الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب آدَاب الْقُضَاة)
[5379]
إِنَّ الْمُقْسِطِينَ جَمْعُ مُقْسِطٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَقْسَطَ أَيْ عَدَلَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَعْنِي مَجْلِسًا رَفِيعًا يَتَلَأْلَأُ نُورًا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ الْمَحْمُودَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ على يَمِين الرَّحْمَن قَالَ بن عَرَفَةَ يُقَالُ أَتَاهُ عَنْ يَمِينٍ إِذَا أَتَاهُ مِنَ الْجِهَةِ الْمَحْمُودَةِ وَقَدْ شَهِدَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْأَجْسَامِ وَالْجَوَارِحِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ تَوَسُّعٌ وَاسْتِعَارَةٌ حَسْبَ عَادَاتِ مُخَاطَبَاتِهِمُ الْجَارِيَةِ عَلَى ذَلِكَ فَيُحْمَلُ الْيَمِينُ فِي هَذَا الحَدِيث على مَا قَالَه بن عَرَفَةَ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَنْزِلَةِ الشَّرِيفَةِ وَالدَّرَجَةِ المنيعة وَقَالَ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا خَبَرٌ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَارُفِ فَأُطْلِقَ لَفْظُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَا عَلَى
الْحَقِيقَةِ لِعَدَمِ وُقُوفِهِمْ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ إِلَّا بِهَذَا الْخِطَابِ الْمَذْكُورِ وَمَا وَلُوا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَضَمِّ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ كَانَتْ لَهُمْ عَلَيْهِ ولَايَة
[5380]
سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِضَافَةُ الظِّلِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِضَافَةُ مِلْكٍ وَكُلُّ ظِلٍّ فَهُوَ لِلَّهِ وَمِلْكُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا ظِلُّ الْعَرْشِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مُبَيَّنًا وَالْمُرَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَامَ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَدَنَتْ مِنْهُمُ الشَّمْسُ وَلَا ظِلَّ هُنَاكَ لِشَيْءٍ إِلَّا لِلْعَرْشِ قُلْتُ وَهَذَا الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَتَتَبَّعْتُهَا فَبَلَغَتْ سَبْعِينَ وَأَفْرَدْتُهَا فِي الْمُؤَلَّفِ بِالْأَسَانِيدِ ثُمَّ اخْتَصَرْتُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ هُنَا ظِلُّ الْجَنَّةِ وَهُوَ نَعِيمُهَا وَالْكَوْنُ فِيهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظليلا قَالَ وَقَالَ بن دِينَارٍ الْمُرَادُ بِالظِّلِّ هُنَا الْكَرَامَةُ وَالْكَنَفُ وَالْكِنُّ مِنَ الْمَكَارِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ قَالَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظِلَّ الشَّمْسِ قَالَ الْقَاضِي وَمَا قَالَهُ مَعْلُومٌ فِي اللِّسَانِ يُقَالُ فُلَانٌ فِي ظِلِّ فُلَانٍ أَيْ فِي كَنَفِهِ وَحِمَايَتِهِ قَالَ وَهَذَا أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَتَكُونُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْعَرْشِ لِأَنَّهُ مَكَانُ التَّقْرِيبِ وَالْكَرَامَةِ وَإِلَّا فَالشَّمْسُ وَسَائِرُ الْعَالَمِ تَحْتَ الْعَرْشِ وَفِي ظِلِّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ قَالَ الْقَاضِي هُوَ كُلُّ مَنْ إِلَيْهِ نَظَرٌ
فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ وَبَدَأَ بِهِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَعُمُومِ نَفْعِهِ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلَاءٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ شَدِيدُ الْحُبِّ لَهُ أَوِ الْمُلَازَمَةِ لِلْجَمَاعَةِ فِيهِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ دَوَامَ الْقُعُودَ فِي الْمَسْجِدِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ هِيَ ذَاتُ الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ الشَّرِيفِ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ دَعَتْهُ إِلَى الزِّنَى بِهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ وَقِيلَ دَعَتْهُ لِنِكَاحِهَا فَخَافَ الْعَجْزَ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا أَوْ أَنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى شَغَلَهُ عَنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ قَوْلُهُ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ فِي قَلْبِهِ لِيَزْجُرَ نَفْسَهُ وَخَصَّ ذَاتَ الْمَنْصِبِ وَالْجَمَالِ لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَعُسْرِ حُصُولِهَا وَهِيَ جَامِعَةٌ لِلْمَنْصِبِ وَالْجَمَالِ لَا سِيَّمَا وَهِيَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَفْسِهَا طَالِبَةٌ لِذَلِكَ قَدْ أَغْنَتْ عَنْ مَشَاقِّ التَّوَصُّلِ إِلَى مُرَاوَدَةٍ وَنَحْوِهَا فَالصَّبْرُ عَنْهَا لِخَوْفِ اللَّهِ وَقَدْ دَعَتْهُ مِنْ أَكْمَلِ الْمَرَاتِبِ وَأَعْظَمِ الطَّاعَاتِ فَرَتَّبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يُظِلَّهُ فِي ظِلِّهِ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ ذَكَرَ الْيَمين وَالشمَال
