المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - منهج الكتاب - جمهرة مقالات محمود شاكر - مقدمة

[محمود شاكر، أبو فهر]

الفصل: ‌2 - منهج الكتاب

‌2 - منهج الكتاب

وفى صيف العام التالي فاتحت الأستاذ عبد الرحمن شاكر والسيدة أم فهر والدكتور فهر بعزمي على جمع مقالات الأستاذ شاكر وشعره أيضًا فوافقوا شاكرين ممتنِّين. وأعطاني الدكتور فهر كل ما وجده مما جمعه الأستاذ، فقمت بمقابلته على سرد الأستاذ جمعة ياسين من مؤلفات الأستاذ، ثم بدأت رحلة شاقة مضنية مع المجلات والصحف التي نشرت فيها المقالات والأشعار، فاستكملت ما نقص، ثم نظرت في بعض ملفات الأستاذ الخاصة، فوجدت مقالة بخط يده وبعض أشعار لم تنشر. فلما استوى لي ذلك كله بدأت بالمقالات، ورأيت أن أرتبها حسب ورودها في المجلات والصحف، فأضع في مكان واحد كل ما نشر في مجلة الرسالة مثلًا، ثم مجلة الزهراء مراعيًا أثناء ذلك أسبقية تواريخ النشر. وقد وجدت عنتًا شديدًا في قراءة المقالات التي نُشِرت في الصحف كالبلاغ والمقطَّم والدُّستور والأهرام، فقد طَوَى الأستاذ هذه المقالات نِصفَيْن نِصفيْن، فتَهَرَّأ مكانُ الطَّي وتآكلَ، فضاع ما يقرب من سَطْريْن بعَرْض المقال في كل صفحة، ولكنني خلال زيارتى لمكتبة الكونجرس الأمريكى بمدينة واشنطن استطعت أن أحصل على "ميكروفيش" فيه المقالات كاملة واضحة، فأقمت النصوص، والحمد لله.

وبعد أن مَضَيْتُ شوطًا، رأى الأستاذ عبد الرحمن شاكر أن أدعَ المقالات إلى حين، وأبدأ بجمع أشعار الأستاذ شاكر أوَّلًا، وكان له في ذلك حُجَّة مُقْنِعة، لستُ في حِلٍّ مِن ذكرها، ففعلتُ، وقد بيَّنْت طَرَفًا مِن ذلك في مقدمة الديوان. حتَّى إذا أتممتُ مراجعة الديوان وشرحه والتقديم له، عكفت على المقالات سنتين أُخريَيْن. ولم يكن ترتيبها حسب المجلات والصحف التي نُشِرت فيها تبعًا لأقدمية تواريخها بالأمر السهل. وشاركنى أخي محمد الخانجي هذا العَنَت في صَبْر وأَناة، فقد كان يقوم بصَفِّ كل مقال أعثر عليه بغضِّ النظر عن تاريخه

ص: 12

أو مكان نشره، ثم عُدْنا بعد ذلك لنضع كلَّ مقال مع مجلته أو صحيفته التي نُشِر بها في نسق تاريخي، واستدعى ذلك كثيرًا من التقديم والتأخير خاصة في الجزء الثاني. واضطررت في أحيان قليلة أن أتخلَّى عن هذا النسق التاريخي إذا كانت هناك مجموعة من المقالات في موضوع واحد تخللها مقال أو أكثر في موضوع آخر، فكرهت أن يفرق تاريخ النشر بين تتابع المقالات، فجعلت هذه المقالات آخذًا بعضها برقاب بعض حِفاظًا على وحدة موضوعها.

حاولت جهدي أن أقرأ المقالات بدقة، فصحَّحتُ بعض ما بدا لي فيها من أخطاء، وعسى ألا أكون قد أخطأت الطريق، ووضعت التشكيل حيث ظننتُ أنَّه مُزِيل لِلَبْس أو مُعِين على فَهْم، وشرحتُ بعض ألفاظ، أوضحتُ بعضَ ما استشهد به الأستاذ مما يجرى مجرى الأمثال، أو يكون جزء من حديث شريف، أو غير ذلك. وللأستاذ شاكر شروح قليلة أثبَّتُ أمامها اسمه (شاكر).

