المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ثانيا: منهج المؤلف في الكتاب: - تيسير البيان لأحكام القرآن - مقدمة

[ابن نور الدين]

الفصل: ‌ ثانيا: منهج المؤلف في الكتاب:

هذا، وقد جاء نسبة الكتاب إلى المؤلف رحمه الله على طرة النسختين الخطيتين المشار إليهما آنفًا، ففي النسخة "أ" جاء فيها:"تصنيف الشيخ الإمام العالم محمد بن علي بن عبد الله الخطيب المعروف بابن نور الدين اليمني الموزعي".

وفي النسخة "ب ": "تأليف الشيخ الإمام العلامة المتقن الفهامة جمال الدين محمد بن علي بن عبد الله بن إبراهيم بن الخطيب، عرف بابن نور الدين الموزعي اليمني. وكذا نسبه إليه كلُّ من ترجم له وذكره.

هذا، وقد ذكر كتابه الآخر الموسوم بـ "مصابيح المغاني في حروف المعاني" في أكثر من موضع من كتابه هذا.

*‌

‌ ثانيًا: منهج المؤلف في الكتاب:

ذكر المؤلف رحمه الله في مقدمة كتابه هذا: أنه استخار الله تعالى في تصنيف صغير حجمه، خفيف حمله، كثير نفعه، كبير قدره، يكون تنبيهًا للطالبين، على مناهج العلماء السالفين، في استخراج الأحكام، ومعرفة الحلال والحرام، ليتعلموا صنيعهم، ويقتفوا أثرهم بسابق فضل الله عليهم ورحمته لهم (1).

وقد بدأ المؤلف رحمه الله كتابه هذا بمقدمة أصولية قيمة، ضمت مباحث نافعة وفوائد ماتعة، شملت معظم أبواب أصول الفقه، وهي مقدمة مختصرة حقيقةٌ بالحفظ والدراسة.

ثم شرع في شرح آيات الأحكام حسب التسلسل القرآني للسور والآيات، فيبدأ بشرح غريب الألفاظ منها، ثم يستنبط الأحكام الفقهية،

(1) انظر: (1/ 4).

ص: 24

ويذكر مسائل الخلاف بنسبة كل قول إلى قائله، وذكر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، وعن التابعين وغيرهم، ثم يرجح ما يراه راجحًا من الأقوال حسب ما يؤديه إليه اجتهاده معتمدًا على المعقول والمنقول في المناقشة والترجيح.

وقد سار رحمه الله على طريقة الإمام القرطبي في "تفسيره" بتقسيمه الآية إلى جمل وفقرات حسب ما تضمنته من أحكام، إلا أن القرطبي يقول: في هذه الآية كذا من المسائل، والمؤلف يقول: الجملة الأولى، أو يقسم الآية ويتكلم عن الأحكام الموجودة فيها مراعيًا ترتيب الأحكام حسب وجودها وتسلسلها في الآيات، وهو لا محالة تأثر بالقرطبي في هذا.

إلا أنه استقل رحمه الله في تقرير المسائل، واختار طريقة تدل على قِدمه في هذا الباب لسوقها، وانتهج منهجًا متميزًا في الاستدلال والترجيح.

وقد ضمَّ الكتاب معظم أبواب الفقه من أحكام الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد والمعاملات وغيرها، والتي أتى ذكرها في الآيات القرآنية الكريمة، إلا أنه لم يستوعب كل آيات الأحكام التي أوصلها بعضهم إلى خمس مئة آية، بل ترك آياتٍ كثيرةً تتعلق بالأحكام طلبًا للاختصار، وذلك إما لاندراجها في أحكام الناسخ، أو في أحكام المنسوخ، أو لذكر أحكامها في غيرها، أو لغير ذلك (1).

* وقد عرض المؤلف رحمه الله لفقه الأئمة الأربعة ومذاهب الصحابة والتابعين في أكثر المسائل التي تناولها في كتابه هذا، معتمدًا على أمهات كتب التفسير والفقه والناسخ والمنسوخ، مقدمًا فقه إمامه الشافعي

(1) انظر: (4/ 291).

ص: 25

-رحمه الله في العرض، وتاليه بذكر المذاهب الأخرى، مصوِّبًا ومرجحًا ما يراه، فيجد مطالع الكتاب ترجيحات كثيرة لمذاهب أخرى على مذهب إمامه الشافعي؛ فيرجح القول المخالف للشافعي في كون الإحرام بالحج في أشهره لا يصح، ويرجح قول الإمام مالك في كون الرزق والكسوة للمرضعة لأجل الزوجية لا لأجل الرضاعة، ويرجح قول مالك وأبي حنيفة في كون الرشد يكون بإصلاح المال فقط، ويرد ويتعجب من الشافعية في استحبابهم التكميل بالعمامة في مسألة المسح عليها، ويبطل تفريع الشافعية في مسألة أخرى، وغير ذلك.

بل لم تقتصر ترجيحاته ومناقشاته في ذلك فحسب، بل كان له مع الأئمة الآخرين نصيب من المناقشة والاستدلال، فتراه يرد على النحَّاس في مسألة النسخ وإبطاله له، ويرد بنقد لاذع على ابن خُويز مِنْداد المالكي، وعلى أبي الفتوح بن أبي عقامة، ومكي بن أبي طالب، وابن العربي، وابن رشد، والنووي، وغيرهم.

وكل هذا يأتي بأسلوب علمي ومنهجي رفيع، يزينه تواضع بلغة عالية، وانظر قوله في مسألة الكلالة:"هذا ما انتهى إليه فهمي وبحثي في الكلالة، والله أعلم، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني، وأستغفر الله الغفور الرحيم".

* كما ظهر في هذا التأليف النفيس عناية المؤلف بسوق الروايات الحديثية مشفوعة في الغالب بـ (روينا) التي تدل على اشتغاله بالرواية وعلم الحديث.

* وظهر أيضًا كثرة الاستشهادات الشعرية التي يحشدها المؤلف للدلالة على المعنى المراد لديه.

ص: 26