المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(كتاب الإيمان وشرائعه) - حاشية السيوطي على سنن النسائي - جـ ٨

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌(كتاب الإيمان وشرائعه)

(كتاب الْإِيمَان وشرائعه)

[4987]

ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَيْ حَصَلْنَ فَهِيَ تَامَّةٌ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ قَالَ التَّيْمِيُّ حَلَاوَةُ

ص: 93

الْإِيمَانِ حُسْنُهُ يُقَالُ حَلَا الشَّيْءُ فِي الْفَمِ إِذَا صَارَ حُلْوًا وَإِنْ حَسُنَ فِي الْعَيْنِ أَوِ الْقَلْبِ قِيلَ حَلَا لِعَيْنِي أَيْ حَسُنَ وَقَالَ غَيْرُهُ فِي حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ اسْتِعَارَةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ شَبَّهَ رَغْبَةَ الْمُؤْمِنِ فِي الْإِيمَانِ بِشَيْءٍ حُلْوٍ وَأَثْبَتَ لَهُ لَازِمَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إِلَى قِصَّةِ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ لِأَنَّ

ص: 94

الْمَرِيضَ الصَّفْرَاوِيَّ يَجِدُ طَعْمَ الْعَسَلِ مُرًّا وَالصَّحِيحَ يَذُوقُ حَلَاوَتَهُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَكُلَّمَا نَقَصَتِ الصِّحَّةُ شَيْئًا نَقَصَ ذَوْقُهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ بِالنَّصْبِ خَبَرُ يَكُونَ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْمُرَادُ بِالْحُبِّ هُنَا الْحُبُّ الْعَقْلِيُّ الَّذِي هُوَ إِيثَارُ مَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ السَّلِيمُ رُجْحَانَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ هَوَى النَّفْسِ كَالْمَرِيضِ يَعَافُ الدَّوَاءَ بِطَبْعِهِ فَيَنْفِرُ عَنْهُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ بِمُقْتَضَى عَقْلِهِ فَيَهْوَى تَنَاوُلَهُ فَإِذَا تَأَمَّلَ الْمَرْءُ أَنَّ الشَّارِعَ لَا يَأْمُرُ وَلَا يَنْهَى إِلَّا بِمَا فِيهِ إِصْلَاحٌ عَاجِلٌ أَوْ إِصْلَاحٌ آجِلٌ وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي رُجْحَانَ جَانِبِ ذَلِكَ تَمَرَّنَ عَلَى الِائْتِمَارِ بِأَمْرِهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ هَوَاهُ تَبَعًا لَهُ وَيَلْتَذُّ بِذَلِكَ الْتِذَاذًا عَقْلِيًّا إِذِ الِالْتِذَاذُ الْعَقْلِيُّ إِدْرَاكُ مَا هُوَ كَمَالٌ وَخَيْرٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ وَعَبَّرَ الشَّارِعُ عَنْ هَذِهِ بِالْحَلَاوَةِ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ اللَّذَائِذِ الْمَحْسُوسَةِ قَالَ وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ عِنْوَانًا لِكَمَالِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا تَأَمَّلَ أَنَّ الْمُنْعِمَ بِالذَّاتِ هُوَ اللَّهُ وَأَنْ لَا مَانِعَ فِي الْحَقِيقَةِ سِوَاهُ وَأَنَّ مَا عَدَاهُ وَسَائِطُ وَأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الَّذِي يُبَيِّنُ لَهُ مُرَادَ رَبِّهِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَتَوَجَّهَ بِكُلِّيَّتِهِ نَحْوَهُ فَلَا يُحِبُّ إِلَّا مَا يُحِبُّ وَلَا يُحِبُّ مَنْ يُحِبُّ إِلَّا مِنْ أَجْلِهِ وَأَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّ جُمْلَةَ مَا وَعَدَ وَأَوْعَدَ حَقٌّ بِيَقِينٍ تُخُيِّلَ إِلَيْهِ الْمَوْعُودُ كَالْوَاقِعِ فَيَحْسِبُ أَنَّ مَجَالِسَ الذِّكْرِ رِيَاضُ الْجَنَّةِ وَأَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الْكُفْرِ إِلْقَاءٌ فِي النَّارِ قَالَ وَأَمَّا تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ مِمَّا سِوَاهُمَا فَلِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنَ الْمَحَبَّتَيْنِ لَا كُلُّ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا ضَائِعَةٌ لَاغِيَةٌ وَأَمَرَ بِالْإِفْرَادِ فِي حَدِيثِ الْخَطِيبِ إِشْعَارًا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَعْطُوفَيْنِ مُسْتَقِلٌّ بِاسْتِلْزَامِ الْغَوَايَةِ إِذِ الْعَطْفُ فِي تَقْدِيرِ التَّكْرِيرِ وَالْأَصْلُ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ مِنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَأَنْ يُحِبَّ فِي اللَّهِ وَأَنْ يُبْغِضَ فِي اللَّهِ

