المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

_________ .............................. السنة الأولى /‌ ‌ العدد الرابع .............................. قسنطينة يوم الاثنين 15 - جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية - جـ ٤

[ابن باديس، عبد الحميد]

الفصل: _________ .............................. السنة الأولى /‌ ‌ العدد الرابع .............................. قسنطينة يوم الاثنين 15

_________

.............................. السنة الأولى /‌

‌ العدد الرابع

..............................

قسنطينة يوم الاثنين 15 ربيع الثاني 1352

Constantine le 07 juillet 1933

ــ

‌الجمعية

دعوتها وغايتها

الخطاب النفيس الذي ألقاه الأستاذ البشير الإبراهيمي نائب الرئيس مساء الثلاثاء 4 ربيع الأول الماضي، اليوم الثاني للاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين نقلا عن مجلة الشهاب.

ـ[عمود1]ـ

نبتدئ الكلام باسم الله وحده وبالصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله رسول الله وعبده، وبالرضى عن آله وأصحابه أنصار الحق وجنده، المؤمنين بعهده المصدقين لوعده، وباستنزال الرحمة الشاملة على أئمة الهدى ونجوم الاقتداء الذين طالما ساورهم الباطل بسلطانه وأيده وكاثرهم بجموعه وحشده ودمدم عليهم بهزيمه ورعده فما وهنوا عند إرخائه وما استكانوا عند شده وما انخدعوا لهزله ولا لعبوا عند جده وعلى عباد الله الصالحين المصلحين الذين وقفوا عند شرعه وحده وأخلصوا عملهم لله بيقين القلب وعقده وابتلاهم الله بالشر والخير فتنة فقالوا كل من عنده ووفقهم لفهم حقائق الأشياء فما التبست عليهم المعاني ولا سموا الشيء باسم ضده.

ونحيي بتحيات الله المباركات الطيبات

ـ[عمود2]ـ

هذه الوجوه النيرة وما تحتها من نفوس خيرة. من كل مدعو إلى الخير مجيب وداع إليه قد أجيب. وندعو لما دعا له كتاب الله من تأكيد الأخوة والأخذ في أسبابها بالقوة.

وندعو للعلم الذي هو علم السعادة ورائد السيادة ونستعيذ بالله من شر التفرق الذي حذر منه الرحمن ودعا إليه الشيطان فنحن عباد الرحمن والواجب علينا امتثال أمره وأعداء الشيطان والواجب علينا اتقاء شره واجتناب مكره.

أيها الإخوة الكرام-

لعلكم تظنون أنكم ستسمعون موضوعا مبتكرا أو خارجا عن متعلقات جمعية العلماء وما دام قدومكم لأجل جمعية العلماء وقلوبكم مع جمعية العلماء وركوبكم المشقات والأتعاب في سبيلها

ـ[عمود3]ـ

فليكن حديثنا كله لا يخرج عما يتعلق بجمعية العلماء وأن هذه الجمعية بمقاصدها وغاياتها لموضوع يأتي على مواضيع القول كلها وإن القول فيها ليستغرق أوقات القائلين، وقد جمعكم الله وأنتم أنصارها وذووها في صعيد واحد كأنكم تقولون هذا هو المظهر ومن ورائكم أعدادكم ممن قعد بهم العجز أو حالت بينهم وبينها الأعذار وقد أرسلوا بالبرقيات والكتب وفيها ما سمعتم فكأنهم يقولون وهذا هو المخبر.

ولعل أروع ما شهد ته الجزائر في تاريخها الحديث هو اجتماع هذه السنة ولعل غرة أيامها في هذا التاريخ يومان هما أمسكم ويومكم.

وأين تقع تلك الاجتماعات الضخمة التي كانت تشهدها فتشهد المظاهر الفخمة على المخابر الوخمة وتشهد أشتاتا من الناس، لأشتات من المقاصد والغايات من اجتماع وحدته الغاية التي لها يعمل حتى كأن من فيه رجل واحد ووحدت الغاية رأيه فهو رأي واحد وقبل ذلك وحده الحق فجاء ومراده من النواحي المختلفة بسائق واحد وشعور واحد.

هذا مظهر الجمعية وهذا مخبرها من

ص: 1

_________

الصفحة 2

ــ

ـ[عمود:1]ـ

حيث القوة والمتانة والمقام والمكانة فأين مظهرها وأين مخبرها في العمل الذي أسست لأجله.

إن جمعيتكم هذه أسست لغايتين شريفتين لهما في قلب كل عربي مسلم بهذا الوطن مكانة لا تساويها مكانة وهما إحياء مجد الدين الإسلامي وإحياء مجد اللغة العربية.

فأما إحياء مجد الدين الإسلامي فبإقامته كما أمر الله أن يقام بتصحيح أركانه الأربعة العقيدة والعبادة والمعاملة والخلق، فكلكم يعلم أن هذه الأركان قد أصبحت مختلة وأن اختلالها أوقعنا فيما ترون من مصائب وبلايا وآفات.

اختلت العقائد ولابسها هذا الشوب من الخرافات والمعتقدات الباطلة فضعفت ثقتنا بالله ووثقنا بما لا يوثق به.

واختلت العبادات فخوت النفوس من تلك الآثار الجليلة التي هي سر العبادة والتي هي الباعث الأكبر على الكمال الروحي.

