المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - قصة الكتاب - جمهرة مقالات محمود شاكر - مقدمة

[محمود شاكر، أبو فهر]

الفصل: ‌1 - قصة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تقديم

‌1 - قصة الكتاب

الحمد لله الَّذي كرَّم هذه الأمة بنور الإسلام ليخرجها به من ظلمات الجهل والشرك والطغيان، والحمد لله الَّذي شرفها بجعلها مهبط آخر رسالاته وأتمها وأكملها، والحمد لله الَّذي بعث منها سيد العالمين شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا بإذنه وسراجًا منيرًا، وأرسله للناس كافة رحمة للعالمين، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وبعد، قابلت الأستاذ شاكر رحمه الله أول مرة عام 1958 وأنا بعد طالب في السنة الثالثة من دراستي الجامعية وقد وضَّحتُ طرفًا من ذلك في مقالي عن كتاب طبقات فحول الشعراء (1)، وكذلك في مقدمة الحماسة البصرية (طبع مكتبة الخانجي). وعلى فارق ما بيننا من السن والعلم فقد وجد شيئًا مني ينسرب في نفسه، وأنستُ أنا به كما أنس هو بالرافعي. ولزمت داره كل يوم تقريبًا منذ مطلع الشمس حتَّى منتصف الليل، أقرأ مقالاته في الرسالة وسائر المجلات والصحف بعد أن أنتهي من عملي في رسالة الماجستير. ومضت السنون وعرفتُ عن الأستاذ شاكر ما لم أكن أعرف. وكنت شابًا طُلَعة، وكان هو شيخًا طويل الصمت، قارَّ النَّفْس، يرمى بعينيه وراء الحُجُب. ولكني كُنْتُ أحسُّ أحيانًا أن صدره يضيق بما يكتم. فقد كان يخيم علينا صمت ثقيل بعد أن نصلي المغرب ونجلس في شرفة منزله نحتسي الشاي. فإذا آنست أني مُخْرِج منه بعضَ ما أريد، أبديتُ رأيًا أو تعليقًا على بعض ما جاء في المقالات من أحداث أو رجال سماهم

(1) انظر مجلة معهد المخطوطات، المجلد 42، الجزء الأول، مايو 1998، ص 95 - 140.

ص: 5

أو أشار إليهم ولم يسمِّهم. وتمضي الدقائق وكأنها ساعات، وإني لأشعر خلال ذلك بهذا الصراع المخيف بين إلحاح ما أَلِف وصلابة الأغلاق التي يضربها على ضمير نَفْسه وعناده الَّذي يأبى عليه الكلام عن نفسه، وبين إلحاح هذا الهم الجاثم على صدره يريد أن يجد له مَسْربًا، فقد كان الأستاذ شاكر رحمه الله، قاسيًا عنيفًا، ولكنه كان رقيقًا ألوفًا أيضًا، وكان جلدًا صبورًا، ولكنه ربما تخشَّع واستكان للجزع، وكان مستوحشًا آبدًا، ولكنه ربما أَلِفَ وانقاد، وكان كالطود رسوخًا وشموخًا، ولكني كنت أنفذ إليه أحيانا -عندما آنس في نفسه هذا الصراع بين القوتين- فأجد الزلزلة في قلبه، والاضطراب في نفسه، والتهدج في صوته. وعندئذ يشق كثافة الصمت الثقيل البهيم ويحدثني عما أثرتُ بما شاء إلى أن يشاء، ثم يعود إلى صمته المُصْمَت من جديد كأن لم يكن حديث. كان الأستاذ رحمه الله وديعًا رقيقًا باشًّا ألوفًا، وكان قلبه يفيض شفقةً ورقةً وحنانًا، ولكنه أصيب بكوائن بعد بوائق جعلت منه رجلًا ظنونًا منطويًا حزينًا فهو لذلك يضن بما في قلبه أن يطلع عليه أحد إلا بمقدار ما يريد هو.

