الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الْكُسُوف)
[1459]
إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْ كُسُوفَهُمَا آيَتَانِ لِأَنَّهُ الَّذِي خَرَجَ الْحَدِيثُ بِسَبَبِهِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ أَيْ عَلَامَتَانِ لِقُرْبِ الْقِيَامَةِ أَوْ لِعَذَابِ اللَّهِ أَوْ لِكَوْنِهِمَا مُسَخَّرَيْنِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْتَ حُكْمِهِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ أَيِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَعِظَمِ قُدْرَتِهِ أَوْ عَلَى تَخْوِيفِ الْعِبَادِ مِنْ بَأْسِهِ وَسَطْوَتِهِ
[1460]
بَيْنَمَا أَنَا أَتَرَامَى بِأَسْهُمٍ لِي قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ أَرْمِي وَأَرْتَمِي وَأَتَرَامَى وَأَتَرَمَّى فَأَتَيْتُ مِمَّا يَلِي ظَهْرَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا أَيْ كُشِفَ وَأُزِيلَ مَا بِهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَلُ وَيُظَنُّ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ بَعْدَ انْجِلَاءِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ صَلَاتِهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي طَرِيقٍ آخَرَ ثُمَّ جَمَعَ الرَّاوِي جَمِيعَ مَا جَرَى فِي الصَّلَاةِ مِنْ دُعَاءٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ فَتَمَّتْ جُمْلَةُ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ أَوَّلُهُمَا فِي حَالِ الْكُسُوفِ وَآخِرُهُمَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ وَلِقَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مُسْتَقِلًّا بَعْدَ انْجِلَاءِ الْكُسُوفِ لَا أَنَّهَا صَلَاةُ كُسُوفٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالف
لظَاهِر الرِّوَايَة الْأُخْرَى
[1461]
لَا يَخْسِفَانِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَحَكَى بن الصَّلَاحِ مَنْعَهُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بَعْضَ الْجَاهِلِيَّةِ الضُّلَّالِ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا آيَتَانِ مَخْلُوقَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ لَهُمَا بَلْ هُمَا كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ يَطْرَأُ عَلَيْهِمَا النَّقْصُ وَالتَّغَيُّرُ كَغَيْرِهِمَا وَكَانَ بَعْضُ الضُّلَّالِ مِنَ الْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِأَقْوَالِهِمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَادَفَ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ مَا تَقُولُ فِيمَا قَالَ أَهْلُ الْهَيْئَةِ أَنَّ الْكُسُوفَ سَبَبُهُ حَيْلُولَةُ الْقَمَرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ فَلَا يُرَى حِينَئِذٍ إِلَّا لَوْنُ الْقَمَرِ وَهُوَ كَمِدٌ لَا نُورَ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي آخِرِ الشَّهْرِ عِنْدَ كَوْنِ النَّيِّرَيْنِ فِي إِحْدَى عُقْدَتَيِ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ وَلَهُ آثَارٌ فِي الْأَرْضِ هَلْ جَازَ الْقَوْلُ بِهِ أَمْ لَا قُلْتُ الْمُقَدِّمَاتُ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَإِنْ كَانَ غَرَضُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى سُنَّتَهُ بِذَلِكَ كَمَا أَجْرَى بِاحْتِرَاقِ الْحَطَبِ الْيَابِسِ عِنْدَ مِسَاسِ النَّارِ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ
وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُمْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَقْلًا وَلَهُ تَأْثِيرٌ بِحَسَبِ ذَاتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ مُسْنَدَةٌ إِلَى إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً إِذْ لَا مُؤَثِّرَ فِي الْوُجُودِ الا الله تَعَالَى
[1465]
فَنَادَى أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةً بِنَصْبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَجَامِعَةٍ عَلَى الْحَالِ أَيْ احْضُرُوا الصَّلَاةَ فِي حَالِ كَوْنِهَا جَامِعَةً وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبع سَجدَات
قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةِ مُعَلَّلَةٌ ضَعِيفَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمُ الِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَاتِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الْكُسُوفِ فَفِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَأَخَّرَ انْجِلَاءُ الْكُسُوفِ فَزَادَ عَدَدُ الرُّكُوعِ وَفِي بَعْضِهَا أَسْرَعَ الِانْجِلَاءُ فَاقْتَصَرَ وَفِي بَعْضِهَا تَوَسَّطَ بَيْنَ الْإِسْرَاعِ وَبَيْنَ التَّأَخُّرِ فَتَوَسَّطَ فِي عَدَدِهِ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ تَأَخُّرَ الِانْجِلَاءِ لَا يُعْلَمُ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَلَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَدِ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ مَنْوِيٌّ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْه وبن جرير وبن الْمُنْذِرِ جَرَتْ صَلَاةُ الْكُسُوفِ فِي أَوْقَاتٍ وَاخْتِلَافُ صِفَاتِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ جَمِيعِ ذَلِكَ
فَتَجُوزُ صَلَاتُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ الثَّابِتَة قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا قوي
[1470]
أَنَّ سِجَالَ الْمَاءِ جَمْعُ سَجْلٍ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وَهُوَ الدَّلْو
[1472]
رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَفْظُ الْمَقَامِ يَحْتَمِلُ الْمَصْدَرَ وَالزَّمَانَ وَالْمَكَانَ كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ هَذِهِ أَوْضَحُ مِنْ رِوَايَةِ الصَّحِيحِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي تَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي هَذَا الْمَقَامِ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى قُلْتُ نَعَمْ إِذِ الشَّيْءُ يَتَنَاوَلُهُ وَالْعَقْلُ لَا يَمْنَعُهُ وَالْعُرْفُ لَا يَقْتَضِي إِخْرَاجَهُ قُلْتُ وَقَدْ بَيَّنَتْ رِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَوْلَهُ كُلَّ شَيْءٍ مُخَصَّصٌ بِقَوْلِهِ وُعِدْتُمْ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِفِتَنِ الدُّنْيَا وَفُتُوحِهَا وَبِمَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ قَوْلُهُ فِي مَقَامِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَقَامَ الْحِسِّيَّ وَهُوَ الْمِنْبَرُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَقَامَ الْمَعْنَوِيَّ وَهُوَ مَقَامُ الْمُكَاشَفَةِ وَالتَّجَلِّي بِالْحَضَرَاتِ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ حَضْرَةِ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْغَيْبِ الْإِضَافِيِّ وَالْغَيْبِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ الْبَرْزَخُ الَّذِي لَهُ التَّوَجُّهُ إِلَى الْكُلِّ كَنُقْطَةِ الدَّائِرَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّائِرَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَسَلَامُهُ وَنَفَعَنَا مِنْ نَفَحَاتِ قُدْسِهِ بِمُتَابَعَتِهِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَيْ يَعْسِفُهُ وَيَكْسِرُهُ كَمَا يَفْعَلُ الْبَحْرُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ شِدَّةُ تَلَهُّبِهَا وَاضْطِرَابِهَا كَأَمْوَاجِ الْبَحْرِ الَّتِي يَحْطِمُ بَعْضهَا بَعْضًا وَرَأَيْت فِيهَا بن لُحَيٍّ اسْمُهُ عَمْرٌو وَلُحَيٌّ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ
التَّحْتِيَّة لقبه واسْمه عَامر
[1474]
مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ هُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْغَيْرَةِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ تَغَيُّرٌ يَحْصُلُ مِنَ الْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ وَأَصْلُهَا فِي الزَّوْجَيْنِ وَالْأَهْلِينَ وَذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ تَغَيُّرٍ وَنَقْصٍ فَيتَعَيَّن حمله على الْمجَاز قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَهْلُ التَّنْزِيهِ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ إِمَّا سَاكِتٌ وَإِمَّا مُؤَوِّلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرَةِ شِدَّةُ الْمَنْعِ وَالْحِمَايَةُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا قَالَ الْبَاجِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمٍ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ وَلَعَلَّهُ مِمَّا أُرَاهُ فِي مَقَامِهِ مِنَ النَّارِ وَشَنَاعَةِ مَنْظَرِهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَوْ تَعْلَمُونَ مِنْ عِظَمِ انْتِقَامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَرَائِمِ وَشِدَّةِ عِقَابِهِ وَأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَمَا بَعْدَهَا كَمَا عَلِمْتُ وَتَرَوْنَ النَّارَ كَمَا رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَيَقِلَّ ضَحِكُكُمْ لِفِكْرِكُمْ فِيمَا علمتموه
