المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مدة الحرب بين علي ومعاوية - جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية (مطبوع ضمن الرسائل والمسائل النجدية، الجزء الرابع، القسم الأول)

[عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فصل الأقوال والآراء في قتال الحسين ليزيد

- ‌ بيان مذهب الزيدية من البدع

- ‌فصل الشيعة المعتدلون من أئمة الحديث

- ‌فصل افتراء الشيعة على أهل السنة، الانحراف عن آل البيت وتولي الدّول الجائرة

- ‌فصل في أهواء الشيعة والخوارج في حديث الردة وحديث الوصية بآل البت

- ‌فصل في تفسير {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}

- ‌فصل في تفسير {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} وتحريف الشيعة لها

- ‌فصل في أهواء الشيعة في مناقب أحاديث آل البيت

- ‌فصل في زعم الزيدي أن الوهابي كفر من خالف مذهبه، وأبطاله

- ‌فصل في مسألة القدر وإثبات السلف والخلف أهل السنة له

- ‌فصل في شبهة تأويل بعض السلف للصفات

- ‌رَدُّ الإمام أحمد على الزَنَادِقة والجَهْميّة

- ‌فصل في اعتدال أهل السنة بين غلو الشيعة وجفوة النواصب

- ‌فصل في كلام بعض أهل البيت في الثناء على معاوية

- ‌الاختلاف بين علي ومعاوية (ورأي أهل السنة في هذه الفتن

- ‌مدة الحرب بين علي ومعاوية

الفصل: ‌مدة الحرب بين علي ومعاوية

‌مدة الحرب بين علي ومعاوية

وأما قوله: بعد أن كانت الحرب بينهما أربعين يوما، فالجواب أن يقال: هذا مما يدل على جهل هذا المعترض بالسير والأخبار، وأنه يخبط في كلامه خبط عشواء بلا دليل ولا مستند ولا استبصار، ولا معرفة بما نقله أهل تواريخ الإسلام والعلماء الكبار، فإن كان مراده يوم "صفين" خاصة، فقد ذكر أهل التواريخ الإسلامية أن الحرب أقامت بين علي ومعاوية في يوم صفين1 نحو مائة يوم وعشرة أيام، وجرى بينهم في تلك المدة نحو تسعين وقعة.

وذلك أنهم ذكروا أن ابتداء القتال في أول يوم من صفر سنة سبع وثلاثين من الهجرة، فدامت الحرب بينهم ثلاثة أشهر وعشرين يوما، كما ذكر معنى ذلك المسعودي عن أهل السير والأخبار كما تقدم ذلك عنه. وذكر القرطبي، صاحب التفسير الكبير، أن مقام علي ومعاوية بصفين سبعة أشهر، وقيل: تسعة، وقيل: ثلاثة، وكان بينهم قبل القتال نحو من سبعين يوما زحفا في ثلاثة أيام من أيام البيض؛ وهي ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، وقتل ثلاثة وسبعون ألفا من الفريقين، ذكره الثقة العدل إبراهيم بن الحسن الكسائي الهمذاني.

وفي تلك الليالي ليلة الهرير؛

1 إن قيل: كيف قال يوم صفين؟، ثم قال: إنه كان 110 أيام (قلنا) : إن لفظ "اليوم" في أصل اللغة معناه الزمن الذي يحدده ما يقع فيه قل أو كثر، فيوم صفين هو الزمن الذي وقعت فيه الحرب بين علي ومعاوية وقدره 110 أيام فلكية، وهكذا يقال في يوم الجمل، وأيام العرب وغيرها. ويوم القيامة زمن مقداره خمسون ألف سنة كما قال الله -تعالى-.

ص: 55

الصوت يشبه النباح؛ لأنهم تراموا بالنبل حتى فنيت، وتطاعنوا بالرماح حتى اندقت، وتضاربوا بالسيوف حتى تقصفت، ثم نزل القوم بعضهم إلى بعض، قد كسروا جفون سيوفهم، واضطربوا بما بقي من السيوف وعمد الحديد، فلا تسمع إلا غمغمة القوم والحديد في الهام.

