المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مُقَدِمَة التَّحقِيْق إنَّ الحمد لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره، - تيسير البيان لأحكام القرآن - مقدمة

[ابن نور الدين]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مُقَدِمَة التَّحقِيْق إنَّ الحمد لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره،

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مُقَدِمَة التَّحقِيْق

إنَّ الحمد لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.

أما بعد:

فإنَّ علم التفسير من أجلِّ علوم الشريعة، وأرفعِها قدرًا، وهو من أشرف العلوم غرضًا، وحاجة إليه؛ لأن موضوعه كلام الله تعالى، الذي هو ينبوع كلِّ حكمة، ومعدِن كلِّ فضيلة.

وفي ذلك يقول الإمام البيضاوي في "تفسيره": إن أعظم العلوم مقدارًا، وأرفعها شرفًا ومنارًا: علم التفسير، الذي هو رئيس العلوم الدينية ورأسها، ومبنى قواعد الشرع وأساسها (1).

ويقول إمام المفسرين الطبري في "تفسيره": اعلموا عباد الله -رحمكم الله- أنَّ أحقَّ ما صُرفت إلى علمه العناية، وبلغت في معرفته الغاية، ما كان لله في العلم به رضَى، وللعالم به إلى سبيل الرشاد هدىً، وأنَّ أجمعَ ذلك لباغيه، كتاب الله الذي لا ريب فيه، وتنزيله الذي لا مِرْية

(1) انظر: "تفسير البيضاوي"(1/ 9).

ص: 11

فيه، الفائز بجزيل الذخر وسنيِّ الأجر تاليه، الذي لا يأتيه الباطِلُ من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ (1).

ولقد كان الصحابةُ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفهمون القرآن بسليقتهم العربية، وإن التبسَ عليهم فهمُ آيةٍ رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينها لهم، ثم جعل إلى العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم استنباطَه، ما نبّه إلى معانيه، وأشار إلى أصوله ليتوصلوا بالاجتهاد فيه إلى علم المراد، فيمتازوا بذلك عن غيرهم، ويختصوا بثواب اجتهادهم، قال الله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، فصارَ الكتاب أصلًا، والسنُّةُ له بيانًا، واستنباطُ العلماء له إيضاحًا وتبيانًا (2).

وكان من البدهي أن تَجِدَّ قضايا لم يسبق لها مثيلٌ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان القرآن للصحابة ملاذًا لهم لاستنباط الأحكام الشرعية للقضايا الجديدة، فيُجمعون على رأي فيها، وقلما يختلفون عند التعارض، كاختلافهم في عدة الحامل المتوفى عنها زوجُها، أهي وضع الحَمْل، أم مُضِيُّ أربعة أشهر وعشر، أم أبعدُ الأجلين منهما؟ حيث قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، وقال تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، فكانت هذه الأحوال على قِلَّتها بدايةَ الخلاف الفقهي في فهم آيات الأحكام.

فلما كان عهد الأئمة الأربعة، واتَّخذ كل إمام أصولًا لاستنباط الأحكام في مذهبه، وكثرت الأحداث، وتشعبت المسائل، ازدادت وجوه الاختلاف في فهم بعض الآيات لتفاوت وجوه الدلالة فيها، دون تعصب لمذهب، بل

(1) انظر: "تفسير الطبري"(1/ 26).

(2)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (1/ 2).

ص: 12

استمساكًا بما يرى الفقيه أنه الحقُّ، ولا يجد غَضَاضةً إذا عرفَ الحقَّ لدى غيره أن يرجع إليه.

وبقي الأمر هكذا حتى جاء عصرُ التقليد المذهبي، فقَصَر أتباع الأئمة جهودهم على توضيح مذهبهم والانتصار له، وأحيانًا حتى لو كان ذلك بحمل الآيات القرآنية على المعاني المرجوحة البعيدة، ونشأ من هذا تفسير فقهيٌّ خاصٌّ لآيات الأحكام في القرآن، يشتد التعصب فيه أحيانًا، ويَخِفُّ أخرى (1).

وهذا المنهج هو ما يسمى بـ "التفسير الفقهي"، وقد برزت فيه كتب كان لها الأثرُ البارزُ في إثراء مكتبة الفقه الإسلامي، فمن هذه الكتب:

1 -

"أحكام القرآن" للجصاص، وهو من المراجع المهمة في آيات الأحكام والمسائل الخلافية، لكنه مليء بميله المُفْرِطِ إلى مذهبه الحنفي، وذلك في الانتصار له، ومحاولته إبطالَ أدلة المخالفين.

2 -

"أحكام القرآن" لإلكيا الهَرَّاسِي الشافعي، وهو مرجع هام ومفيد في آيات الأحكام، لكنه اقتصر فيه على إيراد مذهب الشافعي رحمه الله دون التعرض لمذاهبِ غيره من الأئمة.

3 -

"أحكام القرآن" لابن العربي المالكي: وهو من أحسن الكتب المؤلفة في آيات الأحكام، وعليه اعتمد مَنْ جاء بعده كالقرطبي، لكنه يهجم على المخالف بشدة، ويتحامل على بعض الأئمة المخالفين لمذهبه.

4 -

"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي، وهو من أفضل الكتب في التفسير وأكثرها جمعًا لآيات الأحكام، ومسائل الخلاف، دون التعصب والتحيز

(1) انظر: "مباحث في علوم القرآن"، لمنّاع القطّان، (ص: 376 - 377).

ص: 13

لمذهب من المذاهب الفقهية، فجاء الكتاب فريدًا في بابه، عظيمًا في نفعه وفائدته.

وقد جاء بعد هؤلاءِ الإمامُ العلامةُ الفقيه المفسر اللغوي محمد بن علي المَوْزعيُّ الشافعيُّ، فألف كتابه "تيسير البيان لأحكام القرآن" مقتفيًا أثرهم في مناقشته للآراء الفقهية، مع الرد على المخالف، وذكر أوجه الاستدلال، والمسائل الفرعية.

وقد اكتسب هذا الكتاب أهمية على غيره من كتب أحكام القرآن لأسبابٍ، منها:

1 -

أن مؤلفه شافعيَّ المذهب، حيث إن الكتب المشتهرة قبله إما أن تكون لمؤلف حنفي؛ كالإمام الجصاص، أو لمؤلفٍ مالكي؛ كالإمامين ابن العربي والقرطبي.

2 -

مناقشات المؤلف وردوده في مسائل كثيرة من كتابه هذا، وعدم جموده على التقليد المحض، وذلك بالنظر في أدلة المذاهب الأخرى، وترجيحه في مواطن كثيرة غير مذهب إمامه الشافعي، مما يجعل لكتابه هذا قبولًا لدى أتباع المذاهب الأخرى.

3 -

طريقة عَرْضه للأحكام الفقهية، وحُسْن جمعه واختصاره لكلام الأئمة.

لهذه الأسباب -وغيرها مما سيأتي- اتجهت الرغبة لخدمة هذا الكتاب، وتحقيقه، وطبعه لنشره بين الناس؛ علماءَ وطلبةَ علمٍ.

وقد تم التقديم بين يدي الكتاب بفصلين -كمدخلٍ له- هما:

الفصل الأول: في ترجمة المؤلف.

الفصل الثاني: في دراسة الكتاب.

ص: 14

هذا، وأسأل الله تعالى أن يتقبل منا صالح القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين

عبد المعين الحرش

ص: 15