الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1597]
وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ الْجَارِيَةُ فِي النِّسَاءِ كَالْغُلَامِ فِي الرِّجَال يقعان على من دون الْبلُوغ فهما ولِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّ إِحْدَاهُمَا كَانَتْ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا فِي الْعِيدَيْنِ وَحَمَامَةُ وَصَاحِبَتُهَا تُغنيَانِ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْأُخْرَى قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ حَمَامَةَ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي الصَّحَابَةِ وَهِيَ عَلَى شَرْطِهِمْ يَضْرِبَانِ بِالدُّفِّ بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَهُوَ الَّذِي لَا جَلَاجِلَ فِيهِ فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ فَهُوَ الْمِزْهَرُ وَتُغَنِّيَانِ أَيْ تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَهُمَا بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْحُدَاءِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِنْ فَخْرٍ أَوْ هِجَاءٍ
(كِتَابُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَتَطَوُّعِ النَّهَار)
[1598]
صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ أَيْ مِثْلَ الْقُبُورِ بِأَنْ لَا تُصَلُّوا فِيهَا قَالَ بن بَطَّالٍ شَبَّهَ الْبَيْتَ الَّذِي لَا يُصَلَّى فِيهِ بِالْقَبْرِ الَّذِي لَا يُتَعَبَّدُ فِيهِ وَالنَّائِمَ بِالْمَيِّتِ الَّذِي انْقَطَعَ مِنْهُ فِعْلُ الْخَيْرِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ فِي الْمَقَابِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ أَوْطَانًا لِلنَّوْمِ لَا تُصَلُّوا فِيهَا فَإِنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ وَأَمَّا مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ دَفْنِ الْمَوْتَى فِي الْبُيُوتِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَدْ دُفِنَ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ هُوَ شَيْءٌ وَدَفْنُهُ صلى الله عليه وسلم فِيهِ لَعَلَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم سِيَّمَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ
[1602]
مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ وَطَاعَةٌ وَاحْتِسَابًا أَيْ إِرَادَةَ وَجْهِ اللَّهِ لَا لِرِيَاءٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ يَفْعَلُ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّهُ صِدْقٌ لَكِنْ لَا يَفْعَلُ مُخْلِصًا بَلْ لِرِيَاءٍ أَوْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ انْتَهَى وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَوِ الْحَال أَو التَّمْيِيز
[1604]
خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ إِنَّكَ إِنْ وَاظَبْتَ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ مَعَهُمُ افْتَرَضْتُهَا عَلَيْهِمْ فَأَحَبَّ التَّخْفِيفَ عَنْهُمْ فَتَرَكَ الْمُوَاظَبَةَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ كَمَا اتَّفَقَ فِي بَعْضِ الْقُرَبِ الَّتِي دَاوَمَ عَلَيْهَا فَافْتُرِضَتْ وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ تُصَيِّرُهُ وَاجِبًا وَالْمُدَاوَمَةُ لَمْ تُعْهَدْ فِي الشَّرْعِ مُغَيِّرَةً لِأَحْكَامِ الْأَفْعَالِ فَكَيْفَ خَشِيَ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُغَيِّرَ بِالْمُدَاوَمَةِ حُكْمَ الْقِيَامِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ تتلقى الْأَحْكَام والأسباب فَإِن أخبر أَن هَا هُنَا مُنَاسَبَةً اعْتَقَدْنَا ذَلِكَ وَاقْتَصَرْنَا بِهَذَا الْحُكْمِ عَلَى مورده
[1607]
إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ عَقَدَ الشَّيْطَانُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِبْلِيسُ أَوِ الْقَرِينُ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ التَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثِ
إِمَّا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِأَنَّ مَا تَنْحَلُّ بِهِ عقدَة ثَلَاث أَشْيَاءَ الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فَكَأَنَّ الشَّيْطَانَ مَنَعَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ عَقَدَهَا يَضْرِبُ أَيْ بِيَدِهِ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ تَأْكِيدًا لَهَا وَإِحْكَامًا قَائِلًا عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَيْ بَاقٍ عَلَيْكَ أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ بَقِيَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الرَّفْعُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي الْغُرُورِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُخْبِرُهُ عَنْ طُولِ اللَّيْلِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالرُّقَادِ بِقَوْلِهِ فَارْقُدْ وَعَلَى الْإِغْرَاءِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ طُولِ الرُّقَادِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ فَارْقُدْ ضَائِعًا وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْعَقْدِ فَقِيلَ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّهُ كَمَا يَعْقِدُ السَّاحِرُ مَنْ يَسْحَرُهُ وَقِيلَ مَجَازٌ كَأَنَّهُ شَبَّهَ فِعْلَ الشَّيْطَانِ بِالنَّائِمِ بِفِعْلِ السَّاحِرِ بِالْمَسْحُورِ بِجَامِعِ الْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ
[1608]
بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ قِيلَ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ لَا إِحَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَنْكِحُ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَبُولَ وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ سَدِّ الشَّيْطَانِ أُذُنَ الَّذِي يَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الذِّكْرَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ مَلَأَ سَمْعَهُ بِالْأَبَاطِيلِ فَحَجَبَهُ عَنِ الذِّكْرِ وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ ازْدِرَاءِ الشَّيْطَانِ لَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَاسْتَخَفَّ بِهِ حَتَّى اتَّخَذَهُ كَالْكَنِيفِ الْمُعَدِّ لِلْبَوْلِ إِذْ مِنْ عَادَةِ الْمُسْتَخِفِّ بِالشَّيْءِ أَنْ يَبُولَ عَلَيْهِ قَالَ الطِّيبِيُّ خَصَّ الْأُذُنَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ أَنْسَبَ بِالنَّوْمِ إِشَارَةً إِلَى ثِقَلِ النَّوْمِ فَإِنَّ الْمَسَامِعَ هِيَ مَوَارِدُ الِانْتِبَاهِ وَخَصَّ الْبَوْلَ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مَدْخَلًا فِي التَّجَاوِيفِ وَأَسْرَعُ نُفُوذًا فِي الْعُرُوقِ فَيُورِثُ الْكَسَلَ فِي جَمِيع الْأَعْضَاء
[1611]
طَرَقَهُ وَفَاطِمَةُ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ وَالطُّرُوقُ الْإِتْيَانُ بِاللَّيْلِ بَعَثَنَا بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ أَيْقَظَنَا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ يَقُولُ وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلا قَالَ بن التِّينِ فِيهِ جَوَازُ الِانْتِزَاعِ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَجُّبٌ مِنْ سُرْعَةِ جَوَابِهِ وَعَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ عَلَى الِاعْتِذَارِ بِهَذَا وَلِهَذَا ضَرَبَ فَخِذَهُ وَقِيلَ قَالَهُ تَسْلِيمًا لِعُذْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ لَا عَتَبَ عَلَيْهِمَا
[1612]
هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْهَوِيُّ بِالْفَتْحِ الْحِينُ الطَّوِيلُ مِنَ الزَّمَانِ وَقِيلَ هُوَ مُخْتَصٌّ بِاللَّيْلِ
[1613]
حميد بن عبد الرَّحْمَن هُوَ بن عَوْفِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِي عَنْهُ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحَدُهُمَا هَذَا الْحِمْيَرِيُّ وَالثَّانِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ كُلُّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ الزُّهْرِيُّ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَاصَّةً وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَا ذَكَرَ الْحِمْيَرِيُّ فِي الْبُخَارِيِّ أَصْلًا وَلَا فِي مُسْلِمٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَا الْحِكْمَةُ فِي تَسْمِيَةِ الْمُحَرَّمِ شَهْرُ اللَّهِ وَالشُّهُورُ كُلُّهَا لِلَّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فِيهَا الْقِتَالَ وَكَانَ أَوَّلَ شُهُورِ السَّنَةِ أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَةَ تَخْصِيصٍ وَلَمْ يَصِحَّ إِضَافَةُ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا تشبه الْفَرَائِض
قَالَ النَّوَوِيّ وَالْأول أقوى وأوفق للْحَدِيث يتملقني قَالَ فِي النِّهَايَة الملق بِالتَّحْرِيكِ الزِّيَادَة فِي التَّرَدُّد وَالدُّعَاء والتضرع
[1616]
إِذَا سَمِعَ الصَّارِخُ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الدِّيكُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ قَالُوا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ صِيَاحِهِ
[1619]
أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مُنَوِّرُهُمَا وَبِكَ يَهْتَدِي مَنْ فِيهِمَا وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنْتَ الْمُنَزَّهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يُقَالُ فُلَانٌ مُنَوِّرٌ أَيْ مُبَرَّأٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَيُقالُ هُوَ اسْمُ مَدْحٍ تَقُولُ فُلَانٌ نُورُ الْبَلَدِ أَيْ مُزَيِّنُهُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ قَالَ قَتَادَةُ الْقَيَّامُ الْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ الْمُقِيمُ لِغَيْرِهِ
