل صَلَاة الْجَمَاعَة على صَلَاة الْوحدَة خمس وَعِشْرُونَ دَرَجَة فَإِن كَانُوا كثر فعلى عدد من فِي الْمَسْجِد فَقَالَ رجل وَإِن كَانُوا عشرَة آلَاف قَالَ نعم وَإِن كَانُوا أَرْبَعِينَ ألفا وَأخرج عَن كَعْب قَالَ عَليّ عدد من فِي الْمَسْجِد وَهَذَا يدل على أَن التَّضْعِيف الْمَذْكُور مُرَتّب على أقل عدد تحصل بِهِ الْجَمَاعَة وَأَنه يزِيد بِزِيَادَة الْمُصَلِّين

[289]

عَن بن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة أحدكُم وَحده بِخَمْسَة وَعشْرين جزأ قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جمَاعَة الروَاة وَرَوَاهُ جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن مَالك باسنده فَقَالَ فضل صَلَاة الْجَمَاعَة على صَلَاة أحدكُم خمس وَعِشْرُونَ صَلَاة وَرَوَاهُ عبد الْملك بن زِيَاد النصيبي وَيحيى بن مُحَمَّد بن عباد عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَرَوَاهُ الشَّافِعِي وروح بن عبَادَة وعمار بن مطر عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة

ص: 114

[290]

وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ هُوَ قسم كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كثيرا مَا يقسم بِهِ وَالْمعْنَى أَن أَمر نفوس الْعباد بيد الله تَعَالَى أَي بتقديره وتدبيره لقد هَمَمْت جَوَاب الْقسم والهم الْعَزْم وَقيل دونه وَزَاد مُسلم فِي أَوله أَنه صلى الله عليه وسلم فقد نَاسا فِي بعض الصَّلَوَات فَقَالَ ذَلِك فَأفَاد ذكر سَبَب الحَدِيث فيحطب أَي يكسر ليسهل إشعال النَّار بِهِ ثمَّ أُخَالِف إِلَى رجال أَي آتيهم من خَلفهم وَقَالَ الْجَوْهَرِي خَالف إِلَى فلَان أَي أَتَاهُ إِذا غَابَ عَنهُ لَو يعلم أحدهم أَنه يجد عظما سمينا فِي بعض الروايا عرقا سمينا وَهُوَ الْعظم بِمَا عَلَيْهِ من اللَّحْم أَو مرماتين تَثْنِيَة مرماة بِكَسْر الْمِيم وَحكى الْفَتْح قَالَ الْخَلِيل وَغَيره هِيَ مَا بَين ظلفي الشَّاة من اللَّحْم وَقيل سهم الهدف وَالْأول انسب لذكر الْعظم السمين قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره وَقَالَ بن الْأَثِير وَجهه أَنه لما ذكر الْعظم السمين وَكَانَ مِمَّا يُؤْكَل أتبعه بالسهمين لِأَنَّهُمَا مِمَّا يلهى بِهِ وَقَالَ الرَّافِعِيّ قيل المرماتان قطعتا لحم وَقيل سَهْمَان يحرز الرجل بهما سبقه وَالْمِيم الأولى تفتح وتكسر وَذكر أَنَّهَا إِذا فسرت بِالسَّهْمِ فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْكسر وَإِن ميمها إِذا فسرت بِمَا بَين الظلْف أَصْلِيَّة قَالَ وَقَوله حسنتين أَي جيدتين وَقيل الْحسن الْعظم فِي الْمرْفق مِمَّا يَلِي الْبَطن والقبيح عظم الْمرْفق مِمَّا يَلِي الْكَتف وهما عاريات عَن اللَّحْم لَيْسَ عَلَيْهِمَا إِلَّا دسم قَلِيل ومقصود الْكَلَام التوبيخ وَمَعْنَاهُ أَن أَحدهمَا لَو علم أَنه يجد عظما قَلِيل الْمَنْفَعَة لتسارع إِلَيْهِ فَكيف يتكاسل عَن الصَّلَاة على عظم فائدتها وَإِن أحدهم يسْعَى فِي احراز سبق الدُّنْيَا فَكيف يرضى باهمال سبق الْآخِرَة وَتَخْصِيص الْعشَاء فِي قَوْله لشهد الْعشَاء إِشَارَة إِلَى أَنه يسْعَى إِلَى الشَّيْء الحقير فِي ظلمَة اللَّيْل فَكيف يرغب عَن الصَّلَاة وَفِي بضع الرِّوَايَات أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خصص ذَلِك بِصَلَاة الْعشَاء فَقَالَ آمُر بِصَلَاة الْعشَاء فَيُؤذن لَهَا إِلَى آخِره وَاحْتج بذلك على فَضِيلَة هَذِه الصَّلَاة انْتهى

[291]

أفضل الصَّلَاة صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ إِلَّا صَلَاة الْمَكْتُوبَة قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع الموطآت مَوْقُوف على زيد وَهُوَ مَرْفُوع عَنهُ من وُجُوه صِحَاح قلت أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طرق عَن سَالم أبي النَّضر عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن ثَابت مَرْفُوعا بِهِ وَفِيه قصَّة فِي سَبَب الحَدِيث وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب الْمُتَّفق والمفترق أَنا عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السمسار أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن صَالح الْأَبْهَرِيّ حَدثنَا أَبُو الْحسن أَحْمد بن عمر بن يُوسُف هُوَ بن جوصا حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبان بن مُحَمَّد بن حَرْبِيّ الشَّامي حَدثنَا أَبُو مسْهر عبد الْأَعْلَى بن مسْهر حَدثنَا مَالك بن أنس عَن أبي النَّضر عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن ثَابت قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خير صَلَاتكُمْ صَلَاتكُمْ فيخ بُيُوتكُمْ إِلَّا صَلَاة الْفَرِيضَة قَالَ أَبُو الْحسن بن عُمَيْر لم يُتَابع إِسْمَاعِيل بن أبان أحد على رفع هَذَا الحَدِيث انْتهى وَلم يذكر إِسْمَاعِيل بِجرح كَمَا ذكره الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان وَلَا فِي الْمُغنِي وَلَا بن حجر فِي اللِّسَان

ص: 115

[292]

عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة قَالَ بن عبد الْبر هُوَ مدنِي صَالح الحَدِيث وَلم يكن بِالْحَافِظِ ولحرملة وَالِده صُحْبَة وَرِوَايَة مَاتَ هُوَ فِي خلَافَة السفاح وَقيل سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة بَيْننَا وَبَين الْمُنَافِقين شُهُود الْعشَاء وَالصُّبْح قَالَ الرَّافِعِيّ يَعْنِي الْآيَة والعلامة فانهم لَا يشْهدُونَ امتثالا لِلْأَمْرِ وَلَا احتسابا للاجر ويثقل عَلَيْهِم الْحُضُور فِي وَقتهَا فيتخلفون قَالَ بن عبد الْبر وَهَذَا الحَدِيث مُرْسل لَا يحفظ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُسْندًا وَمَعْنَاهُ مَحْفُوظ من وُجُوه ثَابِتَة أَو نَحْو هَذَا شكّ من الرَّاوِي أَو توق فِي الْعبارَة قَالَ الْبَاجِيّ

[293]

قَالَ بَيْنَمَا رجل يمشي بطرِيق إِذْ وجد غُصْن شوك على الطَّرِيق فَأَخَّرَهُ فَشكر الله لَهُ فغفر لَهُ وَقَالَ الشُّهَدَاء خَمْسَة المطعون والمبطون والغرف وَصَاحب الْهدم والشهيد فِي سَبِيل الله قَالَ الْبَاجِيّ انْتَهَت رِوَايَة يحيى بن يحيى وَجَمَاعَة من رِوَايَة الْمُوَطَّأ إِلَى حَيْثُ ذكرنَا وَزَاد أَبُو مُصعب بعد ذَلِك وَقَالَ لَو علم النَّاس مَا فِي النداء والصف الأول ثمَّ لم يَجدوا إِلَّا أَن يستهموا عَلَيْهِ لاستهموا وَلَو يعلمُونَ مَا فِي التهجير لاستبقوا إِلَيْهِ وَلَو يعلمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح لأتوهما وَلَو حبوا وَقَالَ بن عبد الْبر هن ثَلَاثَة أَحَادِيث فِي وَاحِد لذَلِك يَرْوِيهَا جمَاعَة من أَصْحَاب مَالك وَكَذَلِكَ هِيَ مَحْفُوظَة عَن أبي هُرَيْرَة وَالثَّالِث سقط ليحيى من بَاب وَهُوَ عِنْده فِي بَاب آخر وَقد مر بشرحه قَالَ الْبَاجِيّ قَوْله فَشكر الله لَهُ يحْتَمل ان يُرِيد جازاه على ذَلِك بالمغفرة أَو اثنى عَلَيْهِ ثَنَاء اقْتضى الْمَغْفِرَة لَهُ أَو أَمر الْمُؤمنِينَ بشكره وَالثنَاء عَلَيْهِ بجميل فعله وَقَالَ بن حجر أَي رَضِي قعله وَقبل مِنْهُ

ص: 116

[295]

فَقَالَ لَهُ عُثْمَان من شهد الْعشَاء فَكَأَنَّمَا قَامَ نصف لَيْلَة وَمن شهد الصُّبْح فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَة قَالَ بن عبد الْبر هَذَا لَا يكون رَأيا وَقد روى مَرْفُوعا قلت أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عُثْمَان بن حَكِيم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة عَن عُثْمَان بن فان مَرْفُوعا بِلَفْظ من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة كَانَ كقيام نصف لَيْلَة وَمن صلى الْعشَاء وَالصُّبْح فِي جمَاعَة كَانَ لقِيَام لَيْلَة قَالَ الْمزي فِي الْأَطْرَاف قد رُوِيَ عَن بن أبي عمْرَة عَن عُثْمَان مَوْقُوفا وَرُوِيَ من غير وَجه عَن عُثْمَان مَرْفُوعا

[296]

بسر بن محجن قَالَ بن عبد الْبر هُوَ بِالسِّين الْمُهْملَة فِي رِوَايَة مَالك وَأكْثر الروَاة عَن زيد بن أسلم وَقَالَ فِيهِ الثَّوْريّ بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ أَبُو نعيم وَالصَّوَاب كَمَا قَالَ مَالك

ص: 117

[299]

فَإِن لَهُ سهم جمع قَالَ الْبَاجِيّ قَالَ بن وهب مَعْنَاهُ لَهُ سَهْمَان من الْأجر وَقَالَ الْأَخْفَش الْجمع الْجَيْش قَالَ الله تَعَالَى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ قَالَ وَسَهْم الْجمع هُوَ السهْم من الْغَنِيمَة قَالَ الْبَاجِيّ وَيحْتَمل عِنْدِي أَن ثَوَابه مث لسهم الْجَمَاعَة من الْأجر وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ مثل سهم من يبيت بِمُزْدَلِفَة فِي الْحَج لِأَن جمعا اسْم مُزْدَلِفَة حَكَاهُ سَحْنُون عَن مطرف وَلم يُعجبهُ وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ أَن لَهُ سهم الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ صَلَاة الْفَذ وَصَلَاة الْجَمَاعَة وَيكون فِي ذَلِك احْتِرَاز لَهُ بِأَنَّهُ لَا يضيع لَهُ أجر الصَّلَاتَيْنِ وَقَالَ الداوودي يروي فَإِن لَهُ سَهْما جمعا بِالتَّنْوِينِ وَمعنى ذَلِك أَنه يُضَاعف لَهُ الْأجر مرَّتَيْنِ قَالَ الْبَاجِيّ وَالصَّحِيح من الرِّوَايَة وَالْمعْنَى مَا قدمْنَاهُ وَقَالَ بن عبد الْبر قَول بن وهب فِي مَعْنَاهُ يضعف لَهُ الْأجر أشبه من قَول من قَالَ إِن الْجمع هُنَا الْجَيْش وَإِن لَهُ أجر الْغَازِي فِي سَبِيل الله قَالَ مُصعب بن عبد الله سَأَلت عبد الله بن الْمُنْذر بن الزبير مَا معنى مِنْهُم جمع قَالَ نصيب رجلَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف عَن فصحاء الْعَرَب

[301]

إِذا صلى أحدكُم بِالنَّاسِ فليخفف فَإِن فيهم الضَّعِيف والسقيم المُرَاد بالضعيف هُنَا ضَعِيف الْخلقَة وبالسقيم من بِهِ مرض وَالْكَبِير قَالَ بن عبد الْبر أَكثر الروَاة للموطأ لَا يَقُولُونَ فِي هَذَا الحَدِيث وَالْكَبِير وَقَالَهُ جمَاعَة مِنْهُم يحيى وقتيبة وَفِي رِوَايَة لمُسلم من وَجه آخر عَن أبي الزِّنَاد وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَزَاد الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عُثْمَان بن أبي العَاصِي وَالْحَامِل والمرضع وَمن حَدِيث عدي بن حَاتِم والعابر السَّبِيل وَالْبُخَارِيّ من حَدِيث أبي مَسْعُود وَذَا الْحَاجة

ص: 118

[304]

عَن بن شهَاب عَن أنس قَالَ بن عبد الْبر لم تخْتَلف رُوَاة الْمُوَطَّأ فِي سَنَده وَرَوَاهُ سُوَيْد بن سعيد عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ خطأ لم يُتَابِعه أحد عَلَيْهِ فجحش شقَّه بِضَم الْجِيم ثمَّ حاء مُهْملَة مَكْسُورَة خدش قَالَه النَّوَوِيّ وَقَالَ بن عبد الْبر الجحش فَوق الخدش وَقَالَ الرَّافِعِيّ يُقَال جحش فَهُوَ مجحوش إِذا أَصَابَهُ مثل الخدش أَو أَكثر وانسجح جلده وَكَانَت قدمه انفكت من الصرعة كَمَا فِي رِوَايَة بشر بن الْمفضل عَن حميد عَن أنس عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ بن حجر وَلَا يُنَافِي مَا هُنَا لاحْتِمَال وُقُوع الْأَمريْنِ قَالَ وَأخرج عبد الرَّزَّاق الحَدِيث عَن بن جريج عَن الزُّهْرِيّ فَقَالَ فجحش سَاقه الْأَيْمن فَزعم بَعضهم أَنَّهَا مصحفة من شقَّه وَلَيْسَ كَذَلِك لموافقة رِوَايَة حميد لَهَا وَإِنَّمَا هِيَ مفسرة لمحل الخدش من الشق الْأَيْمن لِأَنَّهُ لم يستوعبه قَالَ وَأفَاد بن حبَان أَن هَذِه الْقِصَّة كَانَت فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس من الْهِجْرَة إِنَّمَا جعل الامام قَالَ الرَّافِعِيّ أَي نصب أَو اتخذ أَو نَحْوهمَا قَالَ وَيجوز أَن يُرِيد إِنَّمَا جعل الامام إِمَامًا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ قَالَ الرَّافِعِيّ هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرهم وَهُوَ تَأْكِيد للضمير وَرَوَاهُ آخَرُونَ أجميعن على الْحَال

[305]

وَهُوَ شَاك بتَخْفِيف الْكَاف بِوَزْن قَاض من الشكاية وَهِي الْمَرَض وَصلى وَرَاءه قوم قيَاما سمى مِنْهُم أنس فِي الحَدِيث السَّابِق وَأَبُو بكر وَعمر وَجَابِر فِي رِوَايَات

[306]

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خرج فِي مَرضه قَالَ بن عبد الْبر لم يخْتَلف عَن مَالك فِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث وَقد أسْندهُ جمَاعَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مِنْهُم حَمَّاد بن سَلمَة وَابْن نمير وَأَبُو أُسَامَة قلت من طَرِيق بن نمير أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَمن طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة أخرجه الشَّافِعِي فِي الْأُم وَكَانَ النَّاس يصلونَ بِصَلَاة أبي بكر أَي يتعرفون بِهِ مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَفْعَله لضعف صَوته عَن أَن يسمع النَّاس تَكْبِير الِانْتِقَال فَكَانَ أَبُو بكر يسمعهم ذَلِك

[307]

عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص وَعَن مولى لعَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ جمَاعَة الروَاة عَن مَالك بِلَا خلاف بَينهم وَرَوَاهُ بن عُيَيْنَة عَن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور عَن أنس وَالْقَوْل عِنْدهم قَول ماك والْحَدِيث مَحْفُوظ لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قلت رَوَاهُ بن ماجة من طَرِيق الْأَعْمَش عَن حبيب عَن أبي مُوسَى الْحذاء عَن عبد الله بن عَمْرو

ص: 119

[308]

عَن بن شهَاب عَن عبد الله بن عَمْرو هُوَ مُنْقَطع لما قدمنَا الْمَدِينَة نالنا وباء هُوَ سرعَة الْمَوْت وكثرته فِي النَّاس من وعكها قَالَ بن عبد الْبر قَالَ أهل اللُّغَة الوعك لَا يكون إِلَّا من الْحمى دون سَائِر الْأَمْرَاض فِي سبحتهم هِيَ صَلَاة النَّافِلَة صَلَاة الْقَاعِد مثل نصف صَلَاة الْقَائِم قَالَ الْبَاجِيّ أَي فِي الْأجر لِأَن الصَّلَاة لَا تتبعض وَلَا يَصح نصفهَا دون سائرها

[309]

عَن السَّائِب بن يزِيد عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي عَن حَفْصَة هَؤُلَاءِ ثَلَاثَة صحابة فِي نسق وَاحِد يروي بَعضهم عَن بعض هواسم أبي ودَاعَة الْحَارِث بن صبيرة

ص: 120

[313]

حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر قَالَ الْبَاجِيّ هَذَا يَقْتَضِي أَن الْوُسْطَى غير الْعَصْر لِأَن الشَّيْء لَا يعْطف على نَفسه

[317]

يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيت أم سَلمَة وَاضِعا طَرفَيْهِ على عَاتِقيهِ قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد أَنه أَخذ طرف ثَوْبه تَحت يَده الْيُمْنَى وَوَضعه على كتفه الْيُسْرَى وَأخذ الطّرف الآخر تَحت يَده الْيُسْرَى فَوَضعه على كتفه الْيُمْنَى وَهَذَا نوع من الاشتمال يُسمى التوشيح وَيُسمى الاضطباع وَهُوَ مُبَاح فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا لِأَنَّهُ يُمكنهُ إِخْرَاج يَده للسُّجُود وَغَيره دون كشف عَوْرَته

[318]

أَن سَائِلًا قَالَ الْحَافِظ بن حجر لم أَقف على تَسْمِيَته أَو لكلكم ثَوْبَان قَالَ الْخطابِيّ لَفظه استخبار وَمَعْنَاهُ الاخبار عَمَّا هيم عَلَيْهِ من قلَّة الثاب وَوَقع فِي ضمنه الْفَتْوَى من طَرِيق الفحوى كَأَنَّهُ يَقُول إِذا علمْتُم أَن ستر الْعَوْرَة فرض وَالصَّلَاة لَازِمَة وَلَيْسَ لكل وَاحِد مِنْكُم ثَوْبَان فَكيف لم تعلمُوا أَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد جَائِزَة

[319]

المشجب عود تنشر عَلَيْهِ الثِّيَاب قَالَه صَاحب الْعَيْنِيّ

[320]

مَالك أَنه بلغه عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من لم يجد ثَوْبَيْنِ قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث مَحْفُوظ عَن جَابر من رِوَايَة أهل الْمَدِينَة قلت أخرجه البُخَارِيّ من طَرِيق فليح بن سُلَيْمَان عَن سعيد بن الْحَارِث عَن جَابر وَمُسلم من طَرِيق حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن أبي حرزة عَن عبَادَة بن الْوَلِيد عَن جَابر

ص: 121

[322]