ثم أزاحت ندوة يوم الجمعة صخرة عن باب كهف توارت في أعماقه كنوز لفَّفها الزمن في محاريبه، ضمت الندوة رجالًا مختلفى المشارب والأهواء، منهم الساسة والأدباء والشعراء، وعاشقو التراث، ومحبو الأدب الحديث، ورجال لا يمتون إلى العربية تخصصًا أو احترافًا، ولكنهم واسعو الثقافة. وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ رشاد مهنا، والأستاذ حسين ذو الفقار صبري، والشيخ الباقورى، والأستاذ عبد الله التَّل، والأستاذ وديع فلسطين، والأستاذ عبد الرحمن شاكر، والأستاذ محمود حسن إسماعيل، والأستاذ جلال كشك، والأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، والأستاذ رشاد عبد المطلب، والأستاذ سيد صقر، والأستاذ حسن كامل الصيرفي، والأستاذ فؤاد سيد، والأستاذ ياسين جمعة، والدكتور عبد الله غنيم والدكتور يعقوب غنيم والدكتور عبد الله محارب، والأستاذ أحمد المانع والشيخ حمد الجاسر والدكتور عبد الله الطَّيب في بعض الأحايين، والدكتور أبو همام، والدكتور إحسان عباس، والدكتور

ص: 6

محمد يوسف نجم، والأستاذ يحيى حقي، والدكتور عبد الرحمن بدوي، والأستاذ فتحي رضوان، والدكتور ناصر الدين الأسد، ناهيك عن طلبة العلم من كل حدب وصوب مثل الدكتور شاكر الفحام، والأستاذ أحمد راتب النَّفَّاح، والدكتور عبد القدوس أبو صالح، وغيرهم ممن غابت عني أسماؤهم الآن. وكنت أنا وغيري من صغار الشباب، خاصة الأستاذ عبد الحميد بسيوني، والأستاذ الحساني عبد الله، وأخي المرحوم الطناحي والأستاذ علي شاكر، رحمه الله، ننتشر في مجالس القوم حيث يدور الحديث في شتى المواضيع وتحتدم المناقشات وتصطدم الآراء، وينبعث من غياهب الماضي ذكر رجال وأحداث، فسمعنا ووعينا، وعرفنا ما لم نكن نعرف عن زمن لم نشهده، ساعدنا على أن نفهم حاضرًا نتمثله. وكنت شديد الانتباه لما يتعلق بالأستاذ شاكر، فعرفت -إلى جانب ما حدثني به عن نفسه كما ذكرت آنفا- أشياء أخر عنه. واستبان لي حينئذ أنني لست أمام محقق أديب فقط (1)، ولكن في حضرة رجل مناضل مصري عربي إسلامي، نافح عن مصر وهاجم ساستها، وهَوَى بِسنان قلمه طَعْنا في الاستعمار البريطاني وأعوانه من بني جلدته ونافح عن قضية مصر والسودان، وقضية فلسطين وسائر قضايا البلاد العربية والإسلامية كما سيأتي بيانه.

فلما عرفتُ ما عرفت أدركتُ أن العزلة التي ارتضاها الأستاذ شاكر لنفسه منذ سنة 1953 قد حالت بين جيلنا وبين عِرْفان نضاله في سبيل أمته، وأن هذا الجهل سيزداد إيغالا في مطارح الزمن، وستنشأ أجيال بعدنا أشد منا عمىً، وأقبح جهلًا، وأَضْيَع لِذِكْرِه. فاستجمعت شجاعتي ذات مساء في أواخر شهر إبريل سنة 1961، وقد آنست منه "انبساطا"، فقد كان يحدثني عن واقعة فَكِهَة حدثت في "دُكَّان الحاج سَعْد المجلِّد" رحمه الله عصر ذلك اليوم، وقلت: لي رجاء هو مِن حقِّ جيلي عليك، بل ومن حق الأجيال الآتية عليك أيضًا. ففي كل أوان، بل في كل يوم، ينشأ طالب علم لم يدرك زمنه ما كتبتَ في المجلات

(1) كما عرفته من كتبه كتفسير الطبري وطبقات فحول الشعراء وغيرهما، ومن قراءتي عليه المفضليات والأصمعيات والمعلقات.