فلما صارت السيوف كالمناجل، تراموا بالحجارة، ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب، ثم تكادموا بالأفواه، وكسفت الشمس وثار القتام، وارتفع الغبار، وتقطعت الألوية والرايات، ومرت أوقات أربع صلوات؛ لأن القتال كان بعد صلاة الصبح، واقتتلوا إلى نصف الليل، وذلك في شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين، قاله الإمام أحمد في تاريخه. انتهى ما ذكره القرطبي1.

وأما إن كان مراده محاربة علي ومعاوية، وعدم تسليم معاوية الأمر له، فهذا أعظم جهلا وأكبر خطأ مما قبله. فإن معاوية أقام محاربا لعلي مدة خلافته كلها من حين قتل عثمان إلى أن قتل علي رضي الله عنه وذلك نحو خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، وقيل: أربع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام، وقيل: وستة أيام، وقيل: وأربعة عشر يوما، وقيل: أربع سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوما.

1 ولا يخفى ما في كلام القرطبي من الكذب والغلو والتشنيع المخالف لصحيح التاريخ اهـ من حاشية الأصل. والقرطبي لم يكن هو المفتري، ولكنه اغتر ببعض ما كتبه أصحاب الأهواء في ذلك.

ص: 56

فصل في افتراق الأمة بعد قتل عثمان

وأما قوله: افترقت الأمة فرقتين: فرقة توالي معاوية باطنا وظاهرا، وهم الذين قاتلوا معه ونصروه وسموا أنفسهم أهل السنة والجماعة، كما أخبرت بذلك التواريخ.

فالجواب أن يقال: هذا أيضا جهل وتخبيط وقصور فهم وغباوة شديدة، فإن الأمة قد افترقت بعد قتل عثمان رضي الله عنه ثلاث فرق: فرقة بايعت عليا رضي الله عنه ودخلوا في طاعته، وهم أكثر الصحابة وجمهور المسلمين، وفرقة امتنعت عن الدخول في طاعته ومبايعته، وأظهروا الطلب بدم عثمان رضي الله عنه وهم معاوية ومن تابعه، وكان هو الأمير عليهم في خلافة عمر رضي الله عنه وخلافة عثمان، وأرسلوا إلى علي: إن كنت تريد أن نبايعك فادفع إلينا قتلة عثمان، فأبى علي رضي الله عنه ذلك.

والطائفة الثالثة لم يبايعوا عليا ولا معاوية، واعتزلوا الفريقين جميعا، لم يعينوا هؤلاء ولا هؤلاء، ولم يدخلوا في تلك الحروب والفتن، ولم يحضروها؛ منهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومنهم أسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، وأبو موسى الأشعري، وعمران بن حصين الخزاعي، وأبو بكرة الثقفي، وأهبان بن صيفي. ومن التابعين شريح والنخعي رضي الله عنهم أجمعين-.

وأخرج ابن ماجة عن أبي بردة، قال: دخلت على محمد بن مسلمة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان ذلك فائت بسيفك أُحُدا فاضربه به حتى ينقطع، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة، أو منية قاضية" 1، فقد وقعت وفعل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن هؤلاء من بايع عليا رضي الله عنه ولم يقاتل معه في حروبه، قال أبو عمر

1 ابن ماجه: الفتن (3962) .

ص: 57

ابن عبد البر في "الاستيعاب": وتخلف عن بيعة علي أقوام، فلم يكرههم علي، وسئل عنهم فقال: أولئك قوم قعدوا عن الحق، ولم يدخلوا في الباطل. وقال غيره: إن كثيرا من المسلمين حتى من أهل المدينة ومكة لم يكونوا بايعوه، دع الذين كانوا بعيدين كأهل الشام ومصر والمغرب وخراسان والعراق. انتهى.

