الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمولة عليها لا على غيرها فالمنفعة التي تزعمونها في اتخاذ غير الله إلها لا تنفعني كما توهم، وغير المصنف جعله جوابا لقوله:{اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [سورة العنكبوت، الآية: 2 ا] لأنّ ما كسبته كل نفس من الخطايا محمول عليها لا على غيرها وقوله ولا تزر وازرة تأكيد له لكن المصنف رحمه الله رأى التأسيس أولى ففسره به. قوله: (على أنّ الخطاب للمؤمنين) أو لأمّة الدعوة، وقوله:(لأنّ ما هو آت قريب) بيان لأنه أريد به عقاب الآخرة ولو أريد به عقاب الدنيا لم يحتج إليه أي الموعود سريع الوصول، فإنّ سرعة العقاب تستدعي سرعة إنجاز الوعد. قوله:(وصف العقاب الخ) يعني جعل الخبر في الأولى سريع الذي هو صفة العقاب ولم يجعل العقاب نفسه صفة له بأن يقول إنّ ربك معاقب، كما قال: غفور رحيم دمان كان حمل صفة العقاب حملاً له في المعنى ومعنى كونه غفوراً بالذات أنّ مغفرته ورحمته لا تتوقف على شيء كما في الحديث القدسي: " سبقت رحمتي غضبي " (1 (وعقابه لا
يكون إلا بعد ما صدر من العبد ذنب يستحق به ذلك، وهو معنى كونه بالعرض. قوله:(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت علئ سورة الأنعام جملة واحدة الخ)(1) قال ابن حجر رحمه الله: هذا الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية، وفي رجاله ضعف، وقال غيره: إنه موضوع وسئلى عنه النوويّ رحمه الله تعالى فقال أنه لم يثبت، وأما قوله فمن قرأ الخ فمن الحديث الموضوع الذي أسندو. إلى أبيّ بن كعب في فضائل السورة كما غللرخاتمة الحفاظ السيوقي رحمه الله وزجل بالزاي المعجمة والجيم واللام بمعنى صوت بالتسبيح والتحميد لأنّ السورة أنزلت لبيان التوحيد مفصلا لكن قوله في الحديث جملة واحدة ينافيه قوله في أوّل السورة إنها مكية غير ست آيات أو ثلاث آيات من قوله، قل تعالوا الخ وما سيجيء من قوله في آخر سورة براءة ما نزل القرآن عليّ إلا آية آية وحرفاً حرفا ما خلا سورة براءة وقل هو الله أحد، ولا يقال لعل سورة الأنعام لم تنزل إلا بعد ما قال ذلك الحديث لأنا نقول سورة براءة مدنية وسورة الأنعام مكية وكونها نزلت مرّتين بالمدينة ومكة دفعة وتدريجا خلاف الظاهر، وكذا الجمع بين الحديثين بتقييد كل منهما بقيد حتى لا ينافي الآخر اللهمّ كما يسرت لنا إتمام التشرّف بسورة الأنعام يسر لنا الإتمام وأجر ما عوّدتنا من بدائع الأنعام، في مطلع كل ابتداء ومقطع كل اختتام، وأهدمنا لنبيك محمد جمتن أفضل صلاة وسلام، ومثل ذلك لا له وصحبه الكرام على مدى الليالي والأيام، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
سورة
الأعراف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مكية الخ) قال الداني رحمه الله في كتاب البيان لعدد آي القرآن قال مجاهد وقتادة
هي مكية إلا قوله، واسألهم عن القرية الآية فإنها نزلت بالمدينة وكلماتها ثلاثة آلاف وثلثمائة وخمس وعشرون كلمة وحروفها أربعة عشر ألفاً وثلثمائة وعشرة أحرف وهي مائتان وخمس آيات في البصريّ، والشاميّ وست في المدنيّ والكوفيّ. قوله:(المص سبق الكلام في مثله) وبيان ما فيه وبيان إعرابه وعدمه فلا حاجة إلى إعادته هنا، وقوله في إعراب كتاب خبر مبتدأ محذوف الخ مبني الأوّل على المختار من كون ألفاظ التهجمي على نمط التعديد فإذا كان المص اسم السورة فظاهر أنه المبتدأ ثم ضمير هو عائد إلى المؤلف من الحروف أو إلى السورة باعتبار حضورها في العلم، والتذكير باعتبار الخبر ولو جعل المقدر اسم إشارة موافقا لقوله الم ذلك الكتاب لم يبعد وكان ميله إلى الثاني ولذا حمل الكتاب على السورة والا فالكلام على أسلوب قوله تعالى ذلك الكتاب وقد حمله على الكتاب الصالح للهداية والإنذار والتذكير مع أنّ مثل هذه الكلمات لو جعل للبعض الذي هو السورة كان أبلغ فكأنه بنى التفرقة على التعريف والتنكير، وإنما لم يجعل كتاب أنزل مبتدأ أو خبراً على معنى كتاب وأي كتاب لكونه خلاف الأصل وشيوع حذف المبتدأ كذا أفاده النحرير: وكلام المصنف رحمه الله موافق للزمخشريّ في بعض ما ذكره. قوله: (أنزل إليك صفتة) فإن كان القرآن عبارة عن القدر المشترك بين الكل والجزء فالتوصيف بالماضي ظاهر، وان كان
المجموع فلتحققه جعل كالماضي، وإذا أريد السورة فالكتاب إن أطلق على البعض، كما في قولهم ثبت بالكتاب فواضح والا فهو مبالغة لحمل الكل عليه بادعاء أنه لاستجماعه كمالاته كأنه هو. قوله:(أي شك فإن الشاك حرج الصدر الخ) في الكشاف سمي الشك حرجاً لأنّ الشاك ضيق الصدر حرجه كما أنّ المتيقن منشرح الصدر منفسحه، قال ابن المنير رحمه الله يشهد له قوله:{فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [سورة البقرة، الآية: 147] وقال النحرير الظاهر أنه مجاز علاقته اللزوم والقرينة المانعة هو امتناع حقيقة الحرج والضيق من الكتاب وان جوّزتها فهو كناية (قلت) في الأساس ضاق المكان وتضايق ومن المجاز وقع في مضيق من أمره، وضاق عليه صدره فلا وجه للتردّد في كونه
مجازاً لكته شاع في ذلك، وصار حقيقة عرفية فيه، وحينئذ فمان نظر إلى المتبادر كان مجازاً لأنّ الكتاب لا يحصل منه في نفسه ضيق صدر وان قطع النظر عن ذلك ولوحظ أنه يضيق الصدر منه باعتبار عوراضه كان كناية عن الثك، وليس المراد أنه ممن يصدر الشك منه كما سيأتي تحقيقه في تقرير النهي. قوله:(أو ضيق قلب من تبلينه (فضيق الصدر على حقيقته لكن في الكلام مضاف مقدّر كخوف عدم القبول والتكذيب كما في قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [سورة هود، الآية: 2 ا] قيل منع في الكشف كون الحرج كناية عن الخوف لأنّ ضيق الصدر من الأذى مستفاد من الخوف لا أنّ الخوف من الأذى، كأنه يريد تسليم صحة الحقيقة ومغ صحة الكناية لاستدعاء المعنى كون الخوف من الأذى، وليس فليس ولك أن تمنع فساده فإنه قد يوقع الخوف على سبب المكروه لا عليه كما تقول أخاف من مجيئي إليك لمن أوعدك بالضرب فإن أوّلته بما اً ناله من قبل المجيء، أو مما يفضي إليه فكذا في الآية إذ التأويل ليس أولى من التأويل، ثم على تقدير كون الحرج حقيقة كما في الوجه الثاني تكون الجملة كناية عن عدم المبالاة لإعداء كما في الكشاف وكلام المصنف رحمه الله خليّ عنه فتأمّله. قوله: (وتوجيه النهي إليه للمبالغة) قيل توجيه النهي عن الشيء، وهو مما يوهم إمكان صدور المنهيّ عنه من المنهي إمّا للمبالغة في النهي فإن وقوع الشك في صدره-جير سبب لاتصافه به، والنهي عن السبب نهي عن المسبب بالطريق البرهاني ونفي له عن أصله بالمرّة، كقوله تعالى:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [سورة المائدة، الآية: 2] وليس هذا من قبيل لا أرينك هاهنا فإنّ النهي هناك وارد على المسبب مراد به النهي عن السبب فالمآل نهيه عما يورث الحرج، اهـ وما ذكره المصنف رحمه الله إشارة إلى ما في الكشاف وتقريره، كما قيل إنّ قوله تعالى:{فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} نهي للحرج عن الكون في الصدر والحرج مما لا ينهي، فأجاب بأنّ المراد نهي المخاطب عن التعرّض للحرج بطريق الكنابة كما في قوله لا أرينك هاهنا، فإنه نهي المتكلم عن رؤية المخاطب والمراد نهي المخاطب أي لا تكونن هاهنا فإنّ رؤيتي إياك مستلزمة لكونك هاهنا فعدم كونك هاهنا مستلزم لعدم رؤيتي إياك فأطلق اللازم وهو عدم الرؤية وأراد الملزوم، وهو عدم الكون هاهنا فكذا في الآية عدم كون الحرج في صدره من لوازم عدم كونه متعرّضا للحرج، فإطلاق نهي الحرج على نهيه عنه كناية ومثله في الأمر وليجدوا فيكم غلظة ظاهره أمر المشركين، والمعنى على أنه أمر المؤمنين بأن يغلظوا على المشركيت ففي قوله فلا يكن في صدرك حرج كناية مترتبة على كناية، وقيل عليه الظاهر أنه مجاز لا كناية لأنّ الكناية لا تنافي الحقيقة، وهو الفارق بينها وبين المجاز وهنا يمتنع إرادة حقيقة نهي الإنسان نفسه نعم يجوز جعل كون الحرج في الصدر كناية عن كونه حرج الصدر فلك أن تعتبره كذلك، ثم تسلط النهي عليه فيحتمل أنهم أرادوا ذلك وسموا النهي أيضاً كناية تبعاً.
(أقول) استعمال الملزوم، وإرادة اللازم والتصرف هنا لا يخلو إمّا أن يكون في النهي،
أو المنهي أو المنهى عته، وليس المراد الأوّل لأنّ النهي باق بحاله لم يتجوّز فيه، ولم يكن به عن شيء إذ معنى لا أرينك لا تحضر ومعنى الآية لا تحم حول حمى الحرج وكذا المنهي، وهو المخاطب والحرج لم يقصد به شيء آخر يتعلق به النهي فتعين أنّ المراد المنهيّ عنه، وهو رؤيته له إذ كني بها عن حضوره لاستلزام أحدهما للأخر وكذا كونه حرجا كني به عن تعاطي ما يؤدّي إليه، والمعنى الحقيقي هنا تجوز إرادته قبل دخول النهي قطعاً
إذ لو قيل أنت حرج أو لا أراك صح بل هو مراد فلذا ذهب عامّة الشراح، وغيرهم إلى أنه كناية نعم بعد دخول النهي لا يصح إرادته فلذا جوّز فيه النحرير: أن يكون مجازا لأن النهي سواء كان طلب الترك، أو الكف لم يقصد من الإنسان لنفسه ولا من الحرج لأنه لا يعقل حتى ينهي فالمعترض أوّلاً إن أراد الفرق بين ما نحن فيه والمثال باعتبار أنّ المراد في أحدهما النهي عن السبب، والمراد المسبب، وفي الآخر بالعكس فلا ضير فيه، ولذا عبر العلامة باللزوم دون السببية وان أراد أنه ليس من الكناية أصلا فباطل وكذا إنكار الآخر للكناية لما عرفت نعم قوله وسموا النهي أيضا كناية تبعا أجاد فيه لكونه قرب من المراد مرّة وبعد عنه أخرى، ومثله:{وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 102] كما مر فتدبر وفي الكشاف أنه صلى الله عليه وسلم كان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له، فأمنه الله ونهاه عن المبالاة بهم يعني أنّ الحرج في هذا الوجه، وان كان على حقيقته، فالجملة مجاز أو كناية عن عدم المبالاة بالإعداء فتوهم بعضهم أنها فائدة أهملها المصنف رحمه الله وليس كما توهموا، فإنّ قوله مخافة أن تكذب فيه صريح في عدم المبالاة بهم. قوله:(والفاء تحتمل العطف والجواب الخ) في العطف قيل إنه معطوف على مقدر أي بلغه (فلا يكن في صدرك) الخ وقيل إنه معطوف على ما قبله بتأويل الخبر بالإنشاء، أو عكسه أي تحقق إنزاله من الله إليك أو لا ينبغي لك الحرج والفراء قال: إنّ الفاء اعتراضية لا عاطفة ولا يختص كونها للجواب بتعلق لتنذر بأنزل كما يوهمه قوله إذا أنزل إليك لتنذر* قوله: (متعلق بأنزل الخ) ذكر في متعلق اللام وجوها أحدها تعلقه بأنزل، وهو قول الفراء قال اللام في لتنذر منظوم مع قوله أنزل على التقديم، والتأخير على تقدير كتاب أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في الخ قال المعرب: فجملة النهي معترضة بين العلة، ومعلولها وهو الذي عناه الفراء بقوله على التقديم والتأخير، وهذا مما ينبغي التنبه له فإنّ المتقدمين يجعلون الاعتراض على التقديم والتأخير لتخلله بين كلام واحد وليس مرادهم أنّ في الكلام قلبا كما سنبينه في أوّل الكهف، والثاني أنها متعلقة بمتعلق الخبر أي لا يكن الحرج مستقرّاً في صدرك لأجل الإنذار كذا قاله ابن الأنباري، الثالث أنها متعلقة بالكون وهو مسلك غير ابن الأنباري، وقول الزمخشري: إنه متعلق بالنهي قيل ظاهره أنه متعلق بفعل النهي وهو الكون بناء على جواز تعلق الجارّ بكان وهو الصحيح ويحتمل أنه يريد بما تضمنه معنى النهي كما قيل، وقال النحرير: إنه
معمول للطلب أو المطلوب أعني انتفاء الحرج وهذا أظهر لا للمنهى عنه أي الفعل الداخل عليه النهي لفساد المعنى، وقيل عليه إنه متعاق بأنزل أو بلا يكن على الثاني لكونه علة للمطلوب لا للطلب لأنه بدون الامتثال لا يوجب التمكن من الإنذار ولا للمنهتي، لفساد المعنى قيل، ويجوز ذلك على معنى أنّ الحرج للإنذار والضيق له لا ينبغي أن يكون ولا يخفى أنّ كلمة منه تخدشه وفيه تأمّل، ثم وجه توسيط المفرّع بين العلة والمعلل إذا تعلق بأنزل أما على أوّل تفسيري الحرج فظاهر لترتبه على نفس الإنزال لا على الإنزال للإنذار، وأما على ثانيهما فهو الاهتمام به مع ما فيه من الإشارة إلى كفاية واحد من الإنزال والإنذار في نفي الحرج أما كفاية الثاني فظاهرة وأما كفاية الأوّل فلأنّ كون الكتاب المؤلف من جنس هذه الحروف البالغ إلى غاية الكمال منزلاً عليه خاصة من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقتضي كونه رحيب الصدر غير مبال بالباطل وأهله. قوله: الأنه إذا أيقن الخ) إشارة إلى الوجهين السابقين في قوله فلا يكون في صدرك حرج على الترتيب والزمخشري عكسه إشارة إلى أنّ الثاني أظهر وأولى. قوله: (يحتمل النصب الخ) عن الزمخشرفي أنه قال: لم أجعله معطوفا على محل لتنذر لأنّ المفعول له يجب أن يكون فاعله وفاعل الفعل المعلل واحدا حتى يجوز حذف اللام منه، وفيه كلام لا حاجة إليه هنا، وقوله على محل تنذر لأنه مصدر تأويلاً وفي نسخة لتنذر، والصحيح الأولى لما في هذه من المسامحة، وقوله:(أو خبر المحذوف) أي هو ذكرى والمعنى على الأوّل أنه جامع بين الوصفين وعلى هذا أنه موصوف بكل منهما استقلالاً. قوله: (يعم القرآن والسنة الخ) فليس ما أنزل من وضع الظاهر موضع المضمر ولذا جمع الضمير، وفي جعل الوحي مطلقاً منزلاً من الله تجوّز حينئذ بأن يراد به مطلق الوحي كما يشير إليه ما بعده، وقوله وما ينطق عن الهوى بناء
على عمومه المتبادر فلا ينافيه أنه فسره في سورة النجم بقوله ما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى المقتضى لتخصيصه بغير السنة. قوله: (ولا تتبعوا من دونه أولياء) أي لا تتخذوا ولياً غيره فيضلكم وإذا جعل الضمير لما أنزل قدر ومن أولياء لأنه لا يحسن وصف المنزل بكونه دونهم، فقوله من دونه متعلق بالفعل تبله والمعنى لا تعدلوا عنه إلى غيره من الشياطين والكهان، أو بمحذوف لأنه حال فالضمير في من دونه يحتمل أن يعود على ربكم، وهو تفسير المصنف رحمه الله الأوّل، وأن يعود على ما الموصولة أو الكتاب، والمعنى لا تعدلوا عنه إلى الكتب المنسوخة، وجوّز كون الضمير للمصمدر أي لا تتبعوا أولياء اتباعا من
دون اتباع ما أنزل إليكم، وقرأ مجاهد تبتغوا بالغين المعجمة من الابتغاء، وقوله: وقرئ أي اعتراض أو استئناف. قوله: (أي تذكرا قليلأ أو زماناً قليلَا الخ) يعني هو نعت مصدر محذوف أقيم مقامه، أو نعت زمان محذوف كذلك، ونصبه بالفعل بعده وما مزيدة للتوكيد، وأجيز أن يكون نعت مصدر لتتبعوا قيل ويضعفه أنه لا معنى حينئذ لقوله تدّكرون، وأما النهي عن الاتباع القليل فلا يضرّ لأنه يفهم منه غيره بالطريق البرهاني، وجوّز في ما أن تكون موصولة ومصدرية، فيكون المصدر أو الموصول مبتدأ، وزمانا قليلا خبره، وتد قيل إنها نافية وهو بعيد، لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ولأنه يصير المعنى ما تذكرون قليلاً، ولا طائل فيه وقيل إنه مردود با! الكوفيين جوّزوا العمل، والمعنى ما تذكرون قليلاً فكيف تذكرون الكثير، وفيه نظر. قوله:(حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره) هذا جار على الوجهين في مرجع ضمير من دونه، ولا اختصاص له بالأخير كما يتخايل من قوله دين الله فإنّ الأوّل تمهيد لذلك ولذا أردفه المصنف رحمه الله تعالى بقوله وتتبعون غيره إشارة إلى عدم اختصاصه بأحدهما، وتتبعون بالعين المهملة والإعجام خلاف الظاهر وإن صح. قوله:) وما مزيدة لتثيد القلة الأنها تفيد القلة في نحو أكلت أكلاً ما فهي هنا قلة على قلة. قوله: (وإن جعلت مصدرية الخ) لأنّ معمول المصدر لا يتقدمه فيكون له إعراب آخر كما مرّ، وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى: لا يجوز أن تكون مصدرية لأنّ قليلاً لا يبقى له ناصب وردّه يعلم مما مز، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لما قاله أبو البقاء، ولا يجوز أن تكون ما المصدرية أو الموصولة فاعل قليلا كما جوز في {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [سورة الذاريات، الآية: 17] لأنّ قليلَا لا ينصبه تتبعوا وجعله حالاً من فاعله لا طائل تحت معناه. قوله: (بحذف التاء الخ) المذكور في كتب القرا آت إنّ حمزة الكسائيّ، وحفصاً قرؤوا تذكرون بتاء واحدة وذال مخففة وقرأ ابن عامر يتذكرون بياء تحتية، ومثناة فوقية وذال مخففة وفي طريق شاذة للأخفش عن ابن عامر بتاءين فوقيتين، والباقون بتاء فوقية وذال مشدّدة، وهذا هو الصحيح الذي به يقرأ وهذا هو الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى فقوله وقرأ حمزة والكسائيّ، وحفص عن عاصم تذكرون بحذف التاء أي الأولى وابقاء تاء مثناة فوقية وذال مفتوحة مخففة، وقوله وابن عامر يتذكرون أي بمثناة تحتية مفتوحة ومثناة فوقية مفتوحة، وذال معجمة مفتوحة مخففة، والباقون بتاء الخطاب وتشديد الذال، وقوله:(على أن الخطاب بعد مع النبئ صلى الله عليه وسلم بعد مبنيّ على الضم أي في جميع ما تقدم قبله في قوله: (لتنذر) وفي محل المقدر قبل قوله اتبعوا ومن لم يفهم كلام المصنف رحمه الله خطأه في قوله بعد وخطأ. غيره من أرباب الحواشي لعدم اتقانه للفن فلا حاجة إلى ذكره. قوله: (وكثيرا من القرى) إشارة إلى أنّ كم خبرية للتكثبر ومن بعدها زائدة، وأما في قوله من القرى
فهي بيانية ومحل كم رفع على الابتداء والجملة بعدها خبر أو نصب على الاشتغال. قوله: (أردنا إهلاك أهلها الخ (لما كانت الفاء للتعقيب والهلاك بعد مجيء البأس بحسب الظاهر أولوا النظم بوجوه أحدها أن أهلكنا مجاز بمعنى أردنا إهلاكها كما في: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [سورة المائدة، الآية: 6] الثاني أن المراد بالإهلاك الخذلان وعدم التوفيق فهو استعارة أو من إطلاق المسبب على السبب أو المراد حكمنا بإهلاكها وقيل الفاء تفسيرية نحو توضا فغسل وجهه الخ، وقيل للترتيب الذكري، وقيل إنه من القلب، وقيل الفاء بمعنى الواو أو المراد فظهر مجيء بأسنا واشتهر، وقدر المصنف رحمه الله تعالى هنا مضافاً مع أنّ القرية تتصف بالهلاك، وهو الخراب وجوّز حمله على الاستخدام
لأنّ القرية تطلق على أهلها مجازاً، وما ذكره المصنف رحمه الله يرد عليه ما قاله بعض المدققين في تفسيره حيث قال فيه إشكال أصولي وهو أنّ الإرادة إن كانت باعتبار تعلقها التنجيزي فمجيء البأس مقارن لها لا متعقب لها وبعدها، وان لم يرد ذلك فهي قديمة فإن كان البأس يعقبها لزم قدم العالم فإن تأخر عنها لزم أن يعطف بثم، فإن قلت الإرادة القديمة مستمرّة إلى حين مجيء البأس فعدم مجيء البأس عقب آخر مدتها قلت لو قلت قام زيد فأكرمته لم يلزم أن يكون الإكرام بعد كمال القيام بل قد يكون قبل كماله، وأجاب ابن عصفور بأنّ المراد أهلكناها إهلاكا من غير استئصال فجاءهم إهلاك استئصال، وقال ابنه شام أجيب أيضاً بأنها للترتيب الذكري، وقال ابن عطية: معناه أهلكناها بخذلان أهلها وهو اعتزاليئ فالصواب أن يقال معناه خلقنا في أهلها الفسق والمخالفة ؤجاءها بأسنا، فإن قلت في الآية تقديم وتأخير أي أهلكناها أو هم قائلون فجاءها بأسنا فالإهلاك في الدنيا، ومجيء البأس في الآخرة فيشمل عذاب الدارين، قلت يأباه قوله:{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا} [سورة الأعراف، الآية: 50] فإنه يدلّ على أنه في الدنيا اهـ (وأنا أ! دول) دفع هدّا الإشكال على طرف التمام فالمراد تعلقه التنجيزي قبل وقوعه أي قصدنا إهلاكها فافهم. قوله: (بياناً (هو في الأصل مصدر بات يبيت بيتا وبيتة وبياتاً وبيتوتة، قال الليث: البيتوتة الدخول في الليل ونصبه على الحال بتأويله ببائتين وجوّز أن يكون على الظرفية، لأنه فسر بليلاً والأوّل هو الظاهر، ولذا اقتصروا عليه. قوله: (أو هم قائلون) أو للتنويع أي أتاهم تارة ليلاً كقوم لوط عليه الصلاة والسلام، وتارة وقت القيلولة كقوم شعيب-ك! ، والقيلولة من قال يقيل فهو قائل وهي الراحة والدعة وسط النهار، وان لم يكن معها نوم وقال الليث هي نومة نصف النهار واستدل للأوّل بقوله تعالى:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [سورة الفرقان، الآية: 24] والجنة لا نوم فيها ودفع بأنه مجاز والأمر فيه سهل. قوله: (وإنما حذفت واو الحال استثقالاً (كذا في الكشاف واعترض عليه باًن الضمير يكفي في الربط وإنما يحتاج إلى الواو عند عدمه كما اشتهر في النحو، وهو قد جوّز في قوله تعالى {اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [سورة البقرة، الآية: 36] الحالية بدون واو فكيف يكون ممتنعا، أو غير فصيح وقد نص الزجاج وأبو
حيان على خلافه مع أنه لو سلم هدّا فإنه في ابتداء الحال، وأما الحال المعطوفة فلا تقترن بواو الحال، واذعاء حذفها صريح في أنه لا بذ منها حتى تكون مقدرة إذا لم يلفظ بها فلا تكون نسبا منسياً لكنه مذهب بعضهم، وهل هو مطلق أو فيه تفصيل سنقصه عليك قريبا مع ماله وعليه. قوله:(فإنها واو عطف استعيرت للوصل) تبع فيه السكافي ومن نحا نحوه وقد ردّه أبو حيان وصاحب الانتصاف بما لا وجه له فذهب إلى أنها موضوعة لربط الحال ابتداء وليست منقولة من العطف والأمر فيه سهل. قوله: (لا اكتفاء بالضمير فإنه غير فصيح) هذا مذهب الزمخشرقي، وقد تبع فيه الفراء وابن الأنباري، وظاهرة أنه كذلك مطلقا قال في البديع الاسمبة الحالية لا تخلو من أن تكون من سببيّ ذي الحال أو أجنبية فإن كانت من سببية لزمها العائد والواو تقول جاءني زيد وأبوه منطلق، وخرج عمرو ويده على رأسه إلا ما شذ قالوا كلمته فوه إلى فيّ، وان كانت أجنبية لزمتها الواو ونابت عن العائد وقد يجمع بينهما نحو قدم عمرو، وبشر قام إليه وقد جاءت بلا واو ولا ضميرقال:
ثم انتصبنا جبال الصفد معرضة عن اليسار وعن إيماننا جدد
فجبال الصفد معرضة حال اهـ، وقد عرفت أنه مذهب النحاة من غير تفصيل فيه وقد صرّح
به الثيخ عبد القاهر أيضأ لكنه جعله على قسمين ما تلزمه الواو ومطلقأ وهو ما إذا صدر بضمير ذي الحال نحو جاء زيد وهو يسرع لأنّ إعادة ضميره تقتضي إن الجملة مستأنفة لئلا تلغو الإعادة فاذا لم يقصد الاستئناف فلا بد من الواو، وما عداه يلزمه الواو في الفصيح إلا على طريق التشبيه بالمفرد والتأويل فإنه حننئذ قد تترك الواو جوازا، ولم يجعله فصيحا فلا معارضة بين أوّل كلامه وآخره كما توهم، وأما قوله تعالى:{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [سورة البقرة، الآية: 36] فقيل الأظهر فيه أنه استئناف لا سيما إذا أريد معاداة بني آدم بعضهم لبعض، وهو الراجح عند الزمخشرقي وأما إرادة معاداة آدم حواء مع إبليس، والحية وجعل الجملة حالية بتأويل متعادين فابداه على سبيل
الاحتمال كما هو دأبه لا أنه مختاره، وتأويل الجملة بالمفرد يصار إليه إذا انتزع المفرد من جملة أجزائها لا من الخبر كمتعادين هنا، ولى " من غيره والا فما من حال إلا وهي في معنى مفرد، وما قيل: من أنّ الضابط نيه أنه إذا كان المبتدأ ضمير ذي الحال تجب الواو والا فإن كان الضمير فيما صدر به الجملة سواء كان مبتدأ نحو فوه إلى فيّ وبعضكم لبعض عدوّ أو خبراً نحوه:
وجدته حاضراه الجود والكرم
فلا يحكم بضعفه لكون الرابط في أوّل الجملة، والا فضعيف قليل كقوله:
نصف النهار الماء غامره
في رواية فكلام مخالف للمذهبين، والذي غرّه فيه ظاهر كلام الشيخ وفيه نظر (بقي هنا
أمران) يجب التنبيه لهما الأوّل أنهم أطلقوا الحكم هنا، وقد قال ابن مالك في شرح الألفية إن
كانت الجملة الاسمية مؤكدة لزم الضمير، وترك الواو نحو هو الحق لا شبهة فيه، وذلك الكتاب لا ريب فيه وتبعه ابن هشام، ونقله الطيبي هنا عن السكاكي فلا يعدل عنه إلا لنكتة الثاني أنّ ظاهر كلامهم هنا أنّ الواو الحالية يصح أن تقع بعد العاطف نحو سبح الله وأنت راكع أو وأنت ساجد بل يلزم ذلك لكنها تحذف للتخفيف، ولئلا يجتمع عاطفان صورة وبه صرّح الفراء كما نقله المعرب وارتضاه صاحب الانتصاف وقد منع ذلك أبو حيان ولم يحك فيه خلافا فقال نص النحويون على أنّ الجملة الحالية إذا دخل عليها حرف عطف امتغ دخول واو الحال عليها للمشابهة اللفظية، وهو من الفوأئد البديعة فاحفظه. قوله:(وفي التعبيرين مبالغة في غفلتهم الخ) حيث عبر في الأولى بالمصدر وجعلها عين البيات مبالغة، وفي الثانية بالجملة الاسمية المفيدة للثبوت مع تقديم المسند إليه المفيد للتقوّى قيل، والمبالغة ظاهرة لا تحتاج إلى البيان، وإنما المحتاج إليه كونها في غفلتهم وأمنهم من العذاب فاستدل عليه بقوله، ولذلك خص الوقتين اللذين فيهما كمال الغفلة عن العذاب ثم عطف عليه قوله ولأنهما وقت دعة واستراحة يعني أنّ تخصيصهما لأجل الغفلة وكونهما وقت الاستراحة، ثم قال: فيكون مجيء العذاب فيهما أفظع، وأراد أن تخصيص الوقتين المعلل بما ذكر معلل بذلك هذا هو التحقيق، ومن قال: إنما المبالغة في التعبير لا اختصاص له بالوقتين لم يحم حول المراد اهـ ولا يخفى أنّ البيتوتة والقيلولة تقتضي الغفلة والأمن إذ لولاهما لم يبيتوا ولم يقيلوا فالمبالغة فيهما مبالغة في مقتضاهما، فلأجل ذلك خص الوقتان بذلك ومحصله ذمّهم بالغفلة عما هم بصدده فلذا قالوا وباتوا ولم يحذروا غضب الله والنكتة الأخرى أنه تعالى أنزل العذاب عليهم في هذين الوقتين، لأنه أشد وأنكى فخص مجازاتهم بهما لتكميل استحقاقهم لها فيهما، والدعة بفتح الدال والتخفيف الخفض والاستراحة، وإنما خولف بين العبارتين وبنيت الحال الثانية على تقوّي الحكم، والدلالة على قوّة أمرهم فيما أسند إليهم لأنّ القيلولة أظهر في إرادة الدعة، وخفض العيش فإنها من دأب المترفين، والتنعمين دون من اعتاد الكدج، والتعب وفيه إشارة إلى أنهم كانوا أرباب أشر وبطر. قوله:(أي دعاؤهم الخ) الدعوى المعروف فيها أنها بمعنى الادّعاء وتكون بمعنى المدّعي أيضاً وقد وردت بمعنى الدعاء والاستغاثة قال تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} [سورة يونس، الآية: 10] وحكى الخليل عن العرب اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين أي في صالح دعائهم، والى المعنيين أشار المصنف أي لم يكن عاقبة دعائهم واستغاثتهم أو ما ادّعوه إلا هذا الاعتراف وجعله عين ذلك مبالغة على حد قوله:
تحية بينهم ضرب وجيع
وجوّزوا فيه أن يكون دعواهم اسم كان وأن قالوا خبرها، والعكس والثاني أولى لأنه أعرف ولأنه المصرّح به في غير هذه الآية، وأورد عليه أنّ الاسم والخبر إذا كانا معرفتين واعرابهما مقدّر لا يجوز تقديم أحدهما على الآخر فيتعين الأوّل وقد أجيب عنه بأنه عند عدم القرينة والقرينة هنا كون الثاني أعرف وترك التأنيث وأيضاً هذا إذا لم يكن حصر فإن كان يلاحظ ما يقتضيه فتأمّل. قوله:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} الخ قال الطيبي رحمه الله: هذا السؤال واقع في الحشر وقوله: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} وارد في الدنيا لتعقبه لقوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [سورة الأعراف، الآية: 4] الخ فالفاء في فلنسألن فصحيحة كأنه قيل فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا في الدنيا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين فقطعنا دابرهم، ثم لنحشرنهم فلنسألنهم، وفي الكشف لعل الأوجه أن يجعل فلنسألن متعلقا بقوله اتبعوا ولا تتبعوا، وقوله:{وَكَم مِّن قَرْيَةٍ} معترض حثا
على الاعتبار بحال السابقين ليستمروا في الاتباع، وقوله عن قبول الرسالة الخ أي لقوله تعالى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [سورة القصص، الآية: 65] وأيضا سؤال المرسل والمرسل إليه قرينة على ذلك. قوله: (والمراد من هذا السؤال توبيخ الكفرة الخ) ولما ذكر السؤال هنا ونفي في آية أخرى جمع بينهما بأنّ المثبت سؤال التوبيخ والمنفي سؤال الاستعلام أو أن هذا في موقف وذاك في آخر، وقال الإمام رحمه الله: إنهم لا يسألون عن الأعمال أي ما فعلتم، ولكن يسألون عن الدواعي التي دعتهم إلى الأعمال والصوارف التي صرفتهم عنها أي لم كان كذا، قيل ولا حاجة إلى التوفيق فإن المنفي هو السؤال عن الذنب لا مطلق السؤال، وردّ بأنّ عدم قبول دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ذنب، وأفي ذنب فسؤالهم عنه ينافيه فالحاجة باقية، وفيه نظر. قوله:(على الرسل حين يقولون الخ) أي في جواب قولهم ماذا أجبتم كما مرّ في سورة المائدة تفصيله، ثم لما وكلوا الأمر علمه قص عليهم ما أحبوا أو جميع أحوالهم، وقوله عالمين بظواهرهم، وبواطنهم مستفاد من ترك المفعول، والباء للملابسة والجارّ والمجرور حال من فاعل نقص وقوله أو بمعلومنا فالباء متعلقة بنقص وما كنا غائبين حال أو استئناف لتأكيد ما قبله، وهو عبارة عن الإحاطة التاقة بأحوالهم وأفعالهم. قوله: (والورّن أي القضاء الخ الما كانت الأعمال أعراضاً لا يوزن وقد ورد ذكر وزنها في القرآن والأحاديث اختلفوأ فيه فمنهم من أوّل الوزن بأنه بمعنى القضاء،
والحكم العدل أو مقابلتها بجزائها من قولهم وازنة إذا عاد له، وهو إما كناية أو استعارة بتشبيه ذلك بالوزن المتصف بالخفة، والثقل بمعنى الكثرة والقلة والمشهور من مذهب أهل السنة أنه حقيقة بمعناه المعروف، ثم قيل توزن صحف الأعمال، وقيل أصحابنا فيخف بعضهم ويثقل آخر باعتبار عمله، وقيل إنّ الأعمال تجسم وتوزن. قوله:(إظهارا للمعدلة وقطعاً للمعذرة) بيان لحكمة الوزن وجواب عما يقال إنه لا حاجة إليه والأوّل بالنظر إلى الخلائق المطلعين على ذلك، والثاني بالنسبة إلى صاحب العمل فقط، وهذه حكم لا يلزم الاطلاع على حقيقتها حتى يقال إن انكشفت الأحوال يومئذ فلا حاجة للوزن، ويكفي قول الله أو الملائكة هذا غلبت حسناته، ونحوه والا فلا فائدة فيه مع أنّ الفائدة أن يسرّ المؤمن المتقي، ويغتم خلافه كما في السؤال وشهادة الجوارح. قوله:(أنّ الرجل يؤتى به الخ)(1) هذا الحديث أخرجه الترمذيّ وابن ماجه وابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بنحوه، والسجل الكتاب، وقيل إنه معرّب وأصل معناه الكاتب، وسجل عليه بكذا شهره، ورسمه قاله الزمخشريّ: في شرح مقاماته، ومذ البصر وقع في هذا الحديث، وفي صحيح مسلم 9 نظرت إلى مد بصري " (2 (، قال النووي: في شرحه كذا هو في جميع النسخ وهو صحيح ومعناه منتهى بصري وأنكره بعض أهل اللغة، وقال الصواب مدى بصري وليس بمنكر بل هما لغتان والمدى أشهر اهـ وقوله: (بطاقة) بكسر الباء رقعة صغيرة وتطلق على حمام تعلق في جناحه وليست مولدة كما قيل فإنها وردت في هذا الحديث، وغيره وفي فقه اللغة أنها معرّبة من الرومية وفي المحكم البطاقة الرقعة الصغيرة تكون في الثوب وفيها رقم ثمنه حكاه شمر وقال لأنها بطاقة من الثوب قيل، وهو خطأ لأنه يقتضي أنّ الباء حرف جرّ والصحيح ما تقدم كما حكاه الهروي. قوله: (قيها كلمتا الشهادة الخ) قال القرطبي في تذكرته في هذا الحديث: " فيخرج له بطاقة فيها
أشهد أن لا إله إلا الله " وليست هذه شهادة التوحيد لأنّ الميزان يوضع في كفته شيء وفي الأخرى ضده فتوضع الحسنات في كفة، والسيئات في أخرى ومن المستحيل أن يؤتى لعبد واحد بكفر وايمان معا فلذا استحال أن توضع شهادة التوحيد في الميزان أما بعد إيمانه فيكون تلفظه بشهادة أن لا إله إلا الله حسنة توضحع في ميزانه كسائر حسناته قاله الترمذفي: ويدلّ عليه قوله: أن لك عندي حسنة دون أن يقول إيمانا، وقد سئل النبيّ ىلمجحر عن لا إله إلا الله أهي من الحسنات فقال: " من أعظم الحسنات ") 1 (ويجوز أن يكون المراد هذه الكلمة إذا كانت آخر كلامه في الدنيا، اهـ ويؤيده حديث البخارفي 9 كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان وهما كلمتا الشهادة " (2 (ولك أن تقول المراد بها كلمة التوحيد فتأمّل، والكفة بفتح فتشديد كل مستدير وبه سميت كفة
الميزان المعروفة، وقوله:(لما روي الخ)) 3 (أخرجه البخارفي ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. قوله: (يومئذ خبر الميتدأ الخ) أي الوزن مبتدأ والظرف خبره أي الوزن كائن يوم إذ تسئل الرسل والمرسل إليهم فحذف الجملة وعوّض عنها التنوين، وهذا مذهب الجمهور، والحق نعت للوزن قيل ولم يلتفت إلى كونه خبراً ويومئذ متعلق بالوزن لأنّ المعنى يكون حينئذ الوزن في ذلك اليوم هو الحق لا غيره أو لا الباطل، والأوّل غير صحيح، والثاني غير مراد بل المعنى الإخبار بأنّ الوزن الحق وتمييز الأعمال يقع في ذلك اليوم لا في أيام الدنيا ألا ترى قوله:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [سورة الأنبياء، الآية: 47] والفصل بين الصفة والموصوف بالخبر كثير لا سيما إذا كان ظرفاً، وأما كونه بدلاً من الضمير المستتر في الظرف كما ذكره مكيّ، وتبعه صاحب اللباب فقالوا إنه غريب بعيد (قلت) ما جعله مانعا موجود في جعله خبر مبتدأ محذوف لأنه ضمير الوزن، ومعناه الوزن الحق لا غيره أو لا الباطل فكيف يعد مانعا إلا أن يلتزم ذلك ويقال إنّ هذا الوجه غير مقبول لكنه ذكره بيانا لوجوه الإعراب التي ذكرها المفسرون فتأمّل، والسوقي عطف تفسيريّ للعدل. قوله:) حسناته أو ما يوزن به الخ الما كان الظاهر أنّ الميزان مطلقا واحداً وميزان كل شخص واحد وان جاز أن يكون لكل عمل ميزان وقد جمع في النظم فأمّا أن يراد الحسنات الموزونات على أنها جمع موزون واضافته للعهد لترتب الفلاح عليه فجمعه ظاهر وإما أن يراد الميزان وجمعها باعتبار
تعدّد أوزانها وموزوناتها وفي الكلام مضاف مقدّر أي كفة موازينه، وقوله وجمعه بصيغة المصدر أو الماضي أي جعله جمعا، وقوله فهو جمع موزون الخ لف ونشر مرتب للتفسيرين وهذا الوزن للمسلمين عند الأكثر، وأما الكفار فتحبط أعمالهم على أحد الوجهين في تفسير توله تعالى:{فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [سورة الكهف، الآية: 105] وقيل إنها توزن أيضا وان لم تكن راجحة ليخفف بها لهم العذاب عنهم، وهو ظاهر النظم وكلام المصنف رحمه الله هنا لذكر الفطرة وهي الإسلام والتصديق والتكذيب المتبادر منه الإيمان والكفر وان أمكن التعميم لما يشمله الإسلام من الأعمال الصالحة وجعل عدم العمل تكذيباً فتأمّله، وبقي من تساوت حسناته وسيئاته مسكوتا عنه، وهم أهل الأعراف على قول وقد يدرج في القسم الأوّل لقوله:{خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [سورة التوبة، الآية: 52 ا] وعسى من الله تحقيق ما صرّحوا به.
وأعلم أنّ الحافظ له تأليف مستقل في الميزان قال فيه إنهم اختلفوا في تعدد الميزان، وعدمه والصحيح الثاني والوزن بعد الحساب، وأعمال الكفرة يخفف بها عذابهم كما ورد في حق أبي طالب وهو الصحيح كما قاله القرطبي، وقال السخاوي: المعتمد أنه مخصوص بأبي طالب والمعتمد ما قاله القرطبيّ، فلا وجه للتردد فيه. قوله:) بتضييع الفطرة السليمة الخ) قيل المراد بها فطرة الإسلام لقوله في الحديث: " ما من مولود يولد على الفطرة الخ ") 1 (ويحتمل أن المراد الخير الذي هو أصل الجبلة فما بعده تفسير له فتأمل. قوله: (فيكذبون بدل التصديق) ما مصدرية والباء جوّز فيها التعلق بخسروا وبيظلمون، وقدم عليه للفاصلة وعدى الظلم بالباء لتضمنه معنى التكذيب نحو كذبوا بآياتنا أو الجحد نحو جحدوا بها، وكلام المصنف يحتملهما فالفاء إما تفسيرية أو تعقيبية فمن قال إنه غفل عن معنى التضمين لم يصب وكذا من عين إرادته. قوله: (مكناكم من سكناها الخ (مكنا إن كان على ظاهره وحقيقته فمعناه جعلنا لكم فيها مكانا، وسكنى وقراراً واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله من سكناها، ويجوز أن يكنى به عن أقدرناكم على التصرف فيها بالملك أو الزراعة، وأسباب التعيش ولما كانت الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة أدرج المصنف رحمه الله الثاني في الأوّل وصاحب الكشاف جعلهما وجهين متغايرين، ولما كانت الحقيقة أولى وأنسب بهذا المقام، وما عطف عليه قدمها فتدبر. قوله:
(أسباباً تعيشون بها الخ) معايش جمع معيشة ووزنها مفعلة، وهي اسم لما يعاش به أي يحيي فهي في الأصل مصدر عاس يعيش عيشاً وعيشة ومعاشاً ومعيشا ومعيشة، والجمهور على التصريح بالياء فيها، وروي عن نافع " معائش " بالهمزة فقال النحويون: إنه غلط لأنه لا يهمز عندهم بعد ألف الجمع إلا الياء الزائدة، كصحيفة وصحائف وأما معايش فياؤه أصلية هي عين الكلمة لأنها من العيش حتى قال أبو عثمان: إنّ نافعاً رحمه الله لم يكن يدري العربية
وردّ هذا بأنّ العرب قد تشبه الأصلي بالزائد لكونه على صورته، وقد سمع عنهم هذا في مصايب ومناير ومعايش، فالمغلط هو الغالط والقراءة وان كانت شاذة غير متواترة مأخوذة عن الفصحاء الثقات، وأما قول سيبويه رحمه الله إنها غلط فإنه عنى أنها خارجة عن الجادة والقياس، وهو كثيراً ما يستعمل الغلط في كتابه بهذا المعنى وإلى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله، وقليلا ما تشكرون تقدم الكلام فيه، وصنعت بمعنى أحسنت من الصنيعة وكأنه قال: فيما صنعت ولم يقل ما صنعت إشارة إلى تعذر الشكر لإفراد نعمه. قوله: (أي خلقنا أب كم آدم طيناً الخ الما كان أمر الملائكة بالسجود مقدما على خلقنا، وتصويرنا وقد عطف عليه بثم اقتضى تأويله فأوّلوه بوجوه، منها أنّ المراد خلق آدم عليه الصلاة والسلام وتصويره ولكنه لما كان مبدأ لنا جعل خلقه خلقا لنا ونزل منزلته فالتجوّز على هذا في ضمير الجمع بجعل آدم كجميع الخلق لتفرعهم عنه، أو في الإسناد إذ أسند ما لآدم الذي هو الأصل والسبب إلى ما تفرّع عنه وتسبب وليس هذا من تقدير المضاف الذي ذهب إليه بعضهم لأنّ قوله نزل خلقه الخ يأباه، وذهب الإمام رحمه الله إلى أن خلقنا وتصويرنا كناية عن خلق آدم صلى الله عليه وسلم وتصويره، قيل وكلام المصنف رحمه الله يحتمله وليس بظاهر. قوله: (أو ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم) بأن خلقنا آدم ثم صوّرناه فالتجوّز في الفعل فالمراد بخلق الجنس ابتداء خلقه وابتداء خلق كل جنس بإيجاد أوّل أفراده، وهو آدم-سح! الذي هو أصل البشر، فهو كقوله:{وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} [سورة السجدة، الآية: 7] وعلى هذين الوجهين يظهر العطف بثم والترتيب ثم أشار إلى جواب آخر استضعفه، وهو أنّ ثم لترتيب الأخبار لا الترتيب الزمانيّ حتى يحتاج إلى توجيه والمعنى خلقناكم يا بني آدم مضغا كير مصوّرة ثم صوّرناكم، ثم نخبركم أنا قلنا للملائكة الخ، وقيل إنه للتراخي في الرتبة لأنّ كون أبينا مسجودا للملائكة أرفع درجة من خلقنا ثم تصويرنا. قوله:(ثم قلنا للملافكة اسجدوا لآدم) قيل الظاهر أن يقول ثم أمرن الملائكة بالسجود لآدم صلى الله عليه وسلم، وإنما عدل عته لأنّ الأمر بالسجدة كان قبل خلق آدم على ما نطق به قوله:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [سورة ص، الآية: 72] والواقع بعد تصويره إنما هو قوله تعالى اسجدوا لآدم لتعيين وقت السجدة المأمور بها قبل هذا يعني أنه أمرهم أوّلاً أمراً معلقاً ثم أمرهم ثانياً أمرا منجزا مطابقا للأمر السابق فلذا جعله حكاية له فما قيل إنه يقتضي أنّ هذا ليس أمرا بالسجود وهو مما لا يتفوّه به عاقل ليس بشيء ينظر فيه. قوله: (لم يكن من الساجدين ممن سجد لآدم) عليه الصلاة والسلام فيه إشارة إلى أنّ أل موصولة واسم الفاعل بمعنى الماضي وأنّ المنفيّ سجوده لآدم لا لله، وفائدة هذه الجملة التكميل ودفع احتمال أن يكون معنى إلا إبليس لم يبادر إلى السجود كما بادرت الملائكة فيحتمل أنه سجد بعد ذلك فأتى بهذه الجملة للاحتراس مع المبالغة والإشارة إلى أنه لو صدر منه ذلك لم يعد سجود العدم انقياده باطناً وامتثاله حقيقة. قوله:(ولا صلة الخ) أي زائدة فإنه يعبر عن الزائد في القرآن بالصلة تأدّبا لأنّ المنع إنما هو عن السجود لا عن تركه قال النحرير: هي مزيدة إلا إذا حمل ما منعك على ما حملك وما دعاك على ما قرره صاحب المفتاح، ثم لا بد في إفادة لا تأكيد معنى الفعل وتحقيقه من بيان، ولم أرهم حاموا حوله اهـ وما أشار إليه حقيق بالبيان فإنّ لا النافية كيف تؤكد ثبوت الفعل مع إيهام نفيه، والذي ظهر لي أنها لا تؤكده مطلقا بل إذا صحب نفيا مقدّماً أو مؤخرا صريحا أو غير صريح كما في غير المغصوب عليهم ولا الضالين وكما هنا فإنها تؤكد تعلق المنع به واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: الموبخ عليه ترك السجود فتأقل. قوله: (وقيل الممنوع عن الشيء مضطرّ إلى خلافه فكأنه الخ) هذا عطف على ما قبله بحسب المعنى إذ مآله أنها زائدة أو غير زائدة بأن يكون المنع مجازا عن الإلجاء والاضطرار فمعناه ما اضطرّك إلى أن لا تسجد وهذا قريب من تول السكاكي
أنه بمعنى الحامل والداعي لكنه أبلغ منه، ويحتمل التضمين أيضا وقال الراغب: المنع ضد العطية وقد يقال: في الحماية فقوله ما منعك أن لا تسجد معناه ما حماك عن عدم السجود. فوله: (دليل على أنّ مطلق الآمر للوجوب والفورا لأنّ ترتب اللوم والتوبيخ على مخالفته يقتضي الوجوب، وجعله في وقت الأمر الدال
عليه إذ يدلّ على الفور دلالة ظاهرة كما بين في الأصول، وقد أجابوا عنه بأنه ليس من صيغة الأمر بل من قوله فقعوا له ساجدين إلا أنّ بعضهم قد مغ دلالة الفاء الجزائية على التعقيب من غير تراخ، وهذا المنع يتجه على قول المصنف، ولذلك أمر الملائكة بسجوده لما بين لهم أنه أعلم منهم الخ، والا فظاهر. يخالف قوله:{فَقَعُواْ لَهُ} ليتأمل وردّ بأنّ الاستدلال بترتب اللوم على مخالفة الأمر المطلق حيث قال إذ أمرتك ولم يقل إذ قيل: {فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} وليس القول بالفور مذهب الشافعية كما ذكره المصنف رحمه الله في منهاجه والكلام على هذه المسألة
مبسوط في الأصول. قوله: (جواب من حيث المعنى) لأنّ الظاهر فيه منعني كذا وكذا وهذا إنما هو جواب عن أيكما خير فهو من الأسلوب الأحمق كما مرّ في قصة نمروذ، وقوله كأنه قال الخ بيان لتضمنه الجواب بقياس استدلاليّ، وهو أني مخلوق من عنصر علوي نير فأصلي أشرف وأنا كذلك والأشرف لا يليق به الانقياد لمن هو دونه فالدلالة على التكبر ظاهرة، وكذا على القول بالحسن العقلي الذي أخذه من شرف العنصر وضده من ضده، وقد بين المصنف رحمه الله غلطه بأنّ الشيء كما يشرف بمادّته يشرف بفاعله وغايته وصورته، وهي في آدم مجقي! دونه كما بينه لكن قوله بغير واسطة أي واسطة توالد وتناسل يقتضي أنّ إبليس كذلك ولم ينقل، وقوله:{فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} لا دخل له في الصورة فكأنه ذكره توطئة لقوله: (لذلك الخ) . قوله: (والآية دليل الكون والفساد) الكون الخروج من العدم إلى الوجود والفساد عكسه، وهذا بحكم اللزوم لا أنها تدلّ على المصطلح بين أهل الفلسفة إذ لا دلالة عليه كما لا يخفى، ثم إنّ دلالتها على الكون ظاهرة لخلق آدم وابليس، وايجادهما وأما على لفساد فتوقف فيه بعضهم والظاهر أنه باعتبار الطين والنار فإنهما استحالاً عما كانا عليه من الطينية والنارية لما تركبت منهما الأجساد وهو ظاهر أيضاً لا داعي للتوقف فيه، والملاك بفتح الميم وكسرها قوامه الذي يملك به، وقوله أجسام كائنة أي حادثة لا أرواح قديمة وكون الأجسام من العناصر الأربعة أمر مقرّر في الحكمة فإضافته إلى أحدها باعتبار أغلبيته وهو ظاهر. قوله:(من السماء أو الجنة) فيه اختلاف بين المفسرين واقتصر المصمنف رحمه الله على هذين القولين لاشتهارهما، وقيل: الجنة روضحة بعدن، وقيل: إنه أخرح من الأرض إلى الجزائر وأمر أن لا يدخلها إلا-ضفية، وقيل إنه بذلت صورته البهية بأخرى، وقوله:(التكبر لا يليق بأهل الجنة) فكما يمنع من القرار
فيها يمنع من دخولها بعد ذلك وقوله: (من تواضع لله الخ) الحديث) 1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقوله: فإنها مرجعه مرجع منها ولو ثني كان أظهر. قوله: (أمهلني إلى يوم القيامة) قال في الحجر: أراد أن يجد فسحة في الإغواء ونجاة من الموت إذ لا موت بعد وقت البعث فاجابه إلى الأوّل دون الثاني، يعني قوله إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم النفخة الأولى الذي ينقطع بها التكليف ثم مراده يتوقف على أمرين عدم الإماتة وتاخير العذاب، ولذا قيل كان الظاهر ولا تعجل عقوبتي بالواو فتأمّل. قوله:(يقتضي الإجاية إلى ما سأله الخ) في البزازية عن الإمام البرسنفيني لا يجوز أن يقال دعاء الكافر مستجاب لأنه لا يعرف الله ليدعوه، وقال الدبوسي يجوز ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:" دعوة المظلوم مستجابة وإن كان كانرا " (2 (وقيل أراد كفران النعمة لا كفران الدين، والفتوى على أنّ دعاء الكافر قد يستجاب استدراجا كما هنا إذ أستجيب بعض دعائه لأكله لأنه تمنى عدم الموت إذ لا موت بعد البعث اهـ، وأما احتمال أن يكون إخبارا عن كونه من المنظرين في قضاء الله من غير ترتب على دعائه، فخلاف المتبادر من النظم فإنه يدل على أنّ الغاية ما طلبه وحده فقوله: يوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم واحد لكن في سورة ص ما يخالفه وجوّز في الحجر كون المراد بيوم الوقت المعلوم يوم يبعثون لا يوم النفخة الأولى لكنه قال: ولا يلزم أن لا يموت فلعله يموت أوّل اليوم ويبعث مع الخلق في تضاعيفه لأنّ كل شيء هالك إلا وجهه، وقوله أو وقت يعلم الله انتهاء أجله فيه أراد أنه معلوم لله وقد أخفى عنا، قيل لكن يجب أن يكون قبل انقطاع
أيام التكليف فيكون قبل النفخة الثانية، وقوله: لكنه محمول الخ على الاحتمال الأوّل، وأما إن كان مراد.
تأخير العقوبة فالظاهر أنه أجيب لذلك. قوله: (وفي إسعافه إليه ابتلاء العباد وتعريضهم للثواب بمخالفته) ضمير إليه أمّا لما سأله أو ليوم الوقت المعلوم، وهو دفع لما يخطر بالبال من أنه أجابه لسؤاله مع ما فيه من إفساد خلقه، وقد تبع فيه الزمخشرفي وهو كما قال النحرير: كغيره مبنيّ على تعليل أفعاله بالإغراض وعدم إسناد القبائح والشرور إليه مع أنه ليس بشيء لأنّ حقيقة الابتلاء في حقه تعالى محال ومجازه وهو أن في الإنظار منه ابتلاء امتحانا لا يدفع السؤال ولأنّ ما في متابعته من ألم العقاب أضعاف ما في مخالفته من عظيم الثواب، بل لو لم يكن له الأنظار والتمكين لم يكن من العباد إلا الطاعات وترك المعاصي فلم يكن إلا الثواب كما للملائكة والأولى أن لا يخوض العبد في أمثال هذه الأسرار، ويفوّض حقيقتها إلى الحكيم المختار.
(أقول) الظاهر أنّ الابتلاء هنا بمعنى جعلهم ذابلية ومشقة فليست حقيقته محالاً عليه
تعالى إذ ليس المراد الاختيار وكون أفعاله تعالى فيها حكم ومصالح مما لا ينكر، فالظاهر عدم وروده على المصنف رحمه الله تعالى، وان ورد على الكشاف فلا تكن من الغافلين. قوله:(أي بعد أن أمهلتني لأجتهدن في إغوائهم الخ (بعدية الإمهال مأخوذة من الفاء والاجتهاد من قوله لأقعدنّ لهم الخ كما سيأتي، وقوله:) بسبب إغوائك) إشارة إلى أنّ الباء للسببية وما مصدرية، ولما أسند الإغواء وهو إيقاع ألغيّ أي الاعتقاد الباطل في القلب إلى الله والمعتزلة لا تجوّز إسناد القبائح إليه تعالى أوّلوه فتارة قالوا إنه قول الشيطان فليس بحجة، وتارة بأن الإغواء بمعنى النسبة إلى الغيّ كأكفره إذا نسبه إلى الكفر، أو المراد التسبب في الغيّ بما أمره به من السجود فهذه التأويلات المذكورة مذهبهم كما صرّح به في محل آخر، فكان ينبغي أن لا يتبعهم هنا ويفسره بخلق الغيّ فيه أو يذكره أيضاً ليكون على لمذاهب، وقد قيل في دفعه إنه فهم هذا من السياق لأنّ المذكور هو الأمر بما يفضي إليه أو يجعل الإغواء بمعنى الترغيب لما فيه من الغواية، والأمر هو لا يجوز من الله كما هو مراد اللعين من قوله لأغوينهم. قوله:(تسمية) المراد به الوصف والنسبة كما مر، وقوله أو حملاً أي خلق فيه من الأشياء ما حمله عليه أو تكليفا بما غويت وهو الأمر بالسجود فمعنى الإغواء إحداث سبب الغيّ وايقاعه فالتجوّز في المسند لا في الإسناد. قوله: (متعلقة بفعل القسم (أي بسبب إغوائك أقسم بك أو بعزتك لأقعدنّ الخ، فإن كان هو قسما أوّل بتكليفك إياي حتى يكون القسم به صفة من صفات الأفعال، وهو مما يقسم به في العرف وان لم تجر الفقهاء عليه أحكام اليمين فيكون القسم تكرّر منه فتارة أقسم بهذا وتارة بالعزة، وصدر لام القسم منعها عن عمل ما بعدها فيما قبلها
لأنها لها الصدر على الصحيح، وأما جعل ما استفهامية لم تحذف ألفها وتعلق الباء بأغويتني فلا يخفى ضعفه وان قيل به. قوله:(ترصدا بهم) الظاهر أنه أراد أنه كناية عن ترصده لهم، ويحتمل التمثيل أيضا، ولما كان الصراط ظرف مكان مختص ومثله لا ينتصب على الظرفية إلا في شذوذ ذهب بعضهم إلى أنه مفعول به بتضمين أقعدن معنى ألزمن وآخرون على أنه على نزع الخافض، وهو على أو منصوب على الظرفية شذوذا كما في الشعر المذكور وهو من قصيدة لساعدة بن جؤبة أوّلها:
هجرت غضوب وحبّ من تتجنب وعدت عواد دون وليك تشعب
شإب الغراب ولا فؤادك تارك ذكر الغضوب ولا عتابك يعتب
ومنها في وصف رمح:
لدق بهزالكص يعسل متنه فيه كماعسل الطريق الثعلب
ومعنى لدن لين والعسلان الاهتزاز والاضطراب وبه يوصف مثى الذئب والثعلب، إذا أسرع، وض! مير فيه للكف أو للهز، وأعلم أنّ المشهور أنّ الطريق ظرف محدود لا ينصب على الظرفية، وذهب بعض شرّاح الكتاب إلى أنه غير محدود ينصب قياساً وقال: إنه مراد سيبويه رحمه الله وقد يجمع بينهما بأنه بحسب وضعه عاثم معناه كل أرض تطرق أي يمشي عليها ثم خص بما يسلكه الناس من ممرّ السابلة دون الجبال والوهاد. قوله: (أي من جميع الجهات الأربع مثل قصده الخ) يعني هذه استعارة تمثيلية شبه حال وسوستة لبني آدم بقدر الإمكان بحال إتيان العدّ ولمن يعاديه من أقي جهة أمكنته، ولذا لم يذكر الفرق
والتحت إذ لا إتيان منهما، فقوله من جميع الجهات أي جميع الجهات التي يؤتى منها، كما صرّح به بقوله من أي وجه يمكنه فلا ينافي قوله ولذلك لم يقل الخ والتسويل تحسين الشيء وتزيينه للإنسان ليفعله، وقوله:{لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} ترشيح لهذه الاستعارة. قوله: (وقيل لم يقل من فوقهم الخ) عطف على قوله ولذلك لم يقل الخ فإن كان مبنيا على التمثيل أيضاً فالفرق بينهما أنّ ترك هاتين الجهتين على الأوّل لعدمهما في الممثل به وعلى الثاني لعدمهما في الممثل، وان كان مبناه على أنه لا تمثيل قيل، وهو الأظهر فالفرق واضح فلا يرد أنه إذا بنى الكلام على التمثيل لا
حاجة إلى الاعتذار عن تركهما. قوله: (وعن ابن عباس رضي الله عنهما من بين أيديهم من قبل الآخرة) هكذا أخرجه ابن أبي حاتم فعلى هذا ليس الكلام كله تمثيلا واحداً بل مجازات أو استعارات أو كنايات فما بين أيديهم الآخرة لأنها مستقبلة آتية، وما هو كذلك كأنه بين اليدين، ومن فسره بالدنيا فلأنها حاضرة مشاهدة وما خلفهم الدنيا لأنها ماضية بالنسبة إلى الآخرة ولأنها فانية متروكة مخلفة ومن فسره بالآخرة فلأنها مغيبة عنهم وتفسير الأيمان بالحسنات والشمائل بالسيئات لأنهم يجعلون المحبوب في جهة اليمين وغيره في جهة الشمال كما قال:
أبيني أفي يمني يديك جعلتني فافرج أم صيرتني في شمالك
قوله: (ويحتمل أن يقال من بين أيديهم الخ) فيكون المراد بما بين أيديهم ما يعلمونه لأنّ
ما هو كذلك محسوس مشاهد، وضحدّه ما كان خلفاً وما كان بجانب اليمين والشمال يسهل أخذه وتناوله فلذا عبر به عما ذكر، وقال بعض حكماء الإسلام إنه إشارة إلى القوى الأربع فما بين أيديهم وما خلفهم إشارة إلى القوّة المودعة في مقدّم الدماغ والمودعة في مؤخره وما بين أيديهم إشارة إلى الشهوة المودعة في الكبد وهو في اليمين وما خلفهم إلى الغضب في القلب وهو في اليسار. قوله:(وإنما عدّى الفعل إلى الآوّلين بحرف الابتداء لخ) هذا ما حققه الزمخشرقي وهو من أسرار العربية لأنّ اختلاف حروف التعدية مع المفعول به، وفيه لقصد معان لاحظوها ينبغي التيقظ لها فإنه كما قال: لغة تؤخذ ولا تقاس وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط فلما سمعناهم يقولون جلس عن يميته وعلى يمينه وعن شماله وعلى شماله قلنا معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه، ومعنى عن يميته أنه جل! بى متجافياً عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره ونحوه من المفعول به نحو رميت عن القوس وعلى لقوس ومن القوس لأن السهم يبعد عنها ويستعليها إذا وضحع على كبدها للرمي، ويبتدأ الرمي منها وكذلك قالوا جلس بين يديه وخلفه يعني في لأنهما ظرفان للفعل ومن بين يديه ومن خلفه لأنّ الفعل يقع في بعض الجهتين كما تقول جثتة من الليل تريد بعض الليل، ولا مخالفة بينهما إلا في جعل من ابتدائية، والزمخشريّ جعلها تبعيضية وأشار إلى أنّ فيها معنى الابتداء أيضا وقيل خص اليمين والشمال بعن كا! ثمة
ملكين يقتضيان التجاوز عن ذلك. قوله: (مطيعين الخ الشمول الشكر لأعمال الجوارح، ووجد إن كان معنى صادف نصف مفعولاً واحداً وبمعنى علم بنصب مفعولين فإن نصب مفعولين فشاكرين هو الثاني والا فهو حال والجملة مستانفة أو معطوفة على المقسم عليه، وقوله قال ذلك ظناً أي قال ذلك لما رآه من الإمارات على طريق الظن، وقوله لقوله باللام دليل لا تشبيه، وفي نسخة كقوله بالكاف، ومبدأ الشرّ القوّة الشهوية والغضبية، ومبدأ الخير ألعقل، وقوله سمعه من الملائكة فيكون علماً لا ظنا وهذا إشارة إلى تأثير إغوائه في غير القليل الذين قال الله فيهم: {فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
} [سورة سبأ، الآية: 20] ولم يفرّعه لأنه بمقتضى الجبلة لا بمجرّد إغوائه. قوله: (مذؤما مذموماً من ذأمه الخ) مذؤما حال وكذا مدحورا أو هو صفة، وفسر مذؤما بمعنى مذموما وفسره الليث بمحقراً، وفي فعله لغتان ذأمه يذأمه بالهمزة كرامه يرأمه وذامه يذيمه بالألف كباعه يبيعه ومصدر المهموز أم كرأس ومصدر المعتل ذام كقال وبهما روي المثل إن تعدم الحسناء ذاماً، والذأم العيب وقال ابن قتيبة: الذم والقراءة المشهورة مذؤماً بالهمز كمسؤلاً من ذأمه، وقرئ مذوما بذال مضمومة وواو ساكنة وهي تحتمل أن تكون مخففة
من المهموز بنقل حركة الهمزة إلى الساكن ثم حذفها، وأن تكون من المعتل وكان قياسه مذيم كبيع إلا أنه أبدلت الواو من الياء على حذ قولهم مكول في مكيل مع أنه من الكيل، والدحر الطرد وضمير منها للسماء كما في قوله:{اهْبِطْ مِنْهَا} [سررة الأعراف، الآية: 13، وقيل هو للجنة وهو الأصح عند الأكثر. قوله: (اللام فيه لتوطئة القسم وجوابه الخ (في الكشاف واللام في لمن تبعك موطثة للقسم ولأملأنّ جوابه وهو ساد مسد جواب الشرط منكم بمعنى منك ومنهم فغلب ضمير المخاطب كما في توله: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 138] وروي عصمة عن عاصم رحمه الله لمن تبعك بكسر اللام بمعنى لمن تبعك منهم هذا الوعيد، وهو قوله لأملأن جهنم منكم أجمعين على أنّ لأملأنّ في محل الابتداء ولمن تبعك خبره اهـ وفي الدرّ المصون في من وجهان أظهرهما أنها دخل عليها لام موطئة وتسمى موذنة جواب قسم محذوف، ومن شرطية في محل رفع مبتدأ ولأملأنّ جواب قسم ساد مسد جواب الشرط الثاني أنّ اللام لام ابتداء ومن موصولة صلتها تبعك في محل رفع بالابتداء خبرها لأملأنّ وقرئ شاذاً عن عاصم لمن بكسر اللام على أنها متعلقة بقوله لأملأنّ ورد بأنّ لام القسم
لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، والثاني أنها متعلقة بالذأم والدحر على التنازع واعمال الثاني أي اخرج بهاتين الصفتين لأجل اتباعك، الثالث أنّ الجار والمجرور خبر مبتدأ محذوف يقدر مؤخراً أي لمن تبعك هذا الوعيد الدال عليه قوله: لأملأنّ الخ لأنّ القسم وجوابه وعيد، وهو مراد الزمخشريّ بقوله على أنّ لأملأن في محل الابتداء ولمن تبعك خبره فقول أبي حيان رحمه الله: إن أراد ظاهره فهو خطأ لأن قوله لأملأنّ جملة جواب قسم محذوف فمن حيث كونها جملة لا يجوز أن تكون مبتدأ ومن حيث كونها جواب قسم يمتنع أيضا لأنها لا موضمع لها ومن حيث كونها مبتدأ لها موضع ويمتنع في شيء واحد أن يكون له موضع، ولا موضع له وهو محال، وهذا بعد قول الزمخشري إنّ معناه لمن تبعك منهم هذا الوعيد وهو لأملأنّ كيف يتردّد بعد هذا مع تصريحه بمراده وتأويله، وأمّا قوله على أنّ لأملأنّ في محل الابتداء فإنما قاله لأنه دال على الوعيد الذي هو في محل ابتداء فنسب إلى الدال ما نسب للمدلول معنى، وقول الشيخ ومن حيث كونها جواب قسم الخ تحامل عليه لأنه لا يريد جملة الجواب فقط البتة إنما أراد الجملة القسمية برمّتها وإنما استغنى بذكرها عن ذكر قسمها لأنها ملفوظ بها وقد تقدم ما يشبه هذا، وقوله ويمتنع في شيء واحد أن يكون له موضعولا موضع له جوابه ظاهر (أقول (ذهب إلى أنه محكيّ هنا ورد بأن الحكاية تقتضي تقدم الوعيد، وليس كذلك ولا يخفى ما في هذا كله من التعسف من غير داع له فتدبر. قوله: (أي وقلنا يا آدم (لم يعطفه على ما بعد قال: أي قال يا إبليس أخرج، ويا آدم اسكن لأنّ ذلك في مقام الاستئناف والجزاء لما حلف عليه إبليس من القعود على الصراط الخ، وهذا من تتمة الامتنان على بني آدم والكرامة لأبيهم وإنما لم يجعل عطفا على ما بعد قلنا لأنه يؤول إلى قلنا للملائكة يا آدم فقدر قلنا لتكون الجملة عطفاً على قلنا للملائكة، وهذا هو الذي يقتضيه انتظام السياق كما قرّره النحرير، وما قيل إن الترتيب يقتضي عطفه على ما بعد قال فإنّ هذا الأمر لهما ليس إلا بعد الأمر له بالخروج جزاء لما حلف عليه بعد المقابلة أي قال له اخرج غضبا عليه، ولذلك أسكن تكريما له على تلوين الخطاب مع ما فيه من القرب فخلاف الظاهر، وان كان له وجه والكلام في أسكن أنت وعطفه مرّ تحقيقه في سورة البقرة. قوله: (وهو الآصل لتصغيره على ذيا (يعني أصله ذي والهاء عوض عن الياء المحذوفة لا هاء سكت بدليل تصغيره فإنه يدل على ذلك، قال ابن جني رحمه الله: يدل على أنّ الأصل هو الياء قولهم في المذكر ذا والألف بدل من الياء إذ الأصل ذيّ بالتشديد بدليل تحقيره على ذيا، وإنما يحقر الثلاثي دون الثنائي كما ومن فحذفت إحدى الياءين تخفيفا ثم أبدلت الأخرى ألفا كراهة أن يشبه آخره آخر كي. ثوله: (فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم
الخ) يعني كان بمعنى صار وأل موصولة ومفعول ظالمين مقدر وهو أنفسهم لأنهما بالأكل إنما ظلما أنفسهما، ومن الظالمين أبلغ من ظالمين كما مرّ، والجزم والنصب بعطفه على تقرباً وجعله جواب النهي ظاهر. قوله:(أي فعل الوسوسة لأجلهما الخ) فالفرق بين وسوس له، ووسوس إليه أن وسوس
له بمعنى لأجله فاللام ليست صلة، وقال الجوهرفي: إنها لة بمعنى إلى ومعناه ألقى إليه الوسوسة والوسوسة الصوت الخفيّ المكرّر، ولذا قيل الصوت الحلي وسوسة أيضا كما قال:
قالوا كلامك وسواس هذيت به وقد يقال لصوت الحلي وسواس
وفعللة تكثر في الأصوات كهينمة وهمهمة للصوت الخفيّ، وخشخشة للصوت الحاصل
من تحريك سلاح ونحوه، ووسوس لازم ويقال رجل موسوس بكسر الواو ولا تفتح كما قاله ابن الأعرابي: وقال غيره يقال موسوس له وموسوس إليه فيكون موسوس بالفتح على الحذف والإيصال، والوسوسة أيضا حديث النفس، وقال الأزهريّ: وسوس ووزوز بمعنى. قوله: (واللام للعاقبة أو للغرض الخ) من ذصب إلى أنها للعاقبة لأنه لم يعلم صدوره منهما ومن ذهب إلى أنها للتعليل لأنه الأصل فيها ويجوز قصد ذلك بناء على حدسه أو علمه بطريق من الطرق كما سبق في قوله: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 17] وقوله ولذلك أي لكون كشف الفرج بسوء صاحبه سمته العرب. سوأة، وقوله وفيه دليل الخ وجه الدلالة أنّ ذلك قصد به الإساءة إليهما فلولا أنه كدّلك لم تكن إساءة وليس هذا مبنياً على الحسن والقبح العقليين الذي هو مذهب المعتزلة ولذلك لما ذكره الزمخشرفي ميلاً لمذهبه قال النحرير رحمه الله: إن أراد أنّ القبح يكون مذموماً في حكم الله سواء ورد به الشرع أولاً فلا دلالة للنظم عليه أو بمعنى كراهة الطبع، وعدم ملاءمة العقول السليمة فلا نزاع ولا خلاف في أنّ مثله لا يتوقف على الشرع. قوله:(وكانا لا يريانها الخ) بيان لكونها مغطاة عنهما وجمع العورات على حد صغت قلوبكما. قوله: (وإنما لم تقلب الواو المضمومة الخ) ووري بواوين ماضي واري
المجهول كضارب وضورب أبدلت ألفه واواً قالوا والأولى فاء الكلمة والثانية زائدة وقرئ أورى بالهمزة لأنّ القاعدة إذا اجتمع واوان في أول كلمة فإن تحركت الثانية أو كان لها نظير متحرّك وجب إبدال الأولى همزة تخفيفاً مثال الأوّل أو يصل وأواصل في تصغير واصل وتكسيره، ومثال الثاني أولى أصله وولى فأبدلت لما تحركت الثانية في الجمع وهو أول فإن لم تتحرّك بالفعل أو القوّة جاز الإبدال كما هنا، كذا قرّره النحاة فلا وجه لتردّد النحرير فيه: ومعنى المواراة الستر، وقرئ سوأتهما بالإفراد والهمز على الأصل وبإبدال الهمزة واواً وإدغامها، وقرئ بالجمع على الأصل وبطرح حركة الهمزة على ما قبلها وحذفها وبقلبها واواً وادغامها، وهي إمّا من وضع الجمع موضع التثنية أو لإدخال الدبر في السوأة وقوله وبقلبها أي قرئ بقلب الهمزة واوا وادغامها فيصير اللفظ سوّآتهما بتشديد الواو فليس في كلامه خلل كما توهم. قوله:(1! راهة أن تكونا) يعني أنه استثناء مفرغ من المفعول لأجله بتقدير مضاف أو حذف حرف النفي ليكون علة كما عرف في أمثاله، وأمّا عدم التقدير على أنه سبب بعيد فخلاف الظاهر المشهور. قوله:(الذين لا يموتون أو يخلدون الخ) أي المراد من الخلود عدم الموت اصلا أو الخلود العارض بعد الموت بدخول الجنة، واستدل بهذه الآية على فضل الملائكة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وفي الكشاف على البشر ووجهه أنه لما قال: أن تصير ملكا أو تكون في مرتبة الملك كما لا قرّر ذلك ولم ينكر عليه وأبضاً ارتكب آدم عليه الصلاة والسلام المنهي عنه طمعا في ذلك، فلولا أنه أفضل لم يرتكبه فليس الاسندلال بمجرّد قول إبليس وإنما قال الزمخشريّ على البشر لأنه لم يكن نبياً في الجنة والمصنف رحمه الله تعالى نظر إلى ما يؤول إليه. قوله:(وجوابه الخ) هو ظاهر لأنه قد يكون في المفضول ما ليس في الفاضل فلا ي! ل على التفضيل من كل الوجوه، وأيضا إن رغبتهما كانت في الخلود فقط وقيل على قوله إنّ الحقائق لا تنقلب إنه لا مانع منه عند الأشاعرة لتجانس الأجسام فإما أن يكون هذا مختاره أو إلزاما لهم على مذهبهم فتأمّل. قوله: (وأخرجه على رنة المفاعلة الخ الما كان القسم من جانب واحد، والمفاعلة تقتضي صدوره من الجانبين قيل إنه بمعنى أقسم وإنما عبر بالمفاعلة للمبالغة لأنّ من يباري أحداً في فعل يجد فيه فاستعمل في لازمه، أو أنه وقع من الجانبين ولكنه اختلف متعلقه فهو أقسم على النصح وهما على القبول، وفي الانتصاف في إنما يتم لو لم يذكر المقسم عليه، وهو النصيحة أمّا إذا ذكر فلا يتم إلا إذا سمي
قبول النصح نصحاً لمقابلته له كما قيل في وواعدنا موسى أو أنه تجوز المفاعلة، وان لم يتحد المتعلق لكن كونه
حقيقة بعيد. قوله: (وقيل أقسماً الخ) قيل فيكون فيه لف لأنّ آدم وحواء لا يقسمان بلفظ التكلم بل بلفظ الخطاب، وقيل إنه إلى التغليب أقرب، وقيل إنه لا حاجة إليه بأن يكون المعنى حلفا عليه بأن يقول لهما إني لكما لمن الناصحين. قوله:(فنزلهما الخ) أي أنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبه المعصية بسبب تغريرهما بقسمه من دلي الدلو في البئر، وعن الأزهريّ أنّ معناه أطمعهما وأصله من تدلية العطشان شيئا من البئر فلا يجد فيها ما يشفي غليله وقيل من الدلّ وهو الجراءة أي فجرّأهما كما قال:
أظن الحلم دلّ عليّ قومي وقد! جيل الرجل الحليم
فأبدل أحد حرفي التضعيف ياء. قوله:) بما غرّهما به من القسم الخ (يعني الباء للمصاحبة أو الملابسة وهو حال من الفاعل أو المفعول ولا حاجة إلى جعل الغرور مجازا عن القسم لأنه سبب له كما قيل. قوله: (فلما وجدا طعمهما آخذين في ا! ل الخ الما كان الذوق وجود الطعم بالفم وقد يعبر به عن ا! ل اليسير فسره بهذا لأنه وقع في آية أخرى مصرحاً بالأكل فيها، والتهافت التساقط ويخص بما يكره، والسنبلة من الحنطة معروفة، وقوله: (ظفرا) أي شيئا كالظفر ساتراً لبدنهما. قوله:) أخذا يرقعان الخ (إشارة إلى أنّ طفق من أفعال الشروع الدالة على الأخذ في الفعل، ولذا لا تدخل أن على خبرها وهي بكسر الفاء في الأفصح وقد تفتح واً صل معنى الخصف الخرز في طاقات النعال، ونحوها بإلصاق بعضها ببعض فالمراد يلصقان بها، ولهذه القصة عنى العباس رضي الله عنه الجنة في قوله يمدح النبيّ يرو:
من قبلهاطبت في الظلال وفي مستوح حيث يخصف الورق
والمعنى يخصفان على سوآتهما، أو على بدنهما لما تقرّر في العربية أنه لا يتعدى فعل الظاهر أو المضمر إلى ضميره بواسطة أو بدونها فأما أن يكون في الكلام مضاف مقدر أو يكون ضمير عليهما عائدا على السوأتين كما قاله أبو حيان. قوله: (وقرئ يخصفان من أخصف أي
يخصفان أنفسهما) قال الجاربردي لما نقل خصف إلى أخصف للتعدية ضمن الفعل معنى التصيير فصار الفاعل في المعنى مفعولاً لتصيير فاعلاً لأصل الفعل فيكون التقدير يخصفان أنفسهما عليهما من ورق الجنة فحذف مفعول التصيير ومن للتبعيض اهـ وقد جوز فيه أن يكون خصف وأخصف بمعنى، ويخصفان من خصف المشدد بفتح الخاء على الأصل، وقد ضمت اتباعا للياء وهي قراءة عسرة النطق، ويخصفان بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد من الافتعال وأصله يختصفان سكنت التاء وأدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين ونظيره يهدي، ويخصمون وفتح الخاء يعقوب رحمه الله. قوله:(عتاب على مخالفة النهي) هو من قوله ألم أنهكما وتوبيخ على الاغترار بقول العدوّ من توله وأقل لكما إنّ الشيطان الخ وقوله: (وفيه دليل على أنّ مطلق النهي للتحريم) أي النهي إذا ورد مطلقا من غير تقييد بتحريم صريحا أو تلويحا يدل على ذلك كقوله أنهكما هنا إذ لم يقل نهي تحريم، والدليل على إرادة التحريم منه اللوم الشديد عليه وندمهما واستغفارهما من ذلك فلذلك استدل به على عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصحيح خلافه، وقد أجاب المصنف رحمه الله عنه في البقرة بأنه للتنزبه وأنّ ندمهما واستغفارهما لترك الأولى فكيف ذكر هنا أنه دليل على التحريم مع احتمال التنزيه، والجواب عنه أنه لم يقل النهي للتحريم بل مطلق النهي وهو ما لم يكن معه قرينة حالية أو مقالية تدل على خلافه، ولذا قيل إنّ قوله وأقل لكما إنّ الشيطان لكما عدوّ مبين مقارن للنهي فليس مطلقا. قوله:(وإن لم تففر لنا الآية) هذا شرط حذف جوابه لدلالة جواب القسم المقدر عليه فإن قبل حرف الشرط لام توطئة مقدرة كما في قوله تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ} [سورة المائدة، الآية: 73] ويدل على ذلك ورود لام التوطئة قبل أداة الشرط في كلامهم كذا قاله المعرب ومنه يعلم أنّ قول المصنفين في تراكيبهم والا لكان كذا كلام صحيح لأنّ لام التوطئة يطرد حذفها فلا عبرة بما قيل إنه خطأ فتأمل. قوله: (دليل على أن الصغائر الخ) قيل عليه إنه يحتمل أن يكون قول آدم صلى الله عليه وسلم مبنياً على ظن أنّ ما فعله كبيرة كما يوهمه ظاهر المؤاخذة فلا دلالة فيه على ما ذكر.
