المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يسر له في النعمة من كونه في خير قرون هذه الأمة - جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر

[ابن المبرد]

الفصل: ‌باب ما يسر له في النعمة من كونه في خير قرون هذه الأمة

‌بَابُ مَا يُسِّرَ لَهُ فِي النِّعْمَةِ مِنْ كَوْنِهِ فِي خَيْرِ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» .

وَلا أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لا؟ وَسَاقَ ذَلِكَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقَرْنَ مِائَةُ سَنَةٍ وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ ، فَيَكُونُ مِمَّنْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَرُدُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْنِ النَّاسُ الَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ الَّذِينَ بَعْدَهُمْ لأَنَّ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ: الْقَرْنَ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّمَنَ لَقَالَ: ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، وَلَكَانَ مَنْ وُجِدَ مِنَ التَّابِعِينَ فِي الْمِائَةِ الأُولَى فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ يُعَدُّ مَعَ الصَّحَابَةِ، وَيُعَدُّ التَّابِعِينَ مِمَّنْ وُجِدَ فِي الْقَرْنِ التَّالِي يُعَدُّ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلا قَائِلَ بِذَلِكَ فَعَلِمَ أَنَّمَا الْمُرَادُ النَّاسُ لا الزَّمَنُ، وَالْمُرَادُ بِالْقَرْنِ الأَوَّلِ الصَّحَابَةُ، وَبِالثَّانِي التَّابِعِينَ، وَبِالثَّالِثِ مَنْ لَقِيَ التَّابِعِينَ مِثْلَ مَالِكٍ وَأَشْبَاهِهِ بِالرَّابِعَةِ عَلَى رِوَايَةِ الإِثْبَاتِ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ ثَلاثًا تَابِعَ تَابِعَ التَّابِعِينَ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ وَسُفْيَانَ، فَيَا للَّهِ الْعَجَبُ مِنْهُ وَمِنْ كَوْنِهِ قَدِيرًا فِي الْحُفَّاظِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا الأَمْرُ الَّذِي لا يَخْفَى عَلَى الصِّبْيَانِ؟ فَهُوَ إِمَّا أَنَّهُ لا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَهَذَا عَيْنُ الْجَهْلِ، أَوْ عَلِمَهُ وَقَالَ خِلافَهُ لأَجْلِ الْهَوَى فَهُوَ عَيْنُ التَّعَصُّبِ وَنَصْرُ الْبَاطِلِ، وَأَيْنَ مَا شَنُعَ بِهِ عَلَى الأَهْوَازِيِّ مِنْ أَنَّهُ لا يَعْرِفُ الْقَرِينَةَ وَلا يُفَرِّقُ الْكُنْيَةَ مِنَ الْكِنَايَةِ، هَلا نَظَر هُوَ هُنَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ عليه السلام:«الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» .

أَفِي الْوَقْتِ يُقَالُ ذَلِكَ؟ فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ كَيْفَ عَمِيَ عَنْ هَذَا؟ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَقْتَ لَقَالَ: ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَالْمَرْءُ يَرَى الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ وَالْجَذَعُ مُتَعَرِّضٌ فِي عَيْنِهِ لا يَرَاهُ، ثُمَّ أَخَذَ يَحْتَجُّ عَلَى أَنَّ الْقَرْنَ مِائَةُ سَنَةٍ بِقَوْلِهِ عليه السلام:«أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ لا يَبْقَى مِمَّنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ» .

وَفِي الْحَدِيثِ يُرِيدُ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْن، وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ بِأَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ:«الْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ» .

وَبِحَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ: «كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، الْقَرْنُ مِائَةُ عَامٍ» ، وَكَأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَرْنَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى الْمِائَةِ سَنَةٍ، وَعَلَى مَنْ عَاصَرَ الإِنْسَانَ مِنَ النَّاسِ، وَقَرْنُ الْحَيَوَانِ مِثْلَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَقَرْنُ الْمَنَازِلِ مَوْضِعٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ النَّاسُ دُونَ الْوَقْتِ عِدَّةُ مَوَاضِعَ.