وقد قال غير واحد من أهل العلم: إن جمهور الصحابة ما دخلوا في الفتنة، قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبي ثنا إسماعيل، يعني ابن علية، حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: هاجت الفتنة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين. هذا إسناد من أصح إسناد على وجه الأرض، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقه، ومراسيله من أصح المراسيل.

وقال عبد الله: حدثنا أبي، ثنا إسماعيل، ثنا منصور بن عبد الرحمن1 قال: قال الشعبي: لم يشهد الجمل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير علي وعمار وطلحة والزبير، فإن جاؤوا بخامس فأنا كذاب.

وقال عبد الله بن أحمد: ثنا أبي، ثنا أمية بن خالد، قال: قيل لشعبة: إن أبا شيبة روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلا، فقال: كذب والله، لقد ذاكرت الحكم بذلك، وذاكرناه في بيته فما وجدنا شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت، وهذا النفي يدل على قلة من حضرها، وقيل: إنه حضرها سهل بن حنيف وأبو أيوب، وكلام ابن سيرين متقارب فما يكاد يذكر مائة واحد. وقد روى ابن بطة بإسناده عن بكير بن الأشج قال: أما إن رجالا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان رضي الله عنه فلم يخرجوا إلا لقبورهم.

1 قال: أبو حاتم لا يحتج به اهـ من حاشية الأصل.

ص: 58

فصل في تفضيل أهل السنة عليا على معاوية

وأما قوله في معاوية رضي الله عنه، لمّا استتم له الأمر فذلت له الرقاب، افترقت الأمة إلى فرقتين: فرقة توالي معاوية باطنا وظاهرا؛ وهم الذين قاتلوا معه، وسموا أنفسهم أهل السنة والجماعة، كما أخبرت به كتب التواريخ، وبدّعوا من والى عليا وأهله.

فالجواب أن يقال: هذا من الكذب والبهتان الظاهر لكل من له معرفة بما عليه أهل السنة والجماعة، بل معاوية وأصحابه الذين قاتلوا عليا ومن معه لا يبدّعونه ولا يبدّعون من والاه، بل العلماء منهم مقرون بفضله ودينه وورعه وسابقته، وحسن بلائه في الإسلام، حتى معاوية نفسه يقر بذلك في المحافل والمجالس، كما ذكر ذلك أهل العلم في كتبهم. فروى يحيى الجعفي في كتاب صفين بإسناده: حدثني يعلى بن عبيد حدثنا أبي قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية: أأنت تنازع عليا؟ أم أنت مثله؟ قال: لا والله إني لأعلم أن عليا أفضل مني، وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا عليا فليدفع إليّ قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا عليا فكلموه، فلم يدفعهم إليه.

فانظر وتأمل يتبين لك كذب المعترض ونسبته إلى الصحابة ما لا يليق بهم، كذلك نسبته إلى أهل السنة والجماعة تبديع من والى عليا وأهل بيته وشيعته، فإن هذا كذب وافتراء على القوم، بل جميع أهل السنة يتولون عليا وأهل البيت، ويقدمونه على معاوية، بل وعلى من هو أفضل من معاوية، فإن الذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ومن بعد أبي بكر عمر، ثم بعد عمر عثمان، ثم بعد عثمان علي، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين-، وأهل السنة يعلمون أن معاوية ليس من السابقين الأولين، بل هو من مسلمة الفتح، ومن المؤلفة قلوبهم، ولكنه ممن حسن إسلامه بعد ذلك، وصار يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم لما توفي

ص: 59

أبو بكر خرج إلى الجهاد مع أخيه يزيد بن أبي سفيان. ثم لما توفي يزيد استعمله عمر رضي الله عنه على الشام، فأقام أميرا عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة، وكانت رعيته تحبه لحسن سيرته.