(قلت) الفرق بيته وبين ما ذكره
المصنف رحمه الله يسير فهو كالصيد من المقلي فتدبر. قوله: (الخطاب لآدم وحواء وفوّيتهما الخ) هذا على عادته كصاحب الكشاف إنه إذا كان في
النظم تفاسير أو احتمالات ذكر بعضها في موضع، وبعضها في آخر مع التنبيه على المختار وتركه فلا يرد عليه إنه قال في سورة البقرة إن الخطاب لآدم وحواء لقوله فاهبطا، وضمير الجمع لكونهما أصل البشر فكأنهم هم، ولك أن تقول هو عين ما ذكر لأنّ ذريتهم لم تكن موجودة حال الخطاب فتامّل، وقوله:(وكرّر الخ) يعني إبليس أخرج أولاً وأمره هنا ثانيا إشارة إلى عدم انفكاكه عن جنسهما في الدنيا، وقد قيل إنه أخرج منها ثانيا بعدما كان يدخلها للوسوسة أو من السماء، وقوله:(أو اخبر الخ (حاصله أنّ الأمر وقع مفرقا وهذا نقل له بالمعنى واجمال له. توله: (في موقع الحال أي متعادين) قد مرّ تفصيله في قوله أو هم قائلون، وقد قيل عليه إنه ينافي ما سبق من قوله وأما جاءني زيد هو فارس فخبيث لا يقال هنا أوّل الجملة بمفرد حيث قال: أي متعادين كما أن قولهم كلمته فوه إلى فيّ في معنى مشافها، فلا يحتاج إلى الواو، لأنا نقول لو صح هذا التأويل لجرى في جميع الجمل الاسمية فيقال هم قائلون في تقدير قائلين، وهو فارس في تقدير فارسا فالوجه أن يحمل قوله بعضكم لبعض عدوّ على الاستئناف كأنهم لما أمروا بالهبوط سألوا كيف يكون حالنا فأجيبوا بأنّ بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقرّ ومتاع إلى حين، ورد كما مرّ تحقيقه بأنه إشارةءلى تنزيل الجملة الاسمية الحالية منزلة المفرد ليحسن ترك الواو وفسر المعاداة على وجه لا يوهم معاداة آدم عليه الصلاة والسلام لحواء، وبالعكس وليس كقولك جاءني زيد وهو فارس في معنى جاءني فارسأ لما أشار إليه الثيخ عبد القاهر من الفرق بين جاء زيد كذلك، وجاء وهو كذلك بأنّ لهذا نوع ابتداء واستئناف (قلت) هو كما قال: وقد فصله السبكيّ في أشباهه، وقال: إنّ المفرد يقتضي تجذد المقارنة والجملة لا تقتضي ذلك فكأنه استئناف لبيان ما هو عليه من الحال فلو قال لله عليّ أن أعتكف وأنا صائم أو صائما وفي نذره في الأولى بالاعتكاف في رمضان بخلاف الثاني وقد ذكره النحرير: هنا بطريق البحث وهو مما صرّح به غيره ولشيخ مشايخنا ابن قاسم فيه بحث، وقوله استقرار الخ أي هو مصدر ميمي أو اسم مكان كما مرّ. قوله:(إلى تقضي آجالكم) وفي البقرة تفسيره بالقيامة أيضا لأنه متعلق بما تعلق به الظرف الواقع خبرا فإن نظر إلى كونه مستقرا كانت الغاية القيامة وان نظر إلى التمتع أو المجموع كانت الموت، ويجوز اعتبار كل منهما على كلا الوجهين وقد مرّ تحقيقه هناك. قوله:(وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان ومنها تخرجون) بفتح التاء وضم الراء هنا وفي الزخرف قرئت في مواضع مبنية للفاعل، وفي أخرى للمفعول وتفصيله في كتب القراآت، وفي الدر المصون فائدة هنا في قوله:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [سورة الأعراف، الآية: 23] إنه حذف حرف النداء لتعظيم المنادى وتنزيهه قال مكيّ:
كثر نداء الرب بحذف يا منه في القرآن وعلة ذلك أنّ في حذف يا من نداء الرب معنى التعظيم والتنزبه، وذلك أنّ النداء فيه طرف من معنى الأمر لأنك إذا قلت يا زيد فمعناه تعال فحذفت لتزول صورة الأمر وهذه نكتة جليلة. قوله:(أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية الخ) قال ابن فارس في فقه اللغة الضاحي معناه خلقنا لأنّ الأنعام لا تقوم إلا بالنبات، والنبات لا يقوم إلا بالماء والله تعالى ينزل الماء من السماء، ومثله:{قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} [سورة الأعراف، الآية: 26] وهو تعالى إنما أنزل الماء لكن اللباس من القطن، وهو لا يكون إلا بالماء ا! وهذا التفسير منقول عن الحسن رحمه الله وما ذكره هنا هو حاصل ما قال في سورة الزمر في تفسير قوله تعالى:{وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [سورة الزمر، الآية: 6] وقضى أو قسم لكم فإنّ قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث كتب في اللوح المحفوظ أو أحدث لكم بأسباب نازلة منها كأشعة الكواكب والأمطار اهـ، والتجوز الظاهر أنه في المسند، ويحتمل أن يكون في اللباس أو الإسناد ويواري ترشيح في بعضها وقوله التي قصد الشيطان الخ يريد أن إبداء سوآتهما موجب لإبداء سوآتنا فهو كالقاصد لذلك ولو لم يخلق الله اللباس لتحقق ما أراده، وقوله:(روي أنّ العرب الخ) أخرجه المحدثون وهو في صجح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل إنهم كانوا يفعلونه تفاؤلاً
بالتعرّي عن الذنوب والآثام، وفي السير أنهم كانوا يلبسون ثياب قريش فمن لم يجدها طاف عريانا. قوله:(ولباساً تتجملون به الخ) فعطفه إمّا من عطف الصفات فوصف اللباس بثيئين مواراة السوأة والزينة فالريش بمعنى الزينة لأنه زينة الطير فاستعير منه ويحتمل أنه من عطف الشيء على غيره أي أنزلنا لباسين لباص مواراة ولباس زينة فيكون مما حذف فيه الموصوف أي لباساً ريشاً أي ذا ريش والريش مشترك بين الاسم والمصدر، وقرئ رياشا وهو مصدر كاللباس أو جمع رائش. قوله:) خثية الله الخ) ففي الوجهين الأوّلين مجازاً ومشاكلة وفي الأخير حقيقة. قوله: (ورفعه بالابتداء وخبره ذلك خير) أي الجملة خبره والرابط اسم الإشارة لأنه يكون رابطا كالضمير أو خير خبر، وذلك صفة لباس
التقوى كما قاله الزمخشري: وقد سبقه إليه الزجاج وابن الأنباري وغيره، واعترض عليه الحوفي بأن الأسماء المبهمة أعرف من المعرف باللام ومما أضيف إليه، والنعت لا بد أن يساوي المنعوت في رتبة التعريف أو يكون أقل منه ولا يجوز أن يكون أعرف منه كما صرّح به النحاة، فلذا قيل إنه بدل أو بيان لا نعت، وأجاب عنه المعرب بأنه غير متفق عليه فإنّ تعريف اسم الإشارة لكونه بالإشارة الحسية الخارجية عن الوضع قيل إنه أنقص من ذي اللام، والمصنف رحمه الله أشار إلى جواب وهو أنه بمعنى المعرف باللام فيكون في مرتبته، وقد قيل إنّ ال موصولة فتتساوى رتبتهما وفيه نظر، وقد قيل إنّ ذلك لا محل له من الإعراب وهو فصل كالضمير، وهو غريب قيل لم يسبق إليه وقد سبقه له أبو عليّ في الحجة والإشارة بالبعيد للتعظيم بتنزيل البعد الرتبي منزلة الحسيّ، ثم إن كانت الإشارة للباس المواري فلباس التقوى حقيقة والإضافة لأدنى ملابسة وإن كانت للباس التقوى فهو استعارة مكنية وتخييلية بأن يتوهم للتقوى حالة شبيهة باللباس تشتمل على جميع بدنه بحسب الورع والخشية من الله اشتمال اللباس على اللابس ليست حال خارجية بل صورة وهمية كما في قوله تعالى:{فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} أسورة النحل، الآية: 112] قاله العلامة: أو من قبيل لجين الماء وعلى قراءة النصب يكون اللباس المنزل ثلاثة أو يفسر لباس التقوى بلباس الحرب فقط أو يجعل الإنزال مشاكلة فتأمّل. قوله: (أي إنزال اللباس) المتقدم كله أو الأخير لقربه وقوله فيعرفون عطف على يذكرون ويتعظون عطف عليه ويتورّعون مفرّع على يتعظون أو فيعرفون تفريع على يذكرون مشاراً إلى يرفعه فقوله فيتورّعون تفريع على يتعظون في مقابلة فيعرفون نعمته فتأئل، وقوله الدالة على فضله ورحمته إشارة إلى أنّ الآيات هنا بمعنى الأدلة. قوله:(لا يمحننكم) تقدم أنّ الفتنة معناها التخليص من الغش وأنها تطلق على الابتلاء والإضلال، وهو المراد وهذا نهي للشيطان في الصورة والمراد نهي المخاطبين عن متابعته وفعل ما يقود إلى فتنته كما تقدم تحقيقه في قوله:{فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} [سورة الأعراف، الآية: 2] والقراءة المشهورة بفتح حرف المضارعة وقرئ بضمها من أفتنة حمله على الفتنة وقرئ بغير توكيد أيضا. قوله: (كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها الخ) يعني أنّ قوله كما أخرج وضعموضع كما فتن وضعاً للسبب موضحع المسبب أي أوقعهما في المحن والبلاء بسبب الإخراج ويجوز أن يكون التقدير لا يفتننكم فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم أو لا يخرجنكم بفتنته إخراجا مثل إخراجه أبويكم ولا منافاة بين كون الهبوط عقاباً على تلك الزلة وكونه لجعله خليفة لأنّ من العقاب ما يترتب عليه
الأنعام فتأمّل. قوله: (حال من أبويكم أو من فاعل أخرج الاشتماله على ضميريهما وكل منهما صحيح معنى والصناعة مساعدة عليه ولفظ المضارع قالوا إنه لحكاية الحال الماضية لأنها قد تقضت وانقطعت، وردّ بأنه ليس على حكاية الحال الماضية على ما توهم وان كان الأمر كذلك يعني أنه يقارن الإخراج في البقاء، وهو كاف في مقارنة الحال لعاملها وليس بوارد لأن النزع السلب وهو ماض بالنسبة إلى الإخراج وإنما الباقي عريهما والإسناد إليه مجازي لكونه سببا في ذلك إذ لم ينزعه عنهما وهو ظاهر، وقوله: (تعليل للنهي) كما هو معروف في الجملة المصدرة بأنّ في أمثاله، وتأكيد للتحذير لأنّ العدوّ إذا أتى من حيث لا يرى كان أشد وأخوف. قوله:(ورؤيتهم إيانا الخ) ردّ على الزمخشري وغيره من المعتزلة المنكرين لرؤية الجن لرقة أجسامهم ولطافتها
لمان كانوا يروننا لكثافة أجسامنا، وقد ثبتت رؤيتهم بالأحاديث الصحيحة المشهورة وهي لا تعارض نص القرآن هنا كما قالوا لأنّ المنفيّ فيه رؤيتهم إذا لم يتمثلوا لنا كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو تأكيد للضمير المستتر، وقبيله في قراءة الرفع معطوف عليه لا على البارز لأنه لا يصح للتأكيد، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ولا حاجة إلى القول بأنه عطف على محل اسم أنّ، وعلى قراءة النصب فهو عطف على اسم إن والضمير لا يلبس لا للشأن كما في الكشاف لأنه لا يصح العطف عليه ولا يتبع بتابع، أو الواو واو مع، والقبيل الجماعة، فإن كانوا من أب واحد فهم قبيلة، ومن لابتداء الغاية وحيث ظرف لمكان انتفاء الرؤية وجملة لا ترونهم في محل جرّ بالإضافة، ونقل عن أبي إسحاق أنّ حيث موصولة وما بعدها صلة لها ورده أبو عليّ الفارسيّ بأنه لم يقل به أحد غيره إلا أن يريد أنه كالموصول والصلة وهذه القضية عامّة مطلقة لا دائمة فلا تدل على ما ذكره المعتزلة. قوله:(بما أوجدنا بينهم الخ) أي الموالاة عبارة عما يتسبب عن هذا إذ لا موالاة بينهم حقيقة، وقوله مقصود القصة أي السابقة على هذه فهي جملة مستأنفة ويجوز أن يقصد بها التعليل أيضا والفذلكة الإجمال كما مرّ. قوله:(اعتذروا واحتجوا الخ) أعرض عن الأوّل لأنه غنيّ عن الرذ والمراد أعرض! عن التصريح بردّه، والا فقوله إنّ الله لا يأمر بالفحشاء متضمن لرذه لأنه إذا أمر بمحاسن الأفعال فكيف يترك أمره لمجرّد اتباع الآباء فيما هو قبيح عقلا فلا ينافي هذا قوله فيما سيأتي وعلى الوجهين يمتنع التقليد، وقال الإمام ة لم يذكر جوابا عن حجتهم الأولى لأنها
إشارة إلى محض التقليد، وقد تقرّر في المعقول إنه طريقة فاسدة لأنّ التقليد حاصل في الأديان المتناقضة فلو كان التقليد حقا لزم القول بحقية الأديان المتناقضة فلما كان فساده ظاهراً لم يذكره الله. قوله:(لأنّ عادته سبحانه وتعالى جرت الخ) أي عادة الله جرت على الأمر بمحاسنها وهو اللاق بالحكمة المقتضية أن لا يتخلف فلا يتوهم أنه لا يستلزم نفي أمره بالفحشاء حتى يتم الاستدلال فالأولى أن يقول وعادته جرت الخ، وقوله:(ولا دلالة الخ) يعني لا دلالة على القبح العقلي بالمعنى المتنازع فيه، وهو كون الشيء متعلق الذمّ قبل ورود النهي عنه بل بمعنى نفرة الطبع السليم ولا نزاع فيه كما حقق في الأصول، وقوله والله أمرنا بها أي أمر آباءنا ففيه مضاف مقدر فلا يقال الظاهر أمرهم بها والعدول عن الظاهر إشارة إلى ادّعاء أنّ أمر آبائهم أمر لهم. قوله:(وعلى الوجهين يمتنع التقليد إذا قام الدليل الخ) أي على تقدير كونه جوابا أو جوابين أما على الأوّل فلأنهم قلدوهم فيما أمر الله بخلافه وكذا على الثاني، فلا دلالة في الآية على المنع من التقليد مطلقا، ولا على عدم صحة إيمان انمقلد. قوله:(إنكار يتضمن النهي عن الافتراء على الله تعالى) لأنّ الافتراء تعمد الكذب فإذا أنكر القول من غير علم فإنكار ما علم خلافه يثبت بالطريق الأولى والإنكار إمّا بمعنى إنه لا ينبغي ذلك أو لم يكن والأوّل ظاهر والظاهر المراد منه النهي عنه، ولا دليل في الآية لمن نفى القياس بناء على أنّ ما يثبت به مظنون لا معلوم، لأنه مخصوص من عمومها بإجماع الصحابة، ومن يعتد به أو بدليل آخر، وقيل المراد بالعلم ما يشمل الظن وتفصيله في الأصول. قوله:(بالعدل الخ) تفسير للقسط ومنه القسطاس للميزان، وقوله: وتوجهوا إلى عبادته أي إقامة الوجه كناية عن التوجه إليه دون غيره. قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} فيه وجهان فقيل إنه معطوف على الأمر الذي ينحل إليه المصدر مع إن أي بأن اقسطوا، والمصدر ينحل إلى الماضي والمضارع والأمر كما نقله المعرب، وقول الزمشخريّ: وقل أقيموا وجوهكم أي اقصدوا عبادته يحتمل أنّ قل مقدر غير الملفوظ به فيكون أقيموا مقولاً له، وأن يكون معطوفا على أمر ربي المقول لقل الملفوظ بها، وقال النحرير: قدره لأنه لو عطف على أمر ربي لكان ظاهره عطف الإنشاء على الخبر وان كان
على سبيل الحكاية وتأويل مثله شائع، ولو لم يقدّر لا وهم أنّ مقول قل هو مجموع أمر ربي وأقيموا وفيه نظر، ويجوز أن يكون معطوفا على محذوف تقديره قل اقبلوا وأقيموا، وتال الجرجاني: الأمر معطوف على الخبر، لأنّ المقصود لفظه، أو لأنه إنشاء معنى. قوله:(في وقت كل سجود أو مكانه الخ) يعني أنّ مسجداً هنا يحتمل أن يكون مكانا أو زمانا
وكان من حق مسجد فتح العين لضمها في المضارع، وله أخوات في الشذوذ مذكورة في التصريف ويحتمل أنه إشارة إلى أنه مصدر ميمي، والوقت مقدر أو اسم مكان كني به عن الصلاة واليه الإشارة بقوله وهو الصلاة، وقيل: إنه إشارة إلى أنّ عند بمعنى في والمسجد اسم زمان أو مكان بالمعنى اللغوي وهو أي السجود على الوجهين مجاز عن الصلاة لا إلى أنه مصدر ميمي والوقت مقدر قبله كما توهم. قوله: (أو في أيّ مسجد حضرتكم الصلاة الخ) عطف على قوله في كل وقت سجود والمسجد بالمعنى المصطلح، ففيه ثلاثة وجوه ويكون الأمر للوجوب على الأوّلين وللندب على الثالث وهو لا يناسب المقام، وقوله واعبدوه إشارة إلى أنّ الدعاء بمعنى العبادة لتضمنها له، والدين بمعناه اللغوي وهو الطاعة، وقوله فإنّ إليه مصيركم أي رجوعكم مأخوذ من قوله تعودون بعده وبيان لارتباطه به وأنه مذكور للتعليل. قوله:(كما أنشثم ابتداء تعودون بإعادته الخ) إنما قال تعودون ولم يقل نعيدكم إشارة إلى أنّ الإعادة دون البدء من غير مادّة ولذا فسر بدأكم بأنشأكم حتى كأنه عاد بنفسه بحيث لو تصوّر الاستغناء عن الفاعل لكان في الإعادة دون البدء فهو كقوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [سورة الروم، الآية: 27] سواء كانت الإعادة الإيجاد بعد الإعدام بالكلية أو بجمع متفرّق الأجزاء، وقول المصنف باعادته بيان للواقع ورتب المجازاة عليه إشارة إلى أنه المقصود من ذلك ليرتبط بما قبله وما بعده. قوله:(وإنما شبه الإعادة بالإبداء الخ) وجه التقرير والتحقيق ما مر من أنّ الإعادة بالنسبة إلى المخلوقين أسهل من الإبداء فذكر على المتعارف، وغر لا بغين معجمة وراء مهملة تقدم معناه. قوله:(وقيل كما بدكم مؤمناً وكافرا) هذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما فيكون كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} ويكون ما بعده تفسيراً وتفصيلا له، قيل وهو أنسب بالسياق لأنهم أمرهم بالإخلاص وأشار إلى أنه لا يتيسر له ذلك إلا من قدر له السعادة فإنه قضى بالسعادة والشقاوة، وتوله مؤمناً وكافراً فيه تسمح أي فريقاً مؤمنا وفريقاً كافراً والمعنى خلقكم منقسمين إلى ذلك. قوله: (بمقتضى القضاء السابق الخ (أي بينت الهداية
والضلالة بمقتضى القضاء الأزلي، وهو عندنا إرادة الله الأزلية المتعلقة بالأشياء على ها هي عليه فيما لا يزال، وعند الفلاسفة علمه بما ينبغي أن تكون عليه الأشياء وعدل عن تفسير الزمخشريّ فإنهم ينكرون القضاء في أفعال العباد الاختياربة ويثبتون علمه بها وتحقيقه في أصول الدين. قوله:(وانتصابه بفعل يفسره ما بعده) أي انتصاب فريقا الثاني وانتصاب الأوّل بهدي وقدّم عليه للتخصيص فالمناسب تقدير العامل في الثاني مؤخرا أيضاً والجملتان حال بتقدير قد أو مستأنفة، ويجوز نصبهما على الحال من ضمير تعودون والجملتان بعدهما صفتان لهما ويؤيده قراءة أبيّ رضي الله عنه تعودون فريقين فريقاً هدي وفريقا الخ والمنصوب بدل أو منصوب بأعني مقدراً. قوله:(أي وخذل) تبع فيه الزمخشريّ وقد قيل عليه لا ضرورة في تفسير الهداية بالتوفيق للإيمان، وأما جعل المضمر المفسر خذل دون أضل مع أنه الظاهر الملائم لهدي وحقت عليهم الضلالة فاعتزال، ولك أن تقول أنّ المصنف رحمه الله لم يرد ما قصده الزمخشريّ فإن التوفيق للإيمان هداية ومن أضله الله فهو مخذوف والخذلان ترك النصر فلما اتخذوا الشياطين أولياء يستندون إليهم وكلهم الله إليهم ولم ينصرهم، وإنما فسره به لدلالة ما بعده عليه فتأمّله. قوله:(تعليل لخذلانهم) إشارة إلى ما حققناه، ويؤيده أنه قرئ إنهم بالفتح وهي نص في التعليل فلذا اختاره المصنف رحمه الله، وقوله:(أو تحقيق لضلالهم (أي تأكيد له لأنّ الخذلان يستلزم الضلالة والجملة مستأنفة ولم يسند الإضلال إليه تعالى وان كان هو الفاعل له تعليماً للأدب. قوله: (يدل على أنّ الكاقر المخطئ الخ) وجه الدلالة أنه ذكر أوّلاً من وإلى الشياطين عادلاً عن الله وهم المعاندون ثم ذمّ من ظن منهم أنّ ما هو عليه حق وهدى، وهو المخطئ، فلا يرد عليه أنّ من حسب أنه مهتد كيف يكون معاندا فيتكلف جوابه، وقيل إن من حقت عليه الضلالة في مقابلة من هداه الله وهو شامل للمعاند والمخطئ فقوله ويحسبون الخ من قبيل بنو فلان قتلوا قتيلاً. قوله:(وللفارق أن يحمله على المقصر في النظر) قيل
إنّ معناه أنّ من فرق بين الكافر المخطئ والمعاند في استحقاق الذمّ بقول المراد بالضمير في أنهم اتخذوا الكافر المقصر في النظر وهم الذين حق عليهم الضلالة وأما الذين اجتهدوا وبذلوا الوسع فمعذورون كما هو مذهب البعض، وقيل إنه يعني أنه يحمل قوله ويحسبون على المقصر في النظر تقليدا صرفا غير مبالغ في النظر فإنّ خلافه ليس إلا المجتهد المبالغ فيه، وفيه إن الاختلاف إنما هو في خلوده في النار، وفي استلزام الذمّ المذكور إياه فليحرّر. قوله:(ثيابكم لمواراة عورتكم) وفي نسخة عوراتكم بالجمع يعني المراد بالزينة ما يستر العورة لأنه
اللازم المأمور به، ولذا قال ومن السنة بيانا لوجه تفسيره به دون لباس التجمل المتبادر منه لأنّ المستفاد من خذوا هو وجوب الأخذ ولباس التجمل مسنون، ولا يصح أن يكون مراده أن هذا الأمر يحتمل الندب لأنّ قوله وفيه دليل الخ ينافيه، وقيل إنّ الآية لما دلت على وجوب أخذ الزينة بستر العورة في الصلاة فهم منها في الجملة حسن التزين بلبس ما فيه حسن وجمال فيها ولهذا قال: ومن السنة الخ وهذا يؤخذ من تعبيره بالزينة، وقوله: عند كل مسجد لا يأتي على الحمل على وجوب المواراة عند الطواف لأنه مخصوص بالمسجد الحرام حتى يحمل عمومه على كل بقعة منه كما قيل وقوله روي الخ بيان لوجه ذكر الأكل والشرب هنا، وقوله بتحريم الحلال هو المناسب لسبب النزول المذكور فالإسراف تجاوز عن الحد مطلقا سواء كان في فعل أو ترك والشره بالراء المهملة الحرص. قوله: (وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخ (حديث صحيح أخرجه ابن أبي شيبة وغيره، وقوله كل ما شئت والبس ما شئت أي مما هو حلال وهذا لا ينافي ما ذكره الثعالبي وغيره من الأدباء إنه ينبغي للإنسان أن يأكل ما يشتهي ويلبس ما يشتهيه الناس كما قيل:
نصيحة نصب قالت بها ا! ياس
كل ما اوثم! تهيت والبسن ها تثتهيه ا! اس
فإنه لترك ما لم يعتد بين الناس وهذا الإباحة كل ما اعتادوه، والمخيلة الكبر وما دوامية زمانية، وأخطأتك من قولهم أخطأ فلان كذا إذا عدمه، وفي الأساس من المجاز لن يخطئك ما كتب لك، وأخطأ المطر الأرض لم يصبها وتخطأت النبل تجاوزته. قوله:(قد جمع الله الطب في نصف آية الخ) في الكشاف يحكي أنّ الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعليّ بن الحسين بن واقد رضي الله عنهم ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه قال وما هي قال
قوله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ} فقال النصراني ولا يؤثر من رسولكم شيء في الطب فقال قد جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم في ألفاظ يسيرة قال وما هي قال قوله صلى الله عليه وسلم: " المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وأعط كل بدن ما عوّدته " فقال النصراني ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا وترك المصنف رحمه الله تمام القصة لأنّ في ثبوت هذا الحديث كلاما للمحدّثين وفي شعب الإيمان للبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم " وقد شرحه الطيبي فإن أردته فراجعه وفسر المحبة بالارتضاء لما مرّ وقوله من النبات الخ عمم في تفسيره لأنّ تخصيصه يغني عنه ما مرّ والمستلذات تفسير للطيبات وفسرت بالحلال أيضا، وقوله من المآكل والمشارب تفسير للرزق وكون الأصل في الأشياء الحل أو الحرمة مما اختلف فيه في أصول الفقه ووجه الدلالة ظاهر وقوله للإنكار أي لإنكار تحريمها على وجه بليغ لأنّ إنكار الفاعل يوجب إنكار الفعل لعدمه بدونه. قوله:(والكفرة و! ! شاركوهم الخ) بيان لوجه الاختصاص المستفاد من اللام مع أنها أحلت للكفرة أيضاً كما يدل عليه خالصة يوم القيامة فإنه يشعر بالمشاركة في الدنيا، وقيل إنه متعلق بآمنوا فلا يحتاج إلى توجيه. قوله:(وانتصابها على الحال الخ) هو حال من الضمير المستتر في الجارّ والمجرور والعامل فيه متعلقه، وعلى قراءة الرفع هو خبر بعد خبر أو هو الخبر وللذين متعلق به قدم لتأكيد الخلوص، والاختصاص وقوله كتفصيلنا الخ ويجوز أن يكون على حدّ قوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أسورة البفرة، الآية: 143] كما مرّ تحقيقه. قوله:
(ما تزايد قبحه الخ) يعني الفحش زيادة القبح وما يتعلق بالفروج هو الزنا أو يعمّ الملامسة والمعانقة، وقوله: جهرها وسرّها روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا يكرهون الزنا علانية ويفعلونه سرّاً فنهاهم الله مطلقاً، وقال الضحاك: ما ظهر الخمر وما بطن الزنا، وقيل الفواحش الكبائر مطلقاً. قوله:(وما يوجب الإثم تعميم بعد تخصيص وقيل شرب الخمر) أصل معنى الإثم الذم فأطلق على ما يوجبه من مطلق الذنب وذكره للتعميم بعد التخصيص بما مرّ من معنى الفواحش، وقيل إن الإثم هو الخمر قال الثاعر:
نهانا ريسول الله أن نقر الزنا وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا
وهو منقول عن ابن عباس رضمي الله عنهما والحسن البصري، وذكره أهل اللغة
كالأصمعي وغيره قال! الحسن: ويصدّقه قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [سورة البقرة، الآية: 219] وقال ابن الأنباري: لم تسم العرب الخمر إثما في جاهلية ولا إسلام والشعر المذكور موضوع، وردّ بأنه مجاز لأنها سببه، وقال أبو حيان رحمه الله: إنّ هذا لتفسير غير صحيح هنا أيضا لأن السورة مكية، ولم تحرم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد وقد سبقه إلى هذا غيره وأيضا الحصر حيحئذ يحتاج إلى التأويل. قوله:(الظلم أو الكبر) أفرده بالذكر للمبالغة بناء على التعميم فيما قبله أو دخوله في الفواحش لأن تخصيصه بالذكر يقتضي أنه تميز من بينها حتى عد نوعا مستقلاً. قوله: (متعلق بالبني مؤكد له الأن البغي لا يكون إلا بغير حق أو حال مؤكدة لأن الحال يتعلق معناها بصاحبها لأنها صفة معنى وقوله معنى راجع إلى قوله مؤكد، ويصح صرفه لما قبله من التعلق والتأكيد. قوله: (تهكم بالمشركين الخ الأنه لا يجوز أن ينزل برهانا بأن يشرك به غيره، قيل في الانتصاف قياسه أن يكون كقوله:
على لا حب لا يهتدي بمناره
(قلت) هذا هو الحق لأن المعنى حرّم ربي أن يشركوا به شركاء لا ثبوت لها وما أنزل الله لإشراكها سلطاناً فبالغ في نفي الشريك بنفي لازمه لينتفي ملزومه بالطريق البرهاني، اهـ ورد بأنّ التهكم إنما جاء من حيث إنه يوهم أنه لو كان عليه سلطان لم يكن محرّما دلالة على تقليدهم في الغي والمعنى على نفي الإنزال والسلطان معا على الوجه الأبلغ على أسلوب ولا ترى الضب بها ينحجر.
كما صرّحوا به في تفسير قوله تعالى: {بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [سورة آل عمران، الآية: 51 ا] ومنه يظهر أن لا منع من الجمع يعني بين التهكم والأسلوب المذكور كما توهمه ذلك القائل ومنه تعلم أن الكلام التهكمي لا يلزم أن يكون من استعارة التضادّ كما توهم، وفي قوله وتنبيه نظر. قوله:(بالإلحاد في صفاته) أي العدول عما وصف به من الوحدة إلى غيره من اتخاذ الشريك كما يدل عليه ما قبله. قوله: (مدّة أو وقت لنزول العذاب الخ) أي الأجل المدة المعينة للشيء كالدين والموت وآخر تلك المدة وقد اشتهر في المدة المضروبة لحياة الإنسان والمراد هنا مدة أمهلوها لنزول العذاب أو وقت نزوله المعين له، كما نقل عن الحسن وابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل، وذهب بعضهم إلى أنه وقت الموت والتقدير ولكل أحد من أمّة وعلى الأول لا حاجة إلى تقدير فيه لأن المراد لكل أمة زمان معين
لإهلاكهم وانقراضهم فإنه ليس المراد بالأجل فيه العمر والا لقال لكل واحد بل أجل عذاب الاستثصال فإنه تعالى أمهل كل أمة كذبت رسولها إلى وقت معين إذا جاء ذلك الوقت نزل بهم العذاب، ولذلك تال إنه وعيد لأهل مكة، وقال ابن جني: قراءة الجمع على الظاهر لأن لكل إنسان أجلاً وأما إفراده فلقصد الجنسية والجنس من قبيل المصدر وأيضا حسن الإفراد لإضافته إلى الجماعة ومعلوم أنّ لكل إنسان أجلاً، وقوله انقرضت مدّتهم أي انقطعت وتمت مدة إمهالهم بمجيء آخرها فمجيء الأجل مجاز عن تمامه وهو على تفسيره بالمدة أو جاء بمعنى حان أي قرب وجاء حينه والأجل وقت نزول العذاب على التف ير الثاني ولإضافة في قوله وقتهم لأدنى ملابسة. قوله: (أي لا يتأخرون ولا يتقدّمون أقصر وقت الخ (لما كان الظاهر عطف لا يستقدمون على لا يستأخرون كما أعربه الحوفي وغيره أورد عليه أنه فاسد لأنّ إذا إنما يترتب عليها الأمور المستقبلة له الماضية والاستقدام حينئذ بالنسبة إلى محل الأجل متقدم عليه فكيف يترتب عليه ما تقدمه ويصير من باب الإخبار بالضروري الذي لا فائدة فيه كقولك إذا قمت فيما يأتي لم يتقدم قيامك
فيما مضى، وأجاب عنه الواحدي بأنه على المقاربة والعرب تقول جاء الثتاء إذ قرب فالمعنى أنها إذا أقربت لا تتقدم على وقتها المعين ولا تتأخر عته إلا أنه ليس تحته طائل وقيل إن جملة ولا يستقدمون مستأنفة، وقيل إنها معطوفة على الشرط وجوابه أو على القيد والمقيد، وقيل إنّ المقصود المبالغة في انتفاء التأخير يعني أنّ التأخير مساو للتقديم في الاستحالة ولذا نظمه معه في سلك أو أن مجموع لا يستأخرون ولا يستقدمون كناية عن أنهم لا يستطيعون تغييره، ويؤخذ من قوله لشدة الهول أنهم لذهولهم لم يفرقوا بين طلب المحال وغيره، فهو عبارة عن ذهولهم عن الطلب مطلقا وهو جواب آخر مع الإشارة إلى أن الاستفعال بمعنى التفعل أو على ظاهره ونفي طلبه أبلغ من نفيه، وقال النحرير: في شرح المفتاح القيد إذا جعل جزءاً من المعطوف عليه لم يشاركه المعطوف فيه كما هنا فإنّ الظرف مخصوص بالمعطوف عليه إذ لا معنى لقولهم: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ} ا! وقد ذكروا أنه إذا عطف شيء على شيء وسبقه قيد يشارك المعطوف المعطوف عليه في ذلك القيد لا محالة وأما إذا عطف على ما لحقه قيد فالشركة محتملة فالعطف على المقيد له اعتبار أن أحدهما أن يكون القيد سابقا في الاعتبار والعطف لاحقا في الاعتبار، والثاني أن يكون العطف سابقا والقيد لاحقا فعلى الأوّل لا يلزم اشتراك المعطوفين في القيد المذكور إذ القيد جزء من أجزاء المعطوف عليه وعلى الثاني يجب الاشتراك إذ هو حكم من أحكام الأوّل يجب فيه الاشتراك وقوله أقصر وقت إشارة إلى أنّ الساعة ليست عبارة عن التحديد حتى يجوز أن يتأخروا أقل منها بل عبارة عن أقل مدة مطلقا وتد وقع هذا التركيب في مواضع ودخلت الفاء فيه على إذا إلا في سورة يونس والموضع موضع الفاء فليتأمل. قوله:(ذكره بحرف الشك الخ)
إرسال الرسل لهداية البشر واقع وليس بواجب عندنا، وقالت الفلاسفة إنه واجب على الله لأنه يجب عليه تعالى أن يفعل الأصلح، وهم يسمون أهل التعليم، والمراد ببني آدم جميع الأمم وهو حكاية لما وقع مع كل قوم وليس المراد بالرسل نبينا صلى الله عليه وسلم وببني آدم أمته كما قيل فإنه خلاف الظاهر. قوله:(وضمت إليها ما الخ) ما مزيدة للتأكيد وقيل إنها تفيد العموم أيضا فمعنى أما تفعلن إن اتفق منك فعل بوجه من الوجوه، وإذا زيدت إلى أنّ الشرطية فهل يلزم تأكيد الفعل بعدها أولاً فيه خلاف فقال الزجاج: والمبرد وتبعهما الزمخشري إنها لازمة لا تحذف إلا ضرورة ورد بكثرة سماع خلافه كقوله:
فأمّا تريني ولي لمة فإنّ الحوادث أودى بها
ولذا لم يصرح المصنف رحمه الله تعالى به، فقيل لزوم التأكيد لئلا تنحط رتبة فعل الشرط عن حرفه، ثم إنه قيل إنّ المذكور في النحو أن نون التوكيد لا تدخل الفعل المستقبل المحض إلا بعد أن يدخل على أول الفعل ما يدل على التأكيد كلام القسم نحو والله لأضربن أو ما المزيدة نحو أما تفعلن ليكون ذلك توطئة لدخول اكأكيد فعلى هذا يكون أمر الاستتباع عكس ما قاله المصنف رحمه الله تعالى، وليس كما قال فإنها تدخل في النهي والتخضيض والعرض والتمني، وقوله:(فمن اتقى) جوايه ومن إما شرطية أو موصولة وإلى الثاني ذهب المصنف رحمه الله لعطف الموصول عليه، وأشار بقوله اتقي التكذيب إلى تقدير المفعول، وتقدير منكم ليرتبط الجواب بالشرط معنى. قوله:(وإدخال الفاء في الخبر الآول الخ) في نسخة الجزاء بدل الخبر، فمن أما موصولة وبؤيده عدم الفاء فيما بعده أو شرطية والاسمية بعدها معطوفة على الشرطية الجوابية، والمعنى لا خوف عليهم من العقاب، ولا هم يحزنون لفوات الثواب ولا ينافيه أهوال القيامة، ووجه المبالغة في الوعد لعدم تخلفه جعله مسببا عن التقوى، والعمل الصالح المشعر بأنه لا ينفك عنه إذ المعلول لا يتخلف عن العلة غالبا بخلاف الوعيد فإنه يجوز تخلفه، ومن في فمن أظلم للاستفهام الإنكاري والتقول تعمد الكذب مطلقا. قوله:) مما كتب لهم من الأرزاق والآجال الخ) أي من ظلمهم وافترائهم وتكذيبهم لا يحرمون ما قدر لهم من الرزق والعمر إلى انقضاء آجالهم، وقوله مما كتب أي قدروا الكتاب بمعنى المكتوب فليس فيه مجاز فإن كان الكتاب بمعنى المكتوب فنه وهو اللوح
المحفوظ ففيه مجاز عقلي أو لغوي،
ومن لابتداء الغاية وجوز فيها التبيين والتبعيض، وقوله: يتوفون أرواحهم لأن التوفي تناول الشيء وقبضه وافياً والتوفي يضاف إلى الله كقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [سورة الزمر، الآية: 42] ويضاف إلى الملائكة، وهو المراد بالرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله:(وحتى غاية لنيلهم الخ) أي غاية للنيل وحرف ابتداء أي غير جارّة بل داخلة على الجملة كما في قوله:
وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
وقيل إنها جارة وقيل لا دلالة لها على الغاية والصحيح ما قدمناه وتفصيله في الدر المصون. قوله: (وما صلت بأين الخ) أي رسمت في المصحف العثماني، وهي اسم موصولة لا صلة زائدة حتى تتصل به في الخط لكنه على خلاف القياس، وفي قوله الفصل وموصولة لطف لصنعة الطباق البديعية ومعنى تدعون تستغيثون بهم في المهمات. قوله:(غابوا عنا) جواب بحسب المعنى إذ مآله لا ندري أين هم أو هو ليس بجواب إذ السؤال غير حقيقي بل للتوبيخ فلا جواب وما ذكر إنما هو للتحسر والاعتراف بما هم عليه من الخيبة والخسران. قوله: (وشهدوا على أنفسهم الخ) شهدوا يحتمل أن يكون معطوفا على قالوا فيكون من جملة جواب السؤال، ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله تعالى بإقرارهم على أنفسهم بالكفر كذا في البحر، وأورد عليه أنه إذا عطف على قالوا لا يكون جوابا إذ لو كان جوابا لكان من مقولهم ولو عطف على المقول كان تقديره قالوا شهدنا على أنفسنا إلا أن يكون ذكراً له بمعناه فتأمل ولا تعارض بين هذا، وبين قوله والله ربنا ما كنا مشركين لأنه من طوائف مختلفة أو في مواقف وأوقات مختلفة أو أنه لحيرتهم كما مز في الأنعام، وأوّل الشهادة بالاعتراف لأنها إما للغير أو على الغير لكنها التلفظ بما يتحققه الشاهد فتجوز به عن ذلك وليس في النظم ما يدل على أنّ اعترافهم بلفظ الشهادة، وقوله ضالين تفسير له بحسب المعنى لأنّ الكافر ضال مع مناسبته لقوله ضلوا عنا. قوله:(أي قال الله تعالى لهم الخ) التفسير الأوّل بناء على جواز أنه تعالى يكلمهم بغير واسطة والثاني على خلافه. قوله: (أي كائنين في جملة أمم مصاحبين دهم (قيل لو قال حال أو مصاحبين كان أولى لأنّ في للظرفية، وتجيء بمعنى مع نحو فادخلي في
عبادي فلا وجه للجمع وليس بشيء لأنه إشارة إلى أنّ الطرفية مجازية معناها المصاحبة ولذا جمع في الكشاف بينهما فهو بيان لمحصل المعنى، وقوله كائنين إشارة إلى أنه حال لئلا يتعلق حرفا جر بمعنى بمتعلق واحد حتى يحمل الثاني على البدلية أو أنه صفة أمم، وقوله من النوعين يدل على أنّ الجن يثابون ويعاقبون لأنهم مكلفون كالإنس. قوله:(التي ضلت بالاقتداء بها) أي كلما دخلت أمة تابعة أو متبوعة لعنت التابعة المتبوعة التي أضلتها، والمتبوعة التابعة التي زادت في ضلالها على ما أشار إليه في الكشاف في تفسير قوله لكل ضعف فلا يلزم التسلسل كما توهم. قوله:(ادّاركوا فيها جميعاً أي تداركوا) غاية لما قبله أي يدخلون فوجا فوجا عنا بعضهم بعضاً إلى انتهاء تلاحقهم باجتماعهم في النار، وقول المصنف رحمه الله تداركوا تفسير له ببيان أصله إذ أصله تداركوا فأدغمت التاء في الدال بعد قلبها دالاً وتسكينها ثم إجتلبت همزة الوصل، وقوله تلاحقوا بيان لمعناه أي لحق بعضهم بعضاً وأدركه وعن أبي عمرو رحمه الله أنه قرأ ادّراكوا بقطع ألف الوصل قال ابن جني: وهو مشكل لأنه إنما يجيء شاذاً في ضرورة الشعر في الاسم أيضا لكنه وقف مثل وقفة المستذكر ثم ابتدأ فقطع وهو تنبيه حسن. قوله: (أخراهم دخولاً أو منزلة) قال المعرب؟ أخرى وأولى يحتمل أن يكونا فعلى أنثى أفعل التفضيل والمعنى أخراهم منزلة وهم الأتباع والسفلة لأولاهم منزلة وهم القادة والرؤساء وهو الوجه الثاني في كلام المصنف رحمه الله الذي بينه بقوله منزلة، ويحتمل أن يكونا أنثى آخر بكسر الخاء بمعنى آخر المقابل للأوّل وليس للمفاضلة والفرق بينه وبين ذاك أن الثاني يدل على الانتهاء دون الأوّل ولا يجوز فيه أن يكون بمعنى غير والي الوجه الثاني أشار المصنف رحمه الله بقوله دخو لاً قيل والثاني أرجح لأنّ تقدم أحد الفريقين على الآخر في الدخول يحتاج إلى إثبات (قلت) هو مرويّ عن مقاتل رحمه الله وكفى به سنداً. قوله:(أي لأجل أولاهم) أي اللام للتعليل لا للتبليغ كما في قولك قلت لزيد افعل كذا لأنّ خطابهم مع الله تعالى لا معهم
قال الزجاج رحمه الله المعنى وقالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلونا لأجل أولاهم وأما لام أولاهم لأخراهم فيجوز فيها أن تكون للتبليغ لأن خطابهم معهم بدليل قوله: {فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 39] قاله المعرب. قوله: (سنوا فا الضلال فاقتدينا بهم) فسره بأنهم سنوا لهم الضلال ليشمل الجميع لأنّ حقيقة الإضلال الدعوة إلى الضلال وهو يقتضي ملاقاتهم لهم وليس بلازم ومن فسره بدعونا إلى الضلال وأمرونا به أراد هذا أيضاً لأن من سن سنة سيئة فقد دعا إليها وأمر بها في التقديو، وكذا قوله:{إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا} [سورة سبأ، الآية: 33] وقيل إنه قول البعض وله
وجه. قوله: (مضاعفاً لآنهم ضلوا وأضلوا) قال أبو عبيد الضعف مثل الشيء مرّة واحدة وقال الأزهري: ما قاله هو ما تستعمله الناس في مجاز كلامهم، وقال الشافعي رضي الله عنه قريبا منه فيما لو أوصى بضعف ما لولده والوصايا جارية على عرف الاستعمال، وأما كلام الله تعالى فيرذ إلى كلام العرب، والضعف في كلام العرب المثل إلى ما زاد ولا يقتصر على مثلين بل هو غير محصور، ولذا فسروه هنا بمضاعف وقد مرّ له تفصيل وضعفا صفة لعذابا، ويجوز أن يكون بدلاً منه ومن النار صفة العذاب أو الضعف. قوله:) أما القادة فبكفرهم الخ) القادة جمع قائد أي الرئيس المتبوع وهو في الجمع كسادة وفيه كلام في النحو، وقوله بكفرهم وتقليدهم في الكشاف لأنّ كلا من القادة والأتباع كانوا ضالين مضلين، أما الأوّل فظاهر، وأما الثاني فلأنّ القادة زادوا باتباعهم لهم طغيانا وثباتا على الضلال وقوّة على الإضلال كما قال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [سورة الجن، الآية: 6] قيل ولا يخفى عدم اطراده فإن اتباع كثير من الأتباع غير معلوم للقادة إلا أن يقال إنه مخصوص ببعضهم ولذا قيل الأحسن أن يقال إنّ ضعف الأتباع لإعراضهم عن الحق الواضح وتولى الرؤساء والمتبوعين لينالوا عرض! الدنيا اتباعا للهوى ويدل عليه قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ} [سورة سبأ، الآية: 32] وفيه نظر وكلام المصنف رحمه الله يحتمل أن يكون التقليد في الهوى ضلالاً آخر يستحقون به المضاعفة فلا يرد عليه ما ذكر. قوله: (ما لكم أو ما لكل فريق وقرأ عاصم رحمه الله بالياء على الانفصال) الظاهر أنّ المراد من الانفصال انفصال هذا الكلام عما قبله بأن يكون تذييلا لم يقصد به إدارجه في الجواب حتى يكون خطابا لهم وقيل معناه انفصال القادة من الاتباع بخلاف قراءة التاء فإنها للفريقين بتغليب المخاطبين الذين هم الاتباع على الغيب الذين هم القادة إذ على قراءة عاصم لا يمكن القول بالتغليب إذ لا يغلب الغائب على المخاطب، وفيه أنّ قول المصنف لا يعلمون مالكم إشارة إلى أنّ الخطاب للاتباع من غير تغليب، وقوله أو ما لكل فريق إشارة إلى التغليب فتأمل قيل لكن، ولا تعلمون من جملة مقول القول، ولكل ضعف يلقى إلى الاتباع لأنه جواب قولهم فآتهم الخ فإذا قرىء لا تعلمون بالخطاب يكون موجها إليهم، وإذا قرئ بالغيبة يكون منفصلاً غير ملقى إليهم وهذا ما أشرنا إليه أوّلاً وتضعيف العذاب للضلال والإضلال فلا يكون زيادة على ما استحقوه حتى يكون ظلما مع أنه لا يسئل عما يفعل. قوله:(عطفوا كلامهم على جواب الله الخ) المراد بالعطف في كلامه العطف الواقع بالفاء في قوله فما كان الخ، ولذا قال شراح الكشاف: إنّ معناه ترتيبه عليه لا العطف الاصطلاحي فقوله ورتبوه تفسير له لأنه جواب
شرط مقدّر لأنهم رتبوا كلامهم على كلام الله تعالى على وجه التسبب لأن إخبار الله تعالى بقوله لكل ضعف سبب لعلمهم بالمساواة حملهم على أن يقولوا وإذا كان كذلك فقد ثبت أنه لا فضل لكم علينا في استحقاق الضعف وقيل إنها عاطفة على مقدّر أي دعوتم الله فسوّى بيننا وبينكم فما كان الخ وفيه تأمّل. قوله:) من قول القادة أو من قول الفريقين) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها، أو من قول الله للفريقين وهي أظهر من الأولى لأنه إذا قالته الأولى للأخرى على سبيل التشفي يكون من مقول، القول الأخير وهو تثف بأنّ دعاءهم عاد عليهم ضررة، ولم يختص بمن دعوا عليه وإذا كان من كلام الله تعالى لهما يكون توبيخا وأما إذا كان من مقول الفريقين فيحتاج إلى تقدير أي قالت كل فرقة للأخرى ذوقوأ الخ والباء
سببية، وما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف وأشار بقوله عن الإبمان بها إلى أنّ الاستكئار عنها الإباء عن الإيمان بها مجازاً. قوله:(لا دعيتهم وأعمالهم الخ) كون السماء لها أبواب وانها تفتح للدعاء الصالح وللأعمال الصاعدة وللأرواح، وارد في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية فلا حاجة إلى تأويل وفسر فتح أبوابها بإنزال البركة والأمطار والرحمة عليهم أيضا والتضعيف لتكثير المفعول لا الفعل لعدم مناسبة المقام، واسناد الفتح إلى الآيات مجاز لأنها سبب ذلك. قوله:(أي حتى يدخل ما هو مثل في عظم الخ) سمّ الخياط ثقب الإبرة لأن السم بتثليث السين الثقب الصغير مطلقاً، وقيل أصله ما كان في عضو كأنف وأذن، والخياط فعال ما يخاط به كالمخيط بكسر الميم وفتحها وهذا دفع لما قيل إنه لا يناسب الجمل خرق الإبرة، فلذا فسر بالحبل العظيم لمناسبته للمقام يعني أنّ الجمل يضرب به المثل في عظم الجسم قديما كما قال:
جسم الجمال وأحلام العصافير
وخرق الإبرة يضرب به المثل أيضا في الضيق فيكون قد علق دخولهم الجنة على دخول
أعظم الأجرام في أضيق المنافذ كقوله:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي
وهو معروف في كلام العرب، ولذلك قال الشاعر:
ولوأنّ ما بي من جوى وصبابة على جمل لم يدخل الناركافر
وقوله وقرئ الجمل الخ أي بضم الجيم وفتح الميم المشددة، وبفتحها مخففة كنغر بضم
النون وفتح الغين المعجمة والراء المهملة وهو نوع من كبار العصافير أحمر المنقار، والنصب بضم النون والصاد والقنب بكر القاف وضمها وتشديد النون المفتوحة والباء الموحدة نوع من غليظ الكتان تتخذ منه الحبال، وحبل السفينة يكون منه ومن الليف، وقوله:(وستم) معطوف على الجمل أي وقرئ سم وكذا قوله وفي سم المخيط معطوف عليه وهو بكسر الميم وفتحها كما ذكره المعرب، وهي قراءة شاذة وقوله وهو الحبل تفسير للغات الخمسة. قوله:(ومثل ذلك الجزاء الفظيع الخ) إشارة إلى أنّ الجار والمجرور نعت مصدر محذوف والفظيع الثنغ وهو الخلود في النار كما يفسره ما بعده، وتفسير الكواشي للاربعة الأخيرة بالبعير ليس بشيء كما قاله بعض الفضلاء وجملة لهم الخ إمّا مستأنفة أو حالية ومهاد كفراش لفظا ومعنى فاعل الظرف أو مبتدأ ومن جهنم حال من مهاد لتقدّمه. قوله:(غواش الخ) جمع غاشية وهي ما يغشى به ومنه غاشية السرج المعروفة، وللنحاة في مثله خلاف فقيل هو غير منصرف لأنه على صيغة منتهى المجموع والتنوين عوض! عن الحرف المحذوف أو حركته والكسرة ليست للإعراب، وهذا لا يختص بصيغة الجمع بل يجري في كل منقوص غير منصرف كيعيل تصغيريعلى، وبعض العرب يعربه بالحركات الظاهرة على ما قبل الياء لجعلها محذوف نسيا منسيا، ولذا قرئ غواس برفع الشين وله الجوار المنشآت بضم الراء. قوله:(عبر عنهم بالمجرمين تارة الخ) يعني ذكر الخاص الذي هو الظلم بعد ذكر الجرم العام، وذكر معه التعذيب بالنار الذي هو أشد من الحرمان من الجنة لما ذكر ووضع الظالمين موضع ضمير المجرمين، وهما بمعنى للتنبيه على جمع الصفتين، وقد قيل بتغايرهما أيضا. قوله:) على عادته سبحانه وتعالى الخ (يشفع بمعنى يقرنه به ويجعله به شفعا، ولا نكلف معترضة وهو الظاهر وقيل إنها خبر بتقدير العائد أي منهم
وقوله في اكتساب النعيم النعيم مأخوذ من الجنة، لأن لهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، والاكتساب إشارة إلى أنّ العمل الصالح سبب في الجملة، وإن لم يكن بطريق الإيجاب، والدليل على أنّ اكتسابه بذاك أنه رتب الحكم على الموصول والصلة سيما مع توسط اسم الإشارة، وإذا علم أن مبني التكليف على الوسع زادت الرغبة في ذلك الاكتساب لحصوله بما فيه يسر لا عسر لكنه نبه على أنه مع يسره لا يحصل إلا بالهداية والتوفيق وقوله:(يسهل) إشارة إلى ما قاله الإمام ونقله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه من أنّ الوسع ما يقدر عليه الإنسان بسهولة ويستمرّ فإن أقص الطاعة يسمى جهدا لا وسعا وغلط من ظن أنّ الوسع بذل المجهود. قوله: (نخرج من قلوبهم أسباب الغل أو نطهرها منه الخ) وفي نسخة ونطهرها بالواو وهي النسخة التي صححها بعض أرباب الحواشي لأنّ المراد
منه ما يحصل لأهل الجنة من تصفية الطباع عن كدورات الدنيا ونزع الأحقاد الكامنة فيها، وقيل المراد بتطهير قلوبهم حفظها من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب بحيث لا يحسد صاحب الدرجة النازلة صاحب الرفيعة لإزالة الشهوات، وقد جوّزه في الحجر ولك أن تحمله عليه فتأمل.