[1475]
عائذا بِاللَّه قَالَ بن السَّيِّدِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى مِثْلِ فَاعِلٍ كَعُوفِيَ عَافِيَةً أَوْ عَلَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ النَّائِبَةِ مَنَابَ الْمَصْدَرِ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ عَائِذًا وَرُوِيَ بِالرَّفْع أَي أَنا عَائِذ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَكَأنَ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَطَّلِعَ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ
[1477]
حَدثنَا عَبدة بن عبد الرَّحِيم أَنبأَنَا بن عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي كُسُوفٍ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ تَفَرَّدَ النَّسَائِيُّ عَن عُبَيْدَة بِقَوْلِهِ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ وَهُوَ وَهَمٌ بِلَا شَكٍّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً بِالْمَدِينَةِ فِي الْمَسْجِدِ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ الْوَهَمُ مِنْ عَبْدَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ هَذَا فَإِنَّهُ مَرْوَزِيٌّ نَزَلَ دِمَشْقَ ثُمَّ صَارَ إِلَى مِصْرَ فَاحْتَمَلَ أَنَّ النَّسَائِيَّ سَمِعَهُ مِنْهُ بِمِصْرَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ
الْوَهَمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ كِتَابٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا بِطَرِيقٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَعُرِضَ هَذَا عَلَى الْحَافِظِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ قَدْ أَجَاد وَأحسن الانتقاد
[1482]
لقد أدنيت الْجنَّة مني قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْحُجُبَ كُشِفَتْ لَهُ دُونَهَا فَرَآهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَطُوِيَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهَا مَثَلَتْ لَهُ فِي الْحَائِطِ كَمَا تَنْطَبِعُ الصُّورَةُ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى جَمِيعَ مَا فِيهَا وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا إِحَالَةَ فِي إِبْقَاءِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ قَدْ خُلِقَتَا وَوُجِدَتَا وَذَلِكَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم إِدْرَاكًا خَاصًّا بِهِ أَدْرَكَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا كَمَا خَلَقَ لَهُ إِدْرَاكًا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَطَفِقَ يُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَثَّلَ لَهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَصَوَّرَهُمَا لَهُ فِي الْحَائِطِ كَمَا يَتَمَثَّلُ صُوَرَ الْمَرْئِيَّاتِ فِي الْمِرْآةِ وَلَا يُسْتَبْعَدُ هَذَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ الِانْطِبَاعَ فِي الْمِرْآةِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَجْسَامِ الصَّقْلِيَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ عَادِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ وَيَجُوزُ أَنْ تُخْرَقَ الْعَادَةُ وَخُصُوصًا فِي مُدَّةِ النُّبُوَّةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطَ عَقْلِيَّةٌ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأُمُورُ مَوْجُودَةً فِي جِسْمِ الْحَائِطِ وَلَا يُدْرِكُ ذَلِكَ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم
مِنْ قُطُوفِهَا جَمْعُ قِطْفٍ وَهُوَ مَا يُقْطَفُ مِنْهَا أَيْ يُقْطَعُ وَيُجْتَنَى تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ قَالَ بن مَالِكٍ فِي هُنَا لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ مِمَّا خَفِيَ عَلَى أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالشِّعْرِ الْقَدِيمِ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ أَيْ هوامها وحشراتها