ص: 7

والصحف، وعسير عليه أن يلتمسه فيهما مع تباعد أزمانهما وندرة توافرهما في المكتبات. وسوف تُسْدِي إلى أُمَّتنا يدا لا تُنْسَى إذا جُمِعَت هذه المقالات في كتاب. فارتد إلى صمته فجأة، وتجهم وجهه شيئًا، ونحا ببصره إلى قِطْع من الليل جاثم من عن يمينه نحو رواق طويل تقوم رفوف الكتب على جانبيه، وأطال النظر في جوفه، ثم قال بهدوء، كهدوء البحر قبل العاصفة، في صوت يضطرب بعضه في بعض اضطراب الموج في تياره "أنا لا أحب أن أعيد نَشْر شيء كتبته وقرأه الناس قبلُ في مجلة أو صحيفة"(1). وقد اعتدت ألا أعاود الأستاذ شاكر في شيء يعزف عن الكلام فيه، فسكتَّ مُكْرَها، وكدت أُذكِّره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن سُئِل عمَّا يَعْلَمُه فكتَمَه أَلْجَمَه الله بلجام من نار يوم القيامة"، ولكني هبت أن أجْبهه بمثل هذا الكلام، وكدت أَفُوه بحديث آخر أَسْتَلِينه به:"زكاةُ العِلْم نَشْرُه"، ولكني أمسكتُ. ثم مضت ثلاث سنوات. وفي أواخر عام 1964 بدأ لويس عوض نشر سلسلة من المقالات بعنوان "على هامش الغفران: شيء من التاريخ"، فتصدَّى له الأستاذ شاكر يُفَنِّد مزاعمه ويُبِين عن الدوافع الحقيقية من وراء هذه المقالات. ونَشَرَ أول هذه الردود في مجلة الرسالة، العدد 1089 في 26 نوفمبر 1964 (رجب 1384). فانبعث في نفسي أملي القديم، ولكني سترته إلى حين -تحت رجاء ما ظننتُ الأستاذ شاكر يستطيع ردَّه هذه المرة بنفس الصرامة التي قابل بها رجائي السابق.

قلت له: إني أظن ظنًا أشبه باليقين أن لويس عوض سوف ينشر مقالاته هذه في كتاب وسيكون بأيدي الناس في هذا الزمان ومستقبل الأيام إلى ما شاء الله (2)، فإن لم تفعل كما سيفعل، فسوف ينتشر هذا العلم الفاسد الَّذي ضمنه كتابه بين

(1) وهذا شيء كنت أعلمه عن الأستاذ شاكر، وبالغ في ذلك حتَّى أنَّه كان يكره أن يستشهد بكلام كتبه من قبل. يقول مخاطبًا محمد رجب البيومي "وأنا أكره أن أنقل كلامًا لي من مكان، ولكنك استكرهتني على نقله". وانظر مقال "ذو العقل يشقى"، مجلة الرسالة، العدد 974، سنة 1952، ص: 245، والمقالات 1:574.

(2)

وقد صدق حدسي، فقد نشر لويس عوض مقالاته في "كتاب الهلال"، العدد 181، إبريل 1966.

ص: 8

طلاب العلم الناشئين والغافلين، ويأخذونه على محمل الجد، فهو نتاج رجل "من كبار مثقفينا"، كما وصفه الدكتور مندور (1)، فإذا كان هذا ظن الدكتور محمد مندور، رحمه الله، وهو من هو في الأدب والنقد، فما بالك بظن أشباه العوام وأنصاف المثقفين؟ فالرأى أن تُجْمع مقالاتك وتنشر في كتاب يتداوله الناس، فيعرف من يقرأ حقيقة ما كتب لويس عوض، ومن تصدوا للدفاع عنه. وتعمدت إثارة هذا الأمر في ندوة يوم الجمعة وسرني أن بعض الحضور كانوا قد سبقوني إلى اقتراح ذلك على الأستاذ خلال مكالمات هاتفية، وكان الدكتور محمد رشاد سالم والأستاذ عبد الرحمن شاكر من أشد الناس تأييدًا وتعضيدًا. وبعد لأي وافق الأستاذ شاكر على جمع المقالات (2).

