الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
92 -
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: حَدَّثُونَا عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ، حِينَ قَالَ لَهَا: أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا ، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَشَدَّ لَهُ اقْتِصَاصًا ، وَقَدْ وَعِيتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا ، قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، وَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا يَخْرُجُ بِهَا مَعَهُ ، قَالَتْ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا
فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي ، فَأَخْرَجَنِي مَعَهُ وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ ، قَالَتْ: فَكُنْتُ أَحْمِلُ فِي هَوْدَجِي وَأَنْزِلُ فِيهِ ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوِهِ وَقَفَلَ فَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ ، فَقُمْتُ حِينَ أَذِنَ بِالرَّحِيلِ لأَقْضِيَ حَاجَتِي ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ ، فَقَضَيْتُ شَأْنِي ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي بِيَدِي فَإِذَا عُقِدَ كَانَ عَلَيَّ مِنْ جَزِعَ أَظْفَارٍ كَانَ عَلَيَّ انْقَطَعَ ، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ ، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ ، فَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي فَحَمَلُوا هَوْدَجِي ، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُهُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ ، وَكُنَّ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبِّلْهُنَّ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ ، إِنَّمَا كُنَّ يَأْكُلْنَ الْعَلَقَةَ مِنَ الطَّعَامِ ، فَلَمْ يَسْتَكْثِرِ الْقَوْمَ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَرَحَلُوا ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا ، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ وَسَارُوا ، فَجِئْتُ الْمَنْزِلَ فَإِذَا لَيْسَ بِهِ دَاعٍ وَلا مُجِيبٌ ، فَتَيَمَّمْتُ مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَجَلَسْتُ ، وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيْفَتْقَدِوُنَنِي وَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ ، فَبَقِيتُ كَمَا أَنَا جَالِسَةً فِي مَنْزِلِي إِذْ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثَمَّ الذَّكْوَانِيِّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ ، فَأَدْلَجَ ، وَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ قَائِمٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي ، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ ، فَاسْتَرْجَعَ حِينَ عَرَفَنِي ، وَقَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ.
فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ ، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي فَوَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي بِكَلِمَةٍ ، وَلا سَمِعْتُ مِنْهُ شَيْئًا غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا ، فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا الْمَنْزِلَ فِي مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَقَدْ هَلَكَ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ مَنْ هَلَكَ ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ ، قَالَتْ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَاهَا فَلَبِثَتْ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ وَلا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَانَ يُرِيبُنِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجَعِي أَنِّي لا أَعْرِفُ مِنْهُ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى حِينَ كُنْتُ أَشْتَكِي ، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ فَيُسَلِّمُ ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَذَلِكَ الَّذِي كَانَ يُرِيبُنِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَمْ أَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ قَبْلَ الْمَنَاصِعِ بَعْدَمَا نَقَهْتُ وَلَمْ نَكُنْ نَخْرُجُ إِلا مِنَ اللَّيْلِ إِلَى اللَّيْلِ ، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ ابْنَةُ أَبِي رَهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا أَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قَبْلَ الْمَنْزِلِ حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ بِمِرْطِهَا ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ ، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ تَسُبِّينَ رَجُلا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا.
فَقَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ ، إِنَّكِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ ، أَوَمَا تَسْمَعِينَ مَا قَالَ مِسْطَحٌ: قُلْتُ: وَمَا قَالَ مِسْطَحٌ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَتَثَبَّتَ الْخَبَرَ وَأَعْلَمَهُ مِنْ قِبَلِهِمَا ، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّهْ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ حَظِيَّةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلا أَكْثَرْنَ الْقَوْلَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا.
قَالَتْ: نَعَمْ ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لا تَرْقَأُ لِي دَمْعَةٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي حَتَّى ظَنَّ أَبَوَيَّ أَنَّ الْبُكَاءَ يَفْرِي كَبِدِي فَرْيًا ، دَخَلَ عَلَيَّ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ مَا دَخَلَ عَلَيَّ أَبَوَيَّ ، وَلَقَدِ اسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا آذَنَ لَهُ ، قَالَتْ: فَمَا اسْتَلْبَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَحْيَ ، دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ ، وَاسْتَلْبَثَتِ الْوَحْيَ.
حَتَّى قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ فِي ثِقَةٍ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُكَ وَلا نَعْلَمُ إِلا خَيْرًا.
وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ النِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ، فَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ فَقَالَ: أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ شَيْءٍ يُرِيبُكِ؟ قَالَتْ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا شَيْئًا أُغْمِضُهُ عَلَيْهَا أُعْمِيَ سَمْعِي وَبَصَرِي ، عَائِشَةُ أَطْيَبُ مِنْ طِيبٍ، أَبَدًا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عُجَيْنَةِ أَهْلِهَا فَيَأْتِي الدَّاجِنُ فَيَأْكُلُهُ.
وَسَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَتْ هِيَ الَّتِي تُسَامِينِي مِنْ بَيْنِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ: مَا عَلِمْتُ وَمَا رَأَيْتُ عَلَى عَائِشَةَ ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ عز وجل بِالْوَرَعِ ، وَقَالَتْ: مَا عَلِمْتُ إِلا خَيْرًا.
وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُهَا فِي أَمْرِي ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، وَقَالَ:«يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي أَهْلِي أَيْضًا ، وَمَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا لِي رَجُلا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلا مَعِيَ» .
فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ: أَنَا أَعْذُرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الأَوْسِ أَمَرْتَنَا فِيهِ ، فَفَعَلْنَا بِهِ مَا أَمَرْتَنَا ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ ، لَئِنْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ لا تَقْتُلُهُ وَلا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَيَقْتُلَنَّهُ؛ فَإِنَّكَ لا تَزَالُ تُحَارِبُنَا عَنِ الْمُنَافِقِينَ ، قَالَ: فَتَنَادَى الْحَيَّانِ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَتَّى هَمُّوا يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ قَائِمٌ يُخَوِّفُهُمْ وَيُسْكِتُهُمْ ، فَلَمْ يَزَلْ يُخَوِّفُهُمْ وَيُسْكِتُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَتْ: وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ وَلَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ.
قَالَتْ: فَبَيْنَمَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي إِذِ اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِيَ ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَلَّمَ ، ثُمَّ جَلَسَ عِنْدِي.
قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ قَبْلَهَا ، وَقَدْ بُلِيتُ لا يُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَأْنِي شَيْئًا ، فَتَشَهَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الذَّنْبِ النَّدَمُ وَالاسْتِغْفَارُ» .
قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ بِقَطْرَةٍ ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ.
قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللَّهِ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ ، فَوَاللَّهِ فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي ، وَإِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ لَكُمْ مَثَلا إِلا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ لا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ فَاخْتُلِسَ مِنِّي اسْمُ يَعْقُوبَ، قُلْتُ إِذْ ذَاكَ مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] .
ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ سَيُبَرِّئُنِي ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنَزَّلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى ، فَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ ، وَلَكِنِّي أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ بَعْضَ مَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا ، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَجْلِسِهِ ذَلِكَ ، وَلا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَحْيَ ، فَأَخَذَهُ مَا يَأْخُذُهُ مِنَ الْبَرْحَاءِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ ، كَأَنَّ يَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي يَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ التَّنْزِيلِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، كَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ يُكَلِّمُ بِهِ وَهُوَ يَضْحَكُ ، أَنْ قَالَ:«أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ بَرَّأَكِ» .
فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ ، وَلا أَحْمَدُ إِلا اللَّهَ ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 11]" قَالَ سُفْيَانُ: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لِمَنْ قِيلَتْ لَهُ بَلْ هُوَ خَيْرٌ " فَقَرَأَ عَلَيَّ الْعَشْرَ ، فَأَنْزَلَ بَرَاءَتِي فِي هَذِهِ الْعَشْرِ آيَاتٍ قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ مَالِكٌ: قَالَتْ عَائِشَةٌ: " فَقُلْتُ لأَبِي: مَا منَعَكَ تَعْذُرُنِي حِينَ قَالُوا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَقَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّةُ وَكَيْفَ أَعْتَذِرُ مِمَّا لا عِلْمَ لِي ، أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي حِينَ أَقُولُ مَا لا عِلْمَ لِي بِهِ؟ قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ ، فَحَلَفَ أَلا يُنْفِقَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ فِي عَائِشَةَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] .
قَالَ أبَوُ بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي ، قَالَ: فَعَادَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ ، وَقَالَ: لا أَنْتَزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا ".
قَالَ سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور: 22] .
الْفَضْلُ فِي الدِّينِ ، وَالسَّعَةُ فِي ذَاتِ الْيَدِ ، قَالُوا لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ عَنْ مَنْ هَذَا الْحَدِيثُ؟ قَالَ: عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، وَزِيَادِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، حَدَّثَهُمْ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَهَذَا الَّذِي انْتَهَى النَّبَأُ مِنْ خَبَرِ هَؤُلاءِ الرَّهْطِ