مُبَالَغَةً فِي الْإِخْفَاءِ وَالِاسْتِتَارِ بِالصَّدَقَةِ وَضَرَبَ الْمَثَلَ بِهِمَا لِقُرْبِ الْيَمِينِ مِنَ الشِّمَالِ وَمُلَازَمَتِهَا لَهَا وَمَعْنَاهُ لَوْ قُدِّرَتِ الشِّمَالُ رَجُلًا مُتَيَقِّظًا لَمَا عَلِمَ صَدَقَةَ الْيَمِينِ لِمُبَالَغَتِهِ فِي الْإِخْفَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنَ النَّاسِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
[5381]
إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي حَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَأَجْرٌ بِإِصَابَتِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَفِي الْحَدِيثِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِذَا أَرَادَ الْحُكْمَ فَاجْتَهَدَ قَالُوا وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يُنَفَّذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ وَافق الحكم أَو لَا
[5401]
إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ الْحَدِيثَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى حَالَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَأَنَّ الْبَشَرَ لَا يَعْلَمُونَ مِنَ الْغَيْبِ وَبَوَاطِنِ الْأُمُورِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُطْلِعَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ
عَلَيْهِ فِي أُمُورِ الْأَحْكَامِ مَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِ إِنَّمَا يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ فَيَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِالْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الظَّاهِرِ مَعَ إِمْكَانِ كَوْنِهِ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا كُلِّفَ الْحُكْمَ بِالظَّاهِرِ وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَوْلَا الْأَيمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَطْلَعَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَاطِنِ أَمْرِ الْخَصْمَيْنِ فَحَكَمَ بِيَقِينِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى شَهَادَةٍ أَوْ يَمِينٍ لَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ أَجْرَى أَحْكَامَهُ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ لِيَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَتَطِيبَ نُفُوسُ الْعِبَادِ بِالِانْقِيَادِ لِلْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْبَاطِنِ قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم حُكْمٌ فِي الظَّاهِرِ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَاطِنِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي الْأَحْكَامِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَقَاعِدَةِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ مُرَادَ الْأُصُولِيِّينَ فِيمَا حَكَمَ بِهِ بِاجْتِهَادِهِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ خَطَأٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَعْنَاهُ إِذَا حَكَمَ بِغَيْرِ الِاجْتِهَادِ كَالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ فَهَذَا إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ بَاطِنَهُ لَا يُسَمَّى الْحُكْمُ خَطَأً بَلِ الْحُكْمُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بِهِ التَّكْلِيفُ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِشَاهِدَيْنِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَالتَّقْصِيرُ مِنْهُمَا وَمَنْ سَاعَدَهُمَا وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا عَيْبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي حَكَمَ بِهِ لَيْسَ هُوَ حُكْمَ الشَّرْعِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ قَوْلُهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ فِي حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ قَضِيَّةً شَرْطِيَّةً لَا يُسْتَدْعَى وُجُودُهَا بَلْ مَعْنَاهَا بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ وَلَمْ يَثْبُتْ لَنَا قَطُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بِحُكْمٍ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ لَا بِسَبَبِ تَبَيُّنِ حُجَّةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا وَقَدْ صَانَ
اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَامَ نَبِيِّهِ عَنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَحْذُورٌ
[5402]
بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا الحديثُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُحْتَمَلُ أَنَّ دَاوُدَ عليه السلام قَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى لِشَبَهٍ رَآهُ فِيهَا أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَتِهِ تَرْجِيحُ الْكُبْرَى أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي يَدِهَا فَكَانَ ذَلِكَ مُرَجِّحًا فِي شَرْعِهِ وَأَمَّا سُلَيْمَانُ عليه السلام فَتَوَصَّلَ بِطَرِيقٍ مِنَ الْحِيلَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ بَاطِنَةِ الْقَضِيَّةِ فَأَوْهَمَهَا أَنَّهُ يُرِيدُ قَطْعَهُ لِيَعْرِفَ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهَا قَطْعُهُ فَتَكُونَ هِيَ أُمَّهُ فَلَمَّا أَرَادَتِ الْكُبْرَى قَطْعَهُ عَرَفَ أَنَّهَا لَيْسَتْ أُمَّهُ فَلَمَّا قَالَتِ الصُّغْرَى مَا قَالَتْ عَرَفَ أَنَّهَا أُمُّهُ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَقْطَعُهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أَرَادَ اخْتِبَارَ شَفَقَتِهَا لِيَتَمَيَّزَ لَهُ الْأُمُّ فَلَمَّا تَمَيَّزَتْ بِمَا ذُكِرَ عَرَفَهَا وَلَعَلَّهُ اسْتَقَرَّ الْكُبْرَى فَأَقَرَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِهِ لِلصُّغْرَى فَحَكَمَ بِالْإِقْرَارِ لَا بِمُجَرَّدِ الشَّفَقَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمِثْلُ هَذَا يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى حَقِيقَةِ الصَّوَابِ بِحَيْثُ إِذَا انْفَرَدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حكم
[5407]
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَمْ يَقَعْ تَسْمِيَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا سِتْرَهُ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ وَقَدْ سَمَّاهُ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ فَقَالَ إِنَّهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَكَذَلِكَ سَمَّاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ وَمَكِّيٌّ وَمَهْدَوِيٌّ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ حَاطِبًا مُهَاجِرِيٌّ حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَلَيْسَ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ جَمْعُ
شَرْجَةٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ مَسَايِلُ الْمَاءِ بِالْحَرَّةِ وَهِيَ الْأَرْضُ ذَاتُ الْحِجَارَةِ السُّودِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَرَاءٍ مَا يُرْفَعُ مِنْ جَوَانِبِ الشُّرُفَاتِ
فِي أصُول النّخل وَهِي كالحيطان لَهَا
[5410]
إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَجِيرًا لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَيْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَقِيلَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا وَفَسَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السَّبِيلَ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ وَقِيلَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى آيَةِ الشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ
[5411]
فَرَدٌّ عَلَيْكَ أَيْ مَرْدُودَةٌ اغْدُ يَا أُنَيْسُ هُوَ بن الضَّحَّاك الْأَسْلَمِيّ وَقَالَ بن عبد الْبر هُوَ بن مَرْثَدٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِعْلَامِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَذَفَهَا بِابْنِهِ فَيُعَرِّفَهَا بِأَنَّ لَهَا عِنْدَهُ حَدَّ الْقَذْفِ فَتُطَالِبَ بِهِ أَو تَعْفُو عَنهُ الا أَن تعترف بالزنى فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا حد الزِّنَى قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ ظَاهره انه بعث لطلب إِقَامَة حد الزِّنَى وَهَذَا غير مُرَاد لِأَن حد الزِّنَى لَا يُحْتَاطُ لَهُ بِالتَّحَسُّسِ وَالتَّنْقِيرِ عَنْهُ بَلْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الزَّانِي اُسْتُحِبَّ أَنْ يُلَقَّنَ الرُّجُوع فَحِينَئِذٍ يتَعَيَّن التَّأْوِيل الَّذِي ذَكرْنَاهُ بِإِثْكَالٍ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَافٍ وَآخِرُهُ لَام
[5414]
عبد الله بن أبي حَدْرَد بمهملات
[5423]
الْأَلَدُّ الْخَصِمُ أَيِ الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ وَاللَّدَدُ الْخُصُومَةُ الشَّدِيدَة
[5426]
عَلَى حَلْقَةٍ بِسُكُونِ اللَّامِ آللَّهُ مَا أَجْلَسَكُمْ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ هُوَ عِوَضٌ مِنْ بَاءِ الْقَسَمِ تُهْمَةً بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا فُعْلَةٌ مِنَ الْوَهْمِ وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ
[5427]
رَأَى عِيسَى بن مَرْيَمَ عليه السلام رَجُلًا يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ أَسَرَقْتَ قَالَ لَا وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ قَالَ عِيسَى عليه السلام آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَكَذَّبْتُ بَصَرِي فِي رِوَايَةٍ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَتْ عَيْنَيَّ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَكْذِبُ وَإِنَّمَا يَكْذِبُ الْقَلْبُ بِظَنِّهِ وَاَلَّذِي يُطَابِقُ صَدَقْتَ أَيُّهَا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْضِ لِلَّهِ فِي الْوَاقِعَةِ خَبَرٌ وَلَا ذِكْرٌ فَكَيْفَ يُصَدَّقُ قَالَ وَالْجَوَابُ أَنَّ إِضَافَةَ الْكَذِبِ إِلَى الْعَيْنِ إِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَى سَبَبِهِ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِاعْتِقَادِ الْقَلْبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَدَقَ اللَّهُ فَإِشَارَةٌ إِلَى إِخْبَارِ اللَّهِ عز وجل بِأَنَّهُ حَكَمَ فِي الظَّاهِرِ بِمَا ظَهَرَ وَفِي الْبَاطِنِ بِمَا