اعتراف معاوية بفضل علي

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"1. ومما يدل على اعتراف معاوية بفضل علي ما أخرجه غير واحد من أهل السنة في كتبهم، وذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب "الاستيعاب" في ترجمة علي حيث قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا يحيى بن مالك، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مقلد البغدادي بمصر، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن درية، قال: حدثنا الكلبي عن الحرماوي عن رجل من همدان، قال: قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار، صف لي عليا، قال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: فلتصفه لي، قال: "أما إذ لا بد من وصفه؛ فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين ويقربهم، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييئس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيرى، إليّ تقرّبت؟ أم إليّ تشوفت؟ هيهات هيهات، بتتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق!.

1 مسلم: الإمارة (1855) ، وأحمد (6/24 ،6/28)، والدارمي: الرقاق (2797) .

ص: 60

فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال "حزن من ذبح واحدها في حجرها".

وكان معاوية رضي الله عنه يكتب فيما ينْزل به إلى علي بن أبي طالب يسأله عن ذلك، فلما بلغه قتله، قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له عتبة أخوه: لا يسمع هذا منك أهل الشام. انتهى ما ذكره أبو عمر.

وكذلك الصحابة الذين قاتلوا عليا مع معاوية ليس فيهم من يقول: إن معاوية أفضل من علي، وإنما قاتلوه ومن معهم من أهل الشام للطلب بدم عثمان رضي الله عنه.

وكانوا يقولون: إن معاوية هو ولي عثمان والطالب بدمه، كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم بالأخبار والتواريخ وأيام الناس.

قال مجالد عن الشعبي: لما قتل عثمان أرسلت أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان، وبالخصلة الشعر التي نتفت من لحيته، ثم دعت النعمان بن بشير فبعثته إلى معاوية، فمضى بذلك وبكتابها فصعد معاوية المنبر، وجمع الناس، ونشر القميص عليهم، وذكر ما صنع بعثمان ودعا إلى الطلب بدمه، فقام أهل الشام فقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه، ونحن الطالبون معك بدمه، فبايعوا له.

وقال يونس عن الزهري: لما بلغ معاوية قتل طلحة والزبير، وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى، والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميرا غير خليفة.

وقد روى الطبراني عن ابن عباس قال: ما زلت موقنا أن معاوية سيلي الملك والسلطان من هذه الآية {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} 12.

أهل السنة يتولون عليا وأهل البيت

وأما سائر أهل السنة والجماعة فكلهم يتولون عليا وأهل البيت، ويحبونهم،

1 سورة الإسراء آية: 33.

2 ولكن قال الله بعد ذلك: "فلا يسرف في القتل"، وقد أسرف معاوية، وقامت عليه الحجة بما رواه هو وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم لعمار:"تقتلك الفئة الباغية" ثم ماذا فعل بقتلة عثمان، بعد أن انتهى إليه السلطان؟؟.

ص: 61

وينكرون على بني أمية الذين يسبون عليا، وكتبهم مشحونة بالثناء عليه ومحبته وموالاته، وجميع كتب الحديث مذكور فيها فضل علي وأهل البيت، ولكنهم يتولون سائر الصحابة ويحبونهم، ويترضون عنهم طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

فإن الله -تعالى- ذكر الصحابة في كتابه، وأحسن الثناء عليهم، فقال -تعالى-:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 1 الآية، وقال -تعالى-:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} 2 الآية.

وأثنى -تعالى- على من جاء من بعدهم، ودعا لهم بالمغفرة، فقال -تعالى-:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ} 3 الآية. فتبين بما ذكرنا جهالة المعترض وكذبه على أهل السنة بأنهم بدعوا من والى عليا وأهل بيته.

وأما قوله: ولذلك قال الشافعي لما رأى التبديع لأهل الحق:

فليشهد الثقلان أني رافضي

إن كان رفضا حب آل محمد

فجميع أهل السنة وأكثر أهل البدعة من المعتزلة والمرجئة وغيرهم يقولون كما قال الشافعي، ويقولون -أيضا- كما قال بعض العلماء:

فليشهد الثقلان أني ناصبي

إن كان نصبا حب صحب محمد

فالبيت الأول إرغام للخوارج وطائفة من بني أمية الذين يبغضون عليا-رضي الله عنه وأهل بيته، ومنهم من يكفره، والبيت الثاني إرغام للروافض والزيدية الذين يبغضون بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن الله تبارك وتعالى هدى أهل السنة والجماعة لما اختلف فيه من الحق {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 4، وذلك أنهم آمنوا بجميع المنَزل من عند الله، وجميع ما ورد عن رسول الله من الأحاديث الصحيحة الثابتة، ولم يغلوا غلو الروافض والزيدية، ولم يقصروا تقصير الخوارج، ومن نحا نحوهم.