أَنْتَ حَقٌّ هُوَ الْمُتَحَقِّقُ الْوُجُودِ الثَّابِتُ بِلَا شَكَّ فِيهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْوَصْفُ لَهُ سُبْحَانَهُ بِالْحَقِيقَةِ خَاصٌّ بِهِ لَا يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ إِذْ وُجُودُهُ لِذَاتِهِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَلَا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَوَعْدُكَ حَقٌّ أَيْ ثَابِتٌ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ أَيْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ تَعْظِيمًا لَهُ لَكَ أَسْلَمْتُ أَيْ انْقَدْتُ وَخَضَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ أَيْ صَدَّقْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ أَيْ بِمَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْبُرْهَانِ وَبِمَا لَقَّنْتَنِي مِنَ الْحُجَّةِ وَإليْكَ حَاكَمْتُ أَيْ كُلُّ مَنْ جَحَدَ الْحَقَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ أَيْ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ وَمَا أَخَّرْتُ عَنْهُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَيْ أَخْفَيْتُ وَأَظْهَرْتُ أَوْ مَا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي وَمَا تَحَرَّكَ بِهِ لِسَانِي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ قَالَ الْمُهَلَّبُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ الْمُقَدِّمُ فِي الْبَعْثِ فِي الْآخِرَةِ وَالْمُؤَخِّرُ فِي الْبَعْثِ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ مَعْنَاهُ الْمُنْزِلُ لِلْأَشْيَاءِ مَنَازِلَهَا يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَجَعَلَ عِبَادَهُ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ إِذْ كُلُّ مُتَقَدِّمٍ عَلَى مُتَقَدِّمٍ فَهُوَ قَبْلَهُ وَكُلُّ مُؤَخَّرٍ عَلَى مُتَأَخِّرٍ فَهُوَ بَعْدَهُ وَيَكُونُ الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ بِمَعْنَى الْهَادِي وَالْمُضِلِّ قَدَّمَ مَنْ شَاءَ لِطَاعَتِهِ لِكَرَامَتِهِ
وَأَخَّرَ مَنْ شَاءَ بِقَضَائِهِ لِشَقَاوَتِهِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّ لَفْظَ الْقِيَامِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وُجُودَ الْجَوَاهِرِ وَقِوَامَهَا مِنْهُ وَبِالنُّورِ إِلَى أَنَّ الْأَعْرَاضَ أَيْضًا مِنْهُ وَبِالْمُلْكِ إِلَى أَنَّهُ حَاكِمٌ عَلَيْهَا إِيجَادًا وَإِعْدَامًا يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فَلِهَذَا قَرَنَ كُلًّا مِنْهَا بِالْحَمْدِ وَخَصَّصَ الْحَمْدَ بِهِ ثُمَّ قَوْلُهُ أَنْتَ الْحَقُّ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ الْمُبْدِئُ لِلْفِعْلِ وَالْقَوْلِ وَنَحْوِهِ إِلَى الْمَعَاشِ وَالسَّاعَةِ وَنَحْوِهَا إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعَادِ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى النُّبُوَّةِ وَإلى الْجَزَاءِ ثَوَابًا وَعِقَابًا وَوُجُوبُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْخُضُوعِ لَهُ
[1620]
فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ ضَبَطَهُ الْأَكْثَرُونَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَرَوَاهُ الدَّاوُدِيُّ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْجَانِبُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّحِيحُ الْفَتْحُ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْوِسَادَةِ الَّتِي تَكُونُ تَحْتَ الرُّءُوسِ وَقِيلَ هِيَ هُنَا الْفِرَاشُ وَهُوَ ضَعِيف أَو بَاطِل
[1625]
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مُبْدِعُهُمَا اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ ثبتني عَلَيْهِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مُبْدِعُهُمَا اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ ثبتني عَلَيْهِ
[1631]
وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ الصَّاحِبِ فِي مُؤَلَّفٍ لَهُ فِي حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ هَذَا صَرِيحٌ فِي إِثْبَاتِ الْحَيَاةِ لِمُوسَى فِي قَبْرِهِ فَإِنَّهُ وَصَفَهُ بِالصَّلَاةِ وأَنَّهُ قَائِمٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُوصَفُ بِهِ الرُّوحُ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِهِ الْجَسَدُ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْقَبْرِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَوْصَافِ الرُّوحِ لَمْ يَحْتَجْ لِتَخْصِيصِهِ بِالْقَبْرِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّلَاةُ تَسْتَدْعِي جَسَدًا حَيًّا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا حَيَاةً حَقِيقَةً أَنْ تَكُونَ الْأَبْدَانُ مَعَهَا كَمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا بَلْ يَكُونُ لَهَا حُكْمٌ آخر
