المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في الصناعات، وما يزاول بالأعمال كالكتابة والخياطة ذهب الزجاج وتبعه - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٤

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: في الصناعات، وما يزاول بالأعمال كالكتابة والخياطة ذهب الزجاج وتبعه

في الصناعات، وما يزاول بالأعمال كالكتابة والخياطة ذهب الزجاج وتبعه غيره إلى أنّ الولاية لاحتياجها إلى تمرد وتدوب شبهت بالصناعة، فلذا جاء فيها الكسر كالإمارة، وهذا يحتمل أن الواضع حين وضعها شبهها بذلك فتكون حقيقة، ويحتمل كما في بعض شروح الكشاف أن تكون استعارة، كما سموا الطب صناعة لكنها وان كان التصرف فيها في الهيئة لا في المادة استعارة أصلية لوقوعها في المصدر دون المشتق، ومنه يعلم أن الاستعارة الأصلية قسمان ما يكون التجوّز في مادته وما يكون في هيئته، وقوله: كأنه بتوليه الخ، أي كأنّ صاحبه يزاول عملاً بتوليه أي يحاوله ويعالجه، وضمير كأنه للولي أو للشأن. قوله:(فواجب عليكم الخ) فسره به لأنّ على تدل عليه وهو مبتدأ أو خبر، وقوله وهو بمفهومه الخ لدلالة تعليق الحكم بالوصف، على أن موالاة بعض الكفار إنما تليق بالكفار، فعلى المؤمنين أن لا يوالوا إلا المؤمنين. قوله: (ألا تفعلوا ما أمرتم به الخ (وقيل: الضمير المنصوب للميثاق أو حفظه أو النصر أو الإرث، وعوده على جميعها أولى كما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل إنه للاستنصار المفهوم من الفعل، وهو تكلف وتكن تامّة فاعلة فتنة، والفتنة إهمال المؤمنين المستنصرين بنا حتى يسلط عليهم الكفار وفيه وهن للدين،

وقراءة كثير بالمثلثة مروية عن الكسائي. قوله: (لما قسم المؤمنين الخ) أي إلى من آمن وهاجر، ومن لم يهاجر وأنصار، والذين حققوا الخ هم المهاجرون، والذين وقع منهم بذل المال ونصرة الحق هم الأنصار، وقوله ووعد لهم عطف على بين، وضمنه معنى ذكر فلذا عداه باللام. قوله:(لا تبعة له الخ) بيان لكرمه بأنه لا يطالب فيه ولا يمن، والإلحاق يشعر بأنهم دونهم رتبة، وهو كذلك، واختلف في قوله:(من بعد) فقيل بعد الحديبية وهي الهجرة الثانية، وقيل بعد نزول هذه الآية، وقيل بعد بدر، والأصح أنّ المراد والذين هاجروا بعد الهجرة الأولى، وقوله:(من الأجانب (متعلق بقوله بأولى، وهي من التفضيلية. قوله: (في حكمه أو في اللوح الخ) لأنّ كتاب الله يطلق على كل منها، وليس المراد بالقرآن آية المواريث، لأنه لا يناسب ما بعده، بل المراد هذه الاية وفيه تأمل. قوله:(واستدل به على توريث ذوي الأرحام) لأنّ هذه الآية نسخ بها التوارث بالهجرة، ولم يفرق بين العصبات وغيرهم، فهو حجة في إثبات ميراث ذوي الأرحام الذين لا قسمة لهم ولا تعصيب، وبها أيضا احتج ابن مسعود رضي الله عنه على أنّ ذوي الأرحام أولى من مولى العتاقة، وخالفه سائر الصحابة رضوان الله عليهم، وإنما يصح الاستدلال إذا لم يكن المراد بكتاب الله تعالى آيات المواريث السابقة في سورة النساء، ولذا أشار المصنف رحمه الله إلى ضعف الاستدلال المذكور. قوله:(من الموارث والحكمة في إناطتها بنسبة الإسلام) المراد أخوة المهاجرة التي كان بها التوارث، واعتبار القرابة ثانياً، أي نسخ ذلك ثم حصر التوارث في اننسب الحقيقي. قوله:(من قرأ سورة الأنفال الخ)(1) هذا الحديث موضوع من جملة الحديث المشهور الذي ثبت وضعه، (تتم) تعليقنا على سورة الأنفال، اللهم اجعلنا ببركتها ممن غنم رضاك، وفاز بجزيل عطاياك، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

سورة‌

‌ براءة

قوله: (مدنية) أي الاتفاق إلا الآيتين المذكورتين وفي كتاب العدد للداني ما يخالفه. قوله: (وهي آخر ما نزل الخ) كما اختلف في أوّل نازل اختلف في آخره أيضا، فقيل هو هذه السورة، وقيل سورة المائدة، وآخر آية نزلت:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [سورة النساء، الآية: 176] وفي كونها آخراً مع تعلقها بالموت اتفاق عجيب، وقوله: أسماء أخر أي غير سورة براءة، وأسماؤها كلها بصيغة الفاعل إلا البحوث بفتح الباء، فإنه صيغة مبالغة بمعنى اسم الفاعل، وقد ذكر المصنف رحمه الله معناها، ووجه التسمية بها على اللف والنشر بقوله- لما فيها الخ، وسكت عن التصريح بتعليل التسمية بالمبعثرة كما قيل وليس كذلك لأنها بمعنى المثيرة كما يشير إليه كلامه من تدبر، وعن المنقرة والتسمية بسورة العذاب لفهم الأؤل من تعليل التسمية بالبحوث والمثيرة، والثاني من تعليلها بالمدمدمة. قوله:(لما فيها من التوبة الخ) بيان لوجه التسمية بما ذكر، وأشار بما فيها من التوبة إلى

ص: 294

قوله تعالى: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} إلى قوله: {عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} [سورة التوبة، الآية: 118] والقشقشة معناها التبرئة وهي مبرئة من النفاق، وهو وجه تسميتها بالمقشقشة، ولو قال التبرئة وأطلقها لكان أظهر وأولى، والبحث التفتيش وهو وجه تسميتها بالبحوث، والمنقرة أيضاً لأنّ التنقير في اللغة البحث والتفتيش، واثارتها أي إخراج تلك الحال من الخفاء إلى الظهور وهو وجه تسميتها مبعثرة ومثيرة، وقوله:(والحفر عنها) بمغنى البحث عنها إنجازاً وهو وجه تسميتها الحافرة، وما يخزيهم بالخاء المعجمة والزاي، وما يفضحهم وجه تسميتها المخزية والفاضحة، وينكلهم أي يعاقبهم ويشرد بهم، أي يطردهم ويفرقهم وجه المنكلة والمشردة ويدمدم عليهم أي يهلكهم وجه المدمدمة، وعلم منه أو من التنكيل وجه تسميتها سورة العذاب، وليس في السور أكثر أسماء منها، ومن الفاتحة. قوله:(وإنما تركت التسمية فيها لأنها نزلت لرفع الأمان الخ) أشار إلى وجه ترك كتابة البسملة في هذه السورة والتلفظ بها دون غيرها، وللسلف فيه أقوال ثلاثة: أصحها هذا، ولذا قدمه ولم يصدره بقيل، وقيل: لأنها مع الأنفال سورة واحدة، والبسملة لا تكتب في خلال السور، وقيل: لأنه لم

يعين محلها ولم يبين أنها سورة مستقلة، واختلفت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في ذلك، كما سيأتي ووجه ما اختاره أمّا رواية فلأنه مرويّ عن عليّ رضي الله عنه، وأما دراية فلأنّ تسميتها بما مرّ يقتضي أنها سورة مستقلة، وتعليل التسمية لا ينافي ا! التسمية توقيفية لأنه بيان لوجه التوقيف، ولأنّ ترتيب السور والآيات ثابت بالوحي. قوله:(وقيل كان النبتي صلى الله عليه وسلم (1 (هكذا رواه أبو داود وحسنه والنسائيّ وابن حبان، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي الكشاف سأل عن ذلك ابن عباس رضي الله عنهما عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزلت عليه السورة أو الآية، قال: " اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا)(2 (وتوفي رسول اللهءلجيييه ولم يبين لنا أين نضعها، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فلذلك قرنت بينهما وكانتا تدعيان القرينتين يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان يبين موضع السورة ولم يبين ههنا، وكانت القصتان متشابهتين فلم يعلم أنّ هذه كالآيات من الأنفال فتوصل بها، كالآية بالآية أو سورة مغايرة لها ليفصل بينهما بالتسمية، فقرن بينهما بلا تسمية، كما تقرن الآية بالآية وهذا يقتضي أنّ ترتيب السور توقيفي كما قيل. قوله: (وقيل لما اختلقت الصحابة رضي الله عنهم الخ) فترتيبها على هذا القول معلوم بتوقيف منه تج! ييه، ولكن التردّد في كونها سورة أو بعض سورة فروعي الجانبان بالفصل بينهما وترك إثبات البسملة، وهذا هو الفرق بينه وبين ما قبله، ولم يذكر القول بأنها سورة واحدة جزما كما في الكشاف، إذ يلزم ترك الفرجة بينهما والطول بالضم كصرد وهي من البقرة إلى الأعراف، والسابعة سورة يونس أو الأنفال وبراءة على القول بأنهما سورة واحدة كذا في القاموس، ووقع في نسخة الطوال والمصحح هو الأوّل. (أقول (هذا زبدة ما في الحواشي، وقال السخاوي رحمه الله في جمال القراء: إنه اشتهر تركها في أوّل براءة، وروي عن عاصم رحمه الله التسمية في أوّلها وهو القياس لأنّ إسقاطها إما لأنها نزلت بالسيف أو لأنهم لم يقطعوا بأنها سورة مستقلة، بل من الأنفال ولا يتم الأوّل لأنه مخصوص بمن نزلت فيه، ونحن إنما نسمي للتبرك ألا ترى أنه يجوز بالاتفاق بسم الله الرحمن الرحيم وقاتلوا المشركين الآية ونحوها، فإن كان الترك لأنها

ليست مستقلة فالتسمية في أوّل الأجزاء جائزة، وروي ثبوتها في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه فليس مخالفاً للمصاحف، وذهب ابن منادر إلى قراءتها وفي الإقناع جوازها، فقول الجعبري رحمه الله: إن كان ما قال السخاوي نقلا فمسلم والا فلا الخ لا وجه له، والمعول عليه الأوّل إلا أنه لم يفهم المراد منه لأنّ المراد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أن ينادي بها فهي كالأوامر الشرعية، ومثله لا يبدأ بها، وأما حكمها شرعا فهو استحباب تركها، وأما القول بحرمتها ووجوب تركها كما قاله بعض مشايخ الشافعية فالظاهر خلافه. قوله:(ابتدائية متعلقة بمحذوف الخ) أما كونها ابتدائية فلمقابلتها بإلى، وأما تعلقها بمحذوف وكونها غير صلة لبراءة فلفساد المعنى فيه والتبري من الله ورسوله! هـ، ومن جوّزه هنا فقد وهم وقدّروا صلة

ص: 295

دون حاصله لتقليل التقدير لأنه يتعلق به إلى هنا أيضاً، ومن غفل عنه قال: يجوز أن يكؤفى ظرفاً مستقزاً بتقدير حاصلة، وعلى كون إلى الذين خبرا يقدر له متعلق آخر، وقراءة النصب قرأ بها عيسى بن عمر وهي منصوبة باسمعوا أو بالزموا على الإغراء، وقوله برئا الخ إشارة إلى أن فيه معنى التجدّد والحدوث، وفي الكشاف وقرأ أهل نجران من الله بكسر النون، والوجه الفتح مع لام التعريف لكثرته اهـ وقوله والوجه الفتح حقه أن يقول والقراءة لأنّ اله! مر لالتقاء الساكنين أو لاتباع الميم قراءة شاذة. قوله: (وإنما علقت البراءة الخ (لما كان حق البراءة أن تنسب إلى المعاهد قال في الكشاف: فإن قلت لم علقت بالبراءة بالله ورسوله، والمعاهدة بالمسلمين، قلت قد أذن الله في معاهدة المشركين أوّلاً، فاتفق المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدوهم، فلما نقضوا العهد أوجب الله تعالى النبذ إليهم، فخوطب المسلمون بما تجدّد من ذلك، فقيل لهم اعلموا أن الله ورسوله لمجر قد برئا مما عاهدتم به المشركين. اهـ وحاصله كمافي الكشف إن عاهدتم إخبار عن سابق صدر من الرسول ىلمج! والجماعة، فنسب إلى الكل كما هو الواقع، وان كان بإذن من الله أيضاً لقوله {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [سورة الأنفال، الآية: 61] والثاني إخبار عن حادث فكيف ينسب إليهم وهم لم يحدثوه بعد وإنما يسند إلى من أحدثه، وفي الانتصاف أن سر ذلك أنّ نسبة العهد إلى الله ورسوله جميد في مقام نسب فيه النبذ إلى المشركين لا يحسن أدبا ألا ترى إلى وصية رسول الله عشحر لأمراء السرايا إذا قال لهم: " إذا نزلتم بحصن فطلبوا النزول على حكم الله فانزلوهم على حكمكم فاثكم لا تدرون أصادفتم حكم الله فيهم أو لا، وإن طلبوا ذمة الله، فأنزلوهم على دينكم فلأن تخفر

ذمتكم خير من أن تخفروا ذمة الله " (1 (فانظر إلى أمره صلى الله عليه وسلم بتوقير ذمة الله مخافة أن تخفر وإن كان لم يحصل بعد ذلك الأمر المتوقع، فتوقير عهد الله وقد تحقق من المشركين النكث، وقد تبرأ منه الله ورسوله بأن لا ينسب العهد المنبوذ إلى الله أحرى وأجدر، وفلذلك نسب العهد إلى المسلمين دون البراءة منه هذا وجه التخصيص الذي في الكشاف وشروحه، وأما ما ذكره المصنف رحمه الله فقيل عليه إنه لم يعلم منه وجه تعليق المعاهدة بالمسلمين، ويجوز أن يجاب بأنّ تعليقها بهم لا يحتاج إلى ذكر وجه لظهور صدورها منهم، وإنما المحتاج إليه تعليق البراءة بالله ورسوله، وان كانت الواو في قوله والمعاهدة بالمسلمين للحال دون العطف فلا غبار عليه، ويجوز أن يقال يستفاد وجهه أيضا من قوله وان كانت صادرة بإذن الله حيث دذ على أنّ المعاهدة لم تكن واجبة بل مباحة مأذونة فنسبت إليهم بخلاف البراءة فإنها واجبة لإيهابه تعالى، فلذا نسبت للشارع وكلام المصنف رحمه الله ظاهر في هذا فتدبر. وقيل: ذكر الله للتمهيد كقوله: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة الحجرات، الآية: ا] تعظيما لشأنه صلى الله عليه وسلم ولولا قصد التمهيد لأعيدت من كما في قوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ} وإنما نسبت البراءة إلى الرسولءكييه والمعاهدة لهم لشركتهم في الثانية دون الأولى، ولا يخفى ما فيه فإنّ من برىء منه الرسول صلى الله عليه وسلم تبرأ منه المؤمنون، وما ذكره من إعادة الجار ليس بلازم، وما ذكره من التمهيد لا يناسب المقام، ولك أن تقول أنه إنما أضاف العهد إلى المسلمين لأنّ الله علم أن لا عهد لهم، وأعلم به رسوله مجفلذا لم يضف العهد إليه لبراءته منهم ومن عهدهم في الأزل، وهذا نكتة الإتيان بالجملة اسمية خبرية وان قيل إنها إنشائية للبراءة منهم، ولذا دلت على التجدد فتأمّل. قوله. (وذلك أنهم عاهدوا الخ (فالمعاهدة عامة وقيل إنها خاصة ببعض القبائل، وقوله: (وأمهل المشركين) عدل عن الإضمار الواقع في الكشاف، لأن تلك المهلة كانت عامة للناكثين وغيرهم كما قيل، وقوله: (ليسيروا أين شاؤوا (التعميم مأخوذ من السياحة، وأصلها جريان الماء وانبساطه ثم استعملت للسير كما قال طرفة:

لوخفت هذامنك ماتنثني حتى ترى خيلا أهامي تسيح

قوله: (شوّال) جره على البدلية من أشهر، وقيل على المجاورة الأولى نصبه بيان لأربعة

أشهر وفيه اختلاف، فقيل إن براءة نزلت في شوّال فتكون تلك الأربعة من شوّال إلى المحرّم،

وقيل إنها وان نزلت

ص: 296

في شوّال إلا أنّ تبليغها في زمن الحج فتكون الأربعة من عشر ذي القعدة، وقوله:(فسيحوا) بتقدير القول أي فقل لهم سيحوا أو بدونه وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب، والمقصود أمنهم من القتل في تلك المدّة وتفكرهم واحتياطهم، ليعلموا أنهم ليس لهم بعدها إلا السيف، وليعلموا قوّة المسلمين إذ لم يخشوا استعدادهم لهم، وقوله:(لما روي الخ) قال الحفاظ: إنه ملفق من عدة أحاديث، بعضها في مسند أحمد عن علي رضي الله عنه (1 (، وبعضها في الصحيحين عن أبي هريرة (2 رضي الله عنه، وبعضها في دلائل البيهقي عن ابن عباس (3 رضي الله عنهما، وبعضها في تفسير ابن مردوية عن أبي سعيد الخدري) 4 رضي الله عنه، والعضباء بعين مهملة وضاد معجمة وباء موحدة ممدود من النوق المشقوفة الأذن، ومن الشيا. المشقوقة الأذن أو المكسورة القرن، وهو لقب ناقة للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولم تكن عضباء كما في شروح الكشاف. وإنما أرسله صلى الله عليه وسلم على ناقته ليحقق أن رسالته منه، والموسم زمان الحج وأمير الموسم أمير الحاج المنصوب من قبل الأمام، وقوله: (رجل مني (أي قريب مني نسباً،

وذلك بوحي كما في حديث في الدر جرياً على عادة العرب، وقوله: فلما دنا أي قرب من أبي بكر رضي الله عنه، والرغاء بالمد صوت الإبل، وقوله:(أمير أو مأمور) رأى أرسلك النبيئ كير لتكون أميراً مكاني أو لأنك مأمور بأمر آخر، والتروية سقي الماء بقدر ما يزيل العطش، ويكون بمعنى التفكر، ولذا قيل: إنه سمي به اليوم الثامن من ذي الحجة لأنهم كانوا يسقون إبلهم قيه، ولأنّ إبراهيم كي! تروّى وتفكر فيه في ذبح إسماعيل عليه الصلاة والسلام، والآيات التي قرأها عليّ رضي الله عنه من أوّل هذه السورة. قوله ة (أمرت بأربع الخ) أي بأن أخبر بها منادياً، وكأن العلم بأنه لا يدخل الجنة كافر لم يكن حاصلاً للمشركين قبل ذلك، أو المراد أنه لا يقبل منهم بعد ذلك إلا الإيمان أو السيف، قال الطيبي رحمه الله: فهو من باب لا أرينك ههنا، أي أمرت بأن أنادي بأن يتصفوا بما يستعدوا به أن يكونوا أهلا للجنة إذ لا يقبل منهم سوى هذا أو إخبارهم بأنّ عداوة المؤمنين للكفرة ومفارقتهم لهم ثابتة في الدنيا والآخرة وأن يتم مجهول، وتمام العهد تكميل زمانه كما في قوله تعالى:{فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ} . قوله: (ولعل قوله صلى الله عليه وسلم لا يؤذي عني إلا رجل مني (أي لا يبلغ عني نبذ العهد إلا رجل من أقربائي جواب عن استدلال الرافضة بهذا على إمامة عليئ كرّم الله وجهه وتقديمه على أبي بكر رضي الله عنه بأنه جار على عادة العرب في ذلك لئلا يحتجوا وهل كان ذلك بوحي جاء به جبريل عليه الصلاة والسلام، أولاً فيه قولان وتقدم ما فيه، وقوله: (ويدل الخ الأنه خصه بالعهد المشار إليه بهذا وعشيرة الرجل نسله ورهطه الأدنون، وأخرج هذه الرواية أحمد والترمذي عن أنس (1 رضي الله عنه وحسنه، وقوله: (لا تفوتونه) مر بيانه، وقوله:(بمعنى الأفعال (أي الإيذان، وقوله:) على