1 سورة الفتح آية: 29.

2 سورة الحديد آية: 10.

3 سورة الحشر آية: 10.

4 سورة البقرة آية: 213.

ص: 62

فصل في إنصاف أهل السنة وكذب الروافض

وأما قوله: ولهذا الافتراق روى مسلم في صحيحه عن أبي إسحاق ما معناه: أنه لما وقعت الفتنة قال بعض المحدثين لبعض إذا حدثوا: بيّنوا لنا رجالكم، وكانوا قبل الفتنة يقبلون المرسل، ولا يسألون عن رجال السنة

فيقال: هذا مما يدل على إنصاف أهل السنة والجماعة، ونصحهم لله ولرسوله ولدينه، خصوصا أئمة الحديث وجهابذته. وذلك أنه دين فلا يجوز لهم الأخذ عن كل من روى الحديث حتى يعرفوا حاله هل هو ثقة حافظ ضابط لما يرويه؟ وهل هو من أهل السنة، أو من أهل البدعة؟ فإذا عرفوا الرجل بالكذب بينوا حاله، وإذا عرفوه بالبدعة بينوا حاله، فإذا عرفوا أن الرجل ثقة أخذوا عنه، وقبلوا حديثه، ولو كان من أهل البدع.

وإذا كان الرجل قليل الضبط، أو معروفا بالكذب، أو بالتخليط، أو الاضطراب في حديثه تركوا حديثه، وبينوا حاله، وإن كان من أهل السنة ومن أهل الصلاح.

يعرف ذلك من طالع كتب الجرح والتعديل، وفي البخاري ومسلم والسنن الأربعة رجال من أهل البدع يروون عنهم الحديث من الخوارج والقدرية والمرجئة والشيعة وغيرهم؛ إذ كانوا معروفين بالصدق والضبط.

ولكن أهل الحديث وأهل العلم يعلمون أن أكذب الطوائف هم الرافضة والشيعة ومن نحا نحوهم، وذلك أن عمدتهم في المنقولات على تواريخ منقطعة الإسناد وكثير من وضع المعروفين بالكذب.

قال أبو حاتم الرازي: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك عن الرافضة فقال: لا ترو عنهم، ولا تكلمهم فإنهم يكذبون.

وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: لم أر أحدا أشهدَ بالزور من الرافضة.

وقال مؤمل بن

ص: 63

إهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: يكتب عن كل صاحب بدعة، إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون.

وقال محمد بن سعيد الأصبهاني: سمعت شريكا يقول: احمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة؛ فإنهم يضعون الحديث فيتخذونه دينا، وشريك هذا هو شريك بن عبد الله القاضي بالكوفة من أقران الثوري وأبي حنيفة، وهو من الشيعة الذي يقول بلسانه: أنا من الشيعة، وهذه شهادته.

ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم؛ مثل كتب يحيى بن سعيد القطان، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم الرازي، والنسائي، وأبي حاتم بن حبان، وأبي أحمد بن عدي، والدارقطني، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ويعقوب بن سفيان، والعجلي، والعقيلي، والموصلي، والحاكم النيسابوري، والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة نقاد، ولهم المعرفة التامة بأحوال الإسناد، علم أن المعروف عندهم بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف، حتى أن أصحاب الصحيح كالبخاري وغيره لم يرووا عن أحد من قدماء الشيعة مثل عاصم بن ضمرة، والحارث الأعرج، وعبد الله بن سلمة، مع أن هؤلاء من خيار الشيعة، وإنما يروون حديث علي عن أهل بيته كالحسن والحسين ومحمد بن الحنفية، وكاتبه عبيد الله بن أبي رافع، وعن أصحاب ابن مسعود كعبيدة السلماني، والحارث بن قيس وأشباههم. وهؤلاء أئمة النقل ونقاده من أبعد الناس عن الهوى، وأخبرهم بالناس، وأقولهم بالحق، لا يخافون في الله لومة لائم.