ص: 95

قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ حَقِيقَةُ الْحُبِّ فِي اللَّهِ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْبِرِّ وَلَا ينقص بالجفاء

[4988]

وَمَنْ كَانَ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْإِنْقَاذُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْعِصْمَةِ مِنْهُ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُولَدَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَسْتَمِرَّ أَوْ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ يَرْجِعُ عَلَى مَعْنَى الصَّيْرُورَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ

ص: 96

[4990]

قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تَقْدِيمُ السُّؤَالِ عَنِ الْإِيمَانِ وَفِي الْأُخْرَى الِابْتِدَاءُ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ بِالْإِحْسَانِ ثُمَّ بِالْإِيمَان قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي تَأْدِيَتِهَا فَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَقَعَ مِنَ الرُّوَاةِ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا عَجِبُوا مِنْهُ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا السَّائِلُ مِمَّنْ عُرِفَ بِلِقَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ ثُمَّ هُوَ يَسْأَلُ سُؤَالَ عَارِفٍ بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُخْبِرُهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ تَعَجُّبَ الْمُسْتَبْعِدِ لِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا يُوهِمُ التَّكْرَارَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ مُضَمَّنٌ مَعْنَى أَنْ تَعْتَرِفَ بِهِ وَلِهَذَا عداهُ بِالْبَاء أَيْ تُصَدِّقَ مُعْتَرِفًا بِذَلِكَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَيْسَ هُوَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ بَلْ الْمُرَادُ مِنَ الْمَحْدُودِ الْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ وَمِنَ الْحَدِّ الْإِيمَانُ اللُّغَوِيُّ وَمَلَائِكَتِهِ الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصفهم الله عباد مكرمون وَكُتُبِهِ الْإِيمَانُ بِكُتُبِ اللَّهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهَا كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ حَقٌّ وَرُسُلِهِ الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ آخِرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَوْ آخِرُ الْأَزْمِنَةِ المحدودة وَالْمرَاد