قوله:) وعن علئ كرم الله وجهه أتي الخ) هذا يدلّ على أنه كان ذلك بمقتضى الطباع البشرية فيهم لكته نزع بتوفيق الله، وقيل الأولى أن يراد عدم اتصافهم بذلك من أوّل الأمر، وما وقع إنما كان عن اجتهاد لإعلاء كلمة الله وخص هؤلاء لما جرى في خلافة عثمان رضي الله عنه بينهما ومحاربة طلحة والزبير رضي الله عنهما في وقعة الجمل، وهذا حديث أخرجه ابن سعد والطبرفي من رواية معمر عن قتادة كلاهما عن عليّ رضي الله عته بسند منقطع وأخرجه ابن أبي شيبة عن ربعيّ بسند متصل كما قاله ابن حجر رحمه الله. قوله:(لما جزاؤه هذا الخ (ليس تقدير إعراب بل بيان لحاصل المعنى، وان كان قوله في الكشاف لموجب هذا يحتملهما والمراد أن في الكلام تجوزا عقليا أو لغويا بجعل الهداية لما أدى إليها هداية له. قوله: (واللام لتوكيد النفي الخ) هذه هي اللام التي تسمى لام الجحود وتزاد بعد كان المنفية للتأكيد، وتفصيلها مذكور في النحو، ولم يجعل الجواب ما قبله لامتناع تقدمه على الصحيح، والواو حالية أو استئنافية، وعلى قراءة إسقاط الواو فالجملة بيانية، وهو ظاهر. قوله:) يقولون ذلك اغتباطاً وتبجحا الخ) أي من قوله الحمد لله إلى هنا فلا يرد عليه ما قيل إنه لا يلائم قوله
فاهتدينا بإرشادهم فإنّ المقصود بالجملة القسمية على هذا بيان صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في وعدهم بالجنة لا تعليل الاهتداء فتأمل، والاغتباط بالغين المعجمة السرور وأن يصير الشخص بحال يغتبط فيها كما في تاج المصادر والتبجح بتقديم الجيم على الحاء المهملة الفرج فليس قولهم ذلك إلا لإظهار ما ذكر لا للتعبد والتقرب لأنّ الجنة ليست دار تكليف وعبادة كما قيل. قوله:" ذا رأوها من بعيد أو بعد الخ) يعني الإشارة بتلك الموضوعة للإشارة إلى البعيد لها قبل دخولها والنداء للإعلام بأنها موروثة لهم وبعد الدخرل المشار إليه كونها موروثة لهم وتلكم توطئة لذلك والا فلا حاجة إلى الإشارة إلى مكان حل فيه أحد كما أنه لا حاجة إلى كون التقدير تلكم الجنة التي وعدتم بها في الدنيا هي هذه فيكون المشار إليه غائباً بعيدا فتلكم خبر مبتدأ محذوف أي هذه تلكم الجنة الموعودة لكم قبل، أو تلكم مبتدأ حذف خبره أي تلكم الجنة التي أخبرتم عنها أو وعدتم بها في الدنيا هي هذه، وقوله والمنادى مبتدأ خبره أورثتموها، وقوله: (بالذات) أي ما نودي به وتصد إعلامه كونها موروثة وان كان بحسب الظاهر تلكم الجنة. قوله:) أي أعطيتموها بسبب أعمالكم الخ) يعني أنّ الميراث مجاز عن الإعطاء وتجوّز به عته إشارة إلى أنّ السبب فيه ليس موجباً وان كان سببا بحسب الظاهر كما أن الإرث ملك بدون كسب وإن كان النسب مثلا سببا له، فلا يرد على قوله بسبب أعمالكم إنه يعارض! قوله: " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " إ أ (إذ المراد بسبب عمله السبب التام، فلا يحتاج إلى الجواب عنه ولا أن يقال الباء للعوض لا للسبب وفيه تفصيل لعل التوبة تفضي إليه، وهذا تنجيز للوعد بإثابة المطيع لا بالاستحقاق والاستيجاب بل هو بمحض فضله تعالى كالإرث. قوله: (وأن في المواقع الخمسة هي المخففة الخ (هي أن تلكم وأن وجدنا وأن لعنة الله وأن سلام عليكم، وأن أفيضوا وإذا كانت مخففة فحرف الجر مقدر أي بأن واسمها ضمير شأن مقدر أي بأنه تلكم كذا قدره الزمخشري، وفيه إشارة كما صرحوا به إلى أن ضمير الشأن لا يجب أن يؤنث إذا كان المسند إليه في الجملة المفسرة مؤنثاً وبه صرح ابن الحاجب وابن مالك فهو أمر استحسانيّ، فلا عبرة بما وقع في التلخيص مما يخالفه وقوله لأنّ المناداة الخ يؤخذ منه شرط، أن المفسرة وهي سبق ما فيه معنى القول دون حروفه. قوله: (إنما قالوه تبجحاً
بحالهم وشماتة الخ) التبجح الافتخار والشماتة الفرج بمصيبة العدوّ والتحسير الإيقاع في الحسرة والندم، ويصح إعجامه أي نسبتهم إلى الخسار. قوله:(د إنما لم يقل ما وعدكم الخ) في الكشاف حذف ذلك تخفيفاً لدلالة وعدنا عليه، ولقائل أن يقال أطلق ليتناول كل ما وعد الله من البعث والحساب والثواب
والعقاب وسائر أحوال القيامة لأنهم كانوا مكذبين بذلك أجمع، ولأن الموعود كله مما ساءهم وما نعيم أهل الجنة إلا عذاب لهم فأطلق لذلك يعني لم يذكر مفعولاه لأنّ المراد مطلق الموعود به سواء كان لهم أو لغيرهم فليس القصد إلى تخصيص موعود ولا موعود به ولو قيل كذلك لتقيد بما وعدوا به فلا يرد عليه ما قيل إنه لو ذكر المفعول على حسب ذكره في الأوّل فقيل فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا لكان الفعل مطلقا أيضا باعتبار الموعود به لأنه لم يذكر فيتناول كل موعود به من البعث والحساب والعقاب التي هي أنواع من جملتها التحسر على نعيم أهل الجنة فليس ذلك خاصاً بحذف المفعول الواقع على الموعودين فالوجه أن حذفه تخفيفا وايجازا واستغناء عنه بالأول ولا ما قيل إن الجواب لا يطابق سؤاله لأن المدعي حذف المفعول الأول وهو ضمير المخاطبين والجواب وقع بالمفعول الثاني الذي هو الحساب والعقاب وسائر الأحوال فهو إنما يناسب لو سئل عن حذف المفعول الثاني لا الأول. قوله: (لأنّ ما ساءهم من الموعود الخ (قيل لا خفاء في كون أصحاب الجنة مصدقين بالكل والكل مما يسرّهم فكان ينبغي أن يطلق وعدهم أيضاً فلا بد من حمله على الاكتفاء بالسابق لا على الإطلاق. قوله: (وهما لنتان (ولا عبرة بمن أنكر الكسر مع القراءة به واثبات أهل اللغة له، وصاحب الصور إسرافيل عليه الصلاة والسلام وقوله بين الفريقين لا بين القائلين نعم كما قيل، ولا يرد أن الظاهر أن يقال بينهما لأنه غير متعين والكسر على إرادة القول مذهب البصريين بالتضمين أو التقدير، وعلى الحكاية بإذن لأنه في معنى القول فيجري مجراه مذهب الكوفيين، والتأذين المراد به النداء وهو إعلام بلعنة الله لهم أو ابتداء لعن. قوله: (صفة للظالمين مقرّرة (فلا يوقف بينهما وعلى القطع يصح الوقف، وإنما كانت صفة مقرّرة لأنّ الصدّ عن سبيل الله بمعنى الإعراض عنه لا منع الغير، وطلب ميلة لازم لكل ظالم شتكون الصفة مقرّرة مؤكدة بخلاف الصد بمعنى منع الغير، ولذا قيل صده عن كذا صرفه، ومنعه عنه
أي يمنعون الناس عن دين الله بالنهي عنه وادخال الشبه في دلائله ويبغونها عوجا أي يطلبون لها تأويلا وامالة إلى الباطل وصد عنه صدوداً أعرض! أي يصدون بأنفسهم عن دين الله ويعرضون عنه ويبغونها عوجا يطلبون إعوجاجها ويذئونها فلا يؤمنون بها، فعلى الأوّل يكون العوج بمعنى التعويج والإمالة، وعلى الثاني يكون على أصله وهو الميل والأوّل مختار النسفي، والثاني مختار القرطبي وهو الأظهر واليه ذهب المصنف رحمه الله تعالى فافهمه والفرق بين العوج والعوج يأتي تحقيقه في سورة الكهف وما لأهل اللغة فيه من الكلام ووجه الفرق بينهما. قوله:(أي بين الفريقين الخ (لأنّ الآية الأخرى تفسرها ولكنه لا يتعين وأثراهما سموم النار وروج الجنة. قوله: (أعراف الحجاب) أي أعاليه المراد شرا فإنه تشبيهاً لها بعرف الدابة والديك وهو معروف. وفي التفسير الآخر معناه أعلى موضع منه لأنه أشرف وأعرف مما انخفض منه وظاهر كلامه أنه حقيقة في هذا الوجه. قوله: (وهو السور الخ (للمفسرين في أصحاب الأعراف أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى وأشهرها الأوّل وقيل: هم أصحاب الفترة الذين لم يبذلوا دينهم، وقيل: أطفال المشركين. وفي النسخ هنا اختلاف ففي بعضها بأو في الجميع، وفي بعضها بالواو فيها وفي بعضها بأو في بعضها، والواو في بعض، وخيار المؤمنين وعلماؤهم بالرفع والجر. وقوله يرون في صورة الرجال لتوجيه إطلاق الرجال على الملائكة، وهم لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة. قوله: (بعلامتهم التي أعلمهم الله بها) أي جعلهم معلمين بها من العلامة. ويصح أن يكون من العلم والسيما العلامة من سام أو وسم فيعرفون أن من فيه سمة كذا من أهل الجنة، وغيره من أهل النار، والظاهر أنّ هذا قبل دخولهم الجنة أو النار إذ لا حاجة بعده للعلامة. وأما النداء والصرف فبعده، لكن ظاهر كلام المصنف فيما سيجيء أنّ الكل بعده، وأنّ قوله كبياض الوجه إشارة إلى قوله تعالى {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} . قوله:(وإنما يعرفون ذلك بالإلهام أو تعليم الملالكة) أي أن كذا علامة الجنة، وكذا علامة النار، كما مرّ قيل وفي الحصر نظر وباء بسيماهم للملابسة. قوله: (أي إذا نظروا
الخ) بيان الحاصل المعنى لا أن في
الكلام شرطاً مقدراً وفي الدرّ المصون أنه إشارة إلى أنه جزاء شرط محذوف، والداعي له مراعاة قوله وإذا صرفت أبصارهم. قوله:(حال من الواو) وفي الكشاف استئناف أو صفة رجال وضعف بالفصل. وقوله: (على الوجه الأوّل) أي في تفسير رجال الأعراف بمن حبس بين الجنة والنار. وأما على بقية الوجوه فهو حال من أصحاب الجنة لأنه لا يناسب قوله لم يدخلوها وهم يطمعون إلا أنه قيل إن يطمعون بمعنى يعلمون ويتيقنون وهو بهذا المعنى منقول عن أهل اللغة، وبه فسر قوله والذي أطمع أن يغفر لي أي أعلم أو يحرصون. وأمّا جملة وهم يطمعون فحال من واو لم يدخلوها بعد تسليط النفي أي كانوأ طامعين حال دخولهم الجنة لا قبله، فتأمل وتلقاء في الأصل مصدر وليس في المصادر تفعال بكسر التاء غير تلقاء وتبيان، ثم أستعمل ظرف مكان بمعنى جهة اللقاء والمقابلة فنصب على الظرفية. وفي قوله صرفت إشارة إلى أنهم لم يلتفتوا إلى جهة النار إلا مجبورين على ذلك لا باختيارهم، لأنّ مكان الشرّ محذور، ولذا استعاذوا منه وقوله من رؤساء الكفرة كأبي جهل بيان لقوله رجالاً. وما في ما أغنى استفهامية للتقريع والتوبيخ ويجوز أن تكون نافية، والجمع بمعنى الكثرة استعمال له في كماله، وعلى الثاني هو مصدر مفعوله مقدر وهو أنسب لعدم تكريره مع ما بعده. وما في ما كنتم مصدربة لعطفه على المصدر. قوله:(من تتمة قولهم الخ) فهو في محل نصب مفعول القول أيضا أي قالوا ما أغنى وقالوا أهؤلاء الخ. وجوّز فيه أن يكون جملة مستقلة غير داخلة في حيز القول، والمشار إليه على الأوّل هم أهل الجنة. والقائلون هم أهل الأعراف والمقول لهم أهل النار، والمعنى قال أهل الأعراف لأهل النار أهؤلاء الذين في الجنة اليوم هم الذين كنتم تحلفون أنهم لا يدخلونها وادخلوا الجنة بمعنى قالوا لهم أو قيل لهم ادخلوا الجنة وعلى الاستئناف اختلف في المشار إليه فقيل هم أهل الأعراف، والقائل ملك مأمور بذلك، والمقول له أهل النار وقيل المشار إليه أهل الجنة والقائل الملائكة والمقول له أهل النار، وقيل المشار إليهم هم أهل الأعراف وهم القائلون أيضا والمقول لهم الكفار وادخلوا الجنة من قول أهل الأعراف أيضا أي يرجعون فيخاطب بعضهم بعضا ولا ينالهم الخ جواب القسم. قوله: (أي فالتفتوا إلى أصحاب الجنة الخ (أي ومعنى ادخلوا دوموا فيها غير خائفين ولا محزونين، وقوله وهو أوفق للوجوه إلا خيرة هي تفسير
رجال بقوم علت درجاتهم الخ. لا بالمحبوسين في الأعراف لأنّ المناسب إدخالهم أنفسهم الجنة لا أمرهم غيرهم بالدخول فيها، وقيل موافقته للأول بتأويل ادخلوا نجدوموا على الدخول، ويحتمل أن يكون كونهم على الأعراف قبل دخول بعض أهل الجنة الجنة، وفيه تأمّل. وقوله:(بعد) متعلق بقيل، وقوله:(وقالوا لهم ما قالوا) أي من الاستعاذة والسلام. قوله: (وقيل لما عيروا الخ) عطف بحسب المعنى على قوله من تتمة قولهم، أي لما عير أصحاب الأعراف أصحاب النار أقسم أصحاب النار أنّ أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنة، فقال الله تعالى أو بعض الملائكة خطابا لأهل النار أهؤلاء الذين أقسمتم بالله مشيرا إلى أصحاب الأعراف، ثم وجه الله تعالى خطابه إلى أصحاب الأعراف فقال ادخلوا الخ. فيكون هؤلاء متأنفا لا من تتمة قولهم للرجال وهو على الوجه الأوّل في تفسير رجال ولذا قابله به. قوله:(وقرئ ادخلوا ودخلوا) أي بالمزيد المجهول أو المجرّد المعلوم وحينئذ كان الظاهر لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فلذا قدر أنه مقول قول محذوف هو حال ليتجه الخطاب ويرتبط الكلام، وقرئ ادخلوا بامر المزيد للملائكة أيضا. قوله:(أي صبوه) فإن أصل معنى الفيض صبّ المائعات وقوله وهو دليل الخ أي لظاهر النظم ولفظ على وليس دليلاً قطعيا حتى يبحث فيه، وقوله من سائر الأشربة كاللبن فسره به ليتعلق به الإفاضة من غير تأوبل فإن فسر بالطعام يقدر للثاني عامل أو يؤول الأوّل بما يعمهما كألقوا أو يضمن ما يعمل في الثاني أو يجعل من المشاكلة كما عرف في العربية، وقوله:(علفتنا تبناً وماء باردا) تمامه:
حتى شتت همالة عيناها
قوله: (منعهما عنهم منع المحرم عن المكلف) يعني أنّ التحريم بمعنى المنع كما في
قوله:
حرام على عينيّ أن يطعما الكرى
لأنّ الدار ليست بدار تكليف فهو استعارة
كما صرح به المصنف رحمه الله تعالى، ولو
جعل من قبيل المشعر جاز، ولكن الأوّل أبلغ والتصدية التصفيق كما مرّ والفرق بين اللهو واللعب مر تفصيله في الأنعام، فإن أردت فانظره. قوله:(نفعل بهم فعل الناسين) يعني أنه تمثيل فشبه معاملته تعالى مع هؤلاء بالمعاملة مع من لا يعتد به ويلتفت إليه، فينسى لأنّ النسيان لا يجوز على الله تعالى والنسيان يستعمل بمعنى الترك كثيراً في لسان العرب ويصح هنا أيضاً فيكون استعارة تحقيقية أو مجازاً مرسلاً، وكذا نسيانهم لقاء الله أيضا، لأنهم لم يكونوا ذاكري الله حتى ينسوه، فشبه عدم إخطارهم لقاء الله والقيامة ببالهم وقلة مبالاتهم بحال من عرف شيئاً ثم نسيه، وليست الكاف للتشبيه بل للتعليل، ولا مانع من التشبيه أيضا إلا قوله ما كانوا بآياتنا الخ. وقوله من العقائد الخ، أدرج القصص في المواعظ لأنّ السعيد من اتعظ بغيره. قوله:(عالمين بوجه تفصيله الخ) إشارة إلى انّ على علم وتنكيره للتعظيم حال من الفاعل وأنه يقتضي أنّ ما فعله محكما متقنا كما يفعل العالم بما يفعله، وحينئذ يقتضي أنه تعالى يعلم بصفة زائدة على الذات وهي صفة العلم لا عين ذاته كما يقوله الفلاسفة ومن ضاهاهم في ذلك، أو حال من المفعول. وقوله:) وقرئ فضلناه (أي بالضاد المعجمة وهي قراءة ابن محيصن، وقوله: (في هذه القراءة عالمين (إشارة إلى أنه حال من الفاعل على هذه القراءة لأنه أنسب وان جاز أن يكون حالأ من المفعول أيضا وفيه نظر فلعله اكتفى بأحد الوجهين ليعلم الآخر بالمقايسة، فتدبر. قوله: (حال من الهاء) وجوّز فيه أن يكون مفعولاً لأجله، وجوّز فيه أن يكون حالاً من الكتاب لتخصيصه بالوصف، وقرئ بالجرّ على البدلية من علم والرفع على إضمار المبتدأ. قوله: (يممظرون الخ (يعني النظر هنا بمعنى الانتظار لا بمعنى الرؤية، وقوله ما يؤول إليه أمره إشارة إلى أنّ التأويل بمعنى العاقبة وما يقع في الخارج، وهو أصل معناه ويطلق على التفسير أيضاً، والمعنى أنهم قبل وقوع ما هو محقق كالمنتظرين له لأنّ كل آت قريب فهم على شرف ملاقات ما وعدوا به فلا يقال كيف ينتظرونه مع جحدهم فإنهم وان جحدو. إلا أنهم بمنزلة المنتظرين وفي حكمهم من حيث أنّ تلك الأحوال تأتيهم لا محالة، وما يقال إق
فيهم أقواما يشكون ويتوقعون، قيل يأباه تخصيص التبين بالصدق إلا أن يقال أنّ الذي تبين لهم ذلك وقوله:(تركوه ترك الناسي) إشارلاة إلى ما مرّ تحقيقه. قوله:) أي قد تبين أنهم الخ) فسره به لاً نه يترتب عليه طلب الشفاعة ولأنه هو الواقع فيه، وتوله أو هل نردّ إشارة إلى أنه معطوف على الجملة الاسمية، أو الظرفية ومن مزيدة في المبتدأ أو في الفاعل بالظرف وقراءة النصب عطف على يشفعوا المنصوب في جواب الاستفهام أو أنّ أو بمعنى إلى أن أو حتى أنّ على ما اختاره الزمخشريّ. وقوله فعلى الأوّل أي قراءة الرفع لعطفه على ما قبله المسؤول أحد الأمرين الشفاعة أو الردّ إلى الدنيا ودار التكليف ليتلافوا ما فات، وعلى الثاني أي النصب بأن يكون لهم شفعاء في الخلاص مما هم فيه، أما بالشفاعة في العفو عنهم، أو الرد فالشفاعة لأحد الأمرين إن كانت أو عاطفة لاً لأمر واحد إذا كانت بمعنى إلى إذ معناه يشفعون إلى الردّ وبهذا اندفع ما قيل إنّ المقابلة بين الشفاعة بغير الردّ وبين الردّ غير ظاهرة لأنه أثر الشفاعة ونتيجتها، فالوجه أن تكون الشفاعة حينئذ كناية عن المغفرة، والمعنى فتغفر بالشفاعة أو تردّ. قوله:(جواب الاستفهام الثاني الخ) الثاني صفة جواب أو الاستفهام أي في أحد الوجوه وهو رفع نردّ بالعطف فإنه في حكم استفهام ثان أو نصبه بالعطف على تردّ مسبب عنه وأما قراءة الرفع فعلى لوجوه كلها، وضل بمعنى غاب وفقد، والمراد هنا أنه بطل ولم يفدهم شيئا. قوله:(أي قي ستة أوقات) اليوم في اللغة مطلق الوقت، فإن أريد هذا فالمعنى ما ذكر، دمان أريد المتعارف فاليوم إنما كان بعد خلق الشمس والسماوات فيقدّر فيه مضاف، أي مقدار ستة أيام، وقوله دليل للاختيار ظاهر لأنه لو كان بالإيجاب لصدر دفعة واحدة، وقيل لأنّ عدوله إلى التدريج مع القدرة على خلافه يقتضي ذلك، وقيل إنّ في دلالته عليه خفاء، وأما كون الفعل موجبا مشروطا مما يوجد وقتاً فوقتا فقيل مآله إلى التسلسل أو ثبوت الاختيار، واعتبار النظار بناء غلى تقدم خلق الملائكة عليها، أو المراد أصحاب النظر والبصيرة من العقلاء
المعترفين بالشرع إذا سمعوه. قوله: (استوى أمره أو استولى الخ) في الكلام الاستواء من الصفات
المختلف فيها فقيل المراد استوى أمره فالإسناد مجازيّ أو فيه تقدير، ولا يضرّ حذف الفاعل إذا قام ما أضيف إليه مقامه، وقيل الاستواء بمعنى الاستيلاء كما في قوله:
قد استوى بشر على العراق
فعلى الأوّل ليس من صفاته تعالى، وعلى الثاني يرجع إلى صفة القدرة، وفي أحد قولي الأشعريّ إنه صفة مستقلة غير الثمانية، واليه أشار المصنف رحمه الله، وقيل بالتوقف فيه وأنه ليس كاستواء الأجسام وحمله المجسم على ظاهره. قوله:(والعرش الخ (أي هو فلك الأفلاك، أما حقيقة لأنه بمعنى المرتفع أو استعارة من عرس الملك وهو سريره، ومنه رفع أبويه على العرس، أو بمعنى الملك بضم الميم وسكون اللام ومنه ثل عرشه إذا انتقض ملكه واختل. قوله: (ولم يذكر عكسه للعلم به الخ) أشار بقوله يغطيه أي يغطي الله النهار بالليل، إلى أنّ الفاعل هو الله وإسناده إلى الليل مجاز ولما كان المغطي يجتمع مع المغطي وجوداً ولا يتصوّر هنا قال المصنف رحمه الله في سورة الرعد يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلماً بعدما كان مضيئاً يعني المغطى حقيقة هو المكان، وأسند إليه للملابسة بينهما، وجوّز جعل الليل والنهار مغشي على الاستعارة بأن يجعل غشيان مكان النهار واظلامه بمنزلة غشيانه للنهار نفسه، فكأنه لف عليه لف الغشاء أو شبه تغيب كل منهما بطريانه عليه بستر اللباس للابسه، وكون الجوّ مكانهما بمعنى مكان ضيائهما وظلمتهما والا فليس للزمان مكان فتدبر. قوله:) أو لآنّ اللفظ يحتملهما الخ) يعني معنى ما ذكره أوّلاً من تغطية النهار بالليل وعكسه تغطية الليل بالنهار، فيكون موافقا للقراءة المشهورة. وقال ألنحرير: إنه يعني أن يغشى الليل النهار محتمل لمعنى جعل الليل لاحقا بالنهار، بأن يحمل على تقديم المفعول الثاني وهو الليل ولمعنى جعل النهار لاحقا بالليل بأن يكون المفعول الثاني هو النهار، إلا أنه قيل ولا يراد منه إلا أحد المعنيين على التعيين فوجب المصير إلى الجواب الأوّل، واحتمال أنّ في أحد المعنيين إشارة إلى الآخر لا يخفى بعده، ورذه أبو حيان بأنه لا يجوز أن يكون الليل مفعولاً ثانيا من حيث المعنى لأنّ المنصوبين إذا تعدى إليهما فعل وأحدهما فاعل من حيث المعنى يلزم أن يكون هو الأوّل منهما، كما لزم ذلك في ملكت زيدا عمراً، ورتبة التقديم هي الموضحة لأنه الفاعل معنى، كما لزم ذلك في ضرب موسى عيسى بخلاف أعطيت زيداً درهما فإن تعين المفعول الأوّل لا يتوقف على التقديم، وفي القاعدة المذكورة كلام سيأتي في سورة مريم. وعندي أن مراده أنّ الليل والنهار بمعنى كل ليل ونهار وهو بتعاقب الأمثال مستمرّ الاستبدال فيدذ على تغيير كل
منهما بالآخر من غير تكلف ومخالفة لقواعد العربية فتدبره فإنه دقيق، وبالتأمّل حقيق، وقوله:(ولذلك قرئ الخ (فإنّ هذه القراءة تدلّ على العكس، وسيأتي لهذا تحقيق في سورة الرعد وي! إن شاء الله تعالى. قوله: (يعقبه سريعاً كالطالب الخ (أي الليل لأنه المحدّث عنه، والحث الإعجال والسرعة في الحمل على فعل الشيء كالحض، يقال حثثته فهو حثيث ومحثوث. قوله: (بقضائه وتصريفه) تفسير للأمر، وفي الكشاف بمشيئته وتصريفه وسماه أمرا على التشبيه، أي على سبيل الاستعارة إذ جعل هذه الأشياء لكونها تابعة لتدبيره وتصريفه كما يشاء، كأنهن مأمورات منقادة لأمره، ويصح حمله على ظاهره كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سورة يس، الآية: 82] على تفسير أي هذه الأجرام العظيمة والمخلوقات البديعة مذللة منقادة لإرادته، وقوله وقرأ ابن عامر رحمه الله كلها لو قال وقرأها كلها كان أحسن، وفي القراءة الأولى جوّز تقدير جعل ونصبها به، ومسخرات مفعول ثان. قوله:) فإنه الموجد والمتصرف (إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم الظرف، وفيه لف ونثر مرتب، فالموجد للخلق والمتصرت للأمر، والفاء للتفريع أو التفسير. قوله: (تبارك الله (قال الإمام رحمه الله البركة لها تفسيران أحدهما البقاء والثبات، والثاني كثرة الآثار الفاضلة، فإن حملته على الأوّل فالثابت الدائم هو الله، وإن حملته على الثاني فكل الخيرات والكمالات من الله، فلهذا لا يليق هذا الثناء إلا بحضرته، وقوله:) بالوحدانية (قيل أخذه مما قبله، لأنه لما اختص الخلق والتصرف به تعالى لزم انحصار الألوهية والربوبية
فيه، ولا حاجة إليه فإته مصرج به في قوله:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ} [سورة الأعراف، الآية: 54] الخ وهذا ختام ملاحظ فيه مطلعه، فلله دز المصنف رحمه الله تعالى في دقة نظره.
قوله:) وتحقيق الآية الخ (قال الإمام رحمه الله شرح خلق السماوات بقوله فقضاهن سبع سموات في يومين، ثم قال وأوحى في كل سماء أمرها، فدل على أنه خص كل فلك بلطيفة نورانية من عالم الأمر، فكذلك قال في هذه الآية بعد خلق السماوات والأرض! والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، فهو دالّ على أنّ كل واحد من الشمس والقمر والنجوم مخصوص بشيء روحاني من عالم الأمر، ثم قال:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} إشارة إلى أنّ كل ما سوى الله
إما من عالم الخلق، والملك وهو عالم الأجسام والجسمانيات، أو من عالم الأمر والملكوت، وهو كل ما كان مجرّدا عن الحجمية والمقدار إلى آخر ما فصله، فقوله المستحق للربوبية واحد مأخوذ من قوله إنّ ربكم وما وصف به، وقوله:(لأنه الذي الخ) إشارة إلى أن الصفات أجريت للتعليل، وقوله:(فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم) الخ بيان لدليل الانحصار، وقوله:(فأباع الآفلاك (إشارة إلى تقدم خلق السماء على الأرض كما مرّ، وقوله:) جسما تابلَا للصور (هو الهيولي وسماها جسماً لأنها مادّته، وقوله: (ثم قسمها (إشارة إلى العناصر الأربعة وما يتكوّن منها ويتولد منها وهي المواليد الثلاثة، أي الحيوان والنبات والمعدن، وقوله: (لقوله الخ (استدل به على أن الأربعة الأيام مع اليومين الأوّلين، وقوله: (ثم لتا تم له عالم الملك عمد إلى تدبيره) فيكون قوله ثم استوى على العرس استعارة تمثيلية. قوله: (أي ذوي تضرّع الخ (فهو حال من الفاعل بتقدير مضاف، ويجوز نصبهما على المصدرية أيضا، وقوله نبه به الخ، إشارة إلى أن معنى التجاوز في الدعاء طلب ما لا يليق به، فإنه تعذ عن حدّه المناسب له، وقوله وقيل هو الصياح في الدعاء والإسهاب الخ، الإسهاب معناه الإفراط في التطويل، وفي رفع الصوت بالدعاء اختلاف، منهم من كرهه مطلقا، ومنهم من قبله مطلقاً، ومنهم من فصل فقال: عند خوف الرياء الإخفاء أفضل فإن لم يخفه فالإظهار أفضل، وفي الانتصاف حسبك في
تعين الأسرار في الدعاء اقترانه بالتضرّع في الآية فالإخلال به كالإخلال بالضراعة إلى الله في الدعاء، وانّ دعاء لا تضرع ولا خشوع فيه لقليل الجدوى، وكذا ما لا يصحبه الوقار، وكثيرأ ما نرى الناس يعتمدون الصياح في الدعاء، خصوصا في الجوامع، ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين رفع الصوت في الدعاء وفي المسجد، وربما حصلت للعوام حينئذ رقة لا تحصل مع الخفض، وهي شبيهة بالرقة الحاصلة للنساء والأطفال، خارجة عن السنة، وسمة السلف الواردة في الآثار، والتضرّع بمعنى التذلل من الضراعة، وحمل التضرّع والخفية هنا على معنيين متقاربين، وهما التذلل مع الإخفاء، وفسرهما في الأنعام بمعلنين ومسرين، فجعل التضرّع مقابلا للخفية، قيل لأنّ المراد هناك حكاية دعائهم لا الأمر به. قوله:(وعن النبئ يكتيرو الخ)) 1 (رواه أبو داود وأحمد في مسنده. قوله: (ولا تفسدوا في الأرض) قال أبو حيان رحمه الله: هذا نهي عن وقوع الفساد في الأرض، وادخال ماهيته في الوجود بجميع أنواعه من إفساد النفوس والأموا أط والأنساب والعقول والأديان، ومعنى بعد إصلاحها بعد أن أصلح الله خلقها على الوجه الملائم لمنافع الخلق ومصالح المكلفين، اهـ وهو معنى كلام المصنف. قوله:(ذوي خوف من الرذ لقصور أعمالكم الخ) أي هما حالان بمعنى خائفين وطامعين، ويجوز أن يكونا مفعولين لأجلهما، وسيأتي تفصيله في قوله:{يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [سورة الرعد، الآية: 12] وقوله ترجيح للطمع الخ لأنّ المؤمن بين الرجاء والخوف، ولكنه إذا رأى سعة رحمته وسبقها غلب الرجاء عليه، وما يتوسل به إلى الإجابة هو الإحسان في القول والعمل، وهو يؤخذ من التعليق بالمشتق كما مرّ. قوله:) وتذكير قريب الخ) توجيه لتذكيره مع أنه خبر عن مؤنث، ولهم في تأويله وجوه تبلغ خمسة عشر وجها، منها ما ذكره المصنف انّ الرحمة بمعنى الرحم بضم الراء وسكون الحاء وضمهما بمعنى الرحمة، قال
تعالى: {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [سورة الكهف، الآية: 81] وفي نسخة بمعنى الترحم كما ذكره غيره أيضا، أو الخبر محذوف وهذا صفته أي أمر قريب، أو حمل فعيل بمعنى فاعل كما هنا على فعيل بمعنى مفعول الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث عند أمن اللبس، وقال الكرماني أنه بمعنى مفعول أي مقربة وضعف بأنه لا ينقاس خصوصا من غير الثلاثي، أو هو محمول على فعيل الوارد
في المصادر، فإنه للمذكر والمؤنث أيضا كالنقيض بالنون والقاف والضاد المعجمة، وهو صوت الرحل ونحوه، وقيل إنه للفرق بين قريب في يالنسب وغيره، وهو قول الفراء فإنه قال فلانة قريبة مني لا غير، وفي المكان وغيره يجوز الوجهان، وقال الزجاج: إنه خطأ، وقيل إنّ فعيلا للنسب كلابن وتامر وهو ضعيف، وتفصيله في الأشبا. والنظائر النحوية، وقراءة الريح على الوحدة مع جمع نشراً لأنه اسم جنس صادق على الكثير فهو في المعنى جمع. قوله:(جمع نشور بمعنى ناشر الخ) أي نشرا بضم النون والشين جمع نشور بفتح النون، بمعنى ناشر وفعول بمعنى فاعل، بطرد جمعه عليه كصبور وصبر، ولم يقل إنه جمع ناشز كبازل وبزل، لأنّ جمع فاعل على فعل شاذ، وناشر اختلف في معناه هنا، فقيل هو على النسبط، إما على أنّ النشر ضد الطي، واما على أنّ النشر بمعنى الإحياء لأنّ الريح توصف بالموت والحياة كقوله:
إني لأرجوأن تموت الريح فأقعد اليوم وأستريح
كما يصفها المتأخرون بالعلة والمرض، ولقد تلطف القائل في شدة الحرّ:
أظن نسيم الروض! مات لأنه له زمن في الروض! وهو عليل
وقيل هو فاعل من نشر مطاوع أنشر الله الميت فنشر وهو ناشر كقوله:
حتى يقول الناس ممارأوا ياهـ اللميت ا! اشر
وقيل ناشر بمعنى منشر أي محعى، وقيل فعول هنا بمعنى مفعول كرسول ورسل، إلا أنه
نادر مفرده وجمعه، وقراءة ابن عامر بضم النون وسكون الشين بعدما كانث مضمومة للتخفيف المطرد في فعل بضمتين. قوله:) بفتح النون) أي وسكون الشين مصدر بمعنى ناشرات، وفي الكشاف بمعنى منتشرات، لما مرّ من معاني نشر أو نصبه على الحالية، أو هو مفعول مطلق لأرسل من معناه، كجلس قعوداً ورجع القهقرى. قوله:) وعاصم بشرا الخ (أي بضم الموحدة وسكون الشين، وأصلها الضم جمع بشير كنذير ونذر ثم خفف بالتسكين، وهي بمعنى يرسل
الرياج مبشرات لينشرها بالمطر، وقد روي بضمهما أيضا وهي مروية عن عاصم رحمه الله وقوله مصدر بشره أي بالتخفيف، بمعنى بشره المشدد، وباشرات بمعنى مبشرات، وقوله وبشري أي وقرئ بشري كرجعي وهو مصدر أيضا من البشارة، وقوله قدّام رحمته تقدم تحقيقه وفسر الرحمة بالمطر، كما أثبته بعض أهل اللغة، ولا يلتفت إلى قول ابن هشام في بعض رسائله إنه لم يثبت مجيء الرحمة بمعنى المطر، وقوله:(تدزه) بالدال المهملة أي تنزل مطره من الدر بمعنى اللبن مجازاً. قوله:) حملت واشتقاقه من القلة) وفي نسخة حملته وحقيقة أقله جعله قليلاً أو وجده قليلا، والمراد به ظنه قليلاً كأكذبه إذا جعله كاذباً في زعمه، ثم استعمل بمعنى حمله لأنّ الحامل يستقل ما يحمله، ومنه القلة والمقل بمعنى الحامل، وقوله يستقله أي يعده قليلا، وحتى غاية لقوله: يرسل والسحاب اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة وهو يذكر ويؤنث ويفرد وصفه ويجمع، وأهل اللغة تسمية جمعاً فلذا روعي فيه الوجهين في وصفه وضميره. قوله:(لآجله أو لأحيائه أو لسقيه الخ) قال أبو حيان رحمه الله اللام في لبلد لام التبليغ، كما في قلت لك، وفرق بين قولك سقت لك مالاً وسقت لأجلك مالاً فإنّ الأؤل معناه أوصلته لك أو أبلغتكه، والثاني لا يلزم منه وصوله إليه وقوله:(لإحيائه) الخ اللام فيهما أيضاً للتعليل، وميت قرئ مشدداً ومخففا كما ذكره المصنف. قوله:) بالبلد أو بالسحاب الخ (أي يجوز في الضميرين المذكورين أن يعودا على كل مما ذكر قبلهما صريحا أو ضمنا، وجعله الباء للإلصاق لأنّ الإنزال ليس في البلد بل المنزل، ولذا جوّز فيه الظرفية كما في رميت الصيد بالحرم، والسببية شاملة للسبب القريب والبعيد، وعود الضمير على الماء لقربه، ولا يضره تفكيك الضمائر لأنه مع القرينة حسن. قوله: (من كل أنواعها الما كان الاستغراق غير مراد ولا واقع، وكان المراد التكثير، وقيل أنّ الاستغراق عرفي. قوله: (1 لإشارة فيه إلى إخراج الثمرات) قيل فيه إشارة إلى طريقتي القائلين بالمعاد الجسماني في إيجاد البدن ثم إحيائه بعد انعدامه، أو ضم بعض أجزائه إلى بعضها
على النمط السابق بعد تفرقها ثم
إحيائه، ففيه رذ على منكريه، والأوّل أظهر لأنّ المتبادر من الآية كون التشبيه بين الإخراجين من كتم العدم، والثاني يحتاج إلى تمحل تقدير الأحياء واعتبار جمع الأجزاء مع أنه غير معتبر في جانب المشبه به، قلت قوله بردّ النفوس إلى موادّ أبدانها بعد جمعها يأبى حمله على الأوّل، وهو المذهب الحق الذي اختاره المصنف فتأمّل، تطريتها من المنقوص بمعنى تجديدها، وموادّ بالتشديد جمع ماذة وقوله:(فتعلمون) بيان للمقصود من تذكر ذلك وتدبره بمقتضى المقام، وقوله:(بالقوى) أي بسبب القوى أو بإظهار آثار القوى فلا يرد عليه أنّ القوى موجودة وان لم تتعلق النفس بها، فالوجه أن يقال بعد جمع أبدانها وتهيئتها لتعلق النفس وصلوحها للقوى والحواس فتدبر. قوله: (1 لأرض الكريمة التربة (إشارة إلى أنّ البلد بمعنى الأرض! مطلقاً كما في قوله:
وبلدة مثل ظهر الترس موحشة للجن بالليل في حافاتها زجل
وأمّا استعمالها بمعنى القرية فعرف طار، والكريمة التربة تفسير للطيب، وكرمها كونها
منبتة لاسباخا. قوله: (بمشيئته وتيسيره) هذا معنى إذن الله كما مرّ. قوله: (عبر به عن كثرة النبات وحسنه الخ) أي المراد من كونه طيبا أن يكون حسنا وافياً لكونه واقعاً في مقابلة نكدا، فالمطابقة معنوية، وفي صحاح الجوهري نكدت الركية قل ماؤها، ورجل نكد عسر، وقيل: إنّ في الكلام حالاً محذوفة، أي يخرج واقياً حسنا بقرينة مقابله، والغرارة بفتح الغين والزاي المعجمتين والراء المهملة الكثرة، والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المهملة أرض ذات حجارة سود، والسبخة بكسر الباء أرض ذات ملح معروف. قوله:(قليلأ عديم النفع الخ) تفسير نكد بالكسر، لأنه يقال عطاء نكد أي قليل لا خير فيه، وكذا رجل نكد قال:
فأعط ما أعطيته طيبا لاخيرفي المنكودوالناكد
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن أعطيت أعطيت تافها نكدا
ونصبه على الحال أو صفة مصدر محذوف أو معطوف على الطيب فيكون البلد عاماً، ويخرج أصله يخرج نباته كما قدره المصنف رحمه الله تعالى، أو التقدير وبنات الذي خبث الخ وقال الطيبي: والذي خبث إشارة إلى أنّ أصل الأرض! أن تكون طيبة منبتة، وخلافه طار لعارض! ، كما أنه مثال للإنسان الذي الأصل فيه أن يكون على الفطرة، وقوله:(ونكدا) على المصدر أي قرئ نكداً بفتحتين على زنة المصدر، والنصب أيضا على أنه مصدر أي خروجاً
نكداً كما ذكره المعرب، وقيل أراد به تصحيح اللفظ لا أنه منصوب على المصدر، فإنه حال بحذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه، وتوله:(يخرجه البلدا لم يجعل الضمير لله لتكلفه، ونردّدها ونكرّرها تفسير لنصرف، لأنّ التصريف تبديل حال بحال، ومنه تصريف الرياح. قوله: (لقوم يشكرون نعمة الله الخ) أو مثل ما مرّ في القرآن من تفصيله وتبيينه نفصل ونكرر سائر آياته لمن شكر نعمة الله التي من جملتها هذا التفصيل، وشكرها بالتفكر فيها والاعتبار بها وخص الشاكرين لأنهم المنتفعون به وإن عم، وإنما فسر الشكر بما ذكر لأنه المناسب لما قبله، ولو أبقى على ظاهره لكان أظهر. قوله:(والآية مثل لمن تدبر الآيات الخ) أي قوله: (والبلد الطيب) الخ استطراد واقع على أثر ذكر المطر الذي هو توطئة لقوله: {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى} الخ أي هو تمثيل وتقريره أنا بينا تلك الآيات الدالة على القدرة والعلم لعلكم تتفكرون فيها، فتعلمون أنكم إلينا ترجعون، لكن لا تنجع تلك الآيات إلا فيمن شرح الله صدره، فيخرج نبات فكره طيباً، ومن جعل صدره ضيقا لا يخرج نبات فكره إلا حبينا، فلا يرفع لها رأساً، كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون، وهذا كما في حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء قأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجاذب أمسكت الماء، فنقع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان) 1 (لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم
ومثل من لم يرفع لذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت له ") 2 (. وقوله: (لم يرفع رأساً (استعارة لعدم الانتفاع والقبول، والظاهر أنه كناية، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى هذا الحديث. قوله:) جواب قسم محذوف الخ (أي هو جواب قسم محذوف تقديره والله لقد أرسلنا، وفي الكشاف فإن قلت ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد، وقل عنهم نحو قوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموافما إن من حديث ولا صالي
قلت: إنما كان ذلك لأن الجملة القسمية لا تساق، إلا تأكيداً للجملة المقسم عليها التي
هي جوابها فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم، وتبعه المصنف رحمه الله لكن غيره من النحاة قالوا إذا كان جواب القسم ماضيأ مثبتاً متصرفاً
فإما أن يكون قريبا من الحال فيؤتى بقد، وإلا أتيت باللام وحدها، فجؤزوا الوجهين باعتبارين، وقال هنا: لقد بدون عاطف، وفي هود والمؤمنين بعاطف قال الكرماني لتقدم ذكره صريحاً في هود وفي المؤمنين ضمناً في قوله:{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 22] لأنه أوّل من صنعها بخلاف ما هنا. قوله: (لأنها مظنة التوقع (هو معنى كلا االكشاف الذي قررناه، ولا فرق بينهما كما توهم، وفي شرح التسهيل بسط لهذه المسألة والاعتراض بقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} وهم لأنّ الكلام في الماضي، والمراد بالتوقع توقع الأعلام به لأنه ماض. قوله: (ونوح ابن لملك الخ (لملك بفتحتين ولأمك كهاجر أبو نوج عليه الصلاة والسلام، ومتوشلح بوزن المفعول في المشهور، وقيل هو بفتح الميم وضم المثناة الفوقية المشددة وسكون الواو وشين معجمة ولام مفتوحة ثم خاء معجمة. قوله: (أوّل نبتي الخ) اعترض عليه بأنه يقتضي أنه أوّل الرسل، وقد كان قبله شيث وإدرش! عليهما الصلاة والسلام، وهو من خواص نبينا محمد! ت، وأجيب عنه بأنّ عموم الرسالة للثقلين، وبقاء دعوته إلى يوم القيامة، وأيضا إنه بعد الطوفان لم يكن في الأرض غير قومه، وتفصيله في شرح البخارقي لابن حجر. قوله:(أي اعبدوه وحده) فسره به لدلالة ما بعده عليه لأنّ الإله المعبود، ولأنهم معترفون بعبادته، وهي مع التشريك كلا عبادة، وغيره قرئ بالحركات الثلاث، بالنصب على الاستثناء، والجر على النعت أو البدل من إله، والرفع باعتبار محله. قوله:) إن لم تؤمنوا (كان الظاهر إن لم تعبدوا، لكن لما كانت عبادته تستلزم الإيمان به قدر ذلك، وكون المراد باليوم يوم الطوفان لأنه أعلم بوقوعه إن لم يؤمنوا. قوله: (أي الإشراف الخ) الرواء بضم الراء المهملة والمذ حسن المنظر، وملء العيون مجاز عن زيادة حسنهم في النظر، وقيل لأنهم ملوّن قادرون على ما يراد منهم من كفاية الأمور، أو يملؤون المجال! باتباعهم. توله:) أي شيء من الضلال بالغ في النفي الخ) في الكشاف الضلالة أخص من الضلال، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه، كأنه قال ليس بي شيء من الضلال، كما لو قيل لك ألك تمر فقلت ما لي تمرة، وفي المثل السائر الأسماء المفردة الواقعة على الجنس التي يفوق بينها وبين واحدها بتاء
التأنيث متى أريد النفي كان استعمال واحدها أبلغ، ومتى أريد الإثبات كان استعمالها أبلغ، كما في هذه الآية، وليس الضلالة مصدرا كالضلال بل هي عبارة عن المزة الواحدة، فإذا نفى نوح عليه الصلاة والسلام عن نفسه المرة الواحدة من الضلال فقد نفى ما فوق ذلك، وقد اشتهر الاعتراض على ذلك بوجوه منها ما قيل إنه غير مستقيم لأنّ نفي الأخص أعم من نفي الأعم، فلا يستلزمه ضرورة، أنّ الأعم لا يستلزم الأخص بخلاف العكس، ألا تراك إذا قلت هذا ليس بإنسان لم يلزم أن لا يكون حيوانا، ولو قلت هذا حيوان لا يستلزم أن يكون إنسانا، فنفي الأعم كما ترى أبلغ من نفي الأخص، وأيضاً جعل التاء للوحدة كتاء تمرة، وقد قال في المجمل الضلال والضلالة بمعنى واحد، وأيضاً لو قيل ما عندي تمرة بمعنى تمرة واحدة، وعندي تمر كثير صح، كما لو أظهر ذلك فقال ليس عندي تمرة واحدة بل تمرات حتى لا يعد مثله تناقضا، فقول نوج صلى الله عليه وسلم:{لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ} ليس نفياً لضلالات مختلفة الأنواع، وردّ بأنهما وأن جاآ في اللغة بمعنى واحد كالملال والملالة إلا أن مقابلة الضلال بالضلالة ونفيها عند قصد المبالغة في الهداية، يدل أن المراد به المرة، والتاء للوحدة فيكون بعضاً من جنس الضلال وفرداً واحدا منه، ويؤول
معناه إلى أقل ما يطلق عليه اسم الضلال، وهذا معنى كونه أخص! ، ولا يبعد تفسيره بالأقل فردا وظاهر، أنّ نفيه أبلغ من نفي الجنس المحتمل للكثرة، أو الانصراف إلى الكمال، كما يحتمل نفس الماهية، ولا كذلك احتمال رجوع النفي في المرة إلى الوحدة، بمعنى ليس بي ضلالة بل ضلالات، كما في جاءني رجل بل رجلان لأنه مضمحل، في هذا المقام لا مجال للوهم فيه فسقط ما أورد على ذلك برمته، وأغنى عما وقع هنا للشراح من القيل والقال، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله شيء من الضلال فتدبر، وقوله بالغ في النفي حيث نفى عن نفسه ملابسة ضلالة واحدة، وبالغوا في الإثبات حيث أكدوا كلامهم بأنّ واللام، وجعلوا الضلال ظرفا له، وقوله وعرض لهم به لأنّ تقديم المقيد لاختصاص النفي به يقتضي أنه ثابت لهم، وهو المراد بالتعريض لأنه من عرض الكلام ومفهومه. قوله:(استدراك باعتبار ما يلزمه الخ) في الكشاف فإن قلت كيف وقع قوله ولكني رسول استدراكاً للانتفاء عن الضلالة، قلت كونه رسولاً من الله مبلغا رسالاته ناصحا في معنى كونه على الصراط المستقيم فصح لذلك أن يكون استدراكا للانتفاء عن الضلالة، فقيل عليه معنى الاستدراك أن يقع للمخاطب في الجملة السابقة وهم فيتدارك ذلك الوهم بإزالته، فلما نفى الضلالة عن نفسه فربما يتوهم المخاطب انتفاء الرسالة أيضاً كما انتفى الضلالة فاستدركه بلكن، كما في قولك زيد ليس بفقيه، لكنه طبيب، وأما جوابه بأن إثبات الرسالة في معنى الاهتداء واثبات الاهتداء استدراك لنفي الضلالة ففيه بعد، لأنه لما نفى الضلالة لم يذهب وهم واهم إلى نفي الاهتداء أيضاً حتى يحتاج إلى تداركه، ويمكن أن يقال إذا لم يسلك طريقا فلا
اهتداء ولا ضلال، وقال النحرير: متعقبا له إن كان القصد إلى مجرّد كون لكن يتوسط بين كلامين متغايرين نفيا واثباتاً فوجه السؤال والجواب ظاهر، وأمّ إذا أريد بالاستدراك رفع التوهم الناشئ من الكلام السابق على ما هو المشهور، وعلى ما قاله المصنف رحمه الله تعالى معنى الاستدراك أنّ الجملة التي يسوقها أولأ يقع فيها وهم للمخاطب فيتدارك ذلك الوهم بإزالته، كقولك زيد ليس بفقيه ولكته طبيب، ففي الكلام إشكال لأن نفي الضلالة ليس مما يقع فيه نفي كونه رسولأ، وعلى صراط مستقيم، وما في الكتاب غير واف بحله بل ترك ما ذكره من التأويل أولى، إذ يمكن أن يقال ربما يتوهم المخاطب عند نفي الضلالة انتفاء الرسالة أيضاً، لكن توهم انتفاء الهداية مما لا وجه له إذ من البعيد أن يقال نفي الضلالة، ربما يوهم نفي سلوك الطريق المستقيم، وحيث لا سلوك لا هداية، كما لا ضلالة والظاهر أن المصنف رحمه الله تعالى لم يقصد سوى أنه عند نفي أحد المتقابلين قد سبق الوهم إلى انتفاء المقابل الآخر، لا إلى انتفاء الأمور التي لا تعلق لها به، فأول ما وقع في معرض الاستدراك بما يقابل الضلال مثلا يقال زيد ليس بقائم لكنه قاعد، ولا يقال لكنه شارب إلا بعد التأويل بأن الشارب يكون قاعدآ، وقد قيل: إنّ القوم لما أثبتوا له الضلالة أرادوا به ترك دين الآباء ودعوى الرسالة، فهو حين نفي الضلالة توهم منه أنه على دين آبائه، وترك دعوى الرسالة، فوقع الأخبار بأنه رسول، وثابت على الصراط المستقيم أستدراكا لذلك، ولا خفاء في أن هذا ليس كلام الكتاب، اهـ وما ذكره تحقيق بديع لكن المذكور في العربية كما نقله صاحب المغني أنّ للنحاة في الاستدراك ولزومه لها قولين: فقيل الاستدراك أن تنسب لما بعدها حكما مخالفاً لما قبلها سواء تغايرا إثباتا ونفياً أولاً، وقيل هو رفع ما يتوهم ثبوته، وهو التحقيق كما يشهد به من تتبع موارد الاستعمال، وما ذكره أوّلاً مخالف للقولين إلا أن يرجع إليه بضرب من التأويل، وقال بعض المتأخرين من علماء الروم: النظر الصائب في الاستدراك هنا أن يكون مثل قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
الخ وقوله:
سوى أنه الضرغام لكنه الوبل
أي ليس بي ضلالة وعيب، لكني رسول من رب العالمين فليتأفل، ومحصل كلام المصنف رحمه الله تعالى أنها واقعة بين متغايرين بحسب التأويل، وهي تفيد التأكيد في مثله، كما صرح به النحاة فلا يرد السؤال الذي أورده بعضهم هنا، وهو فإن قيل لا فائدة في الاستدراك لأنّ نفي الضلالة يستلزم الهدي، قلنا المراد من الهدي الهداية الكاملة، ونفي الضلالة لا يستلزمها. قوله:(صفات لرسول أو استئناف) قيل إذا كانت الجملة صفات جاز فيها التكلم لأنها خبر
المتكلم كقوله:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
والقياس سمته لكنه حمل على المعنى لا من اللبس، وهو مع ذلك قبيح حتى قال المازنيّ رحمه الله تعالى لولا شهرته لرددته، فينبغي الحمل على الاستثناء إذ لا وجه للحمل على الضعيف مع وجود القوي، قلت لا وجه لهذا لأنّ ما ذكره المازني في صلة الموصول لا في وصف النكرة فإنه وارد في القرآن مثل:{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أسورة النمل، الآية: 55] مصرج بحسنه في كتب النحو والمعاني، مع أنّ ما ذكره المازني وتبعه ابن جني حتى استرذل قول المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
ردّه النحاة وقال في الانتصاف أنه حسن في الاستعمال، وهذا إذا لم يكن الضمير مؤخراً
نحو الذي قرى الضيوف أنا أو كان للتشبيه نحو أنا في الشجاعة الذي قتل مرحبا، وقوله بالتخفيف أي تسكين الباء وتخفيف اللام لا تشديدها، وقوله:(على الوجهين) أي ألاستئناف والوصفية، فهي فيهما بيان للرسول بأنه الذي يبلغ عن الله الخ. قوله:(وجمع الرسالات الخ) أي رسالة كل نبيّ واحدة وهي مصدر الأصل فيه أن لا يجمع، فجمع هنا لاختلاف أوقاتها فكل وقت له إرسال، أو تنوّع معاني ما أرسل به، أو أنه أريد رسالته ورسالة غيره ممن قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقوله:(للدلالة على إمحاض النصح) بناء على أنّ اللام فيه للاختصاص لا زائدة للدلالة على أنّ الغرضى ليس غير النصح، وليس النصح لغيرهم كما قيل، والمراد بكون النصح ليس لغيرهم أن نفعه يعود عليهم لا عليه كقوله:{مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ} وهذا هو المستفاد من اللام بواسطة الاختصاص، وأمّا كونه لا غرض له غير النصح في تبليغه، فإمّا من ذكر النصح بعده أو لأن معناه كما قال الراغب: يتضمن الخلوص عما يخالفه من قولهم عسل ناصح أي خالص، فلا يرد على الأوّل أن دلالة اللام عليه غير ظاهرة، وعلى الثاني أنه لا وجه للحصر فيهم لا سيما ودعوة نوح عليه الصلاة والسلام عامة لمن في عصره، فتدبر ووجه التقرير لأنّ سعة علمه تقتضي تصديقه فيما أخبرهم به. قوله:(من قدرته الخ) فمن بيانية لما مقدمة عليه وفيه مضاف فقدر، وعلى الوجه الثاني من ابتدائية ولا تقدير فيه،
والاستفهام للإنكار بمعنى لم كان ذلك ولا داعي له، والكلام في تقدير المعطوف وعدمه معلوم مما مر، وتفصيله في أول المغني وان جاءكم بتقدير من لتعديته بها، وفسر الذكر بما أرسل به كما قيل للقرآن ذكراً وبالمواعظة لأنها تذكير وقدراسان في قوله على رجل المتعلق بجاء لأنه لا يقال جاء عليه بل جاء على يده أو على لسانه، يعني بواسطته وقيل على بمعنى مع فلا حاجة إلى التقدير، وقيل تعلق به لأنّ معناه أنزل أو لأنه ضمن معناه، وقوله من جملنكم أو من جنسكم إشارة إلى أنّ من تبعيضية أو بيانية. وقوله:(نإنهم الخ) على الوجهين بيان للتعجب من كونه جاء على لسان رجل، وليس مخصوصا بالثاني كما توهم، وقوله من إرسال البشر أي من دعواه، وعاقبة الكفر والمعاصي العذاب والعقاب، وضمير منهما للكفر والمعاصي. قوله:(بسبب لإنذار الخ) أراد أنه سبب في نفسه لا أنّ الكلام دال عليه، وكذا فيما بعده فلا يرد الاعتراض عليه بأنه لم يعتبر السببية، والا لقيل فتنقوا مع أنه تابعه قيما بعده فورد عليه ما ورد فتأمّل. وقوله وفائدة حرف الترجي الخ وقيل هو جار على عبادة العظماء في وعدهم بلعل. قوله تعالى {فَأَنجَيْنَاهُ} الخ الفاء للسببية باعتبار الإعراق لا فصيحة، وفي الشعراء ثم أغرقنا لأنّ الإنجاء ثمة من قصدهم له كما ذكره هناك وقوله وهم من آمن به خصه بالبشر لمقابلته بإغراق المكذبين وإن كان معه بعض الحيوإنات وقوله:(وكانوا أربعين) الخ أي الناجون فلا يخالفه ما هو في هود من أن من آمن به تسعة وسبعون. قوله: (متعلق بمعه الخ) أي يجوز أن يتعلق بما تعلق به الظرف الواقع صلة، كما يجوز أن يكون صلة ومعه متعلق به، أو متعلق بأنجينا وفي ظرفية أو سببية أو حال من الموصول متعلق بمقدر أي كائنين فيها، أو حال من الضمير المستتر في الظرف، والفرق بينه وبين الأول لفظا أن له متعلقا مقدراً على هذا، ومعنى التصريح بالغية هذا بعد ما كانت ضمنا وفيه نظر. وقوله عمي القلوب بضم العين وسكون الميم جمع أعمى، وبفتح العين وكسر الميم على أنه مفرد أو جمع سقطت نونه للإضافة. قوله:(والأوّل أبلغ الخ) فرق بين عم وعامى بأن عم صفة مشبهة تدل على الثبوت كفرح بخلاف عام فهو أبلغ، وقيل عم لعمي البصيرة، وعام لأعمى البصر
وقيل هما سواء فيهما. قوله: (عطف على نوحاً إلى
قومه) أي عطف المجموع على المجموع وغير الأسلوب لأجل ضمير أخاهم، إذ لو أتى به على سنن الأول عاد الضمير إلى متأخر لفظ، ورتبة وهوداً عطف بيان أو بدل وعاد اسم أبيهم سميت به القبيلة أو الحيّ، فيجوز صرفه وعدمه كثمود كما ذكره سيبويه وأمّا هودءلمج! ر فاشتهر أنه عربي، وظاهر كلام سيبويه رحمه الله أنه أعجمي ويشهد له ما قيل إنّ أول العرب بعرب، ومعنى أخاهم إنه منهم نسبا وهو قول للنسابين، ومن لا يقول به يقول إن المراد صاحبهم وواحد في جملتهم، كما تقول يا أخا العرب، وبين حكمة كون النبيّ صلى الله عليه وسلم يبعث من قومه لأنهم أفهم لقوله من قول غيره، وأعرف بحاله في صدقه وأمانته وشرف أصله. قوله:(استأنف به ولم يعطف الخ) أي لم يعطف هذا ولا قال الآتي في جوابهم لجعله جواب سؤال مقدر، بخلاف ما مرّ في قصة نوج صلى الله عليه وسلم، فغاير بينهما تفنناً كما ذكره الزمخشريّ. وقيل عليه إنه غير كاف في الفرق فإنّ الرسالة كما هي مظنة السؤال هنا، كذلك هي مظنة السؤال ثمة فالأولى أن يقال كان نوح يك! يرو مواظبا على دعوتهم غير مؤخر لجواب شبههم لحظة واحدة، وأما هود صلى الله عليه وسلم فما كان مبالغا إلى هذا الحد فلذا جاء التعقيب في كلام نوح عليه السلام، وقيل إنه يصلح عذر الترك الفاء لا لترك الوصل والكلام فيه، وقيل إنّ تتمة هذا الجواب أنّ قصة نوج عليه السلام ابتداء كلام فليست مظنة سؤال بخلاف قصة هود صلى الله عليه وسلم فإنها معطوفة على قصة نوح عليه السلام، فكانت مظنة أن يقال أقال هود مثل ما قال نوج أم لا، وقيل عليه إنه تغيير للتقرير بتقرير آخر وليس بشيء. قوله:(وكأن قومه كانوا أقرب من قوم نوح عليه السلام ولذلك قال الخ) أي كانوا أقرب إلى قبول الحق واجابة الدعوة من قوم نوج صلى الله عليه وسلم، ولذلك أطلق الملأ المعاندين من قوم نوح وقيده هنا بمن كفر منهم، وفيه إشارة إلى وجه قوله هنا أفلا تتقون، وقوله هناك:{إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [سورة الأعراف، الآية: 59] فإنه أشدّ من التخويف وقيل في وجهه إنها أوّل وقعة عظيمة بخلاف هذه فتدبر. قوله: (إذ كان من إشرافهم من آمن الخ) فلم يكن من أشراف قوم نوح عليه الصلاة والسلام مؤمن، فعلى هذا ما ورد في سورة المؤمنين:{فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ} [سورة المؤمنون، الآية: 24] الخ في وصف نوج يكتنرو محمول على أنه هناك للذمّ لا للتمييز وإنما لم يذمّ هاهنا للإشارة إلى التفرقة بين قوم نوج
وقوم هود عليهما الصلاة والسلام ولو حمل الوصف على الذمّ هنا، وفرق بأنّ مقتضى المقام ذمّ قوم هود لشدة عنادهم لقولهم إنا لنراك في سفاهة مع كونه معروفا بينهم بالحلم والرشد، وذم قوم نوح في سورة المؤمنين لعنادهم بقولهم:{مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ، إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} [سورة المؤمنون، الآية: 24-25] لما فيه من فرط العناد، ثم إنه قيل إنّ الظاهر أن ما نقل هنا عن قوم نوج صلى الله عليه وسلم مقالتهم في مجلس أو مقالة بعضهم، وما نقل في سورة المؤمنين مقالتهم في مجلس آخر، أو مقالة بعض آخر، فروعي في المقامين مقتضى كل من المقالتين، ثم إن شذة عناد من عاند من قوم هود صلى الله عليه وسلم لا تنافي قرب جملتهم من جملة قوم نوج، حيث آمن بعض أشرافهم دون أشراف قوم نوجء! ر، فإن قلت قوله إذ كان من أشراف قومه من آمن يقتضي أنّ قوم نوج عليه الصلاة والسلام ليسوا كذلك، وهو ينافي قوله في تفسير قوله والذين آمنوا معه أنه آمن معه أربعون رجلاً وأربعون امرأة، وقوله تعالى:{لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَاّ مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [سورة هود، الآية: 36] قلت هؤلاء لم يكونوا من السادات كما هو المعتاد في اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وفيل إنه وقت مخاطبة نوح جمز لقومه لم يكونوا آمنوا، بخلاف قوم هود، ومثله يحتاج إلى النقل. قوله: (متمكناً في خفة عقل راسخا فيها (حيث لم يقل سفيها، وجعله متمكنا فيها تمكن الظرف في المظروف، ففيه استعارة تبعية مع أن واللام المؤكدة لذلك، وقوله حيث فارقت الخ تعليل لذلك. وقوله ولكني رسول مرّ تحقيق الكلام فيه. قوله: (وفي إجابة الآنبياء عليهم الصلاة والسلام الكفرة الخ (توصيفه الكلمات بالحماقة مبالغة، والمعنى الأحمق قائلها فهو مجاز، وقوله عن مقابلتهم أي
بالتسفه والتكذيب وهضم النفس من قوله على رجل منكم، وقوله تنبيه على أنهم عرفوه بالأمرين النصح والأمانة، فليس من حقه أن يتهم بالكذب ونحوه، وذكر هذا في الكشاف، ثم قال وأنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه، وفي الكشف الفرق بين الوجهين بحسب تقدير المتعلق للنصح والأمانة وجعلهما من قبيل المهجور ذكر متعلقه، والثاني يفيد أنه أوحدي فيه موجد للحقيقتين كأنه صناعته، فلذلك قال عرفت فيما بينكم، وقال الطيبي وحمه الله إنه على الأوّل اعتراض، وعلى الثاني حال، كما مرّ في قوله تعالى:{ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} [سورة البقرة، الآية: 51] وهذا كله من العدول عن الفعلية إلى الاسمية المفيدة للتحقق
والثبوت، ووقع في نسخة هنا وقرأ أبو عمرو أبلغكم بالتخفيف يعني من الأفعال والباقون بالتشديد في الموضعين، وفي الأحقاف والتضعيف والهمزة للتعدية. قوله:(واذكروا إذ جعلكم خلفاء) إذ ظرف منصوب بآلاء المحذوف هنا بقرينة ما بعده لتضمته معنى الفعل، والذي اختاره الزمخشريّ أنه مفعول اذكروا، أي اذكروا هذا الوقت المشتمل على هذه النعم الجسام، كما مرج تفصيله في البقرة، وهو أقرب مما مرّ لكنه مبنيّ على الاتساع في الظرف، أو أنه غير لازم للظرفية، والمشهور في النحو أنّ إذ وإذا لازمان للظرفية، وفي الخلق يحتمل أنه بمعنى المخلوقين، أي زداكم في الناس على أمثالكم بسطة أي قوّة، وزيادة جسم لأنه روي أن أقصرهم كان ستين ذراعا، وعالج موضع مشهور بكثرة الرمل، وعمان بالضم والتخفيف بلد ينسب إليه البحر، ووقع في نسخة شجر بشين معجمة وحاء مهملة، وهو ساحل له ينسب إليه العنبر، وعلى أن المراد الملك الإسناد إليهم مجاز لكونه من بعضهم، وقوله خوفهم من عقاب الله هو من قوله تتقون كما فسره والنعم ظاهرة. قوله: (آلاء الله (هي نعمه جمع إلي بكسر الهمزة وسكون اللام، كحمل وأحمال، أو إلى بضم فسكون كقفل وأقفال، أو إلى بكسر ففتح مقصوراً كعنب وأعناب، أو بفتحتين مقصوراً كقفا وأقفاء، وبهما ينشد قول الأعشى:
أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحمي ولا يخون إلى
وقوله تعميم الخ أي مطلق آلاء الله لا قوله زادكم كما توهم. قوله: (لكي يفضي الخ (
لما كان الفلاج لا يترتب على مجرّد ذكر النعم جعل ذكرها عبارة عما يلزمها من شكرها الذي من جملته عمل الأركان، ولطاعة فالشكر عرفيّ وهو كناية. قوله:) استبعدوا اختصاص الخ) الاستبعاد مستفاد من الاستفهام وسوق الكلام والانهماك الإكثار والتقيد بالشيء، وألفوه من الألف والمحبة، وفي نسخة ألفوه بسكون اللام أي وجدوه. قوله:) ومعنى المجيء الخ (لما كان بين أظهرهم وفيهم أوّل بأنه كان في مكان معتزلاً عنهم للعبادة أو لئلا يرى سوء صنيعهم، فجاءهم حقيقة لينذرهم، أو أن المراد به أجئتنا ونزلت علينا من السماء، تهكما بناء على زعمهم أنّ المرسل من الله لا يكون إلا ملكأ، أو مجاز عن القصد إلى شيء، والشروع فيه فإنّ
جاء وقام وقعد وذهب تستعمله العرب كذلك تصويراً للحال، فتقول قعد يفعل كذا وقام يشتمني، وذهب يسبني قال:
فاليوم إذ قمت تهجوني وتشتمني
كما فصله المرزوقي في شرح الحماسة. قوله: (قد وجب أو حق أو نزل الخ) يعني استعمال وقع المخصوص بنزول الأجسام في الرجس، والغضب مجاز عن الوجوب بمعنى اللزوم من إطلاق السبب على المسبب، كما أنّ الوجوب الشرعي كان بمعنى الوقوع فتجوّز به عما ذكر، ويجوز أن يكون استعارة تبعية شبه تعلق ذلك بهم بنزول جسم من علو، وهو المراد بقوله نزل عليكم كذا قيل والظاهر أنه يريد أنّ وقع بمعنى قضى وقدر، لأنّ المقدرات تضاف إلى السماء، وما قيل إنّ التجوّز في كلمة على لأنّ العذاب لقوّة الثبوت كأنه استعلاء، أو لأنّ أكثر العذاب ينزل من صوب السماء، فضمن معنى النزول فلا وجه له، وقوله: (على أنّ المتوقع (وجه للتعبير بالمضيّ عما سيقع ولا يخفى لطف، كالواقع هنا لقوله في النظم وقع، فالتجوّز إما في المادة أو الهيئة، والارتجاس والارتجاز بمعنى حتى قيل أنّ أحدهما مبدل من الآخر، وأصل معنا. الاضطراب، ثم شاع في العذاب لاضطراب من حل به، وفسر الغضب بالغضب الإلهي وارادة الانتقام كما مرّ تحقيقه في الفاتحة لئلا يتكرّر مع ذكر العذاب قبله. قوله:
(في أشياء سميتموها آلهة الخ) جعل الأسماء عبارة عن الأصنام الباطلة، كما يقال لما لا يليق ما هو إلا مجرّد اسم، فالمعنى أتجادلونني في مسميات لها أسماء لا تليق بها، فتوجه الدمّ للتسمية الخالية عن المعنى، والضمير حينئذ راجع لأسماء وهي المفعول الأوّل للتسمية، والثاني آلهة ولو عكس لزم الاستخدام، وقوله ما نزل الله بها من سلطان أي حجة ودليل تهكم كما مرّ في قوله:{أَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} فهو تعليق بالمحال، واليه يثير قوله
أنها لو اسنحقت أي استحقت العبادة، وكون الاسم غير المسمى أو عينه تقدّم الكلام عليه في أوّل الكتاب، واللغات هل لي توقيفية أم لا، واضعها الله أو العرب، والكلام فيه والاستدلال مفصل في أصول الفقه، ووجه ضعفها يعلم من تقرير كلام المصنف رحمه الله؟ كما بيناه لك فلا نطيل بغير طائل، وقوله لما وضح ما مصدرية وهو تعليل لنزول العذاب، ونزول العذاب مفعول انتظروا وهو بيان! موقع الفاء في النظم، وقوله في الدين إشارة إلى أن المعية مجاز عن المتابعة. قوله:(أي استأصلناهم (يعني أن قطع الدابر كناية عن الاستئصال إلى إهلاك الجميع لأنّ المعتاد في الآفة إذا أصابت الآخر أن تمرّ على غيره، والشيء إذا امتد أصله أخذ برمته، والدابر بمعنى الآخر. قوله: (تعريض بمن آمن منهم الخ) قال الطيبي رحمه الله يعني إذا سمع المؤمن أن الهلاك اختص بالمكذبين وعلم أنّ سبب النجاة هو الإيمان لا غير تزيد رغبته فيه ويعظم قدره عنده. قوله: (روي أنهم كانوا يعبدون الآصنام الخ (إمساك القطر عدم المطر، وجهدهم البلاء، بمعنى شق عليهم، وأذاهم من الجهد، وقيل بفتح القاف وسكون الياء علم ومعنا. السيد الذي يسمع قوله وأصله قبول فأعل إعلال ميت وأطلق على كل ملك من حمير
وكونهم أخوال معاوية بن بكر لأنّ أمّه من قبيلتهم كما ذكره البغويّ، والفينة الجارية مطلقاً ويراد بها المغنية، وهو المراد هنا وكان اسم إحداهما وردة والأخرى جرادة، فقيل لهما جرادتان على التغليب، وقوله أهمه ذلك أي أورثه غما واستحياه أي من ضيوفه لئلا يظنوا أنه ملهم، فذكر ذلك للجاريتين فقالا له: قل شعرا يذكرهما بما قدما له لنغنيهم به فيفطنوا لذلك من غير علم بأنه منك فقال ذلك: وويحك ترحم وهينم أمر من الهينمة وهي الصوت الخفيّ، والمراد اح، وقد امسوا بنقل حركة الهمزة للدال الساكنة وما يبينون الكلاما أي ضعفوا ومرضوا من القحط وقال من قال مرثد لأنه كان مؤمنا يكتم إيمانه، وقوله ما كنت تسقيهم ما موصولة وكونها نافية بعيد، وقوله فأنشأ الله أي خلق وأظهر، وقوله ناداه مناد من السماء الخ. قيل كان كذلك يفعل الله بمن دعاه إذ ذاك وسود السحاب أغزر ماء كما هو معروف، وقوله:(وادي المنيث) بوزن الفاعل من الغيث اسم واد لهم مشهور عندهم وريح عقيم لا مطر معها وهذا لمعاوية وبعده:
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ولا لقوا التحية والسلاما
والقصة طويلة مذكورة في السير، وعاد المذكورة عاد الأولى ونسلهم عاد الآخرة. قوله:
(سموا باسم أبيهم ا! بر الخ) يعني أنّ القبيلة سميت باسم الجد، كما يقال تميم أو سميت بمنقول من ثمد الماء إذا قل وبعد التسمية به ورد فيه الصرف وعدمه، أما الثاني فلأنه اسم القبيلة ففيه العلمية والتأنيث، وأتا الأوّل فلأنه اسم للحيّ أو لأنه لما كان اسمها الجد أو القليل من الماء كان مصروفا لأنه علم مذكر أو اسم جنس، فبعد النقل حكى أصله، والحجر بكسر الحاء اسم أرض معروف، وفي قوله ابن ثمود بيان لأنّ الأخوة نسبية. قوله: امعجزة ظاهرة الدلالة) بيان لوجه إطلاقها عليها ومن ربكم متعلق بجاءتكم أو صفة بينة ومن لابتداء الغاية أو للتبعيض، إن قدر من بينات ربكم وليس بلازم على تقدير الوصفية ما قيل. قوله:(استئناف لبيانها الخ (أي لبيان البينة والمعجزة، أي استئناف نحويّ، وجوّز أن يكون استثنافا بيانيا جوابا لسؤال مقدر، تقديره أين هي ما لا هي حتى ينافي القصة وأنهم سألوها، ويقال أن الظاهر حينئذ أن يقال هي ناقة الله، وجوّز في هذه الجملة أن تكون بدلاً من بينة بدل جملة من مفرد للتفسير. قوله: (وآية نصب على الحال الخ) وهي حال مؤكدة وكون العامل فيها معنى الإشارة لأنه فعل معنى أي أشير، ولذا سماه النحاة العامل المعنوي، وتحقيقه مرّت الإشارة إليه، وقوله
ولكم
بيان كما في سقيا له فيتعلق بمقدر لا غير، وإذا كان لكم خبرا فآية حال من الضمير المستتر فيه والعامل هو أو متعلقة كما تقرّر في النحو، وإضافتها إلى الله حقيقة وهي تفيد التعظيم إذ ليس كل إضافة تشريفية لأدنى ملابسة كما ذكره العلامة، أو لأنها ليست بواسطة إنتاج ولذلك كانت آية كما أن خلقها ليس تدريجياً كذلك. وقوله:(العشب) بيان لمفعوله المقدر لأنه معلوم وتأكل بالجزم جواب الأمر، وقرئ بالرفع فالجملة حالية، وفي أرض الله يجوز تعلقه بتأكل والأمر فهو من التنازع. قوله:(نهي عن المس الذي هو مقدّمة الإصابة الخ) فهو كقوله: {وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} [سورة الأنعام، الآية: 52 ا] إذ المعنى لا تجعلوا الأذى ما سالها، ولا يلزم من المجاورة والمس التأثير، ألا ترى أنه لا يلزم من مس السكين الجرح والقطع، وبلزم من عدم المس عدمه بالطريق الأولى، فلا وجه لما قيل إنّ عليه منعا ظاهراً، فإنّ المنهي عنه ليس مطلق المس بل هو المقيد بمقارنة السو، كالنهي في قوله:{لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [سورة النساء، الآية: 43] إلا أن يجعل بسوء حالاً من الفاعل، والمعنى ولا تمسوها مع قصد السوء بها فضلاً عن الإصابة. قوله:(جواب للنهي (أي منصوب في جوابه والمعنى لا تجمعوا بين المس وأخذ العذاب إياكم، وأخذ العذاب وان لم يكن من صنيعهم لكنهم تعاطوا أسبابه، وقوله من بعد عاد لم يقل خلفاء عاد مع أنه أخصر إشارة إلى أنّ بينهما زمانا طويلاً، وبوّأكم بمعنى أنزلكم، والمباءة المنزل. قوله: (أي تبنون في سهولها الخ) فمن بمعنى في كما في قوله تعالى: {نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [سورة الجمعة، الآية: 9] والسهل خلاف الحزن، وهو موضع الحجارة والجبال، أو من ابتدائية أو تبعيضية أي تعملون القصور من مادّ مأخوذة من السهل وهي الطين واللبن بكسر الباء الموحدة الطوب الذي لم يحرق، والآجرّ بالمد وتشديد الراء ما أحرق منه. قوله:(وتنحتون الجبال بيوتا الخ) النحت معروف في كل صلب ومضارعه مكسور الحاء، وقرأ الحسن بالفتح لحرف الحلق، وقرئ تنحاتون بالإشباع كينباع، وبيوتا حال مقدّرة لأنها حال النحت لم تكن بيوتا كخطت الثوب جبة والحالية باعتبار أنها بمعنى مسكونة أن قيل بالاشتقاق فيها وتقديره من الجبال ونصبه بنزع الخافض يرجحه أنه وقع في آية أخرى كذلك، ولا يعينه كما توهم، وإذا ضمن نحت معنى
اتخذ نصب مفعولين، وعنا بمعنى أفسد فمفسدين حال مؤكدة كولوا مدبرين، واستضعفوهم واستذلوهم بمعنى عدوهم ضعفاء وأذلاء. قوله:(بدل من الذين الخ) ما ذكره هو الظاهر وأن قيل إنّ كون الضمير لقومه لا يوجب ذلك البتة، إذ لا يخفى احتمال أن يكون بدل بعض، وعلى كونه بدل بعض يكون المستضعفون قسمين مؤمنين وكافرين، وعلى كونه بدل كل يكون الاستضعاف مقصوراً على المؤمنين ويكون الذين استضعفوا قسماً واحداً، ومن آمن تفسير للمستضعفين من قومه، وجعل الاستفهام للاستهزاء لأنهم يعلمون بأنهم عالمون بذلك، ولذلك لم يجيبوهم على مقتضى الظاهر بل عدلوا عنه كما سترى. قوله:) عدلوا به عن الجواب الخ (أي هذا من الأسلوب الحكيم، وهو تلقي السائل والمخاطب بخلاف ما يترقب تنبيهاً له على أنه هو الذي ينبغي أن يسأل عنه، فهنا كأنهم قالوا لا ينبغي أن يسأل عن إرساله فإنه ظاهر لا يسأل عنه عاقل بل يسأل عمن اتبعه، وفاز بالاقتداء به ولذلك قال على المقابلة الخ أي مقتضى الظاهر سلوك طريق المجاراة، وسوق الكلام على وفق اعتقادهم والا ففي قولهم:{إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} تسليم للرسالة فكيف يكون أصل كلامهم، ولذا قال في الانتصاف إنهم لم يقولوه حذراً مما في ظاهره من إثبات رسالته وهم يجحدونها، وقد يصدر مثل ذلك على سبيل التهكم كقول فرعون:{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [سورة الشعراء، الآية: 27] وليس هذا موضع التهكم فإن الغرض إخبار كل من الفريقين عن حاله فلذا قال هنا كافرون والمقابلة بالعدول عن الظاهر كما عدلوا لأنهم جعلوا الإرسال مسلما فتركوه كما عدلوا عن قولهم نعم لأنّ إرساله لا شك فيه. قوله: (أسند إلى جميعهم فعل بعضهم للملابسة الخ (يعني الإسناد مجازي لملابسة الكل لذلك الفعل لكونه بين أظهرهم، وهم متفقون على الضلال والكفر أو لرضاهم أو لأمرهم لقوله تعالى:{فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} ! سورة القمر، الآية: 29] وليس المراد أنّ العقر مجاز لغوي عن الرضا بالنسبة إلى غير فاعله لتكلفه، وقيل لأنه لا يلزم أن لا يذكر العقر بالفعل وهو المقصود وفيه نظر. قوله: (واستكبروا عن امتثاله الخ
(اختار أحد وجهين في الكشاف لأنه جوّز في الأمر أن يكون واحد الأمور أو الأوامر، والمصنف
رحمه الله اقتصر على الثاني لأنه إذا كان واحد الأوامر فعتوا إمّا مضمن لمعنى التولي فالمعنى تولوا واستكبروا عن امتثال أمره عاتين، أو مضمن معنى الإصدار أي صدر عتوّهم عن أمر ربهم، وبسببه فلولا ذلك الأمر وهو قوله ذروها الخ. ما ترتب العتوّ وان كان الثاني فالمعنى تولوا واستكبروا عن شأن الله أي دينه وهو بعيد، والداعي إلى التأويل بتولوا أو صدر أنّ عتا لا يتعدى بعن فتعديته به لتضمينه ذلك، كما في قوله:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} والمصنف رحمه الله ذهب إلى تضمينه استكبر لأنه ثبت عنده تعديته بعن، وقوله:{ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} أمر للاستعجال لأنهم يعتقدون أنه لا يتأتى ذلك ولذا قالوا إن كتت من المرسلين.
قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} الخ وقع في نسخة تفسير هذه الآية مقدماً وفي بعضها مؤخراً، والأمر فيه سهل وطعن بعض الملاحدة بأن هذه القصة ذكر فيها هنا أخذتهم الرجفة، وفي موضع آخر الصحيحة، وفي آخر بالطاغية، والقصة واحدة، ظن أنّ بين ذلك منافاة، وليس كما زعم فإن الصيحة العظيمة الخارقة للعادة حصل منها الرجفة لقلوبهم، وأما الإهلاك بذلك فسببه طغيانهم، وهو معنى قوله بالطاغية والى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله فأتتهم صيحة الخ، وفسر جاثمين في نسخة بخامدين ميتين لأنّ الجثوم معناه اللصوق بالأرض، وقوله فتقطعت قلوبهم تفسير للرجفة بأنها خفقان القلب واضطرابه حتى ينقطع، وفسرها بعضهم بالزلزلة، وجعل الصيحة من السماء، ويخالفه ما سيأتي في هود والحجر من أنها كان من تحتهم. قوله:(روي أنهم بعد عاد الخ) عمروا بتخفيف الميم من العمارة، ولا يجوز تشديدها إلا إذا كانت
من العمر، وخلفوهم بتخفيف فتح اللام أي صاروا خلفا عنهم، وعمروا مجهول مشدد الميم من العمر، ولا تفي بها إلا بينة أي فيهدم قبل أن يموت أحدهم ما بناه، والخصب بكسر الخاء كثرة النبات والثمار، وسعة أي سعة رزق، وقوله: اخرج معنا إلى عيدنا أي مصلى عيدنا، وقوله:(منفردة) أي منفصلة عن الجبل،) ومخترجة) بضم الميم وخاء معجمة ساكنة، وفتح التاء والراء والجيم أخرجت على خلقة الجمل، وقيل تشاكل البخت (وجوفاء) عظيمة البطن ووبراء كثيرة الوبر، ولتؤمنُنَّ بضم النون الأولى لأنه للجمع وتمخضت بالمعجمة أي تحرّكت، وتمخض النتوج أي كحركة الحامل بولدها، وعشراء كعلماء التي أتى عليها عشرة أشهر بعد طروق الفحل، ونتجت مبني للمفعول وأصله أن يتعدى لمفعولين، تقول نتجت الناقة فصيلا إذا ولدت نتاجا فإذا بني للمجهول يقام المفعول الأوّل، أو الثاني مقام الفاعل، وكون ولدها مثلها معجزة أيضا، وقوله غبا أي يوما بعد يوم، وتتفحج بفاء ثم حاء مهملة مشددة ثم جيم أي تفرج ما بين رجليها للحلب، وهرب الدوالت فزعاً من عظمها، وزينت أي ذكرته وحسنته هاتان المرأتان، والسقب ولد الناقة الذكر، والرغاء صوت ذوات الخف، وأنفجت بتشديد الجيم بعد الفاء أي انشقت، فقال أي صالح صلى الله عليه وسلم تصبح أي تدخل قي الصباج أو تصير، وفلسطين بالفاء مدينة بأرض! الشأم، وتحنطوا من الحنوط وهو ما يطيب به الميت، والصبر بكسر الباء صمغ مرّ، وإنما تحنطوا به لئلا تأكلهم الهوامّ والسباع، والإنطاع جمع تطع بكسر النون وفتح الطاء وقد تسكن أديم معروف. قوله:) ظاهره أنّ توليه عنهم كان بعد أن أبصرهم جاثمين) أي ميتين وإنما قال ظاهره لأنه يجوز عطفه على قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [سررة الأعراف، الآية: 78] فيكون لخطاب لهم حين أشرفوا على الهلاك لا بع! هـ، وعلى المتبادر فالخطاب إما كخطاب النبيّ لمجب! لقتلى المشركين حين ألقوا في قليب بدر أي بئره فوقف عليهم ونادى:" يا فلان يا قلان بأسمائهم إنا وجدنا ") 1 (الخ كما رواه البخاري وغيره بناء على أن الله يرذ أرواحهم إليهم فيسمعون مقاله، ويكون مما خص به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو أنه
ذكره للتحسر والتحزن كما تخاطب الديار والأطلال، وقوله: أي وأرسلنا لوطا أي هو منصوب بأرسلنا المقدم لا بآخر مقدر. قوله: (وقت قوله لهم أو واذكر الخ) على الأوّل هو متعلق بأرسلنا، ولذا قيل عليه أنّ الإرسال قبل وقت القول لا فيه، ودفع بأنه يعتبر الظرف ممتداً كما يقال زيد في أرض الروم فهو ظرف غير حقيقي يكفي وقوع المظروف في بعض أجزائه، وقوله أو واذكر لوط فيكون من عطف القصة
على القصة، واذ بدل اشتمال بناء على أنها لا تلزم الظرفية أو المعنى اذكر وقت إذ قال لقومه، وقيل العامل فيه على تقدير اذكر مقدر تقديره، واذكر رسالة لوط إذ قال فإذ منصوب برسالة قاله أبو البقاء رحمه الله. قوله:(توييخ وتقريع الخ) معنى قوله المتمادية في القبح أي التي بلغت أقصى القبح، وغايته يعني إنها أقبح الأفعال، قال في الأساس فلان لا يماديه أحد لا يجاريه إلى مدى. قوله:(ما فعلها قبلكم أحد الخ) فسره به لأنّ عدم السبق في فعل معناه ذلك، وإن كان يحتمل مساواة الغير فيها وقوله قط إشارة إلى استغراق النفي في الماضي الذي أفاده النظم، وكون اختراع السوء وسن السيئة أسوأ ظاهر إذ لا مجال للاعتذار عنه، وإن كان قبيحا كما هو عادتهم بقولهم إنا وجدنا فتأمل، وقوله والباء للتعدية في الكشاف، والباء للتعدية من قولك سبقته بالكرة إذا ضربتها قبله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:" سبقك بها عكاشة "(1) قال أبو حيان رحمه الله التعدية هاهنا قلقة جدا لأنّ الباء المعدية في الفعل المتعدي لواحد تجعل المفعول الأوّل يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء كالهمزة، فإذا قلت صكت الحجر بالحجر كان معناه أصككت الحجر الحجر أي جعلت الحجر يصك الحجر، وكذلك دفعت زيدأ بعمرو عن خالد معناه أدفعت زيداً عمراً، عن خالد أي جعلت زيدا يدفع عمرا عن خالد فللمفعول الأوّل تاً ثير في الثاني، ولا يصح هذا المعنى هنا إذا لا يصح أسبقت زيد الكرة أي جعلت زيداً يسبق الكرة إلا بتكلف، وهو أن تجعل ضربك الكرة أوّل ضربة قد سبقها وتقدمها في الزمان فلم يجتمعا، فالظاهر أنّ الباء للمصاحبة أي ما سبقكم أحد مصاحبا، وملتبسا بها، وليس بشيء بل المعنى على التعدية، ومعنى سبقته بالكرة أسبقت كرتي كرته لأنّ السبق بينهما لا بين الشخصين أو الضربين وكذا في الآية، ومثله يفهم من غير تكلف، ولذا قيل في معناه سبقت ضربه الكرة بضربي الكرة أي حعلت ضربي الكرة سابقا على
ضربه الكرة، وهذا معنى قوله إذا ضربتها فتدبر وقوله ومن الأولى لتأكيد النفي أي زائدة له. قوله:(والجملة استئناف) أي استثناف نحوقي أو بيانيّ كما في الكشاف كأنه قيل له لم لا نأتيها فقال ما سبقتكم بها أحد فلا تفعلوا ما لم تسبقوا إليه من المنكرات لأنه أشد، ولا يتوهم أن سبب إنكار الفاحشة كونها مخترعة، ولولاه لما أنكر إذ لا مجال له بعد كونها فاحشة، ولم يجعل من قبيل:
ولقد أمرّ على اللنيم يسبني
لتعين الفاحشة لكنه جوّز فيها الحالية من الفاعل أو المفعول. قوله:) بيان لقوله أتأتون الفاحشة الخ) ظاهره اختصاص البيان بقراءته بالاستفهام وقد صرّج المعرب بخلافه ولا مانع منه، وكونه أبلغ لما سيأتي في وجه التقييد، ولتأكيده بأن واللام والإتيان هنا بمعنى الجماع، ومن دون النساء حال من الرجال أي تأتونهم منفردين عن النساء وصفة شهوة وتعلقه به بعيد، والاستئناف هنا يحتمل النحوي والبياني أيضا. قوله:) وشهوة مفعول له) أي لأجل الاشتهاء لا غير ومشتهين، أو هو مصدر ناصبه تأتون لأنه بمعنى تشتهون. قوله:) وفي التقييد بها) أي على الوجهين لا على أحدهما كما توهم لأنّ الجماع لما لم ينفك عن الشهوة كان التقييد بها دليلا على قصدها دون غيرها فتأمّل. قوله: (إضراب عن الإنكار الخ) أي إضراب انتقالي إلى ما أدى إلى ذلك أو إلى بيان استجماعهم للعيوب كلها، والإضراب إمّا عما ذكر قبله أو عن غير مذكور وهو ما توهموه عذرهم فيه. قوله:) أي ما جاؤوا بما يكون جواباً الخ (أشار إلى أن النظم من قبيل:
تحية بينهم ضرب وجيع ولاعيب فيهم غيرأنّ سيوفهم
والقصد منه إلى نفي الجواب على أبلغ وجه فلا يقال التفير لا يوافق المفسر لأنه أثبت الجواب وقد نفاه. قوله: (والاستهزاء بهم) في الكشاف إنه سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش
وافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم أبعدوا عنا هذا المتقشف، وأريحونا من هذا المتزهد. قوله:(من أمن به الخ) أي ليس المراد بالأهل الأقارب بل من اتبعه من المؤمنين كما صرح به في رواية أخرى، وقوله وأهلة وفي نسخة واغلة اسم امرأته، وقوله:(فإنها الخ) تعليل لعدم نجاتها. قوله: (من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا الخ) هذا إحدى الروايتين لأنه روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت أحد منهم إلا هي فالتفتت فأصابها
الحجر وهلكت، وروي أنه خلفها مع قومها وسيأتي تفصيله، وللغابر معنيان كما ذكره أهل اللغة المقيم وعليه قول الهذلي:
فغبرت بعدهم بعيش ناصب
أي أقمت ويكون بمعنى الماضي والذأهب، وعليه قول الأعشى:
في أمّة في الزمن الغابر
فهو مشترك ويكون بمعنى الهالك أيضا، وعلى الوجه الأوّل إنها كانت مع القوم الغابرين
فلا تغليب، أو كانت بعضا منهم فيكون تغليباً، كما في قوله:{وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} أسورة التحريم، الآية: 12] كما مرّ. قوله: (أي نوعاً من المطر عجيباً الخ (أي التنكير للتعظيم والنوعية فلا منافاة بينهما، وسجيل معرّب معناه طين متحجر وفي الكشاف في الفرق بين مطر وأمطر مطرتهم أصابتهم بالمطر كغاثتهم وأمطرت عليهم كذا بمعنى أرسلته عليهم إرسال المطر، فأمطر علينا حجارة من السماء وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، ومعنى وأمطرنا عليهم مطراً وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيباً يعني الحجارة ألا ترى إلى قوله:{فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [سورة النمل، الآية: 58] وفي الانتصاف مقصوده الردّ على من يقول مطرت السماء في الخير وأمطرت في الشر، ويتوهم أنها تفرقة وضعية فبين أن معنى أمطرت أرسلت شيئا على نحو المطر، وان لم يكن إياه حتى لو أرسل الله من السماء أنواعاً من الخيرات والأرزاق، مثلاً كالمن والسلوى، جاز أن يقال فيه أمطرت السماء خيرات أي أرسلتها إرسال المطر، فليس للشر خصوصية في هذه الصيغة الرباعية، ولكن اتفق أن السماء لم ترسل شيئاً سوى المطر، وكان عذاباً فظن أنّ الواقع اتفاقا مقصود في الواقع فنبه المصنف رحمه الله على تحقيق الأمر فيه وأحسن وأجمل، ومنه يعلم أنّ ما نقل عن أبي عبيد وغيره من أن أمطر في العذاب، ومطر في الرحمة مؤوّل وأن ردّ بقوله عارض ممطرنا فإنه عنى به الرحمة، وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنّ مطرا مفعول مطلق، وقيل أمطرنا هنا ضمن معنى أرسلنا، ولذا عدى بعلى ومطراً مفعول به، وقيل
الممطور كبريت ونار وسيأتي فيه أقوال أخر. قوله: (روي الخ) الأردن بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الدال المهملة وتشديد النون قال بعض الفصلاء وقوله في القاموس، وتشديد الدال سهو منه (وسدوم) بفتح السين والدال مهملة ومعجمة كما ذكره الأزهري وغيره قرية قوم لوط سميت باسم رجل، وفي المثل أجور من قاضي سدوم، وخسف مبنيّ للمجهول، وقوله وقي الخ مرضه لأن ظاهر النظم يخالفه. قوله:(وأرسلنا الخ) إشارة إلى عطفه كما مرّ، وشعيب مفعول أرسلنا وهم أولاد مدين جملة معترضة، وهذا بناء على أنّ مدين علم لابن إبراهيم، ومنع صرفه للعلمية والعجمة، ثم سميت به القبيلة، وقيل هو عربيّ اسم بلد، ومنع صرفه للعلمية والتأنيث فلا بد من تقدير مضاف حينئذ، أي أهل مدين أو المجاز، وهو على هذا شاذ إذ القياس إعلاله كمقام فشد كمريم ومكوزة، وليس بشاذ عند المبرد قيل وهو الحق لجريانه على الفعل، وشعيب تصغير شعب أو شعب، قيل والصواب أنه وضع مرتجلا هكذا وليس مصغرا لأنّ أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز تصغيرها، وفيه نظر لأن الممنوع التصغير بعد الوضع لا المقارن له كما هنا. قوله:(وكان يقال له خطيب الآنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ (أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله لمجي! إذا ذكر شعيبا يقول: " ذاك خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لحسن مراجعته قومه " (1 (والمراجعة مفاعلة من الرجوع وهي مجاز عن المحاورة، يقال راجعه القول وإنما عتى النبيّ كي! ما ذكر في هذه السورة ما يعلم بالتأمّل فيه. قوله:) يريد المعجزة الخ (أي المراد بالبينة ذلك لأنه لا بذ لكل نبيئ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من معجزة، قال بعضهم قال الزجاج: لم يكن لشعيب عليه الصلاة والسلام معجزة، وهو غلط لأنه قال تعالى:{قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ} [سورة الأعرأف، الآية: 85] فجاء بالفاء بعد مجيء البينة، ولو اذعى مدع النبوّة بغير آية لم تقبل منه، لكن الله لم يذكرها، فلا يدل على عدمها يعني أنّ الفاء سببية فالمعنى قد جاءتكم معجزة شاهدة بصحة نبوّني أوجبت عليكم الإيمان بها، والأخذ بما
أمرتكم به فأوفوا فلا وجه لما قيل أنّ البينة نفس شعيب عليه الصلاة والسلام. قوله: (وما روي من محاربة عصا موسى عليه الصلاة والسلام الخ) مبتدأ خبره قوله فمتأخر الخ. وهو ردّ لقول الزمخشري ومن معجزات شعيب عليه الصلاة والسلام ما روي من محاربة عصا موسى عليه الصلاة والسلام للتنين الخ. فلا يجوز أن يراد هنا لأنه
متأخر عن المقاولة، فلا يصح تفريع الإيفاء عليه ولأنه يحتمل أنه كرامة لموسى عليه الصلاة والسلام أو إرهاص لنبوّته، وقيل إنه متعين وإن أدركه موسى لعدم مقارنة التحدي. قال الإمام رحمه الله كلام الكشات مبني على أصل مختلف فيه لأنّ عندنا إنه إرهاص، وهو أن يظهر الله على يد من سيصير نبينا خوارق للعادة، وعند المعتزلة هو غير جائز. قال الطيبيب رحمه الله وفيه نظر لأنه قال في آل عمران في تكليم الملائكة عليهم الصلاة والسلام لمريم إنه معجزة لزكريا عليه الصلاة والسلام، أو إرهاص لنبوّة عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله:(وولادة الغنم التي دفعها) أي سلمها شعيب لموسى عليهما الصحلاة والسلام ليسقيها، والدرع بضم الدال المهملة وسكون الراء والعين المهملتين جمع أدرع أو درعاء وهي ما اسوذ رأسه وابيض سائره من الغنم والخيل، وقوله:(وكانت الموعودة له) أي وعده أنّ ما كان منها فهو له. قوله: (أي آ! ة الكيل على الإضمار (أي تقدير المضاف أو الكيل بمعنى ما يكال به مجارّاً كالعيش بمعنى ما يعاش به وإنما دعاه لهذا عطف الميزان عليه، وهو شائع في الآلة دون المصدر، ولذا قال لقوله وقوله: (كما قال في سورة هود) تأييد لأنّ الكيل بمعنى المكيال لأنه قال فيها المكيال والميزان، أو يؤول الثاني بتقدير مضاف هو مصدر معطوف على مثله، أو يجعل الميزان مصدرا ميه ياً بمعنى الوزن كالميعاد بمعنى الوعد وان كان قليلا. قوله: (ولا تنقصموهم حقوقهم الخ (البخس بمعنى النقص وكون الشيء عامّا واضح فعبر بما يفيد العموم لأجل أن ينبهوا على تجاوزهم عن شعيب عليه الصلاة والسلام، أو لينبهنا الله على ما كانوا عليه من ذلك، والأمر فيه سهل، فما قيل حق الكلام فإنهم يبخسون الجليل الخ لأنّ المقام للتعليل دون التنبيه، وغاية توجيهه أن مبنى المفاعيل لأجلها على اللام فتجعل اللام المقدرة فيها للعاقبة الخ. ما أطال به من غير طائل لا
داعي له ثم أنّ النهي عن النقص يوجب الأمر بالإيفاء، فقيل في فائدة التصريح بالمنهي عنه بيان لقبحه، وقيل غير ذلك مما يعين تفسيره على وجه أعم منه فتدبر، والمكس كان دراهم تؤخذ ممن يبيع في السوق في الجاهلية، فيصبح أن يراد بالبخس كلا من المعنيين والحيف الجور. قوله:(بعدما أصلح أمرها الخ) أي هو على حذف المضاف وهو الأمر أو الأهل أو إضافة المصدر إلى الفاعل على الإسناد المجازي إلى المكان، وقوله أو أصلحوا فيها بيان لحقيقة ذلك الإسناد وملابسته في الوجه الثاني تبل ذكره، ويصح أن يكون مراده أنه إضافة إلى المفعول، والتجوز في النسبة الإيقاعية لأنّ إصلاح ما في الأرض إصلاح لها، والتمثيل لمطلق التجوّز في الإسناد فإن قلت ما المانع من حمله على الحقيقة لأنّ الإصلاح يتعلق بالأرض نفسها كتعميرها واصلاح طرقها وجسورها إلى غير ذلك، قلت قوله:{لَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ} يأباه، ولذا صح جعل الإضافة على معنى في لكنه لا يصح تفسير كلام الشيخين به كما وهم فيه بعض شراح الكشاف. توله:(إشارة إلى العمل بما أمرهم به الخ (في الكشاف إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد في الأرض، أو إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه، أي هو إشارة إلى المذكور وإن تعدد أو إلى العمل بما ذكر، وهو واحد فهما وجهان لإفراد اسم الإشارة وتذكيره، فما قيل إنه لم يذكر الثاني لاتحادهما معنى وكون هذا أخص! غفلة عن مراده، والعمل بما نهى عنه الانتهاء عنه وتركه. قوله: (ومعنى الخيرية أمّا الزيادة مطلقا الخ) لأنّ المتبادر منه التفضيل، وقيل خير هنا ليس على بابه من التفضيل بل بمعنى نافع، وفي الكشاف يعني الخيرية في الإنسانية وحسن الأحدوثة، وما تطلبونه من التكسب والتربح لأنّ الناس أرغب في متجارتكم إذا عرفوا منكم الإماتة والسوية إن كنتم مؤمنين مصدقين لي في قولي ذلكم خير لكم، اهـ فحمل الإيمان على معناه اللغوي وهو التصديق بما ذكره لا على مقابل الكفر، ولذا خص الخيرية بأمر الدنيا، لكنه جوّز في هو حمله على معناه المعهود وتبعه المصنف رحمه الله تعالى قال: لأنهم وان سلموا بالامتثال عن تبعة البخس والتطفيف في الدنيا إلا أن استتباع الثواب مع النجاة مثروط بالإيمان به، فإن حمل قول المصنف رحمه الله هنا مطلقاً على ذلك، فالأمر ظاهر وان كان معناه في الدنيا والآخرة بناء على أن الكفار يعذبون على المعاصي كما يعذبون على الكفر فتركها خير لهم أيضا، قيل والمراد الثاني لأنه
فسر الفساد بالكفر، وليس لتعليق تركه على الإيمان معنى ويطلب الغرق في تجويزهما هناك لا هنا ثم إنّ تعليق الخير على تصديقه بتأويل العلم بالخيرية، والا فهو خير مطلقا إذ حينئذث شوقف تحقيق الخيرية في الإنسانية على تصديقهم، وليس كذلك، ولذا قيل ليس شرطا للخبرية بل
لفعلهم كأنه قيل فأتوا به إن كنتم صادقين كذا قال الرازي ويرذه كلام الكشاف، وقال الخيالي الأظهر أنّ ذلكم خير لكم معترضة والشرط متعلق بما سبق من الأوامر والنواهي، وفيه نظر قال الطيبي رحمه الله ومثل هذا الشرط إنما يجاء به في آخر الكلام للتوكيد فعلم منه أنّ شعيبا عليه الصلاة والسلام كان مشهوراً عندهم بالصدق والأمانة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قومه يدعى بالأمين (قلت) الفرق أنه ذكر عقيبه قوله:{أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء} [سورة هود، الآية: 87] وهو يقتضي أنه أراد بالإيمان مقابل الكفر وتفسيره به له حسن ثمة إذ به يتخلص عن التكرار فتأمّل. والأحدوثة هنا الذكر الجميل، وقد ورد ذلك في كلام العرب وان قال الرضي إنها تختص بما لا يحسن كما بيناه في حواشيه. قوله:(بكل طريق من طرق الدين كالشيطان الخ) يعني أن القعود على الصراط تمثيل كما مز فيما حكى من قول الشيطان لأقعدن لهم صراطك المستقيم، إذ مثل إغواؤهم عن دين الحق بكل ما يمكن من الحيل بمن يريد أن يقطع الطريق على السابلة فيكمن لهم من حيث لا يدرون، وهذا نحوه في التمثيل فلذا قال كالشيطان. وقوله وصراط الحق توجيه للكلية، والمعارف جمع معرفة والمراد بها معرفة الله وصفاته. قوله:(وقيل كانوا يجلسون على المراصد الخ (معطوف على ما قبله بحسب المعنى، وعلى هذا لا يكون الكلام تمثيلا، ولا يكون سبيل الله من وضع الظاهر موضع المضمر، ويكون ضمير به لله وهل يكون توعدون، وما عطف عليه حالاً فقيل لا بل استئنافاً والأظهر الحالية، وقوله: (ويوعدون من آمن به) تقدير للمفعول المحذوف لا دلالة على أعمال الفعل الأوّل، والا كان المختار تصدونهم. قوله:(وقيل كانوا يقطعون الطريق الخ (ضعفه وأخره لعدم ملاءمة توعدون وتصدون له إذ لا يظهر تقييد قطع الطريق به، وترك كونهم عشارين المذكور في الكشاف لتكرّره مع قوله ولا تبخسوا على تفسيره. قوله: (يعني الذي قعدوا عليه الخ) إن كان على القول الأوّل فالقعود استعارة، قيل ويجوز أن يكون على الثاني فيراد بسبيل الله الدين الحق، ولا يكون من وضع الظاهر موضع المضمر. قوله:(أو الإيمان بالله) بالنصب عطف على الدّي قعدوا، وقوله: على الأوّل أي تفسير كل صراط بطرق الذين بخلاف الوجهين الآخرين. قوله: (أي بالله اللعلم به أو لكل صراط على تفسيره الأوّل، أو بسبيل الله لأنّ السبيل يذكر ويؤنث، قيل تركه المصنف رحمه الله مع أنه أقرب لفظا، ومعنى
ليصح الكلام أيضا على تفسير سبيل الله بالإيمان بالله، وفيه نظر. قوله:(ومن مفعول تصذّون على أعمال الآقرب الخ) يعني أنه لو كان كذلك لكان من التنازع واعمال الأوّل فيلزم إظهار ضمير الثاني عند الجمهور إذ لا يجوز حذفه عندهم إلا في ضرورة الشعر، وهذا ردّ على الزمخشريّ، لكن مرّ أنّ مراده بيان محصل المعنى لا إعمال الأوّل، والحذف من الثاني حتى يرد عليه ما ذكر، أو يجعل تصدون بمعنى تعرضون لازما فلا يكون مما نحن فيه. قوله:(وتطلبون لسبيل الله عوجاً الخ) إشارة إلى أنه على الحذف والإيصال والعوج الذي طلبوه شبههم أو وصفهم لها بما ينقصها وألا فلا عوج فيها ولذا جوّز فيه التهكم في الكشاف، وعلى التفسير الأخير عوجها عدم أمنها، والعدد بالفتح معروف، وبالضم جمع عذة وهو ما يعدّ للنوائب من مال وسلاح وغيره، وقيل إن قليلا بمعنى مقلين أي فقراء، وإذ مفعول اذكروا أو ظرف لمقدّر كالحادث أو النعم، وقوله:) في النسل أو المال الف ونشر مر تب للعدد والعدد، وفي نسخة والمال والأولى أولى. قوله:(بين الفريقين الخ) أي الضمير للفريقين تغليبا ولذا أضيف إليه بين فلا حاجة إلى تقدير وبينكم، وخطاب اصبروا للمؤمنين، ويجوز أن يكون للفريقين أي ليصبر المؤمنون على أذى الكفار، والكفار على ما يسوءهم من إيمانهم أو للكافرين أي تربصوا لتروا حكم الله بيننا وبينكم، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لذلك. قوله: (وهو خير الحاكمين إذ لا معقب لحكمه ولا
حيف فيه (سيأتي الكلام على هذا التفضيل في أحسن الخالقين، ولا معقب لحكمه أي لا أحد يتعقبه ويبحث عن فعله من قولهم عقب الحاكم على حكم من قبله إذا تتبعه، وكونه كذلك يقتضي سداده، وخيرية الحكم إنما هي باعتباره فلا وجه لما قيل إنه يقتضي قوّته لا خيريته، وهو غنيّ عن الرذ وان ظنه شيئا.
قوله: (أي ليكونن أحد الأمرين) بيان لمعنى أو وما قيل إنه جواب أن يقال كيف يصح وقوع لتعودنّ جواباً للقسم، والعود ليس فعل المقسم يعني أنّ جواب أحد الأمرين وهو في وسعه يقتضي أنّ القسم لا يكون على فعل الغير، ولم يقل أحد به فإنه يقال والله ليضربن زيد من غير
نكير. قوله: (وشعيب عليه الصلاة والسلام لم يكن في ملتهم قط) دفع لما يقال أنّ العود الرجوع إلى ما كان عليه قبل، وشعيب عتئ نبيّ معصوم عن الدّنوب فضلاً عن الكفر، فأشار المصنف رحمه ألله إلى أنه من باب التغليب فغلبوا عليه، والعائد منهم دونه كما غلب هو عليهم في الخطاب ففي الآية تغليبان أو تعود بمعنى تصير يعمل عمل كان كما أثبته بعض النحاة واللغويين، وسيأتي أنّ المصنف رحمه الله جوّزه في سورة إبراهيم، وحينئذ فلا تغليب إلا أنه قيل إنه لا يلائم قوله بعد إذ نجانا الله منها إلا أن يقال بالتغليب فيه، أو يقال التنجية لا يلزم أن تكون بعد الوقوع في المكروه، ألا ترى إلى قوله:{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} [سورة الأعرأف، الآية: 83] وأمثاله أو أنّ هذأ القول جار على ظنهم أنه كان في ملتهم لسكوته قبل البعثة عن الإنكار عليهم، أو هو صدر عن رؤسائهم تلبيسا على الناس وايهاما لأنه كان على دينهم وما صدر عن شعيب عليه الصلاة والسلام على طريق المشاكلة، وقيل إنه جار على نهج قوله:{اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [سورة البقرة، الآية: 257] والإخراج يستدعي دخولاً سابقا فيما وقع الإخراج منه، ونحن نعلم أنّ المؤمن الناشئ في الإيمان لم يدخل قط في ظلمة الكفر، ولا كان فيها وكذلك الكافر الأصلي لم يدخل قط في نور الإيمان ولا كان فيه، ولكن لما كان الإيمان والكفر من الأفعال الاختيارية التي خلق الله العبد ميسراً لكل واحد منها متمكناً منه، لو أراده عبر عن تمكن المؤمن من الكفر ثم عدوله عنه إلى الإيمان اختياراً بالإخراج من الظلمات إلى النور توفيقا من الله له ولطفاً به، والعكس في حق الكافر وقد مضى تطبيق هذا النظر عند قوله:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [سورة البقرة، الآية: 16] وهو من المجاز المعبر فيه عن المسبب بالسبب، وفائدة اختياره في هذا الموضع تحقيق التمكن والاختيار لإقامة حجة الله على عباده، وهاهنا احتمال وهو أنّ الظاهر أنّ العود المقابل للخروج إلى ما خرج منه وهو القرية، والجار والمجرور حال أي ليكن+ منكم الخروج من قريتنا، أو العود إليها كائنين في ملتنا، فلا تغليب وعدى عاد بفي كان الملة لهم بمنزلة الوعاء المحيط بهم. قوله:(أي كيف نعود الخ) في الكشاف الهمزة للاستفهام والواو والحال تقديره أتعيدوننا في ملتكم حال كراهتنا، قيل ليست هذه واو الحال بل واو العطف عطفت هذه الحال على حال مقدرة كقوله عتئ:" ردّوا السائل ولو بظلف محرق ") 1 (إذ ليس
المعنى رذوه حال الصدقة بظلف محرق بل معناه رذوه مصحوبا بالصدقة ولو مصحوباً بظلف محرق.) قلت) وقد تقدّمت هذه المسألة وإنه يصح أن تسمى واو الحال وواو العطف، ولولا خشية التكرار لذكرته. وقال أبو البقاء رحمه الله: لو هنا بمعنى إن لأنها للمستقبل، وفسر الهمزة بكيف لأنها أظهر في التعجب وأنسب بالمقام، وخصه بالوجه الأوّل لأنّ التعجب يناسب العود دون الإعادة، وجعل الواو للحال لأنه المعروف في أمثاله وخصه بالعود دون الإخراج لدلالة قوله إن عدنا عليه، وان فسره في التيسير بقوله أتخرجوننا من قريتنا من غير ذنب ونحن كارهون لمفارقة الأوطان، وقد وجه بأنّ العود مفروغ منه لا يتصوّر من عاقل فلا يكون إلا الإخراج فتأمّل. قوله:(شرط جوابه محذوف دليله قد افترينا الخ) في الكشاف أنه إخبار مقيد بالشرط وفيه وجهان أحدهما أن يكون كلاما مستأنفا فيه معنى التعجب، كأنهم قالوا ما أكذبنا على الله إن عدنا في الكفر بعد الإسلام لأنّ المرتد أبلغ في الافترأء الخ والثاني أن يكون قسما على تقدير حذف اللام بمعنى والله لقد افترينا على الله كذبا. قال النحرير: كأنّ أصل السؤال والجواب تمهيد لما يبنى عليه من
الوجهين، والا فظاهر أنه إخبار مقيد بالشرط، فإن قيل فهلا حمل الكلام على ظاهره قلنا لا لأن إن لا تقلب الماضي المصدر بقد، ولا المقدم على الشرط، فكيف إذا اجتمع الأمران فظاهر أن الافتراء الماضي لا تعلق له بالعود، ولا سبيل إلى الحمل على إن عدنا ظهر أنا قد أفترينا البتة لإيهامه أن المانع ظهور الافتراء لا هو نفسه، لأن المقيد بالعود هو الافتراء نفسه لا ظهوره، وكذا قيل وفيه نظر لوروده على الوجه الثاني، أعني جعل قد افترينا جواب القسم بحذف اللام فإنه مقيد بالشرط، ولاندفاعه بجعل الماضي بمعنى المستقبل، تنزيلا له منزلة الواقع، ومقرّبا إلى الحال حتى كأنه قيل تد افترينا الآن أن هممنا بالعود كما ذكره أبو البقاء رحمه الله. وبالجملة فاستقامة ظاهر الكلام على تقدير القسم وعدمها بدونه محل نظر وردّ، بأن حاصل سؤال الزمخشري كما قرّر في الكشف أن الظاهر في مثله أن لا يتعلق بالشرط نفس الجزاء، بل ظهوره والعلم به، على عكس ما قرّره النحرير، كما في نحو إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، ونحو:{إِلَاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ} [سورة التوبة، الآية: 40] وهاهنا المقصود تقييد نفس ألافتراء بالعود، ولفظ قد وصيغة المضيّ يمنعانه، وحاصل الجواب أنه أخرج لا على مقتضى الظاهر إذ المعنى على تقيد الافتراء كما آثره القاضي وأبو البقاء رحمهما الله، ولفظة قد مع صيغة الماضي تدل على التأكيد فيستاد منها نفي التعجب، أو كونه جواب قسم بقرينة المقام، وهذا مما لا غبار عليه، وقوله نزعم أن لله تعالى نداً بيان لمعنى الافتراء. قوله:(وقيل إنه جواب قسم الخ)
فحذف القسم ولام الجواب مقدرة فيه أيضأ، وجوّز في البحر تبعاً لابن عطية رحمه الله أن يكون الفعل المذكور قسما، كما يقال برئت من الله إن فعلت كذا قال الشاعر:
بقيت وفري وانحرفت عن العلا ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشن على ابن هند غارة لم يخل يوماً من نهاب نفوس
قوله: (وما يصح لنا الخ) كان تامة بمعنى وجد، وصح بمعنى وجد أيضاً، ولا يكون في استعمال العرب بمعنى لا يصح ولا يقع وتارة بمعنى لا ينبغي ولا يليق كما صرحوا به. قوله:(خذلاننا وارتدادنا الخ) في الكشاف معنى قوله: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَاّ أَن يَشَاء اللهُ} إلا أن يشاء خذلاننا ومنعنا الألطاف لعلمه أنها لا تنفع فينا، وتكون عبثأ، والعبث قبيح لا يفعله الحكيم، والدليل عليه قوله:{وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} أي هو عالم بكل شيء مما كان وما يكون، فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل وقلوبهم كيف تتقلب، وكيف تقسو بعد الرقة وتمرض بعد الصحة وترجع إلى الكفر بعد الإيمان، وقد ردّ عليه المصنف رحمه الله بزيادة الارتداد، وجعله مراد الله ووجهه. كما قال بعض المدققين إنّ معنى:{وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} إنه يعلم كل حكمة ومصبحة ومشيئته على موجب الحكمة، فلو تحقق مشيئته للعود والارتداد لم يكن خاليا من الحكمة فلا يستبعد وهذا معنى لطيف فلا وجه لأن يقال لو أريد إلا أن يشاء الله عودنا لما كان لذكر سعة العلم بعده كبير معنى بل كان المناسب ذكر شمول الإرادة، وأنّ الحوادث كلها بمشيئة الله كما قرّره النحرير. قوله:(وقيل أراد به حسم طمعهم الخ) الحسم القطع، وهذا رد على الزمخشرفي فيما تبع فيه الزجاج، بأنّ المراد من {إِلَاّ أَن يَشَاء اللهُ} التأبيد لأنه تعالى لا يشاء الكفر نحو حتى يبيض القار ويشيب الغراب، وهو مخالف للنصوص القرآنية والعقلية، من أن جميع الكائنات تابعة لمشيئة الله وقوعا وعدما، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يلائمه أيضا قوله:{وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} وما قيل إن مآل الكلام إلى شرطية وصدقها لا يقتضي تحقق طرفها ولا إمكانه، ولم يتحقق هنا، والقصر في الآية في شعيب ع! هـ والمؤمنين فجاز أن يكون كفر غيرهم بدون مشيئة كلام واه فإنه لا معنى للتعليق بالمشيئة، إلا أن وقوعه وعدمه منوط بإرادة الله تعالى، سواء وقع أو لا، ولذا لما لم ير الزمخشرفي منه محيصاً تعلق تارة بقوله:{وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} وأخرى بجعله من التعليق بالمحال. قوله: (أي أحاط علمه بكل شيء الخ) فيقع ذلك بإرادته الجارية على وفق علمه بما فيه من الحكمة والمصلحة من الرذة والثبات على الإيمان، فلا دليل فيه على أنّ المعنى إلا أن يشاء الله خذلاننا، ومنع الألطاف عنا كما قاله الزمخشريّ بناء على مذهبه. قوله: (احكم بيننا
الخ) يعني الفتح بمعنى الحكم، وهي
لغة لحمير، أو لمراد والفتاحة بالضم عندهم الحكومة، وبيننا منصوب على الظرفية أو هو مجاز بمعنى أظهر وبين، ومنه فتح المشكل لبيانه وحله تشبيهاً له بفتح الباب وازالة الأغلاق حتى يوصل إلى ما خلفها، قيل فبيننا مفعول به بتقدير ما بيننا على هذا الوجه، وقوله:(على المعنيين) أي خير الحاكمين أو خير المظهرين. قوله: (لاستبدالكم الخ) فهو استعارة وفيما بعده حقيقة، وقوله سادّ مسدّ جواب الشرط والقسم أي جواب للقسم بدليلى عدم اقترانه بالفاء ومغن عن جواب الشرط، فكأنه جواب لإفادته معناه وسده مسده لا إنه جواب لهما معا فإنه مع مخالفته القواعد النحوية يلزم فيه أن يكون جملة واحدة لها محل من الإعراب، ولا محل لها وأن جاز باعتبارين كما تقدم. قوله له:(الرجفة الزلزلة وفي سورة الحجر الخ) هذا توفيق بينهما كما مرّ أو أنّ شعيباً عليه الصلاة والسلام بعث إلى أمتين، فالقصة غير واحدة إلا أنه سهو قاله المحشي لأنه في سورة هود لا الحجر والذي ذكر فيه الصيحة في الحجر قوم صالح.
فائدة: إذا حرف جواب وجزاء وقد وقع لبعضهم هنا أنها إذا الظرفية الاستقبالية وا! الجملة المضاف إليها حذفت وعوّض عنها التنوين، كما في إذ ورذه أبو حيان رحمه الله بأنه لم يقله أحد من النحاة ولم نره في غير هذه الآية، وقال المعرب: إنه يجوز في إنا إذا الظالمون، وقد سبقه إليه القرافي رحمه الله، وخرّج عليه قوله عشي! في بغ الرطب بالتمر:" فلا إذا ") 1 (أي إذا ج! قال وقد تعجبت منه لما رأيته ثم وقفت على ما هنا. قوله:) كأن لم يننوا فيها) أي استؤصلوا كأن لم يقيموا وغنى بالمكان يغني أقام به دهراً طويلاً وقيده بعضهم بالإقامة في عيش رغد وقال ابن الأنباري كغيره أنه من الغنى ضد الفقر كما في قوله:
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى فكلا سقاناه بكأسهما الدهر
فالمعنى كان لم يعيشوا فيها مستغنين ورذ الراغب رحمة الله غنى بمعنى أقام إلى هذا
المعنى فقال غنى في المكان طال مقامه فيه مستغنياً به عن غيره، واستؤصلوا بمعنى أهلكوا بيان لحاصل المعنى. قوله:(لا الذين صدّقوه واتبعوه الخ) رذ عليهم ما زعموه في الآية السابقة من أنّ من تبع شعيبا عليه الصلاة والسلام خاسر، والحصر مستفاد من تعريف الطرفين مع ضمير الفصل، وأن القصر للقلب ولما لم يلزم من عدم الخسران الربح زاد قوله: (فإنهم الرابحون (إشارة إلى المراد، وترك القصر في الجملة الأولى المذكورة في الكشاف لابتنانه على أنّ نحو الله يستهزئ بهم يفيده، والمصنف رحمه الله تعالى لا يقول به، أو على أنّ بناء الخبر على الموصول يفيد علية الصلة، وينتفي الحكم بانتفائها وهو غير تام لما يأتي، وقال النحرير إنّ في هذا الابتداء معنى الاختصاص على رأيه في مثل {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} [سررة الرعد، الآية: 26] من غير فرق بين المضمر والمظهر المنكر والمعرّف الموصول وغيره وهنا وإن توسط بين المبتدأ والخبر لفظ كان المخففة فالخبر بعد فعل المبتدأ، وقد يقال مراده بهذا الابتداء كون المبتدأ موصولاً فإنه يشعر بعلية الصلة فينتفي الحكم عند انتفائها وهو معنى الاختصاص، وقيل عليه إن أراد أن رأيه في مثل هذا التركيب أنه للتخصيص البتة فليس كذلك، وقد صرح هو أيضا في المطوّل بأن صاحب الكشاف يوافق الشيخ عبد القاهر في كون تقديم المسند إليه إذا لم يل حرف النفي مفيداً للتقوّى تارة وللتخصيص أخرى، وان أراد أنه يجوز أن يفيد التخصيص فلا بد من بيان قرينة في هذا المقام تدل على إرادة التخصيص والظاهر الثاني، والقرينة أنه لما ذكر هلاك الكافرين الذين نصحوا المؤمنين بعد سبق ذكرهما جميعاً ولم يذكر هلاك المؤمنين، ثم ابتدأ وصرج بهلاك المكذبين صار ذلك قرينة على الاختصاص، واليه أشار بقوله أوّلاً إنّ في هذا الابتداء معنى الاختصاص وثانيا لأنّ الذين اتبعوا شعيباً عليه الصلاة والسلام قد أنجاهم الله، وأمّا ما أورد على قوله، وقد يقال الخ من أنّ انتفاء العلة المعينة لا يستلزم انتفاء المعلول لجواز أن يتحقق بعلة أخرى، إلا أن يقال لما استفيد علية الصلة للحكم، فينتفي إذا انتفت في المقام الخطابي إلى أن يقام دليل على وجود علة أخرى فغفلة عما حققه قبيله في قوله:{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً} [سورة الأعراف، الآية: 81] من أنّ الظاهر من تعليل الفعل ببعض الأغراض! والدواعي أنه نفي لما سواه لا سيما إذا كان ذلك مما لا يكون الفعل بدونه في الجملة فذكره لا يكون
لإثباته بل لنفي غيره ومثل العلة في هذا السبب ومنه تعلم وجه إفادة الحصر في قوله فيما نقضهم ميثاقهم وأنه لا غبار عليه، وان غفلوا عنه ثمة فاحفظه فإنه من النفائس المذخرة. قوله: (وللتنبيه على هذا والمبالنة فيه كرّر الموصول واستأنف الخ (في الكشاف وفي هذا الاستئناف والابتداء وهذا التكرير مبالغة في ردج مقال الملأ لأشياعهم، وتسفيه لرأيهم واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم، فقوله: على هذا الخ أي لأنّ القصد
الرد عليهم في أنّ من اتبع شعيبا عليه الصلاة والسلام خاسر بأن الخاسر إنما هو هم لأنّ لهم الخسران الديني والدنيوي على أبلغ وجه كرّر الموصول من غير عطف لأنه بين أوّلاً هلاكهم حتى كأنهم لم ينزلوا قط في ديارهم، وأنهم خسروا خسرانا عظيما وسفه رأيهم بأن الخسران في تكذيبه لا في اتباعه كما زعموا، واستهزأ بأن ما جعلوه نصيحة صار فضيحة أثرها في الدنيا كالعقبى، ومن عادة العرب الاستئناف من غير عطف في الذم والتوبيخ فيقولون أخوك الذي نهب مالنا أخوك الذي هتك سترنا فتأمل. قوله: (ثم أنكر على نفسه الخ (أي جرّد من نفسه شخصاً وأنكر عليه حزنه على قوم لا يستحقونه كما فعل امرؤ القيس في قوله:
تطاول ليلك بالإثمد ونام الخليّ ولم ترقد
وكان من حق الظاهر وكيف يشتد حزنك لقوله: (ثنم أنكر على نفسه الكنه التفت وقال:
كيف يشتد حزني، وإذا كان مع غيره فلا يكون من التجريد كذا قال الطيبي رحمه الله (قلت (الظاهر أنه ليس من الالتفانت ولا التجريد في شيء فإنّ قوله قال يقتضي صيغة التكلم وصيغة التكلم تنافي التجريد فما ذكره لا وجه له وإنما هو نوع من البديع يسمى الرجوع لأنه إذا كان قوله قد أبلغتكم تأسفا ينافي ما بعده فكأنه بدا له ورجع عن التأسف منكرا لفعله الأوّل ومثله كثير في الإشعار والنكتة فيه الإشعار بالتوله والذهول لشذة الحيرة لعظم الأمر، بحيث لا يفرق بين ما هو كالمتناقض من الكلام وغيره وقد صرح به أصحاب البديع، والحاصل أنّ فيه وجهين فالوجه الأوّل أنه حزن واشتد حزنه على حال القوم، ثم أنكر ذلك على نفسه، والثاني أنه لا حزن عليهم لأنهم لم يقبلوا النصيحة فليسوا أحقاء بالحزن، وقراءة إيسي بكسر الهمزة وقلب الألف ياء على لغة من يكسر حرف المضارعة، وامالة الألف الثانية وفي قوله: بإمالتين تغليب وتسمح وإلا فالأوّل كسر وقلب صريح، وقوله: (فلم تصدقوا) روي بالتاء والياء.
تنبيه: في تاريخ ابن كثير رحمه الله تعالى أنّ شعيباً عليه الصلاة والسلام نبيّ أهل مدين ومدين قبيلة من العرب سميت بهم المدينة، وشعيب عليه الصلاة والسلام ابن يشجر بن لاوى ابن يعقوب، وقيل غير ذلك في نسبه وقيل إنّ شعيبا وبلعم آمنا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام وفي الاستيعاب أنّ شعيبا صهر موسى عليهما الصلاة والسلام من قبيلة من العرب تسمى عنزة، وعنزة ابن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وبينه وبين من تقدم دهر طويل فهم غير أهل مدين، وشعيب اثنان اهـ. قوله:(بالبؤس والضر) أي الفقر والمرض لتفسير. الحسنة يالسعة
والسلامة، وبه فسو ابن عباس رضي أدلّه عنهحا وإلا أخذنا اسنثناء هفرّغ وأخذنا في محل لى الحال، وتقديره وما أ! سلنا إلا آخذين والفعل الماض! ي يقع ب! عد إلا بأحد شرطين إما عل كما هنا وإما مح قد نحو ما! يد إلا قد قام ولا يجولى ما زيد إلا ضحرب، والنبيّ والرسول سيأتي أنّ الزمخشريّ فرق بينهحا بأنّ النبي من أوح! إليه والوسول من أوحى إليه وأمر بالتبليخ، وبأنّ الرسول من جمح إلى المعجزة كتابا منزلاً عليه، والنبيّ غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وإنحا أمر بمتابعة من ق! بله وأورد عليه! لادة عدد الرسل على حدد الكتب فلذا قال في السمقاصد الرسول من له كتاب أو نسخ لبعضى أحكام الشريعة السابقة، وقال القاضي: من له شريعة مجددة، وأورد عليه! أنّ القاضمي رحمه أدلّه ذكر في قوله تعإل! ف! إسحعيل:{لى الحال، وتقديره وما أ! سلنا إلا آخذين والفعل الماض! ي يقع ب! عد إلا بأحد شرطين إما عل كما هنا وإما مح قد نحو ما! يد إلا قد قام ولا يجولى ما زيد إلا ضحرب، والنبيّ والرسول سيأتي أنّ الزمخشريّ فرق بينهحا بأنّ النبي من أوح! إليه والوسول من أوحى إليه وأمر بالتبليخ، وبأنّ الرسول من جمح إلى المعجزة كتابا منزلاً عليه، والنبيّ غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وإنحا أمر بمتابعة من ق! بله وأورد عليه! لادة عدد الرسل على حدد الكتب فلذا قال في السمقاصد الرسول من له كتاب أو نسخ لبعضى أحكام الشريعة السابقة، وقال القاضي: من له شريعة مجددة، وأورد عليه! أنّ القاضمي رحمه أدلّه ذكر في قوله تعإل! ف! إسحعيل: {وكان رسولاً نجيآ} [سورة مريم، الآية: 51] انه يدل على أنّ الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة، فإذ أولاد إبراه! يم صلى الله عليه وسلم كانوا على شريعته فيبطل تعريفاً هما فالحق أذ لا يعتبر التعريفط الأوّل بل يدفح السؤالى بأنّ حديث عدد الكتب والرسل من الآحاد
الغير المفيدة في الاعتقاديات على أن حصر الرسل عليهم الصلاة والح! علام يخالف ظاهر قوله: {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [سورة الأعرأف، الآية: 78] وفيه نظر لأنّ عدم ذكر فصعصحهم لا ينافي عددهم إجمالاً وسيأتي الكلام فيه مفصلاً ثحة لكن الفاضحل الخيالى ذكره هنا فتبعناه. قوله: (حس! شضرعوأ هشذللوأ) هشوبوا عن ذنوبهم، وقال الشريف في تفسير قوله:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} إنّ لعل عند الحعتؤلة مجار عن الإرادة، ولحا لم يصحح عند الأشاعرة لاستلزامه وقوع الحواد ولا التعليل عند من يغفي تعليل أفعاله بالاغراض مطلقاً وإن جوره بعض أهل السنة ف! الإغرأض! الرإجعة للعبد وجحب! أذ يجعلى مجازاً عن الطلب الذي لا يستلؤم حصحول المطلوب، أو عن توتب النجاة على ما هي ثحرة له كما فسو هنا بحتى فإن أفعاله تعال! يتفرع عليها حكم ومصحالح متقنة هي ثمراتها وإن لا تكن عللَا غائية لها بحيث لولاها لم يقدر الفاعل عليها كحا حقق ف! موضعه، وقال: ف! حاشية العضد وأما الغر ضفهو ما لأجله إقدام الفاعلى على الفعل، ويس! حى علة غائية له ولا توجد في أفعاله تعال! وإن جص! افوائدها، وما قيل من إنّ المقصود يسحى! ضحاً إذا لم يمكن لفإحل خصعيله إلا بذلك الفعل فاصطلاح جديد لم يعرف له مستند لا عقلاً ولا نقلا فأورد عليه أنّ بين كلاميه مدافعة ظاهوة لأنه اعتبر في العللى ا! خائية كونها بحيث لولاها لم يقدلى الفاعل عليها، وقد وافقهم في شوح المواقف في اعتبار هذا القيد فيها حيث استدل على نفي وجوب التعليل في أفعاله تعال! بأنه فاعل لجميح الأفعال أبتداء فلا يكون شيء من الكائنات إلا فعلا له لا غوض! اً لفعل آخعر لا يحصحل إلا به فيصلح غرض! اً لذلك الفعل فكيف أنكر على ذلك القائل، وجعله اصطلاحا جديدا، وقد قدّمنا تفص! يل هذا في أوّل سورة البقرة. قوله: (أي
أعيد! ناصاً بدل مما كانوا فيه الخ) قيل في مكاذ وجهان اظهرهحا أنه مفعول به لا ظرف والحعنى بدّلنا مكاذ الحال السسيئة الحال الحسنة فالحسنة هـ! الحأخوذة الحاصلة في مكان السيئة
المتروكة، وهو الذي تصحبه الباء في نحو بدلت ذيدا بعحرو فزيداً مأخوذ وعمرو متووك كحا مرّ والثاني إنه منصوب عل! الظرفسية إلا أنه مردود لأنه لا بذ له من مفعولين، أحدهما على إسقاط الباء وف! كلام المصعنف لى حمه الله ما يدفعه فإنه جعل بدل متضمناً معنى أعطى الناصب لمفعولين احدهحا ض! حيرهم والثاني الحسنة، وتلك الحسنة في مكان السيئة وكونها في مكانها كناية عن كونها بدلاً عنها ولا محذور فيه كما توهم، وقوله:(ابتلاء! اً) بالأمرين أي هعاهله معها كحعاملة الحختبر بالإساءة والإحسان. قوله: (يسقالط عفا النبمات إذا كثر وهف إعفاء اللحى) ال! لحى جحح لحية، هدجور في لام اللحى الضم والكسر كما في كتاب العين، وهو إشارة إلى ما وقح في حديث السنن:" أحفوا الشوا! ب وأعفوا اللحى "(1) والإحفاء الاستقصاء والنهك فححله أكثر على القص بدليل التصريح به في روأية وبعضهم على الحلق وهو لى واية عن أب! حنيفة رححه الله تعالى أي قللوا شعر الشوارب وكثروا شعر اللحى بتركه على حاله. قوله: (كفرانأ لنععة إدفه الخ) معنى قوله يعاقب يجعل كلَا منهما عقب الآخر ويداولها فيتعاوران، وفي ال! كشاف ف! قفسير مثلى هذه الآية فتحنا ع! ليهم أبواب كل شيء من الصحة والحعة وصنوف النعمة ليزاوج عليهم بعن توبتي الضرّاء والسرّاء كحا يفعل الوالد المشفق بولده، ويخاشنه تارة ويلاطفه أخرى طلباً لص! لاحه فقيل عليه إنه قححل الاعتزال، وتنكب عن ظاهر الحقال، ولا ينبغي أن يخفى على أحد أنّ هذا استدراج واستهلاك عند غاية الفرج والسرور وأنفتاج أبوأب الأماني والمطالب جسميعا ليكوذ الأخذ والهلاك أشدّ وأفظع وليس من قبيل ال! تنقيف والتأديب، والبلاء بالحسنات والسيئات، وف! الكشف قيل الظاهر أنه استدراج لا تنقيف وتأديب كحا في ال! كشاف.
(أقول) أما إنه تسعالى يفعل ذلك بعباده ملاطفة فغير منكر! قوله: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 168] وأما سياق هذه الآية فلا ينافي ما ذكره لأنّ الملاطفة بعينها تصحير استدراجاً فيحا بعد، وأما الأثر الحروي:" إذا رأيت الله يعطي العبد على معاصيه ما يحب فإنحا هو استدراج "(3) وتلا الآية فلا يرد ها ذكره لأنه صلى الله عليه وسلم أخذه من قوله: {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ} [سورة الأنعام، الآية:،،] وقد سبق الى الملاطفة تصحير استدراجا، وقيل على كلى
من الثلاثة أشكال أما كلام الكشاف فلأنّ
الآية السابقة في سورة الأنعام وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 2،] كهذه الآية في السباق والسيإق
والأسلوب لا مغايرة بينهحا إلا في لفظة: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} أسو! ة الأنعام، الآية:، 4] وهي لا توجب كبير فرق بينهما فكيف جعلها ملاطفة، ومزاوجة في السابقة وأستدراجا ف! هذه، والدليل على جعلها أسندراجا هنا قوله فيما بعد ومكر الله اسنعارة لأخذه العبد من حيعث لا يشعر ولاستدراجه فعلى العاقلى أن يكون في خوفه من هكر الله الخ مح ترتب أفأمنوا مكر الله على القصة المذكورة، وأما كلام النحرير فلأنّ صإحب الكشاف لو كان ممن يزعم أنّ الاستدراج منا! لحذهب الاعتزال فكيف فسر مكر الله بالاستدراح فيعا بعد، وأما كلام الكشف فلأنّ المقصحود من الاستدراج كون الهلاك أفظح والأخذ أشذ ومن الحلاطفة الإصلاح والتأديب، وإذ كان التعذي! ب بعدها أفظع لكن فرق بين مجرّد ترتب الشيء على الشيء، وبين كونه مقصحودا منه سيحا عند من يقول! بالغر ضفي أفعاله تعالى والاستدراج هو الثاني فتأمّلى.
فوله: (ظخذظ! بش! تة) عطيف على مجحوع عفواً، وقالوا أو على قالوا لأنه العسبب عنه وقوله: لا يشعروذ بنزول العذأب قيل المراد بعدم الشعولى عدم تصعديقهم بإخبار الرسل به لا خلوّ أذهانهم عنه، ولا عن وقته لقوله تعال! :{ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [سو! ة الأنعام، الآية: 131] وفيه نظر لأنّ هذه حالط مؤكدة لمعنى البغتة كعا قاله فمعناه أنهم غير هنتظوين لوقتها فليس له! م شعور به. قوله: (يضي القرى ألمحدلول ع! ايها الخ) فاللام للعهد الذكري، والقوية وإن كانت مفردة لكنها ف! سياق النفي فتساوي القرى وإذا أهلد مكة وما حولها فهي للعهد الخارجي، وجوّز في الكشاف أن تكودط للجنس فقال في الكشف فعليه يتناول قوى ألى سل إليها نبيّ وأخذ أهلها وغيرها، وقيل عليه كيف يتنإول قرى لم يرسل إليها نبيّ وآخو الآية:{وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وإلى أدة وقع التكذلمجط والأخذ فيحا بينهم بعيدة فإلظاهر أنه يتناول جنس القرى المرسلى إلى أهلها من الحذكورة وغيرها، ولحا كانت إلى ادة مكة غير ظاهرة من السياق أخره المصحنف رححه الله تعالى وهرض! هـ ووجهه أنه تعالى لحا أخبر عن القوى الهعالكة بتكذيب الرسل وأنهم لو آمنوا سلحوا وغنموأ انتقل إلى إنذا! أهلى مكة مما وقح بإلأمم والقرى السالفة. قوله:(لوسعنا عليهم أ! ير هس! رظ هـ الخ) يعني فتحن! استعإرة تبعية، وفي ذكر الأبواب في الكشاف إشعالى بأنها تحثيلعة جمث اعتبر في فتح الأبوأب الأحوالى، وقد يقإل لا حاجة إليه لأنه شبه تيمنمير البوكات عليهم بفتح الأبوأب في س! هولة التناول وجإء اعتبار الاستغلاق من ضوورة الفتح، وقوله: من كلى جانب يعني أنّ ذكر السماء والأرض
لضعميم الجهات لا لتبيين ما فيه من البركات كحا هو! أي من فسرها بالمطر والغبات والبركات عامّة، في هذا دون الآخر وهو الفرق بينهحا، هلجور أن يكون الفتح مجازاً مرسلا في لارمه
وهو التيسير قيل وفي الآية إشكال وهو أنه يفهم بح! سا الظاهر منها أنه يفتح عليهم بركات من الصعحاء والأرض! إن آمنوا وفي الأنعام: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}
[سورة الأنعام، الآية: 44] ويدل على أنه ف! تح عليها بركات من السماء والأرض وهو معنى قوله أبواب كل شيء لأنّ الحراد منهما الخصب والرفاء والصعح! ة والعافية لمقابلة {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء} [سو! ة الأنعام، الآية: 42] وحملى فتح البركات على إدامته أو ديادته عدول على الظاهر غعر ملائاً لتفسيره بتيسعر البركات ولا بالحطر والنبات، وأجيب عنه بأنه ينبغي أذ يراد بالبوكات غير الحسنة وما يربى عليها أو يراد آمنوا من أوّل الأمو فنجوا من البأساء والضرّاء كحا هو الظاهر، والحراد في سو! ة الأنعام بالفتح ما أهلد بالحسنة هاهنا فلا يتوهم الإشكال وفيه بحث فتدبر. قوله:(ظخذن! ا!) الظاهر أنّ هذا الأخذ والسابق في {أخذناهم وهم لا يشعرون} واحد وححل أحدهما على الأخذ الأخروي والآخر على الدنيوي بعيد. قوله: (عطف عل! قوله ظخذظ! الخ) وفي الكشاف ف! بياذ عطف هذه بالفاء والأخرى بالواو المعطوف عليه قوله. {فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً} وقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى} إلى {يكسبون} [سورة الأعراف، 1 لآية: 96] وقع اعترأض! أبين الحعطوف والمعطوف عليه وإنحا عطف بالفاء لأنّ المعنى فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة أبسعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بيانا وآمنوا أن يأتيهاً بأسن! ض! حى، ثم قال: إنه! جح فعطف بالفاء قوله: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ} [سووة الأعراف، الآية: 99] لأنه
تكرير لقوله أفأمن أهل القرى يري! د أنّ القص! د إلى إنكار أن يقح بعد أخذ قوم شعيب عليه الص! لاة والسلام أمن أهل القرى أن يجيئهم البأس بياتا ويجينهم البأس ض! حى من غير اعتبا! ترتيب بينهحا فبالضرورة ك! اذ عطف الجحلة الأولى بالفاء والثانية بالواو ودخلت الهحزة لإفادة إنكالى أن يقع بعد ذلك الأخذ هذاذ الأمران ومع وضحوح معنى الكلام، وصويح لفظه سبق إلى بعض الأوهام، أنّ الحواد أنّ إلا من الأوّل عقحط أخذ الأوّلين بخلاف الثاني فإنّ إنعكإره مع إنكار الأوّل لا بعده، فإن قيل: هلا جعل المعطوف عليه {فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وهو أقرب، قلنا: لأنّ مساق ولو أنّ أهل القرى إلى قوله يكسبون مساق التكرار والتأكيد بخلاف ما قبله، فإنه لبيان حال القرى وقصحة هلاكها قصمدا فالعطف عليه أنس! ب وإن كان هذا أقوب وهذا على تقدير أن يراد بالقرى القرى الحدلول عليها بفا سبق وأما إذا أديد بها مكة وما حولها فوجهه ظاهر لأنّ منشأ الإنكالى الأما السالفة لا ما أصاب أهل مكة ومن حولها من القحط وض! يق الحال. قوله:(وها بي! نهحا أعتوأغم! الخ) في الكشف وأهل القرى هن! أهل مكة وما حواليها محن بعث إليه نبينا مححد صلى الله عليه وسلم، وأما وجه وقوع الاعتراض فبين لأنه يؤكد ما ذكره من أن الأخذ بغتة يترتب على أضحداد
الإيمان والتقوى، ولو عكس لانعك! س الأمو، ومنه يظهر أنّ جعل اللام للجنس هغالك أولى ليؤكد الحعطوف عليه ويشحلهما شمولاً سوأء. قوله:(لى المحنى أبحد ذلك أهن أمل القرى) إشارة إلى أنّ الفاء للتعقيب وأنّ الإنكعار منصبّ عليه أي كيف يعقمب ما رأوه الأمن من عذاب الله، وهذا مح ظهوره خفي حلى من فال: كأنه لم يجعل الفاء للتعقيب لأنّ الأهنين الحنكرين لم يكونا عقيب هلاك القوم ولا للسببية، ثاً أطال في تقريوه من غير طائلى، وجعل يقدم رجلاً هلؤخر أخرى، وقد تركناه لع! دم جدوأه. قوله:(تج! ييتاً أو وقت ب! يان الخ) أي هو مصد! يات أو بيت ونصعبه على الطرفية بتقدير هضاف أي وقت أو هفعول مطلق ليأتيهم من غير لفظه أي تبييتاً أو حال من الفاحل بمعنى مبيتاً بالكسر أو من المفعول بحعنى مبيتين بالفتح، وجوّز في غير هذا المحل أذ يكوذ من المفعول بحعنى بائنين أي داخلين ف! الليلى، وف! الدرّ المص! وذ فيه وجوه أحده! أنه منصوب على الحال، وهو في الأصل مصدلى، وجوّر أذ،؟ ! يكعوذ مفعولاً له، وقول الواحدي بياتاً ظاهره أنه ظرف إلا أذ يكوذ تفسيراً للحعنى وإذا جعل وهم نائحون حالاً من الضمير المستتر ف! بياتاً فلقأهلله بإلص! فة كحا مرّ وهو حال متداخلة حينئذ، وفوله على التوديد أي توديد بين أذ يأتيهأ في هذا الوقت أو ف! هذا الوتعتا أي هو لأحد الشيئين. قوله:(ضحوة النهار) أصل هعنى الضحى أرتفإع الشمس أو شروق! ها وقت ارتفاع! هـ! كما في قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [سو! ة الضحى، الآية: ا] ثم استعحل للوقت الواقح فيه ذلك هلكون منصحرفاً إذ لم يرد به وقت من ي! وم بعينه وغير منص! رف إن أهلد به ض! حوة يوم معين فيلزم النصب على الظوفية وهو مقص! و! فإذ فتح مد والضحى يذكر هلؤنث، وفوله: يلهون إشادة إلى أنّ اللعب مجار عن الليهو والغفلة أو إلاشتغال بما لا نفح فيه على التشبيه. قوله: (تحوير قول! أظهن أهل القرى الخ) وفي نسخة تقريو أي تكرير لما سبق على طريقة الجحح بعد التقسيم قص! داً إلى! لإدة التحذير والإنذار، ولهذا لم يجعل ضححيرا فأمنوا لجحيح أهل القرى الهالكة المشإلى إليهم بقوله:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى} [سورة الأعراف، الآية: 96] والبافية المبعوث إليهم نبينا صلى الله عليه وسلم المشار إليهم بقوله أفأمن أهل القرى ولو جعل لذلك لجار إلا أنه لما جعل تهديدا للحوجودين كاذ الأنسب التخص! يص كذا في شروح الكشاف وقعل عليه كعف يصعح جعله تكريرا للحجحوع والحال أنّ إنكا! الأمنين ليعقبهح! مشاهدة هلا! الأوّلين كما قرّره وإنكار أمن القوى السابقة ليس كذلك إذ لا معنى لإنكار الأمن من الهالكين وتقدير معطوف عليه آخر هرتعبا عليه
أمن الجميح تعسف ظاهر فتدبر. قوله: (ومكر أدلّه اسضعمارة لاشدراج إب الخ) فشبه استد! اج الله للعاصي حتى يهلكه في غفلته بالعكو والخداع، فلذا صح إطلاقه عليه تعال! من غيو مشاكلة لكن يناقض هذأ قول المصحنف ر حمه أدلّه في تفسيو قوله تعإلى:{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ} [سورة آل عحرأن، الآية: 54] أنه لا يجور إطلاق ال! عكو على ألله إلا بطريق المشاكلة فتأمّل، ثم إنّ توتب هذا الكلام أعني فوله أفأمنوا الخ على قصة أهل
القرى يدلّ على أنّ تبديل السيئة بالحسنة مغكر واستدرأج، وقد مرّ مثل هذا النظم في الأنعام فجعله في الكشإف ملاطفة ومزاوجة ورجحه المصحنف رححه الله أيضأ حيعسا قدمه هـ! ناك فهو تحكم بحت كما قرّ! هـ الأستاذ و! ذه النحرير المدقق بأنه يحكن أن يقال بعد تمسليم أن ليس الحواد الإشالى ة في المقامين إل! التوجيهين فقوله تعالى:{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ} يرجح الححلى على الملاطفة فتتئم وجوه الإرشاد والححل على ترك الكفر حتى يكوذ الكفر حينئذ أ! يد في القبح والشناعة حيث قطع دابرهم لأجله وححد عليه.