فَليصل فِي ثوب وَاحِد ملتحفا بِهِ قَالَ الْبَاجِيّ قَالَ البُخَارِيّ قَالَ الزُّهْرِيّ الملتحف المتوشح وَهُوَ الْمُخَالف بَين طَرفَيْهِ على عَاتِقيهِ فَجعل الالتحاف هُوَ التوشح وَالْمَشْهُور من لُغَة الْعَرَب أَن الالتحاف هُوَ الالتفاف فِي الثَّوْب على أَي وَجه كَانَ فَيدْخل تَحْتَهُ التوشح والاشتمال وَقد خص مِنْهُ اشْتِمَال الصماء

[323]

الدرْع الْقَمِيص والخمار مَا يختمر بِهِ

[324]

عَن مُحَمَّد بن زيد بن قنفذ عَن أمه اسْمهَا أم حرَام ذكره الْمزي أَنَّهَا سَأَلت أم سَلمَة الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر فِي الاستذكار هُوَ فِي الْمُوَطَّأ مَوْقُوف وَرَفعه عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار قلت أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيقه عَن مُحَمَّد بن زيد عَن أمه عَن أم سَلمَة أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتُصَلِّي الْمَرْأَة فِي درع وخمار لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَار قَالَ إِذا كَانَ الدرْع سابغا يُغطي ظهر قدميها ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق مَالك مَوْقُوفا وَقَالَ رَوَاهُ مَالك وَبكر بن مُضر وَحَفْص بن غياث وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَابْن أبي ذِئْب وَابْن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن زيد عَن أمه عَن أم سَلمَة وَلم يذكر أحد مِنْهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم قصروا بِهِ على أم سَلمَة

[325]

عَن الثِّقَة عِنْده عَن بكير قَالَ بن عبد الْبر الثِّقَة هُنَا هُوَ اللَّيْث بن سعد ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ أَبُو سَلمَة مَنْصُور بن سَلمَة وَهَذَا مِمَّا رَوَاهُ مَالك عَن اللَّيْث قَالَ بن عبد الْبر أَكثر مَا فِي كتب مَالك عَن بكير بن الْأَشَج يَقُول أَصْحَابه بن وهب وَغَيره أَنه أَخذه من كتب بكير كَانَ أَخذهَا من مُحرمَة ابْنه فَنظر فِيهَا

[326]

الْمنطق قَالَ الْبَاجِيّ هُوَ الْإِزَار قَالَ صَاحب الْعين هُوَ إِزَار فِيهِ تكة تنتطق بِهِ الْمَرْأَة والمنطقة مَا شدّ بِهِ الْوسط

ص: 122

[327]

عَن دَاوُد بن الْحصين عَن الْأَعْرَج أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر فِي سَفَره إِلَى تَبُوك قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَاب مَالك مُرْسلا إِلَّا أَبَا مُصعب فِي غير الْمُوَطَّأ وَمُحَمّد بن مبارك الصودي وَمُحَمّد بن خَالِد بن عتمة ومطرفا والحنيني وَإِسْمَاعِيل بن دَاوُد المخرافي فانهم قَالُوا عَن مَالك عَن دَاوُد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة مُسْندًا ثمَّ أسْند طرقهم قَالَ وَذكر أَحْمد بن خَالِد أَن يحيى بن يحيى رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأ كَذَلِك مُسْندًا وَقَالَ أَصْحَاب مَالك على إرْسَاله قَالَ وَأما نَحن فَلم نجده عِنْد جمَاعَة شُيُوخنَا إِلَّا مُرْسلا فِي نُسْخَة يحيى وَرِوَايَته وَقد يُمكن أَن يكون بن وضاح طرح أَبَا هُرَيْرَة من رِوَايَته عَن يحيى لِأَنَّهُ رأى بن الْقَاسِم ويغره مِمَّن انْتَهَت إِلَيْهِ رِوَايَته عَن مَالك فِي الْمُوَطَّأ قد أرسل الحَدِيث فَظن أَن رواي يحيى غلط لم يُتَابع عَلَيْهِ فَرمى أَبَا هُرَيْرَة وَأرْسل الحَدِيث انْتهى

[328]

وَالْعين تبض قَالَ الْبَاجِيّ رَوَاهُ يحيى بن يحيى وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الْمُوَطَّأ بالصَّاد غير مُعْجمَة وَمَعْنَاهُ تبرق وَرَوَاهُ بن الْقَاسِم والقعنبي بِالْمُعْجَمَةِ أَي تقطر وتسيل يُقَال بص المَاء وصب على الْقلب بِمَعْنى قَالَ والوجهان مَعًا صَحِيحَانِ قَالَ وَقَوله بِشَيْء من مَاء يُشِير إِلَى تقليله فَسَأَلَهُمَا قَالَ الْبَاجِيّ روى أَبُو بشر الدولابي أَنَّهُمَا كَانَا من النافقين

ص: 123

[330]

عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا فِي غير خوف وَلَا سقر قَالَ مَالك أرى ذَلِك كَانَ فِي مطر قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم للْعُلَمَاء فِي هَذَا الحَدِيث أَقْوَال مِنْهُم من تَأَوَّلَه على أَنه جمع بِقدر الْمَطَر وَهَذَا مَشْهُور عَن جمَاعَة من الْكِبَار الْمُتَقَدِّمين وَهُوَ ضَعِيف بالرواية الْأُخْرَى فِي مُسلم من غير خوف وَلَا مطر وَمِنْهُم من تَأَوَّلَه على أَنه كَانَ فِي غيم فصلى الظّهْر ثمَّ انْكَشَفَ الْغَيْم وَبَان أَن وَقت الْعَصْر دخل فَصلاهَا وَهَذَا أَيْضا بَاطِل لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ فِيهِ أدنى احْتِمَال فِي الظّهْر وَالْعصر فَلَا احْتِمَال فِيهِ فِي الْمغرب وَالْعشَاء وَمِنْهُم من تَأَوَّلَه على تَأْخِير الأولى إِلَى آخر وَقتهَا فَصلاهَا فِيهِ فَلَمَّا فرغ مِنْهَا دخلت الثَّانِيَة فَصلاهَا فِيهِ فَصَارَت صورته صُورَة جمع وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف وباطل لِأَنَّهُ مُخَالف للظَّاهِر مُخَالفَة لَا تحْتَمل وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ مَحْمُول على الْجمع بِقدر الْمَرَض أَو نَحوه مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ من الاعذار وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل وَالْقَاضِي حُسَيْن من أَصْحَابنَا وَاخْتَارَهُ الْخطابِيّ وَالْمُتوَلِّيّ وَالرُّويَانِيّ وَهُوَ الْمُخْتَار فِي تَأْوِيله لظَاهِر الحَدِيث وَلِأَن الْمَشَقَّة فِيهِ أَشد من الْمَطَر وَذهب جمَاعَة من الْأَئِمَّة إِلَى جَوَاز الْجمع فِي الْحَضَر للْحَاجة لمن لَا يَتَّخِذهُ عَادَة وقو قَول بن سِيرِين وَأَشْهَب وَحَكَاهُ الْخطابِيّ عَن الْقفال الْكَبِير الشَّاشِي من أَصْحَابنَا وَعَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث وَاخْتَارَهُ بن الْمُنْذر وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي مُسلم قَالَ سعيد بن جُبَير فَقلت لِابْنِ عَبَّاس مَا حمله على ذَلِك قَالَ أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته فَلم يعلله بِمَرَض وَلَا غَيره انْتهى كَلَام النَّوَوِيّ وَقد اخْتَار مَا اخْتَارَهُ من جَوَاز الْجمع بِعُذْر الْمَرَض جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم السُّبْكِيّ والاسنوي والبلقيني وَهُوَ اخْتِيَاري

[334]

عَن بن شهَاب عَن رجل من آل خَالِد بن أسيد أَنه سَأَلَ عبد الله بن عمر قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة الروَاة عَن مَالك وَلم يقم مَالك إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ لم يسم الرجل الَّذِي سَأَلَ بن عمر وَأسْقط من الْإِسْنَاد رجلا وَالرجل الَّذِي لم يسمه هُوَ أُميَّة بن عبد الله بن خَالِد بن أسيد بن أبي الْعيص بن أُميَّة وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ بن شهَاب عَن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام عَن أُميَّة بن عبد الله بن خَالِد عَن بن عمر كَذَلِك رَوَاهُ معمر وَاللَّيْث بن سعد وَيُونُس بن زيد قلت أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن ماجة من طَرِيق اللَّيْث عَن بن شهَاب بِهِ

ص: 124

[335]

فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ زَاد أَحْمد فِي مُسْنده إِلَّا الْمغرب فَكَأَنَّهَا كَانَت ثَلَاثًا وَزيد فِي صَلَاة الْحَضَر لِابْنِ خُزَيْمَة وَابْن حبَان فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة زيد فِي صَلَاة الْحَضَر رَكْعَتَانِ وَتركت صَلَاة الْفجْر لطول الْقِرَاءَة وَصَلَاة الْمغرب لِأَنَّهَا وتر النَّهَار

[353]

يُصَلِّي وَهُوَ على حمَار وَقَالَ بن عبد الْبر بِذكر الْحمار فِيهِ عَمْرو بن يحيى وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى خَيْبَر زَاد الحنيني عَن مَالك خَارج الْمُوَطَّأ ويومي إِيمَاء

ص: 126

[354]

عَن عبد الله بن دِينَار عَن بن عمر قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ جمَاعَة رُوَاة الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ يحيى بن سَلمَة عَن قعنب عَن مَالك عَن نَافِع عَن بن عمر قَالَ وَالصَّوَاب مَا فِي الْمُوَطَّأ

[355]

عَن أبي مرّة قيل اسْمه يزِيد وَقيل قسيمة

[356]

فلَان بن هُبَيْرَة قيل هُوَ جعدة بن هُبَيْرَة ورده بن عبد الْبر بِأَنَّهُ ابْنهَا فَلَا تحْتَاج إِلَى اجارته لصِغَر سنه وَالْحكم بِإِسْلَامِهِ وَلَا يعرف لهبيرة بن من غير أم هَانِئ قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَالَّذِي يظْهر لي أَن فِي الرِّوَايَة حذفا أَو تحريفا أَي فلَان بن عَم هُبَيْرَة أَو قريب هُبَيْرَة فَسقط لفظ عَم أَو تغير لفظ قريب بِلَفْظ بن قَالَ وَقد سمى بن هِشَام فِي سيرته وَغَيره الَّذِي أجارته الْحَارِث بن هِشَام وَعبد الله بن أبي ربيعَة وهما مخزوميان فَيصح أَن يكون كل مِنْهُمَا بن عَم هُبَيْرَة لِأَنَّهُ مخزومي وَقيل الْحَارِث وَزُهَيْر بن أبي أُميَّة المخزوميان فَلَمَّا فرغ من غسله قَامَ فصلى ثَمَانِي رَكْعَات قَالَ الْبَاجِيّ هَذَا أصل فِي صَلَاة الضُّحَى على أَنه يحْتَمل أَن يكون فعل ذَلِك لما اغْتسل وجدد طَهَارَته لَا لقصده للْوَقْت إِلَّا أَنه قد روى أَنَّهَا سَأَلته فَقَالَت مَا هَذِه الصَّلَاة فَقَالَ صَلَاة الضُّحَى فأضافها إِلَى الْوَقْت قلت أخرجه بن عبد الْبر من طَرِيق عِكْرِمَة بن خَالِد عَن أم هَانِئ بنت أبي طَالب قَالَت قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي فتح مَكَّة فَنزل بِأَعْلَى مَكَّة فصلى ثَمَان رَكْعَات فَقلت يَا رَسُول الله مَا هَذِه الصَّلَاة قَالَ صَلَاة الضُّحَى وَقَالَ النَّوَوِيّ توقف القَاضِي عِيَاض وَغَيره فِي دلَالَة هَذَا الحَدِيث وَقَالُوا لِأَنَّهَا إِنَّمَا أخْبرت عَن وَقت صلَاته لَا عَن نِيَّتهَا لفعلها كَانَت صَلَاة شكر لله تَعَالَى على الْفَتْح قَالَ وَيَردهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَد صَحِيح عَن أم هَانِئ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم الْفَتْح صلى سبْحَة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ

ص: 127

[357]

عَن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَت مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي سبْحَة الضُّحَى قطّ قَالَ بن عبد الْبر لَيْسَ أحد من الصَّحَابَة إِلَّا وَقد فَاتَهُ من الحَدِيث مَا أَحْصَاهُ غَيره والاحاطة ممتنعة فقد صَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم صلى الضُّحَى من حَدِيث أم هَانِئ وَفِي الصَّحِيح عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَة قَالَ مَا حَدثنَا أحد أَنه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى غير أم هَانِئ وَذكر الحَدِيث وَأخرج مُسلم عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ سَأَلت وحرصت على أَن أجد أحدا يحدثني أَنه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي سبْحَة الضُّحَى فَلم أجد غير أم هَانِئ وَذكر الحَدِيث وَفِي لفظ سَأَلت عَن صَلَاة الضُّحَى فِي إِمَارَة عُثْمَان وَأَصْحَاب رَسُول الله متوافرون فَلم أجد أحدا أثبت فِي صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الضُّحَى إِلَّا أم هَانِئ قَالَ بن عبد الْبر وَقد كَانَ الزُّهْرِيّ يُفْتِي بِحَدِيث عَائِشَة هَذَا وَيَقُول ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل الضُّحَى قطّ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يصلونها بالهواجر وَلم يكن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عمر يصلونَ الضُّحَى وَلَا يعرفونها انْتهى قلت وَقد رَود أَنه صلى الله عليه وسلم صلى الضُّحَى من ديث أنس وَجَابِر وَعُثْمَان بن مَالك وَعبد الله بن أبي أوفى وَجبير بن مطعم وَحُذَيْفَة بن الْيَمَانِيّ وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وعابد بن عَمْرو وَسعد بن أبي وَقاص وَأبي هُرَيْرَة وَعلي بن أبي طَالب وَعبد الله بن بشر وَقُدَامَة وحَنْظَلَة الثقفيين وَعبد الله بن عَبَّاس وَغَيرهم بل ورد من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها أَيْضا فَأخْرج مُسلم عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَربع رَكْعَات وَيزِيد مَا شَاءَ وَالْعجب من بن عبد الْبر كَيفَ أورد هَذَا الحَدِيث وَقَالَ إِنَّه حَدِيث مُنكر غير صَحِيح مَرْدُود لحَدِيث الْبَاب فَإِن الحَدِيث مخرج فِي صَحِيح مُسلم فَلَا سَبِيل إِلَى الحكم عَلَيْهِ بِعَدَمِ الصِّحَّة وَلَا منافة بَينه وَبَين حَدِيث الْبَاب فَإِن النَّوَوِيّ جمع بَينهمَا فِي شرح مُسلم بِأَن حَدِيث الْبَاب لَيْسَ فِيهِ إِلَّا نفي الرُّؤْيَة وَهُوَ إِنَّمَا كَانَ يكون عِنْدهَا فِي وَقت الضُّحَى فِي نَادِر من الْأَوْقَات لكَونه فِي الْمَسْجِد أَو فِي مَوضِع آخر أَو عِنْد سَائِر نِسَائِهِ فَلم تره وَأما حَدِيث الاثبات فقد تكون عَلمته بِخَبَرِهِ أَو خبر غَيره أَنه صلاهَا وَورد فِي الْأَمر بهَا وَالتَّرْغِيب فِيهَا أَحَادِيث كَثِيرَة وَقد ألفت فِي ذل جزأ استوعبت فِيهِ مَا ورد فِيهَا وَهل يتَصَوَّر أَن تُوجد سنة أَمر بهَا صلى الله عليه وسلم وَلم يَفْعَلهَا ذكر ذَلِك فِي صَلَاة الضُّحَى وَقد تبين خِلَافه قلت ورد أَنَّهَا كَانَت وَاجِبَة عَلَيْهِ وعد الْفُقَهَاء ذَلِك فِي خَصَائِصه وَذكر أَيْضا فِي الْأَذَان لَكِن ثَبت عِنْد التِّرْمِذِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم أذن فِي سفر وَجزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَقَالَ إِن الحَدِيث جيد الْإِسْنَاد وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي الرَّوْضَة وَقَالَ إِن الحَدِيث حسن وَقَالَ فِي الْخُلَاصَة انه صَحِيح وَتَابعه بن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة والسبكي فِي شرح الْمِنْهَاج وَذكر الْحَافِظ مغلطاي أَن بعض الْأُمَرَاء سَأَلَهُ عَن ذَلِك فِي سنة عشْرين وسِتمِائَة فألف فِيهِ جزأ وَذكر ذَلِك أَيْضا الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ قلت وظفرت بِحَدِيث ثَان قَالَ سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه حَدثنَا أَبُو مطوية حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الْقرشِي عَن بن أبي مليكَة قَالَ أذن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مرّة فَقَالَ حَيّ على الْفَلاح وَذكر ذَلِك أَيْضا فِي الْخِتَان لِأَنَّهُ ولد مختونا وَجَوَابه أَن الْخِتَان عندنَا وَاجِب لَا سنة وَإِذا فتح بَاب وَاجِب أَمر بِهِ وَلم يجب عَلَيْهِ جَاءَ شَيْء كثير فِي الخصائص على انه ورد أَن جده عبد الْمطلب ختنه يَوْم سابعه وَمَال إِلَيْهِ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ وَضعف رِوَايَة أَنه ولد مختونا وَقيل ختنه جِبْرِيل عليه السلام عِنْد شقّ صَدره وَقد ثَبت أَنه ختن الْحسن وَالْحُسَيْن وَإِنِّي لأستحبها قَالَ الْبَاجِيّ كَذَا فِي رِوَايَة يحيى وَفِي رِوَايَة غَيره وَإِنِّي لأستحبها وَهُوَ يحب أَن يعمله قَالَ النَّوَوِيّ ضبطناه بِفَتْح الْيَاء أَي يعمله

ص: 128

[358]

عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تصلي الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَنَّهَا كَانَت تفعل ذَلِك بِخَبَر مَنْقُول عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَخَبَر أم هَانِئ وَلِهَذَا اقتصرت على هَذَا الْعدَد وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الْمِقْدَار هُوَ الَّذِي كَانَ يُمكنهَا المداومة عَلَيْهِ قَالَ وَلَيْسَ صَلَاة الضُّحَى من الصَّلَوَات المحصورة بِالْعدَدِ فَلَا يُزَاد عَلَيْهَا وَلَا ينقص مِنْهَا وَلكنهَا من الرغائب الَّتِي يفعل الْإِنْسَان مِنْهَا مَا أمكنه قلت وَهَذَا الَّذِي قَالَه هُوَ الصَّوَاب الْمُخْتَار فَلم يرد فِي شَيْء من الْأَحَادِيث مَا يدل على حصرها فِي عدد مَخْصُوص وَقد أخرج سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه عَن الْأسود أَن رجلا سَأَلَهُ كم أُصَلِّي الضُّحَى قَالَ كم شِئْت وَأخرج عَن الْحسن أَنه سُئِلَ هَل كَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يصلونَ الضُّحَى قَالَ نعم كَانَ مِنْهُم من يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَمِنْهُم من يُصَلِّي أَرْبعا وَمِنْهُم من يمد إِلَى نصف النَّهَار وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ كَانَ من أَشد الصَّحَابَة توخيا لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ يُصَلِّي عَامَّة الضُّحَى وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الله بن غَالب انه كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى مائَة رَكْعَة وَقد قَالَ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ لم أر عَن أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَنه حصرها فِي اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة وَلَا عَن أحد من أَئِمَّة الْمذَاهب كالشافعي وَأحمد وَإِنَّمَا ذكر ذَلِك الرَّوْيَانِيّ فَقَط فتابعه الرَّافِعِيّ ثمَّ النَّوَوِيّ

ص: 129

[359]

عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس بن مَالك أَن جدته مليكَة قَالَ الرَّافِعِيّ مليكَة جدة أنس أنصارية روى عَنْهَا أنس وَقَالَ بَعضهم مليكَة بِفَتْح الْمِيم وَلم يصحح وَقَالَ بن عبد الْبر قَوْله أَن جدته مليكَة تَصْغِير ملك تَقوله وَالضَّمِير فِي جدته عَائِد على إِسْحَاق وَهِي جدة إِسْحَاق أم أَبِيه عبد الله بن أبي طَلْحَة وَهِي أم سليم بنت ملْحَان زوج أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ وَهِي أم أنس بن مَالك كَانَت تَحت أَبِيه مَالك بن النَّضر فَولدت لَهُ أنس بن مَالك وَالرَّاء بن مَالك ثمَّ خلف عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَة قَالَ وَذكر عبد الرَّزَّاق هَذَا الحَدِيث عَن مَالك عَن إِسْحَاق عَن أنس أجدته مليكَة يَعْنِي جدة إِسْحَاق دعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم لطعام صَنعته وسَاق الحَدِيث بِمَعْنى مَا فِي الْمُوَطَّأ انْتهى وَقَالَ النَّوَوِيّ الصَّحِيح أَنَّهَا جدة إِسْحَاق فَتكون أم أنس لِأَن إِسْحَاق بن أخي أنس لأمه وَقيل انها جدة أنس وَهِي بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي قَالَه الْجُمْهُور من الطوائف وَعَن الْأصيلِيّ أَنَّهَا بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَهَذَا غَرِيب ضَعِيف مَرْدُود وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر الضمي رفي جدته يعود على إِسْحَاق جزم بِهِ بن عبد الْبر وَعبد الْحق وعياض وَصَححهُ النَّوَوِيّ وَجزم بن سعد وَابْن مَنْدَه وَابْن الْحصار بِأَنَّهَا جدة أنس وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَة وَمن تبعه وَكَلَام عبد الْغَنِيّ فِي الْعُمْدَة وَهُوَ ظَاهر السِّيَاق وَيُؤَيِّدهُ مَا روينَاهُ فِي فَوَائِد الْعِرَاقِيّين لأبي الشَّيْخ من طَرِيق الْقَاسِم بن يحيى الْمقدمِي عَن عبد الله بن عمر عَن إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة عَن أنس قَالَ أرسلتني جدتي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاسْمهَا مليكَة فجاءنا فَحَضَرت الصَّلَاة الحَدِيث قَالَ وَمُقْتَضى كَلَام من أعَاد الضَّمِير فِي جدته إِلَى إِسْحَاق أَن يكون اسْم أم سليم مليكَة ومستندهم فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ بن عُيَيْنَة عَن إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة عَن أنس قَالَ صففت أَنا وَيُقِيم فِي بيتنا خلف النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأمي أم سليم خلفنا هَكَذَا أخرجه البُخَارِيّ والقصة وَاحِدَة طولهَا مَالك واختصرها سُفْيَان قَالَ وَيحْتَمل تعددها فَلَا تخَالف مَا تقدم وَقد ذكر بن سعد فِي الطَّبَقَات أم أنس هِيَ أم سليم بنت ملْحَان وَقَالَ هِيَ الغميصا وَيُقَال الرميصا وَيُقَال اسْمهَا سهلة وَيُقَال أنيفة وَيُقَال رميئة وَيُقَال رميلة وَأَنَّهَا مليكَة بنت مَالك قَالَ وَكَون مليكَة جدة أنس لَا يَنْفِي كَونهَا جدة إِسْحَاق لِأَن وَالِده عبد الله أَخُو أنس لأمه فَأكل مِنْهُ قَالَ بن عبد الْبر زَاد فِيهِ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان وَعبد الله بن عون الْقَزاز ومُوسَى بن أعين عَن مَالك وأكلت مِنْهُ ثمَّ دَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ قُم فَتَوَضَّأ وَمر الْعَجُوز فلتتوضأ وَمر هَذَا الْيَتِيم فَليَتَوَضَّأ ولأصلي لكم قومُوا فلأصلي لكم بلام كي وَنصب الْيَاء أَي فقيامكم لأصلي لكم من طول مَا لبث قَالَ الرَّافِعِيّ كَأَنَّهُ يُرِيد فرش فَإِن مَا فرش فقد لبسته الأَرْض هَذَا كَمَا أَن مَا يستر بِهِ الْكَعْبَة والهودج يُسمى لباسا لَهما واليتيم قَالَ النَّوَوِيّ اسْمه ضمية بن سعد الْحِمْيَرِي والعجوز قَالَ النَّوَوِيّ هِيَ أم أنس أم سليم وَقَالَ بن حجر هِيَ مليكَة الْمَذْكُورَة أول لَطِيفَة روى السلَفِي فِي الطيوريات بِسَنَدِهِ أَن أَبَا طَلْحَة زوج أم أنس قَامَ إِلَيْهَا مرّة يضْربهَا فَقَامَ أنس ليخلصها وَقَالَ لَهُ خل عَن الْعَجُوز فَقَالَت أَتَقول الْعَجُوز عجز الله ركبتك فصلى لنا رَكْعَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظ بن حجر أورد مَالك هَا الحَدِيث فِي تَرْجَمَة صَلَاة الضُّحَى وَتعقب بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أنس أَنه لم ير النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا مرّة وَاحِدَة فِي دَار الْأنْصَارِيّ الضخم الَّذِي دَعَاهُ ليُصَلِّي فِي بَيته وَأجَاب صاب القبس بِأَن مَالِكًا نظر إِلَى الْوَقْت الَّذِي وَقعت فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاة وَهُوَ قوت صَلَاة الضُّحَى لجعله عَلَيْهِ وَإِن أنسا لم يطلع على أَنه صلى الله عليه وسلم نوى بِتِلْكَ الصَّلَاة صَلَاة الضُّحَى

[361]

عَن زيد بن أسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن أَبِيه عِنْد بن وهب عَن زيد عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعد إِذا كَانَ أحدكُم يُصَلِّي فَلَا يدع أحدا يمر بَين يَدَيْهِ روى بن أبي شيبَة عَن بن مَسْعُود أَن الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي يقطع فَصف صلَاته فَإِن أَبى فليقاتله هُوَ عندنَا على حَقِيقَته وَهُوَ أَمر ندب وَقَالَ بن الْعَرَبِيّ المُرَاد بالمقاتلة المدافعة وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ فَإِن أَبى فليجعل يَده فِي صَدره وليدفعه فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان أَي فعله فعل الشَّيْطَان أَو المُرَاد شَيْطَان ن الانس وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فَإِن مَعَه الشَّيْطَان

ص: 130

[362]

عَن بسر بن سعيد أَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أرْسلهُ إِلَى أبي جهيم قَالَ الْحَافِظ بن حجر هَكَذَا روى مَالك هَذَا الحَدِيث لم يخْتَلف عَلَيْهِ فِيهِ أَن الْمُرْسل هُوَ زيد وَإِن الْمُرْسل إِلَيْهِ هُوَ أَبُو جهيم وَهُوَ بِضَم الْجِيم وَفتح الْخَاء مُصَغرًا واسْمه عبد الله بن الْحَارِث بن الصمَّة الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ وَتَابعه سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي النَّضر عِنْد مُسلم وَابْن ماجة وَغَيرهمَا وَخَالَفَهُمَا بن عُيَيْنَة عَن أبي النَّضر فَقَالَ عَن بسر بن سعيد قَالَ أَرْسلنِي أَبُو جهيم إِلَى زيد بن خَالِد أسأله فَذكر هَذَا الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا رَوَاهُ بن عُيَيْنَة مقلوا أخرجه أبن أبي خَيْثَمَة عَن أَبِيه عَن بن عُيَيْنَة ثمَّ قَالَ بن أَي خَيْثَمَة سُئِلَ عَنهُ يحيى بن معِين فَقَالَ هُوَ خطأ إِنَّمَا هُوَ أَرْسلنِي زيد إِلَى أبي جهيم كَمَا قَالَ مَالك وَتعقب ذَلِك بن الْقطَّان فَقَالَ لَيْسَ خطأ بن عُيَيْنَة فِيهِ بمتعين لاحْتِمَال أَن يكون أَبُو جهيم بعث بسرا إِلَى زيد وَبَعثه زيد إِلَى أبي جهيم يتثبت كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا عِنْد الآخر قَالَ بن حجر تَعْلِيل الْأَئِمَّة للأحاديث مَبْنِيّ على غَلَبَة الظَّن فَإِذا قَالُوا أَخطَأ فلَان فِي كَذَا لم يتَعَيَّن خَطؤُهُ فِي نفس الْأَمر بل هُوَ رَاجِح الِاحْتِمَال فيعتمد وَلَوْلَا ذَلِك مَا اشترطوا انْتِفَاء الشاذ وَهُوَ مَا يُخَالف الثِّقَة فِيهِ من هُوَ أرجح مِنْهُ فِي حد الصَّحِيح لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي أَي أَمَامه بِالْقربِ مِنْهُ وَاخْتلف فِي ضبط ذَلِك فَقيل إِذا مر بَينه وَبَين مِقْدَار سُجُوده وَقيل بَينه وَبَينه ثَلَاثَة أَذْرع وَقيل بَينه وَبَينه قدر رمية بِحجر وَوَقع عِنْد السراج من طَرِيق الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن أبي النَّضر بَين يَدي الملي وَالْمُصَلي أَي الستْرَة مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظ بن حجر زَاد الْكشميهني من رُوَاة البُخَارِيّ من الْإِثْم وَلَيْسَت هَذِه الزايدة فِي شَيْء من الرِّوَايَات غير والْحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ بِدُونِهَا وَقَالَ بن التِّين لم يخْتَلف على مَالك فِي شَيْء مِنْهُ وَكَذَا رَوَاهُ بَاقِي السِّتَّة وَأَصْحَاب المسانيد والمستخرجات بِدُونِهَا وَلم أرها فِي شَيْء من الرِّوَايَات مُطلقًا لَكِن فِي مُصَنف بن أبي شيبَة يَعْنِي من الْإِثْم فَيحْتَمل أَن تكون ذكرت فِي أصل البُخَارِيّ حَاشِيَة فظنها الْكشميهني أصلا لِأَنَّهُ لم يكن من الْحفاظ وَقد عزاها الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي الأكام للْبُخَارِيّ وَأطلق فعيب ذَلِك عَلَيْهِ وعَلى صَاحب الْعُمْدَة فِي إبهامه أَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأنكر بن الصّلاح فِي مُشكل الْوَسِيط على من أثبتها فِي الْخَبَر فَقَالَ لفظ الْإِثْم لَيْسَ فِي الحَدِيث صَرِيحًا وَلما ذكره النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب بِدُونِهَا قَالَ فِي رِوَايَة رويناها فِي الْأَرْبَعين لعبد الْقَادِر الرهاوي مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ هَذَا الْعدَد لَهُ اعْتِبَار فِي الشَّرْع كَبِير كالثلاث والسبع وَقد أفردت فِي أعداد السَّبع جزأ وَفِي أعداد الْأَرْبَعين آخر وَفِي بن ماجة وَابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَكَانَ أَن يقف مائَة عَام خير لَهُ من الخطوة الَّتِي خطاها خيرا لَهُ بِالنّصب خبر كَانَ وَعند التِّرْمِذِيّ بِالرَّفْع على أَنه الِاسْم

ص: 131

[366]

عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود هُوَ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة قَالَ بن عبد الْبر لم يكن بعد الصَّحَابَة إِلَى يَوْمنَا هَذَا مِمَّا علمت فَقِيه أشعر مِنْهُ وَقد جمع الزبير بن بكار أشعاره فِي كتاب مُفْرد أتان بِالْمُثَنَّاةِ الْأُنْثَى من الْحمر ناهزت الِاحْتِلَام أَي قاربته يُصَلِّي للنَّاس بمنى كَذَا قَالَ مَالك وَأكْثر أَصْحَاب الزُّهْرِيّ وَلمُسلم من رِوَايَة بن عُيَيْنَة بِعَرَفَة قَالَ بن حجر وَهِي شَاذَّة وَفِيه أَن ذَلِك كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع ترتع أَي ترعى

ص: 132

[372]

عَن يحيى بن سعيد أَنه بلغه أَن أَبَا ذَر كَانَ يَقُول مسح الْحَصْبَاء مسحة وَاحِدَة وَتركهَا خير من حمر النعم قَالَ بن عبد الْبر ورد عَنهُ مَرْفُوعا أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من طَرِيق سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي الْأَحْوَص أَنه سمع أَبَا ذَر يرويهِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا قَامَ أحدكُم للصَّلَاة فَإِن الرَّحْمَة تواجهه فَلَا يمسح الْحَصْبَاء وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن بن أبي ليلى عَن أبي ذَر قَالَ سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن كل شَيْء حَتَّى سَأَلته عَن مسح الْحَصْبَاء قَالَ وَاحِدَة أودع قَالَ بن عبد الْبر حمر النعم بتسكين الْمِيم لَا غير هِيَ الْحمر من الْإِبِل وَهِي أحسن ألوانها عِنْدهم وَأخرج من طَرِيق مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار عَن أبي نَضرة عَن أبي ذَر قَالَ إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فامشوا إِلَيْهَا على هنيتكم وصلوا مَا أدركتم فَإِذا سلم الامام فاقضوا مَا بَقِي وَلَا تَمسحُوا لاتراب عَن الأَرْض إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَلِأَن أَصْبِر عَنْهَا أحب إِلَيّ من مائَة نَاقَة سَوْدَاء الحدقة وَأخرج أَحْمد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن مسح الصباء فَقَالَ وَاحِدَة وَلِأَن تمسكه عَنْهَا خير من مائَة نَاقَة كلهَا سود الحدق وَقَالَ بن جريج قلت لعطاء كَانُوا يشددون فِي الْمسْح للحصباء لموْضِع الجبين مَالا يشددون فِي مسح الْوَجْه من التُّرَاب قَالَ أجل

[375]

عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ من كَلَام النُّبُوَّة إِذا لم تستح فأفعل مَا شِئْت روى البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة من طَرِيق مَنْصُور عَن ربعي بن حِرَاش عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولى إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت قَالَ بن عبد الْبر لَفظه أَمر وَمَعْنَاهُ الْخَبَر بِأَن من لم يكن لَهُ حَيَاء يحجزه عَن محارم الله فَسَوَاء عَلَيْهِ فعل الصَّغَائِر وارتكاب الْكَبَائِر وَفِيه معنى التحذير والوعيد على قلَّة الْحيَاء وَمن هَذَا الحَدِيث أَخذ الْقَائِل إِذا لم تخش عَاقِبَة اللَّيَالِي وَلم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا تشَاء فَلَا وَالله مَا فِي الْعَيْش خير وَلَا الدُّنْيَا إِذا ذهب الْحيَاء وقِي لمعناه إِذا كَانَ الْفِعْل مِمَّا لَا يستحيا مِنْهُ شرعا فافعله وَلَا عَلَيْك من النَّاس قَالَ وَهَذَا تَأْوِيل ضَعِيف وَالْأول هُوَ الْمَعْرُوف عِنْد الْعلمَاء وَالْمَشْهُور مخرجه عِنْد الْعَرَب والفصحاء وَوضع الْيَدَيْنِ إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فِي الصَّلَاة يضع الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وتعجيل الْفطر والاستيناء بالسحور روى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِسَنَد صَحِيح عَن بن عَبَّاس معت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء أمرنَا بتعجيل فطرنا وَتَأْخِير سحورنا وَإِن نضع أَيْمَاننَا على شَمَائِلنَا فِي الصَّلَاة وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَفعه قَالَ ثَلَاث من أَخْلَاق النُّبُوَّة تَعْجِيل الْإِفْطَار وَتَأْخِير السّحُور وَوضع الْيُمْنَى على الشمَال فِي الصَّلَاة وروى بن عبد الْبر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاث من النُّبُوَّة تَعْجِيل الْإِفْطَار وَتَأْخِير السّحُور وَوضع الْيُمْنَى على الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة وروى سعيد بن مَنْصُور عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَ ثَلَاث من النُّبُوَّة فَذكرت مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة وروى الطَّبَرَانِيّ عَن يعلى بن مرّة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة يُحِبهَا الله عز وجل تَعْجِيل الْإِفْطَار وَتَأْخِير السّحُور وَضرب الْيَدَيْنِ إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى فِي الصَّلَاة

ص: 133

[376]

ينمى ذَلِك أَي يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم

[378]

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن عبد الله بن الأرقم أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق زُهَيْر عَن هِشَام بِهِ وَقَالَ روى وهيب بن خَالِد وَشُعَيْب بن إِسْحَاق وَأَبُو ضَمرَة هَذَا الحَدِيث عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن رجل حَدثهُ عَن عبد الله بن أَرقم وَالْأَكْثَر الَّذِي رووا عَن هِشَام قَالُوا كَمَا قَالَ زُهَيْر وَقَالَ بن عبد الْبر تَابع مَالِكًا عفى رِوَايَته زُهَيْر بن مُعَاوِيَة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَحَفْص بن غياث وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وشجاع بن الْوَلِيد وَحَمَّاد بن زيد وَأَبُو مُعَاوِيَة كلهم قَالُوا كَمَا قَالَ مَالك وَقَالَ الْمزي فِي الْأَطْرَاف رَوَاهُ مُحَمَّد بن بِلَال عَن عمرَان الْقطَّان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن بن عمر

[379]

وَهُوَ ضام بَين وركيه أَي من شدَّة الحقن

[380]

الْمَلَائِكَة تصلي على أحدكُم هَل المُرَاد بهم الْحفظَة أَو السيارة أَو أَعم من ذَلِك كل مُحْتَمل ذكره الْعِرَاقِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ اللَّهُمَّ أَغفر لَهُ على إِضْمَار قائلين أَو يَقُول وَهُوَ بَيَان لقَوْله تصلي اللَّهُمَّ ارحمه زَاد ابْن ماجة اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ

[381]

لَا يزَال أحدكُم فِي صَلَاة أَي حكما فِي الثَّوَاب مَا دَامَت الصَّلَاة تحبسه قَالَ الْبَاجِيّ سَوَاء انْتظر وَقتهَا أم إِقَامَتهَا فِي الْجَمَاعَة

ص: 134

[382]

أَن أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن كَانَ يَقُول من غَدا أَو رَاح إِلَى الْمَسْجِد إِلَى آخِره قَالَ بن عبد الْبر مَعْلُوم أَن هَذَا لَا يدْرك بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَاد لأه قطع على غيب من حكم الله وَأمره فِي ثَوَابه قلت وَقد ورد مَرْفُوعا أخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من دخل مَسْجِدي هَذَا ليتعلم خيرا أَو يُعلمهُ كَانَ بِمَنْزِلَة الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من غَدا إِلَى الْمَسْجِد لَا يُرِيد إِلَّا أَن يتَعَلَّم خيرا أَو يُعلمهُ كَانَ لَهُ كَأَجر حَاج أم حجَّته

[383]

عَن نعيم بن عبد الله المجمر أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول إِذا صلى أحدكُم الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ مَوْقُوف وَقد رَفعه عَن مَالك بِهَذَا الْإِسْنَاد بن وهب وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَعُثْمَان بن عمر والوليد بن مُسلم وَيحيى بن بكير فِي رِوَايَة عَنهُ وَأَشَارَ إِلَى أَن رِوَايَة بن وهب عِنْد بن الْجَارُود وَرِوَايَة الْوَلِيد وَعُثْمَان عِنْد النَّسَائِيّ فِي حَدِيث الْوَلِيد وَأسْندَ بن عبد الْبر رِوَايَة إِسْمَاعِيل إِلَّا أَنه قَالَ عَن مَالك عَن نعيم بن عبد الله عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة فَذكره مَرْفُوعا