ص: 97

بِالْإِيمَانِ بِهِ التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ هُوَ مَصْدَرُ أَحْسَنْتَ كَذَا إِذَا أَتْقَنْتَهُ وَإِحْسَانُ الْعِبَادَةِ الْإِخْلَاصُ فِيهَا وَالْخُشُوعُ وَفَرَاغُ الْبَالِ حَالَ التَّلَبُّسِ بِهَا وَمُرَاقَبَةُ الْمَعْبُودِ وَأَشَارَ فِي الْجَوَابِ إِلَى حَالَتَيْنِ أَرْفَعُهُمَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ بِقَلْبِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ بِقَلْبِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ أَيْ هُوَ يَرَاكَ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ الْحَقَّ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ يَرَى كُلَّ مَا يَعْمَلُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ ثَمَرَتُهُمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَخَشْيَتُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا تُرَاعِي الْآدَابَ الْمَذْكُورَةَ إِذَا كُنْتَ تَرَاهُ يَرَاكَ لِكَوْنِهِ يراك لَا لكَونه تَرَاهُ فَهُوَ دَائِمًا يَرَاك فَأَحْسِنْ عِبَادَتَهُ وَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَاسْتَمِرَّ عَلَى إِحْسَانِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وَأَقْدَمَ بَعْضُ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَقَالَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَقَامِ الْمَحْوِ وَالْفَنَاءِ وَتَقْدِيرُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَيْ فَإِنْ لَمْ تَصِرْ شَيْئًا وَفَنِيتَ عَنْ نَفْسِكَ حَتَّى كَأَنَّكَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَرَاهُ وَغَفَلَ قَائِلُ هَذَا لِلْجَهْلِ بِالْعَرَبِيَّةِ عَنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا زَعَمَ لَكَانَ قَوْلُهُ تَرَاهُ مَحْذُوفَ الْأَلِفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَجْزُومًا لِكَوْنِهِ عَلَى زَعْمِهِ جَوَابَ الشَّرْطِ وَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَإِثْبَاتُهَا فِي الْفِعْلِ الْمَجْزُومِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِذْ لَا ضَرُورَةَ هُنَا وَأَيْضًا لَوْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ صَحِيحًا لَكَانَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ضَائِعًا لِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَمِمَّا يُفْسِدُ تَأْوِيلَهُ رِوَايَةُ فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ فَسَلَّطَ النَّفْيَ عَلَى الرُّؤْيَةِ

ص: 99

لَا عَلَى الْكَوْنِ الَّذِي حَمَلَ عَلَى ارْتِكَابِ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ أَيْ مَتَى تَقُومُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ لَسْتُ بِأَعْلَمَ بِهَا مِنْكَ إِلَى لَفْظٍ يُشْعِرُ بِالتَّعْمِيمِ تعريضا للسامعين أَي أَن كل مسؤول وَكُلَّ سَائِلٍ فَهُوَ كَذَلِكَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ اتِّسَاعُ الْإِسْلَامِ وَاسْتِيلَاءُ أَهْلِهِ عَلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ فَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ وَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ رَبِّهَا لِأَنَّهُ وَلَدُ سَيِّدِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا قَول الْأَكْثَرين قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ الْمُرَادِ نَظَرٌ لِأَنَّ اسْتِيلَادَ الْإِمَاءِ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْمُقَابَلَةِ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَاِتِّخَاذُهُمْ سَرَارِيَّ كَانَ أَكْثَرُهُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي الْإِشَارَةَ إِلَى وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ مِمَّا سَيَقَعُ قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ تَبِيعَ السَّادَةُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِمْ وَيَكْثُرُ ذَلِكَ فَيَتَدَاوَلَ الْمُلَّاكُ الْمُسْتَوْلَدَةَ حَتَّى يَشْتَرِيَهَا وَلَدُهَا وَعَلَى هَذَا الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْأَشْرَاطِ غَلَبَةُ الْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالِاسْتِهَانَةُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكْثُرَ الْعُقُوقُ فِي الْأَوْلَادِ فَيُعَامِلَ الْوَلَدُ أُمَّهُ مُعَامَلَةَ السَّيِّدِ أَمَتَهُ مِنَ الْإِهَانَةِ بِالسَّبِّ وَالضَّرْبِ وَالِاسْتِخْدَامِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ رَبُّهَا مَجَازًا لِذَلِكَ أَوِ الْمُرَادُ بِالرَّبِّ الْمُرَبِّي فَيَكُونُ حَقِيقَةً قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْجَهُ عِنْدِي لِعُمُومِهِ وَتَحْصِيلِهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ السَّاعَةَ يَقْرُبُ قِيَامُهَا عِنْدَ انْعِكَاسِ الْأُمُورِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُرْبَى مُرْبِيًا وَالسَّافِلُ عَالِيًا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ فِي الْعَلَامَةِ الْأُخْرَى أَنْ يَصِيرَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ مُلُوكَ الْأَرْضِ الْعَالَةُ أَيِ الْفُقَرَاءُ رِعَاءُ الشَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرِّعَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ جَمْعُ رَاعِي الْغَنَمِ وَقَدْ