ولهذا قال أحمد بن حنبل رحمه الله لما قيل له: إن ابن أبي قتيلة يقول: إن أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أحمد ينفض ثوبه، ويقول: زنديق، زنديق، زنديق.

وقال بعضهم: إذا رأيت من يبغض أحمد بن حنبل فاعلم أنه مبتدع، وإذا

ص: 64

رأيت من يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب، ولا يبغض يحيى بن معين، ويتكلم فيه وفي أمثاله إلا من هو من أهل الكذب.

فصل في موالاة أهل السنة لعلي وتفسيقهم لمن سبوه وطغوا عليه

وأما قوله: ونشأ من هذا الافتراق الأمر العظيم، وهو استمرار لعن علي عليه السلام على المنابر حتى قطعه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

فيقال: أما لعن علي رضي الله عنه فإنما فعله طائفة قليلة من بني أمية، وهم عند أهل السنة ظلمة فسقة، وأهل السنة ينكرون عليهم ذلك بألسنتهم، ويروون الأحاديث الصحيحة في فضائل علي، وذلك أنهم أرادوا وضعه عند الناس، وحط رتبته ومحبته من قلوبهم، فجازاهم الله بنقيض قصدهم، ورفعه الله. وأظهر أهل السنة والجماعة فضائله، وحدثوا بها الناس، فاشتهرت عند العامة فضلا عن الخاصة، وجميع أهل السنة يحبونه ويوالونه رضي الله عنه.

فلما زالت دولة بني أمية، وجاءت دولة بني العباس في سنة ثنتين وثلاثين ومائة انقطع لعن علي رضي الله عنه.

وأما قول المعترض: أن ابن تيمية روى في منهاجه أنه استمر لعن علي إلى زمانه، وأما في أيامه فقد انقطع، فهذا كذب ظاهر على ابن تيمية رحمه الله، وقلة حياء فيمن نسب ذلك إليه، ومنهاج السنة موجود عندنا، ولم يذكر هذا فيه، وابن تيمية أجل من أن يخفى عليه هذا الأمر الواضح الذي يعرفه أدنى من له معرفة بالسير والتواريخ، وأنه انقطع من الشام، وغيره من بلاد الإسلام.

ثم ظهرت الدولة العباسية وانقطعت الدولة الأموية في أيام السفاح الذي كان هو أول ملوك بني العباس، وقتل مروان الملقب بالحمار الذي هو آخر ملوك بني أمية سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

ص: 65

وأعجب من هذا قوله: إن ابن تيمية أيضا روى في منهاج السنة أن كثيرا من علماء السنة والجماعة حكموا بتخطئة علي في حروبه، إلا أحمد بن حنبل إمام الشيعة عند التحقيق، فإنه قال: من خطأ عليا في حروبه فهو كحمار أهله. انتهى معنى كلام ابن تيمية.

والجواب أن يقال: إن هذا من الكذب الظاهر على ابن تيمية، وعلى أحمد ابن حنبل -رحمهما الله-، وهذا نص لفظ ابن تيمية في المجلد الأول من كتاب "منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية:

قال رحمه الله: "ولهذا اضطرب الناس في خلافة علي على أقوال، فقالت طائفة: إنه إمام، وأن معاوية إمام، وأنه يجوز نصب إمامين في وقت واحد إذا لم يمكن الاجتماع على إمام واحد، وهذا يحكى عن الكرامية وغيرهم، وقالت طائفة: لم يكن في ذلك الزمان إمام عام، بل كان زمان فتنة، وهذا قول طائفة من أهل الحديث البصريين وغيرهم.