[384]

إِلَّا أخْبركُم بِمَا يمحو الله بِهِ الْخَطَايَا قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث من أحسن مَا يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَقَالَ الْبَاجِيّ محو الْخَطَايَا كِنَايَة عَن غفرانها وَالْعَفو عَنْهَا وَقد يكون محوها من كتاب الْحفظَة دَلِيلا على عَفوه تَعَالَى عَمَّن كتبت لعيه وترفع بِهِ الدَّرَجَات قَالَ الْبَاجِيّ أَي الْمنَازل فِي الْجنَّة وَيحْتَمل أَن يُرِيد رفع دَرَجَته فِي الدُّنْيَا بِالذكر الْجَمِيل وَفِي الْآخِرَة الثَّوَاب الجزيل إسباغ الْوضُوء أَي إِتْمَامه وإكماله واستيعاب أَعْضَائِهِ بِالْمَاءِ عِنْد المكاره قَالَ الْبَاجِيّ من شدَّة برد وألم جسم وحاجة إِلَى النّوم وعجلة إِلَى أَمر مُهِمّ وَغير ذَلِك وَكَثْرَة الخطا إِلَى الْمَسَاجِد قَالَ الْبَاجِيّ وَهُوَ يكون ببعد الدَّار عَن الْمَسْجِد وَيكون بِكَثْرَة التكرر عَلَيْهِ وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة قَالَ الْبَاجِيّ هَذَا إِنَّمَا يكون فِي صَلَاتَيْنِ الْعَصْر بعد الظّهْر وَالْعشَاء بعد الْمغرب وَأما انْتِظَار الصُّبْح بعد الْعشَاء فَلم يكن من عمل النَّاس وَكَذَلِكَ انْتِظَار الظّهْر بعد الصُّبْح وَأما انْتِظَار الْمغرب بعد الْعَصْر فَلَا أذكر فِيهِ نصا قَالَ وَحكمه عِنْدِي حكم انْتِظَار الصُّبْح بعد الْعشَاء وَالظّهْر بعد الصُّبْح لِأَن الَّذِي ينْتَظر صَلَاة لَيْسَ بَينهَا وَبَين الَّتِي صلى اشْتِرَاك فِي وَقت قَالَ وَفِي ظَنِّي أَنِّي رَأَيْته رِوَايَة عَن مَالك من طَرِيق بن وهب وَلَا أذكر موضعهَا الْآن فذلكم الرِّبَاط قَالَ الْبَاجِيّ يَعْنِي منن الرِّبَاط المرغب فِيهِ لِأَنَّهُ قد ربط نَفسه على هَذَا الْعَمَل وَحبس نَفسه عَلَيْهِ قَالَ وَيحْتَمل أَن يُرِيد تَفْضِيل هَذَا الرِّبَاط على غَيره من الرِّبَاط فِي الثغور وَلذَا قَالَ فذلكم الرِّبَاط أَي إِنَّه أفضل انواعه كَمَا يُقَال جِهَاد النَّفس هُوَ الْجِهَاد أَيْن إِنَّه أفضله وَيحْتَمل أَنه يُرِيد أَنه الرِّبَاط الْمُمكن المتيسر وَقد قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ أَن ذَلِك من أَلْفَاظ الْحصْر وكرره ثَلَاثًا على معنى التَّعْظِيم لشأنه انْتهى

ص: 135

[385]

مَالك أَنه بلغه أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ يُقَال لَا يخرج من الْمَسْجِد أحد بعد النداء إِلَّا أحد يُرِيد الرُّجُوع إِلَيْهِ إِلَّا مُنَافِق قَالَ بن عبد الْبر هَذَا لَا يُقَال مثله من جِهَة الرَّأْي وَلَا يُقَال إِلَّا توقيفا قلت ورد مَرْفُوعا أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد رِجَاله رجال الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يسمع النداء فِي مَسْجِدي هَذَا ثمَّ يخرج مِنْهُ إِلَّا لحَاجَة ثمَّ لَا يرجع إِلَيْهِ إِلَّا مُنَافِق وَأخرج أَحْمد بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة أَنه رأى رجلا خرج بعد مَا أذن الْمُؤَذّن فَقَالَ أما هَذَا فقد عَصا أَبَا الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا كُنْتُم فِي الْمَسْجِد فَنُوديَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يخرج أحدكُم حتي يُصَلِّي قَالَ بن عبد الْبر قَالَ مَالك دخل أَعْرَابِي الْمَسْجِد وَأذن الْمُؤَذّن فَقَامَ يحل عقال نَاقَته ليخرج فَنَهَاهُ سعيد بن الْمسيب فَلم ينْتَه فَمَا سَارَتْ بِهِ غير يسير حَتَّى رقصت بِهِ فأصيب فِي جسده فَقَالَ سعيد قد بلغنَا أَنه خرج من بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة لغير الْوضُوء أَنه يصاب وَقَالَ الْبَاجِيّ قَوْله إِلَّا مُنَافِق يُرِيد أَن ذَلِك من أَفعَال الْمُنَافِقين

[386]

إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل ان يجلس هُوَ أَمر ندب بالاجماع سوى أهل الظَّاهِر فَقَالُوا بِالْوُجُوب

ص: 136

[390]

ذهب إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف أَي بن مَالك بن الْأَوْس أحد قبيلتي الْأَنْصَار وَبَنُو عمر بطن مِنْهُم وَكَانَت مَنَازِله بقباء ليصلح بَينهم زَاد النَّسَائِيّ فِي كَلَام وَقع بَينهم وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ أَنه خرج بعد صَلَاة الظّهْر فِي أنَاس من أَصْحَابه وسمى الطَّبَرَانِيّ مِنْهُم أبي بن كَعْب وَسَهل بن بَيْضَاء وحانت الصَّلَاة للْبُخَارِيّ صَلَاة الْعَصْر فجَاء الْمُؤَذّن إِلَى آخِره لِأَحْمَد وَأبي دَاوُد وَابْن حبَان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِبلَال إِن حضرت الْعَصْر وَلم آتِك فَمر أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَلَمَّا حضرت الْعَصْر أذن بِلَال ثمَّ أَتَى أَبَا بكر الحَدِيث قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَأما قَوْله أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فأقيم فانما استفهمه هَل يُبَادر أول الْوَقْت أَو ينْتَظر قَلِيلا ليَأْتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَرجح عِنْد أبي بكر الْمُبَادرَة لِأَنَّهَا فَضِيلَة متحققة فَلَا ترك لفضيلة متوهمة وَقَوله فأقيم بِالنّصب قَالَ نعم زَاد البُخَارِيّ فِي رِوَايَة إِن شِئْت قَالَ بن حجر وَإِنَّمَا فوض لَهُ لاحتما ل أَن يكون عِنْده زِيَادَة علم من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِك فجَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالنَّاس فِي الصَّلَاة أَي عقب مَا كبر أَبُو كبر للافتتاح كَمَا فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَبِهَذَا يُجَاب عَن الْفرق بَين المقامين حَيْثُ امْتنع أَبُو بكر هُنَا أَن يسْتَمر إِمَامًا وَحَيْثُ اسْتمرّ فِي مرض مَوته صلى الله عليه وسلم حِين صلى خَلفه الرَّكْعَة الثَّانِيَة من الصُّبْح كَمَا صرح بِهِ مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي فَكَأَنَّهُ لما أَن مضى مُعظم الصَّلَاة حسن الِاسْتِمْرَار وَلما لم يمض مِنْهَا إِلَّا الْيَسِير لم يسْتَمر وَكَذَا وَقع لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف حَيْثُ صلى خَلفه الرَّكْعَة الثَّانِيَة من الصُّبْح فَإِنَّهُ اسْتمرّ فِي صلَاته إِمَامًا لهَذَا الْمَعْنى فتخلص حَتَّى وقف فِي الصَّفّ قَالَ الْمُهلب لَا تعَارض بَين هَذَا وَبِي النَّهْي عَن التخطي لآن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي أَمر الصَّلَاة وَلَا غَيرهَا لِأَن لَهُ أَن يتَقَدَّم بِسَبَب مَا ينزل عَلَيْهِ من الْأَحْكَام من نابه أَي أَصَابَهُ الْتفت إِلَيْهِ بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول وَإِنَّمَا التصفيح أَي التصفيق للنِّسَاء زَاد النَّسَائِيّ وَالتَّسْبِيح للرِّجَال

[395]

اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته قَالَ الْبَاجِيّ ذُريَّته من كَانَت عَلَيْهِ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ولادَة من وَلَده وَولد وَلَده كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم قَالَ بن عبد الْبر آل إِبْرَاهِيم يدْخل فِيهِ إِبْرَاهِيم وَآل مُحَمَّد يدْخل فِيهِ مُحَمَّد وَمن هُنَا جَاءَت الْآثَار فِي هَذَا الْبَاب مرّة بإبراهيم وَمرَّة بآل إِبْرَاهِيم وَرُبمَا جَاءَ ذَلِك فِي حَدِيث وَاحِد وَمَعْلُوم أَن قَوْله تَعَالَى أدخلُوا آل فوعون أَشد الْعَذَاب أَن فوعون دَاخل مَعَهم وَبَارك على مُحَمَّد قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعلمَاء معنى الْبركَة هُنَا الزِّيَادَة من الْخَيْر والكرامة وَقيل هِيَ بِمَعْنى التطيهر والتزكية

ص: 138

[396]

أمرنَا الله ان نصلي عَلَيْك أَي لقَوْله تَعَالَى صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فَكيف نصلي عَلَيْك أَي كَيفَ نلفظ بِالصَّلَاةِ زَاد الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك فِي صَلَاتنَا حَتَّى تمنينا أَنه لم يسْأَله أَي كرهنا سُؤَاله مَخَافَة أَن يكون كرهه وشق عَلَيْهِ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد الحَدِيث قيل مَا وَجه تَشْبِيه الصَّلَاة عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم والقاعد أَن الْمُشبه بِهِ أفضل من الْمُشبه وَهُوَ صلى الله عليه وسلم أفضل الْأَنْبِيَاء وَأجِيب بأجوبة أَحدهَا قَالَ النَّوَوِيّ وَحَكَاهُ بعض أَصْحَابنَا عَن الشَّافِعِي أَن مَعْنَاهُ صل على مُحَمَّد وَتمّ الْكَلَام هُنَا ثمَّ اسْتَأْنف وعَلى آل مُحَمَّد أَي وصل على آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم فالمسئول لَهُ مثل إِبْرَاهِيم وَآله هم آل مُحَمَّد لَا نَفسه الثَّانِي مَعْنَاهُ اجْعَل لمُحَمد وَآله صلا مِنْك كَمَا جَعلتهَا لإِبْرَاهِيم وَآله فالمسئول الْمُشَاركَة فِي أصل الصَّلَاة لَا قدرهَا الثَّالِث أَنه على ظَاهره وَالْمرَاد اجْعَل لمُحَمد وَآله صَلَاة بِمِقْدَار الصَّلَاة الَّتِي لإِبْرَاهِيم وَآله والمسئول مُقَابلَة الْجُمْلَة بِالْجُمْلَةِ فَإِن الْمُخْتَار فِي الْآل أَنهم جَمِيع الِاتِّبَاع وَيدخل فِي آل إِبْرَاهِيم خلائق لَا يُحصونَ من الْأَنْبِيَاء وَلَا يدْخل فِي آل مُحَمَّد نَبِي فَطلب الحاق هَذِه الْجُمْلَة الَّتِي فِيهَا نَبِي وَاحِد بِتِلْكَ الْجُمْلَة الَّتِي فِيهَا خلائق من الْأَنْبِيَاء قَالَ النَّوَوِيّ هَذِه الْأَقْوَال الثَّلَاثَة هِيَ المختارة من جَمِيع مَا قيل فِي ذَلِك وَقَالَ القَاضِي عِيَاض أظهر الْأَقْوَال أَنه سَأَلَ ذَلِك لنَفسِهِ وَلأَهل بَيته ليتم النِّعْمَة عَلَيْهِم كَمَا أتمهَا على إِبْرَاهِيم وَآله وَقيل بل سَأَلَ ذَلِك لأمته وَقيل بل ليبقى ذَلِك لَهُ دَائِما إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيجْعَل لَهُ بِهِ لِسَان صدق فِي الآخرين كإبراهيم وَقيل كَانَ ذَلِك قبل أَن يعلم أَنه أفضل من إِبْرَاهِيم وَقيل سَأَلَ صَلَاة يَتَّخِذهُ بهَا خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم أَي فِي التَّشَهُّد وَهُوَ قَوْلهم السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته قَالَ النَّوَوِيّ وعلمتم بِفَتْح الْعين وَكسر اللَّام المخففة وَمِنْهُم من رَوَاهُ بِضَم الْعين وَتَشْديد اللَّام أَي علمتكموه وَكِلَاهُمَا صَحِيح

[398]

كَانَ يُصَلِّي قبل الظّهْر الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا رَوَاهُ يحيى لم يقل فِي بَيته إِلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب فَقَط وتابعة القعْنبِي على ذَلِك وَقَالَ بن بكير فِي هَذَا الحَدِيث فِي بَيته فِي موضِعين أَحدهمَا فِي رَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَالْآخر فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة وَابْن وهب يَقُول فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد المغر وَبعد الْعشَاء فِي بَيته وَذكر انْصِرَافه فِي الْجُمُعَة وَتَابعه على هَذَا جمَاعَة من رُوَاة مَالك

[399]

إِنِّي لأَرَاكُمْ من وَرَاء ظَهْري قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعلمَاء مَعْنَاهُ أَن الله تَعَالَى خلق لَهُ إدراكا فِي قَفاهُ يبصر بِهِ من وَرَائه وَقد انخرقت الْعَادة لَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَكْثَرَ من هَذَا قَالَ الْحِفْظ بن حجر قيل كَانَت لَهُ عين خلف ظَهره يرى بهَا دَائِما وَقيل كَانَ بَين كَتفيهِ عينان كسم الْخياط يبصر بهما لَا يحجبهما ثوب وَلَا يغره وَقيل كَانَ يبصر من وَرَائه بعيني وَجهه خرقا للْعَادَة أَيْضا فَكَانَ يرى بهما من غير مُقَابلَة لِأَن الْحق عِنْد أهل السّنة أَن الرُّؤْيَة لَا يشْتَرط لَهَا الْمُقَابلَة وَلِهَذَا حكمُوا بِجَوَاز رُؤْيَة الله تَعَالَى فِي الْآخِرَة وَقيل بل كَانَت صورهم تنطبع فِي حَائِط قبلته كَمَا تنطبع فِي الْمرْآة فَيرى أمثلتهم فِيهَا ويشاهد أفعالهم

[400]

مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِي قبَاء رَاكِبًا وماشيا قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا قَالَ يحيى مَالك عَن نَافِع وَقَالَ جلّ رُوَاة الْمُوَطَّأ مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن بن عمر والْحَدِيث صَحِيح لمَالِك عَنْهُمَا جَمِيعًا قَالَ وَاخْتلف فِي سَبَب اتيانه فَقيل لزيارة الْأَنْصَار وَقيل للتفرج فِي غيطانها وَقيل للصَّلَاة فِي مَسْجِدهَا تبركا بِهِ وَهُوَ الْأَشْبَه

ص: 139

[401]

عَن يحيى بَين سعيد عَن النُّعْمَان بن مرّة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا ترَوْنَ فِي الشَّارِب الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر لم تخْتَلف الروَاة عَن مَالك فِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث عَن النُّعْمَان بن مرّة وَهُوَ حَدِيث صَحِيح مُسْند من ودوه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد قلت روى أَحْمد بِسَنَد صَحِيح عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أَسْوَأ النَّاس سَرقَة الَّذِي يسرق صلَاته قَالُوا يَا رَسُول الله وَكَيف يسرقها قَالَ لَا يتم ركوعها وَلَا سجودها وروى الطَّبَرَانِيّ مثله من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعبد الله بن مُغفل وَأبي قَتَادَة قَالَ الْبَاجِيّ قصد صلى الله عليه وسلم أَن يعلمهُمْ أَن الاخلال بإتمام الرُّكُوع وَالسُّجُود كَبِيرَة وَأَنه أَسْوَأ مِمَّا تقرر عِنْدهم أَنه فَاحِشَة وَإِنَّمَا خص الرُّكُوع وَالسُّجُود لِأَن الاخلال فِي الغلب إِنَّمَا يَقع بهما وَسَماهُ سَرقَة على معنى أه خِيَانَة فِيمَا اؤتمن على أَدَائِهِ

[402]

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اجعلوا من صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث مُرْسل فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جَمِيعهم وَقد أسْندهُ نَافِع عَن بن عمر قلت أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد من طَرِيق يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن بن عمر مَرْفُوعا اجعلوا فِي بُيُوتكُمْ من صَلَاتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا قَالَ بن عبد الْبر اخْتلف فِي معنى هَذَا الحَدِيث فَقيل أَرَادَ بقوله من صَلَاتكُمْ النَّافِلَة وَقيل الْمَكْتُوبَة لما فِيهِ من تَعْلِيم الْأَهْل حُدُود الصَّلَاة مُعَاينَة وَهُوَ أثبت من التَّعْلِيم بالْقَوْل وَمن على الأول زَائِدَة وعَلى الثَّانِي تبعيضية

ص: 140

[408]

هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن رجل من الْمُهَاجِرين لم ير بِهِ بَأْسا أَنه سَأَلَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أأصلي فِي عطن الْإِبِل فَقَالَ عبد الله لَا وَلَكِن صل فِي مراح الْغنم قَالَ بن عبد الْبر مثل هَذَا ن الْفرق بَين الْغنم والابل لَا يدْرك بِالرَّأْيِ وَالنَّظَر وَقد روى هَذَا الحَدِيث يُونُس بن بكير عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ صلوا فِي مراح الْغنم وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل وَورد من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة قَالَ وَأَصَح مَا قبل فِي الْفرق أَن الْإِبِل لَا تكَاد تهدأ وَلَا تقر فِي العطن بل تثور فَرُبمَا تقطع صَلَاة الْمُصَلِّي وَجَاء فِي الحَدِيث أَنَّهَا خلقت من جن قَالَ الْبَاجِيّ عطن الْإِبِل مباركها عِنْد المَاء ومراح الْغنم مجتمعها من آخر النَّهَار

[410]

وَهُوَ حَامِل أُمَامَة زَاد مُسلم على عَاتِقه قَالَ بن حجر وَالْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات تَنْوِين حَامِل وَنصب أُمَامَة وروى بِالْإِضَافَة وأمامة بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الميمين كَانَت صَغِيرَة على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَتَزَوجهَا على بعد وَفَاة فَاطِمَة بِوَصِيَّة مِنْهَا وَلم تعقب وَلأبي العاصى هُوَ وَالِد أُمَامَة قَالَ الْكرْمَانِي الْإِضَافَة فِي قَوْله بنت زَيْنَب بِمَعْنى اللَّام فاظهر فِي الْمَعْطُوف وَهُوَ قَوْله لأبي العاصى مَا هُوَ مُقَدّر فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بن ربيعَة بن عبد شمس قَالَ بن حجر كَذَا رَوَاهُ الجهمي عَن مَالك وَرَوَاهُ يحيى بن بكير ومعن بن عِيسَى وَأَبُو مُصعب وَغَيرهم عَن مَالك فَقَالُوا بن الرّبيع وَهُوَ الصَّوَاب وَادّعى الْأصيلِيّ أَنه بن الرّبيع بن ربيعَة فنسبه مَالك رمة إِلَى جده ورده عِيَاض والقرطبي وَغَيرهمَا لاطباق النسابين على خِلَافه نعم قد نسبه مَالك إِلَى جده فِي قَوْله بن عبد شمس وَإِنَّمَا هُوَ بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس أطبق على ذل النسابون أَيْضا وَاسم أبي العَاصِي لَقِيط وَقيل مقسم وَقيل الْقَاسِم وَقيل مهشم وَقيل هشيم وَهُوَ مَشْهُور بكنيته أسلم قبل الْفَتْح وَهَاجَر ورد عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ابْنَته زَيْنَب وَمَاتَتْ مَعَه وَمَات هُوَ فِي خلَافَة أبي بكر فَإِذا سجد وَضعهَا لمُسلم فَإِذا ركع وَلأبي دَاوُد حَتَّى إِذا أَرَادَ أَن يرْكَع أَخذهَا فوضعها ثمَّ ركع وَسجد حَتَّى إِذا فرغ من سُجُوده وَقَامَ أَخذهَا فَردهَا فِي مَكَانهَا قَالَ النَّوَوِيّ ادّعى بعض الْمَالِكِيَّة أَن هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ وَبَعْضهمْ أَنه من الخصائص وَبَعْضهمْ أَنه كَانَ لضَرُورَة وكل ذَلِك مَرْدُود لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يُخَالف قَوَاعِد الشَّرْع