ص: 100

يُجْمَعُ عَلَى رُعَاةٍ بِالضَّمِّ قَالَ عُمَرُ فَلَبِثْتُ ثَلَاثًا قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ ادَّعَى بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ

ص: 101

الْكَلِمَةِ التَّصْحِيفَ وَأَنَّهَا فَلَبِثْتُ مَلِيًّا صَغُرَتْ مِيمُهَا فَأَشْبَهَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا تُكْتَبُ بِلَا أَلِفٍ قَالَ هَذِهِ الدَّعْوَى مَرْدُودَةٌ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلِابْنِ حِبَّانَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَلِابْنِ مَنْدَهْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

[4991]

إِذَا رَأَيْتَ الرِّعَاءَ الْبُهْمَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَوَصَفَهُمْ بِالْبُهْمِ إِمَّا لِأَنَّهُمْ مَجْهُولُو الْأَنْسَابِ وَمِنْهُ أُبْهِمَ الْأَمْرُ فَهُوَ مُبْهَمٌ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ حَقِيقَتُهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ سُودُ الْأَلْوَانِ لِأَنَّ الْأُدْمَةَ غَالِبُ أَلْوَانِهِمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنه

ص: 102

لَا شَيْءَ لَهُمْ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً بُهْمًا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ نَسَبَ لَهُمُ الْإِبِلَ فَكَيْفَ يُقَالُ لَا شَيْءَ لَهُمْ قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ لَا مِلْكٍ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ أَنَّ الرَّاعِيَ يَرْعَى بِأُجْرَةٍ وَأَمَّا الْمَالِكُ فَقَلَّ أَنْ يُبَاشِرَ الرَّعْيَ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَجِبْرِيلُ عليه السلام نَزَلَ فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ قَوْلُهُ نَزَلَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ وَهْمٌ لِأَنَّ دِحْيَةَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ مَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ

ص: 103

فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ النَّسَائِيّ فَقل فِي آخِرِهِ وَإنَّهُ جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَكُمْ

ص: 104

دِينَكُمْ حَسْبُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَحْفُوظَةُ لِمُوَافَقَتِهَا بَاقِي الرِّوَايَات

[4995]

الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ قِيلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْكَمَالِ نَحْوَ زَيْدٌ الرَّجُلُ أَيِ الْكَامِلُ فِي الرُّجُولِيَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ مَنْ جَمَعَ إِلَى أَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَدَاءَ حُقُوقِ النَّاسِ وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْإِشَارَةَ إِلَى حُسْنِ مُعَامَلَةِ الْعَبْدِ مَعَ رَبِّهِ لِأَنَّهُ إِذَا أَحْسَنَ مُعَامَلَةَ إِخْوَانِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُحْسِنَ مُعَامَلَةَ رَبِّهِ مِنَ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى

ص: 105

[4998]

إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ أَيْ صَارَ إِسْلَامُهُ حَسَنًا فِي اعْتِقَادِهِ وَإِخْلَاصِهِ وَدُخُولِهِ فِيهِ بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ كَانَ أَزْلَفَهَا أَيْ أَسْلَفَهَا وَقَدَّمَهَا يُقَالُ أَزْلَفَ وَزَلَفَ مُخَفَّفًا وَزَلَّفَ مُشَدَّدًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ أَزَلَفَ الشَّيْءَ وَزَلَفَهُ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا قَرَّبَهُ وَفِي الْجَامِعِ الزُّلْفَةُ تَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ زَلَفَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ جَمَعَ وَكَسَبَ وَهَذَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ وَأَمَّا الْقُرْبَةُ فَلَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْخَيْرِ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ بِالرَّفْعِ اسْمُ كَانَ الْحَسَنَةُ مُبْتَدَأٌ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ أَيْ مُنْتَهِيَةٌ وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عز وجل عَنْهَا زَادَ سَمَوَيْهِ فِي فَوَائِدِهِ إِلَّا أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ وَهُوَ الْغَفُورُ