تنبيه: الأمن من مكر الئه كبيرة عند الشافعية وهو الاسنرسال في الحعاصي اتكالاً على
عفو الله كما في جحح الجوأمع، وقال الحنفية: إنه كفر كاليأس لقوله تعال! : {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [سو! ة يوسف، الآية: 87]{فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} واستدلّ الشافعية بحديث ابن مسعود رضي الله عنه من الكبائر إلا من مكر ألله وما ورد من أنه كفر مححول على التغليظ، وفيه تفصيل ليس هذ امحله فقول المصحنف رححه الله الذين خسروا بالكفر إشا! ة لهذا فتأمّله. قوله:(أي يخلفون من خلا! م الخ) أي الإرث هنا مجا! عحا ذكر وهو ظاهر وجعله يهد بمعنى يبين وإذ كاذ هدى يتعدى بسنفسه، وباللام وبإلى لأنّ ذلك في الحفعول الثاني لا في الأوّل كحا هنا فهذا استعحال آخو، وقيل لك أن تحمل اللام على ا! زيافى ة كح! في ردف لكم، والحراد بالذي! ن أهل مكة ومن حولها كحا نقلى عن أبن عباس! ضعي ألله عنهح!. قوله:(لأفه بععن! يبين الضا بطريق المجار أو ال! تضحين وقوله: (هلوثون دي! ما! هم) يقتضي أنّ الأوّل على ظاهره ولو كان عطف بأو فتأمّل، وقوله أن الشأذ إشارة إلى أنّ أن مخففة من الثقيلة واسحها ض! حير شأدن هقد! ، وخبره جملة لو نشاء، وفي اللباب تخصيص هذا بكونه مفعولاً كحا في قراءة النون وجعلها مصددىلة والفعل بعد لو في تأثلل المصدر كحا في قراءة ألياًء، وفيه نظر لاً نه يحتاج إلى إثبات دخول المصددية على لو الشرطية مح أنّ أن المفتوحة مصددرية أيضا فتأمّل، وقوله:(بجزاء ذنوبهم) يعني أنه على تقدير مضاف أو تضمين
أصبنا معنى أهلكنا فلا حاجة إلى التقدير، وقوله وهو فاعل يهد يعني المصدر المؤوّل فاعله، وجوّز أيضاً أن يكون الفاعل ضمير الله، ويؤيده قراءة النون وأن يكون ضميراً عائدأ على ما يفهم مما قبله أي أو لم يهد ما جرى للأمم السابقة. قوله:(ومن قرأه بالنون جعله مفعولاً) هي قراءة مجاهد قال النحرير: الظاهر أنّ اعتبار قضمين معنى نبين إنما هو على قراءة النون حيث ذكر المفعول الثاني، وأما على قراءة الياء فهو من قبيل التنزيل منزلة اللازم ولا حاجة إلى تقدير المفعول الثاني أي أو لم يبين لهم هذا الشأن الطريق المستقيم، أو مآلهم وعاقبة أمرهم، واعترض عليه بأنّ التنزيل منزلة اللازم يكون بالنسبة إلى أحد المفعولين مع ذكر المفعول الآخر كما يكون بالنسبة إلى المفعولين والصريح كغير الصريح كما صرّح به الشريف في قوله تعالى:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [سورة العلق، الآية: ا] فالقراءتان متساويتان في اعتبار التضمين والتنزيل دمان صرّح الزمخشرفي بلفظ أو لم نبين في قراءة النون دون الياء وعكس القاضي فقيل يمكن أن يقال قصد التعلق إلى المفعول دليل ظاهر على القصد إلى المفعول لا سيما عند ذكر ما يصلح أن يكون مفعولاً أوّل أعني للذين يرثون وجعل اللام للتعليل وصف ظاهر بخلاف قراءة الياء إذ لا قصد حينئذ إلى التعلق بشيء أصلاً، والحق أنّ التضمين أولى من التنزيل لأنّ لام للذين إن حمل على التعدية فلا تنزيل، وان حمل على التعليل ففيه نوع تعسف كما لا يخفى اهـ وفيه بحث إذ الظاهر أنّ الاعتراض! وارد إذ على التنزيل وألاقتصار على المفعول الأوّل لا بذ من ذلك إذ هدى لا يتعذى إلى المفعول الأوّل باللام كما ذكره النحرير وغيره إلا أن يجعل قاصراً على المفعولين أي أو لم تكن منا هداية للوارثين فتأمّل ولبعض الناس هنا كلام غير مهذب. قوله:) عطف على ما دلّ عليه أو لم يهد الخ (هذا يحتمل أن يكون تقديراً للمعطوف عليه بدلالة ما قبله وهو الظاهر، ويحتمل أن يريد أنه معطوف على جمله، أو لم يهد لأنها وان كانت إنشائية فالمقصود منها الإخبار بغفلتهم فلا يرد عليهم ما قيل إنه إضمار من غير حاجة، وترك المصنف رحمه الله عطفه على يرثون الذي جوّزه في الكشاف لما قيل عليه إنه صلة، والمعطوف على الصلة صلة ففيه الفصل بين أبعاض الصلة
بأجنبيّ وهو أن لو نشاء سواء كان فاعلا أو مفعولاً. قوله: (أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع) فهي جملة مستأنفة كما يشهد له تقدير المبتدا لأنهم التزموه في الاستئناف دران خفى وجهه كما مرّ في سورة آل عمران ويحتمل أن تكون معترضة تذييلية أيضا، أي ونحن من شأننا وسنتنا أن نطبع على قلب من لم نرد منه الإيمان حتى لا يتعظ بأحوال من قبله ولا يلتفت إلى الأدلة، وليس معناه إنه معطوف على جملة أو لم نهد كما يوهم. قوله:(ولا يجورّ عطفه على أصبناهم الخ) قوله لأنه في سياقة جواب لو تعليل لجعله بمعنى الماضي لأنّ المعطوف على الجواب له حكم الجواب، وهي تختص بالماضي وقوله لإفضائه الخ تعليل لقوله لا يجوز، وقد تبع المصنف رحمه الله تعالى
هذا الزمخشريّ، وقد قيل عليه إنه يجوز عطفه عليه ولا يلزم أن يكون المخاطبون موصوفين بالطبع ولا بد، فهم وان كانوا كفاراً ومقترفين للذنوب ليس الطبع من لوازمهم إذ الطبع هو التمادي على الكفر، والإصرار عليه حتى يكون مأيوسا من قبوله للحق ولا يلزم أن يكون كل كافر بهذه المثابة بل إنّ الكافر يهدد لتماديه على كفره بأن يطبع على قلبه فلا يؤمن أبداً وهو مقتضى العطف على أصبناهم فيكون في الآية قد هذد بأمرين إصابته بذنبه والطبع على تلبه والثاني أشدّ من الأوّل، وهو نوع من الإصابة بالذنب والعقوبة أنكى فهو كقوله:{فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [سورة التوبة، الآية: 25 ا] وإنما الزمخشريّ فرّ من دخوله تحت المشيئة على مذهبه لأنه قبيح والله تعالى متعال عنه فلا ينبغي للمصنف رحمه الله تعالى أن يتابعه عليه والحق أنّ منعه له ليس بناء على أنه لا يوافق رأيهم فقط بل لأنّ النظم لا يقتضيه، وهو الذي جنح إليه المصنف رحمه الله تعالى لأنه يستلزم انتفاء كونهم مطبوعا على قلوبهم لمستفيده كلمة لو من انتفاء جملتيها واللازم باطل لقوله:{فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} أي يصرّون على عدم القبول وقوله: {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ} [سورة يون! ، الآية: 74] العامّ لأهل القرى الوارثين والموروثين وقوله: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} لدلالته على أنّ حالتهم منافية للإيمان وأنه لا يجيء منهم البتة، وبهذا يندفع الاعتراض، وهذا هو الحق الحقيق بالقبول كما ارتضاه المحققون من شراح الكشاف إلا أنه أورد على قولهم اللازم باطل لقوله فهم لا يسمعون إنّ الطبع إذا دخل في حكم المشيئة كان عدم السماع كذلك، وبكون المعنى لو شئنا لاستمرّ منهم عدم السماع، وهو لا ينافي عدم السماع بالفعل، وقيل إنه يمكن أن يقال دخول نفي السماع في حيز لو يقتضي تأويل الاسمية بالماضوية فلا ينافي اعتبار استمرار غير حاصل، ورذ قوله أنّ نطبع على قلوب الكافرين عامّ بأنهم أهل القرى وهي موروثة لا وارثة كما صرّح به فلا وجه للاستدلال به وفيه تأمّل وذهب ابن الأنباري رحمه الله إلى أنّ لو بمعنى أن وأصبنا بمعنى نصيب. قوله:(سماع تفهم واعتبار) هذا مما يقتضيه تفريعه على الطبع، وأمّا تفسير. بلا يجيبون كما في سمع الله لمن حمده فغير مناسب. قوله:(حال إن جعل القرى خبرا وتكون إفادته بالتقييد الخ) قيل لاخفاء أن الكلام فيما إذا أريد الجنس لا تلك القرى المعلوم حالها وقصتها أو تلك القرى الكاملة في شأنها مثل ذلك الكتاب، فإنّ ذلك بمنزلة الموصوف واعترض! بأنّ الحال راجع إلى تقييد المبتدأ لأنّ العامل فيه ما في اسم الإشارة من معنى الفعل، ولو سلم فالسؤال إنما يندفع على تمدير كون نقص حالاً لا خبراً بعد خبر، والقول بأنّ حصول الفائدة بانضمام الخبر الثاني الذي هو بمنزلة الخبر على طريقة هذا حلو حامض ظاهر، والسؤال إنما هو على تقدير الحالية فإنّ الحال فضلة ربما يتوهم عدم حصول الفائدة بها ليس بشيء لظهور أنّ هذا ليس من قبيل حلو حامض
بمعنى من بل كل من الخبرين مستقل اص.
(قلت) وكذلك ما قيل في الجواب عنه بأنه لما اشترك الخبران في ذات المبتدأ كفى إفادة أحدهما مما لا وجه له، وقد سبق النحرير إلى ما ذكر صاحب الكشف، والجواب أنا نسلم أن العامل فيه ما في المبتدأ من معنى الفعل، وإنه قيد له لكنه في المعنى وصف لذي الحال فيصير الخبر كالموصوف المقصود منه صفته كما في أنت رجل كريم هو في غاية الظهور، والسؤال مندفع على تقدير كونه حالاً بما ذكر، وعلى تقدير كونه خبراً بعد خبر بأنّ التعريف لا يكون للجنس بل للعهد أو للدلالة على كمالها في جنسها حتى كأنها هو، وترك التنبيه عليه لظهوره وكم له أمثال في كلامهم، واليه أشار المدقق
في الكشف بقوله المعنى على التقديرين مختلف لأنه إذا جعل حالأ يكون المقصود تقييده بالحال كما ذكره الزجاج في هذا زيد قائماً إذا جعل قيدا للخبر إذ الكلام إنما يكون مع من يعلم إنه زيد والا جاء الإحالة لأنه زيد قائما كان أولاً وأما إذا جعل خبراً بعد خبر فتلك القرى على أسلوب ذلك الكتاب على أحد الوجوه ونقص خبر ثان تفخيم على تفخيم حيث نبه على أنّ لها قصصاً وأحوالاً أخر مطوية، وهذا معلوم للشارح في كتابه فكثيراً ما يرسل الأوجه ويفرّع على واحد، ثم إنه علم منه أن الخبر يشترط فيه الإفادة بالذات أو بواسطة قيد له كصفة وحال وقد قال ابن هشام إنّ هذا يشكل على أبي عليّ رحمه الله تعالى في مسألة حكاها عن الأخفش وهي إنه امتنع من إجازة أحق الناس بمال أبيه ابنه لأنه ليس في الخبر إلا ما في المبتدأ، ثم قال فإن قلت أحق الناس بمال أبيه ابنه البارّ به أو النافع له أو نحوه كانت المسألة بحالها في الفساد لأنّ الخبر نفسه غير مفيد ولا ينفعه مجيء الصفة بعده لأنّ وضع الخبر على تناول الفائدة منه لا من غيره، وردّه بأنه إذا جاز للحال أن تحصل الفائدة المقصودة نحو فما لهم عن التذكرة معرضين إذ السؤال إنما هو في المعنى عن الحال فجوازه في الصفة أجدر فتأمّل، يعني أنّ قوله يعني قرى الأمم المارّ ذكرهم ظاهر في جعل اللام للعهد فلا حاجة إلى التقييد بالحال إلا أن يجعل ذلك بياناً للمشار إليه لا تفسيراً للقرى كما قيل. قوله:(بما كذبوه من فبل الرسل الخ) يعني ما موصولة وقدر عائدها كذبوه لا كذبوا به لأنه لا يجوز حذفه لاختلاف المتعلق كما ذكره المعرب، وفسره في يونس بقوله بسبب تعوّدهم تكذيب الحق، وتمرّنهم عليه قبل بعثة الرسل أي أنهم كانوا قبل البعثة جاهلية مكذبين للحق فلم تقدهم البعثة فالباء سببية، وقال الزجاح فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية تلك
المعجزات بما كذبوا قبل رؤيتها يعني أوّل ما جاؤهم فاجؤوهم بالتكذيب فاتوا بالمعجزات فأصرّوا على التكذيب وهو معنى قول المصنف رحمه الله مدة عمرهم الخ، وقال الطيبي رحمه الله أعلم أنه تعالى جعل عدم إيمانهم بسبب تكذيبهم المقيد بقوله من قبل فالفعل المضارع وهو قوله ليؤمنوا إمّا على ظاهره فيكون المعنى ما كانوا ليؤمنوا الآن أي عند مجيء الرسل لما سبق منهم التكذيب قبل مجيئهم، واما أن يحمل على الاستمرار فالمعنى أنهم لم يؤمنوا قط، واستمرّ تكذيبهم لما حصل منهم التكذيب حين مجيء الرسل، ولما اشتمل الفعل على معنى الاستمرار في الحالات المتعاقبة صح أن يقال بما كذبوا به أوّلاً والوجه الأوّل مناسب لأصول المعتزلة يعني إنما لم يؤمنوا بالرسل بما خالفوا قبل مجيئهم عقلهم الهادي فلما أبطلوا استعدادهم لم ينفعهم مجيء الرسل، والثاني موافق لمذهب أهل السنة لأنّ العقل غير مستقل فلا بد معه من انضمام الرسل والبعثة فهؤلاء لما كذبوا الرسل والآيات، ولم تؤثر فيهم دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة لم يؤمنوا إلى آخر عمرهم، وهذا أنسب من الأوّل بقوله كذلك يطبع الله يوضع المظهر موضع المضمر وعن مجاهد رحمه الله إنه كقوله. ـ تعالى:{وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [سورة الأنعام، الآية: 28] فالمعنى ما كانوا لو أهلكناهم، ثم أحييناهم ليؤمنوا ففيه إيجاز لكن لخفائه تركه المصنف رحمه الله وفيها وجوه أخر وقوله واللام لتأكيد النفي يعني أنها لام الجحود، وقد مرّ شرحها. قوله:(والدلالة على أنهم ما صلحوا الخ) بيان للتأكيد الذي تفيده لام الجحود ويعطيه التركيب، وقوله:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ} بيان لعدم صلاحهم للإيمان ويصح فيه التشبيه والتعظيم للطبع كما في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] وقوله فلا تلين شكيمتهم أي لا ينقادون للحق وأصل معنى الشكيمة حديدة اللجام التي في فم الفرس. قوله: (كثر الناس والآية اعتراض الخ) يعني وما وجدنا إلى فاسقين اعتراض! إن كان الضمير للناس لأنه لا اختصاص له بما قبله لكن لعمومه يؤكده، ومرجع الضمير معلوم لشهرته فإن كان للأمم المذكورين يكون من تتمة الكلام السابق فهو تعميم لا اعتراض كذا قرره شراح الكشاف فلا معنى لما قيل كيف يكون اعتراضا مع شموله للأمم، ومن في من عهد زائدة، ووجد هذه متعدية لواحد وجوّز فيها أن تكون علمية و! ثرهم متعلق به أو حال. قوله:(وفاء عهد الخ) يعني أنه على تقدير مضاف لأنّ عهدهم وجد على الوجهين والعهد أما ما عهده الله إليهم ببعثة الرسل ونحوها، أو في عالم الذرّ أو ما عاهدوا الله عليه في نزول الشدة بهم، والحجج
الدلائل الدالة على الله، وفسره ابن مسعود رضي الله عنه بالإيمان كما في قوله:{اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [سورة مريم، الآية: 78] وقيل العهد بمعنى البقاء.
قوله: (علمناهم الخ) يعني إن وجد هنا بمعنى علم فهي من الأفعال النواسخ الناصبة للمبتدأ والخبر لدخول أن المخففة عليها، وهي لا تدخل إلا على المبتدأ أو على الأفعال الناسخة عند الجمهور خلافا للأخفش رحمه الله فإنه جوّز دخولها على غيرها، وهذه اللام هي اللام الفارقة بين المخففة وغيرها، وأن هذه بعد التخفيف ملغاة لا عمل لها على المشهور كما تقدم تفصيله، وقوله: ذا الحفاظ أي صاحب الحفاظ، وهو المحافظة والمراقبة، ويقال إنه لذو حفاظ ومحافظة إذا كان له أنفة وقوله الضمير للرسل أي في قوله:{وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} [سورة الأعراف، الآية: 103] ، أو للأمم المدخول عليه بتلك القرى، والأوّل أولى. قوله:(بأن كفروا بها مكان الإيمان الخ) الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهو متعد بنفسه لا بالباء فلذا وجه تعديه هنا بوجوه منها أنه لما كان الكفر والظلم من واد واحد عدّى تعديته أو هو بمعنى الكفر مجازا أو تضمينا أو هو مضمن معنى التكذيب أو الباء سببية، ومفعوله محذوف أي ظلموا أنفسهم أو الناس بسببها، وكلام المصنف رحمه الله ظاهر في التضمين أي كفروا بها واضعين الكفر غير موضعه يعني إنما أوتي موسى الآيات والمعجزات لتكون موجبة للإيمان بما جاء به فعكسوا حيث كفروا فوضعوا الشيء في غير موضمعه، ويحتمل أن يريد التجوّز. قوله:) وفرعون لقب لمن ملك مصر الخ) يعني إنه علم شخص، ثم صار لقبا لكل من ملك مصر ككسرى لمن ملك فارس والنجاشي لمن ملك الحبشة وقيصر لمن ملك الروم، وقيل هي أعلام أيضا لأنها لا تنصرف وليست من علما الجنس لجمعها على فراعنة وقياصرة وعلم الجنس لا يجمع، فلا بد من القول بوضع خاص لكل من يطلق عليه وليس بشيء لأنّ الذي غرّه قول الرضي إنّ علم الجنس لا يجمع لأنه كالنكرة شامل للقليل والكثير لوضعه للماهية، فلا حاجة لجمعه وقد صرح النحاة بخلافه وممن ذكر جمعه السهيليّ رحمه الله في الروض! الأنف فكأنّ مراد الرضي أنه لا يطرد جمعه، وما ذكره تعسف نحن في غنى عنه، وقوله وكان اسمه الخ المذكور في التواريخ أنّ أحدهما اسم فرعون موسى والآخر اسم فرعون يوسف. قوله:(لعله جواب لتكذيبه إياه الخ) في هذه الآية قراآت عليّ بجر على لياء المتكلم، وهي قراءة نافع
رحمه الله والقراءة المشهورة على أن لا أقول بجر على لأن المصدرية، وصلتها وهي مشكلة لأنّ الظاهر أنّ عدم ترك قوله للحق حقيق عليه لا أنه حقيق على عدم ترك قوله للحق لأنّ حقيق بمعنى جدير ويتعدى بالباء، وبمعنى واجب ولازم ويتعدى بعلى، وهو المراد هنا فلذا ذهب المفسرون في تأويلها إلى وجوه ستة ستراها، وجعل المصنف رحمه الله قوله:{وَقَالَ مُوسَى} [صورة يونس، الآية: 84] جوابا لفرعون إذ كذبه المدلول عليه بما قبله. قوله: (وكأنّ أصله الخ) بناه على القراءة المشهورة واستغنى بشهرتها عن التصريح بها هذا هو الوجه الأول وهو أن في الكلام قلباً وهو على قسمين أن يكون بقلب المعنى والألفاظ بتقديمها وتأخيرها نحو خرق الثوب المسمار أو بقلب المعنى فقط كما هنا فإنّ ياء المتكلم لا وجود لها حتى تؤخر وتزال عن مكانها، وفيه بعد اشتراط أمن اللبس ثلاثة مذاهب مشهورة القبول مطلقا، والمنع مطلقا والتفصيل بين ما تضمن اعتباراً لطيفا وغيره، فيقبل الأول دون الثاني، ولذا ضعفوه هنا، والإغراق وجه آخر لا يدعى أنه المحسن هنا فتأقل، والظاهر أنّ الإسناد والإغراق حقيقة باعتبار أصله والا لم يكن قلبا، وفي الانتصاف أطلق عليه أنه مجاز فإن أراد ظاهره كان مشكلا فتدبر. قوله:(وتشقى الرماج الخ) هو من شعر لخراش بن زهير وقبله:
كذبتم وبيت الله حتى تعالجوا قوادم حرب لا تلين ولا تمرى
وتلحق خيل لا هوادة بينها وتشقى الرماج بالضياطرة الحمر
وتمرى من أمرت الناقة درّ لبنها وهو استعارة هنا، والهوادة الصلح والميل ورجل ضيطر وضيطار كبيطار ضخم لا غناء عنده، فلذا يطلق على الخدم والسفلة، وهو المراد هنا وهاء ضياطرة عوض عن المد كبياطرة إذ القياس فيه ضحياطير أو هي لتأنيث الجمع، والحمر جمع أحمر كناية عندهم عن العجم لغلبة
الحمرة على ألوانهم، فلذا يستعملونه في الذم، وأصله تشقى الضياطرة بالرماح إلا أنّ الثاعر جعل الرماح شقيت بهم لتكسرها من كثرة الطعن فيهم كما قال أبو الطيب:
طوال الردينيات يقصفها دمي وبيض السريجيات يقطعها لحمي
وأفصح عن هذا المعنى في قوله:
والسيف يشقى كماتشقى الضلوع به وللسيوف كعا للناس آجال
قوله: (أو لأنّ ما لزمك فقد لزمته) عطف على ما قبله بحسب المعنى لأنّ المعنى وإنما
قال حقيق علي أن لا أقول لأنّ أصله ولأنّ الخ، وهذا هو الجواب الثاني أي كما أن قول الحق
لازم له فهو لازم لقو الحق أيضاً، واعترض! عليه بأنّ اللزوم قد يكون من أحد الطرفين دون الآخر كما هنا، فليس كل ما لزمك لزمته، وأجيب عنه بأنه إشارة إلى أنه من الكناية الإيمائية كقوله البحتري:
أو مارأيت الجود ألقى رحله في آل! ة ثم لم يتحوّل
وقول ابن هانئ:
فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يسير الجود حيث يسير
يعني بلغت الملازمة بين الجود والممدوج بحيث وجب وحق على الجود أن لا يفارق ساحته فيسير حيث سار وهو المراد، وقيل عليه بل معناه أنّ بين الواجب ومن يجب عليه ملازمة فعبر عن لزومه للواجب بوجوبه على الواجب كما استفيد من العكس، وليس من الكناية الإيمائية في شيء بل هو تجوّز فيه مبالغة حسنة. قوله:(أو للأكراق في الوصف بالصدق الخ) الإغراق المبالغة من قولهم أغرق الرامي في النزع وهو نوع في البديع معروف فقد جعل قول الحق بمنزلة رجل يجب عليه شيء، ثم جعل نفسه أي قابليته لقول الحق وقيامه به بمنزلة الواجب على قول الحق فيكون استعارة مكنية وتخييلية، فالمكنية في قول الحق إذ شبه برجل، والتخييلية في حقيق أي بالغ في وصف نفسه بالصدق فيقول أنا واجب على الحق أن يسعى في أن أكون أنا قائله فكيف يتصوّر مني الكذب، جعل الحق كأنه عاقل يجب عليه أن يجتهد في أن يكون هو القائم به، وقيل عليه هذا إنما يتم لو كان اللفظ هو حقيق على قول الحق، وليس كذلك بل على قولي الحق، وجعل قوله الحق يجب عليه أن يسعى في أن يكون هو قائله ليس له كبير معنى، وهذا مما ذكره النحرير، ولم يجب عنه وأجاب عنه بعض المتأخرين بما لا حاصل له وهو ظاهر الورود، ويمكن دفعه بأن مبناه على أنّ المصدر المؤوّل معرفة لا بد من إضافته إلى ما كان مرفوعأ له، وليس بمسلم فإنه قد يقطع النظر عن ذلك، وصرّح بعض النحاة بأنه قد يكون نكرة كقوله:{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى} [سورة يونس، الآية: 37] أي افتراء وهنا قطع النظر فيه عن الفاعل إذ المعنى حقيق عليّ قول الحق وهو محصل مجموع الكلام فلا إشكالط فيه، وما ذكره يليق بالتدقيقات الرياضية لا التراكيب العربية فتدبر. وقوله: إلا بمثلي في أكثر النسخ وهو ظاهر، وفي بعضها بمثله على عدم الحكاية وهي بمعنى الأولى والنسخة الأولى أصح. قوله: (أو ضمن حقيق معنى حريص الخ (هذا هو الجواب الرابع وهو ظاهر، وعلى جعل على بمعنى الباء كما تكون الباء أيضا بمعنى على فحقيق بمعنى جدير، وبقي جواب سادس ذكره ابن مقسم، وقال: إنه أولى وقد أهملوه وهو أنه متعلق برسول إن قلنا
بجواز أعمال الصهفة إذا وصفت، فإن لم نقل به وهو المشهور فهو متعلق بفعل يدلّ عليه، أي أرسلت على أن لا أقول إلا الحق، وقراءة حقيق أن لا أقول بتقدير الجارّ وهو على أو الباء أو يقدر علي بياء مشدّدة، وتفسيره ما مر في القرا آت المشهورة. قوله: (فخلهم الخ (الظاهر أنه معنى حقيقيّ للإرسال قال الراغب: الإرسال يقال في الإنسان وفي الأشياء المحبوبة والمكروهة، وقد يكون ذلك بالتسخير كإرسال الرياج والمطر، وقد يكون ذلك بالتخلية وترك المنع نحو:{أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} [سورة مريم، الآية: 83] ويقابله الإمساك فأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أنّ المراد به الأخير، وما قيل إنه استعارة من إرسال الطير من القفص تمثيلية أو تبعية لا أصل له، وهذا إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ يوسف عليه الصلاة والسلام لما توفي وانقرضت الأسباط غلب فرعون على نسلهم واستعبدهم، فأنقذهم الله بموسى ع! ، وكان بين
اليوم الذي دخل فيه يوسف عليه الصلاة والسلام مصر، واليوم الذي دخل فيه موسى-شي! أربعمائة عام. قوله:(فأحضرهما عندي ليثبت بها صدقك الما كان ظاهر الكلام طلب حصول الشيء على تقدير الحصول أشار إلى بيان المغايرة بين الشرط والجزاء، وكون جواب الشرط الثاني ما يدل عليه الشرط المتقدم وجوابه أمر آخر، وقوله: ليثبت بها صدقك إشارة إلى أنّ الشرط الثاني مقدم في الاعتبار على قاعدة تكرّر الشرطين فتدبر. قوله: (ظاهر أمره) تفسير لمبين، وقوله: صارت ثعبانا
إشارة إلى أنه صيرورة حقيقية لا تخييلية، وأشعر بمعنى كثير الشعر، وفي نسخة أشعرانيا وهو بمعناه، وفاغراً بالفاء والغين المعجمة والراء المهملة بمعنى فاتح، وسور القصر بمعنى أعلى حائطه، وأحدث أي استطلقت بطنه في مكانه لخوفه، وقوله فمات أي للخوف، ووطء بعضهم بعضاً. وقوله: أنشدك بالذي الخ، أي
أقسم عليك به. قوله:) من جيبه أو من تحت إبطه الخ (لقوله: {أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} أسورة النمل، الآية: 12] وقوله: {اضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [سورة طه، الآية: 22، والجمع بينهما ممكن في زمان واحد. وقوله: (بياضاً خارجاً عن العادة (لأنه روي أنه أضاء له ما بين السماء والأرض وقوله: أو للنظار أي لأجلهم. وقوله: (لا أنها كانت بيضاء في جبلتها (أي أصل خلقتها لأنه كان آدم شديد الأدمة وهي السمرة، وأصله " دم بهمزتين أفعل، وكونه كذلك مروفي في الحديث الصحيح. قوله: (قيل قاله هو وأشراف قومه الخ) يعني أنه وقع في سورة الشعراء قال! : {لِلْمَلَإِ} وهنا قال: {الْمَلإِ} والقصة واحدة فكيف يختلف القائل في الموضحعين. وفي الكشاف قاله: هو، وقالوه: هم فحكى قوله ثمة وقولهم هنا أو قاله: ابتداء فتلقنه منه الملأ فقالوه لأعقابهم، أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ، كما يفعل الملوك يرى الواحد منهم الرأي فيكلم به من يليه من الخاصة، ثم تبلغه الخاصة العامة، والدليل عليه أنهم أجابوه بقولهم:) أرجئه وأخاه (فأشار إلى ترجيح أنّ الملأ قالوه عن فرعون بطريق التبليغ إلى القوم، بأنّ القوم أجابوا فرعون وخاطبوه بقولهم:) أرجئه وأخاه) فلو لم يكن الكلام تبليغا من فرعون إليهم لما كان لهذا الجواب والخطاب وجه إذ لا يناسب قول الملأ ابتداء إلا أن يقدر في الكلام، إذ المناسب حينئذ ارجعوا وأرسلوا، ولا يناسب النقل بطريق الحكاية لأنه حينئذ لا تكون مشاورة، فلا يتجه جوابهم أصلاً أو أن الجواب وهو أرجئه الخ في الشعراء من كلام الملا لفرعون، وهنا من كلام سائر القوم فلا منافاة بينهما لتطابق الجوابين، ثم اختلفوا في قوله:{فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} فقيل إنه من تتمة كلام الملا وهو الظاهر، وقيل كلام الملا تنم عند قوله:{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ} ثم قال فرعون مجيبا لهم {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} قالوا: {أَرْجِهْ} وحينئذ يحتمل أن يكون كلام الملا مع فرعون، وخطاب الجمع في يخرجكم لتفخيمه أو لما جرت به العادة، وأن يكون مع قوم فرعون والمشاورة منه قيل: وإنما التزموا هذا التعسف ليطابق ما في الشعراء في قوله: {مَاذَا تَأْمُرُونَ} فإنه من كلام فرعون. وقوله: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} كلام الملا لفرعون لكن ما اندفعت المخالفة بالمرّة لأنّ قوله: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ، يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم} كلام فرعون للملا، وفي هذه السورة على ما وجهوه كلام الملا لفرعون، ولعلهم يحيلونه على أنه قال لهم مرّة، وقالوا له أخرى. قوله:(تشيرون في أن نفعل) يعني أنه من الأمر بمعنى المشاورة وهو المروقي عن ابن عباس رضي الله عنهما يقال: أمرته فأمرني أي شاورته فاشار عليّ برأي، وليس هو الأمر المعهود وان قيل به. وأمّا قوله في العصا هنا:{فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ} وفي محل آخر {كَأَنَّهَا جَانٌّ} [سورة النمل، الآية: 10، فلا معارضة
بينهما كما سيأتي {حَاشِرِينَ} جمع حاشر وهو من يجمعهم. وقوله: كأنه الخ من تتمة التوفيق كما مرّ. قوله:) والإرجاء التأخير الخ) هذا هو الأصح لغة لا أنه بمعنى الحبس، وقيل لأنه لم يثبت منه الحبس، وقيل: الأمر به لا يوجب وقوعه، وقيل: إنه لم يكن قادرا على حبسه بعد ما هاله منه، وقوله:{لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 29] في الشعراء كان قبل هذا وقال أبو منصور: الأمر بالتأخير دل على أنه تقدم منه أمر آخر وهو الهئم بقتله فقالوا أخره ليتبين حاله للناس. قوله: (وأصله أرجئه الخ) يعني بالهمز وفيه هنا وفي الشعراء ست قرا آت متواترة لا التفات لمن أنكر بعضها، كما ستراه ثلاث مع الهمزة أرجثه وبهمزة ساكنة وهاء متصلة بواو الأشباع، وأرجئه
بضم دون واو، وأرجئه بهمزة ساكنة وهاء مكسورة من غير صلة، وثلاث بدونها أرجه بسكون الياء والهاء وصلا ووقفا، وأرجهي بهاء مكسورة بعدها ياء، وأرجه بهاء مكسورة بدون ياء فضم الهاء وكسرها، والهمز وعدمه لغتان مشهورتان وهل هما مادّتان، أو الياء بدل من الهمزة كتوضأت وتوضيت قولان، وقد طعن في قراءة ابن ذكوان رحمه الله فقال أبو عليّ الفارسي ضم الهاء مع الهمزة لا يجوز غيره، وكسرها غلط لأنّ الهاء لا تكسر إلا بعد ياء ساكنة أو كسرة. وقال الحوفي: ليست بجيدة، وأجيب عنه بوجهين أحدهما أنّ الهمزة ساكنة والحرف الساكن حاجز غير حصين، فكان الهاء وليت الجيم المكسورة فلذا كسرت، والثاني أنّ الهمزة عرضة للتغيير كثيرا بالحذف وابدالها ياء إذا سكنت بعد كسرة، فكأنها وليت ياء ساكنة فلذا كسرت وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله. وأورد عليه أبو شامة رحمه الله أنّ الهمزة تعد حاجزاً، وأنّ الهمزة لو كانت ياء كان المختار الضم نظرا لأصلها وليس بشيء، لأنها كما قال المعرب: لغة ثابتة عن العرب. وقوله: جه وأي لفظ جه بكسر الهاء غير مشبعة مع واو العطف كابل بكسرتين فيجوز تسكينه للتخفيف، والمنفصل والمتصل المراد به ما كان من الكلمة وغيره لا في الخط، كما قيل وقوله: فلا يرتضيه النحاة الأولى تركه. وسحار صيغة مبالغة وهي تناسب عليم، فلذا اتفق عليها في الشعراء. قوله:(بعدما أرسل الشرط في طلبهم) الشرط بشين معجمة مضمومة وراء مهملة مفتوحة، وطاء مهملة أعوان الولاة لأنهم يجعل لهم علامة، وفي القاموس الشرط بضم وسكون ما اشترطت يقال:
خذ شرطتك وواحده الشرط كصرد، وهم أوّل كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، وطائفة من أعوان الولاة معروفة، وهو شرطيّ كتركيّ وجهنيّ. وفيه أنه قال في الأساس الصواب في الشرطيّ سكون الراء نسبة للشرطة، والتحريك خطأ لأنه نسب إلى الشرط الذي هو جمع فتأمّل. قوله:(استأنف به الخ) أي استئنافاً بيانيا ولذا لم يعطف، وقيل: إنه حال من فاعل جاء وهذا أولى منه. وقراءة أنّ إمّا على الأخبار، وامّ على حذف همزة الاستفهام لتتوافق القراءتان، ولأنّ الظاهر عدم جزمهم به، ولذا رجحه الواحديّ رحمه الله بناء على اطراد حذفها. وقوله: وايجاب الأجر تفسير للأخبار أي ليس المراد بالأخبار ظاهرة إذ لا وجه له فيحمل على إيجابه عليه واشتراطه، كأنهم قالوا يشرط أن تجعل لنا أجراً، وما قيل: إنه لا طلاوة له لا طلاوة له، وقوله:(والتنكير للتعظيم) مثل له في الكشاف بأنّ له لا بلا فقال النحرير: مثل لتنكير التعظيم بتنكير التكثير للقرب بينهما. قوله: (وإنكم لمن المقرّبين عطف الخ) في الكشاف هو معطوف على محذوف سد مسده حرف الإيجاب، كأنه قال: إيجاباً لقولهم إنّ لنا لأجراً نعم إنّ لكم لأجراً هانكم لمن المقرّبين أراد أني لا أقتصر بكم على الثواب وحده، وأنّ لكم مع الثواب ما يقل معه الثواب وهو التقريب والتعظيم، لأنّ المثاب إنما يتهنأ بما يصل إليه ويغتبط به إذا نال معه الكرامة والرفعة، وروي أنه قال لهم: تكونون أوّل من يدخل وآخر من يخرج.
) قلت) هذا هو عطف التلقين، وقد عرف من هذا تحقيقه بأنه عطف على مقدّر هو عين الكلام السابق قبله، فمن قال إنه عطف عليه أراد هذا لأنه لما كان عينه جعل هو المعطوف عليه، ومن إعادته على وجه القبول أفاد تحقيق ما قبله، وتقريره للقطع به فماعادته بحرف الجواب أفصح وأوضح فاحفظه، فإنهم لم ينبهوا عليه هنا وبه يجمع بين الأقوال السابقة في سورة البقرة. وقوله: التحريضهم (يعني بالزيادة المذكورة. توله: (خيروا موسى عليه الصلاة والسلام مراعاة للأب) قال المشايخ: ولمراعاتهم للأدب رزقوا السعادة الأبدية وأن نلقي وأن نكون جوّز فيه النصب بتقدير اختر ونحوه، والرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر أو خبر مبتدأ محذوف وهو ظاهر أي أمرك الإلقاء، واظهار الجلادة إذ لم يبالوا بتقدمه وتأخره، وقد قيل إنه مخالف لقولهم قبله إن كنا الخ فإمّا أن تكون حالهم تغيرت، أو وقت المبارزة محل إظهاو القوّة. قوله:(فنبهوا عليها بتنيير النظم الخ) تغيير النظم إذ لم يقولوا وأمّا أن نلقي والظاهر أنه وقع في المحكيّ كذلك بما يرادفه
فلا يرد عليه شيء ووجه كونه أبلغ تكرير الإسناد، وتعريف الخبر بالجرّ عطف على ما هو أبلغ، وقيل إنه تفسير له وقيل إنه
معطوف على تغيير النظم والأوّل أولى وقوله: أو تأكيد ضميرهم المتصل يعني المستتر في يكون لأنه في حكمه بل أشد، وهو معطوف على توسيط الفصل والاعتراض بأنّ الجمع بين الفصل والتأكيد لا يمكن لأنّ لأحدهما محلاً من الإعراب دون الآخر وهم ظاهر، فإن قلت ما الفرق بين أن يكون الضمير مؤكدا وبين أن يكون فصلاً، قلت قال الطيبي رحمه الله: التكرير يرفع التجوّز عن المسند إليه فيلزم التخصيص من تعريف الخبر أي نحن نفعل الإلقاء البتة لا غيرنا والفصل لتخصيص الإلقاء بهم لأنه لتخصيص المسند بالمسند إليه فيعرى عن التوكيد، وقال الفاضل اليمني: قد ذكر علماء المعاني أنّ ضمير الفصل يفيد التخصيص وكذا تعريف الخبر فعلى هذا إذا أجتمعا هل يكونان جميعا مفيدين للتخصيص كما تفيد أن، واللام التأكيد إذا اجتمعتا أو يكون حاصلا بأحدهما فقط فإن جعلناه بتعريف الخبر يكون إنما جيء به للفرق بين الخبر والنعت اهـ، وله تفصيل ليس هذا محله. قوله:(كرماً وتسامحاً أو ازدراء الخ) التسامح تفاعل من السماحة، وهي قرينة من الكرم أو المراد به عدم المبالاة فيقرب من الازدراء وهو إفتعال من الزراية وهي التحقير، وهو جوأب عما يقال إنّ إلقاءهم الحبال والعصيّ معارضة للمعجزة بالسحر وهي كفر، والأمر بالكفر كفر فكيف أمرهم به، والجواب أنّ السحرة إنما جاؤوا لإلقاء الحبال والعصيّ، وقد علم موسى-لج! هـ أنهم لا بد، وأن يفعلوا ذلك وإنما وقع التخيير في التقديم والتأخير كما صرّج به في الآية الأخرى أوّل من ألقى فجوّز لهم التقديم لا لإباحة فعلهم بل لتحقيرهم، وقلة مبالاته بهم وللوثوق بالتأييد الإلهيّ وأنه لن يغلب سحر معجزة فقط، وهذا لا دلالة له على الرضا بتلك المعارضة، وأيضا أذن لهم ليبطل سخرهم فهو إبطال للكفر بالآخرة وتحقيق لمعجزته، وقوله ووثوقاً على شأنه ضمن الوثوق معنى الاعتماد فلذا عدّاه بعلى والا فهو يتعدى بالباء. قوله:(بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه) فسره بذلك لقوله: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ} وهو كقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [سورة طه، الآية: 66] وقد روي أنهم لو نوها وجعلوا فيها زئبقا فلما أثر تسخين الشمس فيها تحرّكت والتوى بعضها ببعض فتخيل الناس ذلك وليس في هذا إبطالاً للسحر مع أنه ثابت بالنصوص لكن المعتزلة تنكره كما تنكر الجن فالأولى تركه كما قيل بل لأن القرآن ناطق بخلافه إذ جعله كيداً وتخيلا، ولذا لم يلتفتوا لاعتراضه هنا. قوله:(وأرهبوهم إرهاباً شديداً الخ) يعني أنّ الاسترهاب بمعنى الإرهاب البليغ فالطلب مجاز في المبالغة والزيادة لأنّ المطلوب من شانه أن يهتم به ويبالغ فيه، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله كأنهم الخ فلا يرد عليه، ما قيل إنه بمعنى الأفعال ل! للطلب كما قال الزمخشريّ: لعدم ظهوره هنا إذ لا يلزم منه حصول
المستدعي والمطلوب. قوله: (عظيم في فنه الخ) يعني أنّ عظمته بالنسبة لغيره من السحر، ولما هو في زعمهم، وأن ألق أن فيه تفسيرية لتقدّم ما فيه معنى لقول دون حروفه أو مصدرية فهي مفعول الإيحاء وقوله فألقاها الخ يشير إلى أن الفاء المذكورة والمحذوفة فصيحة وقد مرّ ما فيه. قوله:(ما يزؤرونه من الإفك الخ) الإفك بفتح الهمزة مصدر أفكه بمعنى قلبه، وهو أصل معناه وإطلاقه على الكذب لكونه مقلوباً عن وجهه لكنه اشتهر فيه حتى صار حقيقة، وقد فسره به ابن عبامى رضي الله عنهما هنا أيضا، وما موصولة وهو معلوم من تقديره العائد أو مصدرية، والإفك بمعنى المأفوك لأنه المتلقف وترأ حفص تلقف بالتخفيف وغيره تلقف بالتشديد وحذف إحدى التاءين وتلقف بمعنى تأخذ وتبتلع. قوله:(فثبت لظهور أمره) يعني استعير الوقوع للثبوت والحصول أو للثبات والدوام لأنه في مقابلة بطل فان الباطل زائل، وفائدة الاستعاوة الدلالة على التأثير لأنّ الواقع يستعمل في الأجسام وهو كقوله تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [سورة الأنبياء، الآية: 118 إذ استعير القذف لا يراد الحق على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل ومن فسر الواقع بالتأثير أراد هذا، وقال الفراء: معناه تبين الحق من السحر. قوله: (أي صاروا أذلاء مبهوتين الخ) أي الانقلاب مجاز عن الصيرورة لظهور المناسبة بينهما أو بمعنى الرجوع فصاغرين حال، وقوله والضمير الخ أي الضمير واجع لفرعون وقومه والسحرة على الاحتمال الأوّل، وعلى الاحتمال الثاني لفرعون
وقومه لا عليهما لأنّ السحرة لا ذلة لهم إلا أن يحمل على الخوف من فرعون، أو على ما قبل الإيمان وظاهر النظم يخالفه، فإن قلت قوله مبهوتين من أين أخذه قلت أخذه من قوله انقلبوا لما اختير على قلبوا فتأمّل.
قوله: (جعلهم ملقين على وجوههم الخ) يعني كان الظاهر خرّوا ساجدين إذ لا إلقاء هنا
لكنه تجوّز به عنه لأنّ ظهور الحق ألجأهم إلى ذلك واضطرّهم إليه حتى كان آخر دفعهم فألقاهم فهو استعارة وبهرهم بمعنى غلبهم أو أنّ الله ألقاهم بمالهامهم لذلك فالملقي هو الله لينعكس أمر فرعون، أو المراد أسرعوا كالذي يلقيه غيره، والاستعارة تبعية أو هو تمثيل، ويصح أن يكون مشاكلة لما معه من إلقاء كما ذكره في الشعراء. قوله:(أبدلوا الثاني من الأوّل الخ (أي أبدلوا لفظ رب الثاني المضاف لهما لدفع هذا التوهم، ولم يقتصروا على موسىءك! إذ ربما يبقى للتوهم رائحة لأنه كان ربي موسى عليه الصلاة والسلام في صغره ولذا قدم في محل آخر لأنه أدخل في دفع التوهم أو لأجل الفاصلة أو لأنه أكبر سناً منه، وقدم موسى لشرفه أو للفاصلة، وما وقع في شرح المفتاح للسعد من أنه قدم موسى عليه الصلاة والسلام لأنه كان أكبر سنا منه إمّا سهو أو رواية غير مشهورة، وأمّا كون الفواصل في كلام الله تعالى لا في كلامهم فلا يضرّ كما توهم وروي أنهم لما قالوا آمنا برلت العالمين قال أنا رلث العالمين فقالوا: رذا عليه رلت موسى وهرون. قوله: (بالله أو بموسى (أمّا الأوّل فلقوله رلت العالمين، وأمّا الثاني فلقوله في آية أخرى آمنتم له فإنّ الضمير لموسىءكي! لقوله إنه لكبيركم الخ. قوله: (1 لاستفهام فيه للإنكار الخ) قرأ القرّاء آمنتم بحرف الاستفهام إلا حفصا فإنه قرأها على الأخبار وفيها أيضاً معنى التوبيخ كما في الاستفهام لأنّ الخبر إذا لم يقصد به فائدته ولا لازمها تولد منه بحسب المقام ما يناسبه، وهنا لما خاطبهم بما فعلوه مخبراً لهم بذلك أفاد التوبيخ والتقريع، ويجوز أن يقدر في الهمزة بناء على جوازه والاستفهام للإنكار بمعنى أنه لا ينبغي ذلك وفي القراءة هنا وجوه مبسوطة في محلها. قوله: (إن هذا الصنيع لحيلة الخ (قاله تمويهاً على القبط يريهم أنهم ما غلبوا ولا انقطعت حجتهم، وكذا قوله قبل أن آذن لكم، وقوله في مصر أي التعريف عهدقي، والميعاد أي ميعاد اجتماعهم، وعاقبة ما فعلتم مفعول تعلمون المقدر وقوله تعالى قبل أن آذن لكم لا يقتضي وقوع الإذن فإذا قلت جاء زيد قبل عمرو ولا يدل على مجيء عمرو كما ذكره بعض المفسرين إلا أنه لا بد من جعله مقدرا، وتقديره بمنزلة وقوعه وقد وقع في مواضع من القرآن وهو شائع في الاستعمال، وقوله من كل شق طرفاً أي من كل جانب عوضا مغايرا للآخر كاليد من أحدهما والرجل من الآخر، ومن خلاف حال أي مختلفة، وقيل من تعليلية متعلقة بالفعل أي لأجل خلافكم وهو بعيد. قوله:
(فشرعه الله للقطاع) جمع قاطع وهو من يقطع الطريق لعظم جرمهم وقوله: (ولذلك سماه) أي سمى قطع الطريق محاربة الله في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [سورة المائدة، الآية: 33] الآية والمعنى يحاربون أولياء الله أو عباده لأنّ أحداً لا يحارب الله إلا أنّ المسافر في أمان الله وحفظه فالمتعرّض له كأنه يحارب الله، وقوله على التعاقب هو مذهبه وإلا فقد يجمع بين بعضها وبعض كما يعلم من كتب الفقه فتدبر. قوله: (بالموت لا محالة الخ (قد جاءت هذه القصة مفصلة في الشعراء مجملة هنا فحملت هذه على تلك إذ قال فيها: {لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 51] عللوا عدم المبالاة الذي يعطيه لا ضير بالانقلاب إلى الله والطمع في الثواب فلذا فسرت بوجوه، الأوّل إنا لا نبالي بالموت الذي نلاقي به رحمة الله ونخلص منك والضمير للسحرة فقط، والثاني إنا ننقلب إلى الله فيثيبنا على ما عذبتنا به وما فعلت بنا نافع لنا لتكفيره الخطايا ونيل الثواب العظيم والضمير لهم أيضا والثالث، إنا جميعا ننقلب إلى الله فيحكم بيننا وينتقم لنا منك ويثيبنا على ما قاسيناه والضمير لهم وفرعون، والرابع إنا ولا بذ ميتون فلا ضير فيما تتوعدنا به والأجل محتوم لا يتأخر عن وقته ومن لم يمت بالسيف مات بغيره والضمير فيه يحتمل السحرة والجميع والمصنف رحمه الله جعله ثلاثة لأن الأخير والأوّل في المعنى واحد، وقوله: (شغفا (بغين معجمة وفاء أي محبة، وضمنه معنى الحرص فعداه
بعلى. قوله: (وما تئكر منا الخ (أي نقم بمعنى عاب وأنكر، وأن آمنا مفعول به وما أنكرته وعبته هو أعظم محاسننا فهو على حدّ قوله:
ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم تعاب بنسيان الأحبة والوطن
كما أشار إليه المصنف رحمه الله فإن كان نقم بمعنى عذب من النقمة فإن آمنا مفعول له وقوله فزعوا إلى الله أي التجؤوا وتضرعوا من فزع إليه إذا التجأ إليه ليزيل فزعه وخوفه وأصل معنى الفزع الخوف وتفصيله في كامل المبرد. قوله:) أفض علينا صبراً يغمرنا الخ (فأفرغ استعارة تبعية تصريحية وصبراً قرينتها أي هب لنا صبراً تاما كثيراً، وعلى الثاني صبراً أصلية مكنية وأفرغ تخييلية وقيل الأول أيضا كذلك إلا أنّ الجامع الغمر، وهاهنا التطهير. قوله: (ثابتين على الإسلام) فسره به لسبق إسلامهم وسجودهم. قوله: (بتغيير الناس عليك الخ) أي
المراد بالإفساد ما يشمل الديني والدنيوي، ويفسدوا حذف مفعوله للتعميم، أو نزل منزلة اللازم أو يقدر يفسدوا الناس بدعوتهم إلى دينهم. قوله:(عطف على يفسدوا الخ) فيه قرا آت فقراءة العامّة بياء الغيبة ونصب الراء أمّا عطف على يفسدوا أو منصوب في جواب الاستفهام كما ينصب بعد الفاء، والمعنى كيف يكون الجمع بين تركك موسى عليه السلام وقومه مفسدين وبين تركهم إياك وعبادة آلهتك أي لا يمكن وقوع ذلك. قوله: (كقول الحطيئة (هو شاعر أموي معروف وهو من قصيدة أوّلها:
ألا قالت إمامة قد تحزي فقلت أمام قدغلب العزاء
ومنها:
ألا أبلغ بني عوف بن كعب فهل قوم هلى خلق سواء
ألم أك نائما فتوعدوني فجاءني المواعد والرجاء
ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودّة والإخاء
والشاهد فيه على هذه القراءة وكونها شائعة سائغة في كلام العرب. قوله: (وقرئ بالرفع
الخ) قرأ بها الحسن وغيره، وهو إمّا عطف على مقدر أو استئناف أو حال بحذف المبتدأ أي وهو يذرك لأنّ الجملة المضارعية لا تقترن بالواو في الفصيح، وهي على الأوّل معترضة مقزرة لما سبق، وعلى الثاني مقرّرة لجهة الإنكار. قوله:(وقرئ بالسكون الخ) أي بالجزم وهو عطف على التوهم أي توهم جزم يفسدوا في جواب الاستفهام كقوله فأصدق وأكن لتوهم جزم أصدق في جواب التحضيض، وقال ابن جني رحمه الله: بل تركت الضمة للتخفيف كقراءة أبي عمرو يأمركم بإسكان الراء استثقالاً للضمة عند توالي الحركات، وقيل: إنّ المصنف رحمه الله عبر بالسكون دون الجزم إيماء إلى هذا. توله: (كأنه قيل تفسدوا الخ) أي عطف على المعنى، ويقال له في غير القرآن عطف التوهم لأن جواب الاستفهام يجزم بدون الفاء فقدر عدمها هنا كذلك وعطف عليه يذرك بالجزم كما عطف أكن المجزوم على أصدق المنصوب بتنزيله منزلة المجزوم، وقيل إنه معطوف على محل الفاء وما بعدها كما في {مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} ويذرهم بالجزم وقد ردّه في المغني. قوله:(معبودا! لك الخ) تفسير للقراءة المشهورة إذ الآلهة
جمع إله بمعنى معبود، وقوله تيل الخ توجيه لجمع الآلهة وإضافتها إليه مع أن المشهور أنه كان يدعي الألوهية ويعبد ولا يعبد فأمّا لأنه كان يعبد الكواكب فهي آلهة وكان يعتقد أنها المرتبة للعالم السفلي مطلقا وهو رلث النوع الإنساني أو أنه اتخذ أصناما تعبد لتقربهم إليه كما قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وهذا كما قالت الجاهلية: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [سورة الزمر، الآية: 3] . توله: (وقرئ إلا هتك (كعبادتك لفظا ومعنى فهو مصدر، وقيل إنها اسم للشمس وكان يعبدها ونقل ابن الأنباري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينكر قراءة العامة بالجمع ويقرؤ إلاهتك بالمصدر بمعنى عبادتك ويقول إنّ فرعون كان يعبد ولا يعبد، ألا ترى قوله ما علصت لكم من إله غيري، وقيل إنه كان دهريا منكراً للصانع. قوله: (كما كنا نفعل الخ الما كان ذلك وقع منهم قبل ذلك فسره بذلك ليكون المعنى إنا مستمرون على القهر والغلبة دفعا لوهم القبط لما قيل في شأن المولود وهو موسى غ! ي!
كما هو مشهور من قصته، والاستحياء مرّ تفسيره في البقرة، وقوله غالبون الخ إشارة إلى أن الفوقية مجاز عن الغلبة كما مرّ تحقيقه في تفسير قوله تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 18] . قوله: الما سمعوا قول فرعون الخ (يعني أنه من الأسلوب الحكيم أي ليس كما قال فرعون إنا فوقهم قاهرون فإن القهر والغلبة لمن صبر واستعان بالله ولمن وعده الله توريثه الأرض وأنا ذلك الموعود الذي وعدكم الله النصرة به وقهر الاعداء وتوريث أرضهم. قوله: (والتثبت في الأمر) مجرور معطوف على الاستعانة أي هذه الجملة تسلية لهم بالكناية عن أن ملك القبط سينقل إليهم وتقرير للأمر بالاستعانة به تعالى، والتثبت من الصبر والأمر الأوّل المصطلح عليه، والثاني واحد الأمور وإذا كانت اللام في الأرض للعهد فالمراد مصر، وما يملكه القبط، وقوله بإعادته قيل جعل وعده بمنزلة فعله لكونه جبارا. قوله: (تصريحاً بما كنى عنه أوّلاً الخ (يشير إلى أن في إلنظم كنايتين
وتصريحاً الأولى إنّ الأرض لله يورثها من يشاء لأنه كناية عن أن سيورثكم أرضهم ولذا قالوا إنه أطماع لهم وهو معنى الإرث، والثانية أنّ العاقبة للمتقين لأنه تقرير لما وعدهم وأنّ العاقبة المحمودة والنصرة لهم لأنهم المتقون والتصريح في قوله:{عَسَى رَبُّكُمْ} لأنّ عسى في مثله قطع في إنجاز الموعود والفوز بالمطلوب أو عبر بها لعدم الجزم كما ذكره المصنف رحمه الله أو تأدّبا وإن كان بوحي واعلام من الله وقد تجعل الكنايتان واحدة، وقوله:{فَيَنظُرَ} أي يرى أو يعلم وفيه إشارة إلى ما وقع منهم بعد ذلك. قوله: (بالجدوب لقلة الأمطار الخ) السنة بمعنى العام وغلبت حتى صارت كالعلم الزمان القحط ولامها واو أو هاء يقال اسنى القوم إذ البثوا سنة وأسنتوا إذا أصابهم الجدب فقلبت لأمه تاء للفرق بينهما، قال المازنيّ رحمه الله: وهو شاذ لا يقاس عليه، وقال الفراء: توهموا أنّ الهاء أصلية إذ وجدوها ثابتة فقلبوها تاء. قوله: (غلبت) أي صارت كالعلم بالغلبة فإذا أطلقت تبادر منها ذلك حتى يجعلونها تاربخا فيقولون فمن سنة كذا للجدب العامّ المشهور بينهم، وقوله لكثرة العاهات أي عاهات الثمار. قوله:(لكي يتنبهوا على أنّ ذلك بشؤم كفرهم الخ) يعني التذكر إما بمعنى الاتعاظ لأنهم إذا تنبهوا لما نزل بهم بسبب عصيانهم اتعظوا بذلك أو بمعنى الذكر أي يذكرون الله فيتضرعون له، ويلجؤون إليه رغبة فيما عنده، وقوله يتنبهوا أو ترق بيان لسبب كل من المعنيين المأخوذ مما قبله، ومن المقام فلا يرد عليه ما قيل أن ترق قلوبهم عطف على كي يتنبهوا فكل منهما حال كونه معينا بشيء تعليل للتذكر المفسر بالتفكر، فإن قلت لم لا يحمل كلامه على كون الاتعاظ تفسيراً للتذكر وذكر التنبيه لتوقف الاتعاظ عليه، قلت لأنه حينئذ إما أن يعطف أو ترق على يتنبهوا أو على يتعظوا فعلى الأوّل يلزم أن يفسر التذكر بالفزع وعلى الثاني يلزم أن يفسر بالرقة وليس كذلك، وقس عليه حال كون التنبيه تفسيراً للتذكر والاتعاظ تقريباً وبالجملة كلامه لا يخلو عن تشويش فلو قال لكي يتنبهوا أنّ ذلك بسوء كفرهم الخ أو يتعظوا فترق قلوبهم فيفزعوا الخ حتى يكون إشارة إلى معنيي التذكر كان أولى اهـ. قوله:(من الخصبط والسعة (تيل إنه تمثير فلا ينافي أنها للجنس وفيه نظر. قوله: (لآجلنا ونحن مستحقوها) أي اللام لام الأجل ومعنى كونها
لأجلهم أنهم أهل لها مستحقون بيمن الذات لأنواع الحسنات حتى أنها إذا لم تصبهم كان ذلك بشؤم غيرهم وبه يأخدّ الكلام بعضه بحجز بعض ويلتئم أشد التثام، وقيل نحن مستحقوها بيان لوجه كون الحسنة لأجلهم ولو قال أو نحن الخ إشارة إلى معنى آخر للام كان أولى، وفي الكشاف أي هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها والتخصيص فيه من التقديم ويحتمل أيضا أنه بيان لمعنى اللام، ونحن مستحقوها بيان لوجه الاختصاص، وقيل دلت اللام على الاستحقاق والاختصاص مستفاد من تقديم الخبر. قوله:(يتشاءموا يهم الخ) سموا التشاؤم تطيرا وأصله ما ذكره الأزهري رحمه الله أنّ العرب كانوا إذا خرجوا لقصد وطار طائر ذات اليسار تشاءموا به وكذا بنعيق الغربان ونحوه فسمي الشؤم طيرا وطائرا والتشاؤم تطيرا والطائر يطلق على الحظ، والنصيب سواء أكان خيراً أو شرا وقد يخص بالتشاؤم والإغراق المبالغة وتذلل العرائك أي تسهل وتلين الطبائع وترققها يقال فلان لين العريكة أي سلس الخلق منكسر النخوة
وقوله وتزيل التماسك تفاعل من الإمساك والمراد أنها تدفع التصلب والصبر، وقوله سيما بدون لا قيل إنه غير عربيّ ولا مقدرة معه وقد تقدم ما فيه مراراً وعتوّاً بمعنى استكبارا. قوله:) وإنما عرف الحسنة وذكرها مع أداة التحقبق الخ (قال في الكشاف: فإن قلت كيف قيل فإذا جاءتهم الحسنة بإذا وتعريف الحسنة وان تصبهم سيئة بأن وتنكير السيئة قلت لأنّ جنس الحسنة، وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه وأمّا السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع إلا شيء منها، واختلف شراحه في مراده بالجنس فقيل إنه أراد العهد الذهني، وهو الحسنة التي في ضمن فرد من أفراد الخصب والرفاهية وغيرها وهو المراد بقوله وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه ولما ورد أنه كالنكرة فلا فرق بينه وبين سيئة حينئذ قال: والتعيين بحسب الذهن والشيوع بحسب الوجود فيفيد تعريفه الاعتناء بشأن الحقيقة إمّا لعظمها أو لأنّ الحاجة ماسة إليها أو لأنّ أسباب نشأتها متاخرة فهي لذلك بمنزلة الحاضر بخلاف النكرة فإنها غير ملتفت إليها، وقيل المراد العهد الخارجي التقديري ولذا فسر الحسنة بالخصب والرخاء بدليل ذكره في مقابلة: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ} [سورة الأعرأف، الآية: 130] وقوله لأنّ جنس الحسنة الخ أي جنس الخصب والرخاء وفيه مبالغة لأنه لكثرة الوتوع، كالجنس كله واجب الوقوع، ولذا لا يزال يتكاثر حتى يستغرق الجنس، ومقابلته بقوله: وأما السيئة الخ دليل على إرادة ذلك فلا تخالف بين كلاميه، ولم يرد بالجنس العهد الذهني، وهذا مراد صاحب المفتاح به ويندفع ما توهمه صاحب الإيضاج فافهمه فإنه من المضايق، وفي هذا المقام كلام لأهل المعاني من أراده فعليه بشروح المفتاح. قوله: (لكثرة وقوعها وتعلق الإرادة بإحداثها باللذات) بدلالة تعريف الجنس
الدال على الكثرة، وتعلق الإرادة بها بالذات لأنّ العناية الإلهية اقتضت سبق الرحمة، وعموم النعمة قبل حصول الأعمال والنقمة إنما استحقوها بأعمالهم بعد ذلك، ألا ترى رزق الطيور ونحوها بدون عمل، فقوله بالذات في مقابلة بالتبع لما عملوه كما يفصح عنه ما عقبه به في تفسير الطائر. قوله:(أي سبب خيرهم وشرّهم الخ) كذا في الكشاف وقد قيل عليه إنه فسره تارة بسبب الخير والشر، وأخرى بسبب الشؤم، والتطير التثاؤم عند جميع المفسرين والطير الشئم لا سببه فلا وجه لتفسيره به، وقد مر عن الأزهري رحمه الله وأهل اللغة ما يخالفه، وليس بوارد لأنّ الداعي لتفسيرهم هدّا قوله عند الله لأن الذي عنده تعالى تقدير ذلك وليس ما ذكره الأزهري بمتفق عليه فقد قيل: إنّ أصل التطير تفريق المال وتطييره بين القوم فيطير لكل أحد نصيبه من خير أو شر ثم غلب في الشرّ قال:
يطير غداً يد الإشراك شفعا ووتص اً والزعامة للغلام
فمعنى طائرهم حظهم وما طار إليهم من القضاء والقدر بسبب شؤمهم عند الله وما نزل
بهم، فقوله أو سبب شؤمهم نظرا إلى الغلبة، وما يسوءهم ما أصابهم من بلاء الدنيا. قوله:(وهو اسم الجمع وقيل هو جمع) القول الأوّل هو الصحيح لأنه على أوزان المفردات والثاني قول الأخفش وقد ردّه الزمخشري 0 قوله: (أصلها ما الشرطية الخ (اختلف في مهما هل هي بسيطة، أو مركبة من ما وأبدلت الألف هاء أو من مه اسم فعل للكف باقية على معناها أو مجردة عنه أقوال للنحاة أسلمها البساطة، وهي اسم شرط لا حرف على الصحيح، وتكون مبتدأ وخبرها الشرط أو الجزاء أو هما على الخلاف وتكون مفعولاً به لا ظرفا خلافاً لبعضهم، وقد شذد الإنكار عليه في الكشاف وخالفه ابن مالك فيه، وقال: إنه مسموع عن العرب، ولها استعمال آخر فتكون اسم استفهام كقوله:
مهما لي الليل مهما ليه
وقوله: (يصوّت به) أي اسم فعل، وهو يطلق عليه اسم صوت والكاف بتشديد الفاء
أي طالب الكف، وقوله:(وما الجزائية) أي الشرطية لأنهم يسمون الشرط جزاء. قوله: (ومحلها الرفع على الابتداء أو النصب الخ) وتقدّم الكلام على أنها قد تكون ظرفية في كلام
العرب كقوله:
وانك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
ويوافقه استعمال المنطقيين لها بمعنى كلما وجعلها سور الكلية فإنها تفيد التعميم كما صرحوا به وليس
من مخترعاتهم كما توهم، وقوله أيما شيء تحضرنا يشير إلى أنه من الإضمار على شريطة التفسير والمضمر موافق له معنى كما في زيد أمررت به وقدره مؤخراً لأنّ اسم الشرط له صدر الكلام وتأتنا عطف بيان وتفسير له حينئذ ولذا جزم، وقوله والضمير في به وبها الخ يعني راجع لمهما باعتبار لفظه، ولها باعتبار معناه لا لآية لأنها مسوقة للبيان، فالأولى رجوع الضمير على المفسر المقصود بالذات وفي المغني الأولى عوده إلى آية والأولى ما مرّ نعم تبيينه به يحسن رعاية معناه كما قاله الطيبي رحمه الله تعالى ولا مانع منه كما قيل، وهي لا تفيد التكم ار دائما كما قاله الإمام في كلما تزوّجتك فأنت طالق وقد تفيده كما في هذه قاله بعضهم، وقوله والضمير في به وبها لمهما قيل في نسخة لما وهو تصحيف وليس كذلك فتأمّل، وقوله وإنما سموها آية الخ جواب سؤال وهو إنهم ينكرون كونها آية وتسميتها سحرا ينافي كونها آية أيضاً. قوله:(ما طاف بهم وغشي أماكنهم الخ) يعني هو فعلان اسم جنس من الطواف، وقيل إنه في الأصل مصدر كنقصان وهو اسم لكل شيء حادث يحيط بالجهات ويعم كالماء الكثير، والقتل الذريع والموت الجارف قاله أبو إسحق: وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم تفسيره بالموت لكنه اشتهر في طوفان الماء وهو معروف، وقيل: هو اسم جنس واحده طوفانة والموتان بضم الميم، وقد تفتح موت في الماشية وأمّا الموتان بفتحان فخلاف الحيوان، ولذا حرك حملَا عليه والطاعون معروف ويقابل ما قبله لخصوصه بالإنسان، وتفسيره بالجدري لأنه كان عاما فيهم. قوله:(والجراد والقمل) الجراد معروف واحده جرادة سمي به لجرده ما على الأرض والقمل بضم القاف وتشديد الميم واختلف فيه أهل اللغة على أقوال، منها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى والقردان بكسر القاف وسكون الراء المهملة جمع القراد المعروف وتفسيره بصغار الجراد وهي تسمى دبي، ولا تسمى جراد إلا بعد نبات أجنحتها فلا يتكرر مع الجراد كما قيل، وقيل: هي صغار الذر، وقيل هو بمعنى القمل بفتح فسكون كما قرئ به أيضا. قوله:) روي أنهم مطروا ثمانية أيام الخ) قاموا فيه أي في الماء لأنّ من جلس غرق
والتراقي جمع ترقوة أعلى الصدر أي واصلا إلى تراقيهم، وقوله مشتبكة بمعنى مختطة، وركد بمعنى دام والكلأ مهموز النبات، وقوله فأشار بعصاه وقيل جاءت ريح فألقتها في البحر، وقوله القمل الخ هو بتفسيره الآخر، وبه علم الجواب عن التكرار السابق، وقوله:(يثب) بالمثلثة والموحدة من الوثوب وهو معروف والرعاف بالضم سيلان الدم من الأنف وهو مرض! قد يهلك. قوله: (نصب على الحال الخ) أي من تلك الأشياء المتقدمة ومعنى مفصلات مميز بعضها عن بعض مفصلة بالزمان ليعلم هل يستمرّوا على عهدهم أم لا أو مبين أنها آيات إلاهية لا سحر كما يزعمون، وقوله: على مهل بفتحتين أي بغير عجلة، وعصى موسى عليه الصلاة والسلام هي عصى آدم عليه الصلاة والسلام أتاه بها ملك كما في الدر المنثور. قوله: (يعني العذاب المفصل (ولما لا تنافي التفصيل والتكرير فلا يرد أنه كان المناسب على هذا كلما، وقوله أو الطاعون أرسله الله عليهم بعد ذلك يعني لا السابق المفسر بالطوفان، والرجز بالكسر والضم لغة فيه بمعنى العذاب وقد ورد إطلاقه على الطاعون في الحديث الصحيح، وهو الطاعون بقية وجزءاً وعذاب أرسل على طائفة من بني إسرائيل كما في الترمذي وغيره، وتد
فسره به هنا سعيد بن جبيررضي الله عنه فلا وجه لما قيل إنه لم يجر له ذكر فالحمل على العذاب المفصل أولى لأنّ التفسير بالمأثور أولى. قوله: (بعهده عندك) وهو النبوّة فما مصدرية وسميت النبوّة عهداً لأنّ الله عهد إكرام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بها، وعهدوا إليه تحمل أعبائها أو لأن لها حقوقا تحفظ كما تحفظ العهود أو لأنها بمنزلة عهد ومنشور من الله. قوله:(أو بالذي عهده إليك أن تدعوه به الخ) فهي موصولة وان تدعوه بدل من ضمير عهده أو بتقدير اللام، وقوله وهو صلة أي الجار والمجرور، والباء إمّا للإلصاق أو للسببية أو للقسم الاستعطافي أو الحقيقي. قوله:(أو متعلق بفعل محذوف الخ) فيه تأمل لأنّ الباء في القسم للسؤال مثل بحياتك أجرني، وعلى هذا فلا تتعلق لفظاً بقوله أسعفنا بل هو جواب القسم السؤالي فتتعلق به معنى، ولا شك أنّ قوله يصلح جواباً لذلك القسم فأي حاجة إلى اعتبار الحذف، ولو تعلق لفظاً فليتعلق باح أيضا كذا قيل فلو ترك لفظ حق الظاهر في القسم سلم مما ذكر فتدبر، وقوله أو قسم أي حقيقي لا استعطافي وقوله:(أي أقسمنا) الخ تفسير للوجه الأخير واللام موطئة للقسم المذكور أو المقدر. قوله: (إلى حد من الزمان هم بالغوه الخ الما كان كشفنا بمعنى أنجيناهم
منه صح تعلق الغاية به للاستمرار فيه بغير تكلف، والمراد بالأجل الحد الذي ضرب له فيحصل العذاب أو الهلاك بالغرق أو المراد بالأجل معناه المشهور أو أجل عينوه لإيمانهم أي عينا لعذابهم زماناً لا بد أن يبلغوه وهم وتت الغرق أو الموت وإن أمهلناهم وكشفنا عنهم العذاب إلى عين ذلك الأجل بسبب الدعاء وقوله فلما كشفنا فاجؤوا النكث كذا في الكشاف فقال العلامة: فجواب لما في الحقيقة هذا الفعل المقدر وكلا الاسمين أعني لما وإذا معمول له لما ظرفه وإذا مفعول به وقال النحرير: إنه محافظة على ما ذهبوا إليه من أن ما يلي كلمة لما من الفعلين يجب أن يكون ماضياً لفظا أو معنى إلا أن مقتضى ما ذكروا من أن إذ وإذا المفاجأة في موقع المفعول به للفعل المتضمنين هما إياه أن يكون التقدير فاجؤوا زمان النكث أو مكانه وهذا كله يقتضي أنّ لما لا تجاب بإذا المفاجأة الداخلة على الاسمية وقد صرحوا بخلافه فالظاهر أنّ مرادهم بيان إنها فجائية وقعت جواب لما من غير حاجة إلى ما ذكروه من التكلف فتدبر، والنكث النقض وأصله نكث الوصف المغزول ليغزله ثانياً فاستعير
لنقض العهد بعد إبرامه وهي استعارة فصيحة كما شبه بعكسه، وقوله من غير توقف تأمل وبيان للمراد بالمفاجأة هنا.