ص: 141

[411]

يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة أَي يَأْتِي طَائِفَة عق بطَائفَة أُخْرَى ثمَّ تعود الأولى عقب الثَّانِيَة وَإِنَّمَا يكون التَّعَاقُب بَين طائفتين أَو رجلَيْنِ مرّة مرّة وتوارد جمَاعَة من شرَّاح الحَدِيث وَمَعَهُمْ بن مَالك على أَن الحَدِيث جَاءَ على لُغَة أكلوني البراغيث وَالْحق مَا قَالَه جمَاعَة آخَرُونَ مِنْهُم أَبُو حَيَّان أَن الحَدِيث تصرف فِيهِ الرَّاوِي فقد رَوَاهُ البُخَارِيّ بِلَفْظ الْمَلَائِكَة يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ وَالنَّسَائِيّ بِلَفْظ ان الْمَلَائِكَة يتعاقبون فِيكُم وَالْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة بِلَفْظ أَن لله مَلَائِكَة يتعقبون وَنقل القَاضِي عِيَاض عَن الْجُمْهُور أَن هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة هم الْحفظَة وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ الْأَظْهر عِنْدِي أَنهم غَيرهم قَالَ بن حجر ويقويه أَنه لم ينْقل أَن الْحفظَة يفارقون الْإِنْسَان وَلَا أَن حفظَة اللَّيْل غير حفظَة النَّهَار قلت بل نقل ذَلِك أخرج بن أبي زمنين فِي كتاب السّنة بِسَنَدِهِ عَن الْحسن قَالَ الْحفظَة أَرْبَعَة يتعقبونه ملكان بِاللَّيْلِ وملكان بِالنَّهَارِ تَجْتَمِع هَذِه الاملاك الْأَرْبَعَة عِنْد صَلَاة الْفجْر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً وَأخرج أَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي كتاب العظمة عَن بن الْمُبَارك قَالَ وكل بِهِ خَمْسَة أَمْلَاك ملكان بِاللَّيْلِ وملكان بِالنَّهَارِ يجيئان ويذهبان وَملك خَامِس لَا يُفَارِقهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَأخرج أَبُو نعيم فِي كتاب الصَّلَاة عَن الْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ قَالَ يلتقي الحارسان عِنْد صَلَاة الصُّبْح فَيسلم بَعضهم على بعض فتصعد مَلَائِكَة اللَّيْل وتكتب مَلَائِكَة النَّهَار ثمَّ يعرج الَّذين باتوا فِيكُم فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ الَّذين كَانُوا وَهِي أوضح لشمولها لمن كَانَ فِي اللَّيْل وَمن كَانَ فِي النَّهَار كَيفَ تركْتُم عبَادي قَالَ بن أبي جَمْرَة وَقع السُّؤَال عَن آخر الْأَعْمَال لِأَن الْأَعْمَال بخواتيمها وأتيناهم وهم يصلونَ زَاد بن خُزَيْمَة فَاغْفِر لَهُم يَوْم الدّين

[412]

انكن لأنتن صَوَاحِب يُوسُف قَالَ الْبَاجِيّ أَرَادَ أَنَّهُنَّ قد دعون إِلَى غير صَوَاب كَمَا دعين فهن من جنسهن وَقد زَاد الدَّوْرَقِي مُسْنده أَن أَبَا بكر هُوَ الَّذِي أَمر عَائِشَة أَن تُشِير على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِأَن يَأْمر عمر بِالصَّلَاةِ

ص: 142

[413]

عَن بن شهَاب عَن عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا رَوَاهُ سَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ مُرْسلا وَعبيد الله لم يدْرك النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا روح بن عبَادَة فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن مَالك مُتَّصِلا مُسْندًا ثمَّ أخرجه من طَرِيقه فَقَالَ عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار عَن رجل من الْأَنْصَار قَالَ وَرَوَاهُ اللَّيْث بن سعد وَابْن أخي الزُّهْرِيّ عَن الزُّهْرِيّ مثل رِوَايَة روح عَن مَالك سَوَاء وَرَوَاهُ صَالح بن كيسَان وَأَبُو أويس عَن بن شهَاب عَن عَطاء بن يزِيد عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار أَن نَفرا من الْأَنْصَار حدثوه وَرَوَاهُ معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء عَن عبيد الله بن عدي عَن عبد الله بن عدي الْأنْصَارِيّ وسَاق الحَدِيث فَسمى الرجل الْمُبْهم ثمَّ أسْند هَذِه الطّرق كلهَا إِذْ جَاءَهُ رجل فساره قَالَ الْبَاجِيّ وَابْن عبد الْبر هُوَ عتْبَان بن مَالك فِي قتل رجل قَالَ هُوَ مَالك بن الدخشم أُولَئِكَ الَّذين نهاني الله عَنْهُم قَالَ الْبَاجِيّ يَعْنِي نَهَاهُ عَن قَتلهمْ لِمَعْنى الْإِيمَان وَإِن جَازَ أَن يلْزمهُم الْقَتْل بعد ذَلِك بِمَا يلْزم سَائِر الْمُسلمين من الْقصاص وَالْحُدُود

[414]

عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء بن يسَار أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ لَا تجْعَل قَبْرِي وثنا يعبد قَالَ بن عبد الْبر لَا خلاف عَن مَالك فِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث وَهُوَ حَدِيث غَرِيب لَا يكا د يُوجد قَالَ وَزعم الْبَزَّار أَن مَالِكًا لم يُتَابِعه أحد على هَذَا الحَدِيث إِلَّا عمر بن مُحَمَّد عَن زيد بن أسلم وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من وَجه من الْوُجُوه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه لَا إِسْنَاد لَهُ غَيره إِلَّا أَن عمر بن مُحَمَّد أسْندهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعمر بن مُحَمَّد ثِقَة روى عَنهُ الثَّوْريّ وَجَمَاعَة قَالَ وَأما قَوْله اشْتَدَّ غضب الله على قوم اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد فَإِنَّهُ مَحْفُوظ من طرق كَثِيرَة صِحَاح هَذَا كَلَام الْبَزَّار قَالَ بن عبد الْبر مَالك عِنْد جمعهم حجَّة فِيمَا نقل وَقد أسْند حَدِيثه هَذَا عمر بن مُحَمَّد وَهُوَ من ثِقَات أَشْرَاف أهل الْمَدِينَة روى عَنهُ مَالك بن أنس وَالثَّوْري وسليم بن بِلَال وَهُوَ عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب فَهَذَا الحَدِيث صَحِيح عِنْد من قَالَ بمراسيل الثِّقَات وَعند من قَالَ بالمسند لاسناد عمر بن مُحَمَّد لَهُ وَهُوَ مِمَّن تقبل زِيَادَته ثمَّ أسْندهُ من كتاب الْبَزَّار من طَرِيق عمر بن مُحَمَّد عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا بِلَفْظ الْمُوَطَّأ سَوَاء وَمن كتاب الْعقيلِيّ من طَرِيق سُفْيَان عَن حَمْزَة بن الْمُغيرَة عَن سهل بن صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ لَا تجْعَل قَبْرِي وثنا لعن الله قوما اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد قَالَ بن عبد الْبر قيل مَعْنَاهُ النَّهْي عَن السُّجُود على قُبُور الْأَنْبِيَاء وَقيل النَّهْي عَن اتخاذها قبْلَة يصلى إِلَيْهَا

[415]

عَن بن شهَاب عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ بن عبد الْبر كَذَا قَالَ يحيى وَهُوَ غلط بَين إِنَّمَا هُوَ عَن مَحْمُود بن الرّبيع لَا يحفظ إِلَّا لَهُ وَلم يروه أحد من أَصْحَاب مَالك وَلَا من أَصْحَاب بن شهَاب إِلَّا عَن مَحْمُود بن الرّبيع عتْبَان بِكَسْر الْعين

ص: 143

[416]

عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه هُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيا فِي الْمَسْجِد وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى قَالَ الْخطابِيّ فِيهِ أَن النَّهْي الْوَارِد عَن ذَلِك مَنْسُوخ أَو مَخْصُوص بِمَا إِذا خيف أَن تبدو الْعَوْرَة زَاد الْبَاجِيّ وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا من خَصَائِصه إِلَّا أَن فعل عمر وَعُثْمَان يدل على أَنه عَام

[417]

قَلِيل قراؤه أَي الخلون من معرفَة مَعَانِيه وَالْفِقْه فِيهِ وتضيع حُرُوفه أَي المحافظين على حُدُوده أَكثر من المحافظين على التَّوَسُّع فِي معرفَة أَنْوَاع الْقرَاءَات قَلِيل من يسْأَل أَي لِكَثْرَة المتفقهين كَثِيرَة من يُعْطي أَي المتصدقون يطيلون فِيهِ الصَّلَاة ويقصرون الْخطْبَة أَي يعْملُونَ بِالسنةِ يبدون أَعْمَالهم قبل أهوائهم قَالَ الْبَاجِيّ أَي إِذا عرض لَهُم عمل بر وَهوى بدؤا بِعَمَل الْبر وقدموه على مَا يهوون

[418]

عَن يحيى بن سعيد أَنه قَالَ بَلغنِي أَن أول مَا ينظر فِيهِ من عمل العَبْد اصلاة فَإِن قبلت مِنْهُ نظر فِيمَا بَقِي من عمله وَإِن لم تقبل مِنْهُ لم ينظر فِي شَيْء من عمله وَردت أَحَادِيث مَرْفُوعَة بِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنى وأقربها غلى لَفظه مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة الصَّلَاة فَإِن صلحت صلح لَهُ سَائِر عمله وَإِن فَسدتْ فسد سَائِر عمله وَأخرج عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أول مَا يسْأَل عَنهُ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة ينظر فِي صلَاته فَإِن صلحت فقد أَفْلح وَإِن فَسدتْ فقد خَابَ وخسر

ص: 144

[420]

مَالك أَنه بلغه عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر لَا تحفظ قصَّة الْأَخَوَيْنِ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص إِلَّا فِي مُرْسل مَالك هَذَا قَالَ وَقد أنكرهُ الْبَزَّار وَقطع بِأَنَّهُ لَا يُوجد من حَدِيث سعد أَلْبَتَّة وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يُنكره لِأَن مَرَاسِيل مَالك أُصُولهَا صِحَاح كلهَا وَجَائِز أَن يرْوى هَذَا الحَدِيث سعد وَغَيره وَقد رَوَاهُ بن وهب عَن مخرمَة بن بكير عَن أَبِيه عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه مثل حَدِيث مَالك سَوَاء وأظن مَالِكًا أَخذه من كتب بكير بن الْأَشَج أَو أخبرهُ بِهِ عَنهُ مخرمَة ابْنه فَإِن بن وهب انْفَرد بِهِ لم يروه أحد غَيره فِيمَا قَالَ جمَاعَة من أهل الحَدِيث وَتحفظ قصَّة الْأَخَوَيْنِ من حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله وَأبي هُرَيْرَة وَعبيد بن خَالِد انْتهى غمر هُوَ الْكثير المَاء يبْقى قَالَ بن عبد الْبر بِالْبَاء لَا بالنُّون من درنه أَي وسخه

[423]

دوى صَوته بِفَتْح الذَّال وَكسر الْوَاو وَتَشْديد الْيَاء وَهُوَ صَوت مُرْتَفع متكرر لَا يفهم فَإِذا هُوَ يسْأَل عَن الْإِسْلَام زَاد البُخَارِيّ فِي رِوَايَة فَأخْبرهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بشرائع الْإِسْلَام فَقَالَ أَخْبرنِي مذا فرض الله عَليّ من الصَّلَاة فَقَالَ الصَّلَوَات الْخمس قَالَ هَل عَليّ غَيْرهنَّ قَالَ لَا إِلَّا أَن تطوع بتَشْديد الطَّاء وَالْوَاو وَأَصله تتطوع بتاءين فأدغمت إِحْدَاهمَا وَاخْتلف فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء هَل هُوَ مُتَّصِل أم مُنْقَطع فعلى الأول يجب إتْمَام التَّطَوُّع بِالشُّرُوعِ فِيهِ وعَلى الثَّانِي لَا أَفْلح الرجل إِن صدق قيل فلاحه إِذا لم ينقص وَاضح وَأما إِذا لم يزدْ فَمَا وَجهه وَأجَاب النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ أثبت لَهُ الْفَلاح لِأَنَّهُ أُتِي بِمَا عَلَيْهِ وَقيس فِيهِ أَنه إِذا أَتَى بزائد على ذَلِك لَا يكون مفلحا لِأَنَّهُ إِذا أَفْلح بالوجب فَقَط فبالمندوب مَعَه أولى

ص: 145

[424]

يعْقد الشَّيْطَان على قافية رَأس أحدكُم قَالَ الْبَاجِيّ القافية مُؤخر الرَّأْس وَقَالَ صَاحب الْعَيْنِيّ هِيَ الْقَفَا وَقيل هِيَ وسط الرَّأْس وَبَدَأَ بِهِ بن رَشِيق إِذا هُوَ نَام قَالَ الْحَافِظ بن حجر يحْتَمل أَن يكون على عُمُومه وَإِن يخص بِمن نَام قبل صَلَاة الْعشَاء وَإِن يخص مِنْهُ من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ عِنْد نَومه فقد ثَبت أَنه يحفظ من الشَّيْطَان ثَلَاث عقد الْأَرْجَح أَنه على حَقِيقَته وَأَنه كَمَا يعْقد السَّاحر من يسحره فَيَأْخُذ خيطا يعْقد مِنْهُ عقدَة وَيتَكَلَّم فِيهِ بِالسحرِ فيتأثر المسحور عِنْد ذَلِك وَلابْن ماجة جعل فِيهِ ثَلَاث عقد يضْرب أَي بِيَدِهِ على الْعقْدَة تَأْكِيدًا وإحكاما لَهَا قَائِلا عَلَيْك ليل طَوِيل

[425]

سمع غير وَاحِد من عُلَمَائهمْ إِلَى آخِره قَالَ الْبَاجِيّ هَذَا وَإِن لم يسْندهُ مَالك إِلَّا أَنه يجْرِي عِنْده مجْرى الْمُتَوَاتر وَهُوَ أقوى من الْمسند

ص: 146

[429]

عَن أبي عبيد مولى بن أَزْهَر اسْم أبي عبيد سعد بن عبيد وَابْن أَزْهَر عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر بن عَوْف بن أخي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف شهِدت الْعِيد مَعَ عمر بن الْخطاب فصلى زَاد عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قبل أَن يخْطب بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة ثمَّ انْصَرف فَخَطب زَاد عبد الرَّزَّاق فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى أَن تَأْكُلُوا نسككم بعد ثَلَاث فَلَا تأكلوه بعْدهَا قَالَ بن عبد الْبر أَظن مَالِكًا إِنَّمَا حذف هَذَا لِأَنَّهُ مَنْسُوخ

ص: 147

[433]

عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَن عمر بن الْخطاب سَأَلَ أَبَا وَاقد إِلَى آخِره قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم هَذِه الرِّوَايَة مُرْسلَة لِأَن عبيد الله لم يدْرك عمر وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن عبيد الله عَن أبي وَاقد قَالَ سَأَلَني عمر وَهَذِه مُتَّصِلَة فَإِنَّهُ أدْرك أَبَا وَاقد بِلَا شكّ وسَمعه بِلَا خلاف قَالُوا وَأما سُؤال عمر أَبَا وَاقد فَيحْتَمل أَنه شكّ فِي ذَلِك فاستثبته أَو أَرَادَ إِعْلَام النَّاس بذلك أَو نَحْو هَذَا من الْمَقَاصِد قَالُوا وَيبعد أَن عمر لم يعلم ذَلِك مَعَ شُهُوده صَلَاة الْعِيد مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّات وقربه مِنْهُ

[440]

ذَات الرّقاع هِيَ غَزْوَة مَعْرُوفَة قَالَ الْبَاجِيّ كَانَت سنة خمس من الْهِجْرَة وَبهَا نزلت صَلَاة الْخَوْف فِيمَا ذكره بن الْمَاجشون وَسميت بذلك لأَنهم مَشوا على أَقْدَامهم فنقبت فشدوها بالخرق والرقاع وَقيل لأَنهم رقعوا راياتهم فِيهَا وَقيل كَانَت أَرضًا ذَات ألوان وَقيل ذَات الرّقاع شَجَرَة نزلُوا تحتهَا وَقيل الرّقاع جبل هُنَاكَ فِيهِ بَيَاض وَحُمرَة وَسَوَاد وجاه بِكَسْر الْوَاو وَضمّهَا أَي مُقَابل

ص: 148

[441]

أَن سهل بن أبي حثْمَة الْأنْصَارِيّ حَدثهُ قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف على سهل فِي الْمُوَطَّأ عِنْد جمَاعَة الروَاة عَن مَالك وَمثله لَا يُقَال من جِهَة الرَّأْي وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا مُسْندًا بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن صَالح بن حوات عَن سهل بن أبي حثْمَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه وَعبد الرَّحْمَن أسن من يحيى بن سعيد وَأجل رَوَاهُ شُعْبَة عَن عبد الرَّحْمَن كَذَلِك

[442]

قَالَ نَافِع لَا أرى عبد الله بن عمر حَدثهُ إِلَّا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا روى مَالك هَذَا الحَدِيث عَن نَافِع على الشَّك فِي رَفعه وَرَوَاهُ عَن نَافِع جمَاعَة وَلم يشكوا فِي رَفعه مِنْهُم بن أبي ذِئْب ومُوسَى بن عقبَة وَأَيوب بن مُوسَى وَكَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن بن عمر مَرْفُوعا وَرَوَاهُ خَالِد بن معدان عَن بن عمر مَرْفُوعا

ص: 149

[443]

عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ مَا صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الظّهْر وَالْعصر يَوْم الخَنْدَق حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس قَالَ بن عبد الْبر هَذَا السَّنَد من حَدِيث بن مَسْعُود وَأبي سعيد وَجَابِر وَذكر الْبَاجِيّ أَن ذَلِك لشغل بِالْقِتَالِ وَأَنه نسخ بِصَلَاة الْخَوْف وَكَانَت غَزْوَة الخَنْدَق فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس

[444]

إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعلمَاء الْحِكْمَة فِي هَذَا الْكَلَام أَن بعض الْجَاهِلِيَّة الضلال كَانُوا يعظمون الشَّمْس وَالْقَمَر فَبين أَنَّهُمَا آيتان مخلوقتان لله تَعَالَى لَا صنع لَهما بل هما كَسَائِر الْمَخْلُوقَات يطْرَأ عَلَيْهِمَا النَّقْص والتغيير كغيرهما لَا يخسفان بِفَتْح أَوله لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ قَالَ النَّوَوِيّ كَانَ بعض الضلال من المنجمين وَغَيرهم يَقُول لَا يخسفان إِلَّا لمَوْت عَظِيم أَو نَحْو ذَلِك فَبين أَن هَذَا بَاطِل لِئَلَّا يغتر بأقوالهم لَا سِيمَا وَقد صَادف موت إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا من أحد أغير من الله قَالَ النَّوَوِيّ قَالُوا مَعْنَاهُ لَيْسَ أحد أمنع من الْمعاصِي من الله تَعَالَى وَلَا أَشد كَرَاهَة لَهَا مِنْهُ سبحانه وتعالى يَا أمة مُحَمَّد قَالَ الْبَاجِيّ ناداهم بذلك على معنى إِظْهَار الاشفاق عَلَيْهِم والرأفة بهم كَمَا يَقُول الرجل لِابْنِهِ يَا بني لَو تعلمُونَ مَا أعلم أَيمن عَظِيم قدرَة الله وَشدَّة انتقامه

ص: 150

[445]

تكعكعت أَي تَأَخَّرت إِنِّي رَأَيْت الْجنَّة هِيَ رُؤْيَة عين على حَقِيقَتهَا قَالَ الشَّيْخ تَاج الدّين بن عَطاء الله الْأَنْبِيَاء يطالعون بحقائق الْأَشْيَاء والأولياء يطالعون بمثالها قَالَ ويكفرن العشير هُوَ الزَّوْج قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ يحيى ويكفرن بِالْوَاو وَلم يرو ذَلِك من رُوَاة الْمُوَطَّأ غَيره وَالْمَحْفُوظ عَن مَالك من رِوَايَة سَائِر الروَاة بِغَيْر وَاو قَالَ الْحَافِظ بن حجر اتَّفقُوا على أَن الْوَاو غلط من يحيى

ص: 151

[447]

عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر هِيَ زَوْجَة هِشَام وَبنت عَمه عَن أَسمَاء بنت أبي بكر هِيَ جدة هِشَام وَفَاطِمَة جَمِيعًا آيَة بِالرَّفْع أَي هَذِه آيَة فَقُمْت حَتَّى تجلاني بمثناة وجيم وَلَام مُشَدّدَة أَي غطاني الغشي هُوَ بِفَتْح الْغَيْن وَسُكُون الشين وَتَخْفِيف الْيَاء وَرُوِيَ بِكَسْر الشين وَتَشْديد الْيَاء وهما بِمَعْنى قَالَ بن بطال الغشي مرض يعرض من طول التَّعَب وَالْوُقُوف وَهُوَ ضرب من الاغماء إِلَّا أَنه دونه رَأَيْته بِضَم الْهمزَة حَتَّى الْجنَّة وَالنَّار ضبط بالحركات الثَّلَاث فيهمَا وَلَقَد أُوحِي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي الْقُبُور قَالَ الْبَاجِيّ بَيَان أَنه أعلم بذلك فِي ذَلِك الْوَقْت قَالَ والفتنة الاختبار وَلَيْسَ الاختبار فِي الْقَبْر بِمَنْزِلَة التَّكْلِيف وَالْعِبَادَة وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِظْهَار الْعَمَل وإعلام الْمَآل وَالْعَاقبَة كاختبار الْحساب انْتهى والْحَدِيث مُطلق وَبَين فِي رِوَايَة أُخْرَى أَن الْمُؤمن يفتن سبعا وَالْمُنَافِق أَرْبَعِينَ صباحا مثل أَو قَرِيبا من فتْنَة الدَّجَّال كَذَا ورد بترك التَّنْوِين فِي الأول وإثباته فِي الثَّانِي قَالَ بن مَالك وتوجيهه أَن أَصله مثل فتْنَة الدَّجَّال أَو قَرِيبا من فتْنَة الدَّجَّال فَحذف مَا أضيف إِلَيْهِ مثل وَترك على هَيئته قبل الحذفة لَهُ لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ قَالَ الْكرْمَانِي وَجه الشّبَه بَين الفتنتين الشدَّة والهول والهموم لَا أَدْرِي أَيَّتهمَا قَالَت أَسمَاء جملَة مُعْتَرضَة بَين بهَا الرَّاوِي أَن الشَّك مِنْهُ هَل قَالَت أَسمَاء مثل أَو قَالَت قَرِيبا قَالَ بن عبد الْبر وَفِيه أَنهم كَانُوا يراعون الْأَلْفَاظ فِي الحَدِيث الْمسند مَا علمك بِهَذَا الرجل قَالَ القَاضِي عِيَاض قيل يحْتَمل أَنه مثل للْمَيت فِي قَبره وَالْأَظْهَر أَنه سمي لَهُ نم صَالحا قَالَ القَاضِي أَي لَا روع عَلَيْك مِمَّا تروع بِهِ الْكَفَرَة من الْعرض على النَّار أَو غَيرهم من عَذَاب الْقَبْر إِن كنت لمؤمنا بِالْكَسْرِ وَهِي المخففة من الثَّقِيلَة وَاللَّام هِيَ الفارقة

ص: 152

[448]

خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمصلى فَاسْتَسْقَى زَاد بن عُيَيْنَة عَن عبد الله بن أبي بكر وَصلى رَكْعَتَيْنِ وحول رِدَاءَهُ ذكر الْوَاقِدِيّ أَن طول رِدَائه صلى الله عليه وسلم كَانَ سِتَّة أَذْرع فِي ثَلَاثَة أَذْرع عَن يحيى بن سعيد عَن عَمْرو بن شُعَيْب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا استسقى الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا رَوَاهُ مَالك وَجَمَاعَة عَن يحيى مُرْسلا وَرَوَاهُ آخَرُونَ عَن يحيى عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مُسْندًا مِنْهُم سُفْيَان النَّوَوِيّ قلت أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيقه

[450]

وتقطعت السبل قيل المُرَاد أَن الْإِبِل ضعفت لقلَّة الْقُوت عَن السّفر أَو لكَونهَا لَا تَجِد فِي طريقها من الْكلأ مَا يُقيم أودها وَقيل المُرَاد نفاد مَا عِنْد النَّاس من الطَّعَام أَو قلته فَلَا يَجدونَ مَا يحملونه إِلَى الْأَسْوَاق والأكام بِكَسْر الْهمزَة وَقد تفتح وتمد جمع أكمة بِفَتَحَات وَهِي دون الْجَبَل وَأَعْلَى من الرابية وبطون الأودية المارد بهَا مَا يتَحَصَّل فِيهِ المَاء لينْتَفع بِهِ قَالُوا وَلم يمسع أفعلة جمع فَاعل إِلَّا أَوديَة جمع وَاد فانجابت عَن الْمَدِينَة انجياب الثَّوْب قَالَ الْبَاجِيّ قَالَ بن قَاسم قَالَ مَالك مَعْنَاهُ تدورت عَن الْمَدِينَة كَمَا يَدُور جيب الْقَمِيص وَقَالَ بن وهب يَعْنِي تقطعت عَن الْمَدِينَة كانقطاع الثَّوْب الْخلق

[451]

بِالْحُدَيْبِية بتَخْفِيف الْيَاء على إِثْر سَمَاء أَي مطر

ص: 153

[452]

مَالك أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول إِذا أنشأت الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث لَا أعرفهُ بِوَجْه من الْوُجُوه فِي غير الْمُوَطَّأ إِلَّا مَا ذكره الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي يحيى عَن إِسْحَاق بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا أنشأت بحريّة ثمَّ استحالت شامية فَهُوَ أمطر لَهَا إِذا أنشأت بحريّة أَي ظَهرت سَحَابَة من نَاحيَة الْبَحْر ثمَّ تشاءمت أَي أخذت نَحْو الشَّام فَتلك عين غديقة بِالتَّنْوِينِ فيهمَا أَي مَاء كثير يَقُول فَتلك سَحَابَة يكون مَاؤُهَا غدقا وغديقة تَصْغِير غدقة قَالَ الْبَاجِيّ الْعين مطر أَيَّام لَا يقْلع وَأهل بلدنا يروون غديقة على التصغير وَقد حَدثنَا بِهِ أَبُو عبد الله الصُّورِي الْحَافِظ وَضَبطه لي بِخَط يَده بِفَتْح الْغَيْن وَهَكَذَا حَدثنِي بِهِ عبد الْغَنِيّ الْحَافِظ عَن حَمْزَة بن مُحَمَّد الْكِنَانِي الْحَافِظ وَقَالَ سَحْنُون معنى ذَلِك أَنَّهَا بِمَنْزِلَة مَا يفور من الْعين

[454]

مولى لآل الشِّفَاء فِي رِوَايَة مولى الشِّفَاء وَهِي بنت عبد الله بن عبد شمس بن خَالِد صحابية وَهِي أم سليم بن أبي حثْمَة الكرابيس هِيَ المراحيض وَاحِدهَا كرباس وَقيل تخْتَص بمراحيض الغرف وَأما مراحيض الْبيُوت فانما يُقَال لَهَا الكنف

[455]

عَن نَافِع عَن رجل من الْأَنْصَار أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ يحيى وَأما سَائِر الروَاة فانهم يَقُولُونَ عَن رجل من الْأَنْصَار عَن أَبِيه وَهُوَ الصَّوَاب

ص: 154

[456]

عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن عَمه وَاسع الثَّلَاثَة تابعيون لَكِن قيل إِن لواسع رُؤْيَة فَذكر لذَلِك فِي الصَّحَابَة وحبان بِفَتْح الْمُهْملَة وبالموحدة لقد ارتقيت على ظهر بَيت لنا فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَمُسلم على ظهر بَيت أُخْتِي حَفْصَة زَاد الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَته فحانت مني التفاتة على لبنتين بِفَتْح اللَّام وَكسر الْمُوَحدَة وَفتح النُّون تَثْنِيَة لبنة وَهِي مَا يصنع من الطين أَو غَيره للْبِنَاء قبل أَن يحرق ثمَّ قَالَ لَعَلَّك الْخطاب لواسع

[457]

فَإِن الله قبل وَجهه إِذا صلى قَالَ بن عبد الْبر هُوَ كَلَام على التَّعْظِيم لشأن الْقبْلَة وإكرامها

[458]

بصاقا أَو مخاطا أَو نخامة الأول من الْفَم وَالثَّانِي من الْأنف وَالثَّالِث من الْحلق

[459]

عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ جمَاعَة الروَاة إِلَّا عبد الْعَزِيز بن يحيى فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن مَالك عَن نَافِع عَن بن عمر وَالصَّحِيح مَا فِي الْمُوَطَّأ إِذْ جَاءَهُم آتٍ هُوَ عباد بن بشر وَقيل عباد بن نهيك

ص: 155

[460]

عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ صلى الحَدِيث قَالَ بن الْبر هَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ مُرْسلا وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن خَالِد بن عتبَة عَن مَالك عَن بن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مُسْندًا

[462]

صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا هُوَ خَاص بِمَا كَانَ مَسْجِدا فِي زَمَنه دون مَا زيد بعده بِخِلَاف مَسْجِد الْحَرَام فَإِنَّهُ يَشْمَل كل الْحرم قَالَه النَّوَوِيّ خير من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد أَنَّهَا أَكثر ثَوابًا إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء وروى بِالْجَرِّ على أَن الصّفة بِمَعْنى غير وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ فَقيل المُرَاد أَن الصَّلَاة فِيهِ أفضل من مَسْجده وَقيل الْمَعْنى فَإِن الصَّلَاة فِي مَسْجده صلى الله عليه وسلم تفضله بِأَقَلّ من ألف وَقَالَ الْبَاجِيّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الِاسْتِثْنَاء أَن الْمَسْجِد الْحَرَام حكمه خَارج عَن أَحْكَام سَائِر المواطن فِي الْفَضِيلَة الْمَذْكُورَة وَلَا نعلم حكمه من هَذَا الْخَبَر فَيصح أَن تكون الصَّلَاة فِيهِ أفضل من مَسْجده أَو دونه أَو مُسَاوِيَة

[463]

عَن أبي هُرَيْرَة أَو عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا رَوَاهُ رُوَاة الْمُوَطَّأ على الشَّك إِلَّا معن بن عِيسَى وروح بن عبَادَة فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيهِ عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد جَمِيعًا على الْجمع لَا على الشَّك وَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك فَقَالَ عَن أبي هُرَيْرَة وَحده وَلم يذكر أَبَا سعيد وَكَذَا رَوَاهُ حَفْص بن عَاصِم عَن أبي هُرَيْرَة وَحده مَا بَين بَيْتِي ومنبري قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الطَّبَرِيّ فِي المُرَاد ببيتي هُنَا قَولَانِ أَحدهمَا الْقَبْر لِأَنَّهُ رُوِيَ مَا بَين قَبْرِي وَالثَّانِي بَيت سكناهُ على ظَاهره وهما متقاربان لِأَن قَبره فِي بَيته قَالَ بن حجر وعَلى الأول المُرَاد بِالْبَيْتِ فِي قَوْله بَيْتِي أحد بيوته لَا كلهَا وَهُوَ بَيت عَائِشَة الَّذِي صَار فِيهِ قَبره وَقد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِلَفْظ مَا بَين الْمِنْبَر وَبَيت عَائِشَة وَرِوَايَة مَا بَين قَبْرِي ومنبري أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن عمر وَالْبَزَّار من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ وَنقل بن زبالة أَن ذرع مَا بَين الْمِنْبَر وَالْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْقَبْر الْآن ثَلَاث وَخَمْسُونَ ذِرَاعا وَقيل أَربع وَخَمْسُونَ وَسدس وَقيل خَمْسُونَ إِلَّا ثُلثي ذِرَاع قَالَ وَهُوَ الْآن كَذَلِك فَكَأَنَّهُ نقص لما أَدخل من الْحُجْرَة فِي الْجِدَار رَوْضَة من رياض الْجنَّة قَالَ النَّوَوِيّ ذكرُوا فِي مَعْنَاهُ قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن ذَلِك الْموضع بِعَيْنِه ينْقل إِلَى الْجنَّة وَالثَّانِي أَن الْعِبَادَة فِيهِ تُؤدِّي إِلَى الْجنَّة قلت روى الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص مَرْفُوعا مَا بَين مَسْجِدي إِلَى الْمصلى رَوْضَة من رياض الْجنَّة ومنبري على حَوْضِي قَالَ القَاضِي عِيَاض قَالَ أَكثر الْعلمَاء المُرَاد منبره بِعَيْنِه الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا ينْتَقل يَوْم الْقِيَامَة فينصب على الحوص قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر وَأنكر كثير مِنْهُم غَيره وَقيل مَعْنَاهُ أَن قصد منبره والحضور عِنْده لملازمة الْأَعْمَال الصَّالِحَة يُورد صَاحبه الْحَوْض وَيَقْتَضِي شربه مِنْهُ

ص: 156

[465]

مَالك أَنه بلغه عَن عبد الله بن عمر أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله وَصله البُخَارِيّ من طَرِيق أبي شامة عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن بن عمر

[466]

مَالك أَنه بلغه عَن بسر بن سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا شهِدت إحداكن صَلَاة الْعشَاء فَلَا تمسن طيا وَصله مُسلم من طَرِيق بن وهب عَن مخرمَة بن بكير عَن أَبِيه عَن بسر بن سعيد عَن زَيْنَب الثقفية امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود بِهِ وَوَصله هُوَ وَالنَّسَائِيّ من طرق عَن بكير بِهِ وَوَصله النَّسَائِيّ أَيْضا من طَرِيق زِيَاد بن سعد عَن الزُّهْرِيّ عَن بسر بن سعيد عَن زَيْنَب بِهِ وَرَوَاهُ أَبُو عَلْقَمَة الْفَروِي عَن يزِيد بن خصيفَة عَن بسر بن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ أسْندهُ بن عبد الْبر من طَرِيقه وَقَالَ إِنَّه خطأ وَقَالَ الْمزي فِي الْأَطْرَاف رَوَاهُ يَعْقُوب الدَّوْرَقِي عَن بن علية عَن عبد الرَّحْمَن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن هِشَام عَن بكير بن الْأَشَج عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ

[468]

لَو أدْرك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أحدث النِّسَاء قَالَ الْبَاجِيّ تَعْنِي الطّيب والتجمل وَقلة التستر وتسرع كثير مِنْهُنَّ إِلَى المناكر لمنعهن الْمَسَاجِد كَمَا مَنعه نسَاء بني إِسْرَائِيل قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يكون فِي شَرِيعَة بني إِسْرَائِيل منع النِّسَاء من الْمَسَاجِد وَيحْتَمل أَنَّهُنَّ منعن بعد الْإِبَاحَة لمثل هَذَا قلت أخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كن نسَاء بني إِسْرَائِيل يتخذن أرجلا من خشب يتشوفن للرِّجَال فِي الْمَسَاجِد فَحرم الله عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِد وسلطت عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَة

ص: 157

[469]

عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أَن فِي الْكتاب الَّذِي كتبه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعَمْرو بن حزم أَن لَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر قَالَ الْبَاجِيّ هَذَا أصل فِي كِتَابَة الْعلم وتحصينه فِي الْكتب وَقَالَ بن عبد الْبر لَا خلاف عَن مَالك فِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث وَقد رُوِيَ مُسْندًا من وَجه صَالح وَهُوَ كتاب مَشْهُور عِنْد أهل السّير مَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم معرفَة يسْتَغْنى بهَا فِي شهرتها عَن الْإِسْنَاد لِأَنَّهُ أشبه التَّوَاتُر فِي مَجِيئه لتلقي النَّاس لَهُ بِالْقبُولِ قلت أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من طَرِيق بن إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي عبد الله بن أبي بكر عَن أَبِيه أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ هَذَا كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عندنَا الَّذِي كتبه لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه إِلَى الْيمن يفقه أَهلهَا وَيُعلمهُم السّنة وَيَأْخُذ صَدَقَاتهمْ فَكتب لَهُ كتابا وعهدا وَأمره فيهم أمره فَكتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ عهدا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه إِلَى الْيمن أمره بتقوى الله فِي أمره كُله فان اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وَأمره أَن يَأْخُذ الْحق كَمَا أمره أَن يبشر النَّاس بِالْخَيرِ وَيَأْمُرهُمْ بِهِ وَيعلم النَّاس الْقُرْآن ويفقههم فِيهِ وَينْهى النَّاس فَلَا يمس أحد الْقُرْآن إِلَّا وَهُوَ طَاهِر يخبر النَّاس بِالَّذِي لَهُم وَالَّذِي عَلَيْهِم ويلين لَهُم فِي الْحق ويشتد عَلَيْهِم فِي الظُّلم فَإِن اله كره الظُّلم وَنهى عَنهُ وَقَالَ إِلَّا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ويبشر النَّاس بِالْجنَّةِ وبعملها وينذر النَّاس النَّار وعملها ويستألف النَّاس حَيّ يفقهوا فِي الدّين وَيعلم النَّاس معالم الْحَج وسننه وفرائضه وَينْهى النَّاس أَن يُصَلِّي الرجل فِي ثوب وَاحِد صغر إِلَّا أَن يكون وَاسِعًا فيخالف بَين طَرفَيْهِ على عَاتِقيهِ وَينْهى أَن يحتبي الرجل فِي ثوب وَاحِد ويفضي إِلَى السَّمَاء بفرجه وَلَا يعقص شعر رَأسه إِذا عَفا فِي قَفاهُ وَينْهى النَّاس إِن كَانَ بَينهم هيج أَن يدعوا إِلَى الْقَبَائِل والعشائر وَليكن دعاؤهم إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ فَمن لم يدع إِلَى الله ودعا إِلَى العشائر والقبائل فليعطفوا فِيهِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يكون دعاؤهم إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ وَيَأْمُر النَّاس باسباغ الْوضُوء وُجُوههم وأيديهم إِلَى الْمرَافِق وأرجلهم إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن يمسحوا رؤوسهم كَمَا أَمرهم الله وَأمره بِالصَّلَاةِ لوَقْتهَا وإتمام الرُّكُوع والخشوع وَإِن يغلس بالصبح ويهجر بالهاجرة حَتَّى تميل الشَّمْس وَصَلَاة الْعَصْر وَالشَّمْس فِي الأَرْض مُدبرَة وَالْمغْرب حِين يقبل اللَّيْل لَا تُؤخر حَتَّى تبدو النُّجُوم فِي السَّمَاء وَالْعشَاء أول اللَّيْل وَأمرهمْ السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة إِذا نُودي بهَا وَالْغسْل عِنْد الرواج إِلَيْهَا وَأمره أَن يَأْخُذ من الْغَنَائِم خمس الله وَمَا كتب على الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدَقَة من الْعقار فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر وَفِيمَا سقت الْقرب نصف الْعشْر وَفِي كل عشر من الْإِبِل شَاتَان وَفِي كل عشْرين أَربع وَفِي كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيع أَو تبيعة جذع أَو جَذَعَة وَفِي كل أَرْبَعِينَ من الْغنم سَائِمَة شَاة فانها فَرِيضَة الله الَّتِي افْترض على الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدَقَة فَمن زَاد فَهُوَ خير لَهُ وَأَنه من أسلم من يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ إسلاما خَالِصا من نَفسه فدان دين الْإِسْلَام فَإِنَّهُ من الْمُؤمنِينَ لَهُ مَالهم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم وَمن كَانَ على نَصْرَانِيَّة أَو يَهُودِيَّة فَإِنَّهُ لَا يُغير عَنْهَا وعَلى كل حالم ذكر أَو أُنْثَى حر أَو عبد دِينَار واف أَو عرضه من الثِّيَاب فَمن أدّى ذَلِك فَإِن لَهُ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله وَمن منع ذَلِك فَإِنَّهُ عَدو الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ جَمِيعًا صلوا الله على مُحَمَّد وَالسَّلَام عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد روى سلمَان بن دَاوُد عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده هَذَا الحَدِيث مَوْصُولا بِزِيَادَات كَثِيرَة فِي الزكوات والديات وَغير ذَلِك ونقصان عَن بعض مَا ذَكرْنَاهُ قلت وسأسوقه فِي كتاب الْعُقُول