ثُمَّ أَخَذَ يَذْكُرُ مَوْلِدَ الأَشْعَرِيِّ وَوَفَاتَهُ، مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِأُمُورٍ مُطَوَّلَةٍ لَا طَائِلَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ بَابَ مَا ذُكِرَ مِنْ مُجَانَبَتِهِ لأَهْلِ الْبِدَعِ وَاجْتِهَادِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَصِيحَتِهِ لِلأُمَّةِ وَصِحَّةِ اعْتِقَادِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ زَاهِرِ بْنِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ حَضَرَ الأَشْعَرِيَّ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ يَلْعَنُ الْمُعْتَزِلَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ دَعَاهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي لا أُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ، لأَنَّ الْكُلَّ يُشِيرُونَ إِلَى مَعْبُودٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كُلُّهُ اخْتِلافُ الْعِبَارَاتِ، ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ هَذَا مَنْقَبَةٌ، وَأَرَاهُ مَذَمَّةً لأَنَّهُ مَيْلٌ إِلَى عَدَمِ تَكْفِيرِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ اعْتِقَادَهُ وَأَنَّهُ سَلَكَ مَذْهَبًا وَسَطًا، وَأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَالرَّافِضَةَ عَطَّلُوا، فَقَالُوا: لا قُدْرَةَ، وَلا سَمْعَ، وَلا بَصَرَ، وَلا حَيَاةَ، وَلا بَقَاءَ، وَالْمُجَسِّمَةُ شَبَّهُوا، وَأَنَّهُ سَلَكَ مَذْهَبًا بَيْنَهُمَا، قُلْتُ: بَلْ مَذْهَبُهُ التَّأْوِيلُ، وَرَدَّ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَالأَحَادِيثِ بِالتَّأْوِيلِ الْعَقْلِيِّ، فَالْمُعْتَزَلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ صَرَّحُوا بِالنَّفْيِ، وَهُوَ مَوَّهَ عَلَى النَّاسِ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِ النَّفْيُ ، لأَنَّهُ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ وَتَأَوَّلَهَا وَرَدَّ غَالِبَهَا إِلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْهُ بِحُجَجِهِ الْعَقْلِيَّةِ، وَتَرَكَ الأُمُورَ النَّقْلِيَّةَ، وَمَحَلُّ الإِنْصَافِ أَنَّ مَا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الاعْتِقَادِ فِيهِ الْخَطَأُ وَالصَّوَابُ وَفِيهِ الْحَسُن وَالرَّدِيءُ، ثُمَّ ذَكَرَ خُطْبَتَهُ فِي أَوَّلِ الإِبَانَةِ فِيهَا كَلامٌ جَيِّدٌ لِمَنْ قَرَأَ كَلامُهُ مِنْهَا أَنْ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ الْقَدَرِ مَالَتْ بِهِمْ أَهْوَاؤُهُمْ إِلَى التَّقْلِيدِ لِرُؤَسَائِهِمْ، وَمَنْ مَضَى مِنْ أَسْلافِهِمْ فَتَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ عَلَى آرَائِهِمْ تَأْوِيلا لَمْ يُنَزِّلِ اللَّهُ بِهِ سُلْطَانًا، وَلا أَوْضَحَ بِهِ بُرْهَانًا، وَلا نَقَلُوهُ عَنْ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلا عَنِ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَخَالَفُوا رِوَايَةَ الصَّحَابَةِ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ بِالإِبْصَارِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَاتُ مِنَ الْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَاتِ، وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الآثَارُ وَتَتَابَعَتْ بِهِ الأَخْبَارُ، وَأَنْكَرُوا شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرَدُّوا الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنِ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَجَحَدُوا عَذَابَ الْقَبْرِ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ فِي قُبُورِهِمْ يُعَذَّبُونَ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَدَانُوا بِخُلُقِ الْقُرْآنِ نَظِيرًا لِقَوْلِ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: قَالُوا: {إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] ، فَزَعَمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ كَقَوْلِ الْبَشَرِ، وَأَثْبَتُوا أَنَّ الْعِبَادَ يَخْلُقُونَ الشَّرَّ، نَظِيرًا لِقَوْلِ الْمَجُوسِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ خَالِقَيْنِ، أَحَدُهُمَا يَخْلُقُ الْخَيْرَ، وَالآخَرُ يَخْلُقُ الشَّرَّ، وَزَعَمَتِ الْقَدَرِيَّةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ الْخَيْرَ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْلُقُ الشَّرَّ، وَزَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَشَاءُ مَا لا يَكُونُ، وَيَكُونُ مَا لا يَشَاءُ، خِلافًا لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحُجَّةَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يَتَفَرَّدُونَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ دُونَ رَبِّهِمْ، وَأَثْبَتُوا لأَنْفُسِهِمْ غِنًى عَنِ اللَّهِ عز وجل، وَوَصَفُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْقُدْرَةِ عَلَى مَا لَمْ يَصِفُوا اللَّهَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، كَمَا أَثْبَتَ الْمَجُوسُ لِلشَّيْطَانِ فِي الْقُدْرَةِ مِنَ الشَّرِّ مَا لَمْ يَنْسُبُوهُ للَّهِ عز وجل، فَكَانُوا مَجُوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ، إِذْ دَانُوا بِدِيَانَةِ الْمَجُوسِ، ثُمَّ قَالَ: وَحَكَمُوا عَلَى الْعُصَاةِ بِالنَّارِ وَالْخُلُودِ، خِلافًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] .

قَالَ: وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ لا يَخْرُجُ مِنْهَا، خِلافًا لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: دَفَعُوا أَنْ يَكُونَ للَّهِ وَجْهٌ، مَعَ قَوْلِهِ:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ للَّهِ يَدَانِ، مَعَ قَوْلِهِ:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] .

وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ للَّهِ عَيْنَانِ مَعَ قَوْلِهِ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] .

وَلِقَوْلِهِ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] .

وَنَفَوْا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» .

وَأَنَا أَذْكُرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَابًا بَابًا، قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ أَنْكَرْتُمْ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْمُرْجِئَةِ، فَعَرِّفُونَا قَوْلَكُمُ الَّذِي بِهِ تَقُولُونَ، وَدِيَانَتَكُمُ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ، قِيلَ لَهُ: قَوْلُنَا الَّذِي بِهِ نَقُولُ، وَدِيَانَتُنَا الَّتِي نَدِينُ بِهَا، التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَنَحْنُ بِذَلِكَ مُعْتَصِمُونَ، وَبِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ـ نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَهُ ـ قَائِلُونَ، وَلِمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ مُجَانِبُونَ، لأَنَّهُ الإِمَامُ الْفَاضِلُ، وَالرَّئِيسُ الْكَامِلُ الَّذِي أَبَانَ اللَّهُ بِهِ الْحَقَّ عِنْدَ ظُهُورِ الضَّلالِ، وَأَوْضَحَ بِهِ الْمِنْهَاجَ، وَقَمَعَ بِهِ بِدَعَ الْمُبْتَدِعِينَ، وَزَيْغَ الزَّائِغِينَ، وَشَكَّ الشَّاكِّينَ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ إِمَامٍ مُقَدَّمٍ، وَكَبِيرٍ مُفْهِمٍ، وَعَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِهِ وَأُمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَلامِهِ هَذَا عَلَى عِدَّةِ مَذَاهِبَ، فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إِنَّهُ اتَّقَى بِهَذَا الْكِتَابِ وَهَذَا الْكَلامِ الْحَنَابِلَةَ وَمَوَّهَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ مَعْمَعِيًّا كُلَّمَا جَاءَ إِلَى أَرْبَابِ مَذْهَبٍ يُظْهِرُ لَهُمْ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ مَعَهُمْ وَأَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ بِالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، فَأَمَّا أُولَئِكَ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ تَدْلِيسُهُ وَقَبِلُوهُ، وَأَمَّا هَؤُلاءِ فَرَدُّوهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ كَانَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ حَنْبَلِيًّا ، لأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِاتِّبَاعِهِ لَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ لإِمَامٍ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلامِهِ ذَلِكَ: وَجُمْلَةُ قَوْلِنَا أَنْ نُقِرَّ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لا نَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَأَنَّ اللَّهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَرْدٌ صَمَدٌ لا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَة آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] .

وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] .

وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ كَمَا قَالَ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] .

وَقَالَ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] .

وَأَنَّ لَهُ عَيْنَانِ بِلا كَيْفَ كَمَا قَالَ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] .

وَأَنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ غَيْرُهُ كَانَ ضَالا، وَإِنَّ للَّهِ عِلْمًا كَمَا قَالَ:{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] .