الوجهين) أي خبر مبتدأ أو مبتدأ ومتعلق من كما مرّ أيضاً. قوله:) يوم الحج اكبر) منصوب بما تعلق به إلى الناس لا بأذان لأنّ المصدر الموصوف لا يعمل. قوله: (يوم العيد الخ) بيان لوجه التسمية ووصفه بأنه أكبر، ومعظم أفعاله الحلق والرمي والطواف، وهذا وجه المعقول والمنقول أنّ الأعلام كان فيه، وأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صرّج بتسميته به كما سيأتي، وهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي عن عبد الرحمن بن يعمر) 1 (ولكونه أقوى رواية ودراية قدمه وهذا أكثر باعتبار الكمية، ووقوف عرفة باعتبار الكيفية لأنه أعظم أركانه التي لا تتم بدونه فلا منافاة بينه وبين ما سيأتي، وقوله: (الحج عرفة)(2 (حديث صحيح أي معظمه وقوف عرفة. قوله: (ووصف الحج باكبر الخ (أي اتصافه بالأكبرية إمّا بالنسبة لغير أعماله كما مما مرّ أو بالنسبة إلى العمرة لأنها الحج الأصغر وهما على الوجهين، وقوله: (أو لآنّ ذلك الحج الخ) فيكون التفضيل مخصوصاً بتلك السنة، وعلى ما قبله شاملى لكل عامّ، وكذا في الوجه الذي بعده مختص بذلك العامّ، وأمّا تسمية الحج الموافق يوم عرفة فيه ليوم الجمعة باكبر فلم يذكروه، وان كان ثوابه زيادة على غير. كما نقله السيوطي في بعض رسائله، وقال بعض علماء العصر في الحج الأكبر أقوال أحدها أنه كان يوم عرفة يوم جمعة، والثاني أنه القرآن، والثالث أنه الحج مطلقا، والأصغر العمرة،

ص: 297

ولا تعارض! بين الأقوال لأنهما أمران نسبيان فلا وجه لإنكاره. توله: (أي بأنّ الخ) هذا على قراءة الفتح يكون بتقدير حرف جرّ لاطراد حذفه مع أنّ وأن والجارّ والمجرور متعلق بمحذوف هو صفة المصدر أو به نفسه لأنه المعلم به، ورسوله بالرفع عطف على الضمير المستتر في برىء للفصل بينهما أو

مبتدأ محذوف الخبر أي ورسوله كذلك. قوله: (في قراءة من كسرها الخ) لأنّ المكسورة لما لم تغير المعنى جاز أن تهقدر، كالعدم فيعطف على محل ما عملت فيه أي على محل كان له قبل دخولها لأنه كان مبتدأ هذا في القراءة الشاذة بالكسر، وأما على فتحها في قراءة العامّة فغير جائز لأن المفتوحة لها موضع غير الابتداء بخلاف المكسورة، وقال ابن الحاجب: إن المفتوحة على قسمين ما يجوز فيه العطف على محلها، وما لا يجوز فالذي يجوز أن تكون في معنى المكسورة كالتي بعد أفعال القلوب نحو علصت أن زيداً قائم وعمرو لأنها لاختصاصها بالدخول على الجمل في معنى إنّ زيداً قائم وعمر، وفي علمي، ولذا وجب الكسر في نحو علصت أنّ زيداً لقائم، والأذان بمعنى العلم فيدخل على الجمل أيضاً كعلم، وفي غير ذلك لا يجوز نحو أعجبني أنّ زيداً كريم وعمرو فلا يجوز فيه إلا النصب لأنها ليست مكسورة ولا في حكمها، والنحويون لم يتنبهوا لهذا الفرق، والمصنف رحمه الله بنى كلامه على المشهور، فلذا قيد العطف على المحل بقراءة الكسر وهي قراءة الحسن والأعراح، والمحل قد يجعل لاسم إنّ لأنها في حكم العدم ولأنّ المعرب هو الاسم، وقد يجعل المحل لها مع اسمها وكلاهما واقع في كلام النحاة ولكل وجهة. قوله:(إجراء للأذان مجرى القول الأنه في معناه فيحكي به الجمل، وهو أحد مذهبين مشهورين، والآخر يقدر القول فيه، وفي أمثاله لاختصاص الحكاية به وقراءة النصب بالعطف على اسم أنّ وهو الظاهر أو جعله مفعولا له والواو بمعنى مع. قوله: (ولا تكرير فيه) أي لا تكرير في ذكر براءة الله ورسوله مع ذكرها أوّلاً لأنّ تلك إخبار بثبوت البراءة، بمعنى هذه براءة ثابتة من الله ورسوله في علمه تعالى، فأخبرهم بثبوت ذلك في علمه، وقوله:(وأذان الخ) إخبار منه تعالى لأولئك المخاطبين واجب التبليغ لقوله: {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ} [سورة الأنفال، الآية: 58] فوجب تبليغه لكافة الناس في ذلك اليوم المخصوص بما ثبت في حكمه تعالى من تلك البراءة، ولذا خص الأوّل المعاهدين وعم هذا سائر الناس، وقوله من الكفر والغدر بنقض العهد، وقوله:) فالتوب (أي الضمير للمصدر المفهوم من تبتم كاعدلوا هو، وفوله عن التوبة أي إن كان متعلق التولي التوبة فظاهر، وان كان الإسلام ووفاء العهد والتولي عنه كان منهم قبل ذلك، فالمراد بتوليتم ثبتم على التولي. قوله: (لا يفوتونه طلباً الخ (طلباً وهربا منصوب بنزع الخافض أي في طلبه، وفي هربكم أو حال بمعنى طالبين وهاربين،

وأعجزه كما مرّ في الأنفال بمعنى فاته وسبقه، وبمعنى وجده عاجزاً وإلى المعنيين أشار المصنف رحمه الله، فإلى الأوّل أشار بقوله لا يفوتونه طلبا، هالى الثاني بقوله ولا تعجزونه هرباً أي لا تجدونه عاجزاً عن ادراككم إذا هربتم، وقيده بقوله في الدنيا لمقابلته بعذاب الآخرة المذكور بعده وقوله: وبشر الخ تهكم، وترك المصنف رحمه الله قراءة الجرّ في ورسوله المنسوبة إلى الحسن فإنها لم تصح، وأن وجهت بأنّ الجرّ لثجوار أو الواو والقسم وقصة الأعرابي ورفعها إلى عمر رضي الله عنه تقتضي عدم صحتها. قوله:(استئناء من المشركين الخ) اختلفوا في هذا الاستثناء هل هو منقطع أو متصل من المشركين الأوّل أو الثاني، أو من مقدّر تقديره اقتلوا المشركين إلا المعاهدين منهم، أو من قوله: (فسيحوا (وهو الذي اختاره الزمخشريّ لما سيأتي، وقول المصنف رحمه الله استثناء من المشركين إشارة إلى الأوّل لكنه مبهم، وقوله أو استدرك أي استثناء منقطع إشارة إلى الوجه الآخر، وسما. استدراكا لأنه يقدر بلكن، قيل: إذا جعل في محل نصب على أنه استثناء من المشركين لزم أن لا يكون الله ورسوله بريآن من هؤلاء المشركين الذين لم ينقضوا عهودهم حتى أمر المسلمون أن يتموا عهودهم، وهو على ظاهره غير مستقيم لأن الله ورسوله بريآن من المشركين نقضوا عهودهم أو لم ينقضوا، فالوجه أن يكون استثناء من قوله فسيحوا لأنّ المعنى براءة من الله ورسوله إلى المشركين المعاهدين، فقولوا لهم سيحوا في الأرض أربعة أشهر فقط، إلا الذين عاهدتموهم ولم ينقضوا عهدهم فاتموا إليهم عهدهم، والحاصل أنّ هنا جملتين يمكن أن يعلق بهما

ص: 298

الاستثناء جملة البراءة، وجملة الإمهال، لكن تعليق الاستثناء بجملة البراءة يستلزم البراءة عن بعض المشركين، فتعين تعلقه بجملة الإمهال أربعة أشهر لأنهم يمهلون وان زادت مدّتهم على أربعة أشهر، والذي يفهم من كلام الزمخشري أن الاستثناء منقطع بمعنى لكن حملا للذين عاهدتم على المشركين ولا ضرورة فيه، بل اللفظ عام والاستثناء مخصص له بهم اهـ.

وهذا وارد على ما اختاره المصنف رحمه الله مع ما فيه من تخلل الأجنبي بين المستثنى والمستثنى منه أيضا، وأجيب عنه بأنّ مراده أنه استثناء من المشركين، الثاني دون الأوّل ولا يلزم تخلل الفاصل الأجنبيّ وهو ظاهر، وحديث المنافاة لا وجه له، لأنّ المراد بالبراءة البراءة عن عهودهم كما صرّح به المصنف رحمه الله لا عن أنفسهم، ولا كلام في أنّ المعاهدين الغير الناكثين ليس الله ورسوله بريئين من عهودهم، وان برئا عن أنفسهم، وليس هنا ما ينافي هذا فيكون هذا قرينة على أن البراءة الأولى عن العهود مقيدة لا مطلقة فتأثل. قوله:(أو استدراك وكأنه قيل لهم الخ) أي استثناء منقطع قيل فيكون قوله من المشركين في الموضعين عمل عمومه ثم يخص بالاستدراك، وبكون الذين مبتدأ، وقوله فأتموا خبره والفاء لتضمنه معنى الشرط لا جواب شرط مقدّر، وأورد على المصنف رحمه الله أمران، الأوّل أن المراد بالذين عاهدتم الناكثون كما صرّح به المصنف رحمه الله، فكيف يجوز أن يكون الاستثناء متصلَا من

المشركين وهو السرّ في جعله استثناء من قوله: {فَسِيحُواْ} وتخصيصه في الأوّل دون الثاني خلاف الظاهر، الثاني أنّ المراد به ناس بأعيانهم فلا يكون عاماً حتى يشبه الشرط، وتدخل الفاء في خبره وأجيب بأنا لا نسلم أنه خاص وكلام المصنف رحمه الله غير صريح فيه، لقوله: وأمهل المشركين فإنه صريح في العموم كما مرّ، وبأنّ زيادة الفاء في خبره على مذهب الأخفش فإنه لا يشترط ما ذكر. قوله:) من شروط العهد الخ (الجمهور على قراءة ينقصوكم بالصاد المهملة وهو متعدّ لواحد فشيئا مصدر أي شيئا من النقصان لا قليلاً ولا كثيراً، وقرأها عطاء وغيره بالضاد المعجمة على تقدير مضاف أي ينقضوا عهدكم، قال الكرماني رحمه الله: وهي مناسبة للعهد إلا أنّ قراءة العامّة أوقع لمقابلة التمام، ومن تبعيضية ويجوز أن تكون بيانية، وقوله: ولم ينكثوه يناسب قراءة الأعجام، ويظاهروا بمعنى يعاونوا، وقوله قط إشارة إلى عموم شيئاً. قوله: (تعليل وتنبيه الخ) يعني أن قوله إنّ الله يحب المتقين وارد على سبيل التعليل لأن التقوى وصف مرتب على الحكمين، أعني قوله:{فَسِيحُواْ} وقوله: {فَأَتِمُّواْ} ومضمونها عدم التسوية بين الغادر والوافي. وقوله: إلى تمام مدتهم إشارة إلى تقدير مضات لأنّ مدتهم لا يصح أن تكون غاية، بل الغاية آخرها وهو المراد بالتمام، لأنه ما يتم به الشيء وهو جزؤه الأخير، وقيل المدة بمعنى آخرها وهو تكلف، وأتموا بمعنى أدّوا ولذا عدى بإلى. قوله:(1 نقضى وأصل الانسلاخ الخ) قال أبو الهيثم: يقال أهللنا شهر كذا أي دخلنا فيه فنحن نزداد كل ليلة منه لباسا إلى نصفه، ثم نسلخه عن أنفسنا جزءاً جزءاً حتى ينقضي فينسلخ وهي استعارة حسنة وأنشد:

إذا ما سلخت الشهرأهللت مثله كفى قاتلاً سلخ الشهور واهلالي

ومثل انسلخ انجرد وسنة جرداء تامّة، والسلخ يستعمل تارة بمعنى الكشط كسلخت الإهاب عن الشاة أي نزعته عنها، وأخرى بمعنى الإخراج كسلخت الشاة عن الإهاب أي أخرجتها منه واطلاق الانسلاخ على الأشهر استعارة من المعنى الأوّل، فإن الزمان ظرف محيط بالأشياء كالإهاب، والمصنف رحمه الله جعله من الثاني كأنه لما انقضى أخرج من الأشياء الموجودة كذا قيل. قوله:) التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها الخ (في الدر المصون يجوز أن تكون الألف واللام للعهد، فالمراد بهذه الأشهر الأربعة المتقدمة، والعرب إذا ذكرت نكرة ثم

أرادت ذكرها ثانيا أتت بالضمير أو باللفظ معرفا بأل، ولا يجوز أن تصفه حينئذ بصفة تشعر بالمغايرة، فلو قيل رأيت رجلا فأكرمت الرجل الطويل لم ترد بألثاني الأوّل، وان وصفته بما لا يقتضي المغايرة جاز، كقولك فأكرمت الرجل المذكور، ومنه هذه الآية فإنّ الأشهر قد وصفت بالحرم، وهو صفة مفهومة من فحوى الكلام فلا تقتضي المغايرة، ويجوز أن يراد بها غير الأشهر الحرم المتقدّمة

ص: 299

فلا تكون أل للعهد والوجهان منقولان في التفسير اهـ والمصنف رحمه الله اختار القول الأوّل، ويكون ذكر فيه حكم الناكثين بعد التنبيه على إتمام مدة من لم ينكث، فلا يرد عليه ما قيل إنها تسعة أشهر لبني كنانة وأربعة أشهر لسائر المعاهدين المذكورة في قوله تعالى:{فَسِيحُواْ} الخ ومن قال هي التي أبيح للناكثين الخ، فقد غفل لعموم الحكم لبني كنانة. قوله:(وهذا مخل بالنظم مخالف للأجماع الخ (لأنه يأباه ترتبه عليه بالفاء فهو مخالف للسياق الذي يقتضي توالي هذه الأشهر، ومخالفته للإجماع لأنه قام على أنّ الأشهر الحرم يحل فيها إلقتال، وأن حرمتها نسخت، وعلى تفسير بها يقتضي بقاء حرمتها، ولم ينزل بعدما ينسخها ورد بأنه لا يلزم أن ينسخ الكتاب بالكتاب بل قد ينسخ بالسنة كما تقرّر في الأصول، وعلى تقدير لزومه كما هو مذهب الشافعيّ رضي الله عنه يحتمل أن يكون ناسخة من الكتاب منسوخ التلاوة، ولا يخفى أن هذا الاحتمال لا يفيد ولا يسمع لأنه لو كان كذلك لنقل والنسخ لا يكفي فيه الاحتمال، وقيل إنّ الإجماع إذا قام على أنها منسوخة كفى ذلك من غير حاجة إلى نقل سنده إلينا، وقد صح أنه-لمجييه حاصر الطائف لعشر بقين من المحرم، وكما أنّ ذلك كاف في نسخها يكفي لنسخ ما وقع في الحديث الصحيح، وهو: " إنّ الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والآرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ") 1 (، فلا يقال إنه يشكل علينا لعدم علم ما ينسخه كما توهم، فإن قلت هل نسخ القرآن بالإجماع قلت نعم، قال: في النهاية شرح الهداية تجوز الزيادد على الكتاب بالإجماع صزج به الإمام السرخسيّ. وقال فخر الإسلام إن النسخ بالإجماع جوّزه بعض أصحابنا بطريق أن الإجماع يوجب علم اليقين كالنص فيجوز أن يثبت به النسخ والإجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور، ويجوز النسخ بالخبر المشهور فبالإجماع أولى، وأمّا اشتراط حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم في جواز النسخ فغير مشروط على قول ذلك البعض اهـ وأنت تعلم أن فيه اختلافاً عندنا فلا يصح جوابا عن كلام الشافعية كما قيل، إلا إذا نقل عنهم القول به مع أن في الإجماع كلاما ولم يعتد بمن خالف في بقاء حرمتها هنا فلا يخالف ما سيذكره من أن نسخ حرمتها مذهب

الجمهور، ولك أن تقول مغ القتال في الأشهر الحرم في تلك السنة لا يقتض ي منعه في كل ما شابهها بل هو مسكوت عنه فلا يخالف الإجماع، ويكون حله معلوما من دليل آخر. قوله:(وأسروهم الخ) قيل المراد بالأسر الربط لا الاسترقاق فإن مشركي العرب لا يسترقون، ولذا لم يفسر الحصر بالتقييد كما في الكشاف لئلا يتكرّر، وقيل المراد إمهالهم للتخيير بين القتل والإسلام، وقيل: هو عبارة عن أذيتهم بكل طريق ممكن، وقوله: يتبسطوا في البلاد أي ينتشروا في البلاد ويخلصوا منكم. قوله: (وانتصابه على الظرف الخ (قيل ذكر هذا الزجاج وتبعه غيره، وتد رذه أبو عليّ رحمه الله بأنّ المرصد المكان الذي يرصد فيه العدوّ فهو مكان مخصوص لا يجوز حذف في منه، ونصبه على الظرفية إلا سماعا، وردّه أبو حيان رحمه الله بأنه يصح انتصابه على الظرفية لأن اقعدوا ليس المراد به حقيقة القعود بل المراد به ترقبهم وترصدهم، فالمعنى ارصدوهم كل مرصد يرصد فيه، والظرف مطلقاً ينصبه بإسقاط في فعل من لفظه أو معناه نحو جلست وقعدت مجلس الأمير، والمقصور على السماع ما لم يكن كذلك وكل، وان لم تكن ظرفاً لكن لها حكم ما تضاف إليه لأنها عبارة عنه، وجوّز في الانتصاف أن يكون مرصداً مصدراً ميميا فهو مفعول مطلق وهو بعيد، وقيل إنه منصوب على نزع الخافض، وأصله على كل مرصد أو بكل مرصد فلما حذف على أو الباء انتصب، وهو غير مقيس خصوصا على فإنه يقل حذفها حتى قيل إنه مخصوص بالشعر كما قاله أبو حيان. قوله: (فدعوهم ولا تتعرّضوا لهم بشيء (أي القتل وما معه، وهذا على جميع ما مرّ من تفسيره، وجعله في الكشاف كناية عن الإطلاق على تفسير الحصر بالتقييد أو عدم التعرّض إن فسر بالحيلولة بينهم وبين المسجد الحرام، وتخلية السبيل في كلام العرب كناية عن الترك كما في قول جرير:

خل السبيل لمن يبني المنار به

ثم يراد منه في كل مقام ما يليق به. قوله: (وفيه دليل على أنّ تارك الصلاة الخ) قد أجاد المصنف رحمه الله هنا كل الإجادة إذ ساق كلامه

ص: 300

على وجه يشمل مذهب الشافعيّ رضي الله عنه في قتل تارك الصلاة، ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في حبسه، وان كان جعله قرين الزكاة يقرب مذهب أبي حنيفة، ولعل المصنف رحمه الله إنما سلك هذا المسلك لأن في قتله