واختلت الأحكام فانتهكت الحرمات واستبيحت المحرمات وتفككت روابط الأسرة الإسلامية وقطعت الأرحام وتعادى المسلمون وتباغضوا وتنكر الأخ لأخيه-

وضعف الوازع الديني الذي يهيئ النفوس للانطباع بطابع واحد فأصبحت مستعدة للتكيف بما يقبح وما يحسن ثم غلب ما يقبح على ما يحسن فخرجت الفضيلة الإسلامية من عقل المسلم ومن نفسه وحلت محلها الرذيلة ثم جاء الاحتكاك بالأجانب عن هذا الدين ومعهم عاداتهم وأخلاقهم فوجدت السبيل ممهدا ووجدت نفوس المسلمين عورات بلا مدافع ولا محام فتمكنت فيها ومكنت لغيرها والشر يعدي، وكان من نتائج ذلك ما ترون من انحلال وتفكك.

ولو كنا نعبد الله حق عبادته ونبني

ـ[عمود2]ـ

العبادة الخالصة على عقيدة خالصة - لكان من آثار تلك العبادة في نفوسنا ما يقيها من شرور هذه العوائد العادية.

واختلت الأخلاق وفي اختلالها البلاء المبين وإن الأخلاق في دينكم هي شعب الإيمان فلا يختل خلق إلا وتضيع من الإيمان شعبة وقد أجمع حكماء الأمم على هذه الحقيقة التي قررها الإسلام بدلائله وأصوله وهي أن الأمم لا تقوم ولا تحفظ وجودها إلا برسوخ الأخلاق الفاضلة في نفوس أفرادها-

ولهذا نرى الإسلام يأخذ في شرطه على أبنائه أن يتآمروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر ويبدئ في هذا المعنى ويعيد ويضرب الأمثال ويبين الآثار ويلفت النفوس إلى الاعتبار بمن مضوا وإلى سنن الله الخالية فيهم.

لو لم يكن من أصول دينكم أيها الإخوة وتعاليمه إلا هذا الأصل وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكفاه دلالة على أنه دين اجتماع وعمران وحياة وبقاء ولو لم نضع فيما أضعنا من تلك الأصول إلا هذا الأصل لكفانا مقتا واستحقاقا لغضبه واستبداله بنا قوما غيرنا.

وأما إحياء مجد اللسان العربي فلأنه لسان هذا الدين والمترجم عن أسراره ومكنوناته لأنه لسان القرآن الذي هو مستودع الهداية الإلهية العامة للبشر كلهم لأنه لسان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم صفوة الله من خلقه والمثل الأعلى لهذا النوع الإنساني الذي هو أشرف مخلوقات الله ولأنه لسان تاريخ هذا الدين ومجلي مواقع العبر منه، ولأنه قبل ذلك وبعد ذلك لسان أمة شغلت حيزا من التاريخ بفطرتها وآدابها وأخلاقها وحكمها وأطوارها وتصاريفها في الحياة ودولها في الدول وخيالها اللامع الخاطف

ـ[عمود3]ـ

الذي هو أساس فنها وآرائها في عالمي الكون والفساد.

وكلكم يعلم أن هذا اللسان ضاع من بيننا فأضعنا بضياعه كل ذلك التراث الغالي النفيس من دين وتاريخ وإن اللغة هي المقوم الأكبر من مقومات الاجتماع البشري وما من أمة أضاعت لغتها إلا وأضاعت وجودها واستتبع ضياع اللغة ضياع المقومات الأخرى. ويأبى لكم الله والإسلام أن تضيعوا لغة كتاب الله ولغة الإسلام.

يأبى لكم الله إلا أن ترجعوا إليها لا لتحيوها بل لتحيوا بها الفضيلة الإسلامية في نفوسكم ولتحيوا بها الحياة التي يريدها الله منكم فجمعيتكم - بعون الله وبفضل هممكم تركب لهاتين الغايتين من الوسائل كل ممكن فمن محاضرات ودروس عامة إلى دروس خاصة إلى تنشيط وإرشاد لهذين وهي تعتقد في الإعانة على القيام بهذا العهد الذي قطعته على نفسها - بعد الله على كل من يصله صوتها من أبناء هذه الأمة - وهي تعتقد أنها لا تستغني عن الإعانة من أنصارها مهما قلت وأنها لا تستغني عن حنكة الشبب وتجاريبهم ولا عن اعتدال الكهول وحكمتهم - ولا عن نشاط الشبان وفتوتهم وإن تكافل هذه القوى الثلاث سيخرج للأمة الجزائرية جيلا مزودا بالإسلام الصحيح وهدايته والبيان العربي وبلاغته عارفا بقيمة الحياة سباقا في ميادينها متحليا بالفضائل عزوفا عن الرذائل عارفا بما له وما عليه واقفا في مستقر الحقيقة الواقع لا في ملعب الخيال الطائر-

أيها الإخوة الكرام - ليس من معنى سعي جمعيتكم لهاتين الغايتين أنها تعرض عما سواهما وأنها لا تقيم الوزن لهذه العلوم التي أصبحت وسائل للحياة أوهي الحياة نفسها كما ظنه الظانون بهذه الجمعية فظنوا بها ظن من لم يفهم شيئا من حقيقتها فهي تعمل للغايتين وتعمل لما وراء الغايتين من كل نافع مفيد لا ينافي كليات الإسلام وأصوله.

وإن في سماحة الإسلام الذي ندعو إليه وفيما هو مقرر في مقاصده من عدم التحجير على العقول

ص: 2