وَقَوْلُهُ: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11] .

وَنُثْبِتُ للَّهِ قُدْرَةً كَمَا قَالَ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15] .

وَنُثْبِتُ للَّهِ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَلا نُنْفِي ذَلِكَ كَمَا تَنْفِيهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْخَوَارِجُ وَتَقُولُ: إِنَّ كَلامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَإِنَّهُ لا يَكُونُ فِي الأَرْضِ شَيْءٌ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ للَّهِ كَمَا قَالَ:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] .

ثُمَّ ذَكَرَ الْحُجَّةَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ اللَّهَ وَفَّقَ الْمُؤْمِنَ لِلطَّاعَةِ وَأَضَلَّ الْكَافِرِينَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَنَقُولُ: إِنَّ كَلامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَإِنَّ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ كَانَ كَافِرًا، وَإِنَّ اللَّهَ يُرَى بِالأَبْصَارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا يُرَى الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، يَرَاهُ الْمُؤْمِنُ كَمَا جَاءَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ يَرْتَكِبُهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَنَدِينُ بِأَنَّهُ يُقَلِّبُ الْقُلُوبَ، وَأَنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَأَنَّهُ يَضَعُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرْضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ كَمَا جَاءَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ ذَكَرَ الإِيمَانَ بِإِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ، وَبِأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَعَذَابَ الْقَبْرِ وَالْحَوْضَ وَالصِّرَاطَ وَالْمِيزَانَ حَقٌّ، وَأَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قَالَ: وَنُسَلِّمُ لِلرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ مَحَبَّةَ الصَّحَابَةِ، وَتَقْدِيمَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْكَفَّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَنُصَدِّقُ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي أَثْبَتَهَا أَهْلُ النَّقْلِ مِنَ النُّزُولِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ الرَّبَّ يَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ وَسَائِرَ مَا نَقَلُوهُ وَأَعْلَنُوهُ خِلافًا لِمَا قَالَهُ أَهْلُ الزَّيْغِ وَالتَّضْلِيلِ، وَنُعَوِّلُ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَلا نَبْتَدِعُ فِي دِينِ اللَّهِ بِدْعَةً لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِهَا، وَلا نَقُولُ عَلَى اللَّهِ مَا لا نَعْلَمُ، وَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] .

وَأَنَّهُ يُقَرِّبُ مِنْ عِبَادِهِ كَيْفَ شَاءَ كَمَا قَالَ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] .

ثُمَّ ذَكَرَ اعْتِقَادًا حَسَنًا، وَكَلامًا غَالِبهُ لا شَيْءَ فِيهِ، فَيُقَالُ لِلأَشَاعِرَةِ: لِمَا لَمْ تَقُولُوا بِهَذَا الْكَلامِ الَّذِي قَدْ صَحَّ عِنْدَكُمْ أَنَّهُ قَوْلُهُ؟ وَقَدْ نَقَلْتُمُوهُ عَنْهُ، فَإِنْ قِيلَ لَهُ كَلامٌ آخَرُ، عَلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَظْهَرَ هَذَا تُقْيَةً وَتَمْوِيهًا، وَكَانَ دَلِيلا وَحُجَّةً عَلَى عَدَمِ تَوْبَتِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ كَلامَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، ثُمَّ قَالَ: فَتَأَمَّلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ هَذَا الاعْتِقَادِ مَا أَوْضَحَهُ وَأَبْيَنَهُ وَهُوَ وَاضِحٌ إِلا أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهُ مِنَ التَّأْوِيلِ، قَالَ: وَاعْتَرِفُوا بِفَضْلِ هَذَا الإِمَامِ الْعَالِمِ الَّذِي شَرَحَهُ وَبَيَّنَهُ، وَانْظُرُوا سُهُولَةَ لَفْظِهِ فَمَا أَوْضَحَهُ وَأَحْسَنَهُ، وَكُونُوا مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18] .