فافزعوا بِفَتْح الزَّاي أَي الجؤا
[1485]
إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنَ الْعُظَمَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ مَا فَائِدَةُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الِانْكِسَافَ لِلْحَيَاةِ لَا سِيَّمَا هُنَا إِذِ السِّيَاقُ إِنَّمَا هُوَ فِي مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَيَتِمُّ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ قُلْتُ فَائِدَتُهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ قَدْ لَا يَكُونُ الْمَوْتُ سَبَبًا لِلِانْكِسَافِ وَيَكُونُ نَقِيضُهُ سَبَبًا لَهُ فَعُمِّمَ النَّفْيُ أَيْ لَيْسَ سَبَبُهُ لَا الْمَوْتَ وَلَا الْحَيَاةَ بَلْ سَبَبُهُ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ إِنَّ اللَّهَ إِذَا بَدَا لشَيْء من خلقه خشع لَهُ قَالَ بن الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ قَالَ أَبُو حَامِد
الْغَزَالِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُهَا فَيَجِبُ تَكْذِيبُ نَاقِلِهَا وَإِنَّمَا الْمَرْوِيُّ مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي لَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِيهِ قَالَ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ تَأْوِيلُهُ أَهْوَنَ مِنْ مُكَابَرَةِ أُمُورٍ قَطْعِيَّةٍ فَكَمْ مِنْ ظَوَاهِرَ أُوِّلَتْ بالأدلة الْعَقْلِيَّة الَّتِي لاتنتهي فِي الوضوح إِلَى هَذَا الْحَد قَالَ بن الْقَيِّمِ وَإِسْنَادُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ وَلَكِنْ لَعَلَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُدْرَجَةٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَلِهَذَا لَا تُوجَدُ فِي سَائِرِ أَحَادِيثِ الْكُسُوفِ فَقَدْ رَوَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ وَقَبِيصَةُ الْهِلَالِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فَمِنْ هُنَا يُخَافُ أَنْ تَكُونَ أُدْرِجَتْ فِي الْحَدِيثِ إِدْرَاجًا وَلَيْسَتْ فِي لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ هُنَا مَسْلَكًا بَدِيعَ الْمَأْخَذِ لَطِيفَ الْمَنْزَعِ يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ السَّلِيمُ وَالْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ وَهُوَ أَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يُوجِبُ لَهُمَا مِنَ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ بِانْمِحَاءِ نُورِهِمَا وَانْقِطَاعِهِ عَنْ هَذَا الْعَالَمِ مَا يَكُونُ فِيهِ ذهَاب سلطانهما
وَبَهَائِهِمَا وَذَلِكَ يُوجِبُ لَا مَحَالَةَ لَهُمَا مِنَ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَجَلِّي الرَّبِّ تَعَالَى لَهُمَا وَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ تَجَلِّي اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُمَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ كَمَا يَدْنُو مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَيُحْدِثُ لَهُمَا ذَلِكَ التَّجَلِّي خُشُوعًا آخَرَ لَيْسَ هَذَا الْكُسُوفُ وَلَمْ يَقُلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا تَجَلَّى لَهُمَا انْكَسَفَا وَلَكِنَّ اللَّفْظَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا بَدَا لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ وَلَفْظُ بن مَاجَهْ فَإِذَا تَجَلَّى اللَّهُ تَعَالَى لِشَيْءٍ مِنْ خلقه خشع لَهُ فهاهنا خَشُوعَانِ خُشُوعٌ أَوْجَبَ كُسُوفَهُمَا بِذَهَابِ ضَوْئِهِمَا وَانْمِحَائِهِ فَتَجَلَّى اللَّهُ لَهُمَا فَحَدَثَ لَهُمَا عِنْدَ تَجَلِّيهِ تَعَالَى خُشُوعٌ آخَرُ بِسَبَبِ التَّجَلِّي كَمَا حَدَثَ لِلْجَبَلِ إِذا تَجَلَّى لَهُ تَعَالَى خُشُوعٌ أنْ صَارَ دَكًّا وَسَاخَ فِي الْأَرْضِ وَهَذَا غَايَةُ الْخُشُوعِ لَكِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى يُثَبِّتُهُمَا لِتَجَلِّيهِ عِنَايَةً بِخَلْقِهِ لِانْتِظَامِ مَصَالِحِهِمْ بِهِمَا وَلَوْ شَاءَ سُبْحَانَهُ لَثَبَتَ الْجَبَلُ لِتَجَلِّيهِ كَمَا يُثَبِّتُهُمَا وَلَكِنْ أَرَى كَلِيمَهُ مُوسَى أَنَّ الْجَبَلَ الْعَظِيمَ لَمْ يُطِقِ الثَّبَاتَ لِتَجَلِّيهِ لَهُ فَكَيْفَ تُطِيقُ أَنْتَ الثَّبَاتَ لِلرُّؤْيَةِ الَّتِي سَأَلْتَهَا وَقَالَ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ الْكَبِيرِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْفِرَقِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ لَا يَصْدِمُ مَذْهَبُهُمْ فِيهِ أَصْلًا مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرْعِ مُنَازَعَتُهُمْ فِيهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ تَهَافُتِ الْفَلَاسِفَةِ كَقَوْلِهِمْ خُسُوفُ الْقَمَرِ عِبَارَةٌ عَنِ انْمِحَاءِ ضَوْئِهِ بِتَوَسُّطِ الْأَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَقْتَبِسُ نُورَهُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْأَرْضُ كُرَةٌ وَالسَّمَاءُ مُحِيطَةٌ بِهَا مِنَ الْجَوَانِبِ فَإِذَا وَقَعَ الْقَمَرُ فِي ظِلِّ الْأَرْضِ انْقَطَعَ عَنْهُ نُورُ الشَّمْسِ وَكَقَوْلِهِمْ إِنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ مَعْنَاهُ وُقُوفُ جِرْمِ الْقَمَرِ بَيْنَ النَّاظِرِ وَبَيْنَ الشَّمْسِ وَذَلِكَ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْعُقْدَتَيْنِ عَلَى دَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا الْفَنُّ لَسْنَا نَخُوضُ فِي إِبْطَالِهِ إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُنَاظَرَةَ فِي إِبْطَالِ هَذَا مِنَ الدِّينِ فَقَدْ جَنَى عَلَى الدِّينِ وَضَعَّفَ أَمْرَهُ وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ يَقُومُ عَلَيْهَا بَرَاهِينُ هَنْدَسِيَّةٌ حِسَابِيَّةٌ لَا يَبْقَى مَعَهَا رِيبَةٌ فَمَنْ يَطَّلِعُ إِلَيْهَا وَيُحَقِّقُ أَدِلَّتَهَا حَتَّى يُخْبِرَ بِسَبَبِهَا عَنْ وَقْتِ الْكُسُوفِ وَقَدْرِهِمَا وَمُدَّةِ بَقَائِهِمَا إِلَى الِانْجِلَاءِ إِذَا قِيلَ لَهُ إِنَّ هَذَا عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِ لَمْ يُسْتَرَبْ فِيهِ وَإِنَّمَا يَسْتَرِيبُ فِي الشَّرْعِ وَضَرَرُ الشَّرْعِ مِمَّنْ يَنْصُرُهُ لَا بِطَرِيقَةِ أَكْثَرَ مِنْ ضَرَرِهِ مِمَّنْ يَطْعَنُ فِيهِ وَهُوَ كَمَا قِيلَ عَدُوٌّ عَاقِلٌ خَيْرٌ مِنْ صَدِيقٍ جَاهِلٍ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ فَكَيْفَ يُلَائِمُ هَذَا مَا قَالُوهُ قُلْنَا لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُنَاقِضُ مَا قَالُوهُ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا نَفْيُ الْكُسُوفِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَحَيَاتِهِ وَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَالشَّرْعُ الَّذِي يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ مِنْ أَيْنَ يَبْعُدُ مِنْهُ أَنْ يَأْمُرَ عِنْدَ الْخُسُوفِ بِهِمَا اسْتِحْبَابًا فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ اللَّهَ إِذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ خَشَعَ لَهُ فَيَدُلُّ أَنَّ الْكُسُوفَ خُشُوعٌ بِسَبَبِ التَّجَلِّي قُلْنَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُهَا فَيَجِبُ تَكْذِيبُ نَاقِلِهَا وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ تَأْوِيلُهُ أَهْوَنَ مِنْ مُكَابَرَةِ أُمُورٍ قَطْعِيَّةٍ فَكَمْ مِنْ ظَوَاهِرَ أُوِّلَتْ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي لَا تَنْتَهِي فِي الْوُضُوحِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ وَأَعْظَمُ مَا يَفْرَحُ بِهِ الْمُلْحِدُ أَنْ يُصَرِّحَ نَاصِرُ الشَّرْعِ بِأَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِ فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ طَرِيقُ إِبْطَالِ الشَّرْعِ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ إِنْكَارَ حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّهُ مَرْوِيٌّ فِي النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ ظَاهِرٌ فَأَيُّ بُعْدٍ فِي أَنَّ الْعَالِمَ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَمُقَدِّرَ الْكَائِنَاتِ سُبْحَانَهُ يُقَدِّرُ فِي أَزَلِ الْآزَالِ خُسُوفَهُمَا بِتَوَسُّطِ الْأَرْضِ بَيْنَ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ وَوُقُوفِ جِرْمِ الْقَمَرِ بَيْنَ النَّاظِرِ وَالشَّمْسِ وَيَكُونُ ذَلِكَ وَقْتَ تَجَلِّيهِ سبحانه وتعالى عَلَيْهِمَا فَالتَّجَلِّي سَبَبٌ لِكُسُوفِهِمَا
قَضَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُقَارِنُ تَوَسُّطَ الْأَرْضِ وَوُقُوفَ جِرْمِ الْقَمَرِ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَنْبَغِي مُنَازعَة