كلاماً في مذهبهم، وقال الشافعيئ رضي الله عنه إنه تعالى أباج دماء الكفار بجميع الطرق والأحوال، ثم حرّمها عند التوبة عن الكفر وإقام الصلاة وايتاء الزكاة فما لم يوجد هذا المجموع يبقى إباحة الدم على الأصل فتارك الصلاة يقتل، ولعل أبا بكر رضي الله عنه استدل بهذه الآية على قتال مانعي الزكاة، وإنما خصا من بين الفرائض لأن إظهارهما لازم، وما عداهما بعسر الاطلاع عليه، وقد أورد المزني رحمه الله من الشافعية على قتل تارك الصلاة تشكيكا تحيروا في دفعه كما قاله السبكي في طبقاته فقال إنه لا يتصوّر لأنه إما أن يكون على ترك صلاة قد مضت أو لم تأت، والأوّل باطل لأن المقضية لا يقتل بتركها، والثاني كذلك لأنه ما لم يخرج الوقت فله التأخير فعلام يقتل، وسلكوا في الجواب عنه مسالك الأوّل إنه وارد على القول بالتعزير والضرب والحبس فالجواب الجواب، وهو جدليّ، الثاني أنه على الماضية لأنه تركها بلا عذر ورذ بأن القضاء لا يجب على الفور، وبانّ الشافعي رضي الله عنه قد نص على أنه لا يقتل بالمقضية مطلقا، ومذهب أصحابه أنه لا يقتل بالامتناع عن القضاء والثالث أنه يقتل للمؤداة في آخر وقتها، ويلزمه أنّ المبادرة إلى قتل تارك الصلاة تكون أحق منها إلى المرتد إذ هو يستتاب، وهذا لا يستتاب ولا يمهل إذ لو أمهل صارت مقضية، وهو محل كلام فلا حاجة إلى أن يجاب من طرف أبي حنيفة رحمه الله، كما قيل بأنّ استدلال الشافعيّ رحمه الله مبنيّ على القول بمفهوم الشرط ونحن لا نقول به ولو سلم، والتخلية الإطلاق عن جميع ما مز فلا يخلي، ويكفي له أن يحبس على أنه منقوض بمانع الزكاة عنده، وأيضاً يجوز أن يرد بإقامتها التزامهما وإذا لم يلتزمهما كان كافراً ولذا فسره النسفي به فتأمل. قوله:(استأمنك وطلب منك جوارك) أي مجاورتك وكسر جيمه أفصح من ضمها والاستئمان طلب الأمان والاستجارة بمعناه كما يقال أنا جار لك وقد موّ تحقيقه، وقوله ويتدبره إشارة إلى أنه ليس المراد منه ومجرّد السماع ولا حجة للمعتزلة في الآية على نفي الكلام النفسي كما في شرح الكشاف للعلامة، وحتى يصح أن تكون للغاية أي إلى أن يسمعه ويصح أن تكون للتعليل، وهي متعلقة في الحالتين بأجره وليس من التنازع في شيء. قوله:(موضع أمنه) يعني أنه اسم مكان لا مصدر ميمي بتقدير مضاف وهو موضع، وان احتمله كلامه إذ الأصل عدم التقدير. قوله:(لأنّ إن من عوامل الفعل) تعمل فيه الجزم لفظا أو محلاً فلذا اختصت به لأنها تعمل دائما عملاً يختص به فلا يصح دخولها على الأسماء، فلا وجه لما قيل الأولى أن يقول من دواخل الفعل لأنّ عملها يختص بالمضارع دون الماضي، وهي تدخل عليه. قوله:(ريثما يسمعون ويتدبرون) أي بمقدار زمان يسع السماع والتدبر، والريث في الأصل

مصدر راث بمعنى أبطأ إلا أنهم أجروه ظرفا كما أجروا مقدم الحاج، وخفوق النجم كذلك قال أبو علي رحمه الله في الشيرازيات هذا المصدر خاصة لما أضيف إلى الفعل في كلامهم في نحو قول السلولي:

لا يمسك الخير إلا ريث يرسله

صار مثل الحين والساعة ونحوهما من أسماء الزمان، وما زائدة فيه بدليل صحة المعنى بدونها ألا ترى أنّ قولهم ما وقفت عنده إلا ريث قال كذا وريثما قال كذا سواء وقد جاء الاستعمالان في كلامهم قال الراعي:

وما ثوائي إلا ريث ارتحل

وقال معن:

قلبت له ظهر المجن فلم أدم على ذاك إلاريثما أتحول

وكثر ما يستعمل مستثنى في كلام منفي، وحق ما أن تكتب موصولة بريث لضعفها من حيث الزيادة وكونها غير مستقلة بنفسها، ويجوز كون ما مصدربة. قوله:(بمعنى الإنكار والاستبعاد الخ الما كان عهدهم واقعا لا يتصوّر إنكاره أشار إلى أن المنكر عهد ثابت لا ينكث، أو عهد ثان لا مطلق العهد والوغرة شدة توقد الحرّ، ومنه قيل في صدره عليّ وغر بالتسكين أي ضغن وعداوة وتوقد من الغيظ فوغرة بفتح فسكون أو بفتح فكسر والأوّل أولى، وقوله: (ولا ينكثوه) وقع في نسخة ولأن يثبتوه، وقوله: أو لاًن يفي الخ

ص: 301

فيكون العهد عهد الله ورسوله وهو معنى كونه عندهما ومعنى كونه للمشركين إنه معهم ومتعلق بهم فسقط ما قيل إنّ هذا معنى فولنا كيف يكون لله ورسوله عهد عند المشركين لا معنى ما وقع في النظم. قوله: (وخبر يكون كيف الخ) وهو واجب التقديم لأنّ الاستفهام له صدر الكلام، وللمشركين على هذا متعلق بيكون إن قلنا به أو هي صفة لعهد قدمت فصارت حالاً وعند إما متعلقه بيكون أو بعهد لأنه مصدر أو صفة له متعلق بمقدر أو الخبر للمشركين، وعند فيها إلا وجه المتقدّمة، ويجوز أيضا تعلقه بالاستقرار الذي تعلق به للمشركين أو الخبر عند الله وللمشركين إمّا تبيين كما في سقيا لك فيتعلق بمقدر مثل أقول هذا الاستبعاد لهم، أو متعلق بيكون، واما حال من عهد أو متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر ويغتفر تقدم معمول الخبر لكونه جاراً ومجروراً، وكيف على الوجهين الأخيرين شبهة بالظرف أو بالحال ويجوز أن تكون تامّة، والاستفهام هنا

بمعنى النفي، ولذا وقع بعده الاستثناء. قوله:(ومحله النصب على الاستثناء الخ) أي هو استثناء متصل لدخولهم في المشركين، ومحله النصب على الاستثناء أو الجرّ على البدل لأن الاستفهام في معنى النفي، وهذا على التفسيرين السابقين، وأما إذا كان منقطعاً فهو مبتدأ خبره مقدّراً وجملة فما استقاموا خبره، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله. قوله:(أي فتربصوا أمرهم الخ) أي انتظروا أمرهم، وهو بيان لحاصل المعنى لا تقدير، وقو! هـ غير أنه مطلق أي قوله فأتموا مطلق، وهذا مقيد بالاستقامة والدوام على العهد فيحمل المطلق عليه، فإن قلت تفريعه على قوله:{ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا} ولم يظاهروا عليكم أحداً يفيد تقييده بعدم النكث فهما سواء فيه، قلت قد دفع هذا بأنّ عدم النقض المستفاد منه مغيي بوقت التبليغ أو بتمام الأربعة الأشهر، وأمّا بعد تمامها فالآية ساكتة عنه وإن كان لا بد منه في وجوب إتمام المدّة ولا يخفى ما فيه. قوله:(وما ثحتمل الشرطية والمصدرية (على المصدرية هي ظرف في محل نصب على ذلك أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم على الشرطية يجوز فيها أن تكون في محل نصب على الظرفية أيضاً أي في أيّ زمان استقاموا لكم استقيموا لهم، أو في محل رفع على الابتداء وفي خبرها الخلاف المشهور، وقوله فاستقيموا جواب الشرط والفاء واقعة في الجواب وعلى المصدرية مزيدة للتأكيد. قوله: (تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد الخ) يعني أنّ الفعل المحذوف بعدها إن كان ما تقدّم فهو تكرار للتأكيد والتقدير كيف يكون لهم عهد، أي يثبتون عليه كما مرّ أنه المراد منه وهذا على التفسير الأوّل، أو المراد استبعاد بقاء الحكم وهو وفاء الله والرسول لهم به وترك قتالهم ونحوه وهو على التفسير الثاني، والتنبيه على العلة مأخوذ من قوله وإن يظهروا الخ أي علة استبعاد ذلك وانكاره، وهي إنّ الله علم وقد دلت الإمارات على ذلك أنّ عهودهم إنما هي لعدم ظفرهم بكم ولو ظفروا لم يبقوا ولم يذروا فمن كان أسير الفرصة مترقبا لها كيف يرجى منه دوام عهد فتدبر. قوله:(وحذف الفعل للعلم به) أي المستفهم عنه يحذف مع كيف كثيراً ويدل عليه بجملة خالية بعده، وتقديره كيف يكون لهم عهداً وكيف لا تقاتلونهم ونحوه. قوله:(وخبرثماني الخ) هو من مرثية لكعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار وقبله:

لعمركما أن البعيد الذي مضى وإن الذي يأتي غدا لقريب

وخبرتماني إنما الموت بالقرى فكيف وهاتا هضبة وقليب

ومنها:

وداع دعايا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب

ففلت اح أخرى وارفع الصوت جهرة لعل أبي المغوار منك قريب

ومعنى البيت قلتما لي إنّ من سكن القرى لحقه الموت لكثرة الوباء بها فكيف مات أخي

في برية هي هذه وذكر الهضبة وهي الجبل المنبسط على الأرض، والقليب أي البئر شارة إلى أنها مفازة فيها ذلك، وقيل هما جبل وبئر معينان عند قبر أخيه وهاتا اسم إشارة للمؤنث يقال تا وني وليس مثنى حذفت نونه كما توهم. قوله: (1 لا حلفا وقيل قرابة الخ (الحلف كتكتف القسم قيل، وقد صحح هنا كذلك والحلف بكسر

ص: 302

فسكون العهد والعبارة محتملة له، ولا يضر تفسير الذمّة به لأنه غير متعين وكونه مؤكداً أو تفسيراً يأباه إعادة إلا ظاهراً، وقد اختلف في معنى الألّ بكسر الهمزة وقد تفتح على أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله، وأشار إلى أنّ منها ما يحتمل أن يكون مجازاً وهذا كله منقول عن أئمة اللغة، والمفسرين فالمناقشة فيه ليست من دأب المحصلين. قوله:(لعمرك الخ) من شعر لحسان رضي الله عنه يهجو به أبا سفيان رضي الله عنه يقول له: إن عذك من قريش مع ما فيك كما يعذ بعض الناس النعام من الإبل كما قيل في المثل إنه قيل للنعامة طيري فقالت أنا جمل فقيل لها احملي فقالت: أنا طائر، ولذا تضاف إلى الإبل في غير لغة العرب، والسقب ولد الناقة، والرأل بالهمزة ولد النعام، والجؤار بضم الجيم وفتح الهمزة والراء المهملة الصراخ وصوت البقر، وقوله: ثم استعير أي من العهد للقرابة لأن بين النسبتين عقد أشد من عقد التحالف، وكونه أشد لا ينافي كونه مشبهاً لأنّ الحلف يصرح به ويلفظ فهو أقوى من وجه آخر، وليس التشبيه من المقلوب كما توهم، وقوله:(من ألل الشيء إذا حدّده) وفي تلك الأمور حذة ونفاذ، وكونه من أل البرق لظهور ذلك، وعلى كونه بمعنى الإله فالمعنى لا تخافون الله ولا تراقبونه في نقض عهدكم، وقد ضعف هذا بأنه لم يسمع في كلام العرب الّ بمعنى إله، ولذا ذكر المصنف رحمه الله أنه عبرفي، وأيده بأنه قرئ أيلا وهو بمعنى الإله عندهم. قوله: (عهدا أو حقاً بعاب على إغفاله (

أي تركه وسمي به العهد أيضاً لأنّ نقضه يوجب الذم وقولهم في ذمتي كذا سمي بها محل الالتزام، ومن الفقهاء من قال هو معنى يصير به الآدميّ على الخصوص أهلاً لوجوب الحقوق عليه، وقد يفسر بالأمان والضمان وهي متقاربة. قوله:(ولا يجوز جعله حالاً من فاعل لا يرقبوا الخ الأن الحال تقتضي المقارنة، وهم في حال عدم المراعاة فإن حملت على ما يشمل مراعاتها ظاهرا وباطناً صح مقارنتها لإرضائهم في الجملة لكن عدم المراعاة الواقع جزاء لظهورهم وظفرهم متأخر عنه لتسببه وترتبه عليه، والإرضاء المذكور مقدم على الظهور فيلزم تقدّمه على المراعاة التي هي جزاء له، وهو المانع في هذا الوجه، وهذا رد على جعلها حالأ منه كما ذهب إليه بعض المفسرين، ونقله أبو البقاء رحمه الله وأشار إلى رذه وأما احتمال نفي القيد فتكلف لا داعي له. قوله: (ولأن المراد إثبات إرضائهم الخ (فالاستبطان الإخفاء في الباطن، وهو من قوله وتأتي قلوبهم يعني أنّ بين الحالتين منافاة ظاهرة لأنّ حال الإرضاء بالأفواه فقط حالة إخفاء للكفر، والبغض مداراة لهم، وهذه حالة مجاهرة بالعداوة مناقضة لهذه الحال فلا وجه لتقييد إحداهما بالأخرى، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن المانع في الأوّل التقدم اللازم من الشرط، والحالية تقتضي المقارنة والمانع في هذا أنّ بين الحالتين تضاذاً يأبى اجتماعهما وتقييد إحداهما بالأخرى لأنّ المراد بعدم المراعاة أنهم لا يبقون عليهم أي لا يرحمونهم ولا يرقون لهم في إيقاع المكروه بهم وهذه مجاهرة تنافي معنى تلك الحال فالمانع في نفس ما جعل الحال منه لا من خارج وهو الشرط فاعرفه فإن الفرق بين الوجهين خفيّ، وقد وقع للمحشي هنا كلام معقد لم ينتج شيئا فتركته لقلة جدواه. قوله: (متمرّدون لا عقيدة تزعهم الخ (إشارة إلى دفع ما يقال أنّ الكفر أقبح من الفسق فما معنى وصف الكفار في مقام الذم به، وان الكفر فسق فما وجه إخراج البعض بقوله أكثرهم، با! المراد بالفسق التمزد وارتكاب ما لا يليق بالمروءة مما يقبح حتى عند الكفرة ويجرّ المذمة ويجعل صاحبه أحدوثة كالغر والكذب ونحوه مما يتجنبه بعض الكفرة أيضا فلذا وصف به أكثرهم بعد تقرر كفرهم، وتزعهم بالزاي المعجمة والعين المهملة بمعنى تكفهم وتمنعهم والرح قريب منه، والتفادي التحامي والتباعد والأحدوثة ما يتحذث به من القبائح مما اشتهر. قوله: (استبدلوا بالقرآن الخ) يعني أنه استعارة تبعية تصريحية، ويتبعها مكنية وهي تشبيه الآيات بالمبتاع، أو مجاز مرسل

باستعمال المقيد وهو الاشتراء في المطلق وهو الاستبدال كالمرسن، ولذا تعذى إلى الثمنية بنفسه وأدخلت الباء على ما وقع في مقابلته وقد مرّ الكلام فيه مفصلاً، وقوله:(بالقرآن) قيل أو التوراة إن أراد بالذين كفروا اليهود وكان ينبغي له ذكره لما سيأتي قريبا. قوله: (بحصر الحجاج) أي بحبسهم ومنعهم

ص: 303

والحجاج جمع حاج والعمار جمع عامر، وهو الذي يأتي بالعمرة ويصح أن يريد به المجاورين بالحرم، والذين يعمرونه مطلقاً دمان أريد بالسبيل الدين فهو مجاز وإن أريد به سبيل البيت فهو حقيقة، وفي الكلام مضاف مقدر أو النسبة الإضافية متجوّز فيها، وفي قوله الحجاج والعمار إشارة إلى أن صذ بمعنى مغ متعذ يقال صذه عن كذا إذا صرفه وقد يكون لازمأ بمعنى أعرض.

قوله: (ساء ما كانوا يعملون عملهم هذا الخ) يجوز في ساء أن تكون على بابها من التعدي، ومفعولها محذوف أي ساءهم عملهم الذي كانوا يعملونه وأن تكون جارية مجرى بض فتحوّل إلى فعل بالضم ويمتنع تصرفها وتصير للذم، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً وكلام المصنف رحمه الله ظاهر في الثاني فالمخصوص محذوف أي ساء العمل ما كانوا يعملون واليه الإشارة بقوله عملهم، أو هو تفسير لقوله ما كانوا يعملون والمراد بيان محصل المعنى لا إن ما مصدرية فإنها تحتمل الموصولية والمصدرية، وعليهما فالمراد به ما مضى من صدهم عن سبيل الله وما معه واليه الإشارة بقوله هذا أو المراد به ما تضمنته الجملة المذكورة بعده فتكون لأجل التفسير فلا تكون مكرّرة. قوله:(قهو تفسير لا تكرير الخ (بخلافه على الأوّل فإنه تكرير للتأكيد أو ليس بتكرير لما سيذكره بقوله، وقيل الخ ولما في التفسير إلا آخر من خلاف الظاهر وتفكيك الضمائر لكون السوابق واللواحق للمشركين الناقضين آخره، وفي المدارك ولا تكرار لأن الأوّل على الخصوص لقوله فيكم، والثاني على العموم لقوله في مؤمن لشموله لمن سيؤمن من بعد نزول الآية، وقوله:) في الناقضين) أي الناكثين للعهد والإعراب الذين جمعهم أبو سفيان رضي الله عنه للاستعانة بهم على حرب النبيّء! ييه فالثمن القليل لمقام أبي سفيان رضي الله عنه، وقوله عن الكفر لم يقل ونقض العهد لاستلزامه له. قوله:(اعتراض للحث الخ) أي جملة معترضة بين فإن تابوا وان نكثوا للتأكيد لما اعترضت فيه، ويعلمون منزل منزلة اللازم، أو مفعوله مقدر أي يعلمون ما فصلناه، وفي قوله (على تأمل الخ (إشارة لأنّ

العلم كناية عن التفكر والتدبر أو بجاز بعلاقة السببية لأنّ المقصمود حثهم على التفكر في تأمل آيات الله وتدبرها، وقوله وخصال التائبين وقع في بعض النسخ أو بد! الواو والأولى أولى. قوله:(وإن نكثوا ما بايعوا عليه الخ (يعني أن النكث شامل للرذة ونقض العهد فيجوز أن يفسر بكل منهما كما ذهب إليه بعض المفسرين وصاحب الكشاف جمع بينهما، وله وجه ورجح ما فعله المصنف رحمه الله بأن كلأ منهما سبب للقتل ولا حاجة إلى ضمهما. قوله:) وطعنوا في دينكم بصريح التكذيب الخ (إنما اشترط صريح التكذيب والتقبيح لأنّ كل كافر أصليّ أو مرتد لا يخلو من تكذيب له وتقبيح، لكن الذي يوجب قتله إكلانه بذلك لأنّ ابن المنير رحمه الله قال في تفسيره لو طعن الذمي في ديننا مع أهل دينه وتستر فإذا بلغنا ذلك كان نقضا للعهد، وهذا أحسن من قولهم يقتل للطعن لأنه نقض العهد وجاهر به وهو مخالف لما قاله المصنف رحمه الله إلا أن يعمم التصريح بما يشمل تصريحه لأهل دينه، فإن قلت كان الظاهر أو طعنوا لأنّ ما قبله على التفسيرين كاف للقتل والقتال، قلت: النقض بالقول ولا بد منه حتى يباج القتل وتخصيص الإظهار ربما كان قوليا ليعلم منه ما كان بالفعل بالطريق الأولى، ولما كان السياق لبيان نقض العهد قولاً وفعلاً لم يكن في الآية دلالة على أنّ الذمي إذا طعن في الدين، ومن الطعن في الدين سب النبيّ ىلمج! رو ينتقض عهده ويباج قتله، وأيضا صريح الآية أنه إذا وجد منه نقض العهد أو الرذة مع الطعن قتل، فكيف تدل على القتل بمجرّد الطعن، وقال الجصاص في أحكام القرآن إنّ الآية تدل على أن أهل الذمة ممنوعون من إظهار الطعن في دين الإسلام وهو يشهد لقول من قال من الفقهاء إنّ من أظهر شتم النبيئ! ي! من أهل الذمة فقد نقض عهده ووجب قتله، وقال أصحابنا يعزر ولا يقتل، وهو قول الثوري والمنقول عن مالك والشافعيّ، وهو قول الليث قتله وأفتى به ابن الهمام رضي الله عنه كما في شرح الهداية وفيه كلام مفصل في الفروع، والحاصل أنه كان الظاهر أن يقول أو طعنوا لأن كلاً منهما كاف في استحقاق القتل والقتال، وكون الواو بمعنى أو يفيد أنّ الطعن نقض العهد فهو من عطف الخاص