وَتَبَيَّنُوا فَضْلَ أَبِي الْحَسَنِ، وَاعْرِفُوا إِنْصَافَهُ وَاسْتَمِعُوا وَصْفَهُ لأَحْمَدَ بِالْفَضْلِ وَاعْتِرَافِهِ بِهِ، قُلْتُ: وَلا نَتَّبِعُهُ هُوَ وَغَيْرَهُ إِلا ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهُمَا كَانَا فِي الاعْتِقَادِ مُتَّفِقَيْنِ وَفِي أُصُولِ الدِّينِ وَمَذْهَبِ السُّنَّةِ غَيْرَ مُفْتَرِقَيْنِ، وَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الاعْتِقَادَ فِي فِعْلِ الْقَلْبِ وَمِنْ أَيْنَ اطَّلَعَ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمَا؟ فَإِنْ قَالَ: مَا أَظْهَرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ، قِيلَ: أَلَيْسَ الأَشْعَرِيُّ يَقُولُ بِالتَّأْوِيلِ وَأَحْمَدُ لا يَقُولُ بِهِ، فَعَلِمَ الاخْتِلافَ وَالْكَذِبَ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ تَزَلِ الْحَنَابِلَةُ بِبَغْدَادَ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ عَلَى مَرِّ الأَوْقَاتِ تَعْتَضِدُ بِالأَشْعَرِيَّةِ عَلَى أَصْحَابِ الْبِدَعِ، لأَنَّهُمُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي أَهْلِ الإِثْبَاتِ ، فَمَنْ تَكَلَّمَ مِنْهُمْ فِي الرَّدِّ عَلَى مُبْتَدِعٍ وَبِلِسَانِ الأَشْعَرِيَّةِ يَتَكَلَّمُ وَمَنْ حَقَّقَ مِنْهُمْ فِي الأُصُولِ فِي مَسْأَلَةٍ فَمِنْهُمْ يَتَعَلَّمُ، وَكَذَبَ فِي ذَلِكَ وَاللَّهِ، فَإِنَّ الْمُبَايَنَةَ لَمْ تَزَلْ بَيْنَهُمَا قَدِيمًا حَتَّى فِي أَيَّامِ الأَشْعَرِيِّ، ثُمَّ فِي زَمَنِ أَبِي حَامِدٍ، ثُمَّ فِي زَمَنِ الْقَاضِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَاضِيَ كَانَ إِلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي سَائِرِ الْعُلُومِ حَتَّى الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ بِفَضْلِهِ نَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَنَأْخُذُ عَنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الطُّولَى فِي سَائِرِ الْعُلُومِ الأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَوَقَعَتْ لَهُ مِحْنَةٌ مَعَهُمْ وَكَذَلِكَ شَيْخُ الإِسْلامِ الأَنْصَارِيُّ، وَصَنَّفَ كِتَابَهُ ذَمَّ الْكَلامِ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ، فَلَمْ تَزَلِ الْمُبَايَنَةُ، وَعَدَمُ احْتِيَاجِ الْحَنَابِلَةِ فِي الأُصُولِ إِلَى أَصْلٍ، وَمَبْنِيُّ أُصُولِ الْحَنَابِلَةِ لَيْسَ عَلَى الْكَلامِ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَمَعْرِفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلُزُومُهُمَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَإِجَادَةُ الْمَعْرِفَةِ فِيهِمَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، إِنَّمَا يُنْسَبُ إِلَى الْحَنَابِلَةِ، فَمَا هَذَا الافْتِرَاءُ الَّذِي أَهْوَى بِهِمْ؟ قَالَ: فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى حَدَثَ الاخْتِلافُ فِي زَمَنِ أَبِي نَصْرٍ الْقُشَيْرِيِّ، وَوِزَارَةِ النِّظَامِ وَوَقَعَ بَيْنَهُمُ الانْحِرَافُ مِنْ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ لانْحِلالِ النِّظَامِ، قَالَ: وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الْحَنَابِلَةِ طَائِفَةٌ تَغْلُو فِي السُّنَّةِ وَتَدْخُلُ فِيمَا لا يَعْنِيهَا حُبًّا لِلْخُفُوقِ فِي الْفِتْنَةِ وَقَدْ كَذَبَ وَاللَّهِ عَلَيْهُمْ وَإِنَّمَا لِشِدَّةِ تَمَسُّكِهِمْ بِالسُّنَّةِ يَرَوْنَ بِبِدْعَتِهِمْ فِيهِمْ ذَلِكَ، قَالَ: وَلا عَارَ عَلَى أَحْمَدَ رحمه الله مِنْ تَفْسِيرِهِ، لا وِزْرَ وَلا عَارَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ مُتَّفِقُونَ، إِلا الشُّذُوذَ مِنْهُمْ، قَالَ: وَلَيْسَ يَتَّفِقُ عَلَى ذَلِكَ رَأْيُ جَمِيعِهِمْ؟ بَلَى وَاللَّهِ الْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مِنْ زَمَنِ إِمَامِهِمْ وَإِلَى الْيَوْمِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ ذَلِكَ إِلا شُّذُوذُ مِنْهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ بِسَنَدِهِ عَنِ الْهَرَوِيِّ عَنِ ابْنِ شَاهِينَ، قَالَ: رَجُلانِ صَالِحَانِ بُلِيَا بِأَصْحَابِ سُوءٍ: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ وَالافْتِرَاءُ عَلَى أَصْحَابِ أَحْمَدَ، فَوَاللَّهِ لَهَذَا الْكَذِبُ وَالافْتِرَاءُ أَشَدُّ مِنْ كَلامِ الأَهْوَازِيِّ، وَقَدْ رُوِّينَا فِي كِتَابِ الْحَظِّ الأَسْعَدِ، عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الأَئِمَّةِ: أَنَّ عَلامَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ الْكَلامُ فِي أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَأَنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ فِي أَصْحَابِ أَحْمَدَ إِلا مُبْتَدِعٌ أَوْ صَاحِبُ بِدْعَةٍ، فَوَاللَّهِ لَمْ تَزَلِ الْحَنَابِلَةُ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَعَلَى لُزُومِ الطَّاعَةِ وَالدِّيَانَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْوَرَعِ وَالتَّخَفُّفِ وَالتَّنَسُّكِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَالْعَوَامُّ يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَضْلا عَنِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْعَصَبِيَّةُ وَالْهَوَى، وَشُهْرَتُهُمْ فِي الدِّيَانَةِ تَكْفِي عَنْ ذِكْرِ مَنَاقِبِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَمَّا تَمَّ لِلْهِجْرَةِ مِئَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً رَفَعَتْ أَنْوَاعُ الْبِدَعِ رَأْسَهَا حَتَّى أَصْبَحَتْ آيَاتُ الدِّينِ مُنْطَمِسَةَ الآثَارِ وَأَعْلامُ الْحَقِّ مُنْدَرِسَةَ الأَخْبَارِ، وَأَنَّ اللَّهَ أَظْهَرَ الأَشْعَرِيَّ فَأَحْيَا السُّنَّةَ، فَانْظُرْ لِهَذَا بِعَيْنِ التَّحْقِيقِ إِلَى هَذَا الْهَذَيَانِ وَالْكَذِبِ، فَإِنَّهُ قَبْلَ السِّتِّينَ وَالْمِائَتَيْنِ كَانَ. . . . الأَئِمَّةِ مِثْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمُسْلِمِ بْنِ حَجَّاجٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ، وَأَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ، فَأَيُّ بِدْعَةٍ كَانَتْ عِنْدَ هَؤُلاءِ؟ أَوْ أَيُّ مُبْتَدِعٍ رَفَعَ رَأْسَهُ فِي زَمَنِهِمْ حَتَّى إِنَّ الأَشْعَرِيَّ أَخْمَدَ ذَلِكَ؟ ثُمَّ أَعَادَ الْحَدِيثَ الَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] .

قَالَ عليه السلام: «هُمْ قَوْمَكَ يَا أَبَا مُوسَى أهل الْيَمَنِ» .