ص: 106

[4999]

أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ فِيهِ حَذْفٌ أَيْ أَيُّ ذَوِي الْإِسْلَامِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أفضل

[5000]

أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ أَيْ أَيُّ خِصَالِ الْإِسْلَامِ خير قَالَ تطعم الطَّعَام هُوَ فِي تَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ أَيْ أَنْ تُطْعِمَ وَمِثْلُهُ تَسْمَعُ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ بِلَفْظِ مُضَارِعِ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى تَقُولُ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ تَقُولُ اقْرَأْ عليه السلام ولَا تَقُولُ أَقْرِئْهُ السَّلَامَ فَإِذَا كَانَ مَكْتُوبًا قُلْتَ أَقْرِئْهُ السَّلَامَ أَيِ اجْعَلْهُ يَقْرَؤُهُ

ص: 107

[5001]

بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الشَّهَادَةُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْإِيمَانِ مَعَ الْإِمْكَانِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الْخُمُسِ وان أُرِيد بِهِ الْإِيمَانُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الِانْقِيَادُ وَالِانْقِيَادُ هُوَ الطَّاعَةُ وَالطَّاعَةُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هِيَ هَذِهِ الْخَمْسُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ فَيَلْزَمُ بِنَاءُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ التَّذَلُّلُ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ اللُّغَوِيُّ لَا التَّذَلُّلُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ حَتَّى يَلْزَمَ بِنَاءُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ التَّذَلُّلَ اللُّغَوِيَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَقْبُولًا مِنَ الْعَبْدِ طَاعَةً وَقُرْبَةً وَقَالَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ إِنْ قِيلَ هَذِهِ الْخَمْسُ هِيَ الْإِسْلَامُ فَمَا الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَبْنِيَّ هُوَ الْإِسْلَامُ الْكَامِلُ لَا أَصْلُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فَإِنْ قِيلَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشَّهَادَةِ إِذْ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَكَيْفَ يُضَمُّ مَبْنِيٌّ إِلَى مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي مُسَمًّى وَاحِدٍ أُجِيبَ بِجَوَازِ ابْتِنَاءِ أَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ وَابْتِنَاءِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ فَإِنْ قِيلَ الْمَبْنِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّ

ص: 108

الْمَجْمُوعَ غَيْرٌ مِنْ حَيْثُ الِانْفِرَادِ عَيْنٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمْعِ وَمِثَالُهُ الْبَيْتُ مِنَ الشِّعْرِ يُجْعَلُ عَلَى خَمْسَةِ أَعْمِدَةٍ أَحَدُهَا أَوْسَطُ وَالْبَقِيَّةُ أَرْكَانٌ فَمَا دَامَ الْأَوْسَطُ قَائِمًا فَمُسَمَّى الْبَيْتِ مَوْجُودٌ وَلَوْ سَقَطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَرْكَانِ فَإِذَا سَقَطَ الْأَوْسَطُ سَقَطَ مُسَمَّى الْبَيْتِ فَالْبَيْتُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَفْرَادِهِ أَشْيَاءٌ وَأَيْضًا بِالنَّظَرِ إِلَى أُسِّهِ أَصْلِيٌّ وَالْأَرْكَانُ تَبَعٌ وَتَكْمِلَةٌ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَخْفُوضٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ خَمْسٍ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ الْخَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ مِنْهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ وَالتَّقْدِيرُ أَحَدُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله

[5002]

فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ أَيْ ثَبَتَ عَلَى الْعَهْدِ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أُطْلِقَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْخِيمِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُبَالَغَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِوُجُودِ الْعِوَضَيْنِ أَثْبَتَ ذِكْرَ الْأَجْرِ فِي مَوْضِعِ أَحَدِهمَا وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا الْمُرَادُ مَا ذُكِرَ بَعْدُ بِقَرِينَةِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَدْخُلُ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى إِخْرَاجٍ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا إِذِ الْقَتْلُ عَلَى الْإِشْرَاكِ لَا يُسَمَّى حَدًّا قُلْتُ وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَإِن السّتْر بالمعصية أليق

ص: 109

[5004]

الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَهُوَ عَدَدٌ مُبْهَمٌ يُقَيَّدُ بِمَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَزَّازُ وَقَالَ بن سِيدَهْ إِلَى الْعَشْرِ وَقِيلَ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى تِسْعَةٍ وَقِيلَ مِنِ اثْنَيْنِ إِلَى عَشَرَةٍ وَعَنِ الْخَلِيل الْبضْع السَّبع شُعْبَة بِضَمٍّ أَيْ قِطْعَةٌ وَالْمُرَادُ الْخَصْلَةُ وَأَوْضَعُهَا أَيْ أَدْنَاهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ إِمَاطَةُ الْأَذَى أَيْ تَنْحِيَتُهُ وَهُوَ مَا يُؤْذِي فِي الطَّرِيقِ كَالشَّوْكِ وَالْحَجَرِ وَالنِّجَاسَةِ وَنَحْوِهَا وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ هُوَ بِالْمَدِّ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ خَوْفِ مَا يُعَابُ بِهِ وَفِي

ص: 110

الشَّرْعِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ فَإِنْ قِيلَ الْحَيَاءُ مِنَ الْغَرَائِزِ فَكَيْفَ جُعِلَ شُعْبَةً مِنَ الْإِيمَانِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى اكْتِسَابٍ وَعِلْمٍ وَنِيَّةٍ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ لِهَذَا وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَحَاجِزًا عَنْ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يُقَالُ رُبَّ حَيَاءٍ يَمْنَعُ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ أَوْ فِعْلِ الْخَيْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ شَرْعِيًّا فَإِنْ قيل لم أفرده بِالذكر هَا هُنَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالدَّاعِي إِلَى بَاقِي الشُّعَبِ إِذِ الْحَيّ يخَاف فضيحة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فيأتمر وينزجر

[5007]

إِلَى مشاشه هِيَ رُؤُوس الْعِظَامِ كَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ

[5008]

مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ

ص: 111

وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِ سُؤَالَانِ الْأَوَّلُ مَا الْعَامِلُ فِي الْمَجْرُورَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الثَّانِي قَوْلُهُ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ فَاعِلِهِ وَأَيْضًا فَقَدْ يَعْظُمُ إِيمَانُ الشَّخْصِ وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع التَّغَيُّر بِيَدِهِ فَلَا يلْزم من الْعَجز عَن التَّغَيُّر

ص: 112

ضَعْفُ الْإِيمَانِ لَكِنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ أَضْعَفَ الْإِيمَانِ فَمَا الْجَوَابُ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ يُغَيِّرُهُ الْمَنْطُوقُ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْمَعْنَى فليغيره بِلِسَانِهِ وَقَلبه لَكِن التَّغَيُّر لَا يَتَأَتَّى بِاللِّسَانِ وَلَا بِالْقَلْبِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فَلْيُنْكِرْهُ بِلِسَانِهِ وَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ فَيُثْبِتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ مَا يُنَاسِبُهُ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ هُنَا الْإِيمَانُ الْمَجَازِيُّ الَّذِي هُوَ الْأَعْمَالُ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقَرُّبَ بِالْكَرَاهَةِ لَيْسَ كَالتَّقَرُّبِ بِاَلَّذِي ذَكَرَهُ قَبْلَهُ وَلَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ لِلذَّمِّ وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِيَعْلَمَ الْمُكَلَّفُ حَقَارَةَ مَا حَصَلَ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَيَرْتَقِيَ إِلَى غَيره

[5011]