قوله: (فأردنا الانتقام الما كان الانتقام عين الإغراق أو له به ليتفرع عليه أو الفاء مفسرة
له عند من أثبتها. قوله: (في اليم أي في البحر) اختلف فيه فقيل هو عربيّ، وقيل معرب وهل هو مطلق البحر أو لجته أوالذي لا يدرك قعره، وأمّا القول بأنه اسم البحر الذي غرق فيه فرعون فضعيف. قوله:(أي كان إكراقهم بسبب تكذيبهم الخ) يعني أنّ سبب الإغراق، وما استوجبوا به ذلك العقاب هو التكذيب بها وهو الذي اقتضى تعلق إرادة الله تعالى به تعلقاً تنجيزياً وهو لا ينافي تفريع الإرادة على النكث لأنّ التكذيب هو العلة الأخيرة والسبب القريب، ولا مانع من تعدد الأسباب وترتب بعضها على بعض. قوله:) حتى صاروا كالغافلين عنها) يعني أنّ الغفلة مجاز عن عدم الفكر والمبالاة إذ المكذب بأمر لا يكون غافلا عنه لتنافيهما وفيه إشارة إلى أن من شاهد مثلها لا ينبغي له أن يكذب بها مع علمه بها. قوله: (وقيل الضمير للتقمة الخ (هذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأراد بالنقمة الغرق كما يدل عليه ما قبله فيجوز كون الجملة حالية بتقدير قد وما قيل: كأنّ القائل به تخيل أن الغفلة عن الآيات عذر لهم لأنها ليست كسبية وللجمهور أن يقولوا بل تعاطوا أسبابها ذموا بها كما يذم الناسي على نسيانه لتعاطي أسبابه إنما يتأتى لو حملها على حقيقتها أما لو جعلت مجازا عما مر فلا فتدبر. قوله:) باستعبادهم (أي استضعافهم وتذليلهم بجعلهم عبيداً وقتل أبنائهم ومن مستضعفيهم بكسر العين بيان لمن صدر منه ذلك. قوله: (يعني أرض الشأم الخ (وروي أنها أرض! مصر وهو المناسب لذكر الفراعنة لأنهم ملوك مصر كما مر، وقيل: إنّ المصنف رحمه الله تعالى تركه لأنه لم يجزم بأنهم وأولادهم تملكوها أو لأنّ السوق يقتضي ذكر ما تمكنوا فيه! ل ما ملكوه، وفسر لبركة بالخصب والسعة وقد فسرت بكونها مساكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء، والصالحين العمالقة أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوج كالعماليق. قوله: (ومضت عليهم واتصلت بالانجاز الخ (ومعنى المراد بالكلمة وعده تعالى لهم بقوله ونريد ان
نمن الخ، وتمامه مجاز عن سبق ذلك وانجازه، وقيل المراد بالكلمة علمه الأزليّ والمعنى مضى واستمرّ عليهم ما كان مقدّراً من إهلاك عدوّهم وتوريثهم الأرض أو التفت من التكلم إلى الخطاب في قوله ربك لأنّ ما قبله من القصص كان غنر معلوم له، وأما كونه منجز لما وعد ومجريا لما قضى وقدر فهو معلوم له، وقيل: إنه رمز إلى أنه سيتم نعمته عليه بما وعده أيضاً وقراءة كلمات بالجمع لأنها مواعيد، ووصفها بالحسنى لتأويلها بالجماعة، وكذا يجوز وصف كل جمع بمفرد مؤنث إلا أنّ الشائع في مثله التأنيث بالتاء، وقد يؤنث بالألف كما في قوله مآرب أخرى. قوله:(وخرّبنا ما كان يصنع فرعون الخ) أي التدمير التخريب والإهلاك وهو متعد، وقوله دمر الله عليهم حذف مفعوله أي منازلهم وجوّز في اسم كان أن يكون ضميراً مستترا وفرعون فاعل يصنع وهو الظاهر وأن يكون فرعون اسمها ويصنع خبرها والتقدير بصنعه، وأورد عليه أنه لا يجوز في نحو يقوم زيد أن يكون
مبتدأ لالتباسه بالفاعل، وفيه نظر. قوله:(من الجنات أو ما كانوا يرفعون الخ) يعني العرض! إمّا عروس الكروم أو بمعنى الرفع والضم والكسر في رائه لغتان، وقرىء في الشواذ يغرسون بالغين المعجمة، وفي الكشاف إنها تصحيف ولذا تركها المصنف رحمه الله تعالى وهي شاذة. قوله:(وجاوزنا الخ) معنى جاوزنا قطعنا يقال جاوز الوادي وجازه إذا قطعه، والبحر بحر القلزم وأخطأن قال إنه نيل مصر كما في البحر وقوله تسلية الخ أي عما رآه لمجز من اليهود بالمدينة فإنهم جروا على دأب أسلافهم مع موسى صلى الله عليه وسلم، وقوله وايقاظا الخ أي بنو إسرائيل وقعوا فيما وقعوا فيه للغفلة عما من الله به عليهم فنزل بهم ما نزل فليحذر المؤمن من الغفلة وليحاسب نفسه في كل لحظة. قوله:(بعد مهلك فرعون) أي هلاكه أو زمان هلاكه، ويجوز تراءته على صيغة ال! فعول قيل: يحتمل أن تكون البعدية رتبيه فإنّ عبور الجم الغفير البحر العميق من غير أن يبتل فدم أحد أعظم آية من هلاك فرعون وقومه، وهو دفع لما ورد عليه وعلى الكشاف من أنه وقع في سورة الشعراء {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 66] وهو صريح في أنّ عبور موسى صلى الله عليه وسلم وقومه قبل هلاك فرعون، وكلام المصنف رحمه الله في سورة البقرة
يدل عليه، ولذا قيل: إنّ عبور موسى عليه الصلاة والسلام، وقومه البحر وقع مرتين مرّة قبله ومرّة بعده ونتأمّل. قوله:) وقيل من لخم) هو باللام والخاء المعجمة حيّ من اليمن كانت ملوك العرب منهم في الجاهلية وعن الزمخشريّ إنه قبيلة بحضر موت والذي صححه ابن عبد البرّ في كتاب النسب إنّ لخما وجذاما أخوان ابنا عدي بن عمرو بن سبا اقتتلا فجذم لخم أخاه فسمى جذاما ولطمه الآخر فسمي لخما لأنّ اللخمة اللطمة وقوله: وما كافة الخ ولذا وقع بعدها الجملة الاسمية، ويجوز فيها أن تكون موصولة ولهم صلة وآلهة بدل من الضمير المستتر فيه أو مصدرية ولهم متعلقه فعل أي كما ثبت لهم والمصنف رحمه الله اقتصر على الأظهر. قول! :(وصفهم بالجهل المطلق) إذ لم يذكر له متعلقاً ومفعولا لتنزيله منزلة اللازم أو لأنّ حذفه يدل على عمومه أي تجهلون كل شيء ويدخل فيه الجهل بالربوبية بالطريق الأولى فلا يقال إنّ المناسب بالمقام أن يقدر شأن الألوهية والتفاوت بينها وبين ما عبدوه. قوله: (واكده) أي بأنّ وتوسيط قوم وجعل ما هو المقصود بالإخبار وصفاً له ليكون كالمتحقق المعلوم كما قاله النحرير: وهذه نكتة سرية في الخبر الموطىء لادّعاء أنّ الخبر لظهور أمر. وقيام الدليل عليه كأنه معلوم متحقق فيفيد تأكيده وتقريره ولولاه لم يكن لتوسيط الموصوف وجه من البلاغة، وقوله متبر مكسر من الكسر، وهو محرّف في النسخ ومتبر بالتفعيل والإفعال من التبار وهو كالدمار الهلاك، وقوله:(ويجعلها رضاضا) أي فتاتاً مكسراً وكل شيء كسرته فقد رضضته، ويحطم من الحطم وهو الكسر أيضاً، وفسر الباطل بالمضمحل الذي لا يزال لأنه المناسب لا خلاف الحق لأنه معلوم ثابت قبل ذلك. قوله:(وإنما بالغ في هذا الكلام الخ) بين بعض الفضلاء المبالغة بإفادته قصر ما هم فيه على التبار وما عملوا على البطلان في كلام واحد بطريقين بتقديم الخبر على المبتد! فإنه يفيد القصر المذكور مع قطع النظر عن جعل هؤلاء اسم إنّ من حيث إنّ الإشارة بها إلى قوم موصوفين بالعكوف على أصنام لهم فيدل عليه الوصف للمسند، ويفيد القصر ولو أخر خبر المبتدأ اهـ وقال الطيبي رحمه الله تعالى: إنّ في تخصيص اسم الإشارة بالذكر الدلال على أن أولئك القوم محفوفون بالدمار لأجل إنصافهم بالعكوف على عبادة الأصنام ثم في توكيد مضمون الجملة بأنّ مزيد دلال على ذلك وأشار بقوله وسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرّضون للتبار وليس تركيب المصنف للقصر إذ لا موجب لأن يقال
إنهم متبرون دون غيرهم بل هو مبتدأ فيفيد تقوى الحكم وفائدة تقديم الخبر بأنهم لا يتجاوزون عن الدمار إلى ما يضادّه من الفوز والنجاة على القصر القلبي، وأما قوله إنه لا يعدوهم البتة وأنه لهم ضرب لازب فمن الكناية لأنه إذا لم يتجاوز عن الدمار إلى النجاة فيلزمهم الدمار ضربة لازب، وموجب هذه المبالغات إيقاع الجملة تعليلاً لإثبات الجهل المؤكد للقوم لاقتراحهم أن يجعل لهم إلها وأبلغ من ذلك أنّ المذكور ليس جوابا بل مقدمة، ونمهيد وإنما الجواب قوله أغير الله الخ. قوله:(وتقديم الخبرين) أي
متبر وباطل قال النحرير: هو مبنيّ على أنّ ما هم فيه مبتدأ أو متبر خبر له، وان كان يحتمل إحتمالاً مساويا أو راجحا أن يكون ما هم فيه فاعل متبر لاعتماده على المسند إليه وذلك لاقتضاء المقام الحصر المستفاد من التقديم أي متبر لا ثابت وباطل لاحق ولم يتعرّض في تقريره لهذا الحصر لظهوره اهـ لكن المصنف رحمه الله تعرض له بقوله لاحق لما هم فيه لا محالة ولا زب لما مضى عنهم. قوله:(للتنبيه على أنّ الدمار لاحق لما هم فيه الخ) قال: وذلك لأن جعل المسند إليه اسم إشارة مع إفادته كمال التمييز ينبه عند تعقيب المشار إليه بأوصاف على أنه جدير بما يرد بعد اسم الإشارة لأجل تلك الأوصاف فيكون خبره لازبا لا يعدوه البتة، ويختص به كاختصاص العلة حيث لم يتعرض لاثباته لغيره اهـ وفيه بحث، ولهذا سكت المصنف رحمه الله عن قصر الاختصاص ولازب بمعنى لازم. قوله:(تعالى قال أغير الله الخ) أعاب لفظ قال: مع اتحادّ ما بين القائلين لأنّ هذا دليل خطابي بتفضيلهم على العالمين ولم يستدل بالتمانع العقلي لأنهم عوام. قوله: (أطلب لكم معبود الخ) فسره بأطلب كغيره من أهل اللغة فيتعدى لمفعول ويكون أبغيكم على الحذف والإيصال وغير لله إما صفة إلها قدم عليه فانتصب على الحال أو مفعول أبغى والها حال أو تمييز، وفي الجوهري بغيتك الشيء طلبته لك وظاهره أنه متعد لمفعولين، وقد مرّ أنّ مثله لاختصاص الإنكار بغيره تعالى دون إنكار الاختصاص، وذلك من تقديم المفعول أو الحال وقد يكون لإنكار الاختصاص إن اقتضاه المقام، وفي الكشاف أغير المستحق للعبادة أطلب لكم معبودا واعتبار العبادة نظرا إلى أنه من لوازم الذات أو إلى حال الاسم قبل العلمية واعتبره لأنه أدخل في الإنكار وتركه المصنف رحمه الله. قوله:(والحال أنه خصكم الخ) هذا الاختصاص ماخوذ من معنى الكلام إذ ليس فيه ما يفيد القصر لكن كونهم أفضل من جميع العالمين، أو من عالمي رمانهم يقتضي قصر التفضيل عليهم قصرا حقيقيا أو إضافياً، وأما تقديم الضمير على الخبر هنا فلا يقتضيه ولو اقتضاه كما ذهب إليه الزمخشري يكون المعنى وهو
المخصوص بأنه فضلكم على من سواكم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام خارجون عن المفضل عليهم بقرينة عقلية، وأدخل الباء على المقصور وهو جائز بطريق الحقيقة أو المجاز وان كان الأصل دخولها على المقصور عليه كما مرّ، وإذا كان المزاد تفضيلهم على جميع العالمين فالمراد تفضيلهم بتلك الآيات لا مطلقا حتى يلزم تفضيلهم على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الجملة حالية مقرّرة لوجه الإنكار وقيل إنها مستأنفة، وقوله سوء مقابلتهم بالقاف والباء بدليل ما بعده أي إيقاعهم له في مقام الإيمان والشكر، وليس تصحيفاً من المعاملة بالعين المهملة والميم كما توهم، وأخس شيء هو الأصنام. قوله:(واذكروا صنيعه في هذا الوقت) الصنيع الإحسان وظاهره أنّ إذ ظرفية ومفعوله محذوف لأنّ إذ لا تخرج عن الظرفية عنده كما صرّج به في سورة البقرة، ومن جوّزه جعله مفعولاً به وجعل ذكر الوقت كناية عن ذكر ما فيه، وعلى هذه القراءة فالظاهر أنه من كلام الله تتميما لكلام موسى صلى الله عليه وسلم كالذي بعده والمصنف رحمه الله لما رجح كونه من مقول موسى صلى الله عليه وسلم ليوافق القراءة الأخرى بدليل قوله بعده {وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} ولئلا ينفكك النظم فسره بقوله صنيعه الخ فكأنه جعله التفاتا من الغيبة إلى التكلم لأنه ينطق بما أوحاه الله إليه وهو بعيد، ولذا قيل عليه حق التعبير أن يقال واذكروا صنيعنا معكم وهذا إنما يلائم قراءة ابن عامر فإنه عليها من مقول موسى صلى الله عليه وسلم، وأمّا احتمال أن يكون ضمير أنجينا لموسى وأخيه أولهما ولمن معهما فخلاف الظاهر. قوله:(استئناف لبيان الخ) أي بيانيّ في جواب سؤال وهو ما فعل بهم أو مم أنجاهم، وقوله:) أو حال الخ الاشتماله على ضميريهما وقوله بدل منه ويحتمل الاستئناف أيضاً. قوله: (ئعمة أو محنة (لأنّ البلاء بمعنى الابتلاء والاختبار، وهو يكون بكل منهما، وفيه لف ونشر مرتب قيل: ويحتمل أن يراد ما يشملهما. قوله: (وواعدنا موسى ثلانين ليلة) ذكر في الكشاف وشرحه هنا سؤالان لأن أحدهما على تفصيل الأربعين هنا إلى ثلاثين وعشر والاقتصار على الأربعين في البقرة، والآخر ذكر أربعين مع أنه من المعلوم أن ثلاثين وعشرا أربعون وأجابوا بأنّ
الثلاثين للعبادة والعشر لإزالة الخلوف، أو أنّ الثلاثين للتقرب والعشر لإنزال التوراة، ولما كان الوعد في ثلاثين والإتمام بعشر مطلقاً يحتمل أن يكون تعيينهما بتعيين الله أو بإرادة موسى أفاد قوله فتمّ ميقات ريه الخ أن المراد الأوّل أو إنّ إتمام الثلاثين بعشر يحتمل المعنى المتبادر، ويحتمل أنها كانت عشرين تحت بعشر ثلاثين فذكر لدفع هذا التوهم، وأما المفاعلة في المواعدة وتفسيرها بأنه وعده الله الوحي ووعده موسى ع! ي! المجيء فتقدّم تحقيقه في سورة البقرة. قوله:(بالغاً أربعين الخ)
اليمقات الوقت بمعنى وقد فرق بينهما بأنّ الوقت مطلق، والميقات وقت قدر فيه عمل من الأعمال، وفي نصب أربعين وجوه منها ما في الكشاف من أنه حال وتقديره بالغاً أربعين الني كما ذكره المصنف رحمه الله، وردّ بأنه لا يكون حالاً بل معمول للحال المحذوف وأجيب بأن النحويين يطلقون الحكم الذي للعامل لمعموله القائيم مقامه فيقولون في زيد في الدار إنّ الجارّ والمجرور خبر والخبر إنما هو متعلقه، وقيل عليه إن الذي ذكره النحاة في الظرف دون غيره، فالأحسن أنه حال بتقدير معدود أو فيه نظر، وقيل إنه مفعول به بتضمين تئم معنى بلغ وكلام المصنف رحمه الله يحتمله، وقيل إنه منصوب على الظرفية وأورد عليه أنه كيف يكون ظرفاً للتمام والتمام إنما هو بآخرها إلا أن يتجوّز فيه، وقيل هو تمييز، وقيل تنم من الأفعال الناقصة في مثل تمّ الشهور ثلاثين فهذا خبرها، وقوله:(سأل ربه) أي سأل ربه الكتاب وسأل قد يتعدى لمفعولين، وخلوف فيه بضم الخاء تغير رائحة الفم لأنّ الرائحة الثانية تخلف الأولى، وفي الحديث الصحيح لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ولذا كره بعضهم السواك بعد الزوال للصائم، وقوله فأمره الله أي تكفيراً لفعله ومنه يعلم ما مرّ من وجه التفصيل، وقوله ثم أنزل عليه التوراة إشارة إلى الوجه الآخر. توله:(تعالى وقال موسى لأخيه هارون) يفتح النون بالجر بدلاً أو بيانا لأخيه أو النصب بتقدير أعني وقرىء شاذاً بالضم على النداء أو هو خبر مبتدأ مقدّر، وقوله كن خليفتي يقال خلف فلان فلانا صار خليفته، واستخلاف النبيّ آخر وان كان نبيا لا بأس به ولذا وقع في الحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى. قوله:(وأصلح ما يجب أن يصلح الخ) يعني إما مفعوله مقدّر بما ذكره وفيه إشارة إلى أنّ المراد إصلاح أمور دينهم لا دنياهم، أو هو منزل منزلة اللازم من غير تقدير مفعول وهو يفيد التعميم أو معناه ليكن منك إصلاج وليس المراد به أيّ إصلاح كان بل إصلاج تاتم عامّ لأنه نكرة في سياق النفي، وقيل إنه لا يناسب المقام، وقوله: (ولا تتبع من سلك الإفساد (كأنه إشارة إلى أنه جعل الإفساد كالطريق المسلوك لهم كما يقال هذه طريقة فلان، ولا تطع من دعاك إليه كالتفسير له أو لبيان أنه نهاه عن اتباعهم بدعوة وبدونها. قوله: (واللام للاختصاص (كما في قوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سورة الإسراء، الآية: 78] وليست بمعنى عند كما ذهب إليه بعض
النحاة، وقوله لوقتنا الذي وقتناه أي لتمام الأربعين. قوله:(من غير وسط كما يكلم الملاتكة (لما لم يمكن المعتزلة إنكار كونه متكلما ذهبوا إلى أنه متكلم بمعنى موجد للأصواب والحروف في محالها أو بإيجاد أشكال الكتابة في اللوح المحفوظ وان لم تقرأ على اختلاف بينهم، وقد ردّ بأنّ المتحرّك من قامت به الحركة لا من أوجدها وألا لصح اتصاف الباري بالاعراض المخلوقة له تعالى عن ذلك علوا كبيرا على ما حقق وفصل في علم الكلام، ونحن معاشر أهل السنة نثبت الكلام لله والقائم بذاته هو الكلام النفسي وقال الشهرستاني: بل اللفظي القديم على ما حقق في شرح المواقف فعليه الله متكلم له أن يكلم مخلوقاته بكلام لفظي من غير واسطة، وعلى الأوّل أيضا كذلك بأن يخلق فيه قوّة يسمع بها ذلك من غير صوت ولا حرف كما ترى ذاته في الآخرة من غير كمّ ولا كيف وكلام المصنف رحمه الله مجمل اقتصر فيه على المرتبة المتيقنة فكأنه قال كلمه بالذات كما يكلم الملائكة، ولذا اختص! موسى صلى الله عليه وسلم باسم الكليم والمراد بالسماع من كل جهة عدم اختصاص ما سمعه بجهة من الجهات، وكذا قوله تنبيه على أنّ سماع كلامه القديم الخ اقتصر فيه على المقدار المتفق عليه بين أهل السنة، ولعمري لقد سلك المحجة الواضحة. قوله: (أرني نفسك الخ) فيه إشارة إلى أنّ المفعول محذوف لأنه معلوم ولم يصرّج به تأدبا، ولما كانت
الرؤية سببة عن النظر متأخرة لأنّ النظر تقليب الحدقة نحو الشيء التماساً لرؤيته والرؤية الإدراك بالباصرة بعد النور خطر بالبال أنه كيف جعل النظر جواباً لأمر الرؤية مسببا عنه فيكون متأخراً عنها وهي مقارنة له بالزمان، وان كانت متقدمة بالذات فأشار إلى توجيهه بأنّ المراد بالإراءة لش! إيجاد الرؤية بل التمكن منها مطلقا، أو التجلي وهو الظهور وهو مقدم على النظر وسبب له كما أشار إليه بقوله فأنظر، وهذا بطريق الكناية إذ ذكرها وأراد لازمها من التمكين أو التجلي إذ لو كان بيانا لطريقها كما قيل لم يندفع المحذور فتدبر. قوله:(وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائزة في الجملة) يعني بقطع النظر عن الدنيا والآخرة لأنّ طلب المستحيل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محال لأنه إن علم باسنحالته فطلبه عبث، وان لم يعلم فجهل وكلاهما غير لائق بمنصب النبوّة، وقد قالوا نختار أنّ موسى ع! ير لم يعلم امتناع رؤيته ولا يضرّ ذلك، لأنّ النبوّة لا تتوقف على العلم بجميع العقائد الحقة وجميع ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز بل على ما يتوقف عليه الغرض من البعثة والدعوة إلى الله تعالى وهو وحدانيته وتكليف عباده بأوامر ونواه ليحرضهم على النعيم المقيم، ولا نسلم أنّ امتناع الرؤية من هذا القبيل، أو نختار أنه يعلم امتناعها وسؤاله لغرض، أو هو محرّم ارتكبه لأنه صغيرة وردّ بأنه يلزمهم أن يكون الكليم يث! يرو دون آحاد المعتزلة علما ودون من حصل طرفاً من الكلام في
معرفة ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز، وهذه كلمة حمقاء، وطريقة عوجاء لا يسلكها أحد من العقلاء ولا شك أنا نعتقد أنّ علم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بذاته وصفاته أكمل من علم ما عداهم، وان أردت تحرير هذا فعليك بمطوّلات الكلام ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد. قوله:(ولذلك) أي لكونها جائزة قال ما ذكر دون لن أرى لأنه يدلّ على امتناع الرؤية مطلقاً أو إن أريك لأنه يقتضي أنّ المانع من جهته، ولن تنظر إليّ إن كان بصيغة المجهول كما قيل فظاهر والا فلأنّ النظر لا يتوقف على معد وإنما المتوقف عليه الرؤية والإدراك وذلك المعدّ قوّة يخلقها الله فيه بحيث ينكشف له انكشافا تامّا وهل يختص بالآخرة أولأ فيه خلاف ينظر في محله. قوله:(وجعل السؤال لتبكيت قومه الخ) إشارة إلى قولهم إق موسى صلى الله عليه وسلم لم يسأل الرؤية لنفسه بل لقومه القائلين أرنا الله جهرة وإنما أضافها إلى نفسه ليمنع عنها فيعلم قومه أنها بالنسبة إليهم أبعد وأشد في الاستحالة، وهو أبلغ من إضافتها إليهم وأدعى لقبولهم، ولذا لم يقل وأرهم ينطروا إليك، وفي شرح المواقف إنه خلاف الظاهر فلا بد له من دليل وما ذكروه من أنّ الدليل أخذ الصعقة ليس بشيء واليه أشار المصنف رحمه الله يعني لو كان كذلك كان عليه أن يزيل يث! بهتهم ولا يحتج إلى ما هم فيه من الآراء الفاسدة، وقوله إذ لا يدل الإخبار الخ وكلمة لن تدل على تأكيد النفي دون تأييده على الصحيح ولو سلم فبالنسبة إلى الدنيا. وقوله:(أو أن لا يراه الخ) جواب جدليئ. قوله: (ودعوى الضرورة فيه مكابرة) إذ ليس انتفاء ذلك بديهي والا لم يختلف فيه العقلاء، أو هو جهالة بحقيقة الرؤية لأنه لا نزاع في جواز الإنكشاف العلمي التامّ ولا في ارتسام صورة من المرئي في العين أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئيّ أو حالة إدراكية مستلزمة لذلك إنما النزاع أنا إذا أبصرنا الشمس مثلا ثم غمضت العين نجد في الأوّل حالة زائدة على الثاني، وكذا إذا علمنا شيئاً علما جليا ثم أبصرناه نجد في الثاني أمراً زائداً على الأوّل، وهو الذي نسميه بالرؤية ولا يتعلق في العادة إلا بما هو في جهة ومقابلة فمثل هذه الحالة الإدراكية هل يصح أن تكون مقارنة للمقابلة والجهة وأن تتعلق بالذات المقدسة أم لا والى الأوّل ذهب الأشاعرة والمخالف فيه اشترط فيه ذلك، ولذا قال السهروردي: قد يحقق بأيسر نظر أنّ الرائي غير العضو المخصوص، وهو قوّة حالة فيه وبه
ل
يرتفع الإشكال لأنّ القوم لما اعترفوا بأنّ العين لا تبقى على هذه الصفة بل يخلق الله فيها استعداداً لرؤيته تعالى، وخصومهم أنكروا الرؤية والعين هذه العين بمشخصاتها أجمع فالصلح
فمن لي بالعين التي كنت ناظرا إليّ بها قبل القطيعة والصد
قوله: (يريد أن يبين به أنه لا يطيقه الخ) يعني ليس المقصود نفي الرؤية بل نفي لطاقته
لها في هذه الدار
الدنيا، ثم إنّ قولهم المعلق على الممكن ممكن قالوا عليه: منع ظاهر إذ الممكن ربما يستلزم المحال وان كان بحسب الغير لا بحسب ذاته فإن عدم المعلول الأوّل يستلزم عدم الواجب لأنّ عدم المعلول لا يكون إلا بعدم علته ففي هذه الصورة لا يلزم من تعليق اللازم على الملزوم الممكن إمكان صدق الملزوم بدون اللازم لأن الملزوم ليس هو الممكن من حيث ذاته بل من حيث هو مأخوذ مع الغير، وهو من هذه الحيثية ممتنع فإنّ عدم المعلول الأوّل إذأ اعتبر في نفسه فعدمه ممكن، ولا يستلزم عدم الواجب من هذه الحيثية وان اعتبر من حيث إنّ وجوده واجب بالعلة فعدمه ممتنع بها ومستلزم لعدمها، ولكن ليس عدمه ممكناً بالذات من هذه الحيثية حتى يلزم إمكان لازمه، وامكان صدق الملزوم بدون اللازم على تقدير كون اللازم محالاً إذ لا يلزم من إمكان العدم نظرا إلى ذاته إمكان العدم الممتنع بالغير أبداً بالنظر إليه ولا يلزم من ذلك كونه واجباً لذاته، وإنما يلزم أن لو امتنع نسبة العدم إليه لذاته فإذا كان المعلق عليه هنا استقرار الجبل من حيث هو يلزم من إمكانه مكان المعلق أما إذا كان استقرار. مع ملاحظة الغير الذي يمتنع الاستقرار عنده فلا يلزم من إمكانه إمكان الرؤية فللمعتزليئ أن يقول إنّ المعلق عليه استقرار الجبل عقيب النظر أي استقرار الجبل مع كون الجبل مقيداً بالحركة فيه فإن استقرار الجبل وان كان ممكناً في نفسه عقيب النظر إلا أنه بحسب تقييده بما ينافيه من الحركة ممتنع بالغير في ذلك الوقت فجاز أن يستلزم المحال، وتعلق عليه الرؤية من تلك الحيثية وحينئذ لا يرد أن يقال إنّ استقرار الجبل ممكن في نفسه في جميع الأوقات بدلاً من الحركة فإن قيل الظاهر أنه علق على استقرار الجبل من حيث هو وان كان ذلك في الاستقبال، وكونه ممتنعا بالغير في ذلك الوقت من جهة تقييده بالحركة فيه لا يستلزم أن يوجد المعلق عليه بتلك الجهة، ولا ينافي أن يكون الظاهر ما ذكرنا قلنا المتبادر لا يدفع إحتمال الغير المنافي لليقين وان كان ذلك الاحتمال احتمالاً مرجوحاً فان قلت المتبادر يجب أن يصار إليه إذا لم يدل دليل على خلافه بملاحظته يكون ما ذكر مفيداً لليقين قلت فحيمئذ يمنع من اللفظ الملقى إلى موسى ىلمجز حين الإلقاء إليه، ويحتمل أن يكون حين القائه إليه قرينة حالية أو مقالية دالة على التعليق باستقرار الجبل المقيد بالحركة ولا تكون تلك القرائن منقولة إلينا، ومجملات كتاب الله من هذا القبيل كما حققه بعض علماء الروم.
قوله: (جبل زبير) بزاي معجمة مفتوحة وباء موحدة مكسورة وراء مهملة بوزن أمير اسم
هذا الجبل كما في القاموس والمشهور أنه الطور. قوله: (طهر له عظمته) قيل عليه إنّ ظهور عظمة الله للجبل تستدعي أن بكون له إدراك وهو مستلزم للحياة فيكون التفاوت بيته وبين القول الآخر غير ظاهر، وقال الطيبي رحمه الله: إنه مثل لظهور اقتداره وتعلق إرادته بدك الجبل لا أنّ ثمة تجلياً كما في قوله: {كُن فَيَكُونُ} [سورة يس، الآية: 82] وقال الإمام المقصود: إنّ موسى صلى الله عليه وسلم لن يطيق رؤيته بدليل أنّ الجبل لما رآه اندك ويجوز أن يخلق الله له حياة وسمعاً وبصراً كما جعله محلا لخطابه في قوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سورة سبأ، الآية: 0 ا] ونقل هذا عن الأشعري رحمه الله وكان المصنف رحمه الله أشار إلى هذا بقوله وتصدى له اقتداره وأمره. قوله: (مدكوكاً مفتتا الخ) أي هو مفعول به بمعنى اسم المفعول والدك بمعنى التفتيت والتكسير، وقيل: هو التسوية بالأرض وقوله أخوان أي بينهما اشتقاق اً كبر كالشك بمعنى الطعن كما يقال منه شككت بالرمح، وهو قريب من الثق معنى وقراءة دكاء بالمدّ إما لأنه صفة أرض! وهي مؤنثة أو مستعار من قولهم ناقة دكاء إذا لم يرتفع سنامها ودكا بضم الدال والتنوين جمع دكاء كحمراء، وحمر أي قطعا دكا فهو صفة جمع وهو قطع جمع قطعة، وفي شرح التسهيل لأبي حيان أنه أجرى مجرى الأسماء فأجرى على المذكر وهو جواب آخر. قوله:(مغشياً عليه من هول ما رأى) خرّ بمعنى سقط، وقيل: هو سقوط له صوت كالخرير وصعقا بمعنى صاعقاً وصائحا من الصعقة، وقيل لو كان هذا معنى النظم لعطف بالفاء وعطفه بالواو ويقتضي ترتبه على التجلي.
(قلت (المراد بالهول هول التجلي وعظمته فلذا عطف بالواو لأنه لو عطف بالفاء أوهم
أنه يترتب على الدك مع أنّ مثله قد يعطف بالواو عند السكاكي كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [سورة النمل، الآية: 5 ا] كما صرّح
به الطيبي رحمه الله فيما سيأتي، وقوله من غير إذن أو في غير محله وزمانه، وقوله مرّ تفسيره أي في سورة الأنعام بأنّ إسلام كل نبي سابق على أمّته، وقوله لا ترى في الدنيا فيه خلاف كرؤية المنام عند القائلين بالرؤية وكأنّ المصنف رحمه الله تعالى اختار خلافه، وفي الكشاف فانظر إلى إعظام الله أمر الرؤية في هذه الآية وكيف أرجف الجبل بطالبيها وجعله دكا وكيف أصعقهم ولم يخل كليمه
صلى الله عليه وسلم من نفيان ذلك مبالغة في إعظام الأمر وكيف سبح ربه ملتجئاً إليه وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه {وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهباً ولا يغرّنك تسترهم بالبلكفة فإنه من منصوبات أشياخهم، والقول ما قال بعض العدلية فيهم:
لجماعة سموا هواهم سنة وجماعة حمرلعمري موكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوّفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفه
وهذا من غلوّه وقد أشار المصنف رحمه الله بما ذكره إلى ردّه وهذا الشعر الذي هجا به
أهل السنة رضي الله عنهم أجابه عنه شعراؤهم بأشعار كثيرة كقول الشيخ تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى:
عجبا لقوم ظالمين تلقبوا بالعدل مافيهم لعمري معرفه
قدجاءهم من حيث لايدرونه تعطيل ذات الله مع نفي الصفه وتلقبواعدلية قلنانعم عدلوابربهم فحبهم سفه
والبلكفة نحت كالبسملة أي القائلين بأنّ الرؤية بلا كيف، وفي بعض حواشي الكشاف القائلين بل كفى في إمكان الرؤية تعليقها بالممكن، وقوله اصطفيتك اخترتك لأنه افتعال من الصفوة وهو الخيار. قوله:(أي الموجودين في زمانك الخ) قيده به لأن الاصطفاء لا يخصه، ولما ورد هرون أشار إلى قيد يخرجه بأنّ المراد اصطفاه بأمرين الرسالة والتكليم فخرج هرون، فإن قلت على هذا لا يحتاج إلى القيد لأن التكليم بغير واسطة في الدنيا مخصوص به ولا يلزم تفضيله من كل الوجوه على غيره كنبينا صلى الله عليه وسلم وهو المقصود بالتكليم الموجه إليه الخطاب المأمور بتبليغه من سواه فلا يرد أنه كان معه سبعون كلهم سمعوا الخطاب أيضاً وبالناس خرج الملائكة رأسا.
(قلت) المصنف رحمه الله تبع الزمخشرفي في هذا ووجهه أنّ الرسالة والتكليم بغير وسط
وجد لنبينا صلى الله عليه وسلم فلزم أن يكون مختارا عليه وهو النبيّ المختار فلا يرد ما ذكر كما قيل. قوله: (وبتكليمي لىساك) أو على تقدير مضاف أي سماع كلامي، وقوله:(مما يحتاجون إليه من أمر الدين) تال الإمام: لا شبهة في أنه ليس على العموم لأنّ المراد كل شيء كانوا محتاجين إليه من الحلال والحرام والمحاسن والقبائح ثم فصله. قوله: (بدل من الجارّ والمجرور الخ الو جعلت من تبعيضية لأنّ كل شيء من الموإعظ بعض كل شيء على الإطلاق اتجه وسلم من
زيادة من في الإثبات إلا أنّ قوله كتبنا له كل شيء يشعر بأنّ من مزيدة لا تبعيضية ولم يجعلها ابتدائية حالاً من موعظة وموعظة مفعول به لأنه ليس له كبير معنى، ولم تجعل موعظة مفعولاً له، وان استوفى شرائطه لأنّ الظاهر عطف تفصيلا على موعظة كما أشار إليه بقوله من المواعظ، وتفصيل الأحكام وظاهر أنه لا معنى لقولك كتبنا له من كل شيء لتفصيل كل شيء، وأما جعله عطفاً على محل الجارّ والمجرور فبعيد من جهة اللفظ والمعنى. قوله:(واختلف في أنّ الألواح الخ) أي اختلفت الرواية فيه وزمرد بضم الزاي المعجمة والميم والراء المهملة وعن الأزهريّ فتح الراء وبالذال المعجمة آخره، وهو غير الزبرجد كما هو معلوم عند أهله وسقفها بسين مهملة وقاف وفاء أي جعلها سقائف والسقائف الألواج واحدها سقيفة وروي شققها بشين معجمة وقافين وهو بمعناه أيضا وليس تصحيفا كما توهم، وفي بعض النسخ عطف سقفها بأو وفي بعضها بالواو، وهي أظهر. قوله:(على إضمار القول عطفاً على كتبنا) أي فقلنا خذها وحذف القول كثير مطرد قال العلامة هانما قدّر لا لعطفه الإنشاء على الخبر لأنه يجوز بإلغاء لأنّ قوله كتبنا له على الغيبة فقدر فقلنا له ليناسبه في الغيبة، ولو قيل كتبنا لك لم يحتج إلى تقدير، وأما جعله بدلاً من فخذ ما الخ فقد ضعف لما فيه من الفصل
بأجنبيّ وهو جملة كتبنا المعطوفة على جملة قال وهو تفكيك للنظم. قوله: (والهاء للألواح أو لكل شيء) على تقدير القول والعطف على كتبنا، وقوله:(فإنه بمعنى الأشياءا لأن العموم لا يكفي في عود ضمير الجماعة بدون تأويله بالجمع، وجوّز الزمخشرفي عوده على التوراة بقرينة السياق، وقوله أو للرّسالات على البدلية كما في شروح الكشاف والتعيين موكول إلى القرينة العقلية، وقوله بقوّة أي بعزيمة وجدّ فهو حال من الفاعل أي ملتبسا بقوّة وجوّز أن يكون من المفعول أي ملتبسة بقوّة براهينها والأوّل أوضح أو صفة مفعول مطلق أي أخذا بقوّة. قوله تعالى: {يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} الظاهر جزمه في جواب الأمر فيحتاج إلى تأويل لأنه لا يلزم من أمرهم أحدهم، ولذا قيل تقدير لام الأمر فيه بناء على جوازه بعد أمر-ت القول أو ما هو بمعناه كما هنا، وبأحسنها حال ومفعول يأخذوا محذوف أي ما ينفعهم أو هو مفعول والباء زائدة كما في لا يقرأن بالسور. قوله: (أي بأحسن ما فيها كالصبر الخ) إضافة أفعل التفضيل إما إلى المفضل عليه نحو زيد أحسن الناس أو إلى غيره والأولى مختلف فيها كما ذكره الفاضل اليمني في قوله
تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ} [سررة البقرة، الآية: 96] فالمشهور أنها محضة على معنى اللام، وقيل إنها لفظية وغيرها اختصاصية بلا نزاع والظاهر أنّ هذه من الأوّل لأنّ المعنى بأحسن الإجراء التي فيها مشتملة على تلك المعاني أو بأحسن أحكامها كقولك أحسن زيد وجهه فمن قال إنه إشارة إلى أن الإضافة على معنى في فقدوهم والذي غر. وجود في في اللفظ وقال النحرير وغيره: إنه ينافي ما سبق من أنّ المكتوب على بني إسرائيل هو القصاص قطعاً، والجواب بأنه مثال للحسن والأحسن لا لكونه في التوراة بعيد جذاً، وقوله على طريقة الندب متعلق بلفظ وأمر في النظم والمعنى أن يأخذوا به على طريق الندب والأحسن لا الوجوب، وأما صدور الأمر من موسى عليه الصلاة والسلام فيحتمل الوجوب والندب، وقوله أو بواجباتها هو كالأوّل وإنما الفرق بينهما أنّ المراد بأحسن أحكامها ما يندب إليه أو ما يلزم ويجب لأنّ الواجب أحسن من المندوب والمباج فليست الإضافة فيه لأدنى ملابسة كما قيل. قوله: (ويجوز ان يراد بالأحسن البالغ في الحسن الخ (قال العلامة في سورة مريم في قوله تعالى: {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} [سورة مريم، الآية: 76] إن هذا من وجيز كلامهم يقولون الصيف أحر من الثتاء أي أبلغ في حره من الشتاء في برده، وتحقيقه أن تفضيل حرارة الصيف على حرارة الشتاء غير مراد بلا شبهة بل هو راجع إلى تفضيل كثرة الحرارة أو قوّتها على كثرة البرودة أو قوّتها أو باعتبار الإحساس وذلك لأن معنى أحرّ وأبلغ حرّاً متقاربان ولذا توصل في الممتنع بنحوه ففيه مجاز وايجاز وتفصيله، ما قال بعض النحاة إن لأفعل أربع حالات إحداها وهي الحالة الأصلية أن يدل على ثلاثة أمور، أحدها اتصاف من هو له بالحدث الذي اشتق منه وبهذا كان وصفا، الثاني مشاركة مصحوبة في تلك الصفة، الثالث مزية موصوفه على مصحوبه فيها، وبكل من هذين المعنيين فارق غيره من الصفات الحالة الثانية أن يخلع عنه ما امتاز به من الصفات ويتحرّ للمعنى الوضعي، الحالة الثالثة أن تبقى عليه معانيه الثلاثة، ولكن يخلع عنه قيد المعنى الثاني ويخلفه قيد آخر وذلك أنّ المعنى الثاني وهو الاشتراك كان مقيدآ بتلك الصفة التي هي المعنى الأوّل فيصير مقيداً بالزيادة التي هي المعنى الثالث ألا ترى أن المعنى في قولهم العسل أحلى من الخل أن للعسل حلاوة، وان تلك الحلاوة ذات زيادة، وان زيادة حلاوة العسل أكثر من زيادة حموضة الخل قاله ابن هشام في حواشي التسهيل وهو بديع جداً الحالة الرابعة أن يخلع عنه المعنى الثاني، وهو المشاركة وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى زيادة مطلقة لا مقيدة وذلك في نحو يوسف أحسن إخوته، وقوله: لا بالإضافة أي ليس حسنة بالإضافة إلى ما أضيف إليه بل مبالغته وزيادته بالإضافة إلى مبالغة ما أضيف إليه، فلا يرد عليه ما قيل الأظهر حينئذ تشبيهه بقوله الأشج والناقص أعد لابني مروان وقي البحر يمكن الاشتراك فيها في الحسن، فيكون المأمور به أحسن من حيث الامتثال وترتب الثواب عليه ويكون المنهيّ عنه حسنا باعتبار الملاذ
والشهوة، فيكون بينهما قدر مشترك في الحسن، وان
اختلفا متعلقاً. قوله: (دار فرعون وقومه بمصر الخ (إشارة إلى أنه تأكيد للأمر بالأخذ بالأحسن وبعث عليه لوضع الإراءة موضع الاعتبار إقامة للسبب مقام مسببه مبالغة، وفي وضع دار الفاسقين موضع أرض مصر تحذير لهم عن اتباع أثرهم، واليه الإشارة بقوله فلا تفسقوا الخ، وفيه التفات لأنّ المراد سأريهم فلا يفرطوا فيما أمروا به، وجوّز فيه التغليب أيضاً، وفي قراءة سأوريكم تغليب لأنّ المراد سأوريك، وقومك فالجملة استئنافية لتعليل الأمر وعلى المشهورة الخطاب مخصوص بالقوم لأنّ المعنى لتعتبروا ولا تفسقوا، وقوله: (أو منازل الخ) هو قول لبعضهم ولذا أدخل فيه، أو وإلا فلا مانع من الجمع. قوله:(وقرئ سأوريكم) بضم الهمزة وواو ساكنة وراء خفيفة مكسورة، وهي قراءة الحسن البصري، وهي لغة فاشية بالحجاز فيها تخريجان أحدهما أنها من أوريت الزند لأنّ المعنى سأنوره وأبينه، والثاني وهو الأظهر الذي اختاره ابن جني أنه على الإشباع كقوله:
من حيثما سلكوا أتوا فانظوروا
ورأى بصرية وجوز فيها أن تكون علمية على جواز حذف المفعول الثالث. قوله:
(بالطبع على قلوبهم الخ) متعلق بقوله سأصرف أي صرفها عنهم لأنه علم أنهم لا ينتفعون بها لطبع الله على قلوبهم، وقضائه الأزليّ بالشقاوة عليهم. قوله:(سأصرفهم عن إبطالها الخ) فالكلام مع قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متصل بما سبق من قصصهم وهو أو لم يهد الخ وايراد قصة موسى وفرعون للاعتبار، ولذا قال كما فعل فرعون، وقيل: إنه على هذا اعتراض قال الطيبي فقوله وان يروا كل آية الخ عطف على قوله يتكبرون في الأرض وعلى الأوّل الآية عامة، وعطف وان يروا على سأصرف للتعليل على منوال قوله:{وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ} [سورة النمل، الاية: 15] على رأي صاحب المفتاح، وقوله:(فعاد عليه) أي عاد عليه فعله بعكس ما أراد وهو إعلاء آيات الله واظهارها واهلاكهم وتدميرهم، وقوله:(بماهلاكهم) معطوف على إعلائها، ويصح ضبطه بالنون والإعلان الإظهار أيضا، وقيل إنه معطوف على قوله بالطبع أي سأصرفهم عن إبطالها بإهلاكهم. قوله: (صلة يتكبرون الخ الما كان التكبر لا يكون بحق أصلاً أوّلوه بوجهين الأوّل على جعله متعلقاً بالفعل، والتكبر بمعنى التعزز أي يتعززون بالباطل، وبما يؤديهم إلى الذل والهوان، ولا يرفعون للحق رأسا فقوله وان
يروا كل آية لا يؤمنوا بها، وما عطف عليه مناسب لهذا الوجع فعلى هذا يصح أن يكون هذا مراد المصنف رحمه الله بقوله يؤيد الوجه الأوّل، ولذا قدمه وعكس ما في الكشاف والثاني واليه أشار المصنف رحمه الله، بقوله أو حال من فاعله أي غير محقين لأنّ التكبر بحق ليس إلا لله كما في الحديث القدسي الذي رواه أبو داود:" والكبرياء ردائي، والعظمة إرّاري فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار ") 1 (وفيه معان دقيقة تعرف بالمشاهدة مع استعارات بديعة وايماء غريب وأمّا أنّ التكبر يكون بحق كما في الأثر التكبر على المتكبر صدقة فالتحقيق أنه صورة تكبر لا تكبر فتدبر. قوله: (منزلة) من آيات القرآن من التنزيل، أو الإنزال أو معجزة بالجر أو النصب أي منزلة كانت أو معجزة دون المنصوبة في الأنفس والآفاق لئلا يتوهم الدور وتكذيبهم بذلك وكفرهم لعنادهم، وخلل عقولهم وانغماسهم في الهوى والضلال الناشئ عن ختم الله وطبعه على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم بحيث صاروا كالحيوانات العجم، وهو الذي صرفهم عن النظر في الآفاق والأنفس بلا خفاء فهذا هو السيب القريب له، والطبع البعيد فلا وجه لما قيل الصرف ليس بمسبب عن التكذيب بل العكس، وسبب الصرف علم من ترتب الحكم على الموصول ولا حاجة إلى جعل ذلك إشارة إلى التكبر وان صح. قوله:(ويجورّ أن ينصب الخ) عطف على المعنى لأنه على الأوّل مرفوع والجار والمجرور خبره، وعلى هذا مفعول مطلق والباء متعلقة بمحذوف والعامل فيه أصرف المقدم لأنّ الجار والمجرور صلة والموصول مفعوله، وما بعده صلته ومعطوف عليها فلا فصل بأجنبيّ كما توهم، ولا يقال إنّ هذا الصرف المقدر محقق وذاك غير محقق وبتكلف ما لا حاجة إليه. قوله:(أي ولقائهم الدار الآخرة الخ) يعني أنه من إضافة المصدر إلى المفعول
وحذف الفاعل أو إلى الظرف على التوسع، وتقدير المفعول وهو ما وعدهم الله كما مرّ تحقيقه في مالك يوم الدين، فقول النحرير: إنه على الأوّل مضاف إلى المفعول به على الحقيقة وبالنظر إلى المعنى، والا فعلى تقدير الإضافة إلى الظرف
هو أيضا منزل منزلة المفعول به ليس كما ينبغي. قوله: (لا يممفعون) تحقيق لمعنى الإحباط لأنّ الأعمال أعراض لا تحبط حقيقة، وهذه الجملة خبر الذين وهل يجزون مستأنفة أو خبر وهذه حال بإضمار قد، وقوله الأجزاء أعمالهـ م لأنّ المجزي ليس نفسر العمل، وهو ظاهر. قوله:(من بعد ذهابه للميقات الخ) من هذه ابندائية والتي بعدها تبعيضص جمة أو ابتدائية أيضا على حد أكلت من بستانك من العنب أو متعلقة بمقدر على أنه حال، وقوله بعد ذهابه إما بيان للمعنى أو إشارة إلى تقدير مضاف. قوله:(التي استعاروا من القبط حين هموا بالخروج الخ) وقيل ألقاها البحر على الساحل بعد غرقهم قال الإمام رحمه الله " روي أنه تعالى لما أراد إغراق فرعون وقومه لعلمه أنه لا يؤمن أحد منهم أمر موسى صلى الله عليه وسلم بني إسرائيل أن يستعيروا حلي القبط ليخرجوا خلفهم لأجل المال أو لتبقى أموالهم قي أيديهم " فقيل عليه إنه مشكل لكونه أمرا بأخذ مال الغير بغير حق، وإنما يكون غنيمة بعدما هلكوا مع أنّ الغنائم لم تكن حلالهم لقوله عشيي! :" أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي أحلت لي الغنائم ") 1 (الخ وقد قال المفسرون في قوله تعالى فيئ سورة طه: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [سورة طه، الآية: 87] أراد بالأوزار أنها كانت تبعات وآثاماً لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب فلا يحل لهم أخذ مالهم مع أنّ الغنائم لم تكن تحل لهم، وهذا مخالف لما ذكرنا، وقد أشار بعضهم إلى دفعه بما لا طائل تحته فتدبره، ولك أن تقول أنهم لما استعبدوهم بغير حق واستخدموهم وأخذوا أموالهم وقتلوا أولادهم ملكهم الله أرضهم، وما فيها فالأرض! دلّه يورثها من يشاء من عباده، وكان ذلك بوحي من الله تعالى لا على طريق الغنيمة، وفي كلام الكشاف إشارة إليه ويكون ذلك على خلاف القياس وكم في الشرائع مثله، وقوله بالاتباع أي اتباع الحاء للام وهو ظاهر. قوله:(بدنا ذا لحم ودم الخ) هذا أحد التفاسير للجسد في اللغة وقد أعربوه بدلاً وعطف بيان ونعتا بالتأويل، وكون تراب أثر فرس جبريل عليه الصلاة والسلام يقتضي الحياة لم يظهر لي وجهه، والحيل هي أن جعل في جوفه أنابيب مقابلة لمهب الريح فإذا دخلت فيه سمع له صوت شديد قيل وهذا ليس بشيء لمنافاته لما صرّح به في قوله تعالى:{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [سورة طه، الآية: 95] الخ. قوله: (وإنما نسب) 1 (أخرجه البخاري 335 و 3122 ومسلم 521 والنسائي 1 / 209- 1 21 والدارمي 1 / 322 وأحمد 3 / 304 من حديث جابر بأتم منه 0
الاتخاذ إليهم وهو فعله) واتخاذه أي السامريّ فالمراد بالاتخاذ العمل ولكونهم راضين به وواقعاً بين أظهرهم نسب إلى الجميع وأسند إليهم إسناداً مجازيا كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا والقاتل واحد منهم وكون الرضا شرطاً في مثله ليس بكلي كما مرّ. قوله: (أو لأنّ المراد اتخاذهم إياه إلها) هو في الوجه الأوّل بمعنى صنع متعد لواحد، وفي هذا متعدّ لاثنين والمعنى صيروه إلهاً وعبدوه كلهم فلا تجوّز فيه، وعلى الأوّل لا بد من تقدير جملة، وهي يعبدوه ليكون ذلك مصب الإنكار لأنّ حرمة التصوير حدثت في شرعنا على المشهور، ولأنّ المقصود إنكار عبادته، والخوار بضم الخاء المعجمة والواو المفتوحة صوت البقر والجواز بضم الجيم والهمزة الصوت الشديد. قوله:(تقريع على فرط ضلالتهم وإخلالهم بالنظر الخ) يعني أنهم لم يقتصروا على عدم النظر في أمره حتى تجاوزوا ذلك إلى جعله إلها خالقا فعبدوه، وقوله اتخذوه إلها بيان لحاصل المعنى مع الميل إلى الوجه الثاني في جعل اتخذ متعديا لمفعولين كما مرّ، وقوله: كآحاد البشر تمثيل للمنفي والقدر يضم ففتح جمع قدرة. قوله: (تكرير للذمّ) أي تكرير لتأكيد الذتم بذلك وأشار إلى أنه متعد لمفعولين، وقدر الثاني كما ترى، وقوله: وكانوا ظالمين ما استئنافية أو الواو اعتراضية للإخبار بأن وضع الأشياء في غير موضعها دأبهم وعادتهم قبل ذلك فلا ينكر هذا منهم، أو حالية أي اتخذوه في هذه الحالة المستقرة لهم، وهذا فرق بين الجملة المعترضة والحالية بحسب المعنى، وهو دقيق جداً. قوله: (كناية من أن اشتد ندمهم الخ الم يجعله عبارة عن الندم لأنّ السقوط في اليد إنما يكون عند شدّته
وجعله كناية لا مجازاً لعدم المانع عن الحقيقة، وجعل الفاعل في قراءة المبنيّ للفاعل العض لا الفم لأنه أقرب إلى المقصود ولأنّ كونه كناية عن الندم إنما هو حيث يكون سقوط الفم على وجه العص، ثم الأيدي على هذا حقيقة وعلى تفسير الزجاج الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وقيل الخ استعارة بالكناية وهل في الكلام دلالة إيمائية لا دلالة فيه عليها، إلا أن يقال أنّ سقوط الندم في القلب أو النفس كناية عن ثبوته للشخص، وإنما اعتبر التشبيه فيما يحصل لا في اليد ليكون استعارة تصريحية لأنه لا معنى لتشبيه اليد بالقلب إلا بهذا الاعتبار، وقيل: إنه على تفسير الزجاج استعارة تمثلية لأنه شبه حال الندم في القلب مجال الشيء في اليد في التحقيق
والظهور، ثم عبر عنه بالسقوط في اليد، وقال الواحديّ تحصل من كلام المفسرين وأهل اللغة أنّ معنى سقط في يده ندم فأما وجهه فلم يوضحوه إلا أنّ الزجاح قال إنه بمعنى ندموا ولم يسمع هذا قبل نزول القرآن، ولم تعرفه العرب ولم يوجد في أشعارهم وكلامهم فلذا خفي عليهم فقال أبو نواس:
ونشوة سقطت منها في يدي
فأخطأ في استعماله وهو العالم النحرير وقال أبو حاتم فسقط فلان في يده بمعنى ندم فأخطأ أيضاً، وذكر اليد لأنه يقال لما يحصل وأن لم يكن في اليد وقع في يده وحصل في يده مكروه فشبه ما يحصل في النفس وفي القلب بما يرى بالعين، وخصت اليد لأنّ مباشرة الأمور بها كقوله تعالى:{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [سورة الحج، الآية: 0 ا] أو لأنّ الندم يظهر أثره بعد حصوله في القلب في اليد كعضها وضرب إحدى يديه على الأخرى، كقوله تعالى في النادم فأصبح:{يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} [سررة الكهف، الآية: 42]{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [سورة الفرقان، الآية: 27] فلذا أضيف إليها لأنه الذي يظهر منه كاهتزاز المسرور وضحكه وما يجري مجراه، وقيل من عادة النادم أن يطأطىء رأسه يوضع ذقنه على يده بحيث لو أزالها سقط على وجهه، فكأن اليد مسقوط فيها، وفي بمعنى على وقيل: هو من السقاط وهو كثرة الخطأ قال: كيف يرجون سقاطي بعدما لفع الرأس بياض! وصلع
وقيل مأخوذ من سقيط الجلد، والفراء لعدم ثباته مثل لمن لم يحصل من سعيه على
طائل وسقط مدة بعضهم من الأفعال التي لا تتصرّف كنعم وبئس، وقرأ أبو السميفع سقط معلوماً أي الندم كما قال الزجاج: أو العض كما قال الزمخشرفي أو الخسران كما قاله ابن عطية وكله تمثيل، وقرأ ابن أبي عبلة أسقط رباقي مجهول وهي لغة نقلها الفراء والزجاج.
قوله: (وقيل معناه سقط الندم في أنفسهم) قد مر أنه قول الزجاج والواحديّ، وهل هو استعارة تمثيلية أو مكنية أو كناية، قد نقلنا لك ما قال القوم فيه فعليك بالاختيار، وحسن الاختيار. قوله:(وعلموا الخ) في الكشاف وتبينوا ضلالهم تبينا كأنهم أبصروه بعيونهم، وإنما جعلها بصرية مجازاً عن انكشاف ذلك لهم انكشافا تاما كأنه محسوس، ولم يقصر المسافة فيجعلها علمية ليسلم الكلام من القلب الذي توهمه بعض المفسرين لأنّ الندم إنما يحصل لهم بعد تبين الضلال لأنه هان كان كذلك لكنه بعده ينكشف انكشافاً تاما لا يمكن إخفاؤه، فلا حاجة إلى ما قيل فإن قلت تبين الضلالة يكون سابقاً على الندم فلم تأخر عنه، قلت الانتقال من الجزم بالشيء إلى تبين الجزم بالنقيض لا يكون دفعياً في الأغلب بل إلى الشك، ثم الظن
بالنقيض، ثم الجزم بالنقيض، ثم تبينه والقوم كانوا جازمين بأنّ ما هم عليه صواب والندم عليه ربما وقع لهم في حال الشك فيه فقد تأخر تبين الضلال عنه لمن يتبين، وقوله:(وقرأهما (أي ترحم وتغفر. قوله: (شديد الغضب وقيل حزيناً) هما حالان مترادفتان أو متداخلتان إن قلنا الثانية حال من المستتر في غضبان أو بدل كل لا بعض كما توهم، والأسف إما شدة الغضب أو الحزن. قوله:(فعلتم بعدي حيث عبدتم العجل والخطاب للعبدة الما كانت الخلافة أن يقوم الخليفة مقام من خلفه، وينوب عنه في أفعاله، وهي لا تكون بحضرته وإنما تكون بعده جعل خلفتم مستعملاً في لازم معناه، وهو مطلق الفعل لثلا يتكرّر قوله بعدي معه والفعل المذموم بعده إنما هو للعبدة، فلذا خصوا بالخطاب على هذا. قوله:) أو قمتم مقامي فلم تكفوا العبدة والخطاب لهرون والمؤمنين) وإنما خصوا لأنهم الذين قاموا مقامه في ذلك، والذم ليس للخلافة نفسها بل لعدم الجري على مقتضاها حينئذ. قوله: (وما
نكرة موصوفة الخ) فما في محل نصب تمييز مفسر للضمير المستتر في بض وهذا مذهب الفارسيّ، وخالفه غيره من النحاة فيه كما في فصل في النحو، فقوله خلافة بالنصب تفسير لما وخلافتكم هو المخصوص بالذم. قوله:(ومعنى من بعدي من بعد انطلاقي الخ (تركه الزمخشريّ لأنّ قوله خلفتموني يدل عليه، والتأسيس خير من التأكيد وكون خلفتموني يدل على بعدية مطلقة، وهذه خاصة قليل الجدوى. قوله: (أو من بعد ما رأيتم مني من التوحيد) فالبعدية بالنسبة إلى الأحوال التي كانوا عليها. قوله: (والحمل عليه والكف عما ينافيه) هذا ناظراً إلى كون الخطاب لهرون والمؤمنين، وما عطف عليه ناظر إلى كونه للعبدة فلذا قالوا الظاهر عطفه بأو كما في الكشاف لكن المصنف رحمه الله لما رآه وجها واحداً صالحاً لكل لم يعطفه بأو، وهو ظاهر فتدبر. قوله: (أتركتموه غير تام الخ الما كان المعروف تعدى عجل بعن لا بنفسه لأنه يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونقيضه تمّ عليه، وأعجله عنه غيره جعلوه هنا مضمنا معنى سبق معدى تعديته وذهب يعقوب إلى أنه معنى حقيقيّ له من غير تضمين أي عجلتم عمأ أمركم به، وهو انتظار موسى صلى الله عليه وسلم حال كونهم حافظين لعهده، والسبق كناية عن الترك كما أشار إليه المصنف رحمه الله ولم يجعل ابتداء بمعناه لخفاء المناسبة بينهما، وعدم حسنها والأمر على هذا واحد الأوامر وعلى
قوله: {مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 44] واحد الأمور، وهو الفرق بينهما قال الطيبي رحمه الله وهذا الميعاد غير ميعاد الله موسى ستي في قوله:{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً} [سورة الأعراف، الآية: 142] لضرب ميعاد موسى صلى الله عليه وسلم قبل مضيه إلى الطور، لقوله:{فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [سورة الأعراف، الآية: 142] وميعاد القوم عند مضيه لقوله: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} وسيأتي تفصيله عن قريب. قوله: (طرحها من شدّة الغضب الخ) في قوله حمية للدين اعتذار عما يتوهم من سوء الأدب، وقوله روي الخ كذا في البغوي لكن هذا ينافي ما روي عن الربيع بن أن! رضي الله عنه إنّ التوراة نزلت سبعين وقرأ يقرأ الجزء منه في سنة لم يقرأها إلا أربعة نفر موسى ويوشع وعزير وعيسى عليهم الصلاة والسلام قال الطيبي رحمه الله: وهو من قلة ضبط الرواة في الإعصار الخالية، ولذا قيل إنه ينافي قوله بعده أخذ الألواج فإنّ الظاهر منه العهد، وأجيب بأنه رفع ما فيها من الخط دون ألواحها وقيل كان فيها إخبار عن المغيبات فرفع ذلك وبقي الأحكام والمواعظ والله أعلم بذلك، ومثل هذا لا يقال بالرأي فلا وجه لما قيل من أن القرآن لا يدل عليه فلعل المراد وضعها على الأرض ليأخذ برأس أخيه. قوله:(بشعر رأسه الأنه الذي يمسك ويؤخذ، وهو لا ينافي أخذه بلحيته كما وقع في سورة طه أو أدخل فيه تغليباً، وقوله يجرّه حال من موسى أو من رأس بتأويله بالعضو فلا يقال لا رابط فيه، أو من أخيه لأنّ المضاف جزء منه وهو أحد ما يجوز فيه ذلك، وقوله حمولاً لينا بيان لتحمله ما صدر منه، وقوله أحب إلى بني إسرائيل أي من موسى صلى الله عليه وسلم وتركه هنا حسن. قوله:) ذكر الأمّ ليرققه عليه) أي ليحصل له رحمة ورقة قلب له وإلا فهما أخوان لأب وأمّ على الأصح، وقيل ذكر أمه لأنها قامت في تربيته وتخليصه بأمور عظيمة فلذا نسبه إليها، وفي ابن أثم هنا قرا آت وهي لغات فيه وفي ابن عم، وقوله زيادة في التخفيف بالحذف والفتح وعلى ما بعده هي حركة بناء. قوله:(إزاحة لتوهم التقصير) بالنصب مفعول له أي قاله لذلك أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذا إزاحة أي
إزالة. قوله: (فلا ثفعل بي ما يشمتون بي لأجله الخ) هذا على القراءة المشهورة بضم التاء وكسر الميم، وإنما فسره به لأنه لم يقصد إشماتهم، وإنما فعل ما يترتب عليه ذلك، وهو مجاز أو كناية عما ذكر وقرئ بفتح التاء وضم الميم، وهو كناية عن هذا المعنى أيضا على حد لا أرينك هاهنا والشماتة سرور الأعداء بما يصيب المرء. قوله:(معدودا في عدادهم الخ) فعلى الأوّل هو جعل حقيقيّ، وعلى الثاني من الجعل في الظن والاعتقاد على طريقة وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا. قوله:(إن فرط في كفهم) أي قصر في منعهم وعدل عن قول الزمخشريّ: أن عسى فرّط لما فيه مما ليس هذا محله، وقوله ترضية له أي طلبا لرضاه بتطييب خاطره، ودفعا للشماتة بطلب
المرضاة وتلاتي ما فات، وعد ما فرط منه كأنه ذنب لعدم استحقاقه وان كان ذلك ليس ممنوعاً عليه كما ذهب إليه القائلون بعدم العصمة. قوله:(بمزيد الأنعام علينا الأن مقابلته بالمغفرة تدل على أنها رحمة إنعام لا عفو، وترك المتعلق من المنعم به والدارين وجعل الرحمة محيطة بهم إحاطة الظرف لانغماسهم فيها يقتضي المزيد، وقوله منا على أنفسنا لدخولهم في الراحمين دخولاً أوّليا وفيه إشارة إلى أنه استجاب دعاءه. قوله: (وهو ما أمرهم به من قتل أنفسهم) وصيغة الخطاب لأنه وقع ذلك ولا يتعين أن يكون حكاية لما قاله موسى صلى الله عليه وسلم كما قيل: وقوله وهي خروجهم من ديارهم فيكون مخصوصا بالذين أتخذوا العجل وعلى تفسيره بالجزية، يكون المراد بالذين اتخذوا العجل قوم موسىء صلى الله عليه وسلم مطلقاً ليشمل أولادهم لأنّ الجزية لم تضرب عليهم إلا في الإسلام كذا قيل، وهو مناف لقول المصنف رحمه الله إنّ بختنصر ضربها وكانوا يؤذونها للمجوس، ويكون من تعيير الأبناء بما فعله الآباء، ولذا فسره بعضهم ببني قريظة والنضير وفسر الغضب بالجلاء والذلة بالجزية. قوله:(ولا فرية أعظم من فريتهم هذا الهكم واله موسى) جملة هذا الهكم الخ تفسير لفريتهم أو معمول له لتضمينه معنى القول ونسبها لهم، ولم يخصها بالسامري كما في الكشاف لمتابعتهم له ورضاهم بما فعل. قوله:(من الكفر والععاصي) عممه لعموم المغفرة ولأنه لا داعي للتخصيص ولذا فسر آمنوا بما يناسبه، وقوله وما هو مقتضاه أدخله في الإيمان لأن تمام الإيمان
به وقيل إنه ذهب إلى تقديره لاقتضاء المقام له، وقوله من بعد التوبة لم يقل والإيمان لأنّ التوبة لا تقبل بدونه ولم يجعله للسيئات لأنها لا حاجة له مع قوله:{ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا} لا لأنه يحتاج إلى حذف مضاف ومعطوف أي من عملها، والتوبة عنها لأنه لا معنى لكونها بعدها إلا ذلك وقوله ورمنوا سواء كان حالاً أو معطوفا من ذكر الخاص بعد العام للاعتناء به لأنّ التوبة عن الكفر هي الإيمان فلا يقال التوبة بعد الإيمان فكيف جاءت قبله. قوله:(سكن وقد قرئ به) قرأ به معاوية بن قرة والسكوت، والسكات قطع الكلام وهو هنا استعارة بديعية، وفي الكشاف هذا مثل كان الغضب كان يغريه على ما فعل، ويقول له قل لقومك كذا و {أَلْقَى الألْوَاحَ} وجرّ برأس أخيك إليك فترك النطق بذلك وقطع الإغراء، ولم يستحسن هذه الكلمة، ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم وذوق صحيح إلا لذلك ولأنه من قبيل شعب البلاغة والا فما القراءة معاوية بن قرة ولما سكن عن موسى الغضب لا تجد النفس عندها شيئا من تلك الهزة، وطرفا من تلك الروعة يعني أنه شبه الغضب بشخص آمرناه، فهو استعارة مكنية، وأثبت له السكوت على طريق التخييل، وقال السكاكي إنه استعارة تبعية شبه سكون الغضب، وذهاب حدته بسكوت الآمر الناهي والغضب قرينتها، وقيل مراد الزمخشري تمثيل حال سكون الغضب بحال سكوت الناطق الآمر الناهي، ومرجعه إلى كون الغضب استعارة بالكناية عن الشخص الناطق، والسكون استعارة تصريحية لسكون هيجانه، وغليانه فتكون مكنية قرينتها تصريحية لا تخييلية، وبحتمل أن تكون تبعية بناء على جوازه عنده كما مرّ، وقال الزجاج: مصدر سكت الغضب السكتة ومصدر سكت الرجل السكوت، وهذا يقتضي أن يكون سكت الغضب فعلاً على حدته، وقيل هذا من القلب، وتقديره سكت موسى صلى الله عليه وسلم عن الغضب، ولا وجه له وكلام المصنف رحمه الله محتمل لوجوه الاستعارة وقوله وقرئ سكت أي بمجهول مشدد للتعدية. قوله:(التي ألقاها) يعني أنّ تعويفه للعهد، وهو ينافي الرواية السابقة ظاهراً في أنه رفع منها ستة كما ينافيه قوله من الألواح المنكسرة وتقدم جوابه. قوله:(وفيما نسخ فيها الخ) حاصله أنّ
نسخة فعله بمعنى مفعولة أي منسوخة، والنسخ له في اللغة معنيان الكتابة والنقل فعلى الأوّل هو بمعنى المكتوب والإضافة بيانية، أو على معنى في وعلى الثاني بمعنى لمنقول من الألواح المنكسرة، وقيل معنى منسوخة ما نسخ فيها من اللوح المحفوظ، ولفظ فعلة يجوز صرفه، وعدمه على ما فصله الرضي والكلام في كونها علم جنس، وتحقيقه مع ما فيه وعليه مفصل في العربية وقوله دخلت اللام الخ هذه لام التقوية الداخلة على المعمول المقدّم ومعمول الصفة القوعية في العمل، أو هي للتعليل ومفعوله محذوف، ومعنى
لربهم أي ليس لرياء وسمعة. قوله: (فحذف الجار وأوصل الفعل) وهو مسموع في اختار وأمر فصيح وهذا هو الظاهر، وقيل إنه مفعول وسبعين بدل منه بدل بعض من كل، والتقدير سبعين منهم، وقيل عطف بيان. قوله:(سبعين رجلَا لميقاتنا) اختلفت الرواية والمفسرون هنا في هذا الميقات هل هو ميقات ربه الذي واعده، أو هو غيره وهو ميقات آخر للاعتذار عن عبادة العجل، وأقوى ما يحتجون به أنه تعالى ذكر قصة الكلام وأتبعها قصة العجل، ثم ذكر هذه القصة وذكر بعض قصة والانتقال منه إلى قصة أخرى، ثم إتمام تلك القصة يوجب اضطرابا في الكلام، وقيل عليه الخروج للاعتذار إن كان بعد قتل أنفسهم ونزول التوبة فلا معنى للاعتذار، دمان كان قبل قتلهم فأيّ وجه للاعتذار، وثمرته القتل ولا ريب أنّ قصة واحدة تكرّر في القرآن فيئ سور لا مانع من تكرّرها في سورة واحدة، وهو الظاهر الذي عليه كثير من شراح الكشاف، والإمام ذهب إلى الأوّل وارتضاه وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله، وقوله: وذهب مع الباقين أي موسى صلى الله عليه وسلم، وقوله فتشاجروا أي تنازعوا وتضايقوا، وقوله: غشيه أي عرض له، وفسرت الرجفة بالصاعقة أي الصوت الشديد أو رجفة الجبل وزلزلته، وأما قوله صعقوا فقيل معناه ماتوا من الصاعقة، وقيل معناه غشي عليهم. قوله:(تمنى هلاكهم وهلاكه الخ) تستعمل لو للتمني وهل هو معنى وضمي لها أو مجازيّ، وهي شرطية تدل على الامتناع والتمني في الممتنعات فتدل عليه بقرينة السياق والأكثر حينئذ أن لا يذكر لها جواب، وذكر بعض النحاة أنه قد يذكر جوابها كما هنا والمصنف رحمه الله تبع الزمخشرفي في هذا، وقيل عليه إنه ذهب إليه ليوافق ما أسس عليه مذهبه يعني في امتناع الرؤية، وهو خلاف الظاهر لأنّ لو للامتناع وإنما يتولد معنى التمني إذا اقتضاه المقام، والمقام هنا يقتضي أن لا يهلكهم حينئذ لقوله: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا كما
أشار إليه محيي السنة فلا وجه لما قيل إنه جعل المعنى على التمني لخلوّه بدونه عن الإفادة، ولكن لا تجعل لو للتمني والا لم تحتج إلى الجواب بل بمعونة المقام، ثم جعل ذلك على وجهين كون هلاكهم الذي تمناه بدون السبب، وبالسبب ولا بأس فيه وقوله أو عنى معطوف على تمنى إذ المقصود به الترحم عليهم ليرحمهم الله كما رحمهم، أو لا جريا على مقتضى كرمه، وإنما قال: واياي تسليما منه وتواضعا. قوله: (أو بسبب آخر) عطف على ما قبله بحسب المعنى لأن محصلة تمنى هلاكهم بسبب محبة أن لا يرى ما رأى من مخالفتهم له، ونحوه أو بسبب آخر فاندفع ما قيل إنّ أو لا يظهر صحة موقعه، ولذا قيل قوله بسبب الخ متعلق بتمنى فعطفه على ما تبله باعتبار المعنى يعني تمنى ذلك بسبب ما رأى من الرجفة أو بسبب آخر مثل الجراءة على طلب الرؤية لقومه، والمراد إهلاكهم جميعاً ولذا قال واياي بعد إهلاك خيارهم كما روي عن مقاتل رحمه الله فلا يرد ما قيل إنه يأباه قوله أتهلكنا الخ. قوله:(وكان ذلك قاله بعضهم الخ (قيل الداعي له على ذلك ما فيه من التضجر الذي لا يليق بمقام النبؤة، ولكن لا يخفى أنه لا قرينة عليه مع أنّ ما قبله مقول موسى صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون على ظاهره وأن يكون بمعنى النفي أي ما تهلك من لم يذنب بذنب غيره، وعن المبرد أنه سؤال استعطاف. قوله: (وقيل المراد بما فعل السفهاء الخ) يعني فعل السفهاء عبادة العجل، والذين خاف هلاكهم من ذكر وهذا بناء على تعذد الميقات وعلى هذا فهو من قول موسى مجتيب أيضا، وعن السدي أن السبعين ماتوا من تلك الرجفة، وعن عليّ كرم الله وجهه أنّ موسى وهارون انطلقا إلى سفح جبل فنام هرون فتوفاه الله فلما رجع موسى صلى الله عليه وسلم قالوا له قتلته فاختار سبعين منهم وذهبوا إلى هرون فأحياه الله، وقال ما قتلني أحد فأخذتهم الرجفة هنال. توله:(ابتلاؤك الخ) قد مز أنّ هذا حقيقة الفتنة، وقوله: فزاغوا أي مالوا عن عبادة الله تعالى إلى عبادة العجل، وقوله: من تشاء ضلاله عدول عما في الكشاف من تأويله لأن الله لا يخلق الضلال القبيح عنده، وقو! هـ بالتجاوز عن حده ناظر إلى الطمع في الرؤية واتباع المخايل أي الظنون بما يظهر من العلامات من خوار العجل ناظر إلى توله أوجدت في العجل خوارا وهما أيضا ناظران إلى تفسير ما فعل السفهاء كما مرّ على اللف والنشر المرتب، وقوله هداه إشارة إلى مفعوله المقدر
بقرينة المقام وضمير هي للفتنة المعلومة من السياق أي إن الفتنة إلا فتنتك وان نافية، وقيل يعود على مسألة الإراءة المفهومة من قوله أرنا الله جهرة. قوله:(القاذم بأمرنا) تفسير للولي لأنه من يلي الأمور ويقوم بها، ومن شأنه دفع الضر وجلب النفع فلذا فرّع عليه قوله فاغفر لنا الخ مع تقديم التخلية على التحلية، وقوله:(تنفر السيئة وتبدلها بالحسنة) لأنّ من تمام العفو اتباعه بالإحسان، وفسره به ليكون تذييلاً لاغفروا رحم معاً. قوله:(حسن معيشة الخ) يعني أنّ حسنة الدنيا شاملة للدين والدنيا، وقوله الجنة تفسير لحسنة الآخرة لا للأخرة لأنه اكتفاء وتقديره، وفي الآخرة حسنة وقوله:{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} تعليل لطلب المغفرة والرحمة. قوله:) من هاد يهود الخ (قراءة العامة بضم الهاء من هاد يهود بمعنى رجع وتاب كما قال:
إني امرؤ مما جنيت هائد
ومن كلام بعضهم:
يا راكب الذنب هدهد وا.! جد! أنك هدهد
وقيل معناه مال، وقرأ زيد بن عليّ وأبو وجرة هدنا بكسر الهاء من هاد يهيد بمعنى حرك وأجاز الزمخشريّ على الضم والكسر بناءه للفاعل والمفعول بمعنى ملنا أو أمالنا غيرنا أو حركنا أنفسنا أو حركنا غيرنا، وقيل عليه إنه متى التب! وجب أن يؤتى بحركة تزيل اللبس فيقال عقت إذا عاقك غيرك بالكسر فقط، أو الإشمام إلا أن سيبويه جوّز في نحو قيل الأوجه الثلاثة من غير احتراز وقد تابعه الزمخشرفي، والمصنف رحمه الله فقوله ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل والمفعول أي هدنا بالكسر يحتملهما لاتحاد الصيغة وصحة المعنى وان اختلف التقدير، وقوله:) ويجوز أن يكون المضموم (أي هدنا بضم الهاء كالمكسور مبنيا للمفعول منه أي من هاد يهيد، وقوله:) في الدنيا) الإخراج رحمة الآخرة لأنها تخص المؤمنين، وقو! هـ من أشار قرئ أساء بالمهملة ونسبت هذه القراءة لزيد بن عليّ، وقال الداني: إنّ هذه القراءة لم تصح ولهذا تركها المصنف رحمه الله. قوله: (فسأثبتها في الآخرة أو فسثتبها كتبة خاصة منكم يا بني إسرائيل) بفتح السين للاستقبال والمراد إثباتها في الآخرة لمؤمني هذه الأمّة وغيرهم أو للتأكيد إن كان
المراد تقديرها وللاستقبال إن كان المراد إثباتها لمن آمن من بني إسرائيل بمحمد صلى الله عليه وسلم فقوله: (منكم يا بني إسرائيل) متعلق بقوله للذين يتقون مقدم عليه ومن تبعيضية لا للبيان لأنهم بعض المخاطبين لا أنفسهم، وهو حال! من الذين يتقون كما تاله النحرير: وقيل إنها بيانية، وقوله: خصها بالذكر لإنافتها أي لعلوها وشرفها من ناف وأناف على الشيء أشرف عليه، أو لأنها أشق فذكرها لئلا يفرطوا فيها والمراد بتخصيصها بالذكر أنه أفرد بالتصريح بها مع دخولها في التقوى، وعلى تخصيص المصنف رحمه الله التقوى باتقاء الكفر والمعاصي إذا أريد بالمعاصي المنهيات من الأفعال دون التروك فالتخصيص على ظاهره، دمان عم فالمراد ما مرّ وفي كونها منيفة على الصلاة التي هي عماد الدين نظر إلا أن يراد بالنسبة إلى المالية فتدبر. قوله:(فلا يكفرون بشيء منها الخ) عموم الآيات يفيده الجمع المضاف وقوله: (فلا يكفرون بشيء منها (تفسير له أو المراد ويدومون على الإيمان بعد إحداثه لا كقوم موسى صلى الله عليه وسلم فلذا عطفه بالفاء التفسيرية أو المعقبة للدوام على أصل الإيمان فلا يرد عليه أنّ حقه أن يعطف بالواو كما قيل، وأما تقديم بآياتنا فهو يفيد اختصاص إيمانهم بجميع الآيات لأنّ بعض أمّة موسى ع! لم يؤمنوا ببعضها. قوله: (مبتدأ خبره يأمرهم الخ (في إعراب الذين وجوه الجرّ على أنه بدل من الذين يتقون أو نعت له، والنصب على القطع والرفع على أنه خبر مبتدأ مقدر أو على أنه مبتدأ خبره جملة يأمرهم كما قاله المصنف رحمه الله تبعا لأبي البقاء، أو أولئك هم المفلحون، وفيه بعد وأورد على الأوّل أنه من تتمة وصف الرسولءلمجي! أو معمول للوجدان فكيف يكون خبراً، وليس بشيء لأنه ليس من تتمة إذا جعل خبرا ومعناه ظاهر، نعم هو خلاف المتبادر من النظم وإذا كان بدل بعض فالذين يتقون عام، وفيه ضمير مقدر أي منهم وإذا جعل بدل كل جعل الذين يتقون هؤلاء المعهودين، وقوله: (والمراد) بيان لمحصل المعنى على الوجهين ويصح أن يكون
تفسيرا للذين يتقون الأوّل ومنهم إشارة إلى التقدير، وللذين يتقون على الثاني، ويأمرهم إن لم يكن خبراً فهو حال أو مستأنف، وفيه وجوه أخر.