قَالَ: وَنَعْلَمُ بِأَدِلَّةِ الْعُقُولِ وَبَرَاهِينِ الأُصُولِ أَنَّ أَحَدًا مِنْ وَلَدِ أَبِي مُوسَى لَمْ يَرُدَّ عَلَى أَصْحَابِ الأَبَاطِيلِ ، وَلَمْ يُبْطِلْ سُنَنَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالأَضَالِيلِ بِحُجَجٍ قَاهِرَةٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَدَلائِلَ قَاهِرَةٍ مِنَ الإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ إِلا الأَشْعَرِيَّ، وَكَذَبَ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى دَلِيلٌ وَاضِحٌ فِي فَضْلِهِ، وَقَدِ افْتَرَى فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ أَلْبَتَّةَ لَهُ، لا سِيَّمَا وَقَدْ نَفَى جَمَاعَةٌ انْتِسَابَهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ جَاهَدَ أَعْدَاءَ الْحَقِّ وَفَضَحَهُمْ، وَفَرَّقَ كَلِمَتَهُمْ، وَبَدَّدَ جَمْعَهُمْ بِالْحُجَجِ الْقَاهِرَةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالأَدِلَّةِ الْبَاهِرَةِ السَّمْعِيَّةِ، وَلا يَعْلَمُ مَتَى ذَلِكَ، لَعَلَّهُ يَكُونُ تَحْتَ الأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَلا فَهَذَا الأَمْرُ لَمْ يُظْهَرْ، وَلَمْ يُذْكَرْ، وَهَذِهِ تَوَارِيخُ الإِسْلامِ مَوْجُودَةٌ أَيُّ مَجْلِسٍ وَقَعَ لَهُ وَنَصَرَ فِيهِ السُّنَّةَ؟ أَوْ أَيُّ مَحْفِلٍ كَانَ فِيهِ وَقَامَ فِيهِ بِالْحَقِّ؟ هَذِهِ مِحْنَةُ الإِمَامِ أَحْمَدَ حِينَ وَقَعَتْ وَقَامَ فِي نَصْرِ الْحَقِّ، اطَّلَعَ عَلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ، هَذِهِ مِحْنَةُ الشَّافِعِيِّ كَانَتْ دُونَهَا، وَاطَّلَعَ عَلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ، سَائِرُ أُمُورِ النَّاسِ وَأَخْبَارِهِمْ قَدْ نُقِلَتْ، مَتَى ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ قَامَ فِي أَمْرِ مَنْ نَصَرَ السُّنَّةَ؟ إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ أَوَّلا عَلَى الاعْتِزَالِ مَعَ الْفَجَرَةِ، ثُمَّ لَمَّا قِيلَ أَنَّهُ تَابَ مِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ تَوْبَتَهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا، ثُمَّ أَقَامَ عَلَى الاخْتِفَاءِ، وَكَانَ يَذْهَبُ مَعَ ذَلِكَ إِلَى مَجَالِسِ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ خِفْيَةً، لَمْ يَظْهَرْ هُوَ بِنَفْسِهِ عَلَى قَمْعِ بِدْعَةٍ، وَإِزَالَتِهَا جَهْرًا بِالْكُلِّيَّةِ، هَذَا أَمْرٌ لَمْ يُذْكَرْ وَلَمْ يُعْرَفْ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْهَوَى، فَإِنَّهُ يُعَمِّي وَيَصْرِفُ عَيْنَ الرِّضَى عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كُلِّيَّةً، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

ثُمَّ ذَكَرَ بَابَ مَا ذَكَرَ بَعْضَ مَا رُؤِيَ فِي الْمَنَامَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَشْعَرِيَّ مِنْ مُسْتَحِقِّي الإِمَامَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ مَنَامًا أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ، وَأَنَّهُ سَأَلَهُ فِي الْحَرْفِ هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ كَمَا قَالَتِ الأَشْعَرِيَّةُ.

وَهَذَا لا يَشْهَدُ لَهُ بِالإِمَامَةِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ صَوَابًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَمَرَهُ بِلُزُومِ قَوْلِهِمْ فِيهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَنَامٌ.

وَقَالَ الْعُلَمَاءُ إِذَا رَآهُ الإِنْسَانُ يُقَالُ لَهُ: صِفْ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْتَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَنْقَبَةٍ وَإِلا فَهُوَ شَيْطَانٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ آخَرَ أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا وَأَنَّهُ لَقِيَهُ وَسَأَلَهُ عَنْهَا، وَقَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ رَأَيْتَ أَبَا الْحَسَنِ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ كَانَ هَهُنَا، وَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: مَذْهَبُ الأَشْعَرِيِّ حَقٌّ، مَذْهَبُ الأَشْعَرِيِّ حَقٌّ، مَذْهَبُ الأَشْعَرِيِّ حَقٌّ، وَهَذَا الشَّيْطَانُ بِلا شَكٍّ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا قَلَّ أَنْ يَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ الإِنْسَانَ يَمْدَحُ مَذْهَبَهُ أَوْ نَفْسَهُ.

ثُمَّ ذَكَر حِكَايَةً أُخْرَى فِي مَنَامٍ لَعَلَّهَا الأُولَى أَوْ نَحْوَهَا.

ثُمَّ قَالَ: بَابُ ذِكْرِ مَا مُدِحَ بِهِ فِي الأَشْعَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ بِسَنَدِهِ قَوْلَ الْقُشَيْرِيِّ:

شَيْئَانِ مَنْ يَعْذِلُنِي فِيهِمَا

فَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ مَنْبَرِي

حُبُّ أَبِي بَكْرٍ إِمَامِ الْهُدَى

ثُمَّ اعْتِقَادِي مَذْهَبِ الأَشْعَرِي

وَهَذَا عَيْنُ الْجَهْلِ إِذْ ذُكِرَ ذَلِكَ إِلَيْهِ دُونَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ لا يَخْلُو فِي الاعْتِقَادِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الأَشْعَرِيُّ مُوَافِقًا لِلشَّافِعِيِّ، أَوْ مُخَالِفٌ لَهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَهُ لَكَانَ النِّسْبَةُ إِلَى الشَّافِعِيِّ أَوْلَى لأَنَّهُ هُوَ تَابِعٌ لَهُ وَالاقْتِدَاءُ بِالأَصْلِ لا بِالْفَرْعِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَالَفَهُ فَيَكْفِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَابَعَ مَنْ خَالَفَ إِمَامَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ لآخَرَ أَيْضًا:

مَنْ كَانَ فِي الْحَشْرِ لَهُ عُدَّةٌ

تَنْفَعُهُ فِي عَرْصَةِ الْمَحْشَرِ

فَعُدَّتِي حُبُّ نَبِيِّ الْهُدَى

ثُمَّ اعْتِقَادِي مَذْهَبَ الأَشْعَرِي

فَانْظُرْ بِعَيْنِ التَّحْقِيقِ إِلَى هَذَا الْجَهْلِ، كَيْفَ يَتْرُكُ الشَّافِعِيَّ مَعَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الإِمَامَةِ وَتَمَسُّكِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مَمَاتِهِ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ عَلَى الاعْتِزَالِ طُولَ عُمْرِهِ حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ فِي آخِرِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ آخَرَ:

إِذَا كُنْتَ فِي عِلْمِ الأُصُولِ مُوَافِقًا

بِعَقْدِكَ قَوْلَ الأَشْعَرِيِّ الْمُسَدَّدِ

وَعَامَلْتَ مَوْلاكَ الْكَرِيمَ مُخَالِصًا

بِقَوْلِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الْمُؤَيَّدِ

وَأَتْقَنْتَ حَرْفَ ابْنِ الْعَلاءِ مُجَرَّدًا

وَلَمْ تَعْدُ فِي الأَعْرَابِ رَأْيَ الْمُبَرَّدِ

فَأَنْتَ عَلَى الْحَقِّ الْيَقِينِ مُوَافِقٌ

شَرِيعَةَ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدِ

فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْجَهْلِ وَالْخَطَأِ الَّذِي فِيهَا مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ، الأَوَّلُ: أَنَّهُ قَدَّمَهُ عَلَى الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي ذِكْرٍ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ الْعَمَلَ فِي الاعْتِقَادِ عَلَى مَذْهَبِ الأَشْعَرِيِّ، وَفِي الْفِقْهِ وَبَابِ الْعَمَلِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنَّ اعْتِقَادَ الشَّافِعِيِّ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِأُصُولِ دِينِهِ، وَيَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي أُصُولِ الدِّينِ غَيْرُ قَوْلِ الأَشْعَرِيِّ، وَأَنَّ الأَشْعَرِيَّ غَيْرُ مُقَلِّدٍ لِلشَّافِعِيِّ، وَلا يُتَابِعُهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَإِلا لَوِ اتَّفَقَا وَتَابَعَهُ فِيهَا كَانَ العزرى إِلَى الشَّافِعِيِّ أَوْلَى مِنْهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ آخَرَ أبْيَاتًا رَكِيكَةً قَرِيبَةً مِنْ هَذِهِ فِي آخِرِهَا:

فَالْزَمِ الْحَقَّ لا تَزِغْ

وَاعْتَقِدْ عَقْدَ الأَشْعَرِي

ثُمَّ ذَكَرَ قَصِيدَةً لآخَرَ فِيهَا:

الأَشْعَرِيُّ إِمَامُنَا

شَيْخُ الدِّيَانَةِ وَالْوَرَعْ

وَهَذَا تَرَكَ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ بِالْكُلِيَّةِ فِي الْفُرُوعِ وَالأُصُولِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَصِيدَةً لآخَرَ مِثْلَ هَذِهِ مُطَوَّلَةً، ثُمَّ ذَكَرَ قَصِيدَةً لِلإِسْفَرَايِينِيِّ فِيهَا رَكَاكَةٌ وَسَمَاجَةٌ فِي لَفْظِهَا، وَفِي بَعْضِهَا خَطَأٌ فِي إِعْرَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لأُخْرَى مِنْ نَمَطِهَا لأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أُخْرَى لآخَرَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ وَفِيهَا:

الأَشْعَرِيُّ مَا لَهُ شَبِيهٌ

حَبْرٌ إِمَامٌ عَالِمٌ فَقِيهٌ

وَقَدْ كَذَبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْفِقْهِ مَجَالٌ وَلا كَلِمَةٌ تُقَالُ، ثُمَّ ذَكَرَ لِبَعْضِهِمْ أَبْيَاتًا رَكِيكَةً:

الأَشْعَرِيَّةُ قَدْ وُفِّقُوا لِلصَّوَابِ

لَمْ يَخْرُجُوا فِي اعْتِقَادِهِمْ عَنْ سُنَّةٍ أَوْ كِتَابِ

، وَلآخَرَ قَصِيدَةٌ:

الأَشْعَرِيَّةُ قَوْمٌ قَدْ وُفِّقُوا لِلسَّدَادِّ

وَبَيَّنُوا لِلْبَرَايَا طُرًّا طَرِيقَ الرَّشَادِ

وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَذَا مُضَاهَاةَ مَا قِيلَ فِيهِمْ وَرَدَّهُ حِينَ قَالَ الْقَائِلُ:

الأَشْعَرِيَّةُ ضُلالٌ زَنَادِقَةٌ

الْقَصِيدَةَ الْمَعْرُوفَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَصِيدَةً أُخْرَى طَوِيلَةً.

ثُمَّ قَالَ: بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَشَاهِيرِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ سَاقَ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَقُوهُ أَوِ اتَّبَعُوهُ، وَذَكَرَ تَرَاجِمَهُمْ لِيُطَوِّلَ بِذَلِكَ وَيُحَقِّقَ بِهِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، وَهَذَا بَابٌ مُتَّسِعٌ يُمْكِنُ للإِنْسَانِ الإِطَالَةُ فِيهِ كَيْفَ مَا قَدَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مُجَاهِدٍ الْبَصْرِيَّ، وَذَكَرَ بَعْضَ تَرْجَمَتِهِ، وَأَنَّهُ فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَقُوهُ، وَذَكَرَ أَبَا الْحَسَنِ الْبَاهِلِيَّ، وَأَنَّهُ كَانَ تَلْمِيذَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا الْحُسَيْنِ بُنْدَارَ الشِّيرَازِيَّ، وَذَكَرَ لَهُ تَرْجَمَةً مُطَوَّلَةً، وَأَنَّهُ كَانَ خَادِمَهُ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالْعِرَاقِيِّ، وَأَنَّهُ كَانَ يُنَاظِرُ فِي الْفَقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي الْكَلامِ عَلَى مَذْهَبِ الأَشْعَرِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ الْقَفَّالَ الشَّاشِيَّ، وَهَذَا مُسْلِمٌ لَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ بِمُتَابَعَتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيَّ، وَسَاقَ تَرْجَمَتَهُ، وَأَنَّهُ دَرَسَ عَلَيْهِ، وَسَاقَ لَهُ تَرْجَمَةً مُطَوَّلَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ أَنَّهُ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ ذُكِرَ أَبَا زَيْدٍ الْمَرْوَزِيَّ وَسَاقَ تَرْجَمَتَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ خَفِيفٍ، وَسَاقَ تَرْجَمَتَهُ مُطَوَّلَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ الْجُرْجَانِيَّ الإِسْمَاعِيلِيَّ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْحَسَنِ عَبْدَ الْعَزِيزِ الطَّبَرِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالدمل، وَهَذَا مِنْهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا جَعْفَرٍ السُّلَمِيَّ النَّقَّاشَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالشَّافِعِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ الْبُخَارِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالأَوْدَنِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا مَنْصُورِ بْنَ حَمْشَاذَ النَّيْسَابُورِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْحُسَيْنِ بْنَ سَمْعُونٍ، وَسَاقَهُ بِتَرْجَمَةٍ طَوِيلَةٍ، وَقَدِ افْتَرَى عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا إِمَامٌ مُحَدِّثٌ مِنْ أَعْيَانِ مُتَقَدِّمِي الْحَنَابِلَةِ غَيْرَ كَوْنِهِ عَارِفًا بِعِلْمِ الْكَلامِ لِلْجَدَلِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشُّرُوطِيَّ الْجُرْجَانِيَّ وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ، وَلا كُلَّ مَنْ عَلِمَ الْكَلامَ صَارَ مِنْ أَتْبَاعِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا عَلِيٍّ السَّرَخْسِيَّ، وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَصْحَابِ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ، فَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا سَعْدٍ الإِسْمَاعِيلِيَّ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الطَّيِّبِ الصُّعْلُوكِيَّ، وَسَاقَ لَهُ تَرْجَمَةً مُطَوَلَّةً جِدًّا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُ كَذَبَ وَافْتَرَى عَلَيْهِ، وَقَالَ فِيهِ الزُّورَ وَالْبُهْتَانَ.