وكنت أنوي -لتمام العمل- أن أفعل ثلاثة أشياء، أولها: أن أكتب مقدمة ضافية، كما فعلت في مجموع شعر الأستاذ. ثانيها: أن أترجم لجميع الأعلام الذين وَرَدُوا في سياق المقالات، ولو ترجمة موجزة. صحيح أن بعض هذه الأعلام معروفة كالأستاذ سيد قطب والأستاذ مصطفى صادق الرافعي والأستاذ العقاد، ولكن صحيح أيضًا أن بعضها غير معروف خاصة للأجيال التي لم تشهد هذا الزمان مثل الأستاذ صبحى البَضَّام، والأستاذ محمد رجب البيومي، أطال الله بقاءه، والأستاذ محمد عبد السلام القبَّاني وغيرهم. ثالثها: أن أجعل ذيلًا للكتاب يَضُمَّ المقالات التي نقدت بعض كتابات الأستاذ شاكر، مثل نقد كتاب طبقات فحول الشعراء للأستاذ سيد صقر رحمه الله، أو ردت عليه نَقْده، مثل مقالات الأستاذ سيد قطب بشأن الرافعي والعقاد، ومقالات الأستاذ بشر فارس، والأستاذ محمد عبد الغنى حسن وغيرهم كثير.

ولكن الأستاذ محمد الخانجي -لدواعي النشر- رأى أن ذلك سيضيف ما يقرب من ثلاثمائة صفحة أخرى، فَتخلَّيت عما نَوَيْتُ.

ص: 13

أما المقدمة الضافية، فسوف أضمُّ إليها المقدمَة التي كتبتُها لمجموع شعره "اعْصِفي يا رياح وقصائد أخرى" وقد نقَّحتها وزدتُ فيها دراسةً فنيةً لأسلوب شِعْر الأستاذ شاكر، فسوف أنشر ذلك جميعًا -إن أَذِن الله- في كتاب مستقلٍ. وأما تراجم الأعلام، فلن تشكِّل عبئًا كبيرًا للقارئ الَّذي يريد أن يستزيد، فأكثرها موجود في كتاب الزركلي، والموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة. أما ثالث هذه الأشياء، فقد أشرتُ في الهوامش إليها، وبينَّتُ عنوانَ النَّقْد الَّذي وُجِّه إلى كتابات الأستاذ، ومكانَ نشره وتاريخَه ليرجع إليه مَن يشاء.

* * *

يقول الأستاذ شاكر رحمه الله في المقدمة التي صدَّر بها كتابَ الأستاذ سعيد العريان عن "حياة الرافعي":

"ولو يَسَّر الله لكل شاعرٍ أو كاتبٍ أو عالمٍ صديقًا وَفِيًّا ينقُله إلى الناس أحاديثَ وأخبارًا وأعمالًا -كما يسَّر الله للرافعي- لما أضلَّت العربية مَجْدَ أدبائها وعلمائها، ولما تفلَّتَ من أدبها عِلْمُ أسرار الأساليب وعلمُ وجوه المعاني التي تَعتِلج في النفوس وتَرْتِكض في القلوب حتَّى يُؤْذَن لها أن تكون أدبًا يُصْطَفَى، وعِلْمًا يُتَوارَث، وفنًّا يتبَلَّجُ على سَواد الحياة، فتُسْفِر عن مَكْنونها متكشِّفَة بارزة تتأنَّق للنفس حتَّى تستوي بمعانيها وأسرارها على أسباب ودواعي السرور وما قبلُ وما بعدُ".

ويقول في كلامه عن ذكرى الرافعي (المقالات: 171): "إن هذا التراث الَّذي خلَّفه الرافعي للأدب العربي، قد جعله الله أمانة بين يدي "سعيد". فهو يؤدِّي اليوم هذه الأمانة وافيه كاملة لم ينتقص منها شيء -إلا أن يُعْجِزه أن يهتدى إليه أو يقع عليه. وغدًا يجد الناس بين أيديهم كلَّ ما كتبه الرافعي حاضرًا لم يَضِعْ منه شيء منه، وكذلك يجد من يريد سبيلَه إلى معرفة الرافعي من قريب وتقديره والحكم إما له وإما عليه".