ولهذا لما أظهر الإمام أحمد التربيع بعلي في الخلافة، وقال: من لم يربّع بعلي فهو أضل من حمار أهله، أنكر طائفة من هؤلاء، وقالوا: قد أنكر خلافته من لا يقال فيه هو أضل من حمار أهله، يريدون من تخلف عنها من الصحابة. واحتج أحمد وغيره على خلافة علي بحديث سفينة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة، ثم تصير ملكا" 1 وهذا الحديث قد رواه أهل السنن كأبي داود وغيره.

وقالت طائفة ثالثة: علي هو الإمام، وهو مصيب في قتاله لمن قاتله، وكذلك من قاتله من الصحابة كطلحة والزبير كلهم مجتهدون مصيبون، وهذا قول من يقول: كل مجتهد مصيب، كقول البصريين من المعتزلة، وأبي الهذيل وأبي هاشم ومن وافقهم من الأشعرية كالقاضي أبي بكر وأبي حامد، وهو المشهور عند أبي الحسن الأشعري. وهؤلاء -أيضا- يجعلون معاوية مجتهدا مصيبا في قتاله، كما أن عليا مصيب. وهذا قول طائفة من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيره، ذكره أبو عبد الله بن حامد.

وذكر لأصحاب أحمد في المقتتلين يوم

1 الترمذي: الفتن (2226)، وأبو داود: السنة (4646 ،4647) ، وأحمد (5/221) .

ص: 66

الجمل وصفين ثلاثة أوجه:

(أحدها) : كلاهما مصيب.

(والثاني) : المصيب واحد لا بعينه.

(والثالث) : أن عليا هو المصيب، ومن خالفه مخطئ.

"والمنصوص عن أحمد وأئمة السنة أنه لا يذم أحد منهم، وأن عليا أولى بالحق من غيره. أما تصويب القتال فليس هو قول أئمة السنة، بل هم يقولون: إن تركه كان أولى. وطائفة رابعة تجعل عليا هو الإمام، وكان مجتهدا مصيبا في القتال، ومن قاتله كانوا مجتهدين مخطئين، وهذا قول كثير من أهل الكلام والرأي من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي وأحمد.

وطائفة خامسة تقول: إن عليا مع كونه كان خليفة، وهو أقرب إلى الحق من معاوية، فكان ترك القتال أولى. وينبغي الإمساك عن القتال لهؤلاء وهؤلاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ستكون فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي"1. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال في الحسن: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين" 2 فأثنى على الحسن بالإصلاح. ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لما مدح تاركه.

قالوا: وقتال البغاة لم يأمر الله به ابتداء، ولم يأمر بقتال كل باغ، بل قال:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 3 فأمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم، فإن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت.

قالوا: ولهذا لم يحصل بالقتال مصلحة، والأمر الذي لم يأمر الله به لا بد أن يكون مصلحته راجحة على مفسدته، وفي سنن أبي داود: ثنا الحسن بن علي، ثنا يزيد، ثنا هشام عن محمد بن سيرين، قال: قال حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تضره الفتنة"4، فهذا يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن محمد بن مسلمة لا تضره الفتنة، وهو ممن اعتزل في القتال، فلم يقاتل مع علي، ولا مع معاوية، كما اعتزل سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر،

1 البخاري: المناقب (3602)، ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (2886) ، وأحمد (2/282) .

2 البخاري: الصلح (2704) والمناقب (3629 ،3746) والفتن (7109)، والنسائي: الجمعة (1410) ، وأحمد (5/44) .

3 سورة الحجرات آية: 9.

4 أبو داود: السنة (4664) .

ص: 67

وأبو بكرة، وعمران بن حصين، وأكثر السابقين الأولين.

وهذا يدل على أنه ليس هناك قتال واجب ولا مستحب؛ إذ لو كان كذلك لم يكن ترك ذلك مما يمدح به الرجل، بل كان من فعل الواجب أو المستحب أفضل ممن تركه، ودل ذلك أن القتال قتال فتنة، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ستكون فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من المُوضِع"12.