[471]

من فَاتَهُ حزبه من اللَّيْل فقرأه حِين تَزُول الشَّمْس إى صَلَاة الظّهْر قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هَذَا الحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ وَهُوَ وهم من دَاوُد لِأَن الْمَحْفُوظ من حَدِيث بن شهَاب عَن السَّائِب بن يزِيد وَعبيد الله بن عبد الله عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارئ عَن عمر من نَام عَن حزبه فقرأه مَا بَين صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الظّهْر كتب لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ من اللَّيْل وَمن أَصْحَاب بن شهَاب من رَفعه عَنهُ بِسَنَدِهِ عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهَذَا أولى بِالصَّوَابِ من حَدِيث دَاوُد حِين جعله من زَوَال الشَّمْس إِلَى صَلَاة الظّهْر لِأَن ذَلِك وَقت ضيق قد لَا يسع الحزب وَلِأَن بن شهَاب أتقن حفظا وَأثبت نقلا قلت أخرجه مُسلم وَالْأَرْبَعَة من طَرِيق يُونُس عَن بن شهَاب بِهِ مَرْفُوعا

ص: 159

[473]

ثمَّ لببته بردائه بتَشْديد الْبَاء الأولى أخذت بِمَجَامِع رِدَائه فِي عُنُقه وجررته بِهِ مَأْخُوذ من اللبة بِفَتْح اللَّام لِأَنَّهُ يقبض عَلَيْهَا إِن هَذَا الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف اخْتلف الْعلمَاء فِي المُرَاد بسبعة أحرف على نَحْو أَرْبَعِينَ قولا سقتها فِي كتابي الإتقان وأرجحها عِنْدِي قَول من قَالَ إِن هَذَا من الْمُتَشَابه الَّذِي لَا يدْرِي تَأْوِيله فَإِن الحَدِيث كالقرآن مِنْهُ الْمُحكم والمتشابه

[474]

إِنَّمَا مثل صَاحب الْقُرْآن أَي الَّذِي يألفه

[475]

أَن الْحَارِث بن هِشَام هُوَ أَخُو أبي جهل أسلم يَوْم الْفَتْح وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وَاسْتشْهدَ فِي فتوح الشَّام سَأَلَ كَذَا هُنَا وَفِي أَكثر الْكتب على أَنه من مُسْند عَائِشَة رضي الله عنها وَعند أَحْمد عَن عَائِشَة عَن الْحَارِث بن هِشَام قَالَ سَأَلت فَجعله من مُسْند الْحَارِث أَحْيَانًا بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة وعامله يأتيني فِي مثل صلصلة الجرس الصلصلة بمهملتين مفتوحتين وَسُكُون اللَّام الأولى فِي الأَصْل صَوت وُقُوع الحَدِيث بعضه على بعض ثمَّ أطلق على كل صَوت لَهُ طنين وَقيل هُوَ صَوت متدارك لَا يفهم من أول وهلة والجرس الجلجل ثمَّ قيل الصلصلة الْمَذْكُورَة صَوت الْملك بِالْوَحْي وَقيل صَوت خَفق أجنحته وَهُوَ أشده عَليّ قيل إِنَّمَا كَانَ يَأْتِيهِ هَكَذَا إِذا نزلت آيَة وَعِيد أَو تهديد فَيفْصم بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْفَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة أَي يقْلع وأصل الفصم الْقطع وَأَحْيَانا يتَمَثَّل أَي يتَصَوَّر لي الْملك أَي جِبْرِيل وَاللَّام للْعهد رجلا نصب على الْمصدر أَي مثل رجل أَو على التَّمْيِيز أَو الْحَال أَي هَيْئَة رجل وَقد تقدم تَحْقِيق ذَلِك فِي أول هَذَا الشَّرْح فيكلمني وَقع فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق القعْنبِي عَن مَالك فيعلمني بِالْعينِ قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَهُوَ تَصْحِيف فَإِنَّهُ فِي الْمُوَطَّأ رِوَايَة القعْنبِي بِالْكَاف فأعي مَا يَقُول زَاد أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه وَهُوَ أهونه عَليّ وَإِن جَبينه ليتفصد بِالْفَاءِ وتشدد الْمُهْملَة مَأْخُوذ من الفصد وَهُوَ قطع الْعرق لاسالة الدَّم شبه جَبينه بالعرق الْمَقْصُود مُبَالغَة فِي كَثْرَة الْعرق وصحفه الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر بِالْقَافِ فَرده عَلَيْهِ المؤتمن السَّاجِي وَابْن نَاصِر فكابر وأصر على الْقَاف عرقا نصب على التَّمْيِيز زَاد الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل فِي آخر الحَدِيث وَإِن كَانَ ليوحى إِلَيْهِ وَهُوَ على نَاقَته فَتضْرب بِجِرَانِهَا من ثقل مَا يُوحى إِلَيْهِ

ص: 160

[476]

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ أنزلت عبس وَتَوَلَّى وَصله التِّرْمِذِيّ من طَرِيق سعد بن يحيى الْأمَوِي عَن أَبِيه عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة فِي عبد الله بن أم مَكْتُوم اسْم أَبِيه زَائِدَة وَقيل قيس وَقيل شُرَيْح بن قيس بن زَائِدَة وَاسم أم مَكْتُوم عَاتِكَة رجل من عُظَمَاء الْمُشْركين فِي مُسْند أبي على من حَدِيث أنس انه أبي بن خلف وَفِي تَفْسِير بن جرير من حَدِيث بن عَبَّاس انه كَانَ يُنَاجِي عتبَة بن ربيعَة وَأَبا جهل بن هِشَام وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَمن مُرْسل قَتَادَة وَهُوَ يُنَاجِي أُميَّة بن خلف فأنزلت عبس وَتَوَلَّى زَاد أَبُو يعلى عَن أنس فَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد ذَلِك يُكرمهُ وَأخرج بن جرير عَن بن زيد قَالَ كَانَ يُقَال لَو أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الْوَحْي شَيْئا كتم هَذَا عَن نَفسه

[477]

عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يسير قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث مُرْسل إِلَّا انه مَحْمُول على الِاتِّصَال لِأَن أسلم رَوَاهُ عَن عمر وَقد رَوَاهُ جمَاعَة بِهَذَا الْمَعْنى عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن عمر مَوْصُولا قلت أخرجه البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طرق عَن مَالك كَمَا فِي الْمُوَطَّأ على صُورَة الْإِرْسَال قَالَ بن حجر فِي شرح البُخَارِيّ هَذَا السِّيَاق صورته الْإِرْسَال لِأَن أسلم لم يدْرك زمَان هَذِه الْقِصَّة لكنه مَحْمُول على أَنه سَمعه من عمر بِدَلِيل قَوْله فِي أَثْنَائِهِ قَالَ عمر فحركت بَعِيري إِلَى آخِره وَقد جَاءَ من طَرِيق أُخْرَى سَمِعت عمر أخرجه الْبَزَّار من طَرِيق مُحَمَّد بن خَالِد بن عَثْمَة عَن مَالك ثمَّ قَالَ لَا نعلم رَوَاهُ عَن مَالك هَكَذَا إِلَّا بن عَثْمَة وَابْن غَزوَان وَرِوَايَة بن غَزوَان أخرجهَا أَحْمد عَنهُ وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الغرايب من طَرِيق مُحَمَّد بن حَرْب وَيزِيد بن أبي حَكِيم وَإِسْحَاق الحنيني كلهم على الِاتِّصَال ثكلتك أمك بِكَسْر الْكَاف من الشكل وَهُوَ فقدان الْمَرْأَة وَلَدهَا دَعَا على نَفسه ندما على إلحاحه خوف غَضَبه وحرمان فَائِدَته قَالَ بن عبد الْبر وقلما أغضب عَالم إِلَّا حرمت فَائِدَته نزرت بزاي ثمَّ رَاء مخففا أَي ألححت عَلَيْهِ ويروى مشددا أَي أقللت كَلَامه إِذْ سَأَلته مَا لَا يحب أَن يُجيب عَنهُ فَمَا نشبت بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة ثمَّ مُوَحدَة سَاكِنة أَي لم أتعلق بِشَيْء غير مَا ذكرت

ص: 161

[478]

عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن أبي سَلمَة الثَّلَاثَة تابعيون يخرج فِيكُم قوم قَالَ الْبَاجِيّ ذكر بعض الْعلمَاء أَنهم بِهَذَا اللَّفْظ سموا الْخَوَارِج قَالَ وَأجْمع النَّاس على أَن الطَّائِفَة المرادة بذلك هم الْخَوَارِج الَّذين قَاتلهم عَليّ رضي الله عنه تحقرون بِفَتْح أَوله أَي تستقلون يقرؤون الْقُرْآن وَلَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ جمع حنجرة وَهِي آخر الْحلق مِمَّا يَلِي الْفَم وَقيل أصل الصَّدْر عِنْد طرف الْحُلْقُوم وَالْمعْنَى أَن قراءتهم لَا يرفعها الله وَلَا يقبلهَا وَقيل لَا يعْملُونَ بِالْقُرْآنِ فَلَا يثابون على قراءتهم فَلَا يحصل لَهُم إِلَّا سرده وَقَالَ النَّوَوِيّ المُرَاد أَنه لَيْسَ لَهُم مِنْهُ حَظّ إِلَّا مروره على لسانهم لَا يصل إِلَى حُلُوقهمْ فضلا عَن أَن يصل إِلَى قُلُوبهم لِأَن الْمَطْلُوب تعقله وتدبره بِوُقُوعِهِ فِي الْقلب وَقَالَ بن رَشِيق الْمُغنِي لَا يَنْتَفِعُونَ بقرَاءَته كَمَا لَا ينْتَفع الْآكِل والشارب من الْمَأْكُول والمشروب إِلَّا بِمَا يُجَاوز حنجرته قَالَ وَكَانَ الْخَوَارِج بتكفيرهم النَّاس لَا يقبلُونَ خبر أحد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يعرفوا بذلك شَيْئا من سنَنه وَأَحْكَامه المبينة لمجمل الْقُرْآن عَن مراداته فِي خطابه يَمْرُقُونَ من الدّين قَالَ بن بطال المروق عِنْد أهل اللُّغَة الْخُرُوج وَقَالَ بن رَشِيق هُوَ الْخُرُوج السَّرِيع كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَهِي الطريدة من الصَّيْد فعيلة من الرَّمْي بِمَعْنى مفعولة دَخَلتهَا الْهَاء إِشَارَة إِلَى نقلهَا من الوصفية إِلَى الاسمية وَتنظر فِي الْقدح بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال وحاء مهملتين وَهُوَ خشب السهْم وتتمارى فِي الفوق بِضَم الْفَاء وَهُوَ مَوضِع الْوتر من السهْم أَي يتشكك هَل علق بِهِ شَيْء من الدَّم الْمَعْنى أَن هَؤُلَاءِ يخرجُون من الْإِسْلَام بَغْتَة كخروج السهْم إِذا رَمَاه رام قوي الساعد فَأصَاب مَا رَمَاه فنفذ مِنْهُ بِسُرْعَة بِحَيْثُ لَا يعلق بِالسَّهْمِ وَلَا بِشَيْء مِنْهُ من المرمى شَيْء فَإِذا التمس الرَّامِي سَهْمه لم يجده علق بِشَيْء من الدَّم وَلَا غَيره وَفِي رِوَايَة بن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ سيخرج قوم من الْإِسْلَام خُرُوج السهْم من الرَّمية عرضت للرِّجَال فرموها فأغرق سهم أحدهم مِنْهَا فَخرج فَأَتَاهُ فَنظر إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ لم يتَعَلَّق بنصله من الدَّم شَيْء ثمَّ نظر إِلَى الْقدح الحَدِيث

[479]

مَالك أَنه بلغه أَن عبد الله بن عمر مكث على سُورَة الْبَقَرَة ثَمَانِي سِنِين يتعلمها وَصله بن سعد فِي طبقاته عَن عبد الله بن جَعْفَر عَن أبي الْمليح عَن مَيْمُون أَن بن عمر تعلم سُورَة الْبَقَرَة فِي أَربع سِنِين قَالَ الْبَاجِيّ لَيْسَ ذَلِك لبطء حفظه معَاذ الله بل لِأَنَّهُ كَانَ يتَعَلَّم فرائضها وأحكامها وَمَا يتَعَلَّق بهَا وَأخرج الْخَطِيب فِي رِوَايَة مَالك عَن بن عمر قَالَ تعلم عمر الْبَقَرَة فِي اثْنَتَيْ عشرَة سنة فملا خَتمهَا نحر جزورا

ص: 162

[480]

عَن عبد الله بن يزِيد مولى الْأسود بن سُفْيَان عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ بن عبد الْبر لم يخْتَلف فِيهِ عَن مَالك إِلَّا أَن رجلا من أهل الْإسْكَنْدَريَّة رَوَاهُ عَن بن بكير عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ وَعبد الله بن يزِيد جَمِيعًا عَن أبي سَلمَة وَذكر الزُّهْرِيّ فِيهِ خطأ عَن مَالك لَا يَصح

ص: 163

[485]

عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي صعصعة عَن أَبِيه قَالَ الْحَافِظ بن حجر هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن مَالك فَقَالُوا عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه أخرجه النَّسَائِيّ والإسماعيلي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالُوا ان الصَّوَاب الأول أَنه سمع رجلا يقْرَأ هُوَ قَتَادَة بن النُّعْمَان أَخُو أبي سعد لأمه كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة فِي مُسْند أَحْمد يتقالها بتَشْديد اللَّام أَي يعْتَقد انها قَليلَة إِنَّهَا لتعدل ثلث الْقُرْآن ذهب جمَاعَة إِلَّا أَن هَذَا وَنَحْوه من الْمُتَشَابه الَّذِي لَا يدْرِي تَأْوِيله وَإِلَى ذَلِك نحا أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وإياه أخْتَار قَالَ بن عبد الْبر السُّكُوت فِي هَذِه المسئلة أفضل من الْكَلَام وَأسلم

[486]

عَن عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الْخطاب الحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ حسن صَحِيح غ لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مَالك وَقَالَ بن عبد الْبر عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن هُوَ بن السَّائِب بن عُمَيْر مدنِي ثِقَة وَقَالَ فِيهِ القعْنبِي ومطرف عبد الله وَالصَّوَاب الأول وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَالزُّبَيْر بن بكار فِي عبيد بن حنين مولى الحكم بن أبي العَاصِي

[487]

عَن بن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه أخبرهُ أَن قل هُوَ الله أحد تعدل ثلث الْقُرْآن وَإِن تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك تجَادل عَن صَاحبهَا قَالَ بن عبد الْبر حميد تَابِعِيّ أحد الثِّقَات الاثبات ومث لهَذَا لَا يُؤْخَذ بِالرَّأْيِ وَلَا بُد أَن يكون توقيفا وَقد تقدّمت الْجُمْلَة الأولى فِي حَدِيث أبي سعيد واما الثَّانِيَة فَأخْرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سُورَة فِي الْقُرْآن خَاصَمت عَن صَاحبهَا حَتَّى أدخلته الْجنَّة تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك وَأخرج أَحْمد وَالْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن سُورَة من كتاب الله مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَة شفعت لرجل حَتَّى غفر لَهُ تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن بن عَبَّاس أَنه قَالَ لرجل اقْرَأ تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك فانها المنجية والمجادلة تجَادل يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبهَا لِقَارِئِهَا وتطلب لَهُ أَن ينجيه من عَذَاب النَّار وينجو بهَا صَاحبهَا من عَذَاب الْقَبْر قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَوَدِدْت أَنَّهَا فِي قلب كل إنسا من أمتِي وَأخرج سعد بن مَنْصُور عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ كَانَ يُقَال إِن من الْقُرْآن سُورَة تجَادل عَن صَاحبهَا فِي الْقَبْر تكون ثَلَاثِينَ آيَة فنظروا فوجدوها تبَارك وَفِيه أَحَادِيث أخر سقتها فِي التَّفْسِير الْمَأْثُور وَعرف من مجموعها أَنَّهَا تجَادل عَنهُ فِي الْقَبْر وَفِي الْقِيَامَة مَعًا لتدفع عَنهُ الْعَذَاب وتدخله الْجنَّة

ص: 164

[488]

كَانَت لَهُ عدل عشر رِقَاب قَالَ الْبَاجِيّ مَعْنَاهُ أَن ثَوَابهَا عتق عشر رِقَاب إِلَّا أحد عمل أَكثر من ذَلِك قَالَ الْبَاجِيّ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِئَلَّا يظنّ السَّامع أَن الزِّيَادَة على ذَلِك مَمْنُوعَة كتكرار الْعَمَل فِي الْوضُوء

[489]

حطت عَنهُ خطاياه قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد أَن يكون فِي ذَلِك كَفَّارَة لَهُ كَقَوْلِه تَعَالَى إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ

[490]

عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ من سبح دبر كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا هُوَ الحَدِيث مَوْقُوف فِي الْمُوَطَّأ وَمثله لَا يدْرك بِالرَّأْيِ وو مَرْفُوع صَحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من وُجُوه كثير ثَابِتَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعلي بن أبي طَالب وَعبد الله بن عَمْرو وَكَعب بن عجْرَة وَغَيرهم

ص: 165

[492]