فلتَقَرَّ عَيْنًا أستاذنا الجليل، فقد يَسَّر الله لك -كما يَسَّر للرافعي- ابْنًا بارًّا

ص: 14

وصديقًا وَفِيًّا وتلميذًا مَدِينًا لك بالفضل يَنْقُل عِلْمك للناس حتَّى لا تَضِلَّ العربية مَكْنونَ عِلْمك، ولا فاضلَ أَدبك، ولا أسرارَ أسأليبك، وحتى يصبح ما خَلَّفْتَ أدبًا يُصْطَفَى، وعِلْمًا يُتَوارَث، وخُلُقًا يُحْتَذَى، وهَدْيًا لأجيال خَشِيتَ أنت عليها وعورةَ المسالك ومَتالفَ الطريق.

وعسى أن أكون قد أدَّيتُ الأمانة -التي اخترتُ أن أحملها بظُلْمي وجهلي- وافية كاملة لم ينقص منها شيء إلا ما أَهْمَلْتُ لعجزي وتقصيري، أو لم أقع عليه لسهْوِي وغفلتي، وتَشتُّتي بين البلاد وغُربتي. ولإخواني من أهل العلم والفضل سابق شكري إذا تكرموا عليَّ ودلّوني على ما عجزت عن الإهتداء إليه.

وأدعو الله أن ييسر لهذه المقالات علماء شتى، كُلًّا في مجال تخصصه، خاصة في مجال الفكر السياسي، والدراسات الاجتماعية. وأُهِيب بالمتخصصين في اللغويات linguistice وعلماء اللغة بالنظر في مقالاته الثلاث عن "علم معاني أصوات الحروف" وآرائه الأخرى المبثوثة في ثنايا المقالات، كما في مقال "الطريق إلى الحق"، "المُنْطَلِق"، "وبِشْر أيضًا" وغيرها، ثم بعد ذلك وفوق ذلك ما بثه في "نَمَطٌ صَعْب ونَمْطٌ مخيف". كما أحثُّ نُقَّاد الأدب على إنعام النظر في مقالاته الخمس بعنوان "من مذكرات عمر بن أبي ربيعة"، فهي وإن اعتمدت أشخاصها وبعض أحداثها على حقائق تاريخية، فهي أَدَبٌ مُنْشِئ Creative literature. كما أدعوهم إلى تدبُّر مقالاته الثلاث عن "شاعر الحب والفلوات: ذو الرمة"، فهي نمط فريد من الدراسة، ليس تاريخًا لحياة الشاعر، وليس تحليلًا لشعره، وإنما هي تَدسُّسٌ في مشاعره وأحساسيه وآماله وهواجسه، حتَّى لكأنك مع الشاعر مع مأساة حُبِّه يومًا بيوم. كما أدعوهم أيضًا إلى التوقَّف أمام مقالاته الثلاث "إلى أين؟ "، فهي تجمع بين السيرة الذاتية، وفن "المقال" في أرفع مناحيه. ثم فَلْيَحُطُّوا الرِّحال لوَقْفَة طويلة أمام مقالاته الثلاث "المتنبي: ليتني ما عرفتُه" وتحليله الرائع الدقيق لعملية "الإبانة والاستبانة".

وأنا أدعو النقاد الذين أخذوا بحظٍّ وافرٍ من الثقافة الغربية -وهم كُثْر، والحمد لله- للنظر في كل ذلك حسب أصول النظر الغربي، لكي يستبين أن

ص: 15

هذا الرجل الفَذّ نَسِيج وَحْدِه قد نَفَذ إلى أسرار نظريات شتى يَحْلو لنا أن ننسبها إلى علماء الغرب وحدهم، ونستشهد بكلامهم تأييدًا لما نقول، غير ناظرين إلى مرمى ليس أبعد من موضع سجودنا.

ص: 16