قوله:) وإنما سماه رسولاً بالإضافة إلى الله الخ (في الكشاف هنا تفسير الرسول بالذي يوحى إليه كتاب، والنبيّ بالذي له معجزة فقال النحرير: هو إشارة إلى الفرق بين النبيئ والرسول بأن الرسول من يكون له كتاب خاص، والنبيّ أعم وان كان مفهوم الرسالة أيضا أعم كالمرسل، وفاقا بدليل إن إسماعيل ولوطا والياس ويونس عليهم الصلاة والسلام من المرسلين وليس لهم كتاب خاص، ويعني أنّ الفرق المذكور مع تغاير المفهومين على كل حال من عرف الشرع والاستعمال وأما الوضع والحقيقة اللغوية فهما عامان، وقد ورد في القرآن بالاستعمالين، فلا تعارض بينهما، ولا يرد أنّ ذكر النبيّ العام بعد الخاص لا يفيد والمعروف في مثله
العكس، واندفع ما في الكشف من أن ما ذكره الكشاف غير سديد لأن أكثر الرسل لم يكونوا أصحاب كتاب مستقل كيف، وقد نص تعالى على أنّ إسماعيل ولوطا والياس ويونس من المرسلين ولا كتاب لهم وكم وكم، والتحقيق أن النبيّ هو الذي ينبىء عن ذاته وصفاته، وما لا تستقل العقول بروايته ابتداء بلا واسطة بشر، والرسول هو المأمور مع ذلك باصلاج النبوّة فالنبوّة نظر فيها إلى الأنباء عن الله تعالى، والرسالة إلى المبعوث إليهم عكس ما ذكره المصنف رحمه الله والثاني، دهان كان أخص وجود إلا أنهما مفهومان مفترقان، ولهذا لم يكن رسولاً نبيا مثل إنسان حيوان اهـ، والمصنف رحمه الله فرق بينهما بفرق آخر، وهو أن الرسول من أرسله الله لتبليغ أحكامه والنبيّ من أنبأ الخلق عن الله فالأوّل يعتبر فيه الإضافة إلى الله، ولذا قدم عليه لتقدّم إرسال الله له على تبليغه وشرفه، والثاني يعتبر فيه الإضافة إلى الخلق فلذا أخر والنبيّ فعيل بمعنى اسم الفاعل، ويشهد له أن الجاري في الاستعمال نبينا ورسول الله العكس قليل، ولذا قيل إن المصنف أشار إلى أنهما هنا على معناهما اللغوي لإجرائهما على ذات واحدة كما إنهما كذلك في قوله:{وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} [سورة مريم، الآية: 54] ولذا قال ثمة أرسله إلى الخلق فأنبأهم فلم يفرق بينهما، ولما تعددت الذوات وقوبل بينهما في قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [سورة الحج، الآية: 52] في الحج احتاج إلى الفزق المشهور فقال الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها، والنبيّ يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق فلا يرد عليه النقض بإسماعيل صلى الله عليه وسلم ونحوه لحمله على معناه اللغوي وبهذا اندفع كل ما أوردوه هنا. قوله:) الذي لا يكتب ولا يقرأ الخ) كونه-لمجيه لا يكتب ولا يقرأ أمر مقرّر مشهور، وهل صدر عنه ذلك في كتابة صلح الحديبية كما هو ظاهر الحديث المشهور أو أنه لم يكتب وإنما أسند إليه مجازاً، وقيل إنه صدر منه ذلك على سبيل المعجزة وتفصيله في فتح الباري، وهو نسبة إلى أفة العرب لأن الغالب عليهم كأن ذلك، كما في الحديث: إ إنا أمّة أئية لا نكتب ولا نحسب ") 1 (، وأما نسبته إلى أتم القرى فلأنّ أهلها كانوا كذلك أو إلى اً ته كاً نه على الحالة التي ولدته أقه عليها، وقيل إنه منسوب إلى الأئم بفتح الهمزة بمعنى القصد لأنه المقصود وضم الهمزة من تغيير النسب، ويؤيده قراءة يعقوب الأمي بفتح الهمزة وإن احتملت أن تكون من تغيير النسب أيضأ، وقوله وصفه به الخ يعني أن هذه الصفة فيها مدح وعلؤ كعب لأنها معجزة كما في البردة كفاك بالعلم في الأقيّ معجزة كما أنّ صفة التكبر دته مادحة وفي غيره ذاتة.
قوله: (ويحل لهم الطيبات الخ) في تفسير الطيبات والخبائث قولان، أحدهما أنها الأشياء التي يستطيبها ويستخبثها الطبع فتكون الآية دالة على أنّ الأصل في كل ما تستطيبه النفس، ويستلذه الطبع الحل وفي كل ما يستخبثه الطبع الحرمة إلا لدليل منفصل، والثاني ما طاب في حكم الشرع وما خبث فيه، قيل ولا شك أنّ معناه حينئذ ما حكم الشرع بحله أو حكم بحرمته، وحينئذ يرجع الكلام إلى أنه يحل ما يحكم بحله ويحرّم ما يحكم بحرمته ولا فائدة فيه وردّوه بأنه يفيد فائدة وأيّ فائدة لأنّ معناه أنّ الحل والحرمة يحكم الشرع لا بالعقل والرأي كتحريم بني إسرائيل للشحوم كما يشير إليه قوله مما حرّم عليهم كالشحوم، قيل إنه قيده لاقتضاء التحليل سبق التحريم، ولذا لم يفسره بما طاب في الشريعة كما في الكشاف، وجوّز كون الخبائث
ما يستخبث طبعاً أو ما خبث فيها، وجعل مثل الدم والربا مما حرّم لأنّ الأصل في الأشياء الحل ولا يرد عليه أحل الله البيع وحرّم الربا لأنه ردّ لقولهم:{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [سورة البقرة، الآية: 275] أو لأن المراد ابقاه على حله لمقابلته بتحريم الربا وبه اندفع ما مرّ من أنه لا فائدة فيه، وقوله:(كالدم الخ) إشارة إلى القولين في الخبيث كما مرّ وفي قوله: {فَسَأَكْتُبُهَا} [سورة الأعراف، الآية: 156] تخلص حسن جداً كما في المثل السائر فانظره. قوله: (ويخفف عنهم ما كلفوا به الخ) يعني أن الوضع والإصر والأغلال كل منها استعارة لما ذكر، ويصح جعل بعضها استعارة والآخر ترشيح، والمجموع استعارة تمثيلية ولم يبين لكل مثالاً على حدة لأنه يصلح لكل منها، والأصر الحمل والثقل وقرىء بالفتح على المصدر وبالضم على الجمعية وهو ظاهر، وقرض! موضمع النجاسة قيل إنه من الثوب والبدن، وقد أورد عليه أنه ينافي ما ذكره في قوله:{وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} من تفسيره بالعفو عن القصاص على طريقة الندب، وجمع بأنه كان مأموراً به في الألواح أولاً، ثم تعين عليهم القصاص تشديداً عليهم جزاء لما صدر عنهم والحراك بحاء مكسورة وراء مهملة الحركة. قوله:(وعظموه بالتقوية) هذا حقيقة معناه لغة قال الراغب: في مفرداته التعزير النصرة مع التعظيم والتعزير الذي هو دون الحد يرجع إليه لأنه تأديب والتأديب نصرة لأن أخلاق السوء عدو، ولذا قال: في الحديث " انصر أخاك ظالماً أو مظلوما ققيل كيف أنصره ظالماً فقال ثكفه عن الظلم)) 1 (ومن غفل عنه قال: وجه لتقييد التعظيم بالتقوية لأنّ كلاً منهما معنى مستقل له مع أنه يتكرّر مع قوله
نصروه وهو غفلة عن قول المصنف رحمه الله ونصروه لي أي قصدوا بنصره وجه الله واعلاء كلمته. قوله: (أي مع نبوّته يعني القرآن (أي المراد بالنور القرآن لأن حقيقة النور ومحصل معناه ما كان ظاهراً بنفسه مظهرا لغيره، وهو كذلك لظهوره في نفسه بإعجازه واظهاره لغيره من الأحكام واثبات النبوّة فهو استعارة فإن فهمت فهو نور على نور وقدر نبوته لأنه لم ينزل معه، وإنما أنزل مع جبريل عليه الصلاة والسلام فأشار إلى تقرير مضاف إذا تعلق بأنزل لأنّ استنباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعاً به، فإن تعلق باتبعوا فالمعنى اتبعوا القرآن مع إتباع النبي ىكييه فيكون أمراً بالعمل بالكتاب والسنة، أو هو حال أي اتبعوا القرآن مصاحبين له في إتباعه؟ وقيل مع بمعنى على وهو بعيد وجوز أن يكون حالاً مقدرة من نائب لاعل أنزل. قوله: (ومضمون الآية جواب دعاء موسى صلى الله عليه وسلم يعني من قوله قال عذابي إلى هنا وفيه طيّ لما في الكشاف من السؤال والجواب عن تطابقهما، ودعاؤه قوله فاغفر الخ. قوله: (الخطاب عامّ الخ) إشارة إلى أنّ التعريف للاستغراق بدليل قوله جميعا، وهو ردّ على اليهود ومن قال إنه مبعوث للعرب ولذا أدرج فيه الجن لأنّ المعنى للناس جميعا لا للعرب فلا ينافيه دخولهم وان قلنا بالمفهوم فتأفل، وقوله حال من إليكم أي من الضمير المجرور قيل: ولا حاجة إلى ذكره، ورذ بأنه دفع لتوهم أنه حال من الناس وقوله:(إلى كافة الثقلين (لا يرد عليه أن كافة يلزم نصبه على الحالية، وغيره لحن لأنه غير مسلم كما فصلناه في شرح درة الغواص. قوله: (صفة لله تعالى وإن حيل بينهما الخ) ردّ على أبي البقاء رحمه الله إذ استضعف النعت، والبدل بالفصل لأنه ليس بأجنبيّ، ولأنه لكونه معمول المضاف إليه أي إلى الله وهو رسول المضاف في نية التقديم فكأنه لا فصل فيه، وقيل: فيه إشارة إلى ترجيحه وان رجح الزمخشريّ خلافه لأنه أقحم معنى وأسهل لفظاً، وجعله مبتدأ قيل هو مع ظهوره في المقام نبوة عنه. قوله:(وهو على الوجوه الآول) هي ما عدا كونه مبتدأ وكذا في الكشاف جعله بيانا للجملة قبله مع قوله إنه بدل من الصلة، وفي الكشف فيه دلالة بينة على أنّ البدل يكون بياناً كما نص عليه سيبويه، ووجه البيان أنّ من ملك العالم هو الإله فبينهما تلازم يصحح جعل الثانية مبينة للأولى والبيان ليس المراد به الإثبات بالدليل حتى يقال الظاهر العكس لأنّ الدليل على تفرده بالألوهية ملكه للسموات والأرض مع
أنه يصح أن يجعل دليلاً عليه أيضاً، لأن الدليل على أنه المالك المتصرف فيهما وما فيهما انحصار الألوهية فيه إذ لو كان إله غيره لكان له ذلك وهو ظاهر، وأما اعتراض أبي حبان
رحمه الله بأنّ الجمل التي لا محل لها من الإعراب لا يجري فيها تبعية الإبدال فليس بشيء لأنّ أهل المعاني ذكروه، وأما تعريف التابع بكل ثان أعرب لإعراب سابقه فليس بلكيّ كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. قوله:(مزيد تقرير لاختصاصه بالآلوهية) قيل عليه منع، وهو أنه إنما يدلّ على ثبوتها له تعالى لا على اختصاصها إلا أن يقال بناء على تقدير مبتدأ وافادته الحصر، وليس بشيء لأنه لم يقل لا يحمص ويميت غيره. قوله:(ما انزل عليه الخ) وكأنه عبر عنها بالكلمات لأنها بالنسبة إلى ما لو كان البحر مدادا له لم تنفذ كلماته وقوله: أو عيسى صلى الله عليه وسلم هو على قراءة الوحدة وتسميته كلمة لأنه خلق بقوله: كن من غير نطفة، والعدول عن التكلم حيث لم يقل فآمنوا بي لأنه قصد توصيفه بما ذكر والضمير لا يوصف وأجريت عليه الأوصاف التي تقتضي اتجاعه، وفي الكشاف ولما في طريقة الالتفات من مزية البلاغة، وليعلم أنّ الذي وجب الإيمان به واتباعه هو هذا المتصف بما ذكر كائنا من كان إظهارا للنصفة وتمادياً من العصبية لنفسه، وقد أومأ إلى ذلك المصنف رحمه الله بقوله الداعية الخ فرآه مندرجا فيما ذكره، ولو صرّج به لكان أولى. قوله:(رجاء الاهتداء أثر الأمرين) أي الإيمان بما ذكر واتباعه، وخطط بالكسر جمع خطة بكسرها أيضا وهي المنزل والدار من قولهم اختلط الدار إذا ضرب حدودها وهذه خطة بني فلان وخططهم، فقوله: في خطط الضلالة أي نازل ومتمكن فيها كما يقال هو في ضلال وفي هدى. توله: (يهدون الناس محقين الخ) يعني الجار والمجرور في محل نصب على الحالية والباء للملابسة، أو لغو والباء للآلة، وقوله:(من أهل زمانه) أي زمان موسى صلى الله عليه وسلم، وتعارض! الخير والشر أي وقوع كل منهما مقابلا للأخر، وقوله: وقيل قوم وراء الصين الخ أي من بني إسرائيل، وفي الكشاف إن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام وكفروا وكانوا اثني عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم
وبين إخوانهم، ففتح الله لهم نفقاً في الأرض، فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين، وهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا، وذكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام ذهب به ليلة الإسراء نحوهم فكلمهم فقال لهم جبريل عليه الصلاة والسلام: هل تعرفون من تكلمون قالوا لا قال هذا محمد النبي الأميّ فآمنوا به، وقالوا: يا رسول الله إن موسى فئ أوصانا من أدرك منكم أحمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ عليه مني السلام فردّ محمد على موسى عليهما السلام السلام، ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة، ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فأمرهم! ي! هـ أن يجمعوا ويتركوا السبت) 1 (. قوله:(وصيرناهم قطعاً متميزا بعضهم الخ) جوّزوا في قطع أن يتعذى لواحد وأن يضمن معنى صير فيتعدى لإثنين فاثنتي عشرة حال أو مفعول ثان كما ذكره المصنف رحمه الله لكن تفسيره بهذا ظاهره أنه جار على الوجهين فقطعا حال أو مفعول ثان أيضا وتصريحه بالتصيير يابى الوجه الأوّل إلا أن يقال إنه إذا تعدى لواحد فيه معنى الصيرورة أيضا لأنه من لوازم التعدي، أو اقتصر على أحد الوجهين في صدر الكلام لرجحانه عنده. قوله:(وثأنيثه للحمل على الأمّة أو القطعة (أي تأنيث اثنتي ومعدود مذكر وهو انسبط، وما قبل الثلاثة يجري على أصل التأنيث والتذكير إما لأنّ بعده أمما فراعى تأنيثه أو لأنّ كل سبط قطعة منهم فأنث لتأنيث السبط به أو لتأويله بفرقة. قوله: (بدل منه ولذلك جمع الخ) قال ابن الحاجب: في شرح المفصل أسباطا منصوب على البدلية من اثنتي عشرة ولو كان تمييزاً لكانوا ستة وثلاثين على هذا النحو لأن مميز اثنتي عشرة واحد من اثنتي عشرة فإذا كان ثلاثة كانت الثلاثة واحداً من اثنتي عشرة فيكونون ستة وثلاثين قطعاً، اهـ فهذا هو الذي جنح إليه المصنف وهو جار على الوجهين في قطعناهم والتمييز على هذا محذوف أي فرقة، أو التقدير قرقا اثنتي عشرة فلا تمييز له، والداعي لهذا أنّ
تمييز العدد المركب من أحد عشر إلى تسعة عشر مفرد منصوب وهذا جمع، وقال: الحوفيّ إنّ صفة التمييز أقيمت مقامه وأصله فرقة أسباطا فليس جمعاً في الحقيقة. قوله: (أو تمييز له على أن كل واحدة الخ (يعني أنّ السبط مفرد بمعنى ولد كالحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استعمل في كل جماعة من بني إسرائيل بمعنى القبيلة في العرب تسمية لهم باسم أصلهم كتميم، وقد يطلق على كل قبيلة منهم أسباط أيضاً كما غلب الأنصار على جمع مخصوص فيكون مفرداً تأويلا لأنه بمعنى الحيّ والقبيلة فلذا وقع موقع المفرد في التمييز كما يثني الجمع في نحو قوله:
بين رماحي مالك ونهشل
إذ عد كل طائف ونوع منها واحداً، ثم ثناه كما يثنى المفرد وهذا بخلاف ثلثمائة سنين بالإضافة فإنه يتمّ المراد فيه بثلثمائة سنة، وقرأ الأعمش وغيره عشرة بكسر الشين وروي عنه فتحها أيضا والكسر لغة تميم والسكون لغة الحجاز وقد تقدم. قوله:(على الآوّل بدل بعد بدل الخ) المراد بالأوّل كون أسباطا بدلاً فيكون بدلاً من اثنتي عشرة لأنه لا يبدل من البدل كما سيأتي، أو نعته وعلى كونه تمييزاً يكون بدلاً منه ولا مانع من كونه نعتا أيضاً فانظر لم تركه المصنف. قوله:(وحذفه للإيماء على أنّ موسى صلى الله عليه وسلم الخ (ضمن الإيماء معنى الدلالة فعد 51 بعلى وهو كثيرا ما يتسامح في الصلات يعني أنّ هذه الفاء فصيحة وحذف المعطوف عليه لعدم الإلباس وللإشارة إلى سرعة الامتثال حتى كأن الإيحاء وضربه أمر واحد وانّ الإنجباس وهو انفجار الماء بأمر الله حتى كأن فعل موسى صلى الله عليه وسلم لا دخل له فيه، وقد مرّ تحقيق الفاء الفصيحة في سورة البقرة، وما ذكر من الإيماء قيل عليه إنّ الفاء التعقيبية تدل عليه، وأجيب بأنّ الحذف أدلّ منها، ووجهه أنه توهم أنّ الإنجباس اتصل بالأمر من غير فصل فتأمل. قوله. (كل سبط) أي قبيل كما مرّ واقتصر عليه لأنه الأشهر والأرجح عنده لشهرته، وقد تقدم الكلام على أناس وأنّ فعالاً هل هو جمع أو اسم جمع، وا! أهل اللغة يسمون اسم الجمع جمعا كما ذكره النحرير هنا وقدروا القول قبل كلوا للرّبط أي قلنا أو قائلين. قوله:(سبق تفسيره الخ) مرّ أن أصله فظلموا بأن كفروا بهذه النعم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالكفر إذ لا يتخطاهم، ومرّ الكلام عليه وفسر القرية ببيت المقدس وهو الراجح وقيل أريحاء وقيل قرية أخرى. قوله:(غير أنّ قوله فكلوا الخ) يعني أنّ القصة واحدة والتعبير فيها مختلف وله تفصيل في الكشاف، يعني إذا تفرّع المسبب على السبب اجتمعا في الوجود فيصح الإتيان بالفاء والواو إلا أنه قيل الواو أدل على جودة ذهن السامع وأنه مستغن عن التصريح بالترتيب، وفي اللباب
أتى بالفاء في البقرة لأنه قال: ادخلوا فحسن ذكر التعقيب معه، وهنا قال: اسكنوا والسكنى أمر ممتد واكل معه لا بعده وذكر رغداً هناك لأنه في أوّل الدخول يكون ألذ وبعد السكنى واعتياده لا يكون كذلك وهو حسن جدا. قوله: (وعد بالغفران أو الزيادة عليه بالإثابة (إشارة إلى أن مفعول سنزيد محذوف تقديره ثوابا، وقوله وإنما أخرج الثاني أي قوله سنزيد المحسنين وليس هذا غفولاً عن الواو والجامعة بينهما في البقرة الدالة على التشريك في المقابلة، كما قيل، لأن المراد أنّ امتثالهم جازاه الله بالغفران وزاد عليه، وتلك الزيادة محض فضل منه فقد يدخل في الجزاء صورة لترتبه على فعلهم وقد يخرج عنه لأنه زيدة على ما استحقوه كما أنه إذا أقرض أحد عشرة فقضاه خمسة عشر فإنه يقال إنّ الخمسة عشر قضاء أو العشر قضاء والخمسة فضل واحسان ولذا قرئه بالسين الدالة على أنه وعد وتفضل، وقد أشار إليه المصنف رحمه الله هناك أيضا فتدبر، ثم إنه إن كان المراد بالاستئناف ترك مالعاطف فوجهه ما ذكر وان كان المراد رفعه، وترك جزمه وتجريده من السين فلا يرد ما ذكر رأساً. قوله: (مضى تفسيره فيها (أي في البقرة وهو بدلوا بما أمروا به من التوبة والاستغفار طلب ما يشتهون من أغراض الدنيا، والرجز العذاب أو الطاعون وقد مرّ تحقيقه. قوله:) واسألهم للتقرير والتقريع) الضمير لمن بحضرة الرسول ع! ي! من نسلهم وهذا الفعل معطوف على اذكر المقدر عند قوله واذ قيل كما قاله الطيبي رحمه الله: والتقرير بمعنى الحمل على الإقرار سواء
كان بالاستفهام أو بنحو أسألكم عن كذا والمراد إعلامهم بذلك لأنهم كانوا يخفونه، وقوله بتعليم أي ممن أسلم منهم، أو وحي إن كان قبل إسلامهم أو المراد أنه لا يعلم إلا بتعليم أو بوحي ولا تعليم فتعين الوحي، وقوله لتكون متعلق بالوحي وقوله معجزة عليهم أي شاهدة عليهم. قوله:(عن خبرها وما وقع أهلها (يعني السؤال عن حال القرية المراد بهما يعمّ السؤال عنها نفسها وعن الأهل أو هو إشارة إلى تقدير مضاف ويجوز فيه التحوّز وضمير يعدون للأهل المقدّر أو المعلوم من الكلام، وقيل إنه استخدام. قوله: (قريبة منه الخ) فالمراد بالحضور القرب، وقيل إنه من الحضارة أي أنها حضر معمور من بين قرىء ذلك البحر، وقوله قرية بين مدين والطور تقدم تفسير مدين وطبرية
بالشأم، وقوله بالصيد يوم السبت ظاهره إنّ السبت هنا اليوم لا المصدر كما في الكشاف. قوله:(وإذ ظرف لكانت الخ (المراد بالمضاف المقدر أهل وعلى البدلية فإن قيل إذ من الظروف المتصرفة فلا كلام فيه وإلا أشكل عليه أن البدل على نية تكرار العامل، وهو لا يجرّ بعن فلا بد أن يكون هذا على القول الآخر وان لم يكن مرضيه سرد للأقوال والاحتمالات. قوله: (ظرف ليعدون الخ (جعله بدلاً بعد بدل لأنّ الإبدال من البدل فيه كلام سيأتي والإعداد إحضار العذة وتهيئتها، وسبتت اليهود عظمت يوم السبت بترك العمل فيه ونحوه، وقوله والإضافة أي إضافة سبت لضميرهم وشرّعا جمع شارع. قوله: (ويؤيد الأوّل) أي المصدرية أنه قرىء به من المزيد ولفظ قوله مرفوع أي يؤيده قوله لا يسبتون لأنّ النفي يقابل الإثبات، وهو يوم السبت وأسبت بمعنى دخل في السبت كأصبح وقوله:(لا يدخلون في السبت (بالبناء للمجهول إشارة إلى أنّ الهمزة للتعدية فيه، وما قيل إنه لم يثبت أسبته بمعنى أدخله في السبت لا وجه له مع القراءة به. قوله:) مثل ذلك البلاء الخ) يحتمل أنّ الإشارة إلى الامتلاء السابق أو المذكور بعده كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 143] كما مرّ وإذا كان متصلا بما قبله فالمعنى لا تأتيهم كذلك الإتيان في يوم السبت ووقع في نسخة بعده والباء متعلقة بيعدون وسقط من بعضها، وكأنه جعل إذ يعدون متعلقا بنبلوهم وبما كانوا متعلقاً به والمعنى نبلوهم وقت التعدي بالفسق وليس هذا بمتعين ولذا اعترض عليه بأنه ما المانع من تعلقه بنبلوهم مع قربه والعدول عنه لا وجه له فتأمّل. قوله:(عطف على إذ يعدون) لا على إذ تأتيهم وان كان أقرب لفظا لأنه إتا ظرف أو بدل فيلزم أن يدخل هؤلاء في حكم أهل العدوان وليسوا كذلك، قيل: أمّا على تقدير انتصابه فظاهر وأفا على تقدير ابداله فلأنّ البدل أقرب إلى الاستقلال وأيضا عطفه عليه يشعر أو يوهم أنّ القائلين من العادين في السبت لا من مطلق أهل القرية، والظاهر أن وجهه أنّ زمان القول بعد زمان العدوان ومغاير له وأفا
كونه زماناً ممتداً كسنة يقع فيه ذلك كله فتكلف من غير مقتض والإيهام المذكور لا وجه له ولا يخص العطف مع أنه قول للمفسرين في الطائفة القائلة كما ستراه فتأمّل. قوله: (مخترمهم) أي مهلكهم ومستأصلهم من قولهم اخترمته المنية إذا قطعت حيانه وتقدير في الآخرة، قالوا: إنه تخصيص من غير مخصص، وبقية الآية تدل على خلافه وسننبهك عليه قريبا وعطف بعض أرباب الحواشي عليه قوله، ومستأصلهم تفسيراً له لدفع توهم الإعتزال الذي قصده الزمخشريّ، وقوله تقاول بينهم بالإضافة والتنوين أي الصلحاء الواعظين قالوه بعضهم لبعض أي لم تشتغلون بما لا يفيد أو قاله من انتهى عن الموعظة ليأسه لمن لم ينته منهم، أو قاله المعتدون تهكما بالناصحين هم المخوّفين لهم بالنكال في الدنيا والعذاب في الآخرة، وحينئذ يكون قولهم ولعلهم يتقون التفاتا أو مشاكلة لتعبيرهم عن أنفسهم بقوم، وأمّا لجعله باعتبار غير الطائفة القائلين وارعوى بمعنى انتهى، وانكف ووجهه المبالغة أنه إذا لم يؤالاً عن السبب كان الظاهر لا تعظوا أو اتعظون فعدل عنه إلى السؤال عن سببه لاستغرابه لأنّ الأمر العجيب لا يدري سببه، وان كان سؤالاً عن العلة فهو ظاهر. قوله:(جواب للسؤال أي موعظتنا الخ) إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر على قراءة الرفع وقراءة النصب إما على أنه مفعول لأجله أي وعظناهم لأجل المعذرة، وعدّاه بإلى لتضمينه معنى الإنهاء والإبلاع أو مفعول مطلق لفعل مقدر أو مفعول به
للقول وهو وإن كان مفردا في معنى الجملة لأنه الكلام الذي يعتذر به، والمعذرة في الأصل بمعنى العذر وهو التنصل من الذنب، وقال الأزهري إنه بمعنى الاعتذار، وهو على القولين الأوّلين ظاهر، وعلى الأخير قيل إنه من تلقى السائل بغير ما يترقب فهو من الأسلوب الحكيم، وقوله: إذ اليأس لا يحصل إلا بالهلاك أي اليأس المحقق فلا ينافي قوله: حتى أيسوا من اتعاظهم أو المراد حتى قاربوا اليأس كما يقال قد قامت الصلاة.
قوله: (تركوا ترك الناسي) يعني أنه مجاز عن الترك والظاهر منه أنه استعارة شبه الترك بالنسيان والجامع بينهما عدم المبالاة به أو هو مجاز مرسل لعلاقة السببية، ولم يحمل على ظاهره لأنه غير واقع ولأنه لا يؤاخذ بالنسيان ولأن الترك عن عمد هو الذي يترتب عليه إنجاء الناهين إذ لم يمتثلوا أمرهم بخلاف ما لو نسوه فإنه كان يلزم تذكيرهم، وما موصولة وجوّز فيها
المصدرية وهو خلاف الظاهر. قوله: (فعيل من بؤس الخ) البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أنّ البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأس والبأساء في النكاية قاله الراغب: وفيه قراآت بلغت ستاً وعشرين فمنها بئيس بالهمز على وزن فعيل ومعناه شديد فهو وصف أو مصدر كالنكير وصف به، ومنها بيئس بفتح الباء وسكون الياء التحتية المثناة والهمزة المفتوحة كضيغم وصيقل وهو من الأوزان التي تكون في الصفات والأسماء والياء إذا زيدت في المصدر هكذا تصيره اسما أو صفة كصقل وصيقل كما قاله المرزوقي: وعينه مفتوحة في الصحيح مكسورة في المعتل كسيد، ولذا قالوا في قراءة عاصم، وفي رواية عنه بكسر الهمزة إنها ضعيفة رواية ودراية ويحققها أن المهموز أخو المعتل. قوله:(وابن عامر بئس الخ) فأصله بئس بباء مفتوحة وهمزة مكسورة كحذر فسكن للتخفيف كما قالوا في كبد كبد وفي كلمة كلمة وقراءة نافع رحمه الله مخرجة على ذلك إلا أنه قلب الهمزة ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها أو هذان القراءتان مخرجتان على أن أصلها بئس التي هي فعل ذم جعلت اسماً كما في قيل وقال: والمعنى عذاب مذموم مكروه، وقوله: كما قرىء الخ أي قرىء به بالكسر على الأصل وقوله أو على إنه راجع للقراءتين لا للثانية فقط وكان الظاهر جعله اسما فوصف به كما قيل وفيه نظر. قوله: (وقرىء بيس كريس) هذه قراءة نصر بن عاصم ولهما تخريجان أحدهما أنها من البوس بالواو وأصلها بيوس كميوت فاعل أعلاله، والثاني ما ذكره المصنف رحمه الله ورش! ككيس سيد القوم ولذا يطلقه الناس على صاحب السفينة وأصله على ما قاله رشس لا رئيس كما يتبادر إلى الذهن لأنّ إعلاله أقيس وباض بزنة اسم الفاعل أي ذو بأس وشدة وقوله بسبب فسقهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية فالفسق كما أنه سبب للابتلاء سبب للهلاك إذا أصر عليه، أو المراد به إصرارهم على فسقهم أو مخالفتهم الأمر وعدم امتثال النصح. قوله:(تكبروا عن ترك ما نهوا عنه الخ) قدر المضاف أعني ترك إذا التكبر والإباء عن نفس المنهى عته لا يذم كما في قوله: {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أي عن امتثاله وهو مثال لتقدير المضاف مطلقا لاقتضاء المعنى له مع المناسبة بين الأمر والنهي وان لم تكن مقصودة بالذات. قوله: (كقوله إنما قولنا لشيء الخ) تقدم تفسيرها في البقرة، وخسأ الكلب كمنع طرده والكلب بعد، وقوله إنما قولنا الخ سيأتي في تفسير سورة
النحل يعني أنّ الأمر تكويني لا تكليفي لأنه ليس في وسعهم حتى يؤمروا به وفي الكلام استعارة تخييلية شبه تأثير قدرته تعالى في المراد من غير توقف، ومن غير مزاولة عمل واستعمال آلة بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور به من غير توقف وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله وسيأتي تحقيقه إن شاء الله. توله:(والظاهر يقتضي أنّ الله تعالى الخ) أي أوقع لهم نكالاً في الدنيا غير المسخ لكنه لم يبين وهذا يناسب أن لا يقيد العذاب الشديد بقوله في الآخرة كما نبهناك عليه، وقوله:(ويجورّ الخ) فيكون العذاب البئيس هو المسخ، وهذه الآية تفصيل لما قبلها، وقوله مطروق أي جعل طريقاً يدخل منه وأنسباء كاصدقاء جمع نسيب وهو القريب ومسخ القلوب أن لا يوفقوا الفهم الحق. قوله:(أي اعلم الخ) معنى تأذن تفعل من الإذن وهو بمعنى آذن أي أعلم والتفعل يجيء بمعنى الأفعال كالتوعد والإبعاد. قوله: (أو عزم لأنّ العازم الخ) يعني أنه عبر به عن العزم لأنّ العازم على الأمر يشاور نفسه في الفعل
والترك ثم بجزم فهو يطلب من النفس الإذن فيه فجعل كناية عن العزم أو مجازاً عته ولما كان العازم جازما كان معنى عزم جزم، وقضى فأفادا التأكيد فلذا أجرى مجرى القسم، وأجيب بما يجاب به وهو قوله ليبعثن هنا، وفي كلام عمر رضي الله عنه عزمت عليك لتفعلن كذا، وقد صرّح به أهل اللغة والنحو فإن قلت مقتضى هذا أنه يصح أن يقالط عزم الله على كذا والظاهر خلافه، وقد صرّح النحرير بمنعه في غير هذا المحل من شرح الكشاف، قلت ليس الأمر كما ذكر فإنه ورد في حديث في صحيح مسلم رحمه الله وفي تهذيب الأزهري عن ابن شميل أنه ورد " عزمة من عزمات الله ") 1 (أي حق من حقوق الله وواجب مما أوجب الله. قوله: (إلى آخر
الدهر) هذا لا ينافيه نزول عيسى عليه الصلاة والسلام ورفع الجزية لأنه من أشراط الساعة الملحقة بأمور الآخرة وفسر العقاب بعقاب الدنيا لقوله سريع، فإنّ ظاهره أنه عقاب عاجل لا آجل، وقوله:{لِّمَن تَابَ وَآمَنَ} [سورة طه، الآية: 82] قيده به لاقتضاء المقام وليس على مذهب المعتزلة لأنه لم ينف العفو عمن لم يتب، وقوله وقطعناهم الخ من مغيبات القرآن لأنهم كذلك لا ديار لهم ولا سلطان يخصهم، والشوكة القوّة والقهر وقوله مفعول ثان أو حال إشارة إلى. القولين السابقين في كون قطع مضمنا معنى صبرا ولا لكن تفسيره بفرقناهم يناسب الحالية وقد مرّ مثله، وقوله:(بحيث لا يكاد الخ) أخدّه من الأرض والتقطيع. قوله: (صفة أو بدل منه الخ) أي من أمما على الوجهين أما الوصفية فظاهرة، وأما البدلية فقد خصها المعرب بالحالية وتكون هذه الجملة حالاً مبدلة من الحال أي حال كونهم منهم الصالحون، وجوّزه غيره على المفعولية بجعل الجملة صفة موصوف مقدر هو البدل في الحقيقة أي قوما منهم الصالحون الخ والصالحون مبتدأ أو فاعل للظرف، وقوله:) وهم الذين آمنوا بالمدينة) قيل إنه خلاف الظاهر لتفريع قوله فخلف من بعدهم خلف عليهم وضم المصنف رحمه الله إليه نظراءهم ليخف الإشكال، وقيل هم الذين وراء الصين. قوله:(تقديره ومنهم ناس دون ذلك الخ) إشارة إلى القاعدة المشهورة بين النحاة وهو أنّ الموصوف بظرف أو جملة إنما يطرد حذفه إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو في مقدم عليه كما في منا ظعن ومنا أقام، وغيره ممنوع عندهم على المشهور، فما قيل إنه شاع في الاستعمال وقوع المبتدأ والخبر ظرفين واستمرّ النحاة على جعل الأوّل خبرا والثاني مبتدأ بتقدير موصوف دون العكس، وان كان أبعد من جهة المعنى والتأخير بالخبر أحرى وكأنهم يرون المصير إلى الحذف في أوانه أولى مخالف لما قرّروه لكن الذي جنح إليه أنّ مغزي المعنى يقتضي أنّ المتأخر خبر وهو الأصل إذ معنى منا ظعن بعضنا ظاعن وبعضنا مقيم ومحط النظر، والمقصود بالإفادة الظعن والإقامة وليس القصد إلى أنّ الظاعن والمقيم محقق ولكن لم يعلم أنه منهم، وقس عليه ما في النظم وهو كما قال لكن نور القوم أدق لأنّ محل الفائدة كونهم منقسمين إلى قسمين، ويعينه مقابلته بقوله منهم الصالحون فإنه لا يصح فيه إن يكون الظرف صفة للمبتدأ لما فيه من الإخبار عن النكرة بالمعرفة أو تقدير المتعلق معرفة وكلاهما خلاف الظاهر فالمعنى أنّ هؤلاء منقسمون إلى قسمين ولا حاجة إلى ما اعتذر به فتدبره. قوله:(منحطون عن الصلاح وهم كفرتهم وفسقتهم) يعني أنّ المراد بدون من انحط
عنهم ولم يبلغ منزلتهم في الصلاح كما في قوله: {لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} [سورة آل عمران، الآية: 18 ا] كما قاله الراغب ومن فسره بغيره فقد تسمح فإن أريد بالصلاج الإيمان فمن دونهم الكفرة وان أريد ظاهره فهم الفسقة وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه أراد ما يشملهما وجعل ذلك إشارة إلى الصلاح لإفراده قيل ولا بد فيه من تقدير مضاف، وهو أهل فإن أشير به إلى الصالحين لم يحتج إلى تقدير وقد ذكر النحويون أنّ اسم الإشارة المفرد قد يستعمل للمثنى والمجموع، وقوله بالنعم والنقم لأنهما مما يختبر بهما، وقوله ينتهون وقع في نسخة ينتبهون. قوله:(مصدر نعت به الخ) هذا هو الصحيح لأنه يوصف به المفرد وغيره ولذا رذ القول بأنه جمع، وأمّا ردّه بأنه ليس من أبنية الجمع فغيروا رد لأنّ القائل بأنه جمع أراد أنه اسم جمع لأنّ أهل اللغة يسمون اسم الجمع جمعاً كما صرّح به ابن مالك في شرح الألفية ونقله النحرير وأمّا الخلف والخلف بالفتح والسكون هل هما بمعنى واحد أو بينهما فرق فقيل هما بمعنى، وهو من يخلف
غيره صالحا كان أو طالحاً وقيل ساكن اللام يختص بالطالح ومفتوحها بالصالح، وفي المثل سكت الفا ونطق خلفا، ويؤيد الأوّل قوله:
وبقيت في خلف كجلد الاجرب
وقال بعض اللغويين: قد يجيء خلف بالسكون للصالح وخلف بالفتح لغيره، وقال البصريون: يجوز التحريك والسكون في الرديء وأما الجيد فبالتحريك فقط ووافقهم أهل اللغة إلا الفراء وأبا عبيد، واشتقاقه أما من الخلافة أو من الخلوف وهو الفساد والتغير، وقالط أبو حاتم: الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع فيه سواء والخلف بفتح اللام البدل ولداً كان أو غريباً. قوله: (والمراد به الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح تفسير الصالحين بمن آمن به كما مرّ، وقوله يقرؤونها الخ إشارة إلى أنّ الوراثة مجاز عن كونها في أيديهم واقفون عليها بعد آبائهم كما كان الإرث، وقرأ الحسن ورثوا بالضم والتشديد مبنياً لما لم يسم فاعله. قوله: (حطام هذا الشيء الأدنى الخ) الحط م بالضم المتكسر من اليبس والمراد حقارته وعرضه للزوال فإن العرض! بفتح الراء ما لا ثبات له ومنه استعار المتكلمون العرض لمقابل الجوهر، وقال أبو عبيد العرض! بالفتح جميع متاع الدنيا غير النقدين وبالسكون المال والقيم، ومنه الدنيا عرض حاضر بأكل منها البر والفاجر وقدر موصوف الأدنى الشيء توجيهاً لتذكيره مع أن المراد به الدنيا، وهو
والدنيا من الدنو لقربها بالنسبة إلى الآخرة وأما كونها من الدناءة، فخلاف الظاهر لأنه مهموز ولذا تركه الجوهريّ وأخره المصنف رحمه الله والرشا بضم الراء وكسرها جمع رشوة وكون الجملة حالية ظاهر ويكفي مقارنته لبعض زمانه الوراثة لامتداده. قوله:(وهو يحتمل العطف والحال الخ) الثاني خلاف الظاهر لاحتياجه إلى تقدير مبتدأ من غير حاجة وذكر في نائب الفاعل وجهان ظاهر إن والأوّل أولى وأظهر. قوله: (من الضمير في لنا الخ) هكذا أعربها الزمخشرقي ولم يبين أنها حال من ضمير لنا أو يقولون فقيل مراده الثاني، والقول بمعنى الاعتقاد والظن، ولذا قال يرجون المعفرة مصرين وقيل إنما تاله للغرض الذي ذكره وهو أن الغفران شرطه التوبة وهو مذهب المعتزلة وأما أهل السنة فلا يشترطونها ولا يرد عليه أنّ جملة الشرط لا تقع حالاً لأنّ ذلك جائز كما قاله السفاقسي، والظاهر أنّ هذه الجملة مستأنفة (قلت) وان كانت نزغة اعتزالية لكن الحالية أبلغ لأنّ رجاءهم المغفرة في حال يضاذها أوفق بالإنكار عليهم، واعترض! على المصنف رحمه الله بأنّ الظاهر أنه حال من فاعل يقولون كما يدل عليه سياق كلامه وسيجيء في الكشاف ما يقرب منه في قوله تعالى في التوبة {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 42] ولم يتابعه المصنف رحمه الله هناك، ورذ بأنّ تقييد القول بذلك لا يستلزم تقييد المغفرة به، والمطلوب الثاني لأنه يحتمل حينئذ أن يقولوا ذلك حال أخذهم الرشا إذا ظفروا به ويكون اعتبارهم الغفران وبتهم به بشرط الرجوع والإنابة بخلاف ما إذا كان حالأ من ضمير لنا فإنّ المعنى حينئذ يجزمون بمغفرتهم مع عدم التوبة وفي نظر فتأمل. قوله:) يرجون المغفرة (قيل ليس المراد بالرجاء ما يحتمل عدم الوقوع فإنهم يقطعون بالمغفرة لما سيصرّح به قريبا، وقوله مصرين بيان للحال والجملة الحالية من كلام الله لا من المحكيّ، حتى يؤوّل ضمير يأتهم بالغيبة كما قيل. قوله: (أي في الكتاب) هو أما بيان لحاصل المعنى، والإضافة اختصاصية على معنى اللام أو إشارة كما قاله الطيبي رحمه الله إلى أنّ الإضافة على معنى في أي الميثاق المذكور في الكتاب. قوله:(عطف بيان للميثاق الخ) وقيل إنه بدل منه وقيل إنه مفعول لأجله وأن مصدرية، وقيل مفسرة لميثاق الكتاب لأنه بمعنى القول ولا ناهية جازمة وعلى الأوّل هي نافية. قوله:) أو متعلق به) أي يقدر قبله حرف جر هو متعلق بالميثاق لأنه عهد به لهم، وقوله والمراد توبيخهم على البت بالمغفرة أي القطع بها هذا رذ على الزمخشري في جعله معتقد اليهود مذهب أهل السنة فإنهم لا يجزمون بالمغفرة للمطيع فضلأ عن العاصي، بل يجوّزون تعذيب المطيع كمغفرة العاصي المصر ولو أنصف لكان مدّهبه في البت بمغفرة التائب أقرب إلى مذهبهم، وهو من
التعصب الذي حمله على التعسف بأمثاله والتجائه إلى نقل من التوراة لم يثبت مع أنه منسوخ محرف أو مخصوص بهم لو ثبت ولذا
تركنا تفصيله لما فيه، وقوله والمراد توبيخهم إشارة إلى أنه ناظراً إلى مقولهم هذا قيل والحق أنه ناظر إليه والى قوله:(يأخذون عرض) الخ، وقوله: (والدلالة (بالرفع معطوف على توبيخهم، وقوله البت بالمغفرة هو الداعي إلى تاويل الر-بء بما تقدم، وهو يقتضي اًن السين للاستقبال مع التأكيد وعلى كل حال ففي المقام كدر ما فتدبر. قوله: (من حيث المعنى (وان اختلفا خبراً وإنشاء إذ المعنى أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا وجوّز بعضهم كونه معطوفا على لم يؤخذ ودخول الاستفهام عليهما، وهو خلاف الظاهر وان عطف على ورثوا فجملة ألم يؤخذ معترضة وما قبلها حالية وجعل بعضهم المجموع معترضاً ولا مانع منه وقيل إنها حال بإضمار قد، وقد قرأ الجحدري أن لا تقولوا بالخطاب على الالتفات وقرأ عليّ والسلمي اذارسوا بتشديد الدال، وأصله تدارسوا فصرف كتصريف ادارأتم كما مرّ، وقوله مما يأخذ هؤلاء أي من عرض الدنيا السابق. قوله: (فيعلموا ذلك (تفريع أو تفسير كما مز نظيره، وقوله على التلوين أي تلوين الخطاب وهو جعله لونا بعد لون والمراد الالتفات، وإن كان التلوين أعم منه كما يعلم من شرح المفتاح قيل هذا على تقدير كون الخطاب للمأخوذ عليهم الميثاق فلو كان للمؤمنين فلا التفات فيه، ولك أن تقول إنه المراد بالتلوين، وقوله اعتراض والاعتراض قد يقترن بالفاء نحو:
فاعلم فعلم المرء ينفعه
وكذا قوله أنا لا نضيع الخ كما في الكشاف قيل وهو مبني على أنّ الاعتراض يكون في
آخر الكلام وفيه نظر. قوله:) على تقدير منهم الخ (وقيل الرابط العموم الذي فيه وقيل أل عوض عن الضمير وأصله مصلحيهم وقوله تنبيها على أنّ الإصلاج كالمانع من التضييع لاًق التعليق بالمشتق يفيد علة مأخذ الاشتقاق فكأنه قيل لا نضيع أرجهم لإصلاحهم، وقوله وإفراد الإقامة أي تخصيصها بالتصريح بها مع دخولها في التمسك بالكتاب لانافتها أي لثرفها لأنها عماد الدين، وقيل إنّ خبر المبتدأ محذوف كمأجورون ونحوه. قوله: (قلعناه ورفعناه الخ) إذا
كان معناه الجذب كما قاله المصنف رحمه الله يضمن معنى الرفع، وأما القلع فإنه من لوازمه ليطابق قوله ورفعنا فوقهم الطور، واختلفت عبارات أهل اللغة فيه ففسره بعضهم بالقلع وبعضهم بالجذب وبعضهم بالرفع وعليه فلا حاجة إلى التضمين، وقوله سقيفة سره به مع أنه كل ما علا وأظل لأجل حرف التشبيه إذ لولاه لم يكن لدخولها وجه، وفسر الظن باليقين لأنه لا يثبت في الجوّ، وقيل إنه على أصله وهو المناسب لقوله لأنه لم يقع متعلقه لأنه إذا لم يقع متعلقه كيف يتحقق التيقن، ولذا قيل مراده باليقين الاعتقاد الراجح الذي يكاد أن يكون جازما وهو الظاهر كما قال العلامة: قال المفسرون معناه علموا وتيقنوا، وقال أهل المعاني قوي في نفوسهم أنه واقع بهم إن خالفوا، وهذا هو الأظهر في معنى الظن وسيأتي ما فيه، وقوله:(ساقط عليهم) إشارة إلى أنّ الباء بمعنى على كما في أن تأمنه بقنطار وهو أحد معانيها وقوله: لأنهم كانوا يوعدون به أي بشرط عدم القبول كما سيصرّج به فسقط ما قيل إنّ المنقول في القصة إن تبلتم ما فيها والا ليقعن عليكم لا يقتضي تيقنهم بوقوع الجبل عليهم لإمكان خلافه بالقبول، وكذا عدم ثبوت الجبل في الجؤ لا يقتضيه لأنه على جري العادة وأما على خرقها فلا بعد فيه كرفعه فوقهم ووقوفه فيه وقد ردّ بأن المتيقن لهم وقوع الجبل عليهم إن لم يقبلوا ما في التوراة لكونه معلقا عليه، ولا يقدح فيه عدم وقوعه إذا قبلوا، ولاحتمال ثبوته على خرق العادة ألا ترى إلى أنه يتيقن احتراق ما وقع في النار مع إمكان عدمه كما في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قوله:(وإنما أطلق الظن الخ) أي المراد هنا اليقين أي الاعتقاد الجازم بأنهم إن لم يقبلوا وقع، وهو لا يقتضي الوقوع بدون شرطه فلم سمي ظناً أجاب عنه بأنه لما لم يكن متعلقه أي مفعوله واقعاً لعدم شرطه أشبه المظنون الذي قد يتخلف فسمي ظناً، والا فهو يقين لإخبار الصادق الذي لا يتخلف ما أخبر به، والعجب ممن قال: بعدما حقق ما سمعته فيه إنه حينئذ يكون جهلاً لا يقيناً، وبهذا عرفت أن كلام المصنف رحمه الله لا غبار عليه، وأنّ تأويله الظن باليقين لا يرد عليه شيء مما مرّ، فإن قلت كلام المصنف رحمه الله لا يخلو من إشكال لأنه فسر الظن باليقين وعلله بأنه لم يقع متعلقه أي ما علق عليه الوقوع، وهو عدم قبول أحكام التوراة فإذا لم يقبلوها وقع عليهم قلت تيقنهم ذلك بناء
على ما شاهدوه وعلى ما في أنفسهم من عدم القدرة على القبول فلما كبر عليهم ذلك قبلوه وسجدوا على جباههم، وأخذوا ذلك كما رواه ابن حبان فانّ الجبل لم يقع عليهم، وعلى تقدير قائلين قبل خذوا فهو حال وهذا التقدير لا بدّ منه ليرتبط النظم، وقوله حال بتأويل مجدين. قوله:(بالعمل به) يعني أن الذكر
كناية عزا العمل به أو مجاز وهو ظاهر قوله كالمنسيّ وليى إشارة إلى أنه يجوز حمله على حقيقته كما قيل، وقوله قبائح الأعمال إشارة إلى مفعوله المقدر. قوله:(أي أخرج الخ) أي أنّ الكلام محمول على ما يتبادر منه وأخذ استعارة بمعنى أخرج وأوجد لأنّ الأخذ لشيء يخرجه من مقرّه، وقوله بدل البعض هو أحسن من جعله بدل اشتمال ورجحه السفاقسيّ، وفيه نظر. قوله:(ونصب لهم دلائل ربوبيتة الخ) يعني أنه استعارة تمثيلية شبه فيها مركب بمركب، وعدل عن قول الزمخشريّ إنه من باب التمثب ل والتخييل لأنه ربما ينوهم منه أنّ فيه استعارة تخييلية، وليى كذلك لا لما قيل إنّ إطلاق التمثيل على كلامه تعالى جائز، وأما إطلاق التخييل فغير جائز لأنّ كلام الله وارد على أساليب كلام العرب فلا مغ في إجرائه مجرى كلامهم حتى يطلق عليه مثله كالإلتفات ونحوه مما منعه بعض الظاهرية والمراد بالتخييل الإيقاع في الخيال وتصوير المعقول بصورة المحسوس لأنّ ألف العامّة بالمحسوس أتم وأكمل، وإدراكهم له أعمّ وأشمل وقد تبع في كونه تمثيلاً الزمخشرفي وغيره، واعلم أنّ ما ذكره الزمخشري هنا معناه أنه شبه من أوح الله فيه عقلا يدرك به ما نصب لهم من دلائل هديهم للإيمان به بذوات ذراريهم التي أشهدها على أنفسها فأقرّت إلا أنّ المعتزلة يشترطون في الإدراك البنية، كما نقله ابن المنير في تفسيره فالمشبه أمر محقق والمشبه به أمر مفروض متخيل لا حقيقة له في الخارج فهو من قبيل ما يحكى عن الحيوان والجماد عليه قوله تعالى:{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سورة فصلت، الآية: 11، ولذا جعله تخييلا وليس المراد به الاستعارة التخييلية المشهورة فإن قلت كل الناس يصدق عليهم بنو آدم وذريته فمن المخرج والمخرج منه والكل واحد، قلت هذا مما استشكلوه والزمخشريّ تخلص منه بحمل بني آدم على قدماء اليهود القائلين عزيز ابن الله، والذرّية على المعاصرين للنبيّ ىلمجي! هـ كما في البحر الكبير. قوله:(ويدل عليه قوله قالوا بلى الخ) أي يدل على أنه تمثيل لا على ظاهره بقية الآية من هنا إلى آخرها لأنه لو أريد حقيقة الإشهاد والاعترات، وقد أنساهم الله تلك الحالة بحكمته لم يصح أن يقولوا يوم القيامة {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} ويلي جواب ألست قال ابن عباس رضي الله عنهما لو قالوا نعم لكفروا لأن النفي إذا أجيب بنعم كان تصديقا له فكأنهم قالوا: ألست بربنا، وتيل عليه إن صح ذلك عنه ففيه أنّ النفي صار إثباتا في تقدير التقرير فكيف يكون كفراً، وإنما المانع من جهة اللغة وهو أن النفي إذا قصد إيجابه أجيب ببلى، وإن كان مقرّرا بسبب دخول الاستفهام عليه تغليبا لجانب اللفظ، ولا
يراعى المعنى إلا شذوذا كقوله:
أليس الليل يجمع أمّ عمرو وءا! انا فذاك بنا! ل انى
نعم وأرى الهلال كما تراه ويعلوها النهاركما علانى
فأجاب أليس بنعم مراعاة للمعنى لأنه إيجاب وفيه نظر، وقوله شهدنا من كلام الئبما فضميرنا لله أو من كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو من كلام الذرية. قوله:(كراهة أن تقولوا) هذا تأويل البصريين في مثله، والكوفيون يقدرون فيه لا النافية أي لئلا تقولوا أي هو مفعول لأجله وعامله أشهدهم أو مقدّر يدل عليه، وقوله لم ننبه بصيغة المجهول تفسير للغفلة، وقراءة أبي عمرو بالغيبة لقوله أشهدهم وقراءة الخطاب لهم لقوله ربكم. قوله:(لأنّ التقليد عند قيام الدليل الخ) تعليل لمضمون الكلام، وما فهم منه أي كره ذلك ولم يقبله لأنّ تقليد الآباء الخ وقوله المبطلين صفة آباءهم وفي بعض النسخ بالرفع على القطع. قوله:(وقيل لما خلق الله آدم الخ) هذا حديث صحيح أخرجه مالك في الموطأ وكثير من المحدثين عن مسلم بن يسار أنّ عمر رضي الله عنه سأل عن هذه الآية فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنها فقال: " إنّ الله تعالى خلق آدم ثم مح ظهره بيمينه فاستخرج منه رية فقال خلقت هؤلاء للجنة
وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار، ويعمل أهل النار يعملون فقال ائرجل يا رسول الله ففيم العمل فقال إنّ الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار " (1 (وللمفسرين والمحدثين ومثايخ الصوفية هنا كلام طويل الذيل، والحديث ناطق بأنّ هذا معنى الآية لأنه ساقه مساق التفسير لها واطباق المعتزلة على أنّ القرآن لا يفسر بالحديث مخالف لإجماع من يعتد به، وكذا قول الإمام إنّ ظاهر الآية يدل على إخراج الذرّية من ظهر بني آدم
وليس فيها ما يدل على أنهم أخرجوا من صلب آدم، ولا ما يدل على نفيه إلا أنّ الخبر دل عليه فيثبت خروجهم من آدم بالحديث، ومن بني آدم بالآية لا يطابق سياق الحديث مع جواز أن يراد ببني آدم هذا النوع الشامل لآدم عليه الصلاة والسلام كما هو مشهور في الاستعمال، ولذا قيل: الواجب على المفسر أن لا يفسر القرآن برأيه إذا وجد النقل عن السلف فكيف بالنص القاطع من حضرة الرسالة فإنّ الصحابيّ سأله عما أشكل عليه من معنى الآية وكذا فهم الفاروق رضي الله عنه، وقال الكسائيّ: لم يذكر ظهر آدم لأنّ الله أخرج بعضهم من بعض على الترتيب في التوالد، واستغنى عن ذكر آدم عليه الصلاة والسلام لعلمه، وأما قولهم إنّ هذا الإقرار عن اضطرار فيلزم أن لا يكونوا محجوجين يوم القيامة فدفع بأنهم قالوا شهدنا يومئذ فلما زال العلم الضرورفي، ووكلوا إلى رأيهم نصبت الأدلة وأرسلت الرسل ليتيقظوا عن سنة الغفلة، ولا يغيب عنهم ما أخذ عليهم من العهد فإن قالوا أيدنا يوم الإقرار بالتوفيق والعصمة، وحرمناهما بعده فمشترك الإلزام لأنه إذا قيل لهم ألم نمنحكم إ أحقول والبصائر لهم أن يقولوا حرمنا اللطف والتوفيق، فأفي منفعة لنا بذلك وبهذا سقط ما تشبث به بعض شراح المصابيح هنا، وأما كيفية هذا الإخراج وأنه من المسامّ وأنّ الله خلق فيهم عقلا كنملة سليمان صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك مما يسأل عنه فالحق أنه من العلوم المسكوت عنها المحتاجة إلى كشف الغطاء، وفيض العطاء وأنشد هنا بعض العارفين:
لويسمعون كما سمعت كلامها حض والعزة ركعا وسجودا
وقال الإمام السهروردفي في عوارف المعارف قيل لما خاطب الله السماوات والأرض بقوله: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سورة فصلت، الآية: 111 نطق من الأرض وأجاب موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما أصل طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرّة الأرض بمكة فقال بعض العلماء وهذا يشعر بأنّ أوّل ما أجاب من الأرض ذرّة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن موضع الكعبة دحيت الأرض! فصار رسول الله لمجي! هو الأصل في التكوين والكائنات تبع له والى هذا أشار رسول الله مجخي! بقوله:" كنت نبياً وآدم بين الماء والطين ") 1 (وفي رواية بين: " الروح والجسد ") 2 (وقيل بذلك سمي أمّيا لأنّ مكة أمّ القرى،
وذرّته أمّ الخليقة وتربة الشخص مدفنه، وكان يقتضي ذلك أن يكون مدفنه ئيخير بمكة حيث كانت تربته منها، ولكن قيل الماء لما تموّج رمي الزبد إلى النواحي فوقعت جوهرة النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة، والإشارة إلى ما ذكرناه من ذرّة رسول الله عقرو هو ما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} [سورة الأعراف، الآية: 172]، الآية وورد في الحديث:" إنّ الله تعالى مسح ظهر آئم وأخرج ذزيته منه كهيئة دز واستخرج الذز من مسام الشعر فخرج الذر كخروج العرق "(1 (وقيل كان المسح من بعض الملائكة عليهم الصلاة والسلام فأضاف الفعل إلى المسبب، وقيل معنى القول بأنه مسح إنه أحصى كما تحصى الأرض المساحة وكان ببطن نعمان واذ بجنب عرفة بين مكة والطائف فلما خاطب الذر وأجابوا ببلى كتب العهد في رق أبيض، وأشهد عليه الملائكة عليهم الصلاة والسلام، وألقم الحجر الأسود فكانت ذرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المجيبة من الأرض اهـ. قوله: (وتد حققت الكلام فيه في شرحي لكتاب المصابيح) قال فيه وظاهر الحديث لا يساعد ظاهر الآية فإنه تعالى
لو أراد أن يذكر أنّ استخراج الذرّية من صلب آدم دفعة واحدة لا على توليد بعضهم من بعض على مرّ الزمان لقال وإذ أخذ ربك من ظهر آم ذرّيته، والتوفيق بينهما أن يقال المراد من بني آدم في الآية آدم ك! وأولاده فكانه صار اسماً للنوع كالإنسان والبشر، والمراد من الإخراج توليد بعضهم من بعض على مرّ الزمان، واقتصر في الحديث على ذكر آدم صلى الله عليه وسلم اكتفاء بذكر الأصل عن ذكر الفرع اهـ، وقد علم ما فيه مما مرّ. قوله:(والمقصود من إيراد هذا الكلام الخ) يشير إلى الردّ على الزمخشرقي إذ خصه ببني إسرائيل فإن حمله على العموم أكثر فائدة، ويكفي دخولهم في العموم دخولاً أوّليا ومبناه على التمثيل الذي اختاره تبعا للزمخشريّ، وجزم به في شرح المصابيح وقوله:{وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} معطوف على مقدر أي ليظهر الحق، ولعلهم الخ وقيل الواو زائدة. توله:(هو أحد علماء بني إسرائيل الخ (وهو بلعام بن باعوراء أيضا فإنه من بني إسرائيل في رواية ابن عباس رضي الله عنهما، وفي رواية غيره إنه من الكنعانيين. قوله: (أو أمية الخ) هو عبد الفه بن أبي
ربيعة بن عوف الثقفيّ شاعر جاهلي كان أوّل أمره على الإيمان، ثم أضله الله تعالى لأنه كان يظن أنه يبعث إليه وقال ابن كثير رحمه الله إنه لقي النبيّ لمجيرو ولم يؤمن به ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
إنّ يوم الحساب يوم عظيم شاب فيه الوليد يوماثقيلا
قال آمن شعره وكفر قلبه، وقوله: (أوتي علم بعض كتب الله (أو الاسم الأعظم. قوله:
(أن يكون هو) أي أن يكون هو ذلك الرسول، فخبر كان محذوف أو استعير الضمير المرفوع للمنصوب، وحقيقة السلخ كشط الجلد وازالته بالكلية عن المسلوخ عنه، ويقال لكل شيء فارق شيئاً بالكلية انسلخ منه كما قال الإمام. قوله:(حتى لحقه وقيل استتبعه (قال الجوهرقي، وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم، وقال الراغب يقال أتبعه إذا لحقه، وكذا فسره به الزمخشرقي وعدل عنه المصنف رحمه الله فقيل إنه ذهب إلى أن أتبع بمعنى تبع لكنه اعتبر فيه معنى اللحوق فهو ردّ لتفسيره بنفس اللحوق من غير اعتبار معنى آخر ولا يخفى ما فيه، واستتبعه بمعنى جعله تابعا له قيل وهو على هذا هو متعد لمفعولين حذف ثانيهما، وقدره في الكشاف خطواته لأنه صرّج به في غير هذه الآية، وفي الكشف في كونه بمعنى اللحوق كأنّ المعنى فجعلتهم تابعين لي بعدما كنت تابعاً لهم مبالغة في اللحوق، وهو بمعنى قوله في البحر فيه مبالغة إذ جعل كأنه إمام للشيطان يتبعه فتأمّل فلا يرد عليه ما قيل فيه بحث، والظاهر أنّ المعنى أنّ الشيطان كان وراءه طالباً لإضلاله، وهو لسبقه بالإيمان والطاعة لا يدركه، ثم لما انسلخ من الآيات أدركه. قوله: (روي أنّ قومه سألوه الخ) وتتمته كما قال الإمام أنه قصد بلدة وغزاهم وكانوا كفاراً فطلبوا منه الدعاء عليه وألحوا عليه حتى دعا عليه فاستجيب له، ووقع موسى صلى الله عليه وسلم وبنو إسرائيل في التيه بدعائه، فقال موسى-شي! يا رب بأيّ ذنب وقعنا في التيه فقال: بدعاء بلعم فقال: كما سمعت دعاءه عليّ فاسمع دعائي عليه ثم دعا موسى ش! م عليه أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان، ولذا رذ القول بأنّ بلعم كان نبياً، وقيل إنه لا ينبغي التفوّه به لأنه لا يجوز عليهم الكفر بعد البعثة عند أحد من العقلاء وقوله إلى منازل الأبرار إشارة إلى أنه رفع رتبة وضمير رفعناه للذي، وقيل إنه للكفر أي لا زلنا الكفر بالآيات فالرفع من قولهم رفع الظالم عنا وهو خلاف الظاهر وإن روي عن مجاهد وحمه الله. قوله: (بسبب تلك الآيات (أي الباء سببية والضمير المجرور للآيات لا للمعصية كما قيل، وقوله
وملازمتها بيان للمراد من الرفع بالايات بأنه بملازمتها أي العمل بما فيها. قوله: (مال إلى الدنيا) تفسير للإخلاد بالميل لأنّ أصل معناه السكنى واللزوم للمكان من الخلود قال ابن نويرة: بأبناء حيئ من قبائل مالك وعمرو بن يربوع أقاموا فأخددوا
ولما في اللزوم من الميل إلى المنزل أريد منه، وقال الراغب: معناه ركن إليها ظاناً أنه مخلد فيها، وقوله أو إلى السفالة، يعني المراد بالأرض! الدنيا أو السفالة قال الطيبي الرواية فيه فتح السين، وفي الصحاح السفالة بالضم نقيض العلوّ وبالفتح النذالة. قوله: (وإنما علق رفعه بمشيئة الله الخ (ردّ على الزمخشري فإنه أوّل قوله
ولو شئنا فقال المراد بالمشيئة ما هي تابعة له، ومسببة عنه كأنه قال ولو لزمها لرفعناه الخ قال النحرير: لما كان ظاهر الآية مخالفا لمذهبه دالاً على وقوع الكائنات بمشيئة الله تعالى أخلد إلى التأويل بجعل مشيئة الله مجازاً عن سببها وهو لزوم العمل بالآيات بقرينة الاستدراك بما هو فعله المقابل للزوم الآيات وهو الإخلاد إلى الأرض والميل إلى الدليا لكنه ذهب عن أنّ هذا مصير إلى المجاز قبل أو أنه لجواز أن يكون، ولو شئنا على حقيقته وأخلد إلى الأرض مجازاً عن سببه الذي هو عدم مشيئة الرفع بل الإخلاد وإنما ترك التعويل على عكازته في مثل هذا المقام، وهو حمل المشيئة على مشيئة القسر والإلجاء لأنّ الاستدراك بقوله، ولكنه أخلد لا يلائمه لفوت المقابلة. قوله:(فأوقع موقعه أخلد إلى الأرض واتبع هواه مبالغة) فإنّ الإخلاد إلى الأرض كناية عن الإعراض عن الآيات والكناية أبلغ من التصريح، وقوله حب الدنيا رأس كل خطيئة أي أصل لها، ووقع لبعض الناس تصحيف حسن فيه وهو حب الدينار بمعناه المعروف أي كل خطيئة أي أصلها. قوله:(فصفته التي هي مثل في الخسة (قال أبو حيان: المثل مشترك بين الوصف وما يضرب والمراد هنا الوصف العجيب المستغرب، وأشار المصنف إلى أن استعماله في تلك الصفة لأنها يتمثل بها وقد مرّ تحقيقه في البقرة، وقوله وهو راجع لأخ! أحواله أو للصفة لكونها بمعنى الوصف. قوله:) واللهث إذ لاع اللسان) بالدال والعين المهملتين أي إخراجه متتابعأ مع نفس عال لشدة
خفقان القلب الناشئ عن ضعفه، والمثل كما مز الصفة لا الحال والقصة ليقطع بأنه من تشبيه المركب بالمركب بل الظاهر أنه تشبيه لصفته بصفة الكلب، أو لنفسه بنفس في غاية الخسة والذلة، وذكر اللهث في كل حال لاختصاصه به ولأنه حال مستبشعة مكروهة لكن قد يفهم من جعل الشرطية حالاً من الكلب قيداً في التشبيه به أنّ التشبيه مركب، وكذا قول المصنف رحمه الله التمثيل قد يشير إليه. قوله:(والشرطية في موضع الحال الخ) قد مرّ على السفاقسيّ أن الشرطية تقع حالاً مطلقا لكن في الضوء أنّ الشرطية لا تكاد تقع بتمامها حالاً، فإذا أريد ذلك جعلت خبراً عن ضمير ذي الحال نحو جاءني زيد وهو أن تسأله يعطك فتجعل جملة اسمية مع الواو، لأنّ الشرط لصدارته لا يكاد يرتبط بما قبله إلا أن يكون هناك فضل قوّة، نعم يجوز إذا خرجت عن حقيقتها بأن عطف عليه نقيضه أو لم يعطف، ولا بذ في الأوّل من حذف الوأو نحو آتيك إن تأتني، أو لم تأتني لأنه يحول إلى معنى التسوية كالاستفهام، وأما الثاني فلا بد فيه من الواو نحو آتيتك وان لم تأتني إذ لو حذفت التبس بالشرط الحقيقي، وقال الطيبي: إنّ الآية من القسم الأوّل ولذا تركت الواو لأنّ المعنى حمل عليه أو لم يحمل (قلت (المعروف فيه ترك الجواب، وقيل الظاهر جعل الشرطية بياناً وتفسيراً للمثل كقوله: {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [سورة آل عمران، الاية: 59] وفيه نظر لأنّ التمثيل في الخسة لا في اللهث وعدمه فتدبر. قوله: (والتمثيل واقع موقع لازم التركيب الخ) المراد بالتمثيل مطلق التشبيه بالمعنى اللغوي، ويحتمل أن يراد معناه المعروف والمراد بلازم التركيب أنه لم يرفع بل أذل وأهين لازم الشيء يدل عليه بطريق البرهان، ويبينه أتم بيان فلذا قال للمبالغة والبيان ولأنّ التمثيل بالنسبة إلى أصل المعنى كناية وهي أبلغ من التصريح، والبيان لكونه تصويراً للمعقول بالمحسوس، ولذا قيل أراد بلازم التركيب ما هو بمنزلة نتيجته فإنّ مآله إلى صورة قياس استثنائي استثنى فيه نقيض المقدم وليس المراد به الاستدلال بانتفاء المقدّم على انتفاء التالي، حتى يقال إنه غير منتج لأنّ المقدم ملزوم للتالي، ولا يلزم من نفي الملزوم نفي اللازم بل المراد الإخبار بأنّ سبب انتفاء التالي في الخارج هو انتفاء المقدم فيه، ونظيره ما قيل في قوله النحاة لو لانتفاء الثاني لانتفاء الأوّل. قوله:) وقيل لما دعا على موسى صلى الله عليه وسلم خرج لسانه الخ) ذكر فيه ثلاثة أوجه في الكشاف الأوّل تشبيهه بالكلب في الخسة تشبيه مفرد بمفرد الثاني تشبيهه به في استواء الحالتين في النقصان، وأنه ضال وعظ أو لم يوعظ كالكلب يلهث حمل عليه أو لم يحمل والظاهر انه تشبيه مركب في هذا الوجه، والثالث التشبيه في اللهث، وهذا هو الوجه الذي ذكره المصنف رحمه الله فوجه التشبيه في الأوّلين عقليّ وفي الثالث حسيّ. قوله:(فاقصص القصص الخ)
ذلك إشارة إلى وصف الكلب أو إلى المنسلخ من
الآيات، وقوله:(فإنها نحو قصصهم) فإن بلعم بعدما أوتي آيات الله انسلخ منها ومال إلى الدنيا حتى صار كالكلب كذلك اليهود بعدما أوتوا التوراة المشتملة على نعت رسول الله-لمجيم وذكر القرآن المعجز وبشروا الناس باقتراب مبعثه صلى الله عليه وسلم وكانوا يستفتحون به انسلخوا عما اعتقدوا في حقه صلى الله عليه وسلم وكذبوه وحرفوا اسمه. قوله: (أي مثل القوم الخ (ساء بمعنى بئس وفاعلها مضمر ومثلا تمييز مفسر له، وششغني بتذكيره وجمعه وغير ذلك عن فعل ذلك بضميره كما بين في النحو، وأصل ساء التعدي لواحد والمخصوص بالذم لا يكون إلا من جن! التمييز المفسر للضمير فيلزم صدق الفاعل، والتمييز والمخصوص على شيء واحد والقوم مغاير للمثل هنا فلزم تقدير محذوف من التمييز أو المخصوص أي ساؤوا أهل مثل أو مثل القوم، وقرئ بإضافة مثل بفتحتين ومثل بكسر فسكون للقوم ورفعه فساء للتعجب، وتقديرها على فعل بالضم كقضو الرجل ومثل القوم فاعل أي ما أسوأهم والموصول في محل جر صفة القوم أو هي بمعنى بئس ومثل القوم فاعل والموصول هو المخصوص في محل رفع بتقدير مضاف أي مثل الذين الخ، وقدّر أبو حيان رحمه الله في هذه القراءة تمييزا ورد بأنه لا يحتاج إلى التمييز إذا كان الفاعل ظاهراً حتى جعلوا الجمع بينهما ضرورة على ثلاثة مذاهب فيه المنع مطلقا والجواز مطلقا، والتفصيل فإن كان مغايرا جاز نحو نعم الرجل شجاعا زيد والا امتنع فمراد المصنف رحمه الله أنّ تقديره ساء مثل القوم الذين كذبوا مثلهم إلا أنّ قوله تعالى: {ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} لا يساعده كما قيل أو مثل الذين وقيل التقدير ساء مثلاً القوم هو فتدبر. قوله: (إما أن يكون داخلَا في الصلة (أي لا محل لهذه الجملة لأنها إما معطوفة على الصلة، أو مستأنفة للتذييل والتأكيد للجملة التي قبلها، وقوله في الوجه الثاني وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم قيل إنه إشارة إلى أنه على هذا الوجه يكون التقديم للتخصيص، وأنّ سبب ظلمهم أنفسهم هو التكذيب بخلافه على الوجه الأوّل فإنّ التقديم فيه لرعاية الفاصلة، وسبب الظلم غيره فتأمّل. قوله: (تصريح بأنّ الهدي والضلال من الله الخ) كله ظاهر إلا قوله مستلزمة للاهتداء فإنه مبنيّ على تفسير الهداية بالدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل والكلام فيه مشهور أو أنها بمعنى الدلالة على الموصل وأريد بها هنا فردها الكامل لإسنادها إلى الله ولتفريع الاهتداء عليها ومقابلتها بالضلال وما معه، وقوله: (والإفراد
في الأوّل) أي إفراد الضمير وخبره رعاية للفظ من وجمعه رعاية لمعناها، ووجهه ما ذكره من أنّ الحق واحد والضلال طرق متشعبة. قوله:(والاقتصار في الأخبار الخ) يعني أنه إذا أريد بالهداية الدلالة الموصلة كما مرّ لزمها الاهتداء فيكون كالإخبار عن الشيء بنفسه، وجعل الجزاء عين الشرط على حد شعري شعري، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومثله يفيد التعظيم والتفخيم وأنه في الشهرة غنيّ عن التوصيف والتعريف وكاف في نيل كل شرف، والعنوان من عنوان الكتاب وهو ما يعلم به ما فيه ووزنه فعوال من عن له كذا إذا اعترض والفعل عنونت، ويقال عننت ويقال له علوان من علن أي ظهر وفعله علونت أو فعلان من العلو وعنيان لغة فيه، لأنه يعلم به ما يعني من الكتاب ولا تكون نونه أصلية لأنه ليس في الكلام فعيال وروي بكسر العين في جميعها كما قاله المرزوقي في شرح الفصيح وهو مرفوع معطوف على المستلزم وضمير لها للنعم. قوله:(ذرأنا خلقنا) والذرء مهموز الخلق ولام لجهنم لام العاقبة كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 56] وقال ابن عطية إنها للتعليل، وقوله:(يعني المصرّين) خصه به لاقتضاء ما بعده له وكأنه زاد قوله في علمه تعالى ليشمل من ارتد وقت موته ومن نافق، وقوله:(إذ لا يلقونها) الخ يعني أنّ ذلك ليس لقصور الفطرة حتى لا يذموا بها كالبهائم وقيد السمع والبصر بما ذكر ليفيد ولو أطلق لتنزيله منزلة العدم اتجه. قوله: (في عدم الفقه الخ) أي الفهم يريد أنّ وجه الشبه أمور مدركه مما قبله فهي كالتأكيد لها، ولذا فصلت عنها، وقوله ما يمكن الخ سقط من بعض النسخ ومن في المنافع تبعيضية أو بيانية ويدرك معلوم أو مجهول، وقوله الكاملون الخ لصحة الحصر إذ الغفلة في كثير ممن عداهم لكنها كلا غفلة
بالنسبة إلى غفلتهم، وكمال غفلتهم يعلم مما أحلفه من عدم الإدراك. قوله: (فإنها تدرك (يعني جهة المبالغة في الضلال ليست جهة الشبيه حتى يؤذي إلى كذب أحد الخبرين وتنافيهما فافهم.