وأمثال ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تبين أن ترك القتال كان خيرا من فعله من الجانبين، وعلى هذا جمهور أئمة الحديث والسنة، وهذا هو مذهب مالك، والثوري، وأحمد، وغيره، وهذه أقوال مَن يحسن القول في علي، وطلحة، والزبير، ومعاوية، ومَن سوى هؤلاء من الخوارج، والروافض، والمعتزلة، فمقالتهم في الصحابة نوع آخر؛ فالخوارج يكفرون عليا وعثمان ومن والاهما، والروافض يكفرون جمهور الصحابة ومن والاهم، أو يفسقوهم، ويكفرون من قاتل عليا، ويقولون: هو إمام معصوم، وطائفة من المروانية تفسقه، وتقول: إنه ظالم معتد.

وطائفة من المعتزلة تقول: قد فسق؛ إما هو وإما من قاتله، لكن لا يعلم عينه. وطائفة أخرى منهم تفسق معاوية، وعمرو بن العاص، دون طلحة، والزبير، وعائشة. انتهى ما ذكره الشيخ تقي الدين بن تيمية في منهاج السنة.

فانظر -رحمك الله- بعين الإنصاف إلى كلام هذا الإمام، ثم انظر إلى كلام المعترض يتبين لك تحريفه للكلم عن مواضعه، فإن ابن تيمية إنما ذكر أن جمهور أئمة السنة يرون أن ترك قتال علي أولى من القتال، وأن تركه أحب إلى الله، وإلى رسوله لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن بن علي، وغيره الدال على هذا المعنى، وتقدمت الإشارة إلى بعضها.

1 البخاري: المناقب (3602)، ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (2886) ، وأحمد (2/282) .

2 الموضع كالمسرع وزنا ومعنى.

ص: 68

وأما تخطئتهم عليا في ذلك فحاشا وكلا، بل كثير من أهل السنة والجماعة يرون أن عليا مصيب في قتاله لمعاوية، ومن معه، وكلهم متفقون على أنه أقرب إلى الحق، وأولى به من معاوية، ومن معه.

وأما ما ذكره عن أحمد بن حنبل، فإنما أراد أحمد بذلك: ومن لم يجعل عليا رابع الخلفاء الراشدين. وقال: من لم يربع بعلي في الخلافة، فهو أضل من حمار أهله.

وأما لفظ المعترض الذي ذكره عن أحمد: أن من خطأ عليا في حروبه فهو كحمار أهله، فليس هذا لفظ أحمد، ولا هو معنى كلامه، ولا ذكره الشيخ ابن تيمية رحمه الله عن أحمد، ولكن نعوذ بالله من التعصب، واتباع الهوى اللذَين يصدان عن اتباع الحق، ويحملان على كتمان الحق، ولبسه بالباطل؛ وقد نهى الله -سبحانه- في كتابه عن هاتين الخصلتين، فقال -تعالى-:{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1.

ومن العجب أن هذا المعترض وأشباهه يعلمون أن الحسن بن علي رضي الله عنه وغيره من أهل البيت يرون أن ترك القتال أولى من فعله، وأحب إلى الله وإلى رسوله، كما اختاره كثير من أهل السنة والحديث، ومع هذا ينكرون على أهل السنة ذلك، مع زعمهم أنهم من شيعة أهل البيت. ويزعمون أن أهل السنة يبغضون أهل البيت، ومن والاهم، وقد كذبوا؛ فإن أهل السنة والحديث أولى باتباع أهل البيت منهم، وهم شيعتهم على الحقيقة؛ لأنهم سلكوا طريقتهم، واتبعوا هديهم، وقد قال -تعالى- لليهود والنصارى -لما ادعى كل طائفة منهم أن إبراهيم كان منهم-:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} 2.

1 سورة البقرة آية: 42.

2 سورة آل عمران آية: 68.

ص: 69