ص: 304

على العامّ، ولا يكون إلا بالواو واعلم أنّ للطعن موقعا لطيفاً مع القتال وبه اقتديت بقولي من قصيدة: ولطعن ذبا موقع لم يصل له سواعد مدتها الوغى بيد السمر

قوله: (فوضع أئمة الكفر الخ) يعني المراد بأئمة الكفر مطلق المشركين، ووضع فيه الظاهر موضع الضمير وسموا أئمة الكفر لأنهم صاروا بكفرهم رؤساء متقدميين على غيرهم في زعمهم، والتقدم بالجر معطوف على الرياسة، وأحقاء منصوب خبر بعد خبر لصار، أو المراد

رؤساء الكفر وتخصيصهم لأنهم أهئم لا لأنه لا يقتل غيرهم. قوله: (أو للمنع من مراقبتهم (فيه نظر وقيل المراد مراقبة الآذ والذمة، وأنّ قوله للمنع عطف بحسب المعنى على المفهوم من الكلام أي لرياستهم أو للمنع الخ، أو على قوله: لأن قتلهم أهمّ، والأوّل أولى معنى، والثاني أنسب لفظاً، وتخصيص القتل بالرؤساء لا ينافي وجوب قتل غيرهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله. والظاهر أنه يشير إلى ما في الكشاف، يعني أن تخصيص المقاتلة بهم لأنّ قتلهم أهم أو ليمتنعوا عما هم عليه ويرجعوا إلى الحق. قال في تفسيره: أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعدما وجد منهم ما وجد من اإحظائم أن تكون المقاتلة سب جما في انتهائهم عما هم عليه وهذا من غاية كرمه وفضله وعوده على المسيء بالرحمة كلما عاد اهـ فهو معطوف على قوله لأن من غير احتمال لغيره، أو هو راجع إلى تفسير النكث بالردّة، والمراد أنه لا يقبل توبتهم فتدبر. قوله:) بتحقيق الهمزتين على الأصل والتصريح بالياء لحن (تبع فيه الزمخشري وقد قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بهمزتين ثانيهما بين بين ولا ألف بينهما، والكوفيون وابن ذكوان عن ابن عارم بتحقيقهما من غير إدخال ألف، وهشام كذلك إلا أنه أدخل بينهما ألفاً هذا هو المشهور بين القراء السبعة، ونقل أبو حيان عن نافع المد بين الهمزة والياء فأما قراءة التحقيق وبين بين فضعفها جماعة من النحويين الفارسي، ومنهم من أنكر التسهيل بين بين وقرأ بياء خفيفة الكسرة، وأما القراءة بالياء فارتضاها الفارسي وجماعة، والزمخشرقي جعلها الحنا، وخطأه أبو حيان رحمه الله فيه لأنها قراءة رأس النحاة والقراء أبي عمرو وقراءة ابن كثير ونافع، وأما الاعتذار عنه بأن مراده أنها غير ما عند البصريين ولا حرج على الناقل، فلا وجه له لأنه مع القراءة بها من يكون البصري أو الكوفي فإنها صحيحة رواية ودراية، وأما الاعتذار بأن مراده بكونها لحنا أنه لم يقرأ بها في السبعة كما ذكره في التيسير، فلا يناقض كلامه في الكشاف قوله: في المفصل إذا اجتمعت همزتان في كلمة، فالوجه قلب الثانية حرف لين كما في آدم وأيمة، لأنه حكاية قول النحويين لا القراء فخطأ أيضاً، لما عرفت أنه مذهب صحيح للقراء ولا يضر كونه لم يثبت من طريق التيسير. ووزن أئمة أفعلة كحمار وأحمرة وأصله أئممة فنقلت حركة الميم إلى الهمزة وأدغمت، ولما ثقل اجتماع الهمزتين فرّوا منه بإبدالها أو تخفيفها، أو إدخال ألف للفصل بينهما ففيها خمس قرا آت اتفق عليها الأربعة عشر تحقيق الهمزتين، وجعل الثانية بين بين بلا إدخال ألف وبه، والخامسة بياء صريحة وكلها صحيحة لا وجه لإنكارها وتفصيلها في النشر. قوله: (على الحقيقة الخ أليس المراد بالحقيقة ما يقابل بل المجاز بل المراد معناه اللغوي، وهو ما تحقق وثبت أي ليست جبلتهم وما خلقوا عليه أمراً ثابتا لأنهم نقضوها ولم يفوا بها، وان كانت يمينا في الشرع عند الشافعية، وعند أبي حنيفة يمين الكافر ليست يمينا معتداً بها شرعا، فالنفي عنده على الحقيقة بمعناه المتبادر منها، وثمرة الخلاف إنه

لو أسلم بعد يمين انعقدت في كفره ثم حنث هل تلزمه ا. رة فعند أبي حنيفة لا تلزمه الكفارة، وعند الشافعيّ رضي الله تعالى عنه تلزمه، واستدلّ بأنه تعالى وصفها بالنكث بقوله:{وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم} والنكث لا يكون حيث لا يمين، والجواب بأنّ ذلك باعتبار اعتقادهم أنه يمين ليس بشيء لأنّ الإخبار من الله والخطاب للمؤمنين، فإن قيل الاستدلال بالنكث على اليمين إشارة أو اقتضاء، ولا أيمان لهم عبارة فتترجح قيل: بل يؤوّل جمعأ بين الأدلة وفيه نظر لأنه إذا كان لا بذ من التأويل في أحد الجانبين فتأويل غير الصريح أولى، وبما قرّرنا به كلامه سقط ما قيل في تقريره إنه أراد ففي الاعتداد بها لا نفي أصلها، وان كان هو المتبادر بخلاف كلام الزمخشري فإنه لنفي أصلها فكان

ص: 305

الأولى أن يعبر بما هو صريح في مراده ليوافق استدلاله الآتي. توله: (وفيه دليل على أن الذمي إذا طعن في الإسلام فقد نكث عهده) قد مرّ الكلام فيه، وقد قيل عليه إنه ليس في محله، ومحله بعد قوله:{وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ} وفي الدلالة على كل حال بحث (قلت) هنا ناشئ من عدم تدبر كلامه فإنه لا يتم الاستدلال إلا بعد بيان أن أيمانهم لا يعتد بها من جهة عدم الوفاء إذ لو وفوا بها لم يكن منهم طعن ولا نقض للعهد، وهو يفيد تلازمهما بحيث يكون الطعن نقضاً للعهد فيصير سببا مستقلا، ولولاه لم تدل على ذلك لأنها تدلّ على أنها بمجموعها سبب لا كل واحد منهما وبه سقط بحثه من حيث لا يدري فتدبر. وفي قوله: والا لما طعنوا دخل لأنه أدخل اللام في جواب إن الشرطية وهو خطأ لكنه مشهور في عبارات المصنفين كما في شرح المغني (وعندي) أنه ليس بخطأ لأنّ المراد والا فلو كان لهم أيمان لما طعنوا الخ كما هو المعروف في تمهيد الاستدلال فاللام واقعة في جواب لو المحذوفة للاختصار ولا ضير فيه، وقوله: واستشهد به الحنفية الخ مرّ تحقيقه، وقوله: الوثوق عليها ضمته معنى الاعتماد ولذا عداه بعلى. قوله:) وقرأ ابن عامر لا إيمان الخ (أي قرأه بكسر الهمزة فإما أن يكون بمعنى الإيمان المرادف للإسلام، أو بمعنى الأمان على أنه مصدر آمنه إيمانا بمعنى أعطاه الأمان، فاستعمل المصدر بمعنى الحاصل بالمصدر وهو الأمان، ولو أبقى على أصل معناه صح أيضا، وإنما نفى عنهم لأن مشركي العرب ليس لهم إلا الإسلام أو السيف. قوله: (وتشبث به الخ) أي تمسك به ووجه التمسك إنه نفي إيمان من نكث والمرتد ناكث، ونفيه مع أنه يقع منه نفي للاعتداد به وصحته، ووجه ضعفه أنه ليس نصا فيما ذكر لاحتمال معان أخر، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال لأنه يحتمل نفي الأمان عن المشركين حتى يسلموا أو نفي قوم معينين في المستقبل، وأنه طبع على قلوبهم فلا يصدر منهم إيمان

أصلا، أو يكون المراد أن المشركين لا إيمان لهم حتى يراقبوا ويمهلوا لأجله، يعني أنّ المانع من قتلهم أحد أمرين إما العهد وقد نقضوه، أو الإيمان وقد حرموه، وبهذا سقط ما قيل أن وصف أئمة الكفر بأنهم لا إسلام لهم أو لا إيمان تكرار مستغنى عنه. وقوله: اليكن الخ (مز تقريره وإيصال الأذية افتعال أو إفعال مضمن معنى إلصاق 0 وقوله: ليكن غرضكم الخ إشارة إلى أن الترجي من المخاطبين لا من الله. قوله: (تحريض على القتال لأنّ الهمزة دخلت على النفي للأنكار الخ) في نسخة المبالغة في الفعل، وفي نسخة في القتال، وهما بمعنى لأنّ مقصوده أن الاستفهام فيه للإنكار، والاستفهام الإنكاري في معنى النفي، ونفي النفي إثبات على أبلغ وجه، وآكده لأنه إذا كان الترك مستقبحا منكراً أفاد بطريق برهاني إنّ إيجاده أمر مطلوب مرغوب فيه فيفيد الحث والتحريض عليه، وعدل عن قوله في الكشاف دخلت الهمزة على لا تقاتلون تقريراً بانتفاء المقاتلة، ومعناه الحض عليها على سبيل المبالغة لأنه قيل عليه إنّ التقرير له معنيان الحمل على الإقرار ويتعدى بالباء كما في الصحاح، والتثبيت بمعنى جعله قاراً ثابتأ في قراره، ويتعدى باللام، والظاهر هنا الثاني لكن تعديته بالباء تقتضي خلافه، ودفع بأنا لا نسلم أنّ المعنى على الثاني لأنّ المراد الحمل على الإقرار بأنهم لا يقاتلون قصداً إلى التحريض على القتال، ومنهم من قال أنّ الباء لتقرير معنى التصديق ولا يخفى سماجته، ومنهم من قال: أنّ التقرير بمعنى التثبيت يتعذى بالباء أيضا يقال: فز بالمكان ورد بأنه لا نزاع في أنه يستعمل بالباء وهي بمعنى في لكنها تدخل على موضعه، ومحل الاستقرار لا على المستقرّ كما هنا فتأمّل. وبكر حلفاء قريش، وخزاعة حلفاء النبيئ ع! ييه. قوله:) حين تشاوروا في أمره بدار الندوة الخ) قد مرّت القصة مفصلة، والواقع فيها الهتم بالإخراج لا الإخراج، وإنما خرج بنفسه! اذن الله له، فإن قيل: إن أريد ما وقع في دار الندوة من الهم فهو بالإخراج أو الحبس أو القتل فليس الهئم فيها بالإخراج فقط، والذي استقز رأيهم عليه هو القتل لا الإخراج فما وجه التخصيص، قلت تخصيصه لأنه هو الذي وقع في الخارج ما يضاهيه مما يترتب على همهم وان لم يكن بفعل منهم، بل من الله لحكمة ومن عداه لغو، فخص بالذكر لأنه هو المقتضي للتحريض لا غيره مما لم يظهر له أثر، وقيل: إنه اقتصر على الأدنى ليعلم غيره بطريق أولى ولا يرد عليه إنه ليس بأدنى من الحبس كما توهم لأن بقاءه

ص: 306

موثقا في يد عدوّه المقتضي للتبريح بالجوع والتهديد أشد منه بلا شبهة، وكونهم اليهود يأباه السياق وعدم القرينة عليه، ولذا

مرضه. قوله: (بالمعاداة والمقاتلة) قال الإمام: يعني بالقتال يوم بدر لأنهم حين سمع العرب بالخروج للعير، قالوا: لا نرجع حتى نستأصل محمدأ أو ندمغه، أو قتال حلفاء خزاعة وهذا قول الأكثرين، وتركه المصنف رحمه الله لما فيه من التكرار. قوله:(أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم الخ) يعني أنه أقيم فيه السبب مقام المسبب والعلة مقام المعلول لأن المنكر في الحقيقة ترك القتال لخوف العدوّ، والله أحق أن تخشوه، في إعرابه وجوه فقيل الله أحق مبتدأ وخبر، وأن تخشوه بدل من الجلالة، أو بتقدير حرف جر أي بأن تخشوه، وقيل: أن تخشوه مبتدأ خبره أحق والجملة خبر الله. قوله: (فإن قضية الإيمان أن لا يخشى إلا منه (القضية هنا بمعنى المقتضي أي مقتضي إيمان المؤمن الذي يتحقق أنه لا ضاز ولا نافع إلا الله، ولا يقدر أحد على مضرّة ونفع إلا بمشيئة الله أن لا يخاف إلا من الله، ومن خاف الله خاف منه كل شيء، والحصر من حذف متعلق أحق المقتضي للعموم، أي أحق من كل شيء بالخشية فلا ينبغي أن يخشى سواء. قوله: (أمر بالقتال بعد بيان موجبه) وهو كل واحد من الأمور الثلاثة فكيف بها إذا اجتمعت، والتوبيخ من قوله: ألا تقاتلون وأتخشونهم، والتوعيد من قوله:{فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ} لأنّ معناه لا تتركوا أمره كما مرّ، وقدم النصر وان تأخر لفظا لتوقفهما عليه. قوله:(والتمكن من قتلهم وإذلالهم) إشارة إلى أنّ اللازم للمقاتلة ذلك، ويحتمل أنه إشارة إلى أنّ إسناده إلى الله مجاز لأنه الذي مكنهم منه وأقدرهم عليه، وقيل إنّ قوله: بأيديكم كالتصريح بأنّ مثل هذه الأفعال التي تصلح للباري فعل له، وإنما للعبد الكسب بصرف القوى والآلات وليس الحمل على الإسناد المجازي بمرضيّ عند العارف بأساليب الكلام، ولا الإلزام بالاتفاق على امتناع كتب الله بأيديكم، وكذب الله بألسنة الكفار بوارد لما مرّ مراراً أن مجرّد خلق الفعل لا يصحح إسناده إلى الخالق ما لم يصلح محلاً له، وامتناع ما ذكر احتراز عن شناعة العبارة إذ لا يقال يا خالق ألفاذورات ولا المقدر للزنا والممكن منه، ولا يخفى ما فيه فإنه تعالى لا يصلح محلاً للقتل ولا للضرب ونحوه مما قصد بالإذلال، وإنما هو خالق له، والفعل لا يسند حقيقة إلى خالقه وان كان هو الفاعل الحقيقي للفرق بينه وبين الفاعل اللغوي: إذ لا يقال كتب الله بيد زيد على أنه حقيقة بلا شبهة مع أنه لا شناعة فيه، لقوله: كتب الله فما ذكره غير مسلم. قوله: (يعني بني خزاعة الخ (هم حلف رسول الله لمجب! الذين عاهدوا قريثاً عام الحديبية على أن

لا يعيثوا عليهم بني بكر، وكان فيهم قوم مؤمنون، وقوله: وقيل بطوناً هو منصوب بيعني مقدّراً، والبطن فرقة من القبيلة كما مرّ، وسبأ مهموز كجبل يصرف، ولا يصرف اسم بلدة بلقيس، ولقب عبد شمس بن يعرب مجمع قبائل اليمن، وهذا بناء على أن المراد بقوم مؤمنين قوم بأعيانهم، ولو حمل على العموم صح لأنّ كل مؤمن يسرّ بقتل الكفار. وقوله: أبشروا من الإبشار بمعنى التبشير والفرج القريب فتح مكة، ويدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنهما إنّ قوله تعالى {أَلَا تُقَاتِلُونَ} الخ ترغيب في فتح مكة وأورد عليه أن هذه السورة نزلت بعد الفتح فكيف يكون هذا تركيباً في فتحها.

وأجيب بأنّ أوّلها نزل بعد الفتح وهذا قبله، وفائدة عرض البراءة مت عهدهم مع أنه

معلوم من قتال الفتح، وما وقع فيه الدلالة على عمومه لكل المشركين ومنعهم من البيت وقوله:(والآية من المعجزات (أي لما فيها من الأخبار عن الغيب فهي من إعجاز القرآن الدال على تصديق النبيّ عش! ر، ولو قال فالآية لكان أولى. قوله: (ابتداء إخبار الخ) أي بعض المشركين يتوب الله عليه فيترك كفره كما وقع ذلك، وقراءة النصب بإضمار أن ونصبه في جواب الأمر وهذه قراءة أبي عمرو في رواية عنه ويعقوب، قال الزجاج: وتوبة الله على من يشاء واقعة قاتلوا أو لم يقاتلوا، والمنصوب في جواب الأمر مسبب عنه فلا وجه لإدخال التوبة في جوابه، فلذا قال بعضهم: إنه تعالى لما أمرهم بالمقاتلة شق ذلك على بعضهم فإذا قاتلوا جرى قتالهم مجرى التوبة من تلك الكراهية، فيصير المعنى إن تقاتلوهم يعذبهم الله ويتب عليكم

ص: 307

من كراهة قتالهم، والذي يظهر أنّ التوبة للكفار والمعنى أن قتالهم كان سبباً لإسلام كثير منهم لما رأوا من نصر المؤمنين وعز الإسلام من غير تكلف واليه أشار المصنف رحمه الله فلا حاجة إلى ما قاله ابن جني من أنه كقولك إن تزرني أحسن إليك وأعط زيداً كذا، على أن المسبب عن ذلك جمع الأمرين لا أن كل واحد مسبب باستقلاله فإنه تعسف، والمعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو الذي في قوله تعالى:{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ} [سورة الفتح، الآية: أ- 2، وقوله من جملة ما أجيب به الأمر، أي بإجراء المنصوب مجرى المجزوم على عكس فأصدق وأكن، لأن جواب الأمر كما يجزم ينصب بعد الفاء فيعطف منصوب على مجزوم، وعكسه على الفرض! والتقدير وهو

المسمى بعطف التوهم، وما قيل إنّ قراءة الرفع على مراعاة المعنى حيث ذكر مضارع مرفوع بعد مجزوم هو جواب الأمر، ففهعم منه أنّ المعنى {وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاء} على تقدير المقاتلة لما يرون من ثباتكم وضعف حالهم، وعلى قراءة النصب فمراعاة للفظ إذ عطف على المجزوم منصوب بتقدير نصبه فهو مما لا وجه له، ولا ينبغي أن يصدر عنه فإنه على الرفع مستأنف لا تعلق له بما قبله. قوله:(خطاب للمؤمنين الخ (الشاملين لهلمخلصمين والمنافقين لكراهة بعض منهم ذلك المنافقين وإنما عممه ليناسب ما بعده، وأم المنقطعة بمعنى بل والهمزة والإضراب فيها للانتقال من أمر إلى آخر، وجعل الأوّل كأنه لم يذكر، والحسبان بكسر الحاء مصدر حسبه بمعنى ظنه، وبضمها مصدر حسب بمعنى عد، والإضراب هنا عن أمرهم بالقتال إلى توبيخهم على الجبن، وقوله ومعنى الهمزة أي المقدّرة مع بل. قوله: (ولم يتبين الخلص منكم (إشارة إلى أنّ لما كلم نافية، وبينهما فرق مذكور في النحو، وهذا بيان لمعنى النظم كما في الكشاف بعينه، وفي الكشف إنه يخالف بظاهره أوّله آخره لدلالة أوّله، على أن العلم مجاز عن التمييز، والتبيين يعني مجازا مرسلا باستعماله في لازم معناه، وآخره على أنه كناية عن نفي المعلوم، أي لم يوجد ذلك إذ لو وجد كان معلوماً له تعالى فهو نفي له بطريق برهاني بليغ، وأجاب بأنه إشارة إلى أنه استعمل لنفي الوجود مبالغة في نفي التبيين، وما ذكره أوّلاً حاصل المعنى وذلك لأنه خطاب للمؤمنين إلهابا لهم وحثا على ما حضهم عليه، بقوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ} فإذا وبخوا على حسبان أن يتركوا، ولم يوجد فيما بينهم مجاهد مخلص دذ على أنهم إن لم يقاتلوا لم يكونوا مخلصين، وأن الإخلاص إذا لم يظهر أثره بالجهاد في سبيل الله ومضاذة الكفار كلا أخلاص، ولو فسر العلم بالتبيين مجازاً لم يفد هذه المبالغة، اهـ ولذا قيل: لم يرد به تفسير الآية على أن يكون الخلص منصوبا مفعولاً ليتبين، فإنه يتعذى كبين تقول: بينت الأمر فتبين أي عرفته لمنافاته ما سيجيء، ومن غيرهم متعلق به لتضمنه معنى الامتياز. قوله: (من حيث أن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه) قيل: قوله في الكشاف المعنى أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين المخلص منكم، يقتضي أن تصرف المبالغة إلى الثبوت، يعني أن المعنى على التوبيخ والإنكار، فنفى العلم في التحقيق إثبات له على وجه الإنكار، وإذا أريد بالعلم المعلوم يكون مبالغة في ثبوت المعلوم لأنّ العلم كالبرهان على المعلوم من حيث أن قوله مستلزم على صيغة الفاعل، وأما إذا حمل المبالغة على المبالغة في النفي، فظاهره غير مستقيم لأنّ انتفاء الملزوم لا يستلزم انتفاء اللازم إلا بعد المساواة وحينئذ هو لازم فلا وجه للتعبير بالملزوم إلا أن يقرأ مستلزم بفتح الزاي، لكنه خلات الظاهو،

والمعروف في الاستعمال وقد تابعه من بعده وقد قيل أيضاً: إنّ مراد المصنف رحمه الله تعايى إن نفي العلم دليل على عدمه، والمذكور هو الأوّل وعلى هذا فالوجه أن يقال: من حيث أن نفي علم الله مستلزم لعدمه، إذ لو لم يكن معدوماً وجب علم الله به لإحاطة علمه بجميع الأشياء اهـ (وعندي (أن هذا كله تعسف غير محتاج إديه، أنّ قول صاحب الكشاف ليس إشارة إلى أنّ المبالغة في الإثبات، بل إشارة إلى أن منفي لما متوقع على شرف الوقوع كما صزج به، وأمّا ما استصعبوه فأمر هين لأنّ معنى كلامه أنه نفي العلم في الآية، وأريد نفي المعلوم فمعناه لم يجاهدوا على أبلغ وجه، لأنه برهاني إذ لو وقع جهادهم علمه الله إذ تعلق علم الله بشيء يقتضي وقوعه ويستلزمه، والا لم يطابق علمه الواقع وهو محال كما

ص: 308

أنّ عدم علمه به واقعاً يقتضي عدم وقوعه إذ لو وقع وقع في الكون ما لا يعلمه وهو محال أيضاً، وهو من باب الكناية واللزوم فيها معلوم فما الداعي إلى تحريف العبارة وتغييرها فتدبر.