عَن زِيَاد بن أبي زِيَاد قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء إِلَّا أخْبركُم بِخَير أَعمالكُم الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر قد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث مُسْندًا من طرق جَيِّدَة عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قلت أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة من طَرِيق عبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد عَن زِيَاد مولى بن عَبَّاس عَن أبي بحريّة عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا بِهِ وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان من حَدِيث بن عمر مَرْفُوعا أَيْضا قَالَ الْبَاجِيّ قَوْله ذكر الله يحْتَمل ذكره بِاللِّسَانِ وَذكره بِالْقَلْبِ وَهُوَ ذكره عِنْد الْأَوَامِر بامتثالها وَعند الْمعاصِي باجتنابها قَالَ زِيَاد بن أبي زِيَاد قَالَ معَاذ بن جبل مَا عمل بن آدم من عمل أنجى لَهُ من عَذَاب الله من ذكر الله أخرجه بن عبد الْبر من طَرِيق طَاوس بن معَاذ بن جبل مَرْفُوعا وَأخرجه بن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن غنم عَن معَاذ بن جبل مَرْفُوعا قَالَ الْبَاجِيّ وَهُوَ يحْتَمل الذكرين الْمشَار إِلَيْهِمَا آنِفا

[493]

قَالَ رجل وَرَاءه قَالَ بن بشكوال هُوَ رِفَاعَة بن رَافع رَاوِي الحَدِيث كَمَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَكَثِيرًا مَا يَقع فِي الْأَحَادِيث إِبْهَام اسْم وَهُوَ راويها وَذَلِكَ إِمَّا مِنْهُ لقصد إخفاء عمله أَو من بعض الروَاة تَصرفا مِنْهُ ونسيانا رَبنَا وَلَك الْحَمد حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ زَاد النَّسَائِيّ كَمَا يحب رَبنَا ويرضى من الْمُتَكَلّم آنِفا يَعْنِي قبل هَذَا وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِيمَا يقرب أَيهمْ يكتبهن بِرَفْع أَي الاستفهامية مُبْتَدأ وَمَا بعده خبر وَقَبله يَقُول مُقَدرا على حد قَوْله تَعَالَى يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ أول رُوِيَ بِالضَّمِّ على الْبناء لقطعه عَن الْإِضَافَة وَبِالنَّصبِ على الْحَال

[494]

عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ بن عبد الْبر كَذَا روى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة رُوَاة الْمُوَطَّأ عَن مَالك بهدا الْإِسْنَاد وَرَوَاهُ غير وَاحِد عَن أبي الزِّنَاد وَرَوَاهُ بن وهب عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ غَرِيب لكل نَبِي دَعْوَة أَي وعد الْإِجَابَة فِيهَا قطعا بِخِلَاف سَائِر دعواتهم فانهم دعوا بهَا على رَجَاء الْإِجَابَة من غير يَقِين وَلَا وعد

[495]

عَن يحيى بن سعيد أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فَيَقُول اللَّهُمَّ فالق الاصباح الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر لم تخْتَلف الروَاة عَن مَالك فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَلَا فِي مَتنه وَقد رَوَاهُ أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن يحيى بن سعيد عَن مُسلم بن يسَار قَالَ كَانَ من دُعَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذكره ذكره بن أبي شيبَة عَن أبي خَالِد قَالَ الْبَاجِيّ وَمعنى فالق الاصباح أَي خلقه وابتدأه وأظهره وجاعل اللَّيْل سكنا أَي يسكن فِيهِ وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا أَي يحْسب بهما الْأَيَّام والشهور والأعوام قَالَ وَقَوله فِي سَبِيلك يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ جِهَاد الْعَدو وَإِن يُرِيد سَائِر أَعمال الْبر من تَبْلِيغ الرسَالَة وَغَيرهَا فَإِن ذَلِك كُله فِي سَبِيل الله تَعَالَى

[496]

ليعزم المسئلة أَي يعري دعاءه وسؤاله من لفظ الْمَشِيئَة

ص: 166

[497]

يُسْتَجَاب لأحدكم قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل الاخبار عَن وجوب وُقُوع الْإِجَابَة وَعَن جَوَاز وُقُوعهَا

[498]

عَن بن شهَاب عَن أبي عبد الله الْأَغَر وَعَن أبي سَلمَة قَالَ بن عبد الْبر من رَوَاهُ الْمُوَطَّأ من لَا يذكر أَبَا سَلمَة قَالَ والْحَدِيث مَنْقُول من طرق متواترة ووجوه كَثِيرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ينزل رَبنَا تبارك وتعالى كل لَيْلَة هَذَا من الْمُتَشَابه الَّذِي يسكت عَن الْخَوْض فِيهِ وَإِن كَانَ لابد فَأولى مَا يُقَال فِيهِ مَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ إِن الله يُمْهل حَتَّى يمْضِي شطر اللَّيْل ثمَّ يَأْمر مناديا يَقُول هَل من دَاع فيستجاب لَهُ فَالْمُرَاد إِذن نزُول أمره أَو الْملك بأَمْره وَذكر بن فورك أَن بعض الْمَشَايِخ ضَبطه ينزل بِضَم أَوله على حذف الْمَفْعُول أَي ينزل ملكا قَالَ الْبَاجِيّ وَفِي الْعُتْبِيَّة سَأَلت مَالِكًا عَن الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي جَنَازَة سعد بن معَاذ فِي الْعَرْش فَقَالَ لَا تتحدثن بِهِ وَمَا يَدْعُو الْإِنْسَان إِلَى أَن يحدث بِهِ وَهُوَ يرى مَا فِيهِ من التَّغْرِير وَحَدِيث إِن الله خلق آدم على صورته وَحَدِيث السَّاق قَالَ بن الْقَاسِم لَا يَنْبَغِي لمن يَتَّقِي الله أَن يحدث بِمثل هَذَا قيل لَهُ والْحَدِيث الَّذِي جَاءَ أَن الله تَعَالَى ضحك فَلم يره من هَذَا وَأَجَازَهُ وَكَذَلِكَ حَدِيث التَّنْزِيل قَالَ وَيحْتَمل أَن يفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن حَدِيث التَّنْزِيل والضحك أَحَادِيث صِحَاح لم يطعن فِي شَيْء مِنْهَا وَحَدِيث اهتزاز الْعَرْش وَالصُّورَة والساق لَيست أسانيدها تبلغ فِي الصِّحَّة دَرَجَة حَدِيث التَّنْزِيل وَالثَّانِي أَن التَّأْوِيل فِي حَدِيث التَّنْزِيل أقرب وَأبين والعذر بِسوء التَّأْوِيل فِيهَا أبعد انْتهى حَتَّى يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر بِرَفْع الآخر صفة ثلث من يدعوني فاستجيب لَهُ إِلَى أَخّرهُ هُوَ بِنصب الْأَفْعَال المقترنة بِالْفَاءِ

[499]

عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ أَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ قَالَت قَالَ بن عبد الْبر لم يخْتَلف رُوَاة الْمُوَطَّأ عَن مَالك فِي إرْسَاله وَهُوَ مُسْند من حَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن عَائِشَة وَمن حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة من طرق صِحَاح ثَابِتَة قلت طَرِيق الْأَعْرَج أخرجهَا مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من طَرِيق عبد الله بن عمر عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن عَائِشَة بِهِ لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك قَالَ بن عبد الْبر روينَا عَن مَالك أَنه قَالَ فِيهِ يَقُول وَإِن اجتهدت فِي الثَّنَاء عَلَيْك فَلَنْ أحصي نعمك ومننك وإحسانك

ص: 167

[500]

عَن طَلْحَة بن عبيد الله بن كريز أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ بن عبد الْبر لَا خلاف عَن مَالك فِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث وَلَا أحفظه بِهَذَا الْإِسْنَاد مُسْندًا من وَجه يحْتَج بِهِ وَقد جَاءَ مُسْندًا من حَدِيث عَليّ وَابْن عَمْرو قلت وَأبي هُرَيْرَة أخرجه هُوَ وَحَدِيث بن عمر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان وَأخرج حَدِيث عَليّ بن أبي شيبَة وَبَقِي بن مخلد والجندي فِي فَضَائِل مَكَّة أفضل الدُّعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة قَالَ الْبَاجِيّ أَي أعظمه ثَوابًا وأقربه إِجَابَة وَأفضل مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي لفظ حَدِيث عَليّ أَكثر دعائي وَدُعَاء الْأَنْبِيَاء قبلي بِعَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ زَاد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَكَذَا فِي حَدِيث عَليّ لَكِن لَيْسَ فِيهِ بِيَدِهِ الْخَيْر وَفِي حَدِيث بن عَمْرو لَكِن لَيْسَ فِيهِ يحيى وَيُمِيت وَفِيه بِيَدِهِ الْخَيْر

[501]

الْمَسِيح الدَّجَّال بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْمُهْملَة الْخَفِيفَة آخِره حاء مُهْملَة سمي بذلك لِأَنَّهُ مَمْسُوح الْعين الْيُمْنَى من فتْنَة الْمحيا هِيَ مَا يعرض للْإنْسَان مُدَّة حَيَاته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات وَأَعْظَمهَا وَالْعِيَاذ بِاللَّه من أَمر الخاتمة عِنْد الْمَوْت وَالْمَمَات قَالَ الْبَاجِيّ هِيَ فتْنَة الْقَبْر

ص: 168

[502]

أَنْت نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعلمَاء مَعْنَاهُ منورهما أَي خَالق نورهما وَقَالَ أَبُو عبيد مَعْنَاهُ بنورك يَهْتَدِي أهل السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَقيل مَعْنَاهُ مدير شمسها وقمرها ونجومها قيام السَّمَاوَات وَالْأَرْض هُوَ بِمَعْنى القيوم أَي الَّذِي لَا يَزُول والقائم على كل شَيْء أَي المدير أَمر خلقه رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض هُوَ بِمَعْنى السَّيِّد المطاع والمصلح وَالْمَالِك أَنْت الْحق أَي المتحقق وجوده وَوَعدك الْحق إِلَى آخِره أَي كُله مُتَحَقق لَا شكّ فِيهِ ولقاؤك حق المُرَاد بِهِ الْبَعْث على الصَّوَاب وَقيل الْمَوْت قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ بَاطِل هُنَا لَك أسلمت أَي استسلمت وانقدت لأمرك ونهيك وَبِك آمَنت أَي صدقت بك وَبِكُل مَا أخْبرت وامرت ونهيت وَإِلَيْك أنبت أَي أَطَعْت وَرجعت إِلَى عبادتك أَي أَقبلت عَلَيْهَا وَقيل مَعْنَاهُ رجعت إِلَيْك فِي تدبيري أَي فوضت غليك وَبِك خَاصَمت أَي مَا أَعْطَيْتنِي من الْبَرَاهِين وَالْقُوَّة خَاصَمت من عاند فِيك وَكفر بك وقمعته بِالْحجَّةِ وَالسيف وَإِلَيْك حاكمت أَي كل من جحد الْحق حاكمته إِلَيْك وجعلتك الْحَاكِم بيني وبيه لَا غَيْرك مِمَّا كَانَت تحاكم اليه الْجَاهِلِيَّة وَغَيرهم من صنم وكاهن ونار وَشَيْطَان فَأغْفِر لي مَا قدمت إِلَى آخِره قَالَ ذَلِك مَعَ عصمته تواضعا وخضوعا وإشفاقا وإجلالا وليقتدى بِهِ فِي أصل الدُّعَاء والخضوع وَحسن التضرع

[503]

عَن عبد الله بن عبد الله بن جَابر بن عتِيك أَنه قَالَ جَاءَنَا عبد الله بن عمر قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا رَوَاهُ يحيى وَطَائِفَة لم يجْعَلُوا بَين عبد الله شيخ مَالك وَبَين بن عمر أحدا وَمِنْهُم من قَالَ عَن مَالك عَن عبد الله بن عبد الله بن جَابر بن عتِيك عَن عتِيك بن الْحَارِث بن عتِيك قَالَ جَاءَنَا عبد الله بن عمر وَهِي رِوَايَة بن الْقَاسِم وَمِنْهُم من قَالَ مَالك عَن عبد الله بن عبد الله بن جَابر بن عتِيك عَن جَابر بن عتِيك قَالَ جَاءَنَا بن عمر وَهِي رِوَايَة القعْنبِي ومطرف قَالَ وَرِوَايَة يحيى أولى بِالصَّوَابِ إِن شَاءَ الله بِأَن لَا يظْهر عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم أَي من غير الْمُؤمنِينَ وَلَا يُهْلِكهُمْ بِالسِّنِينَ أَي بِالْمحل والجدب والجوع بِأَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم أَي الْحَرْب والفتن وَالِاخْتِلَاف الْهَرج بِسُكُون الرَّاء الْقَتْل

[504]

عَن زيد بن أسلم أَنه كَانَ يَقُول مَا من دَاع يَدْعُو إِلَّا كَانَ بَين إِحْدَى ثَلَاث إِمَّا أَن يُسْتَجَاب لَهُ وَإِمَّا أَن يدّخر لَهُ وَإِمَّا أَن يكفر عَنهُ قَالَ بن عبد الْبر مثل هَذَا يَسْتَحِيل أَن يكون رَأيا واجتهادا وانما هُوَ تَوْقِيف وَهُوَ خبر مَحْفُوظ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ أخرج من حَدِيث جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ دُعَاء الْمُسلم بَين إِحْدَى ثَلَاث إِمَّا أَن يُعْطي مَسْأَلته الَّتِي سَأَلَ أَو يرفع بهَا دَرَجَة أَو يحط بهَا عَنهُ خَطِيئَة مَا لم يدع بقطيعة رحم ومأثم أَو يستعجل قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث مخرج فِي التَّفْسِير الْمسند لقَوْل الله تَعَالَى ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ

[505]

عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ رَآنِي عبد الله بن عمر وَأَنا أَدْعُو وأشير بأصبعين أصْبع من كل يَد فنهاني قَالَ فِي الاستذكار هَذَا مَأْخُوذ من فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذْ مر بِسَعْد وَهُوَ يَدْعُو وَيُشِير بِأُصْبُعِهِ فَنَهَاهُ قَالَ الْبَاجِيّ الْوَاجِب ان يكون الدُّعَاء باليدين وبسطهما على معنى التضرع وَالرَّغْبَة

ص: 169

[506]

أَن سعيد بن الْمسيب كَانَ يَقُول إِن الرجل ليرْفَع بِدُعَاء وَلَده من بعده وَقَالَ بيدَيْهِ أَي أَشَارَ نَحْو السَّمَاء فرفعهما قَالَ بن عبد الْبر هَذَا لَا يدْرك بِالرَّأْيِ وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد جيد مَرْفُوعا ثمَّ أخرج من طَرِيق أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمُؤمن ليرْفَع لَهُ الدرجَة فِي الْجنَّة فَيَقُول يَا رب بِمَ هَذَا فَيُقَال لَهُ بِدُعَاء ولدك من عَبدك

[507]

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَنه قَالَ إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة وَلَا تجْهر بصلاتك الحَدِيث وَصله البُخَارِيّ من طَرِيق ملك بن سعيد عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة

[508]

مَالك أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْخيرَات قَالَ بن عبد الْبر رَوَاهُ طَائِفَة من رُوَاة الْمُوَطَّأ عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُم عبد الله بن يُوسُف التنيسِي وَهُوَ حَدِيث صَحِيح ثَابت من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عايش وَابْن عَبَّاس وثوبان وَأبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ

[509]

مَالك أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من دَاع يَدْعُو إِلَى هدي الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث يسند عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من طرق شَتَّى من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَجَرِير وَغَيرهمَا ثمَّ أخرج من طَرِيق الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من دَعَا إِلَى هدى كَانَ لَهُ من الْأجر مثل من تبعه لَا ينقص ذَلِك من أُجُورهم شَيْئا وَمن دَعَا إِلَى ضَلَالَة كَانَ عَلَيْهِ من الْإِثْم مثل آثام من تبعه لَا ينقص ذَلِك من آثامهم شَيْئا قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث أبلغ شَيْء فِي فضل تَعْلِيم الْعلم الْيَوْم والدعا إِلَيْهِ وَإِلَى جَمِيع سبل الْخَيْر وَالْبر

[510]

اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من أَئِمَّة الْمُتَّقِينَ اقْتدى فِي هَذَا الدُّعَاء بقوله تَعَالَى وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً وثمرته أَن لَهُ مثل أجر من اقْتدى بِهِ

[511]

وَغَارَتْ النُّجُوم أَي غربت

ص: 170

[512]

عَن عَطاء بن يسَار عَن عبد الله الصنَابحِي قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا قَالَ جُمْهُور الروَاة عَن مَالك وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم مطرف وَإِسْحَاق بن عِيسَى الطباع عَن عَطاء عَن أبي عبد الله الصنَابحِي قَالَ وَهُوَ الصَّوَاب وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عسيلة تَابِعِيّ ثِقَة لَيست لَهُ صُحْبَة قَالَ وروى زُهَيْر بن مُحَمَّد هَذَا الحَدِيث عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عَطاء عَن عبد الله الصنَابحِي قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ خطأ والصنابحي لم يلق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَزُهَيْر لَا يحْتَج بحَديثه إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان قَالَ الْخطابِيّ اخْتلفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الْكَلَام فَقيل مَعْنَاهُ مُقَارنَة الشَّيْطَان للشمس عِنْد دنوها للطلوع والغروب ويوضحه قَوْله فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا إِلَى آخِره فَحرمت الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات لذَلِك وَقيل معنى قرن الشَّيْطَان قوته من قَوْلك أَنا مقرن لهَذَا الْأَمر أَي مطبق لَهُ قوي عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن الشَّيْطَان انما يقوى أمره فِي هَذِه الْأَوْقَات لِأَنَّهُ يسول لعبدة الشَّمْس ان يسجدوا لَهَا فِي هَذِه الْأَوْقَات وَقيل قرنه حزبه وَأَصْحَابه الَّذين يعْبدُونَ الشَّمْس وَقيل ان الشَّيْطَان يُقَابل الشَّمْس عِنْد طُلُوعهَا وينتصب دونهَا حَتَّى يكون طُلُوعهَا بَين قرنيه وهما جانبا رَأسه فينقلب سُجُود الْكفَّار للشمس عبَادَة لَهُ وَقَالَ القَاضِي عِيَاض معنى قَرْني الشَّيْطَان هُنَا يحْتَمل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز والى الْحَقِيقَة ذهب الدَّاودِيّ وَغَيره وَلَا بعد فِيهِ وَقد جَاءَت آثَار مصرحة بغروبها على قَرْني الشَّيْطَان وَأَنَّهَا تُرِيدُ عِنْد الْغُرُوب للسُّجُود لله فَيَأْتِي شَيْطَان يصدها فتغرب بَين قرنيه ويحرقه الله وَقيل مَعْنَاهُ الْمجَاز والاتساع وَإِن قَرْني الشَّيْطَان أَو قرنه الْأمة الَّتِي تعبد الشَّمْس وَتُطِيعهُ فِي الْكفْر بِاللَّه وَأَنَّهَا لما كَانَت تسْجد لَهَا وَيُصلي من يَعْبُدهَا من الْكفَّار حِينَئِذٍ نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن التَّشَبُّه بهم قلت صحّح النَّوَوِيّ حمله على الْحَقِيقَة

[513]

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول وَصله البُخَارِيّ وَمُسلم من طَرِيق يحيى الْقطَّان عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن بن عمر حَاجِب الشَّمْس أَي طرف قرصها قَالَ الْجَوْهَرِي حواجب الشَّمْس نَوَاحِيهَا حَتَّى تبرز لفظ البُخَارِيّ حَتَّى ترْتَفع

[514]

فَنقرَ أَرْبعا أَي أسْرع الْحَرَكَة فِيهَا كنقر الطَّائِر

ص: 171