الْقَوْمِ فِيهِ إِذَا دَلَّتْ عَلَيْهِ بَرَاهِينُ قَطْعِيَّةٌ تَكَعْكَعْتَ أَيْ تَأَخَّرْتَ قَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بقيت الدُّنْيَا قَالَ بن بَطَّالٍ لَمْ يَأْخُذِ الْعُنْقُودَ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَهُوَ لَا يَفْنَى وَالدُّنْيَا فَانِيَةٌ لَا يجوز أَن يُؤْكَل فِيهَا مَالا يَفْنَى وَقِيلَ لِأَنَّهُ لَوْ رَآهُ النَّاسُ لَكَانَ إِيمَانُهُمْ بِالشَّهَادَةِ لَا بِالْغَيْبِ فَيُخْشَى أَنْ يَقَعَ رَفْعُ التَّوْبَةِ فَلَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا وَقِيلَ لِأَنَّ الْجَنَّةَ جَزَاءُ الْأَعْمَالِ وَالْجَزَاءُ بِهَا لَا يَقَعُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ الْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَيْ لَمْ أَرَ مَنْظَرًا مِثْلَ مَنْظَرٍ رَأَيْتُهُ الْيَوْمَ فَحَذَفَ الْمَرْئِيَّ وَأَدْخَلَ التَّشْبِيهَ عَلَى الْيَوْمِ بِشَنَاعَةِ مَا رَأَى فِيهِ وَبُعْدِهِ عَنِ الْمَنْظَرِ الْمَأْلُوفِ وَقِيلَ الْكَافُ هُنَا اسْمٌ وَتَقْدِيرُهُ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا مَنْظَرًا أَوْ مَنْظَرًا تَمْيِيزٌ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءُ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ هَذَا يُفَسِّرُ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ لَهُنَّ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ
قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ الْقَائِلُ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الَّتِي تُعْرَفُ بِخَطِيبَةِ النِّسَاءِ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ أَيِ الزَّوْجُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَلَمْ يُعَدِّهِ بِالْبَاءِ كَمَا عَدَّى الْكُفْرَ بِاللَّهِ لِأَنَّ كُفْرَ الْعَشِيرِ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاعْتِرَافِ إِذِ الْمُرَادُ كُفْرُ إِحْسَانِهِ لَا كُفْرَانُ ذَاتِهِ وَالْمُرَادُ بِكُفْرِ الْإِحْسَانِ تَغْطِيَتُهُ أَوْ جَحْدُهُ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مُدَّةُ عُمْرِ الرَّجُلِ فَالزَّمَانُ كُلُّهُ مُبَالَغَةٌ فِي كُفْرَانِهِنَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَحْسَنْتَ مُخَاطَبَةَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا فَهُوَ خَاصٌّ لَفْظًا عَامٌّ مَعْنًى ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا التَّنْوِينُ فِيهِ لِلتَّقْلِيلِ أَيْ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يُوَافِقُ غَرَضَهَا
من أَي نوع كَانَ
[1503]
خَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَزِعًا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ بِكَسْرِ الزَّايِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الصِّفَةِ أَوْ مَفْعُولُ مُطْلَقٍ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ خَشِيَ أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ قَالَ وَهَذَا تَمْثِيلٌ مِنَ الرَّاوِي كَأَنَّهُ قَالَ فَزِعًا كَالْخَاشِي أَنْ تَكُونَ الْقِيَامَةَ وَإلَّا فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَالِمًا بِأَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى إِعْلَاءَ دِينِهِ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا وَلَمْ يَبْلُغُ الْكِتَابٌ أَجَلَهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا قَدْ يُشْكِلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ السَّاعَةَ لَهَا مُقَدِّمَاتٌ كَثِيرَةٌ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا وَلَمْ تَكُنْ وَقَعَتْ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجِ الدَّابَّةِ وَالنَّارِ وَالدَّجَّالِ وَقِتَالِ التُّرْكِ وَأَشْيَاءَ أُخَرَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا قَبْلَ السَّاعَةِ كَفُتُوحِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ومصر وَغَيرهمَا وَإِنْفَاقِ كُنُوزِ كِسْرَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا لَعَلَّ هَذَا الْكُسُوفَ كَانَ قَبْلَ إِعْلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّانِي لَعَلَّهُ خَشِيَ حُدُوثَ بَعْضِ مُقَدِّمَاتِهَا الثَّالِثُ أَنَّ رَاوِيَهُ ظَنَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَشِيَ أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