وقد ظننت أن ما صدَّر به الكتاب إيذان بهجران ما أَصَرَّ عليه من إلْفِه حيث قال: "وبعدُ، فقد قَضَيتُ دهرًا أحمل القلم وأكتبُ، ولكني ظَلِلْتُ أكره أن أنشر على الناس شيئًا قد قرأوه من قبل في صحيفة أو مجلة، حتَّى إذا كان ما كتبتُه في مجلة الرسالة منذ يوم الخميس 22 رجب سنة 1384، وجدت إلحاحًا شديدًا على جَمْع ما نُشِر وإخراجِه في كتاب. وكانت حُجَّة أصحابنا قاهرةً لِحُجَّتي، ومزيلةً لما أصررتُ عليه من إِلْفِي وعسى أن أكونَ أخطأتُ الطريقَ حين أَلِفْتُ ما أَلِفْتُ، وخِفْتُ أن أكون كتمتُ عِلْمًا يَسَّره الله لي عن طالب عِلْم. ففي كل يوم ينشأ في الناس طالبُ عِلم لم يُدرِكْ زمانُه ما كتبتُ وعسيرٌ عليه أن يلتمسَه مع تفرُّقه في الصحف والمجلات. فمن أَجْل ذلك لم أجدْ بُدًّا من الاستجابة لأصحابنا، راضِيًا عنهم، لائمًا لنفسي، معتذِرًا عما فَرَط مِنِّي".

فانتهزتُ فرصة "هذا الرِّضَى" عمن أَسْدَوا إليه هذه النصيحة، وتَبَيّنِه طريقًا كان قد أخطأه، ثم لاح له لاحِبًا مُسْتَتِبًّا، ففاتحْتُه في أمر جَمْع المقالات وإخراجِها في كتاب، لا لِمَ ذَكَرَه في تصدير الكتاب فقط، بل لكي يرى جيلي

(1) أباطيل وأسمار "الطبعة الثانية" 1972، ص:200.

(2)

نشر الجزء الأول بعنوان أباطل وأسمار سنة 1965، ثم صدرت الطبعة الثانية سنة 1972 عن مطبعة المدني، القاهرة.

ص: 9

والأجيالُ التالية كفاحَه في سبيل أُمَّته منذ بدأ يحمل القلم. ولكن حظي من الإجابة لم يكن بأمثل مما كان منذ ثلاث سنوات، فأمسكت مرة أخرى.

وفى عام 1969 بدأ الأستاذ شاكر سلسلة مقالات في مجلة المجلة بعنوان "نَمَطٌ صعبُ، ونَمَطٌ مخيفٌ"، نشر أولها في العدد 147، إبريل 1969، وآخرها في العدد 159، مارس 1970. وأيقنت -مخطئًا- أنَّه جامعها ومخرجها في كتاب. ولكن خاب ظني (والظن هنا بمعنى اليقين). لله كيف كان وَقْع هذا اليقين الخاطئ! فلم تخرج في كتاب إلا بعد ست وعشرين سنة (1996)!

في صيف عام 1978 قبل سفري إلى الولايات المتحدة لأعمل أستاذًا بجامعة أريزونا أخبرني المرحوم الدكتور محمد رشاد سالم أن النية معقودة على إخراج كتاب يُهْدَى إلى الأستاذ شاكر بمناسبة بلوغه السبعين، وطلب مني أن أشارك بفَصْل فيه، ففعلتُ، وأوصاني بكتمان الأمر حتَّى لا يصل إلى سمع الأستاذ، فامتثلتُ. ولكن الأمر بَلَغ أسماعَه، وأَدَعُ الدكتور محمد رشاد سالم يحدثك عما وقع:"وكان من المفروض أن يصدر هذا الكتاب منذ سنتين، إلا أنَّه بعد أن مضتْ اللجنة في عملها واتصلتْ بالأساتذة المشاركين، وتلقَّت عددًا كبيرا من المقالات، عَلِمَ "أبو فهر" بما نحن مُقْدِمون عليه، فعَرْقَل عَمَلَنا وحَيَّرنا. وكاد أن يرفض المبدأ، حتَّى نجحنا في إقناعه والاتفاق على استمرار اللجنة"(1).