مَا يبلغ الثدي جمع ثدي

ص: 113

[5013]

لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ هُوَ أَفْعَلُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ هُوَ مَعَ كَثْرَتِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَفَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْمُولِهِ بِقَوْلِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْفَصْلُ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ أَصْلُ هَذَا الْبَابِ أَنْ تَقِفَ عَلَى مَدَائِحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمَحَاسِنِ الثَّابِتَةِ لَهُ فِي نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى حُسْنِ آثَارِهِ فِي دِينِ اللَّهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنَ الْحَقِّ عَلَى أُمَّتِهِ شَرْعًا وَعَادَةً فَمَنْ أَحَاطَ بِذَلِكَ وَسَلَّمَ عَقْلُهُ عُلِمَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْمَحَبَّةِ مِنَ الْوَالِدِ الْفَاضِلِ فِي نَفْسِهِ الْبَرِّ الشَّفِيقِ عَلَى وَلَدِهِ

ص: 114

[5016]

لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ بِالنَّصْبِ

[5017]

لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْخَيْرُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ تَعُمُّ الطَّاعَاتِ والمباحات الدُّنْيَوِيَّة والأخروية وَتخرج المنهيات

ص: 115

[5021]

آيَةُ النِّفَاقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذِبَ وَإِذَا وعد أخلف وَإِذا ائمتن خَانَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَدَّهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُشْكِلًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ قَدْ تُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِ الْمُجْمَعِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِكُفْرِهِ قَالَ وَلَيْسَ فِيهِ إِشْكَالٌ بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ نِفَاقٌ وَصَاحِبَهَا شَبِيهٌ بالمنافقين فِي هَذِه الْخِصَال ومتخلق بأخلاقهم

ص: 116

[5029]

انْتَدَبَ اللَّهُ أَيْ سَارَعَ بِثَوَابِهِ وَحُسْنِ جَزَائِهِ وَقِيلَ بِمَعْنَى أَجَابَ إِلَى الْمُرَادِ فَفِي الصِّحَاحِ نَدَبْتُ فُلَانًا لِكَذَا فَانْتَدَبَ أَيْ أَجَابَ إِلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَكَفَّلَ بِالْمَطْلُوبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةٌ البُخَارِيّ فِي بَابِ الْجِهَادِ بِلَفْظِ تَكَفَّلَ اللَّهُ وَبِلَفْظِ تَوَكَّلَ اللَّهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ ائْتَدَبَ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مَهْمُوزَةٍ بَدَلَ النُّونِ مِنْ الْمَأْدُبَةِ وَأَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَصْحِيفٌ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْإِيمَانُ بِي هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يُخْرِجُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَقَوْلُهُ بِي فِيهِ عُدُولٌ عَنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ قَالَ بن مَالك

ص: 117

كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إِلَّا الْإِيمَانُ بِهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَلَكِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اسْمِ فَاعِلٍ مِنَ الْقَوْلِ مَنْصُوبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْ انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ قَائِلًا لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْإِيمَانُ بِي مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ قُلْتُ هَذَا خَطَأٌ فَإِنَّ شَرْطَ الِالْتِفَاتِ أَنْ يَكُونَ الْجُمْلَتَانِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ يَخْرُجُ فِي سَبِيلِهِ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْإِيمَانُ بِي وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِي مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْتِفَاتًا لِأَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ مُتَكَلم وَاحِد فَتعين مَا قَالَه بن مَالِكٍ وَقَوْلُهُ إِنَّ حَذْفَ الْحَالِ لَا يَجُوزُ جَوَابُهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْقَوْلِ وَحَذْفُ الْقَوْلِ مِنْ بَابِ الْبَحْرِ حَدِّثْ عَنْهُ وَلَا حرج

ص: 120

[5033]

مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَرَّ بِرَجُل وَمر بِمَعْنَى اجْتَازَ يُعَدَّى بِعَلَى وَبِالْبَاءِ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحيَاء يَقُول أَنَّك تَسْتَحي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُول قد أضربك فِي سَبَبِهِ فَقَالَ دَعْهُ أَيِ اُتْرُكْهُ عَلَى هَذَا الْخُلُقِ السَّيِّئِ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ قَالَ بن قُتَيْبَةَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانُ فَسُمِّيَ إِيمَانًا كَمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا قَامَ مَقَامَهُ

ص: 121

[5034]

إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ سَمَّاهُ يُسْرًا مُبَالَغَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَدْيَانِ قَبْلَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْإِصْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَمْثِلَةِ لَهُ أَنَّ تَوْبَتَهُمْ كَانَتْ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَتَوْبَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ وَالنَّدَمِ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحد الا غَلبه قَالَ بن التِّينِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى النَّاسُ قَبْلَنَا أَنَّ كُلَّ مُتَنَطِّعٍ فِي الدِّينِ يَنْقَطِع وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ طَلَبَ الْأَكْمَلِ فِي الْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَحْمُودَةِ بَلْ مَنَعَ مِنْ الْإِفْرَاطِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَلَالِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّطَوُّعِ الْمُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ أَوْ إِخْرَاجِ الْفَرْضِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَنْ بَاتَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ وَيُغَالِبُ النَّوْمَ إِلَى أَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَنَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَسَدِّدُوا أَيِ الْزَمُوا السَّدَادَ وَهُوَ الصَّوَابُ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ وَقَارِبُوا أَيْ إِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا الْأَخْذَ بِالْأَكْمَلِ فَاعْمَلُوا بِمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ وَأَبْشِرُوا أَيْ بِالثَّوَابِ عَلَى الْعَمَلِ الدَّائِمِ وَإِنْ قَلَّ أَوِ الْمُرَادُ تَبْشِيرُ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْعَمَلِ بِالْأَكْمَلِ بِأَنَّ الْعَجْزَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ صُنْعِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَقْصَ أَجْرِهِ وَأَبْهَمَ الْمُبَشَّرَ بِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَفْخِيمًا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ أَيِ اسْتَعِينُوا عَلَى مُدَاوَمَةِ الْعِبَادَةِ بإيقاعها

ص: 122

فِي الْأَوْقَات المنشطة والغدوة بِالْفَتْحِ سَيْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَالرَّوْحَةُ بِالْفَتْحِ السَّيْرُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالدُّلْجَةُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ سَيْرُ آخِرِ اللَّيْلِ وَقِيلَ سَيْرُ اللَّيْلِ كُلِّهِ وَلِهَذَا عَبَّرَ فِيهِ بِالتَّبْعِيضِ وَلِأَنَّ عَمَلَ اللَّيْلِ أَشَقُّ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ فَهَذِهِ الْأَوْقَاتُ أَطْيَبُ أَوْقَاتِ الْمُسَافَرَةِ فَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَاطَبَ مُسَافِرًا إِلَى مَقْصِدٍ فَنَبَّهَهُ عَلَى أَوْقَاتِ نَشَاطِهِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا سَارَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ جَمِيعًا عَجَزَ وَانْقَطَعَ وَإِذَا تَحَرَّى السَّيْرَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْمُنَشِّطَةِ أَمْكَنَتْهُ الْمُدَاوَمَةُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَحُسْنُ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ أَنَّ الدُّنْيَا فِي الْحَقِيقَةِ

ص: 123

دَار نَقله إِلَى الْآخِرَة

[5036]

شَعَفَ الْجِبَالِ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَاءٍ جَمْعُ شَعَفَةِ وَهِيَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ يُرِيدُ بِهِ رُؤُوسَ الْجِبَالِ

[5037]

مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْمُفَصَّلِ قَدْ يُثَنَّى الْجَمْعُ عَلَى تَأْوِيلِ الجماعتين والفرقتين وَمِنْه هَذَا الحَدِيث

ص: 124