قوله:) عطف على جاهدوا (وجوّز فيه الحالة أيضاً وفسر الوليجة بالبطانة لأنها من الولوج

وهو الدخول، وكل شيء أدخلته في شيء وليس منه فهو وليجة، ويكون للمفرد وغيره بلفظ واحد وقد يجمع على ولائج، وما موصولة مبتدأ وفي لما صلته ومن بيان له وشبه خبره، وافادة لما توتع الوقوع معروف في العربية. قوله:(يعلم غرضكم منه الخ) ضمير منه إمّا للجهاد أو لما ذكر وكونه يعلم الغرض منه يعلم من صيغة المبالغة، ومقام التوعد والا فليس في النظم ما يدلّ عليه، وما يتوهم من الآية هو أنه لا يعلم الأشياء قبل وقوعها كما ذهب إليه هشام، واستدل بقوله:(ولما يعلا الله (ووجه الأزاحة أنّ تعملون مستقبل فيدل على خلاف ما ذكره وما كان نفيه يستعمل لنفي الصحة، والجواز ونفي اللياقة كلا ينبغي، وفسره به ليطابق الواقع فإنهم عمروها ولذا قدره بعضهم بأن يعمروا بحق، وهو مشهور بهذا المعنى حتى صار حقيقة فيه فلا وجه لحمله على ظاهره كما قيل. قوله: (شيئاً من المساجد الخ) يعني أنه جمع مضاف فيعم في سياق النفي ويدخل فيه المسجد الحرام دخولاً أوّليا إذا نفى الجمع يدل على النفي عن كل فرد فيلزم نفيه عن الفرد المعين بطريق الكناية، وما مرّ في البقرة من أنّ الكتاب أكثر من الكتب مبنيّ على أنّ استغراق المفرد أشمل وقد مز ما فيه. قوله: (وقيل هو المراد الخ (يعني المراد من مساجد الله المسجد الحرام، وعبر عنه بالجمع لما ذكر أو لأنّ كل موضع منه مسجد، ولم يحمل على العموم والجنس لأنّ الكلام فيه. وقوله: (وإمامها (بكسر الهمزة

جعل المسجد الحرام كالإمام للمساجد لتوجه محاريبها إليه توجه المقتدي لجهة إمامه فيكون التعبير عنه بالجمع مجازأ علاقته ما ذكر، وأما فتح همزة أمامها فركيك مفوّت للمبالغة، والمعنى الذي قصده المصنف رحمه الله فلا تغتر بمن قال: إن معناهما واحد. قوله: (بإظهار الشرك وتكذيب الرسول لمجرو (يعني أنّ شهادتهم على أنفسهم مجاز عن الإظهار، لأنّ من أظهر فعلآ فكأنه شهد به على نفسه وأثبته لها، وقوله:) حال من الواو) أي في يعمروا، وقوله: بين أمرين متنافيين لأن عمارة المتعبدين تصديق للمعبود بعبادته فينافيه الكفر بذلك. وقيل: إن الشهادة على ظاهرها والمراد قولهم كفرنا بما جاء به ونحوه، والمصنف رحمه الله لما رأى أن حقيقة الشهادة بما تكون على الغير وهذا الوجه أبلغ وأدق اقتصر عليه. وقوله:(روي أنه لما أسر الخ () 1 (أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله:) نحجب الكعبة (أي نخدمها ونكون بوابين لها وليس المراد نكسوها كما قيل، لا! الحاجب اشتهر بمعنى البوّاب وجمعه حجبة. والحجيج جمع أو اسم جمع للحاج وفك العاني بمعنى إطلاق الأسير وفك الرقبة اعتاقها وقوله فنزلت أي الآية ما كان للمشركين الخ. وهذا يقتضي أنّ العباس رضي الله عنه لم يكن حينئذ مسلما وفيه كلام. وقوله: بما قارنها متعلق بحبطت، وجملة {وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} عطف على جملة (حبطت) على أنه خبر آخر لأولئك وهم فصل يفيد الحصر فيهم دون عصاة المؤمنين. وقوله: لأجله أي لأجل الشرك لأنه سبب الخلود فيها وفيه رذ على الزمخشري في جعله الأعمال بمعنى الكبائر على الاعتزال. قوله: (إنما تستقيم عمارتها الخ (تستقيم بمعنى تصح فإن الذي تصح منه ويمكن من العمارة سواء كانت بالمكث فيه للعبادة أو بالبناء، والفرش رنحوه من حاز الكمال العلمي والعملي وهو كناية عن الإيمان الظاهر، فإنه يكون بالتصديق

بما ذكر واظهاره وتحققه شرعا بإقامة واجباته، فلا يقال إن توقفه على الإيمان بالله واليوم الآخر ظاهر، وأما توقفه على ما بعده خصوصاً الزكاة فغير ظاهر، ويتكلف له بأنّ مقيم الصلاة يحضرها فتحصل به العمارة، ومن لا يبذل المال للزكاة الواجبة لا يبذله لعمارتها، وأنّ الفقراء يحضرون المساجد للزكاة فتعمر بهم فإنه تكلف نحن في غنية عنه: والصيانة ترك ما لا يليق بها كالحديث في المسجد فإنه مكروه، ولا يرد عليه أن التصذق في المسجد مكروه لأنه لا يلزم من حضورهم فيه لأخذها أداؤها فيه. - قوله:(وعن النبئ صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى الخ () 1 (هو حديث قدسيّ روي بمعناه من طرق، لكن قال: ابن حجر رحمه الله: إنه لم يجده

ص: 309

هكذا في كتب الحديث وفي الطبرانيّ عن سلمان رضي الله عنه عن النبيءسفه " من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى إلى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم زائره،) 2 (وكان أصحاب النبيئ ىيخ! هـ يقولون إنّ بيوت الله في الأرض المساجد وان حقا على الله أن يكرم من زاره فيها وله شواهد أخر. قوله: (وإنما لم يذكر الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم الخ (يعني كان الظاهر أن يقال: من آمن بالئه ورسوله-يخييه لكنه ترك للمبالغة في ذكر الإيمان بالرسالة دلالة على أنهما كشيء واحد إذا ذكر أحدهما فهم الآخر على أنه أشير بذكر المبدأ والمعاد إلى الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، ومن جملته رسالته ع! ز كما في فوله تعالى:{آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ} فليس رأى من ظن أن في الكلام دلالة على ذكره وليس فيه بيان الفائد في طيئ ذكره كما ظن في أنه لم يذكر فائدة الطي، وقرينه مبتدأ خبره الإيمان ودلالته على ما ذكر بطريق الكناية. قوله: (ولدلالة قوله وأقام الصلاة الخ (فإن المفهوم المقصود منهما ليس إلا الأعمال التي أتى بها رسول الله ع! هـ والإتيان بتلك الأعمال يستلزم الإيمان به إذ هي لا تتلقى إلا منه، كما أن الإيمان بالمبدأ والمعاد كذلك فلا غبار عليه. قوله: (أي في أبواب الدين الخ (الخشية كالخوف وقد يفرق بينهما. والمحاذ يرجع محذور، وقوله: فإن الخشية تعليل للتخصيص بأبواب الدين وجواب للسؤال الذي أورده في الكشاف فقال: فإن قلت كيف قيل ولم يخش إلا الله والمؤمن يخشى المحاذير ولا يتمالك أن لا يخشاها، قلت: هي الخشية، والتقوى في أبواب الدين وأن لا يختار على رضا الله تعالى رضا غيره لتوقع مخوف، ف! ذا اعترضه أمران أحدهما حق الله، والآخر حق نفسه، فحقه أن يخاف الله فيؤثر حق الله على حق نفسه، وقيل: كانوا يخشون الأصنام ويرجونها فأريد نفي تلك الخشية عنهم، يعني

الششية المقصورة على الله هي الخشية في أمر الدين، وعدم اختيار رضا الغير على رضا الله، وقوله: بتمالك عنها أي يقدر على الامتناع عنها. قوله: (ذكره بصيغة التوقع الخ) قال النحرير: يعني أنّ المؤمنين وان ذكروا باسم الإشارة بعد التهذيب بأوصاف مرضية ترجب أن يكونوا من المهتدين إلا أنّ توسط كلمة عسى في هذا المقام يناسب أن تكون لحسم اً طماع الكافرين وعدم اتكال المؤمنين لا للأطماع وسلوك سنن الملوك مع كون القصد إلى الوجوب، وقيل عليه الأوصاف المذكورة وان أوجبت الإهتداء، ولكن الثبات عليه مما لا يعلمه غير الله والعبرة للعاقبة، فإن وإن عد في الشرع اهتداء لكن قد يطرأ عليه العدم، فكلمة التوقع يجوز أن تكون لهذا، وما ذكره في فائدتها من قطع أطماع المشركين في حيز المنع وبيانه بأن هؤلاء مع كمالهم الخ. غير مسلم عندهم لزعمهم أنهم على الحق وغيره على الباطل. (قلت (ما ارتضاه وجهاً هو معنى قول المصنف رحمه الله ومنعا للمؤمنين الخ، والنظر إلى العاقبة هنا لا يناسب المقام الذين يقتضي تفضيل المؤمنين عليهم في الحال، ولذا لم يجعله المصنف رحمه الله وجهاً مستقلا بل ضميمة، وأما زعم الكفرة أنهم محقون فلا التفات إليه بعد ظهور الحق، فجعل إنكارهم بمنزلة العدم وبنى الكلام على الحقيقة كما في قوله: (لا ريب فيه) فتدبر. قوله: (مصدر أسقي وعمر) بالتخفيف لأن عمر المشدد إنما يقال في عمر الإنسان لا في العمارة وتشبيه المعنى بالجثة لا يحسن هنا فلذا احتيج إلى تقدير في الأوّل أو في الثاني، وقوله ويؤيد الأوّل قراءة من قرأ سقاة بضم السين جمع ساق وعمرة بفتحتين جمع عامر فإنّ فيها تشبيه ذات بذات كما في الوجه الأوّل، ويؤيده أيضا ضمير يستوون إذ على غيره يحتاج إلى تقدير لا يستوون في أعمالهم فيرجع إلى نفي المساواة بين الأعمال نفسها. قوله:) والمعنى إنكار أن يشبه المشركون وأعمالهم المحبطة الخ) أشار إلى وجهي التقدير بالجمع بينهما، وأنّ كلاً منهما مستلزم للأخر فلذا لم يعطف بأو، وإن قيل إنها أولى وما ذكره بناء على الصحيح المختار من أنّ المفاضلة بين المسلمين والكفار كما يشهد له ظاهر النظم، ومنهم من جعل المفاضلة بين المسلمين كما وقع في صحيح مسلم إنّ الآية نزلت في الصحابة رضي الله عنهم إذ قال بكلضهم لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحاج وآخر لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أعمر

المسجد الحرام، وقال: آخر بعد الجهاد إلا أنه قيل إن قوله أعظم درجة

ص: 310

يؤيده لكن سيأتي ما يدفعه. قوله: (أي الكفرة ظلمة الخ) في قوله هداهم الله ووفقهم للحق إشارة إلى أنّ الهداية ليست مطلقة الدلالة لأنه لا يناسب المقام، وقوله وقيل: المراد الخ لا يخفى ضعفه فإن من يسوّي إن لم يكن مسلماً فهو عين التفسير الأوّل، وان كان مسلماً فلا معنى لصدور ذللث منه. قوله:(اعلى رتبة وأكثر كرامة الخ (يعني أنه إما استطراد لتفضيل من اتصف بهذه الصفات على غيره من المسلمين، أو لضفضيلهم على أهل السقاية والعمارة، وهم وان لم يكن لهم درجة عند الله جاء على زعمهم ومدعاهم، وقوله:) دونكم جار (على الوجهين. قوله:) نعيم مؤجمم دائم (يعني أنّ المقيم استعارة للدائم قال أبو حيان رحمه الله: لما وصف الله المؤمنين بثلاث صفات الإيمان والهجرة والجهاد بالنفس والمال قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاثة الرحمة والرضوان والجنة وبدأ بالرحمة في مقابلة الإيمان لتوقفها عليه ولأنها أعم النعم وأسبقها، كما أن الإيمان هو السابق، وثنى بالرضوان الذي هو نهاية الإحسان في مقابلة الجهاد الذي فيه بذل الأنفس والأموال، ثم ثلث بالجنات في مقابلة الهجرة، وترك الأوطان إشارة إلى أنهم لما آثروا تركها بدلهم بدار الكفر الجنان والدار التي هي في جواره، وفي الحديث الصحيح: " يقول الله سبحانه: يا أهل الجنة هل رضيتم فيقولون: كيف لا نرضى، وقد باعدتنا عن نارك وأدخلتنا ج! ك فيقول: لكم عندي أفضل من ذلك فيقولون، وما أفضل من ذلك فيقو! أحل لكم رضاي فلا أمخط عليكم بعدها " (1 (وقرأ حمزة يبثر بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين وا! فيف من الثلاثي وقوله وراء التعيين والتعريف يعني أنه للتعظيم ووجه دلالة التنكير على التعظيم ما ذكره ولا يخفى حسن تعبيره بأنه وراء ذلك، وجعل المبشر هو الله فيه من اللطف بهم ما لا يخفى. قوله:) أكد الخلود الخ (يعني أنّ التأكيد هنا لدفع التجوّز لأن الخلود حقيقة طول المكث كما

قيل، وقوله يستحقر دونه أي بالنسبة إليه عملهم الذي استحقوه به أو يستحقر عنده ما في الدنيا من النعيم. قوله:(نزلت في المهاجرين فإنهم لما أمروا بالهجرة الخ) كذا أخرجه الثعلبيّ عن ابن عباص رضي الله عنهما أنه كان قبل فتح مكة لا يتم الإيمان إلا بالهجرة، ومصارمة الأقارب الكفرة، وقطع موالاتهم فشق ذلك عليهم فلما نزلت هذه الآية هاجروأ وجعل الرجل يأتيه أبوه أو أخوه أو ابنه فلا ينزله ولا يلتفت إليه، ثم رخص لهم بعد ذلك، وهذا يقتضي أنّ هذه الآية نزلت قبل الفتح ولا ينافي كون السورة نزلت بعد الفتح لأنّ المراد معظمها وصدرها فلا يرد قول الإمام الصحيح أن هذه السورة نزلت بعد فتح مكة فكيف يمكن حمل هذه الآية على ما ذكر، وقال أبو حيان: لم يذكر الأبناء هنا لأنّ الأولياء أهل الرأي والمشورة والأبناء تبع ليسوا كذلك، وذكروا في الآية الآتية لأنها في ذكر المحبة وهم أحب إلى كل أحد، وقوله نزلت نهيا عن موالاة التسعة هذا مرويّ عن مقاتل، وذكرهم في السير فإن قلت سبيل الله الجهاد فيصير المعنى جاهدوا في الجهاد قلت وجه بأنه ليس حقيقة فيه، وقد يراد به غير ذلك كمخلصين وهو المراد. قوله:(يمنعونكم عن الإيمان الخ) تعليل للنهي، وقوله لقوله:{إَنِ اسْتَحَبُّواْ} الخ بيان لوجه التفسير الثاني لأنه يشعر بالرذة بحسب الظاهر، وقوله:(اختاروه) إشارة إلى أن تعدى استحب بعلى لتضمنه معنى ما ذكر مما يتعدّى بها وحرضوا بالضاد المعجمة من التحريض، وهو الحت وبالصاد المهملة من الحرص وقع كل منهما في النسخ وهما متقاربان معنى والأولى أولى. قوله:(بوضعهم الموالاة في غير موضعها) هذا هو معنى الظلم لغة وهو صادق على المعنى الشرعي، فإن كان المراد ومن يتولهم بعد النهي، والتنبيه على قبحه فالظلم بمعنى التعدي والتجاوز عما أمر الله به وإن كان قبل ذلك أو مطلقا فهو بمعناه اللغوي، ووجه وضعه في غير موضمعه تركه أخوانه في الدين إلى أعدائه، وان كانوا أقرباء. قوله:) أقرباؤكم الخ) فذكره للتعميم والشمول وكون العشيرة من العشرة لأنها من شأنهم، وأما كونها من العشرة فلكمالهم والعشرة عدد كامل أو لأن بينهم عقد نسب كعقد العشرة، فإنه عقد من العقود، وهو معنى بعيد لكن المصنف رحمه الله مسبوق إليه، ونفاقها بفتح النون بمعنى رواجها والرواج ضد

الكساد. قوله: (الحب الاختياري دون الطبيعي الخ) المراد بالحب الاختياري هو إيثارهم وتقديم طاعتهم لا ميل الطبع فإنه أمر جبلي لا يمكن تركه ولا يؤاخذ عليه، ولا يكلف