وقول الدكتور رشاد سالم "فعَرْقَل عملنا وحيَّرنا" كلام في حاقِّ موضعه إزاء إعادة نشر الأستاذ شاكر أعماله أو الكتابة عنه. فأما "عرقلة" عملي في جمع مقالاته فقد ذكرت طَرَفًا من ذلك قبلُ وأمسكتُ عن بقية هنا موضعُها. كان الأستاذ شاكر -كما ذكرت- قاسيًا عنيفًا، ولكنه كان أيضًا رقيقًا وديعًا ألوفًا حنونًا، فلم يشأ أن يقابل ما أردت من الإحسان بالإساءة والنكران، فقال متلطفًا: هذا عمل بالغ التعقيد يتطلب جهدًا ووقتًا أنت أحوج إليهما حتَّى تنتهى من رسالتي

(1) دراسات عربية وإسلامية، مطبعة المدني، القاهرة 1982، ص 10 م.

ص: 10

الماجستير والدكتوراه. أما "الحيرة" فإنني عندما انتهيت من كتابة رسالة الدكتوراه في ديسمبر سنة 1968 رجع الأستاذ إلى إِلْفِه الَّذي أَلِفَ ولم يأذن لي، وقال متلطفًا أيضًا: إنك ستحتاج عما قريب إلى عمل جيِّد يمكِّنك من الترقية، ولن تستطيع أن تنالها بجمع مقالاتي، هذا فضلًا عن بعدها عن مجال تخصصك في الأدب القديم. فسكت مرة ثالثة على مضض، ولكني لم أيأس، فقد كنت، ولم أزل، "صعيديًا" مثله.

اضطلع الأستاذ جمعة ياسين جزاه الله خيرًا بمشاركته في كتاب "دراسات عربية وإسلامية" بحصر ما كتب الأستاذ شاكر من مؤلفات وتحقيقات ورتبها حسب زمان صدورها بادئًا بسنة 1926 ومنتهيًا بسنة 1982. فأسدى إلى القراء فضلًا عميمًا، وكان ذلك عونًا لمن كتبوا رسائل جامعية عن الأستاذ محمود شاكر مثل الأستاذ محمود إبراهيم الرضواني (1995)، والأستاذ عمر حسن القيام (1997)، والأستاذ إبراهيم الكُوفَحى (2000). أما بالنسبة لي فقد ذُلِّلتْ عقبةٌ كَأْداء، فقد بات كل شيء تقريبًا كَتَبَه الأستاذ شاكر حتَّى هذا التاريخ معروفًا: عنوانه ومكان نشره وتاريخه، وما علي إلا النسخ أو التصوير.

أجمعت أمري ولممت شتات نفسي وفاتحته مرة رابعة في صيف 1985 في جمع المقالات، فمواضعها وتواريخها الآن معروفة، وقد دلَّ هو بنفسه الأستاذ جمعة ياسين على أكثر أماكنها، هذه واحدة. نلتُ درجة "أستاذ" عام 1980، وبذلك لم أعد مضطرًا إلى كتابة أبحاث ذات طابع خاص يتصل بمجال تخصصي، هذه ثانية. فلم يبعد ولم يقارب، وقال "ربنا يسهِّل" وعلت وجهه ابتسامة خفيفة، ونظر إليَّ كالمتعجب من إصرارى على مدى أربعة وعشرين عامًا. ومضت السنون ولم يأذن الله بالتسهيل. ولكني استبشرت خيرًا، فقد كنت أتحسس الأخبار من أخي الأصغر الدكتور فهر، وعلمت أن الأستاذ شاكر صوَّر بعض المقالات وكذلك فعل بأشعاره. ولكن حال الأَجَل دون تحقيق الأمل، فقد توفي رحمة الله عليه في 7/ 8/ 1997.

ص: 11