ص: 144

700 -

فَقَدْ أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا، أنا ابْنُ الدُّعْبُوبِ وَغَيْرُهُ، أنا الْحَجَّارُ، أنا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أنا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الأَوَّلِ، أنا شَيْخُ الإِسْلامِ الأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ يَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبِي، وَعَقَدْتُ مَجْلِسَ الْفِقْهِ، عَاوَدُونِي فِي مَجْلِسِ الْكَلامِ، وَقَالُوا: هُوَ مِنْ مَجَالِسِ أَبِيكَ فَلا تَقْطَعْهُ، فَمَا زَالُوا بِي حَتَّى حَضَرْتُ مَجْلِسَ الْكَلامِ، فَخَبَّرَنِي مَسْأَلَةً ذَكَرَهَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَأَنَا أَسْتَحْيِي اللَّهَ مِنْ ذِكْرِهَا قَالَ: فَقُمْتُ وَفَتَحْتُ وَرَفَعْتُ السِّتْرَ، فَلَمْ أَحْضُرْ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُمْ مَجْلِسًا

ص: 145

701 -

وَبِهِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ حَدَّث عَبْدُ الْوَاحِدِ، بَعْدَمَا سُبِقَ يَقُولُ: رَأَيْتُ شَابَّيْنِ خُلِعَا مِنْ مَدْرَسَةِ أَبِي الطَّيِّبِ بِأَمْرِهِ مِنْ بَيْتِي شَابَّيْنِ حَفِيدا أَبَا بَكْر بْن فُورَكٍ

ص: 146

702 -

وَبِهِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَيْرٍ الْفَقِيهَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصُّعْلُوكِيَّ يَقُولُ: أَقَلُّ مَا فِي الْكَلامِ مِنَ الْخَسَارِ سُقُوطُ هَيْبَةِ اللَّهِ فِي الْقَلْبِ

ص: 147

532 -

وَبِهِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ، سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ الْعَبَّاسِ، يَقُولُ: مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ يَقُولُ: أَنْهَاكُمْ عَنِ الْكَلامِ وَتَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ الْمُوعِدُ

ص: 148

703 -

وَبِهِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: وَجَدْتُ أَبَا حَامِدٍ الإِسْفَرَايِينِيَّ، وَأَبَا الطَّيِّبِ الصُّعْلُوكِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ الْقَفَّالَ، وَأَبَا مَنْصُورٍ الْحَاكِمَ عَلَى الإِنْكَارِ عَلَى الْكَلامِ وَأَهْلِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَهَذَا الْخَبَرُ الأَخِيرُ يَرُدُّ قَوْلَهُ فِي هَؤُلاءِ الأَرْبَعَةِ أَنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ

ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ تَابَعُوهُ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَصْحَابَهُ أَبَا الْحَسَنِ الْمُقْرِئَ، وَسَاقَ تَرْجَمَتَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْبَاقِلانِيَّ، وَهَذَا مُسَلَّمٌ لَهُ فِيهِ، وَقَدْ سَاقَ لَهُ تَرْجَمَةً طَوِيلَةً وَأَطْنَبَ فِيهِ غَايَةَ الإِطْنَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاقَ وَتَرْجَمَتَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمَ بْنَ الْبَيِّعِ، وَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى عَلَى هَذَا وَسَاقَ لَهُ تَرْجَمَةً طَوِيلَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ وَفَوْقَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذُكِرَ أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيَّ الْجُرْجَانِيُّ، ثُمَّ ذُكِرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ وَهَذَا مُسَلَّمٌ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا سَعْدِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ الْخَرْكُوشِيُّ، لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبَا عُمَرَ الْبَسْطَامِيُّ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا الْقَاسِمِ ابْنَ أَبِي عَمْرٍو الْبَغْدَادِيَّ، وَذَكَر مِنْهُمْ أَبَا الْحَسَنِ ابْنَ ماشاذة، وَذَكَرَ مِنْهُمُ الشَّرِيفَ أَبَا طَالِبِ بْنَ الْمُهْتَدِي، وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا مَعْمَرِ بْنَ أَبِي سَعْدٍ الْجُرْجَانِيِّ، وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا حَازِمٍ الْعَبْدُوِيَّ، وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا إِسْحَاقَ الإِسْفَرَايِينِيَّ، وَهَذَا مُسَلَّمٌ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا عَلِيِّ بْنَ شَاذَانَ، وَهَذَا لَيْسَ مُسَلَّمٌ لَهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مُحَدِّثٌ حَنْبَلِيٌّ كَبِيرٌ افْتُرِيَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا نُعَيْمٍ الْحَافِظَ، وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ وَهُوَ اخْتِلافٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا حَامِدٍ الأُسْتَوَائِيَّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْحَسَنِ السَّعْدِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا مَنْصُورٍ الأَيُّوبِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْحَسَن النُّعَيْمِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا طَاهِرِ بْنَ خُرَاشَةَ الدِّمَشْقِيَّ الْمُقْرِئَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا ذَرٍّ الْهَرَوِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيَّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا الْقَاسِمَ الْبَغْدَادِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيَّ قَاضِيَ الْمَوْصِلِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا حَاتِمٍ الطَّبَرِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالْقَزْوِينِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْحَسَنِ رَشَأَ بْنَ نَظِيفٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيَّ الْمَعْرُوفَ بِابْنِ اللَّبَّانِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا الْفَتْحِ الرَّازِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا الْفَتْحِ الْخَبَّازِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْفَضْلِ الْبَغْدَادِيَّ الْمَالِكِيَّ، ثُمَّ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ عُمْرُوسٍ، وَأَبَا الْقَاسِمِ الإِسْفَرَايِينِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ الْبَيْهَقِيَّ، وَسَاقَ لَهُ تَرْجَمَةً مُطَوَّلَةً وَهُوَ رَجُلٌ فَضِيلٌ إِلا أَنَّهُ مُسَلَّمٌ لَهُ فَإِنَّهُ فِي جُمْلَةِ الْمُتَعَصِّبِينَ لِلأَشْعَرِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنَ الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ الْخَطِيبَ الْبَغْدَادِيَّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ وَقَدْ كَانَ الْخَطِيبُ كَثِيرَ الْعَصَبِيَّةِ عَلَى أَصْحَابِنَا حَتَّى إِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي نَفْسِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ وَشَنَّعَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَجَرَّحَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ أَنْصَفَ فِيهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، فِي كِتَابِهِ السَّهْمِ الْمُصِيبِ فِي تَعْصِيبِ الْخَطِيبِ، وَكَأَنَّهُ ذَرَءَ اللَّوْمَ وَالضَّيْمَ وَغَيَّرَ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايِة، وَلا زَالَ الْخَطِيبُ مُتَعَصِّبًا عَلَى إِمَامِنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى أَصْحَابِهِمَا، وَأَمْرُهُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ حَتَّى إِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي أَبِي حَنِيفَةَ بِأُمُورٍ لا يَحِلُّ ذِكْرُهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيَّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ أَبِي حَرِيصَةَ، وَأَبَا الْمُظَفَّرِ الإِسْفَرَايِينِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْفَتْحِ نَصْرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيَّ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنَ الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ، أَبَا الْمُظَفَّرِ الْخَوَافِيَّ، وَأَبَا الْحَسَنِ الطَّبَرِيَّ الْمَعْرُوفَ بالكِيَا، وَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْغَزَالِيَّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ، وَأَطْنَبَ فِيهِ وَسَاقَ فِيهِ تَرْجَمَةً طَوِيلَةً جِدًّا، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ الشَّاشِيَّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْقَاسِمِ الأَنْصَارِيَّ النَّيْسَابُورِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا نَصْرِ بْنَ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيَّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الأَشْيَاءَ الَّذِي وَقَعَ فِيهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا عَلِيٍّ الْحَسَنَ بْنَ سَلْمَانَ الأَصْبَهَانِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا سَعِيدِ بْن أَبِي نَصْرٍ الْعُمَرِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّرِيفَ الْعُثْمَانِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيَّ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا سَعْدٍ الكِرْمَانِي، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْحَسَنِ السُّلَمِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا مَنْصُورٍ مَحْمُودَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ ماشاذة، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْفُتُوحِ الإِسْفَرَايِينِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا الْفَتْحِ الْمِصِّيصِيَّ وَأَطَالَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْهُمْ: وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِظْهَارِ فَضْلِهِ بِفَضْلِ أَصْحَابِهِ كَمَا أَشَرْتُ، قَالَ: وَلَوْلا خَوْفِي مِنَ الإِمْلالِ لِلإِسْهَابِ وَإِيثَارِي الاخْتِصَارَ لِهَذَا الْكِتَابِ، لَتَتَبَّعْتُ ذِكْرَ جَمِيعِ الأَصْحَابِ وَأَطْنَبْتُ فِي مَدْحِهِمْ غَايَةَ الإِطْنَابِ، وَكُنْتُ أَكُونُ بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ مُقَصِّرًا، وَمِنْ تَقْصِيرِي بِالإِخْلالِ بِذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مُعْتَذِرًا، فَكَمَا لا يُمْكِنُنِي إِحْصَاءُ نُجُومِ السَّمَاءِ كَذَلِكَ لا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاءَ ذِكْرِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ، مَعَ تَقَادُمِ الأَعْصَارِ، وَكَثْرَةِ الْمُشْتَهِرِينَ فِي الْبُلْدَانِ وَالأَمْصَارِ، وَانْتِشَارِهِمْ فِي الأَقْطَارِ، فَاقْتَنِعُوا مِنْ ذِكْرِ حِزْبِهِ بِمَنْ سُمِّيَ وَوُصِفَ، وَاعْرِفُوا فَضْلَ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَكُمْ بِمَنْ سُمِّيَ وَعُرِفَ، وَلا تَسْأَمُوا إِنْ مُدِحَ الأَعْيَانُ وَقُرِضَ الأَئِمَّةُ؛ فَعِنْدَ ذِكْرِ الصَّالِحِينَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ، يُرِيدُ التَّخْفِيفَ بِذَلِكَ وَالتَّقْبِيشَ فَإِنَّهُ مَا أَبْقَى أَحَدًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَبَذَلَ الْمَجْهُودَ فِي الذِّكْرِ وَأَطَالَ فِي التَّرَاجِمِ غَايَةَ الإِطَالَةِ، وَقَدْ أَدْخَلَ فِي ذِكْرِ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةً كَانُوا يَتَبَرُّونَ مِنْهُ وَيُجَانِبُونَهُ هُوَ وَأْصَحَابَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا؟ يَأْتِي بِالأَجَانِبِ يُدْخِلُهُمُ الْبَيْتَ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الأَقَارِبِ هَذَا هُوَ الْمُحَالُ.

ص: 149