ص: 311

لإنسان بالتحفظ عنه أي بالامتناع عنه، وفي هذه الآية وعيد وتشديد لأنّ كل أحد قلما يخلص منها فلذا فيل إنها أشد آية نعت على الناس كما فصله في الكشاف. قوله:(مواقعها) بقاف بعدها عين مهملة أي موضع المحاربة التي تقع فيه، وفي نسخة مواقفها بقاف بعدها فاء أي محل مصاف الحروب والوقوف لها وهما متقاربان. قوله: (وموطن يوم حتين الخ (تبع في هذا ما وقع في الكشاف من أنّ ظرف الزمان لا يعطف على المكان ولا عكسه لأنّ كلا منهما يتعلق بالفعل بلا واسطة، وظاهر كلامه منعه مطلقاً، وظاهر كلام أبي على الفارسي ومن تبعه جوازه مطلقا كما في قوله:{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة هود، الآية: 99] وقيل لا منع من نسق زمان على مكان وبالعكس إلا أنّ الأحسن أن يترك العاطف في مثله فقد علّمت أنّ للنحاة فيه ثلاثة مذاهب، وقال ابن المنير في البحر إنّ النحاة لم يعللوه وعلته أنّ الواو تقتضي الاشتراك في العامل، وفي جهة البعدي لأن جهة بعدي الزمان غير جهة بعدي المكان ونسبتهما مختلفة، وما قيل إنّ مراد الزمخشري إنه لا يجوز عطفه هنا لأنّ مواطن مجرورة بفي، ويوم منصوب على الظرفية فلو كان معطوفاً عليه لجر مدفوع بأنّ العطف هنا على المحل لا على اللفظ فوجود في لا يضرّ، وكذا كون ظرف الزمان ينتصب على الظرفية مطلقا، وظرف المكان يشترط فيه الإبهام لا دخل له في منع العطف وان توهمه بعضهم، فإن قلت كيف يقال زرتك في الدار- في يوم الخميس، ولا يجوز تعلق حر في جرّ بعامل واحد بمعنى واحد بدون تبعية فضلا عن أن يحسن قلت إذا اعتبر التغاير الاعتباري في العامل بالاطلاق والتقييد كما مرّ في كلما رزقوا منها من ثمرة فاعتبار التغاير الحقيقي في الطرفين أولى بالجواز، وهذه فائدة لم يذكروها في تلك المسألة، وقال النحرير: ليس المراد أنه ليس بينهما مناسبة مصححة للعطف فإنه ظاهر الفساد بل إن كلا منهما يتعلق بالفعل بلا توسط عاطف كسائر المتعلقات لا يعطف بعضها على بعض، وإنما يعطف على البعض ما هو من جنسه، ولا يتعلق به استقلالاً نحو ضربت زيداً وعمرا وصمت يوم الجمعة ويوم الخميس ونحوه، فلذا جعل من عطف المكان على المكان أو الزمان على الزمان بتقدير مضاف، أو بجعل المواطن اسم زمان قياسا وان بعد عن الفهم، ثم إنه في الكشاف أوجب انتصاب يوم حنين بمضمر، وهو نصركم وأنه من عطف الجمل لا! إذ بدل من يوم حنين فيلزم كون زمان الإعجاب بالكثرة ظرف النصرة الواقعة في المواطن الكثيرة لإيجاد الفعل، وليقيد المعطوف بما يقيد به المعطوف عليه، وبالعكس بحسب

الظاهر كاعجبني قيام زيد يوم الجمعة وقيام عمرو وعكسه، ويوم حنين متقيد بزمان الإعجاب بالكثرة لأنّ العامل ينسحب على البدل، والمبدل منه جميعا فكذا المواطن، واللازم باطل إذ لا إعجاب بالكثرة في المواطن فاندفع ما قيل إنما يلزم لو كان المبدل منه في حكم النتيجة مع العاطف ليؤول إلى نصركم في مواطن كثيرة إذ أعجبتكم، وليس كذلك إذ ما-له نصركم في مواطن واذ أعجبتكم، ثم إنه على ما في الكشاف منع ظاهر مرجعه إلى أن الفعل في المتعاطفين لا يلزم أن يكون واحدا بحيث لا يكون له تعدد أفراد كضربت زيد اليوم، وعمرا قبله وأضربه حين يقوم وحين يقعد إلى غير ذلك فلا يلزم من تقييده في حق المعطوف بقيد تقييده في حق المعطوف عليه بذلك، ولا نسلم إنّ هذا هو الأصل حتى يفتقر غيره إلى دليل، وأما ما يقال إنّ هذه النكتة تدفع أصل السؤال أيضا لأنّ الزمان إنما لم يعطف على المكان لو كان ذلك الفعل واحدا وليس بلازم لجواز تغاير الفعلين ففيه نظر اهـ وكله كلام منقح، وهو زبدة ما في شرح الكشاف إلا دفعه الإيراد المذكور بجعل البدل قيدا للمبدل منه فإنه لا وجه له، وهو تحامل على السائل غير مسموع. قوله: (ويجوز أن يقدّر في أيام مواطن (هكذا هو في صحيح النسخ، ووقع في كثير منها، ويجوز أن يقدر مواطن أيام وهو سهو من الناسخ فيكون عطف يوم حنين على منوال ملائكته وجبريل كأنه قيل نصركم الله في أوقات كثيرة وفي وقت إعجابكم بكثرتكم الخ، ولا يرد عليه ما قيل إن المقام لا يساعد عليه لأنه غير وارد لتفضيل بعض الوقائع على بعض، ولم يذكر المواطن توطئة ليوم حنين كالملائكة إذ ليس يوم حنين بأفضل من يوم بدر وهو فتح الفتوح وسيد

ص: 312

الواقعات وبه نالوا القدج المعلى، والدرجات العلى لأنّ القصد في مثله إلى أن ذلك الفرد فيه من المزية ما صيره مغايرا لجنسه لأن المزية ليس المراد بها الشرف، وكثرة الثواب فقط حتى يتوهم هذا بل ما يشمل كون شأنه عجيباً، وما وقع فيه غريبا للظفر بعد اليأس والفرج بعد الشدة إلى غير ذلك من المزايا فإن قلت لم منعه هنا، ولم يمنعه في سورة هود في قوله:{فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة هود، الآية: 99] قلت فسرهما هناك بالدارين إشارة إلى أنهما ظرفا مكان تاويلا وهذا لا يتأتى هنا فتدبر. قوله:

(ولا يمنع إبدال قوله إذا أعجبتكاً الخ) هذا رذ على ما ذهب إليه في الكشاف من أنه مانع على تقدير جواز عطف أحد الظرفين على الآخر إلا أن يقدر منصوبا باذكر مقدراً، وقد علمت أنه لا وجه له وما أراد المنصف رحمه الله، وتحقيقه ويعلم مما قدمناه وقوله:(فيما أضيف إليه) المعطوف يعني الإعجاب بالكثرة، والمضاف إليه إذ ولكونه بدلاً مقصوداً بالنسبة جعله معصوفا أو المراد بالإضافة التقييد. قوله:(وحنين واد بين مكة والطائف) على ثلاثة أميال من مكة

والطلقاء جمع طليق، وهو المطلق من أسر ونحوه وغلب على الذين من عليهم النبيّ لمجلى بالإطلاق يوم الفتح، وقوله:(هوازن وثقيف (قبيلتان معروفتان والظاهر أنه مفعول حارب والفاعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله والمسلمون بالرفع لكن كان الظاهر وثقيفا بالنصب لأنه منصرف فقيل إنه منعه من الصرف لمشاكلة هوازن، ولا يخفى أنه اسم لقبيلة فيصرف لأنه بمعنى حيّ ويمتنع لأنه بمعنى قبيلة فلا وجه للتردد فيه. قوله: (قال النبئ صلى الله عليه وسلم أو أبو بكر رضي الله تعالى عنه أو غيره من المسلمين)) 1 (وهو سلمة بن سلامة قال الإمام إسناده إلى النبيئ لمجر بعيد لقطع نظره صلى الله عليه وسلم عن كل شيء سوى الله، وكونه غيرهـ منصوص عليه رواية كما في الدر، وقوله: (لن نغلب) مجهول،) ومن قلة) أي غلبة بسبب القلة ناشئة عنها، والمراد إثبات الغلبة بالكثرة كناية واعجابا بكثرتهم أي فالوا لما أعجبتهم كثرتهم فأدركهم غرور بذلك، وان كان من بعضهم لأن القوم يؤخذون بفعل بعضهم قيل، والحكمة أنّ الله أراد أن يظهر أن غلبتهم بتأييد الهيّ لا بقلة وكثرة، وقوله:(فأدرك المسلمين إعجابهم) أي شآمته ووخامته، والفل بفتح وتشديد المنهزم يقع على الواحد وغيره، وقوله: (في مركزه (أي مقره ومحله الأوّل. قوله: (ليس معه إلا عمه العباس رضي الله عنه آخذا بلجامه الخ (هذه رواية لكنه قيل الصحيح ما في رواية أخرى من أن طلقاء أهل مكة فرّوا قصد الإلقاء الهزيمة في المسلمين والنبيّ مجش! هـ على دلدل، وهي بغلته الشهباء لا يتخلخل، ومعه العباس رضي الله عنه آخذاً بلجامه وابن عمه أبو سفيان بن الحرث وابنه جعفر وعليّ بن أبي طالب وربيعة بن الحرث والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد وأيمن بن عبيد وهو قتل بين يدي النبيّءش! هـ وهؤلاء من أهل بيته، وثبت معه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فكانوا عشرة رجال، ولذا قال العباس رضي الله تعالى عنه:

نصرنارسول الله في الحرب تسعة وقد فرّمن قد فر منهم واقشعوا

وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه بما مسه في الله لايتوجع

ولذا قيل إنّ المصنف رحمه الله لم يصب فيما ذكره. قوله:) وناهيك بهذا شهادة الخ)

فانّ الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على أنه مج! ن! كان أشجع الناس، وكانوا إذا اشتذ الحرب اتقوا برسول الله لمج! ، وشزف وكرّم وناهيك بمعنى يكفيك وحسبك به دليلا عليه تقول هذا

جل ناهيك من رجل، ونهيك من رجل ونهاك من رجل يستوي فيه المفرد المذكر وغيره، والمراد به المدح كأنه ينهاك عن تطلب غيره، وهو مبتدأ أو الباء زائدة وركوبه مج! ييه البغلة أيضا إظهارأ لثباته، وأنه لم يخطر بباله مفارقة القتال، وقوله:(صيتا) بالتشديد أي جهوريّ الصوت شديده، وهو بيان لسبب تخصيصه بالأمر، وقوله:(يا أصحاب الشجرة) أي يا أصحاب بيعة الرضوان المذكورين في قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [سررة الفتح، الآية: 8] وتوله: (يا أصحاب سورة البقرة) قيل: هم المذكورون في قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}

[سورة البقرة، الآية: 285] وقيل: الذين أنزل عليهم سورة البقرة، وقيل: المراد الذين حفظوها

ص: 313

فإنهم عظماء الصحابة رضي الله عنهم. قوله: (فكروا عنقاً واحداً) أي رجعوا جماعة واحدة أو دفعة واحدة من قوله: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 4] أي رؤساؤهم وجماعاتهم فهو بضم العين والنون، وتسكن ويجوز فتحهما بمعنى مسرعين. قوله:(حمى الوطيس) أصل معنى الوطيس التنور وهذه استعارة بليغة ومعناها اشتدّ الحرب، وفيه نكتة أخرى قل من تنبه لها وهي ما قاله ياقوت في معجم البلدان إنّ أوطاس واد في ديار هوازن وبه كانت وقعة حنين، وفيها قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:" حمى الوطيس " وذلك حين استعرت الحرب وهو أوّل من قالها، واسم الوادي أوطاس وهو منقول من جمع وطيس كيمين وأيمان ففيه تورية فانظر لفصاحته صلى الله عليه وسلم، ومقاصده في البلاغة ورميه بسهام البراعة إلى أغراضها، وهو التنور وقيل نقرة في حجر يوقد فيها النار ويطبخ اللحم، ويقال وطست الشيء وطساً إذا كدرته وأثرت فيه، وأخذه التراب ورميه تقدم الكلام عليه، ورب الكعبة قسم، وقوله:(انهزموا (خبر وتبشير للمؤمنين. قوله:) شيئاً من الإغناء) يعني شيئا نصبه إما على أنه مفعول مطلق إن أريد الإغناء أو مفعول به على تضمنه معنى الإعطاء أي لم تعط شيئاً يدفع حاجتكم أو لم تكفكم شيثا من أمر العدوّ. قوله: (برحبها أي سعتها الخ) أي ما مصدرية، والباء للملابسة والمصاحبة أي ضاقت مع سعتها عليكم، وهو استعارة تبعية إما لعدم وجدان مكان يقرون به آمنين مطمئنين، أو أنهم لا يجلسون في مكان كما لا يجلس في المكان الضيق. قوله:(وليتم الكفار ظهوركم (قال الراغب في مفرداته: وليت سمعي كذا ووليت عيني كذا أقبلت به عليه قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وإذا عدى بعن لفظاً أو تقديراً اقتضى معنى الإعراض، وترك قربه اهـ فجعله في الأصل متعدياً إلى مفعولين، وتعديته بعن لتضمنه معنى الإعراض! ، وهو غير مراد هنا وأما الإقبال فإنما جاء من كون الوجه مفعولاً فقد عرفت وجه ما ذكره فإنه إنما يعتمد في اللغة عليه، ومن لم يقف على مراده اعترض! عليه، وقال: ولي تولية أدبر كما في القاموس فلا حاجة إلى تقدير مفعولين، وتبعه من قال: إن ما ذكره المصنف رحمه الله لا وجه له، والتضمين خلاف الأصل، وكيف يتوهم ما ذكروه مع قوله: {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [سورة الأنفال، الآية: 15] وغير. من الآيات التي وقع فيها متعد بالمفعولين وإنما غرهم كلام القاموس، وليس بعمدة في مثله. قوله: (إلى خلف (إشارة إلى اشتقاق الأدبار. قوله:) رحمته التي سكنوا بها وأمنوا) وهي النصر وانهزام الكفار، واطمئنان قلوبهم للكرّ بعد الفرّ ونحوه ولا حاجة إلى تخصيص الرحمة مع شمولها لكل رحمة في ذلك الموطن. قوله: (على رسوله وعلى المؤمنين الذين انهزموا الخ الما كان الأصل عدم إعادة الجارّ في مثله إشارة إلى نكتة، وهي بيان التفاوت بينهما فإنهم قلقوا واضطربوا حتى فروا فكانت سكينتهم اطمئنان قلوبهم، وهو لمجج، ومن معه ثبتوا من غير اضطراب فسكينتهم بمعاينة الرسول ع! فه الملائكة، وظهور علامات ذلك لمن معه، وقوله: وقيل الخ يعني المراد بالمؤمنين قيل ولو أخر نكتة إعادة الجا ار عن هذا لكان أولى لجريها فيهما، وفيه نظر، ثم إنه على الوجه الأوّل كلمة، ثم في محلها فلذا اختاروه، وعلى الوجه الآخر يكون التراخي في الإخبار أو باعتبار المجموع لأنّ إنزال الملائكة بعد الانهزام لا التراخي الرتبي لبعده. قوله: (بأعينكم (يعني أنّ الرؤية بصرية، وا! المراد نفي الرؤية حقيقة لا أنهم رأوها هم أو المشركون وأنّ المراد لم يروا مثلها قبل ذلك، وكما اختلف في عددهم اختلف أيضا هل قاتلوا أم لا. قوله: (وكانوا خمسة الخ (قيل ونجه الاختلاف في العدد أنه تعالى قال: {أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ} [سورة آل عمران، الآية: 124، ثم قال: {وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ} [سررة آل عمران، الآية: 125] فأضاف الخمسة للثلاثة فصارت ثمانية، ومن أدخل الثلاثة فيها قال إنها خمسة فجعلهم

نهاية ما وعد به الصابرين ومن قال: ستة عشر جعلهم بعدد العسكرين اثني عشر وأربعة وهو كلام حسن، وقوله في الدنيا تنازع فيه كفر وجزاء ودلّ عليه قوله، ثم يتوب الخ وفسر التوبة بالتوفيق للإسلام منهم وهي من

،

الله قبوله ذلك ولا ينفك عنه أما التوفيق المذكور فقد يكون، وقد لا يكون فهو المعلق بالمشيئة لا قبوله كما يتبادر من النظم فأشار المصنف رحمه الله إلى دفعه، وقوله:(ويتفضل عليهم) إشارة إلى أنه ليس بطريق الوجوب كما تقول

ص: 314

المعتزلة. قوله: (روي أنّ ناساً منهم الخ)(1 (هذا الحديث في رواية للبخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم بنحوه، وقوله:) ما كنا نعدل بالأحساب (أي لا نسوي بها شيئاً بل نختارها ونقدمها على غيرها والحسب ما يعذ من المفاخر وأرادوا أن اختيارهم ذلك مفخرة ومنقبة لهم، وقوله: (وقد سبى الخ) جملة حالية معترضة بين أثناء صلامهم، وسبايا جمع سبية بمعنى مسبية أي مأسورة والذراري جمع ذرية، وقوله:(فشأنه) أي فليلزم شأنه وهو ما اختاره، وقوله:) ومن لا) أي من لم تطب نفسه، وقرله:(وليكن قرضاً (أي بمنزلته ولا مانع من حمله على حقيقته، والعرفاء جمع عريف وهو من يؤمر على فرقة من العسكر ليعرف أحوالهم كالنقيب وقوله فليرفعوا إلينا أي يعلمونا به من قولهم رفعت القصة للأمير، وقوله فرفعوا أنهم قد رضوا أي رفعوه إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم وأعلموه به. قوله: (لخبث باطنهم الخ) نجس بالفتح مصدر فيحتاج إلى تقدير مضاف أو تجوّز وان كان صفة كما ذكره الجوهري فلا بذ من تقدير موصوف مفرد لفظا مجموع معنى ليصح الإخبار به عن لجمع أي جن! نجس ونحوه، وقوله لخبث باطنهم أي هو مجاز عن خبث الباطن، وفساد العقيدة فهو استعارة لذلك أو لأنهم يجتنبون كما يجتنب النجس فلا وجه لما قيل إن المناسب تقديم الوجه الثالث على الثاني لاشتراكه مع الأوّل في عدم كون الكلام على التشبيه للمبالغة، والوجوب أمّا للمبالغة في اجتنابهم أو المراد وجوبه في الجملة كما في الحرم فلا يرد ما قيل كان عليه ترك الوجوب، وعلى كون المراد ملابستهم النجاسة كالخمر والخنزير ونحوه فهو حقيقة حينئذ أو تغليب. قوله:) وفيه دليل على أنّ ما الغالب نجاستة نجس (أي متنجس كالبط والدجاج المخلى إذا جعل رأسه

في ماء نجسه حملاً على غالب أحواله. قوله: (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) فالنجاسة عنده حقيقة ذاتية لكن الذي ذهبوا إليه خلافه، وقوله وأكثر ما جاء تابعا لرجس لأنّ هذه القراءة وهي قراءة أبي حيوة دلت على أنه أكثرقي لا أنه لا يجوز بغير اتباع كما نقل عن الفراء، وتبعه الحريري في درّته وعلى قول الفراء هو اتباع كحسن بسن، ثم إنّ المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما مال إليه الرازي وعليه فلا يحل الشرب من أوانيهم ومؤاكلتهم ونحوه، لكنه قد صح عن النبيئ لمجن! والسلف خلافه، واحتمال كونه قبل نزول الآية فهو منسوخ بعيد لأنّ الأصل الطهارة، والحل ما لم يقم دليل على خلافه، وقوله: وأكثر ما جاء تابعا كقولهم اً كثر شربي السويق ملتوتا. قوله: (لنجاستهم وإنما نهى عن الاقنراب للمبالغة الخ) وكون العلة نجاستهم إن لم نقل بأنها ذاتية لا تقتضي جواز دخول من اغتسل، ولب! ثيابا طاهرة لأن خصوص العلة لا يخصص الحكم كما في الاستبراء، ووجه المبالغة أن المراد دخوله فالمنع عن قربه أبلغ، وإذا كان للمنع عن الحرم يكون المنع من قرب نفس المسجد الحرام على ظاهره، وبالظاهر أخذ أبو حنيفة رحمه الله إذ صرف المنع عن دخول الحرم للحج والعمرة بدليل قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} فإنه إنما يكون إذا منعوا من دخول الحرم، وهو ظاهر ونداء عليئ كرم الله وجهه بقوله: ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك بأمر النبيّ ىشي! يعينه فلا يقال إنّ منطوق الآية يخالفه. قوله: (وفيه دليل على أنّ الكفار الخ) وجه الدلالة نهيهم والنهي من الأحكام وكونهم لا ينزجرون به لا يضرّ بعد معرفته معنى مخاطبتهم بها والمخالف فيه يقول النهي بحسب الظاهر لهم، ولكنه كناية عن نهي المؤمنين عن تمكينهم من ذلك كما في نحو لا أرينك هاهنا بدليل أن ما قبله وما بعده خطاب للمؤمنين لا للكفار، وسنة براءة سنة نزولها وقراءتها عليهم وسنة حجة الوداع هي العاشرة من الهجرة. قوله:(فقراً بسبب منعهم الخ (لأنهما لما منعوا شق ذلك عليهم لأنهم كانوا يأتون في الموسم بالميرة والمتاجر لهم والإرفاق جمع رفق وهو المنفعة، وفي نسخة الإرزاق وهما بمعنى، والعيلة من عال بمعنى افتقر. قوله: (من عطائه أو بتفضله بوجه آخر الخ) يعني الفضل