قوله: (لأنها دالة على معان هي أحسن المعاني) إشارة إلى أنّ الحسنى تأنيث الأحسن للتفضيل، وعدل عن تعليل الزمخشريّ لأنه غير تام، وقوله والمراد بها الألفاظ أي المراد بالأسماء الألفاظ التي تطلق عليه تعالى مطلقا، أو المراد لله الأوصاف الحسنى فيكون كقولهم طار اسم فلان في البلاد أي اشتهر نعته وصفته كما في الكشف. قوله:(فسموه بتلك الأسماء (أي المراد بالدعوة التسمية كقولهم دعوته زيدا وبزيد أي سميته، وقيل معناه نادوه بها من الدعاء. قوله: (واتركوا تسمية الزائنين فيها الذين يسمونه بما لا توقيف فيه) تفسير لمعناه واشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدراً وهو تسمية بقرينة المقام والزيغ أي الميل تفسير للإلحاد لأنه يقال لحد وألحد بمعنى مال ومنه لحد القبر لكونه في جانبه بخلاف الضريح فإنه في وسطه، وقيل ألحد بمعنى جادل ولحد مال، وكون أسماء الله تعالى توقيفية مطلقا هو المشهور، وفيها أقوال أخر فقيل التوقيف في الأسماء دون الصفات، وقيل يجوز مطلقاً ما لم توهم نقصا، وقيل يكفي ورود ماذته في لسان الشارع والصحيح الأوّل، قال الطيبي رحمه الله: فإن قلت أليس العجم يسمون الله باسم غير وارد والأمة قد اتفقوا على صحته، قلت اتفاقهم على صحته يدل على أنه وارد يعني أنّ المراد بالشارع نبي من الأنبياء فتأمل، وقوله:(أو بما يوهم (إشارة إلى القول الآخر والإيهام في أبي المكارم للأبوة وفيما بعده للتجسيم، وهذا مما يقوله أهل البادية وجهلة العرب كما في الكشاف. قوله: (أو لا تبالوا بإنكارهم ما سمي به نفسه (لأنّ العرب لما سمعوا اسمه الرحمن أنكروه، وكانوا يسمون مسيلمة رحمن اليمامة تعنتاً في كفرهم، وفي الانتصاف في هذا الوجه بعد لأنّ ترك الدعاء ببعض الأسماء لا يطلق عليه إلحاد في العرف، وإنما يطلق على فعل لا ترك، وأجيب بأنّ إنكار بعض الأسماء الحاد لأنه تصرف فيها بالنقص، كما أنّ الزيادة إلحاد للتصرف بالزيادة، ولم يجعل إلحاد باعتبار إطلاقه على غيره تعالى لأنه يرجع للوجه الذي بعده، وهو لا ينفي البعد. قوله: (أو وذروهم وإلحادهم فيها الخ (قيل هذا هو الصواب، والواو في والحادهم عاطفة أو للمعية والآية عايه منسوخة بآية القتال قيل لم يقل تسميتهم الأصنام إلهة كما في الكشاف لعدم كون الإلحاد في أسمائه لأنّ لفظ الإله يطلق على المعبود مطلقاً، لكن أورد على فوله، واشتقاق أسمائها منها أنّ الإلحاد في المشتق دون المشتق منه، وفيه نظر. قوله:) أو أعرضوا عنهم فإن الله مجارّيهم) فالآية وعيد كقوله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} [سورة الحجر، الآية: 3] وليست منسوخة وهو
وجه مستقل، وفي نسخة بالواو فهو من تتمة ما قبله، وقوله بالفتح أي فتح الياء والحاء لأنّ عينه حرف حلق والقصد الطريق المستقيم أو بحعنى المصدر. قوله:(للدلالة الخ (متعلق بذكر وبيانه أنه خلق للنار ظاهر وكونهم ضالين ملحدين عن الحق من مجموع الكلام إذ لم ينظروا في دليل الحق، ولم يعتبروا لا من قوله يلحدون في أسمائه فقط حتى يرد عليه إنه مخصوص في النظم، وقيل إنه يشير إلى تقدير في النظم بقرينة مقابلته أي وممن خلقنا للجنة، وفي لفظ ممن إشارة إلى قلتهم بالنسبة لمن خلق للنار. قوله: (واستدل به على صحة الإجماع لأن المراد منه الخ) أي استدل بهذه الآية على أنه حجة في كل عصر سواء عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم وغيره، واستدل به أيضا على أنه لا يخلو عصر عن مجتهد إلى قيام الساعة لأن المجتهدين هم أرباب الإجماع، ونظيره الاستدلال على إرادة الاستغراق من اللام بعدم إمكانه على العهد الخارجي أو الذهني والمستدل الجبائي، قيل: وهو مخالف لما روي من أنه " لا تقوم الساعة إلا على أشرار الخلق ") 1 (" ولا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض! الله " (2 (ولا مرضه المصنف رحمه الله فتأمل، وقوله: (فإنه معلوم) قيل فيه إنه معلوم من جهة الشارع كما في قوله:) خير القرون قرني () 3 (وفيه نظر. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام لا نزال من أمتي طائفة الخ)) 4 (أخرجه الشيخان من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وقد قاله في تفسير الآية وقوله: (إذ لو اختص! (تعليل له أي قاله مع عدم ما يدل على العموم كذا قيل وفيه نظر. قوله:) سنستدنيهم الخ) وفي نسخة
سندنيهم
قال النحرير الاستدراج استفعال من الدرجة بمعنى النقل درجة بعد درجة من سفل إلى علو فيكون استصعادأ، أو بالعكس فيكون استنزالاً وقد استعمله الأعشى في قوله: ليستدرجنك القول حتى تهزه
في مطلق معناه، وليس من استعمال المشترك في معنييه أي نقر بهم إلى الهلاك بإمهالهم وادرار النعم عليهم حتى يأتيهم وهم غافلون لاشتغالهم بالترفه، ولذا قيل إذا رأيت الله أنعم على عبده وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج. قوله:(حتى يحق عليهم كلمة العذاب (أي يجب عليهم كلمة العذاب وهي أمره به كقوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [سورة الحاقة، الآية: 30] وهذا إن أريد بالعذاب عذاب الآخرة وقيل هو نكال الدنيا كالقتل. قوله: (عطف على سنستدرجهم الخ) وفي نسخة على نستدرجهم فهو داخل في حكم الاستقبال وحكم السين، وليس المراد بعطفه عليه إلا ذلك إذ لا يعطف على جزء كلمة حقيقة أو حكما، وقيل إنه مستأنف أي وأنا أملي لهم وفيه حينئذ خروج من ضمير المتكلم مع الغير المعظم نفسه إلى ضمير المتكلم المفرد، وهو شبيه بالالتفات كما قاله المعرب والظاهر أنه من التلوين. قوله:(إنّ أخذي شديدا لأن المتانة الشدة والقوّة ومنه المتن للظهر، وقوله: (سماه كيدا (قد قيل عليه إنه لا يخفى أنّ الأخذ وهو العذاب ليس بإحسان بل الذي ظاهره إحسان هو استدراجهم وامهالهم ليس إلا، فالظاهر أن يقول سماه كيداً لنزوله بهم من حيث لا يشعرون، ويمكن أن يقال الكيد ليس هو الأخذ بل الأنعام عليهم وامهالهم مع عصيانهم حتى يستحقوا العذاب، وأخذهم أشذ أخذ فمقدمته إحسان، وعاقبته إهلاك بعد خذلان فإضافة أخذي للعهد أي هذا الأخذ لمن هو غافل منهمك في لذته كذلك فتدبر. قوله:) روي الخ ((1 (هذا الحديث أخرجه ابن جرير وغيره عن قتادة بلفظ يصوّت ويموّت بمعناه، وكذا يهيت أيضا وأصله حكاية صوت، وهو أن يقول ياه ياه وهو نداء الداعي من بعد، وقوله: فخذا فخذا أي قوما بعد قوم يا بني فلان يا بني فلان كما ورد التصريح به فيه، وهو بعد نزوله قوله:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 214، والفخذ من العشائر وأوّلها الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، وقوله: (جنون (إشارة إلى أن الجنة مصدر كالجلسة بمعنى
الجنون، وليس المراد به الجن كما في قوله تعالى:{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [سورة الناس، الآية: 6، لأنه يحتاج إلى تقدير مضاف أي مس جنة أو تخبطها وما نافية، وقيل استفهامية والفعل معلق عنها وقيل موصولة والمعنى أو لم يتفكروا في الذي بصاحبهم من جنة على زعمهم، والقائل هو أبو لهب وكون هذا سبب النزول أحد قولين فيه، وقيل إنهم كانوا إذا رأوا ما يعرض له-ك! هـ من برحاء الوحي قالوا: إنه جن فنزلت. قوله: (موضح إنذاره بحيث لا يخفى على ناظر الخ (أي من اً بان المتعذي ومفعوله ما ذكر، وقال: على ناظر دون سامع لقوله أو لم ينظروا ولأنه أبلغ لجعله بمنزلة المحسوس المشاهد، ولما كان هذا تقريراً لما قبله من رسالته وتكذيبهم فيما قالوه وأمر النبوة مفزع على التوحيد ذكر ما يدل على التوحيد فقال:{أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ثم قال: {وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ} والمقصود التنبيه على أن الدلالة على التوحيد غير مقصورة على السماوات والأرض! بل كل ذرة من ذرات العالم دليل على توحيده: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
وهذا معنى كلام المصنف رحمه الله وهو ملخص كلام الإمام، وقوله ليظهر تعليل للتعليل. قوله: (عطف على ملكوت الخ (الملكوت الملك الأعظم قيل فيكون هذا معمولاً لينظروا لكن لا يعتبر فيه بالنظر إليه أنه للاستدلال إذ قيد المعطوف عليه لا يلزم ملاحظته في المعطوف، وكون أن مصدرية قاله أبو البقاء: لكن النجاة قالوا: إن أن المصدرية لا توصل إلا بالفعل المتصرّف، وعسى غير متصزف وهو لا مصدر له فلذا مغ من دخولها عليه، ولم يدخل بعده اللام الفارقة لعدم اللبس فالأحسن أنها مخففة من الثقيلة، قيل ووقوع الجملة الإنشائية خبر ضمير الشأن مما يناقش فيه والمصنف رحمه الله يستمر عليه، واسم يكون ضمير الشأن على كل تقدير، وكان المانع من حمل هذا على التنازع أنه خلاف الأصل لما فيه من الإضمار قبل الذكر، وعنه غني لكن الثأن في ضمير الشأن فإنه من هذا القبيل مع التكرار هنا أي أن الثأن عسى أن
يكون الشأن.
) قلت (كله على طرف الثمام فإن خبر ضمير الشأن لا يشترط فيه الخبرية ولا يحتاج إلى لتأويل، كما صزج به في الكشف ووجهه ظاهر والإضمار قبل الذكر في التنازع والشأن مما
صرّحوا بحسنه وجوازه، والتكرار أمر سهل ولعلهم لم يلتفتوا إليه لأن تنازع كان وخبرها مما لم يعهد فيما هو كالشيء الواحد، ومغافصة الموت بالغين المعجمة والفاء والصاد المهملة مفاجأته على غرّة، ومنه وقاك الله غوافص الدهر أي حوادثه. قوله:(إذا لم يؤمنوا به وهو النهاية الخ (فيكون مرجع الضمير معلوماً من السياق، وقيل إنه يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم بتقديره مضاف أي بعد حديثه أو المراد بعد هذا الحديث، أو المراد بعد الأجل أي كيف يؤمنون بعد انقضاء أجلهم. قوله: (وقيل هو متعلق بقوله صسى (معطوف على قوله كأنه إخبار، وقائله الزمخشرقي قال: فإن قلت بم تعلق قوله:) فبأيّ حديث بعده يؤمنون) قلت بقوله: {عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ} كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن قبل الموت، وماذا ينتظرون بعد وضوج الحق، وبأقي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا، يريد التعلق المعنوي والارتباط بما قبله بالتسبب عنه لا الصناعي فإنه متعلق بيؤمنون، وقوله:) فما بالهم (توضيح للمقصود، لا تقدير أي ليس بعده ما ينتظر، وجعل الفاء جزائية في فبأفي حديث، وقوله:) أحق منه (تأويل بعده. قوله:) كالتقرير والتعليل له (قيل إنه على المعنى الأوّل، وقيل: المتبادر منه أنه كذلك على المعنى الذي نقله فقط، وليسى كذلك فإنه على المعنى الأوّل كذلك أيضاً، ولو قال للسابق بدل توله للتعليل له لكان أحسن، وقوله أحد غيره خصه به لأنّ المعنى عليه، والعمه التردد في الضلال والتحير أو أن لا يعرت حجة. قوله: (بالرفع على الاسئشاف (قرئ بالياء والنون بالجزم والرفع فيهما فالرفع على الاستئناف أي ونحن أو هو والسكون عطف على محل الجملة الاسمية لأنها جواب الشرط أو بالتسكين للتخفيف، كما قرئ يشعركم وينصركم، والغيبة جريا على اسم الله والتكلم على الالتفات. قوله:) أي عن القيامة وهي من الآسماء الغالبة الخ (الساعة في اللغة مقدار قليل من الزمان غير معين، وفي عرف الشرع يوم القيامة، وفي عرف المعذلين جزء من أربعة وعثرين جزءاً من الليل والنهار، واطلاقها على يوم القيامة إمّا لمجيئها بغتة من غير أن يعلمها أحد، ولا يخفى عدم المناسبة فيه لمعناها الأصلي إلا أن يكون ذلك معتبراً في معناها اللغوي، كما في قوله:{تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [سررة يوسف، الآية: 07 أ] أو لأنها تدهش من تأتيهم فتقل عندهم أو تقلل ما قبلها، وقيل
إنه يعني بقوله بغتة لا على التدريج فإنها اسم لزمان قيام الساعة بالنفخة وهو قدر يسير لكن ذلك القيام مستمرّ إلى الأبد. قوله: (أو لسرعة حسابها) فأطلقت على ذلك اليوم بهذا الاعتبارل، وقال الزمخشرفي: إنها سميت باسم ضدها تمليحا فإنها في غاية الطول كما يسمى الأسود كافورا. قوله: (أو لأنها على طولها الخ (أي سميت بها لذلك وفرق بين الوجوه بأن مبني الأوّل أنها اسم لزمان قيام الناس لا للزمان المديد ومبني غيره على أنها اسم لزمان ممتد. قوله: (متى إرساؤها أي إثباتها (يقال رسا الشيء يرسو ثبت وأرساه غيره، ومنه الجبال الراسية لكن الرسو يستعمل في الأجسام الثقيلة وإطلاقه على الساعة تشبيه للمعاني بالأجسام، وجعل المرسي مصدراً ميميا بمعنى الإرساء، وفسر أيان بمتى لقربها منها وإن كانت متى أعمّ وجوّز بعضهم أن يكون اسم زمان ولا يرد عليه أنه يلزم أن يكون للزمان زمان لأنه يؤؤل بمتى وقوعه كما في أيان يوم القيامة. قوله: (واشتقاق أيان من أيّ الخ (قال ابن جني رحمه الله: الاشتقاق في غير الأسماء المتصرفة مما يأبوه، وأيان بفتح الهمزة فعلان وتكسر في لغة فهي فعلان والنون زائدة جريا على الأكثر ولم يجعل فعلاً لا من أين لأنّ أيان ظرف زمان، وأين ظرف مكان، ولا أنّ أصله أفي أو أن أو أقي لتكلفه وأقي من أويت بمعنى رجعت لأن باب طويت أكثر من باب عييت، ولقربه معنى لا! البعض آو إلى الكل ومستند إليه، وأصلها على هذا أوى ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصارت أي كطيّ وشيّ، وهذا أمر قدروه للامتحان وليعلم حكمها إذا سمي بها فلا ينافي التحقيق من أنها بسيطة مرتجلة، ولا ينافي ما ذكره الزمخشري في سورة النمل من أنه لو سمي به لكان فعلان من آن يئين، ولا يصرف فالحاصل أنه يجوز فيه الصرف وعلمه كما في حمار قبان، وليس الاشتقاق هنا بمعنى الأخذ كما توهم وآو بالمد اسم فاعل. قوله:)
استأثره به الخ (متعلق بمحذوف أي اختاره مختصاً به فلا يطلع عليه غيره من ملك مقرب أو نبي، فلا يرد أن استأثر إن كان بمعنى اختار تعدى بنفسه، وإن كان بمعنى انفرد تعدى بالباء فلا يصح الجمع بينهما، أو هو بمعنى اختصه الله به أي بنفسه، وقيل في الصحاح: استأثر فلان بالشيء أي استبد به فكان حق العبارة استأثر الله به أو بعلمه، ويطلع من الاطلاع وهو التوقيف عليه بالمشاهدة كما في تاج المصادر. قوله: الا يظهر أمرها في وقتها الخ (اللام في قوله لوقتها هي لام التأقيت، واختلف النحاة فيها كما في شرح التسهيل فقيل هي بمعنى في، وقال ابن جني: بمعنى عند، وقال الرضي: هي اللام المفيدة للاختصاص، والاحتصاص على ثلاثة أضرب أمّا أن يختص الفعل بالزمان لوقوعه فيه نحو كتبت لغرّة، وكذا أو يختص به
لوقوعه بعده نحو لخمس خلون، أو يختص به لوقوعه قبله نحو لليلة بقيت، فمع الإطلاق يكون الاختصاص لوقوعه فيه ومع قرينة قبله أو بعده فلا منافاة بين جعل المصنف لها بمعنى في هنا، وقوله بعده إنها للتأقيت، ومعنى التأقيت أنها حد معين لما تعلقت به فغاية عدم إظهارها وقت وقوعها، ولذا أتى بإلى في تفسيره، كما يقال لحدود الحرم مواقيت لا أنها بمعنى وقت كما توهم، حتى يقال يلزم هنا تكرار الوقت فالوجه أنها بمعنى في والعجب منه أنه فسره بفي أوّلاً فإنه من قلة التدبر. قوله:(والمعنى أن الخفاء بها مستمرّ الخ) هذا يحتمل أن يكون معنى قوله: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَاّ هُوَ} وهو الظاهر لأنه إذا لم يظهرها لأحد قبل وقوعها استمزت خفية إلى ذلك الوقت، وقيل إنه معنى قوله:{إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَاّ هُوَ} . قوله:) عظمت على أهلها الخ (في الكشاف ثقلت في السماوات والأرض أي كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة وبوذه أن يتجلى له علمها وشق عليه خفاؤها وثقل عليه، أو ثقلت فيها لأن أهلها يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها أو لأن كل شيء لى* يطيقها ولا يقوم لها فهي ثقيلة فيها، قال النحرير: يريد أن ثقلت على الأوّلين مجاز عن شقت، والكلام على حذف مضاف من الساعة ومن السماوات أي ثقل على أهل السماوات والأرض! خفاؤها، وعدم العلم بأهوالها أو توقعها وخوف شدائدها وأهوالها وعلى الأخير الكل على ظاهره، أي ثقلت عند الوقوع على السماوات حتى انشقت وعلى الأرض! حتى انهدت، وعلى الوجوه كلمة في استعارة منبهة على تمكن الفعل فيها وهو رذي من خصه بالأخير، والمصنف رحمه الله تعالى اختار الوجه الأوّل لأنه المناسب للسياق، والسياق إذ المخفي عنهم علمها ومن تبغتهم من فيها لا هي نفسها، فالثقل بالنسبة اليهم لكن الأخير يفيد الثقل عليهم بالطريق الأظهر لأنه إذا لم تطقها هذه، وهي أعظم الإجرام فما ظنك بمن عداها. قوله:) وكأئه إشارة إلى الحكمة في إخفائها (يعني لما فيها من الأهوال والأمور العظيمة الشاقة أخفى الله علمها عن الخلق ليعلم من يخافه بالغيب، ولعمارة الكون وإلا لترك كثير أمور دنياه. قوله: (إنّ الساعة الخ () 1 (أخرجه بهذا اللفظ ابن جرير من مرسل قتادة وهو في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه وتهيج بمعنى تتحرك والمراد به تقوم، وقيام الساعة مجاز عن قيام أهلها. قوله:
(عالم بها فعيل من حفى عن الشيء الخ (قال المعرب: الحفاوة أصل معناها الاستقصاء في الأمر للاعتناء به قال:
فإن تسألوا عني فيارث سائل حقيّ عن الأعشى به حيث أصعدا
ومنه إحفاء الشارب، والحفاوة أيضاً البر واللطف قال تعالى:{إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [سورة مريم، الآية: 47، وقال الراغب: الإحفاء الإلحاج في السؤال أو البحث عن تعرف الحال، ويقال حفيت بفلان وتحفيت به إذا اعتنيت بكرامته، والحفيّ العالم بالشيء ا!. وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أن المعنى الأخير مجاز متفرّع على لأوّل لأن من بحث عن شيء وسأل عنه استحكم علمه به فأريد به لازم معناه مجازاً أو كناية، فحاصله كأنك عالم بها وجملة كأنك الخ حال من مفعول يسألونك، فما قيل ظاهره أن معنى حفيئ عنها سائل عنها إلا أن المذكور في سورة القتال وهو المصزج به في اللغة أنه بمعنى المبالغة وبلوغ الغاية فقط، فمعنى السؤال فيه بطريق التضمين بقرينة عن الخ، ما ذكره مما لا محصل له، وقوله: (ولذلك عدّ! بعن (أي باعتبار أصل معناه وهو السؤال فإنه يتعذى بعن ولولا ذلك لعدى بالباء، يقال عالم به وحفيئ به ولذا قيل إن عن بمعنى الباء، وقيل إنه
ضمن معنى كاشف. قوله: (وقيل هي صلة يسالونك) فصلة حفيئ محذوفة والتقدير كأنك حفيّ بها أي معتن بشأنها حتى علمت حقيقتها ووقت مجيئها، أو كأنك حفيّ بهم أي معتن بأمرهم بزعمهم أن علمها عندك وحفي لا يتعدى بعن كذا في البحر. قيل: وكلام المصنف رحمه الله يقتضي أن حفي يتعدى بعن وفي الأساس من المجاز أحفي في السؤال، الحف وهو حفيّ في الأمر بليغ في السؤال عنه كأنك حفيّ عنها الخ، وليس بمعارض له لأنه باعتبار معناه المجازي كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى فلا فرق بينهما. قوله:(وقيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة الخ) معطوف على قوله من حفي عن الشيء إذا سأل عنه الخ، فحفي من الحفاوة بمعنى اللطف والشفقة، وهو يتعدى بالباء كما أشار إليه بقوله تتحفى بهم، وعن على هذا متعلق بالسؤال فهو مبنيّ على ما قبله أيضا، أو هو متعلق بمحذوف كتخبرهم وتكشف لهم عنها، والمعنى عليه أنهم يظنون أن عندك علمها لكن تكتمه فلشفقتك عليهم طلبوا منك أن تخصهم به. قوله:) وقيل معناه كأنك حفتي بالسؤال عنها (فعن متعلقة بحفيّ لتضمنه معنى السؤال، وقوله:) تحبه (تفسير لكأنك حفيّ بلازمه لأن من أحب شيئاً سأل وبحث عنه، ولكن تكره ذلك لأنه من المغيبات التي لا يجب البحث عنها، ومرله: (تكثره (هذا هو الصحيح، وفي نسخة نكره وهو من تحريف الكتبة، وقيل صرابه تؤثره،
وعبارة الكشاف يعني أنك تكره السؤال عنها لأنها من علم الغيب الذي استأثر الله به ا!. ولا وجه له كما مرّ. وقوله: (استأثره الله بعلمه) قيل حق العبارة استأثر الله بعلمه وقد مرّ بيانه، فالوجوه ثلاثة الأوّل إنه بمعنى عالم، والثاني بمعنى الشفقة، والثالث بمعنى المحبة، وقد علمت تعلقه مما مز. قوله:) كرره لتكرير يسألونك لما نيط به الخ) أي لما علق به من زيادة قوله كأنك حفيّ أو زيادة قوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وللمبالغة معطوف على قوله لما نيط به، والمبالغة من هذه الزيادة أيضا لأنّ قوله: كأنك عالم بها استبعاد لعلمه بها وهو الحبيب اكرم جميد فما حال من سواه، ويجوز عطفه على قوله لتكرير. قوله:(جلب نفع ولا دفع ضرّ الخ) وقع التبري بالياء في النسخ وكان الظاهر التبرؤ بالهمزة لكنه أبدل الهمزة ياء وعامله معاملة المعتل، كما يقال توضي في التوضؤ، وقوله: من ذلك إشارة إلى أن الاستثناء متصل لا منقطع كما قيل. قال النحرير: هو استثناء متصل أو منقطع واتصاله بالتأويل والتأويل ما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وفي البحر الاستثناء متصل أي إلا ما شاء الله من تمكيني منه فإني أملكه بمشيئته تعالى، وقيل الظاهر الانقطاع لأنّ المالكية بمعنى القدرة لأن ما يدل على نفي خلق الأعمال يدل على نفي وقوعها إلا أن يقال إنه بناء على الظاهر، وفيه نظر، وذلك إشارة للضرّ والنفع، وقوله: ما أنا إلا عبد مرسل أي لا قادر على الضرّ والنفع فالقصر إضافي. قوله:) من ادعاء العلم بالغيوب (وجه إظهار العبودية ظاهر لا! عدم المالكية من شأنه، والتبري من ادعاء العلم بالغيوب لأنه لو علم الأمور الآتية المغيبة ضارّها ونافعها، قبل الوقوع ربما تيسرت له تهيئة أسبابها ودفع أسباب الضرر، فحيث لم يكن ذلك علم عدم علمه بها في الجملة، ويكفي مثله في الأمور المسلمة من الخطابات كما يصرّج به قوله بعده: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ} الخ فسقط ما قيل لا يلزم من عدم تملك النفع والضرر عدم علم الغيب، فإنّ بعض الملائكة عليهم الصلاة والسلام عالم ببعض الغيوب، ولا يملك ضرّه ولا نفعه فإن أريد جميع الغيوب فمع قلة جدوه وعدم القرينة عليه من الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام لا يدعيه. توله: (ولو كنت أعلم الغيب الخ) فإن قيل العلم بالشيء لا يلزم منه القدرة عليه كما لا يخفى، قيل استلزام الشرط للجزاء لا يلزم أن يكون عقليا وكليا، بل يكفي أن يكون عاديا في البعض كما مرّ. قوله:(فإنهم المنتفعون بهما الخ) مبني الأوّل على تخصيص البشارة والإنذار
بالمؤمنين والثاني على تخصيص الإنذار بالكفرة والبشارة بالمؤمنين وقوله:) متعلق النذير محذوف (أي للكافرين وحذف ليطهر اللسان منهم، وفي نسخة محذوفا بالنصب وهو ظاهر. قوله: (وهو آدم) عليه الصلاة والسلام توطئة لما سيأتي من الجري على المعنى، وما قيل إنه للإشارة إلى أنّ الإنسان ليس هو الهيكل المركب من اللحم، ولذا قدر في منها من جسدها في غاية البعد. قوله: (من جسدها من ضلع من أضلاعها الخ (والظاهر أن من تبعيضية، وجوّز فيها أن تكون ابتدائية، وعلى الثاني من ابتدائية، واستشهد له بالآية لتعين أنّ الأزواج
من جنسهم لا من أبدانهم، وقوله من ضلع من أضلاعها بدل بعض من قوله من جسدها، وليس على حد أكلت من بستانك من العنب، كما قيل وكونها خلقت من ضلعه مصرّج به الحديث على ما يعلم الخالق سبحانه وتعالى حقيقته. قوله:(ليأنى بها ويطمئئ إليها الخ) يعني إنه من السكن، وهو الإن! أو من السكون، والمراد به الاطمئنان ومثل للسكون للجزء بالسكون للولد، وأما السكون إلى الجنس فظاهر لأنّ كل شيء إلى جنسه أميل بالطبع، والوجهان مبنيان على التفسيرين الاثنين، فالأوّل على الأوّل، والثاني على الثاني. قوله:) وإنما ذكر الضمير ذهابا إلى المعنى ليناسب قلما تغشاها) يعني ضمير يسكن المذكر للنفس المؤنثة سماعا لأن المراد منها آدم عختن، فلو أنث على الظاهر لتوهم نسبة السكون إلى الأنثى، والمقصود خلافه. وقال الزمخشري أنّ التذكير أحسن طباقاً للمعنى، وان كان التأنيث أوفق باللفظ ولا خفاء في أنّ رعاية جانب المعنى أولى، ووجه الأحسنية الإيماء إلى أنّ الذكر هو الذي يميل في غالب الأمر إلى الأنثى، وأيضا خلق الذكر أوّلاً وجعل منه زوجه إزالة لاستيحاشه فكان نسبة المؤانسة إليه أولى، ولأنّ التغشي بمعنى المجامعة المخصوصة بالذكر فتفريعها عليه أن! سب بتذكيره فيرجح جانب المعنى، وهو معنى قول المصنف رحمه الله ليناسب الخ. قوله:(خف عليها الخ (المشهور أنّ الحمل بالفتح ما كان في بطن أو على شجر، والحمل بالكسر خلافه وقد حكى في كل منهما الكسر والفتح، وهو هنا إما مصدر فينتصب مفعولاً مطلقا أو الجنين المحمول فيكون مفعولاً به، وخفته إما عدم التأذي به كالحوامل أو على الحقيقة في ابتدائه، وكونه نطفة لا تثقل البطن. قوله: (فاستمرّت به وقامت وقعدت الخ (قرأها الجمهور بتشديد الراء ومعناه استمزت به كما قرئ به في قراءة الضحاك وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولا وجه لما قيل) نه قلب
أي استمرّ بها حملها، وقرأ أبو العالية وغيره مرت بتخفيف الراء فقيل أصلها المشذدة فحففت، كما قيل ظلت في ظللت، وقيل: إنها من المرية أي الشك أي شكت في كونه حملا بإنسان أو مرضاً أو غيره، وقرأ عبد الله بن عمر والجحدري فمارت من مار يمور إذا جاء وذهب فهي بمعنى المشهورة، أو هي من المرية، فوزنه فاعلت وحذفت لامه للساكنين، وقوله: فظنت الحمل أي ظنت الحمل مرضا أو غير إنسان كما سيأتي. قوله: (صارت ذات ثقل الخ (أي الهمزة فيه للصيرورة، كقولهم أتمرو اللبن صار ذا تمر ولبن، وقيل: إنها للدخول في الفعل أي دخلت في زمان الثقل كأصبح دخل في الصباج، وفي قراءة المجهول الهمزة للتعدية، وهذا ناظر بحسب الظاهر إلى الوجه الثاني في الخفة، وقد ينطبق عليهما. قوله: (ولدا سوياً الخ (أي المراد بالصلاج عدم فساد الخلقة كنقص بعض الأعضاء وعلة ونحوه، وقوله على هذه النعمة المجذدة خصه بها لأنه الذي يتسبب عن الإيتاء فلا يقال لو حمله على جميع النعم، ويدخل فيه هذه كان أولى. قوله: (جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما الخ الما كان المراد من النفس الواحدة وقرينتها آدم عليه الصلاة والسلام وحوّاء وهما بريئان من الشرك، وظاهر النظم يقتضيه ذهبوا فيه إلى وجوه، ذهب إلى كل منها قوم من السلف، فأوّل أوّلاً بتقدير مضاف في موضعين أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما، إنما قدروه في موضعين هان كفى تقديره في الأوّل، واعادة الضمير على المقدر أوّلاً تقليلا للتقدير واستغناء عن إقامة الظاهر مقام المضمر، لأنّ الحذف هنا لم يقم عليه قرينة ظاهرة فهو كالمعدوم فلا يحسن عود الضمير عليه، وافراد ضمير سموه باعتبار لفظ ما، أو المراد سموا كل واحد على البدل، فما عبارة عن أولاد أولادهما، والمعنى جعلوا الأصنام شركاء له في أولادهم بإضافتهم العبودية إليها، وأورد عليه أنّ هذا من لازم اتخاذ هذه الأصنام آلهة ومتفرّع عليه لا أمر حدث عنهم لم يكن قبل فينبغي أن يكون التوبيخ على هذا دون ذلك، وليس بوارد لأنّ المقام يقتضي التوبيخ على هذا لأنه لما ذكر ما أنعم به عليهم من الخلق من نفس واحدة، وتناسلهم وبخهم على جهلهم، واضافتهم تلك النعم إلى غير معطيها وإسنادها إلى من لا قدرة له على شيء، ولم يذكر أوّلاً أمراً من أمور الألوهية قصداً حتى يوبخوا على اتخاذ الآلهة، وقيل عليه أيضا إشراك أولادهما لم يكن حين آتاهما الله صالحاً بل بعده بأزمنة متطاولة، وأجيب بأن كلمة لما ليست للزمان المتضايق بل الممتذ، فلا يلزم أن يقع الشرط والجزاء في يوم واحد أو شهر أو سنة، بل يختلف ذلك باختلاف
الأمور، كما يقال لما ظهر الإسلام طهرت البلاد من الكفر والإلحاد، والمضاف المقدّر أولاد في الموضعين فقام المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه.
قوله: (ويدل عليه قوله فتعالى الله عما يشركون (إذ جمع الضمير ولم يسبق جمع فيقتضي تقدير جمع وهو الأولاد، وأما احتمال كونه انتقالاً لتوبيخ المشركين حقيقة تفريعا على التوبيخ على مشبه الشرك، أو كون ضمير الجمع للمثنى فخلاف الظاهر. قوله:) وقيل لما حملت حوّاء الخ) هذا هو الوجه الثاني بحمل الكلام على ظاهره، وتأويل الشرك لأنه لم يقصد أنّ الحرث رب له، والعبد لا يلزم أن يكون بمعنى المملوك أو المخلوق، بل إنه لما كان سببا لنجاته ونجاة أمّه جعله كالعبد له مع أن الإعلام لا يلزم قصد معانيها الأصلية، وأما ما صدر عن الأولاد فشرك لأنهم قصدوا معانيها الأصلية بدليل عبادتهم لها، لكن لعلو مقامهما لا يناسبهما ما يوهم الإشراك في الاسم، وقوله:{فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ابتداء كلام لتوبيخ المشركين بعد إنكار ما يشبهه مما صدر عنهما، وقد استضعفه المصنف رحمه الله، لكنه كما قالوا مقتبس من مشكاة النبوّة، فإنه أخرجه أحمد والترمذقي وحسنه الحاكم وصححه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما ولدت حؤاء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال لها سميه عبد الحرث فإنه يعيش فسمته بذلك فعاس فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره ") 1 (وهو قول السلف كابن عباس ومجاهد وسعيد بن المسيب وغيرهم وما قيل إنه آحاد وليس في معرض تفسير الآية وبيانها ليس بشيء. قوله:) ويحتمل أن يكون الخطاب في خلقكم لآل قصي الخ (فعلى هذا الخطاب لقريش والنفس الواحدة قصيئ، ومعنى كون زوجها منها أنها
من جنسها كما مرّ، وقد استبعد هذا الوجه بأن المخاطبين لم يخلقوا من نفس قصيّ كلهم ولأجلهم، وإنما هو مجمع قريش، ولم تكن زوجة قرشية بل بنت سيد مكة من خزاعة، وقريش إذ ذاك متفرّقون وهذا مبنيئ على اختلاف يعلم من التواريخ والأنساب كما في السير، ولا يقال من أين علم أنه صدر منهما لأنه بإعلام الله إن كان هو معنى النظم، فقوله زوج قرشية غير مسلم، وقوله عبد مناف الخ مناف اسم صنم، وأضاف الآخر إلى شمس، وفي الكشاف عبد العزى، وأضاف أحدهم إلى نفسه، والآخر إلى الدار، وهي دار الندوة المعروفة. قوله: (ويكون الضمير في يشركون لهما ولأعقابهما الخ (لاجتماعهم في الشرك بخلافه في الوجه الأوّل، والتأوبل الرابع وهو أبعدها، وان قال في الانتصاف إنه أحسن وأقرب أن يكون المراد بالنفسين جنسي الذكر والأنثى لا يقصد به إلى معين، والمعنى خلقكم جنساً واحداً وجعل أزواجكم منكم أيضا، لتسكنوا إليهن فلما تغشى الجنس الذكر الجنس الآخر الذي هو أنثى جرى منهما كيت وكيت، ونسب إلى الجنسين ما صدر من بعضهم على حذ بنو فلان قتلوا قتيلا. قوله: (وقرأ نافع وأبو بكر شركاً الخ (أي بصيغة المصدر، والمعنى جعلا له شركة فيما خلقه أو جعلا الأصنام ذوي شرك له فيقدر مضاف، وهو على الأوّل متعذ لواحد، وعلى الثاني لاثنين والفرق بينهما ظاهر، وقوله: وهم ضمير إنما ذكره لأنه يختص بالعقلاء، فبين أنه جاء على زعمهم. قوله: (أي لعبدتهم (تفسير معنى لا تقدير مضاف لأن الضمير للمشركين وهم العبدة، وقوله: فيدفعون الخ يعني أن النصر عبارة عن دفع الضرر مجازاً في لازم معناه أو مشاكلة. قوله: (أي المشركين (يعني ضمير تدعوا للنبيّ ك! والمؤمنين أوله وجمع للتعظيم على ما فيه، وضمير المفعول للمشركين، وإن كان الخطاب للمشركين فهو التفات بدليل ما بعده من قوله:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ} . قوله: (إلى الإسلام (جعل الهدى اسما لما يهتدى به وهو الإسلام، وقوله في تفسيره إن تدعوهم إلى أن يهدوكم يقتضي أنه بمعناه المصدري، وهو الدلالة، وقد وقع مثله في الكشاف إشارة إلى جواز الوجهين، وقال النحرير في شرحه: أي يجوز أن يراد بالهدي ما صار بمنزلة الاسم، كما يقال فلان على هدي ورشاد، وأن يراد حقيقة معناه المصدري وهي الدلالة على الطريق المستقيم أو على البغية، ومعنى لا يتبعوكم على جعل الخطاب للمؤمنين لم يحصلوا ذلك منكم، ولم يتصفوا به واليه أشار المصنف رحمه الله
بقوله: لا يتبعوكم إلى مرادكم ومعناه على جعل الخطاب للمشركين لا يجيبوكم، ولا يقدرون على ذلك واليه أشار بقوله ولا يجيبوكم
ففي كلامه لف ونشر مرتب على التفسيرين. قوله: (وإنما لم يقل الخ (يعني القياس الشائع في الاستعمال بعد همزة التسوية وأختها هو الفعل لتأويله بالمصدر، ولكنه عدل عنه هنا لأن المستويين فيه إحداث الدعاء، واستمرار الصمت لا إحداثه، والفرق بين الوجهين اللذين ذكرهما المصنف رحمه الله مع قربهما وقرب معنى الثبات، والاستمرار إنّ استمرار الصمت على الأوّل تقديري، وعلى الثاني تحقيقي، فإن مبني الأوّل على وقوع الدعاء منهم وفرض! عدمه، ومبني الثاني على عدم وقوعه وفرض! وقوعه، والظاهر أن المبالغة على الوجهين في جعل الضمير للأصنام أو للمشركين، كما تقدم، وأنّ الأوّل مبنيّ على كون الضمير للمشركين، والثاني مبني على كونه للأصنام في قوله: أوأن تدعوهم! ولا منافاة لأن الأوّل مطلق الدعاء، وهذا الدعاء في الحوائج والشدائد، وقيل: إن الاسمية بمعنى الفعلية، وإنما عدل عنها لأنها رأس فاصلة وفيه أنه لو قيل يصمتون تم المراد، والصمات بضم الصاد مصدر بمعنى الصصت، وفعال مصدر الأصوات كالصراخ وهذا محمول على ضده. قوله: (تعبدونهم وتسمونهم ا-لهة الخ (يعني أنّ الدعاء إقا بمعنى العبادة تسمية لها بجزئها، أو بمعنى التسمية كدعوته زيداً ومفعولاه محذوفان، ولو قال أو تسمونهم كان أولى، وبتفسيره بما ذكر انتفت منافاته للوجه الثاني في قوله: {أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ} . قوله: (من حيث إنها مملوكة مسخرة (أي مملوكة لله مسخرة له، وقوله ويحتمل الخ، عطف على قوله من حيث إنها مملوكة الخ، فتكون المثلية في الحيوانية، والعقل على الفرض، والتقدير لكونها بصورتها، وقصارى بضم القاف بمعنى غاية. قوله:) ثم عاد عليه بالنقض (أي عاد على الفرض! المبنيّ عليه المثلية بالإبطال فقال ألهم الخ، وعلى الأوّل لما جعلهم مثلهم كرّ على المثلية بالنقض لأنهم أدون منهم، وعبادة الشخص منهو مثله لا تليق فكيف من هو دونه، وليس المراد إن من لم يكن له هذه لا يستحق الألوهية، وإنما يستحقها من كانت له ذهب إليه بعض المجسمة واستدل به على مذعاه. قوله: (وقرئ أن الذين بتخفيف إن ونصب عباد الخ) هذه قراءة سعيد
ابن جبير، وخرجها ابن جني على أنها نافية عملت عمل ما الحجازية وهو مذهب الكسائيّ وبعض الكوفيين، لكن قيل: إنه يقتضي نفي كونهم عباداً أمثالهم، والمشهورة تثبته فتتناقض القراءتان، وأجيب بأنه لا تناقض لأن المشهورة تثبت المثلية من بعض الوجوه وهذه تنفيها من كل الوجوه أو من وجه آخر، وقيل: إنها إن المخففة من الثقيلة، وانها على لغة من نصب بها الجزأين كقوله:
إنّ حراسنا أسدا
وأعمال المخففة ونصب جزأيها كلاهما قليل ضعيف، فلذا جعل عبادأ حالاً، وأمثالكم
هو الخبر في القراءة برفعه والخبر محذوف وهو الناصب للمذكور. قوله:) ولم يثبت مثله (القائل به يمنع ذلك، ويقول إنه ثابت في كلام العرب كقوله:
إن هومستولياعلى أحد إلا على أضعف المجانين
وضتم طاء يبطش وكسرها لغتان وبهما قرئ والبطش الأخذ بقوّة. قوله؟ (واستعينوا بهم
الخ) أي دعوتهم لذلك بقرينة ما بعده، والأمر للتعجيز، وقوله من مكر وهي أنتم وشركاؤكم أي الضمير لهم جميعا، وفي نسخة من مكر أنتم وشركاؤكم. قوله:(الوثوقي على ولاية الله تعالى وحفظه) أي لاعتمادي ولذا عذاه بعلى وهو إشارة إلى أنّ الجملة التي بعده للتعليل، وليس تقدير الشيء فإنّ ما بعده يفيده، وأل في الكتاب للعهد، فلذا فسره بالقرآن. قوله:) أي ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين الخ (إشارة إلى أنّ قوله: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} تذييل وتقرير لما سبق، وتعريض لمن فقد الصلاج بالخذلان والمحق، والمعنى أنّ وليي الذي نزل الكتاب المشهور الذي تعرفون حقيته، ومثله يتولى الصالحين ويخذل غيرهم، والذين تدعون من دونه الآيتين، كالمقابل له وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين، هنا ما أراد يوسف عليه الصلاة والسلام بقوله: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [سورة يوسف، الآية: 101] ففضلا في محزه. قوله:) من تمام التعليل لعدم مبالاته الخ (اللام صلة التعليل وهو دفع لتوهم التكرار لسبق مثله، ولذا قيل ما مرّ للفرق بين من تجوز عبادته وغيره، وهذا جواب ورد لتخويفهم له بآلهتهم. قوله: (يشبهون الناظرين إليك الخ)
أي الأصنام قال
الإمام رحمه الله: إن حملنا هذه الصفات على الأصنام فالمراد من كونها ناظرة كونها مقابلة بوجوهها أوجه القوم، وان حملناها على المشركين فالمعنى أنهم وإن كانوا ينظرون إليك فإنهم لا ينتفعون بالنظر والرؤية فصاروا كأنهم عمي، وقيل يشبهون من باب الأفعال أي يشابهونهم ففيه إشارة إلى أنه استعارة تصريحية تبعية بأن يشبه مالهم من الهيثة بالنظر فتطلق عليه أو مكنية، ولا يجب أن تكون قرينة المكنية التخييلية، وفيه بحث وخطاب تراهم للنبيّ-يخت أو لكل واقف عليه والرؤية بصرية أو علمية. قوله:(خذ ما عفا لك الخ (أي العفو صدر عفا بمعنى سهل، وتيسر وأريد به ما يتيسر وخذ بمعنى أقبل وأرض مجازاً أي أرض منهم ما تيسر من أعمالهم، ولا تدقق وتشدد والجهد بمعنى المشقة أو المراد بالعفو ظاهره أي اعف عمن أذنب، وفيه استعارة مكنية إذ شبه العفو بأمر محسوس يطلب فيؤخذ. قوله: (أو الفضل وما يسهل الخ (أي المراد أن يأخذ من صدقاتهم ما عفا أي سهل عليهم وهو الفضل أي الزائد عن نفقتهم ولوازمهم والمتبادر من الأخذ أخذ المال ونحوه، والإمام ليس مأمورأ بأخذ الصدقات ليصرفها في مصارفها بل بأخذ الزكاة فدل ذلك بالقرينة العقلية على أنه كان ذلك بمنزلة الزكاة فيكون قبل وجوبها فلا يقال إنه تقييد من غير دليل بعينه، وقال الجوهريّ: العفو ما فضل عن النفقة من المال. قوله: (فلا تمارهم ولا تكافئهم الخ) المماراة المجادلة والمكافأة أن تفعل به كما فعل بك أو تنتقم منه، وكون الآية جامعة لمكارم الأخلاق ظاهر، وقد فسر هذا في الحديث القدسي لما سأل النبئ صلى الله عليه وسلم عنها جبريل عليه الصلاة والسلام فسأل رب العزة ثم رجع فقال يا محمد آنّ ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، وعن جعفر الصادق أمر الله نبيه ىشي! بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، وفي الحديث " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وكان خلقه عخي! القرآن:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم، الآية: 4] فقيل إن زبدة الحديث مفسرة لزبدة الآية فإن زبدتها تحرّي حسن المعاشرة مع الناس، وتوخي بذل المجهود في الإحسان إليهم والمداراة معهم والإغضاء عن مساويهم لكن القرآن مادّته عائة، والحديث القدسي ماذته خاصة، وقد علم كل أناس مشربهم فافهم. قوله:(يتخسنك منه نخس) إشارة إلى أن الإسناد مجازي لجعل المصدر فاعلا كجد جذه وقيل النزع بمعنى النازغ فالتجوّز في الطرف والأوّل أبلغ وأولى، وفيه مجاز آخر سيجيء، وقوله تحملك على خلاف ما أمرت بيان لارتباط الآية بما قبلها، وجعل النزغ والنسغ بالسين المهملة، والعين
المعجمة والنخس مترادفة وفسرها بالغرز بغين معجمة وراء مهملة وزاي معجمة، وهو إدخال الإبرة، وطرف العصا وما يشبهه في الجلد كما يفعله السائق لحث الدواب، وقوله: كاعتراء غضب أي عروضه والمراد بالفكرة ما يعرض للفكر مما يمنع ذلك بتخييل محذور فيه. قوله: (شبه وسوسته للناس إغراء الخ (فهو استعارة تبعية فأصلية لتشبيه الإغراء بالغرز المذكور كما أنّ فيه إسنادا مجازيا، وقوله للناس بيان لمعنى مطلق النزغ العائم في الناس غيره صلى الله عليه وسلم، وأما نزغ الشيطان له فهو الغضب والفكر كما مرّ، وهو داخل في الإزعاج لأن المراد به كل ما يقلق النفس، وهو وجه الشبه بين النزغ والوسوسة وهو لا يخالف ما في الكشاف كما توهم ففيه استعارة تبعية. قوله: (يسمع استعاذتك الخ) المراد بالسماع ظاهره، وخصه لمقتضى المقام أو القبول والإجابة للدعاء بالاستعاذة، وقوله فيحملك يعني المراد من علمه بذلك وهو بكل شيء عليم إنه يوفقه له ويحمله عليه كما أن المراد من علمه بأفعالهم مجازاتهم عليها، ومشايعة بشين معجمة وياء تحتية مثناة وعين مهملة متابعته في الغضب، ونحوه لأن التابع من شيعة المتبوع. قوله: (لمة منه وهو اسم فاعل الخ (اللمة بفتح اللام من لم به إذا جاءه، ومنه إلمام الزيارة والمراد وسوسته، وهو على هذه القراءة اسم فاعل من طات بالشيء إذا دار حوله وجعل تلك اللمة طائفا لأنها وان جعلها مساً لا تؤثر فيهم فكأنها طافت حولهم ولم تصل إليهم، فلا يرد عليه ما قيل إنّ مسهم يدل على الإصابة، أو هي من طاف طيف الخيال إذا عرض لفكره فالمراد بالطائف الخاطر، وقراءة طيف على المصدرية أو هو مخفف طيف من طاف يطيف
كلان يلين فهو لين، ثم لين أو من طاف يطوف فهو طيف، ثم طيف وتمثيله بهما إشارة لهذين الاحتمالين وقوله، ولذلك جمع ضمميره أي في قوله وإخوانهم يمدونهم أو المراد الجنس لا إبليس فقط، وهو تقرير لما قبله من ا3 مر بالاستعاذة عند نزغ الشيطان. قوله:(وإخوان الشياطين الذين لم يتقوا الخ) الذين لم يتقوا صفة لإخوان مبينة لمعنى الأخوة بينهم، ويمدهم الشياطين بمعنى يعاونونهم والتقدير إخوان الشياطين يمدهم الشياطين فالخبر جار على غير من
هو له لأن الضمير فيه للشياطين لا لإخوان الذي هو مبتدأ وفيه كلام في أنه هل يجب إبراز الضمير أو لا يجب في الفعل كالصفة المختلف فيها بين أهل القريتين. قوله: (يمدّهم الثياطين في الغي بالتزيين والحمل عليه الخ (أي المدد الإعانة، وهي بالتزيين والحمل عليه وقوله كأنهم الخ بيان لمعنى المفاعلة المجازية على حد ما مرّ في وواعدنا موسى، والمراد بالتسهيل تهوين المعاصي عليه أو تهيئة أسبابه، وقيل المعنى واخوان الشياطين يمذون الشياطين بالاتباع والامتثال فيكون الخبر جارياً على ما هو له.
تنبيه: قال أبو علي رحمه الله: في الحجة قرأ نافع يمذونهم بضم الياء وكسر الميم، والباقون بفتح الياء وضم الميم وعامّة ما جاء في التنزيل مما يستحب أمددت على أفعلت كقوله:{أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} [سورة المؤمنون، الآية: 55، وما كان على خلافه يجيء على مددت قال تعالى:{وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [سورة البقرة، الآية: 15، وقال أبو زيد: أمددت القائد بالجند، وأمددت القوم بمال ورجال وقال أبو عبيدة: يمدّونهم في الغيّ يزينون لهم يقال مد له في غيه، وهكذا يتكلمون فهذا مما يدل على أن الوجه فتح الياء كما ذهب إليه الأكثر ووجه قراءة نافع أنه بمنزلة فبشرهم بعذاب أليم ا!. قوله:(لا يمسكون عن إغوائهم الخ) يقصرون من أقصر إذا أقلع وأمسك قال:
سما لك شوق بعدما كان أقصر
وقرئ يقصرون من قصر وهو مجاز عن الإمساك أيضا، وقوله حتى يردوهم كذا في نسخة وفي أخرى يردونهم قيل فيه بحث أما في اللفظ ففي إثبات النون، وأفا في المعنى فلأنّ إخوان الشياطين ليسوا على صلاح الأمر حتى يردوا عنه، اهـ وفيه أن إثبات النون ليس في النسخة الصحيحة، ولو كان أيضا فله وجه وأمّا الصلاح الذي ذكره فلا صلاج له لأنّ المحنى لا يمسكون عن إغوائهم حتى يردونهم إلى مرادهم، وهو فساد على فساد فلا توجه للبحث. قوله:) ويجوز أن يكون الضمير للإخوان الخ (أي ضمير يقصرون وما قبله جار على ما قرره، وفسره بقوله ولا يتقون كالمتقين أي كما يتقي المتقون ويقصرون عن الفيّ وفي نسخة لا يكفون عن الفيّ، وهو ظاهر. قوله:) ويجوز أن يراد بالإخوان الشياطين (أي إخوان الجاهلين وهم الشياطين أي الشياطين يمدون الجاهلين في الغيّ فالخبر جار على من هو له، وقوله ويرجع الضمير أي مفعول يمذون ويقصرون إلى الجاهلين في قوله، وأعرض! عن الجاهلين وفي الكشاف والأوّل أوجه لأنّ إخوانهم في مقابلة الذين اتقوا. قوله: (هلا جمعتها (أي لولا
للتحضيض كهلاً، واجتبى له معنيان جمع كجباه تقول جبى كذا لنفسه كجمعه، واجتمعه والآخر بمعنى أخذ يقال جبى له كذا فاجتباه أي أخذه، والآية فسرت بآيات القرآن التي لم تنزل على مرادهم أو بالخوارق التي اقترحوها، فعلى الأوّل يكون معنى قولهم هلا جمعها ولفقها من عند نفسه افتراء كما أتى به، أوّلاً فإنه على زعمهم كذلك وعلى الثاني معناه هلا أخذها من الله بطلب منه، وهو مجاز على الثاني علاقته السببية وفي الدر المصون جبى الشيء جمعه مختارآ، ولذا غلب اجتبيته بمعنى اخترته وهو تهكم من الكفار كما قاله الطيبي رحمه الله: ففي كلامه لف ونشر مرتب كما في قوله: (لست بمختلق) والتقول والاختلاق الكذب، ونصب وأنصت بمعنى وقد جاء أنصت بمعنى أسكت متعديا قال الكميت:
أبوك الذي أجدى عليك بنصرة فانصت عني بعده كل قائل
قوله: (هذا القرآن بصائر للقلوب الخ) على طريق التشبيه البليغ أو سبب البصائر فهو
مجاز مرسل أو هو استعارة لإرشاده وجمع خبر المفرد لاشتماله على آيات وسور جعل كل منها بصيرة. قوله:) نزلت في الصلاة كأنوا يتكلمون فيها الخ) اختلف في سبب نزولها على وجه ينبني عليه معناها، فقال الجصاص: سببها كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبتي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة وقرأ معه أصحابه
فخلطوا عليه فنزلت وكذا روى الشعبي وغيره، وهي تدل للحنفية في أنه لا يقرأ في سرية ولا جهرية لأنها تقتضي وجوب الاستماع عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وقد قام الدليل في غيرها على جواز الاستماع وتركه فبقي فيها على حاله في الإنصات للجهر، وكذا في الإخفاء لعلمنا بأنه يقرأ وإن لم نسمعه، وقال مالك رحمه الله تعالى ينصب في الجهرية ويقرأ في السرية لأنه لا يقال له مستمع، وقال الشافعيئ رضي الله تعالى عنه يقرأ في الجهرية والسرية في رواية المزنيّ، وفي رواية البويطي إنه يقرأ في السرية أتم القرآن ويضم السورة في الأوليين، ويقرأ في الجهرية أم القرآن فقط، وسبب نزول الآية كما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت فالنهي إنما هو عن التكلم لا عن القراءة وهو معنى قوله نزلت الخ وكون الاستماع خارج الصلاة مستحبا متفق عليه، وقوله فأمروا باستماع الخ ظاهره أنه لا يقرأ وهو مخالف لمذهبه إلا أن يكون مراده أنه يستحب للإمام في الجهرية سكتتان سكتة بعد التكبير لدعاء الافتتاح، وسكتة بعد الفاتحة ليقرأ المقتدي كما نقل في الأحكام، وسيشير إليه المصنف رحمه الله، والوجه أن مراده أنها وردت في ترك الكلام لا في القراءة فلذا لم يتعرض! لها فلا يرد عليه ما ذكر، وقوله: (واحتج به من لا يرى الخ (وجه
الاحتجاج ما سمعته ولا ضعف فيه بل ظاهر النظم معه، والكلام عليه وما فيه مفصل في الفروع. قوله:(عامّ في الآذكار الخ (أي هو عاتم لكل ذكر، أو هو مخصوص بالقرآن والمراد به قراءة المقتدي سراً بعد فراغ الإمام عن قراءة الفاتحة، وأورد عليه أنه يكون قوله: {وَدُونَ الْجَهْرِ} تكرار والعطف يقتضي المغايرة، وفي كلام الإمام ما يدفعه حيث قال: المراد بالذكر في نفسه أن يكون عارفا بمعاني الأذكار التي يقولها بلسانه مستحضر الصفات الكمال والغز والعظمة والجلال، وذلك لا! الذكر باللسان عارياً عن الذكر بالقلب كأنه عديم الفائدة فتأفل. قوله: (متضرّعاً وخائفاً (أي هو حال بتأويله باسم الفاعل، أو بتقدير مضاف أي إذا تضرّع وخيفة، وأما كونه مفعولاً لأجله فلا يناسبه، وأصل خيفة خوفة. قوله:) ومتكلماً كلاما الخ (أي هو صفة لمعمول حال محذوفة لأنّ دون لا تتصزف على المشهور وهو معطوف على تضرّعا وقيل إنه معطوف على قوله في نفسك أي اذكره ذكراً في نفسك، وذكراً بلسانك دون الجهر الخ. قوله:) فوق السر ودون الجهر (قيل إنه احتراز عن الكلام النفسي، لا المخافتة، فالسز هو القلبي لا القولي، وقيل المراد بالسر تصحيح الحروف، وهو أدنى مرتبة المخافة فيتناول نوعا من كل منهما وذلك أدخل في الخشوع والإخلاص أو أراد به مطلق المخافتة، وبالجهر المفرط منه فيكون المأمور به ما فوق المخافتة، وما دون الجهر المفرط فيختص بنوع من الجهر، قال الإمام المراد أن يقع الذكر متوسطا بين الجهر والمخافتة كما قال تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [سورة الإسراء، الآية: 110] . قوله:) بأوقات الغدوّ والعشيات الخ الما كان الظاهر جمعهما أو إفرادهما أشار إلى أن الغدوّ مصدر، ولذا لم يجمع ولكنه عبر به عن الزمان كما في آتيك خفوق النجم وطلوع الشمس، وأنه يقدر فيه مضاف مجموع ليتطابقا لكن، في القاموس أن الغدوة تجمع على غدوّ فتحصل المطابقة، وفي الصحاح الغدوّ نقيض الرواح وقد غدا يغدو غدوّا وقوله تعالى:{بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} أي بالغدوات فعبر بالفعل عن الوقت كما يقال جئتك طلوع الشمس أي وقت طلوعها. قوله: (وقرئ والإيصال الخ (أي بالأفعال بالكسر مصدر أصل، إذا دخل في وقت الأصيل وهو والعشي آخر النهار، وهذه قراءة أبي مجلز واسمه لاحق بن حميد السدوسي البصري، وهي شاذة والآصال جمع أصل وأصل جمع أصيل فهو جمع الجمع وليس للقلة وليس جمعا لأصيل، لأنّ فعيلا لا يجمع على أفعال وقيل أنه جمع له لأنه قد يجمع عليه كيمين وأيمان،
وقيل إنه جمع لأصل مفرداً كعنق ويجمع على أصلان أيضا، وقوله مطابق للغدوّ أي في الإفراد والمصدرية لأنه مصدر آصل إذا دخل في الأصيل، وقوله يعني ملائكة الملأ الأعلى، فالمراد بالعندية القرب من الله بالزلفى والرضا لا المكانية أو المراد عند عرس ربك. قوله:(ويخصونه بالعبادة الخ) اعتبر العبادة فيه لأنّ السجود عبادة ولأنه تعريض بمن عبد غيره، وجعل التقديم للتخصيص الإضافي ليفيد التعريض المقصود، وقيل إنه للفاصلة والتخصيص من المقام وكذا