أَجَلْ أَيْ نَعَمْ وَزْنًا وَمَعْنًى أَنْ لَا يُلْبِسَنَا شِيَعًا أَيْ لَا يَجْعَلَنَا فِرَقًا مُخْتَلِفِينَ
[1639]
وَشَدَّ الْمِئْزَرَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اجْتِنَابِ النِّسَاءِ أَوْ عَنِ الْجَدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعَمَل أَو عَنْهُمَا مَعًا
وَقَالُوا
[1643]
قَالُوا لِزَيْنَبَ هِيَ بِنْتُ جَحْشٍ ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ فَتَرَتْ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ أَيْ كَسِلَتْ عَنِ الْقِيَامِ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ مُدَّةَ نشاطه تزلع بزاي وَعين مُهْملَة بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ حَطَمَ فُلَانًا أَهْلُهُ إِذَا كَبِرَ فِيهِمْ كَأَنَّهُمْ بِمَا حَمَّلُوهُ مِنْ أَثْقَالِهِمْ صَيَّرُوهُ شَيْخًا محطوما مُتَرَسِّلًا يُقَالُ تَرَسَّلَ الرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ وَمَشْيِهِ إِذا لم يعجل
[1677]
أَوْصَانِي خَلِيلِي قَالَ النَّوَوِيُّ لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ أَنْ يَتَّخِذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُهُ خَلِيلًا وَلَا يَمْتَنِعُ اتِّخَاذُ الصَّحَابِيِّ وَغَيْرِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَلِيلًا
[1679]
لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ هُوَ عَلَى لُغَةِ بَلْحَارِثِ الَّذِينَ يَجُرُّونَ الْمُثَنَّى بِالْأَلْفِ فِي كُلِّ حَالٍ وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى لُغَةِ غَيْرِهِمْ لَا وترين قَوْله
[1697]
إِنَّ عَيْنِي تَنَامُ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي زَادَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَدْ أُورِدَ عَلَى
هَذِهِ قَضِيَّةُ الْوَادِي لَمَّا نَامَ عليه الصلاة والسلام عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَلَو كَانَت
حَوَاسُّهُ بَاقِيَةً مُدْرِكَةً مَعَ النَّوْمِ لَأَدْرَكَ الشَّمْسَ وَطُلُوعَ النَّهَارِ قَالَ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَمْرَ الْوَادِي مُسْتَثْنًى مِنْ عَادَتِهِ وَدَاخِلٌ فِي عَادَتِنَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ
غَالِبُ أَحْوَالِهِ وَقَدْ يَنَامُ نَادِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُهُ النَّوْمُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ الْحَدَثُ وَالْأَوْلَى
عِنْدِي أَنْ يُقَالَ مَا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَنَاقُضٌ وَأَنَّهُ يَوْمَ الْوَادِي إِنَّمَا نَامَتْ عَيْنَاهُ فَلَمْ يَرَ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَطُلُوعُهَا إِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ دُونَ الْقَلْبِ قَالَ وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْغَلَبَةُ هُنَا لِلنَّوْمِ وَالْخُرُوجِ عَنْ عَادَتِهِ
فِيهِ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَيَانِهِ سُنَّةَ النَّائِمِ عَنِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَيْقَظَنَا وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَفِي مُسْند أَحْمد أَن بن صَيَّادٍ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا
يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْمَكْرِ بِهِ وَأَنْ يَصِيرَ مُسْتَيْقِظَ الْقَلْبِ فِي الْفُجُورِ وَالْمَفْسَدَةِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي عُقُوبَتِهِ بِخِلَافِ اسْتِيقَاظِ قَلْبِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ فِي الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَصَالِحِ
الَّتِي لَا تُحْصَى فَهُوَ رَافِعٌ لِدَرَجَاتِهِ وَمُعَظِّمٌ لشأنه
1184
[1783]
لَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَدْحًا وَذَمًّا فَأَمَّا الْمَدْحُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ عَنِ الْقُرْآنِ وَلَا يَتَهَجَّدُ بِهِ فَيَكُونُ الْقُرْآنُ مُتَوَسِّدًا مَعَهُ بَلْ هُوَ يُدَاوِمُ قِرَاءَتَهُ وَيُحَافِظُ عَلَيْهَا وَالذَّمُّ مَعْنَاهُ لَا يَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا وَلَا يُدِيمُ قِرَاءَتَهُ فَإِذَا نَامَ لَمْ يَتَوَسَّدْ مَعَهُ الْقُرْآنَ وَأَرَادَ بالتوسد النّوم قَوْله
[1790]
مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ عَنِ الْجُزْءِ مِنَ الْقُرْآنِ يُصَلِّي بِهِ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ لِمَنْ غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنَ الْقِيَامِ مَعَ أَنَّ نِيَّتِهِ الْقِيَامَ قَالَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ أَجْرَهُ مُكَمَّلًا مُضَاعَفًا
وَذَلِكَ لِحُسْنِ نِيَّتِهِ وَصِدْقِ تَلَهُّفِهِ وَتَأَسُّفِهِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يكون
غَيْرَ مُضَاعَفٍ إِذِ الَّتِي يُصَلِّيهَا أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ وَالظَّاهِر الأول