بمعنى العطاء أو التفضل فعلى الأوّل من ابتدائية أو تبعيضية وعلى الثاني سببية ولذا عبر عنها بالباء، وقيل إنها نزلت على الوجهين للأصل وهو خلاف الظاهر وقوله:{وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا} [سورة الأنعام، الآية: 6] كثير الأمطار، وتبالة بفتح التاء المثناة الفوقية والباء الموحدة بلدة من

ص: 315

بلاد اليمن ولما تولى عملها الحجاج استحقرها ورجع فقيل في المثل أهون من تبالة على الحجاج، وجرس بضم الجيم وفتح الراء المهملة، والشين المعجمة مخلاف من مخاليف اليمن أي ناحية منه، والمخلاف في إليمن كالرستاق بالعراق، وامتاروا أي جلبوا له الميرة بالكسر وهي الطعام أو جلبه. قوله:(وقرئ عائلة على أنها مصدر الخ) يعني إنه إما مصدر بوزن فاعلة كالعافية أو اسم فاعل صفة لموصوف مؤنث مقدر أي حالاً عائلة أي مفقرة، فقوله أو حال يعني أو صفة حال، وفي نسخة أو حالاً بالنصب أي أو تقديره خفتم حالاً عائلة ففي كلامه تعقيد وايجاز مخل لكته اختصر كلام ابن جني رحمه الله تعالى وهو هذه من المصادر التي جاءت على فاعلة كالعاقبة، والعافية ومنه قوله تعالى:{لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} [سورة الغاشية، الآية: 11، أي لغوا ومنه قولهم مررت به خاصة أي خصوصا، وأمّ قوله تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ} [سورة المائدة، الآية: 13] فيجوز أن يكون مصدرا أي خيانة وأن يكون على تقدير نية أو عقيدة خائنة، وكذا هاهنا يقدر إن خفتم حالاً عائلة، اهـ وما قيل إنه إلغاز لأنه أراد بالحال معنى الصفة فإنه مفعول به سواء أكان مصدرا أو اسم فاعل فأطلق الحال وأراد به الصفة فإنّ المعنى، وان خفتم حالاً عائلة على الإسناد المجازي فحذف الحال، وأقيمت الصفة مقامه لا يخفى حاله. قوله:(قيده بالمشيئة الخ) يعني أنّ التعليق بالمشيئة قد يتوهم أنه لا يناسب المقام وسبب النزول، وهو خوفهم الفقر فإنّ دفعه بالوعد بإغنائهم من غير تردد أولى والشرط يقتضي التردد فأشار إلى أنه لم يذكر للتردد بل لبيان إنه بإرادته لا سبب له غيرها فانقطعوا إليه، وقطعوا النظر عن غيره، ولينبه على أنه متفضل به لا واجب عليه لأنه لو كان بالإيجاب لم يوكل إلى الإرادة فلا يقال إنّ هذا لا حاجة إلى أخذه من الشرط مع قوله من فضله لأن من فضله يفيد أنه عطاء واحسان، وهذا يفيد أنه بغير إيجاب وشتان بينهما، وكونه غير عامّ لكل إنسان وعام يفهم من التعليق، وقيل إنه للتنبيه على أنه بإرادته لا يسعى المرء وحيلته:

لوكان بالحيل الغني لوجدتني بنجوم أقطار السماء تعلقي

قوله: (أي لا يؤمنون بهما على ما ينبغي الخ (لما كانت الآية في حق أهل الكتاب، وهم يؤمنون بالله واليوم الآخر نبه على أن إيمانهم لما كان على ما لا ينبغي نزل منزلة العدم فإنه كلا

إيمان لأنهم يقولون لا يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وانّ النار لم تمسهم إلا أياما معدودات واعتقادهم في نعيم الجنة أنه ليس كما تقول كما مر في تفسير قوله:{وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أسورة البقرة، الآية: 4] في البقرة وقوله فإيمانهم الخ في نسخة فإنّ إيمانهم، وعليهما فلا غبار على كلامه كما توهم لقلة التدبر. قوله:(ما ثبت تحريمه بالكتاب والسنة الخ الما كان كل ما حرّمه الله حرمه رسوله صلى الله عليه وسلم وبالعكس فسره بالكتاب والسنة ليسلم من التكرير. قوله: (هو الذي يزعمون الخ) يعني المراد نبيهم كموسى ع! ي! ف! نهم بدلوا شريعته وأحلوا وحرّموا من عند أنفسهم اتباعا لأهوائهم فيكون المراد لا يتبعون شريعتنا، ولا شريعتهم ومجموع الأمرين سبب لقتالهم وان كان التحريف بعد النسخ ليس علة مستقلة، وقوله اعتقاداً وعملا تمييز قيد ليخالفون لا للنسخ. قوله:(الذي هو ناسخ سائر الأديان (في نسخة ناسخ الأديان وهما بمعنى لأنّ أل فيه للاستغراق وهذا مأخوذ من توله الحق لأنه يفهم إنّ غيره ليس بحق، وكون الشرائع حقا مما لا شبهة فيه فيصرف إلى نسخها وابطال العمل بها فيكون بمنطوقه مفيدا لأنه ثابت لا ينسخ، وبمفهومه أنه ناسخ لما عداه فلا حاجة إلى ما قيل إنّ ثبات الدين يتوقف على عدم المنسوخية لا على ثبوت الناسخية لغيره فيجاب بأنّ المراد ناسخيته لغيره، وهي تستلزم ثبوته ودين الحق من إضافة الموصوف للصفة أو المراد بالحق الله تعالى. قوله: (مشتق من جرى دينه إذا قضاه) معنى الجزية معروف لكنه اختلف في مأخذها فقيل من الجزاء بمعنى القضاء يقال جزيته بما فعل أي جازيته، أو أصلها الهمز من الجزء والتجزئة لأنها طائفة من المال يعطي، وقيل إنها معرب كزيت وهو الجزية بالفارسية، وفي الهداية أنها جزاء الكفر فهي من المجازاة. قوله:(حال من الضمير) وهو فاعل يعطوا ومؤاتية بالمثناة الفوقية من المؤاتاة، وهي الموافقة وعدم الامتناع والطاعة واليد هنا إما يد المعطي أو يد الآخذ، وفي الكشاف معناه على إرادة يد المعطي

ص: 316

حتى يعطوها عن يد أي عن يد مؤاتية غير ممتنعة لأنّ من أبى وامتنع لم يعط يده بخلاف المطيع المنقاد ولذلك قالوا أعطى يده إذا انقاد وأصحب، ألا ترى إلى قولهم نزع يده عن الطاعة كما يقال خلع ربقة الطاعة عن عنقه، أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة لا مبعوثا على يد أحد ولكن عن يد المعطي إلى يد الآخذ، وأما على إرادة يد الأخذ فمعناه حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية، وعن إنعام عليهم لأنّ قبولها منهم، وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم، وقيل عليه إنه لا تقريب فيه ولا يصلح بياناً لعلاقة المجاز لأنّ أعطى يده وبيده بزيادة الباء، أو تعدية الإعطاء بالباء وبنفسه كما في الأساس ظاهر الدلالة على معنى

الإطاعة والانقياد بخلاف أعطى عن يد فإنه مبعد لجعل عن مزيدة أو بمعنى الباء، ورذ با! القصد إلى معنى السببية أي صادرا عن يد لإفادة من وعن والباء ذلك كما صرح به في قوله تعالى:{وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} في قراءة عكرمة، وأما على كونها يد الآخذ فاستعمال اليد في القدرة أو النعمة شائع فاعتراضه في التقريب بأنه لا دلالة على هذه الإضمارات ليس بشيء، والعجب ممن قال: بعد سماع ما ذكر من بيان مراد ا! زمخشري، وردّ ما أورد عليه عندي أنّ معنى عن يد صادرا عن انقياد بسببه فاليد بمعنى الانقياد والاستسلام كما صرّح به صاحب القاموس بعده في معانيها، وعن للسببية لأنّ صاحب المغني والزمخشري جعلاه ص معانيها فتبين أنه لا حاجة إلى ما تكلفه الزمخشري فإنه مع كونه مستغنى عنه بما قرّرناه يرد عليه اعتراض! صاحب التقريب فلم يدر أن ما قاله بعينه كلام الزمخشري فقد أتعب نفسه من غير فائدة. قوله:(أو عن يدهم بمعنى مسلمين) يعني المراد به تسليمها بنفسه، من غير أن يبعث بها على يد وكيل أو رسول لأنّ القصد فيها التحقير وهذا ينافيه فلذا منع من التوكيل شرعا، وخالف الزمخشريّ في جعله مع أنه نقد غير نسيئة، وجهاً واحدا لما فيه من الجمع بين المعنى الحقيقيّ، وغيره فسلم مما يرد عليه. قوله:(أو عن غنى (لأنّ اليد تكون مجازا عن القدرة المستلزمة للغنى، وهذا لم يذكره الزمخشري صريحا. قوله:) أو عن يد قاهرة (على أن يكون المراد باليد يد الآخذ يعني أنّ المراد باليد القهر والقوّة فلو صرّج به لكان أظهر وأخصر، والمراد بالذلة في قوله إذلاء الذلة الظاهرة كوجء العنق والأخذ باللبب، ونحوه فلا يرد عليه إنه تكرار مع قوله وهم صاغرون كما قيل، وقوله:) عاجزين أذلاء (توضيح للحالية من الفاعل. قوله: (أو عن إنعام عليهم الخ (فاليد بمعنى الإنعام وتكون بمعنى النعمة أيضاً وابقاؤهم بالجزية أي عدم قتلهم والاكتفاء بالجزية نعمة عظيمة فاليد الآخذ، وهي عبارة عن إنعامه لا عن قدرته واستيلائه لما مرّ في قوله أو عن يد قاهرة، وفي بعض النسخ قوله أو عن إنعام مقدم على قوله أو من الجزية وهو أولى من تأخيره الواقع في بعضها فإنّ قوله أو عن إنعام الخ، مبني على أن يكون المراد باليد يد الآخذ كما في قوله أو عن يد قاهرة قيل ويجوز في الوجوه الأول كونه حالاً عن الجزية أي مقرونة بالانقياد، ومسلمة بأيديهم وصادرة عن غنى ومقرونة بالذلة وكائنة عن إنعام عليهم وبجوز في الأخير الحالية عن الضمير أي مسلمين نقداً، وقوله من الجزية معطوف على قوله من الضمير وجعله الزمخشري مع الثاني وجها واحدا وقد مرّ تحقيقه. قوله: (أذلاء الخ) وجأه بالجيم والهمزة ضربه، ومجوس هجر مجوس توطنوا هجر بالتحريك وهي

بلدة باليمن يجوز صرفها، وعدمه وهذا من الزيادة على الكتاب والسنة وشبههم بأهل الكتاب لزعمهم أنّ لهم نبياً اسمه زرادشت، وقوله:(ويؤيده أنّ عمر رضي الله تعالى عنه الخ) أخرجه البخاري) 1 (، وقوله: (فلا تؤاخذ منهم الجزية) هو مذهب الشافعي لأنّ قتال الكفرة واجب، وقد عرفنا تركه في أهل الكتاب بالكتاب، وفي المجوس بالخبر فبقي غيرهم على الأصل ولأبي حنيفة رحمه الله ما رواه الزهرقي ولأنه لما جاز استرقاقهم جاز ضرب الجزية عليهم، وتتمته في كتب الفقه، وقوله:" سنوا بهم سنة أهل الكتاب "(2 (أي اسلكوا بهم طريقتهم، واجعلوهم مثلهم، وهو حديث أخرجه مالك في الموطأ والشافعي في الأم وما روي عن الزهري أخرجه عبد الرزاق عن معمر. قوله: (وأقلها في كل سنة دينار) هو مذهب الشافعيّ رحمه الله، ومذهب أبي حنيفة ما ذكره والغنى هو الذي يملك أكثر من عشرة آلاف درهم

ص: 317

والفقير الذي لا يملك مائتي درهم، والكسوب بفتح الكاف القادر على الكسب وان لم يكن له حرفة والفقير الغير المكسوب كالأعمى والمقعد والشيخ الكبير، وهذا إذا ابتدأ الإمام وضعها أمّا إذا وضعت بالتراضي والصلح فبحسب ما يتفق عليه وعليه حمل ما استدل به الشافعي رحمه الله تعالى. فائدة: يجب التنبيه لها قال الإمام الجصاص في أحكام القرآن: اقتضى وجوب قتلهم إلى

أن تؤخذ منهم الجزية على وجه الصغار والذلة أنه لا يكون لهم ذمّة إذا تسلطوا على المسلمين بالولاية ونفاذ الأمر والنهي، إذ كان الله إنما جعل لهم الذمّة بإعطاء الجزية وكونهم صاغرين فواجب على هذا قتل من تسلط على المسلمين بالغصب وأخذ الضرائب بالظلم، وان كان السلطان ولاه ذلك هان فعله بغير إذنه وأمره فهو أولى وهذا يدل على أنّ هؤلاء النصارى،

واليهود الذين يتولون أعمال السلطان، ويظهر منهم الظلم والاستعلاء على المسلمين وأخذ الضرائب لا ذمة لهم، وأن دماءهم مباحة ولو قصد مسلم مسلما لأخذ ماله فقد أبيح له قتله في بعض الوجوه فما بالك بهؤلاء، وقد أفتى فقهاؤنا بحرمة تواليهم الأعمال لثبوته بالنص كما في البحر الرائق، وقد ابتلى السلاطين بهذا حتى احتاج الناس إلى مراجعتهم وتقببل أياديهم كما كان في زمن السلطان مرأد حتى وقع بسبب ذلك فتنة عظيمة لا يفي البيان بها، وقد قلت في ذلك: ويح ناس قوما يهودا تولوا وتولوا عن قول رب تعالى

حسبوا الطب والأمانة فيهم فاستباحوا الأرواج والأموالا

يقتلون البغاة من غير حرب وكفى الله المؤمنين القتالا

وبسط الكلام فيه ابن القيم رحمه الله. قوله: (إنما قاله بعضهم من متقدّميهم الخ (من

بيانية أو تبعيضية وهو الظاهر ونسبة الشيء القبيح إذا صدر من بعض القوم إلى الكل مما شاع كما مرّ تحقيقه، وقوله والدليل الخ قيل ما الحاجة إلى دليل، وقد صرّج به في النظم فهذا كإيقاد الشمعة وسط النهار المشمس، وأجيب بأنّ مدلوله صدوره منهم، ولا خفاء فيه والذي أثبت بما ذكر أنه معروف بينهم غير منكر منهم ولذا أسند إلى جميعهم، وقيل ضمير فيهم ليهود المدينة، وهو استدلال على القول الثاني ولا دلالة في الآية عليه بخصوصه فتأمّل، وتهالكهم حرصهم عليه حتى يكادوا أن يهلكهم الحرص. قوله:(عزير بالتنوين الخ) قرأ عاصم والكسائي بتنوين عزيز والباتون بترك التنوين، فالأوّل على أنه اسم عرب وابن خبره، وقال أبو عبيد أنه أعجمي لكنه صرف لخفته بالتصغير كنوج، ولو طورد بأنه ليس بمصغر درانما هو أعجمي جاء على هيئة المصغر كسليمان، وفيه نظر، وأما حذف التنوين فقيل حذف لالتقاء الساكنين على غير القياس، وهو مبتدأ وخبر أيضاً، ولذا رسم في جميع المصاحف بالاً لف، وقيل لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، وقيل لأنه موصوف بابن وسيأتي ما فيه، وقوله:(تشبيهاً للنون بحروف اللين) فإنّ حروف اللين تحذف عند التقاء الساكنين والنون تحرّك لدفعه. قوله: (أو لأنّ الابن وصف والخبر محذوف الخ) من ذهب إلى هذا قطع بالانصراف لكونه عربيا كما ذكره الجوهري، وقال الزمخشري: أنّ هذا القول تمحل عته مندوحة وذكر الشيخ في دلائل الإعجاز هذا القول وردّه حيث قال الإثم إذا وصف بصفة، ثم أخبر عنه فمن كذبه انصرف تكذيبه إلى الخبر وصار ذلك الوصف مسلما فلو كان المقصود بالإنكار قولهم عزير ابن الله معبودنا لتوجه

الإنكار إلى كونه معبوداً لهم، وحصل تسليم كونه ابناً دلّه، وذلك كفر وقال الإمام إنه ضعيف أمّا قوله إنّ من أخبر الخ فمسلم، وأمّا قوله ويكون ذلك تسليماً للوصف فممنوع لأنه لا يلزم من كونه مكذبا لذلك الخبر كونه مصدقا لذلك الوصف إلا أن يقال تخصيص ذلك بالخبرية يدل على أنّ سواء لا يكذب، وهو مبنيّ على دليل خطابي ضعيف، وقيل هذا الكلام يحتمل أمراً آخر، وهو أن يقال المراد من إجراء تلك الصفة على الموصوف بناء الخبر عليه فحينئذ يرجع التكذيب إلى جعل ذلك الوصف علة للخبر فبطل ذلك التمحل يعني الوصف للعلية فإنكار الحكم يتضمن إنكار علته، ولو سلم فلا يستلزم تسليمها، وقيل عليه إن إنكار الحكم قد يحتمل أن يكون بواسطة عدم الاقتضاء لا لأنّ الوصف كالأبنية مثلاً منتف، وفي الإيضاج أن القول

ص: 318

بمعنى الوصف، وارد أنه لا يحتاج إلى تقدير الخبر كما أنّ أحداً إذا قال مقالة ينكر منها البعض فحكيت منها المنكر فقط قال في الكشف، وهو وجه آخر حسن في دفع التمحل لكنه خلاف الظاهر أيضا لا ترى إلى قوله تعالى:{ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [سورة التوبة، الآية: 30] وما قيل إنه لا يدفع التمحل غير مسلم وأمّا ما قيل إن ما ذكره الشيخ ليس بمطرد لا في توجه الإنكار إلى الخبر ولا في كون الوصف مسلما كما إذا كان الخبر مسلماً للكل، أو للحاكي والوصف غير مسلم فانه إذا قدّر الخبر في الآية نبينا أو حافظ التوراة لا يتوجه الإنكار إلى الخبر بل إلى الوصف، ولا يبعد أن يكون حذف الخبر للإشارة إليه فيندفع المحذور إلا أنّ حمل كلام رب العزة عليه مخل ببلاغته فحبط، وخلط غريب مع أنه مع إخلاله بالفصاحة والبلاغة كيف ينبغي ذكره، وهل إخلاله إلا لما ذكروه بعينه مع أنه لم يزد على ما قاله الإمام إلا علاوة من الصخور في البراري.

قوله: (مثل معبودنا أو صاحبنا وهو مزيف لآنه يؤدي إلى تسليم النسب وإنكار الخبر المقدّر) قد تقدّم بيانه على أتم وجه، قيل: كيف ينكر قولهم صاحبنا فالوجه الاقتصار على معبودنا كما في الكشاف، أقول مقصوده أنّ قانون الاستعمال على إنكاره سواء كان منكراً في نفسه أو لا لأنه قد يتوهم في التقدير الأوّل إنّ الإنكار إنما استفيد من قيام الدليل على أنه لا معبود إلا الله، وفيه ردّ على توهم بعض الأذهان القاصرة كما مرّ قبيلة إن الخبر إذا لم يكن منكراً توجه الانكار إلى الوصف المذكور فتنبه، وههنا وجه آخر لا يرد عليه شيء مما ذكروه، ولم يظهر لي وجه تركه مع ظهوره وأظنه من خبايا الزوايا، وهو أن يكون عزير ابن الله والمسيح ابن الله خبرين عن مبتدأ محذوف أي صاحبنا عزير ابن الله، والخبر إذا وصف توجه الانكار إلى وصفه نحو أهذا الرجل العاقل، وهذا موافق لقانون البلاغة، وجار على وفق العربية من غير تكلف ولا غبار عليه. قوله:(استحاله لأن الخ) من لم يكن إلها تنازعه ما قبله واذما لم

يقل من لم يكن ابن الله مع أنه المدعي، ولذا قيل إنّ هذا لا يدل على كونه ابنا لأن ابن الإله لا يكون إلا إلها لاتحاد الماهية كذا قيل، وقيل لما لم يكن عندهم مستقلا بالألوهية لزم كونه ابنا، وفيه تأمل. قوله:(تثيد لنسبة هذا القول إليهم الخ الم يرتض شراح الكشاف كونه تأكيد الدفع التجوّز عن الكتابة والإشارة أو كون القائل بعض أتباعهم ونحوها مثل كتبته بيدي، وأبصرته بعيني لأنه غير مناسب، ولذا حمله الزمخشري على وجهين الأوّل أنه مجزد لفظ لا معنى له معقول كالمهملات، أو أنه رأى ومذهب لا أثر له في قلوبهم وإنما يتكلمون به جهلا أو عناداً، ولكن إرادة المذهب من الفول مستدركة لأنّ كون القول بأفواههم لا بقلوبهم كاف في ذلك ترك المصنف رحمه الله تعالى الاحتمال الثاني، ولما رأى المصنف أنّ كون المراد به التأكيد مع التعجيب من تصريحهم بتلك المقالة الفاسدة لا ينافيه المقام كما صرح به العلامة في شرح الكشاف لأنّ التأكيد لا ينافي اعتبار نكتة أخرى لم يلتفت إلى ما ذكر لأنه الشائع في أمثاله ولأنه لا تجوّز فيه، وأما ما قيل إنّ المناسب حينئذ أن يقال، وقالت الخ بأفواههم من غير تخلل قوله: {ذَلِكَ قَوْلُهُم} ولذا حمله بعضهم على دفع التجوّز في المسند دون الإسناد، والقول قد ينسب إلى الأفواه والى الألسنة والأوّل أبلغ ولذا أسند إليها هنا فغير ظاهر، والمراد بقوله في الأعيان في نفس الأمر فلا يرد عليه ما قيل المفهومات أمور معنوية لا وجود لها في الخارج لشيوع مثله في كلامهم من غير مبالاة به. قوله:) فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه) فانقلب مرفوعا أو هو تجوّز، كقوله:{وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} أسورة يوسف، الآية: 52] أي لا يهديهم في كيدهم فالمراد يضاهون في أقوالهم. قوله: (والمراد قدماؤهم الخ (فالمضاهي من كان في زمنه منهم لقدمائهم، ومعناه عراقتهم في الكفر على الوجه الذي بعده هو شامل لهم كلهم وأما كون المضاهي النصارى، ومن قبلهم اليهود فخلاف الظاهر مع أنّ مضاهاتهم علصت من صدر الآية، ولذا أخره المصنف رحمه الله لكنه منقول عن قتادة. قوله: (والمضاهاة المشابهة الخ) فيقال ضاهيت وضاهأت كما قاله الجوهري: وقراءة العامة يضاهون بهاء مضمومة بعدها واو وقرأ عاصم بهاء مكسورة بعدها همزة مضمومة وهما بمعنى من المضاهاة وهي المشابهة وهما لغتان، وقيل الياء فرع

ص: 319

عن الهمزة كما قالوا قربت وتوضيت وأخطيت، وقيل الهمزة بدل من الياء لضمها، ورذ بأنّ الياء لا نثبت في مثله حتى تقلب بل تحذف كيرامون من الرمي، وقيل: إنه مأخود من قولهم إمرأة ضهيا بالقصر وهي التي لا ثدي

559

لها أو لا تحيض أو لا تحمل لمشابهتها الرجال ويقال امرأة ضهياء بالمذ كحمراء وضهياءة بالمد وتاء التأنيث وشذ فيه الجمع بين علامتي التأنيث، قيل وهو خطأ لاختلاف الماذتين فإنّ الهمزة في ضهياء على لغاتها الثلاث زائدة، وفي المضاهأة أصلية ولم يقولوا إنّ همزة ضهيأ أصلية وياؤها زائدة لأن فعيل لم يثبت في أبنيتهم، ولم يقولوا وزنها فعلل كجعفر لأنه ثبت زيادة الهمز في ضهياء بالمذ فتتعين في اللغة الأخرى، وفيه رذ على الزمخشري إذ جعل الهمزة مزيدة، وقال: إنّ وزنه فعيل ولا محيص عنه سوى أن تجعل الواو بمعنى أو في كلامه ليكون إشارة إلى القول الآخر في همزتها، وما يقال إنه يجوز أن يراد بكونه فعيلا مجرّد تعداد الحروف، والا فوزنه فعلأ كما صرّح به الزجاج لا يناسب ما قصده من الاشتقاق، وفيه كلام مفصل في سرّ الصناعة لابن جني. قوله:(على فعيل) يعارض ما قاله في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} [سورة البقرة، الاية: 87] من أنّ وزن مريم مفعل إذ لم يثبت فعيل. قوله:) دعاء عليهم بالإهلاك الخ (قال الراغب: المقاتلة المحاربة وقولهم قاتلهم الله تيل معناه لعنهم، وقيل معناه قتلهم والصحيح أنه على المفاعلة والمعنى صار بحيث يتصذى لمحاربة الله فإنّ من قاتل الله فمقتول ومن غالبه فمغلوب، انتهى. فعلى الأوّل هو دعاء عليهم بالإهلاك كما ذكره الرأغب، وعلى الثاني المراد منه التعجب من شناعة قولهم فانها شاعت في ذلك حتى صارت تستعمل في المدح فيقال قاتله الله ما أفصحه فظهر الفرق بينهما وأنه لا وجه لما قيل إنه دعاء عليهم بالإهلاك، ويفهم التعجب من السياق لأنها كلمة لا تقال إلا في موضع التعجب من شناعة فعل قوم، أو قولهم مع أن تخصيصه بالشناعة شناعة أخرى، ومما يتعجب منه ما قيل لا يظهر وجه الدعاء من الله فهو بتقدير قولوا قاتلهم الله والجمل الدعائية في القرآن كثيرة لكنها في كل مقام يراد منها ما يناسبه. قوله:) بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله الخ (هذا هو تفسير النبىّ صلى الله عليه وسلم فينبغي الاقتصار عليه لأنه لما أتاه عديّ بن حاتم وهو يقرؤها قال له: إنا لم نعبدهم فقال: ألم تتبعوهم في التحليل والتحريم فهذه هي العبادة، والناس يقولون فلأن يعبد فلأنا إذا أفرط في طاعته فهو استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة أو مجاز مرسل بإطلاق العبادة، وهي طاعة مخصوصة على مطلقها والأوّل أبلغ وعلى كونه بمعنى السجود يكون حقيقة. قوله: (بأن جعلوه ابنا (فسره به لأنّ سياق الآية يقتضيه فلا يرد ما قيل الأولى بأن عبدوه ليعمّ كل النصارى، والمتخذون الأوّل بالكسر والثاني بالفخ على زنة

الفاعل والمفعول. قوله: (فبكون كالدليل على بطلان الاتخاذ الخ الأن من عبدوه إذا لم يؤمر بغير عبادة ألله فهم بالطريق الأولى، وإنما قال كالدليل لأنه ليس بدليل لاحتمال أنّ المعبودين اختصوا بذلك لكمالهم وعدم احتياجهم إلى الواسطة بخلاف من دونهم وان كان احتمالاً فاسدا، وهذا على الثاني إذ هو على الأوّل إبطال لاتخاذهم لا دليل علي! ، ولذا خصه المصنف رحمه الله والزمششرفي به كما يشهد له التفريع فمن قال: إنه لا وجه له لا وجه له. قوله:

(ليطيعوا الخ) فسر العبادة بمطلق الطاعة التي تندرج فيها العبادة لأنه أبلغ وأدل على إبطال فعلهم إذ المراد باتخاذهم أربابا إطاعتهم كما مرّ، وهذا إذا كان المتخذ على زنة الفاعل ظاهر فإن كان وزن المفعول فلما مر أن غيرهم يعلم بالطريق الأولى، وبهذا سقط ما قيل إنه لا حاجة إلى صرف العبادة عن معناها الظاهر إلى معنى الإطاعة حتى يحتاج إلى أن يقال طاعة الرسول لمج، وكل من أمر الله بطاعته كطاعة الله في الحقيقة. قوله:(مقزرة للتوحيد) هو على الوجهين، وفيه فائدة زائدة هو أنّ ما سبق يحتمل غير التوحيد بأن يؤمروا بعباد إله واحد من بين الآلهة فأذن وصف الماً مور بعبادته بأنه هو المنفرد بالألوهية، وهو المراد ويجوز كونها مفسرة لواحد. قوله:(حجته الدالة على وحدانيته وتقدسه الخ) فنور الله استعارة أصلية تصريحية لحجته أو القرآن أو للنبوّة لتشبيهها بالنور في الظهور والسطوع والإطفاء بأفواههم ترشيح،

ص: 320

وقيل استعارة أخرى، واضافته إلى الله قرينة أو تجريد، وقوله بشركهم أو تكذيبهم متعلق بيطفئوا لا تفسير للأفواه، وقوله إلا أن يتم نوره إن كان المراد به النور السابق فهو من إقامة الظاهر مقام المضمر دهان أريد كل نور له أعم من الأوّل فهو تتميم له وقوله:(، علاء التوحيد) ناظر إلى الوجه الأوّل، وما بعده لما بعده، وقوله:(عن أن يكون له شريك) إشارة إلى أنّ ما مصدرية. قوله: (وقيل إنه قمثيل لحالهم في طلبهم الخ) هو معطوف بحسب المعنى على قوله حجته الخ أي هو استعارة تمثيلية والمستعار جملة الكلام لأنّ حالهم في محاولة إبطال نبوّته صلى الله عليه وسلم بالتكذيب هو المشبه المطوي، والمشبه به حال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق أي منتشر المعنى بقوله:{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} وقوله: {وَيَأْبَى اللهُ إِلَاّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} ترشيح لأنّ إتمام النور زيادة في استنارته، وفشوّ ضوئه فهو تفريع على الأصل المشبه به، وقوله هو الذي أرسل وسوله بالهدى الخ تجريد وتفريع على الفرع وروعي في كل من المشبه،

والمشبه به الإفراط والتفريط حيث شبه الإبطال بالإطفاء بالفم، ونسب النور إلى الله ومن شأن النور المضاف إليه أن يكون عظيماً فكيف يطفأ بنفخ الفم فلذا قال: عظيم منبث في الآفاق مع ما بين الكفر الذي هو ستر وازالة للظهور والاطفاء من المناسبة، وقوله بنفخه متعلق بإطفاء، والضمير المضاف إليه راجع لمن. قوله: (وإنما صح الاستثناء المفرغ الخ (يعني إن إلا أن يتمّ استثناء مفرغ وهو في محل نصب مفعول! به، والاستثناء المفرغ في الأغلب يكون في النفي إلا أن يستقيم المعنى، وهذا نفي في المعنى لأنه وقع في مقابلة يريدون ليطفؤوا نور الله فدل التقابل على أن معناه كما قال الزمخشرفي: لا يريد إلا تمام نوره، وقال الزجاج: المستثنى منه محذوف تقديره ويكره الله كل شيء إلا إتمام نوره فالمعنى على العموم المصحح للتفريع عنده فللناس في توجيه التفريع هنا مسلكان، والحاصل إنه أن أريد كل شيء يتعلق بنوره بقرينة السياق صح إرادة العموم ووقوع التفريع في الثابتات كما ذهب إليه الزجاج إذ ما من عام إلا وقد خص فكل عموم نسبي لكنه يكتفي به، ويسمى عموماً ألا ترى أن مثالهم قرأت إلا يوم كذا قد قدروه كل يوم، والمراد من أيام عمر. لا من أيام الدهر فإن نظر إلى الظاهر في أمثاله كان عاما، واستغنى عن النفي وان نظر إلى نفس الأمر فهو ليس بعام فيؤوّل بالنفي، والمعنى فيهما واحد وإنما أوّل به هنا عند من ذهب إلى تأويله لاقتضاء المقابلة له إذ ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بالنفي، فيلزمه جريان التفريغ في كل شيء، وليس كذلك كما صرّج به الرضي، ولذا قيل الاستثناء المفرغ وإن اختص بالنفي إلا أنه قد يمال مع المعنى بمعونة القرائن، ومناسبة المقامات فيجري بعض ا! إيجابات مجرى النفي في صحة التفريغ معها، كم! قيل في قوله تعالى:{فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلَاّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} [سورة البقرة، الآية: 249] وهذا ما يقال لا يجري في الإثبات إلا أن يستقيم المعنى ولو اكتفى بمجرّد جعل المثبت بمعنى نفي مقابله الجري في كل مثبت ككرهت بمعنى ما أردت وأبغضت بمعنى ما أحببت وهكذا، وإنما قدره المصنف رحمه الله لا يرضى، ولم يقدر لا يريد كما قدره الزمخشرفي لأنّ المراد بإرادة إتمام نوره إرادة خاصة، وهي الإرادة على وجه الرضا بقرينة قوله:{وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [سورة الصف، الآية: 8] لا الإرادة المجامعة لعدم الرضا كما هو مذهبنا بخلاف من يسوّي بينهما فمن فسر كلام المصنف رحمه الله بكلام الزمخشرقي غفل عن إرادته، ومن الناس من أورد هنا بحثاً وهو أنّ الغرض من إرجاع الإثبات إلى النفي بالتأويل تصحيح المعنى، ولا يخفى أنه لا فرق هنا بين أن يؤولط بلا يرضى، وعدمه في عدم صحة المعنى فإن عدم رضاه تعالى إتمام كل شيء غير نوره لا يصح فالآية مشكلة على كل حال! ، فإن قيل المعنى يأبى كل شيء يتعلق بنوره إلا إتمامه فالمعنى صحيح من غير تأويل بالنفي، والحاصل أنه إن عم الأباء كل شيء فالنفي، وعدمه سيان في بمدم صحة المعنى، وان خص فلا حاجة إلى التأويل، وقد علمت مما قرّرناه لك أنّ هذا البحث من عدم الوقوف على المراد، وربما استصعبه من لم يعرف حقيقة الحال. قوله:

(محذوف الجواب) وتقديره يتمّ نوره، وقوله كالبيان لأنّ المراد من إتمام نوره إظهاره، ولكونه بحسب المآل بمعناه ذيله بما ذيله به بعينه لكنه عبر عن الكافرين بالمشركين تفاديا عن صورة التكرار، وظاهر كلامه أنه فسر

ص: 321

الكفر بالكفر بالرسول مجت! ر، وتكذيبه والشرك تالبهفر بالله بقرينة التقابل ولا مانع منه فسقط ما قيل إنه ليس لهذا التكرير تسبب عن كونه كالبيان فالأولى أن يقال كرر للتأكيد وكيف يكون تأكيداً مع أنه بين تغايرهما، وتفسير الجنس بسائر الأديان إشارة إلى أنّ المراد به الاستغراق لما عداه، وهو على إرجاع الضمير للدين، وقوله أو على أهلها على إرجاعه للرسول صلى الله عليه وسلم ففي الكلام حينئذ مضاف مقدر أي أهل الدين، وخذلانهم عدم نصرهم ويصدون من الصد أو الصدود كما مرّ. قوله:(يأخذونها بالرشا) هي جمع رشوة، والباء للملابسة أي يأخذونها ملتبسة بها، ولو قال: الارتشاء كان أوضح والباء للسببية وقوله سمي أخذ المال أكلا الخ في الكشاف أنه على وجهين إمّا أن يستعار ا! ل للأخذ ألا ترى إلى قولهم أخذ الطعام وتناوله، واما على أنّ الأموال يؤكل بها فهي سبب ل! ل ومنه قوله:

إنّ لنا أحمرة عجافا يأكلن كل ليلة اكافا

وقيل عليه لا طائل تحت هذه الاستعارة والاستشهاد بقولهم أخذ الطعام وتناوله سمج، والوجه هو الثاني، وما قاله القاضي سمي أخذ المال أكلا لأنه الغرض الأعظم منه، وردّ بأنه استشهد بقولهم على أنّ بينهما شبها والا فهذا عكس المقصود، وفائدة الاستعارة المبالغة في أنه أخذ بالباطل لأنّ اكل هو غاية الاستيلاء على الشيء ويصير قوله بالباطل على هذا زيادة مبالغة، ولا كذلك لو قيل: يأخذون، وعلى الوجه الآخر التجوّز كما قيل إما في ا! ل لأنه مجاز عن الأخذ لأنّ الأكل ملزوم للأخذ كما أنّ أخذ الطعام مجاز عن أكله لأنه لازم له، وأما في الأموال فهي مجاز عن الأطعمة التي تؤكل بها للتعلق بين الأموال، والأطعمة المختصة بها كما أنّ الاكاف مجاز عن العلف للتعلق بينهما بسبب اشترائه والمصنف رحمه الله اختار أنّ اكل مجاز مرسل عن الأخذ بعلاقة العلية، والمعلولية وكونه مجازاً في الإسناد لا وجه له، فلذا لم يلتفتوا إليه وفسر سبيل الله بدينه وقريب منه تفسيره بحكمه. قوله:(ويجوز أن يراد به الكثير من الأحبار الخ) يريد أن التعريف في الذين يكنزون للعهد، والمعهود إما الأحبار

والرهبان، وأمّا المسلمون لجري ذكر الفريقين، والأولى حمله كما قال الطيبي رحمه الله على العموم فيدخل فيه الأحبار والرهبان دخولاً أولياء، وقوله الكثير لبيان الواقع في أصدق الكلام لأنهم ليسوا كذلك جميعا، والضن بكسر الضاد كالضنة شدة البخل، والمبالغة من التعبير عن المنع بالكنر الذي أصل معناه الدفن في الأرض، ويقتنون افتعال من القنية وهي معروفة. قوله:(وأن يراد المسلمون الخ) وجه الأول ذكره عقب ذمهم ووجه هذا أنّ قوله لا ينفقونها بشعر بأنهم ممن ينفق في سبيل الله لأنه المتبادر من النفي عرفا، ووجه دلالة حديث عمر رضي الله عنه (1 (عليه أنّ الصحابة رضي الله عنهم فهموا منها ذلك، وهم أهل لسان فدل على ذلك والاستدلال بالنور إلى إرادة المشركين فقط لأنه المذكور في كلامه لا بالنسبة إلى تعميمه، فإنه لا دلالة له على عدم العموم لدخولهم فيه، ولذا قيل إن حديث عمر رضي الله عنه لا يدل على التخصيص بالمسلمين، وقيل لو أريد بهم أهل الكتاب خاصة لقيل، ويكنزون فلما قيل والذين يكنزون استئنافا علم أن المراد التعميم، والتخصيص بالمسلمين، وقد قيل المراد المسلمون ويدخل الأحبار والرهبان بطريق الأولى، وفي التعميم غنيمة عن هذا كله، وحديث عمر رضي الله عنه أخرجه أبو داود: " وما أذى زكاته فليس بكنز ") 2 (أخرجه الطبراني والبيهقي في سننه وغيرهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما وتفسيره الكنز بالكنز المتوعد عليه في الآية بيان لمراده صلى الله عليه وسلم. قوله: (وأمّا قوله يكوو الخ)) 3 (جواب عن السؤال بمعارضة ما ذكر لما مرّ من الحديث،

وقيل إنه كان قبل أن تفرض الزكاة والشيخان حيث أطلقا عند المحدثين ص البخاري ومسلم، وهو المراد الحديث: رواه الطبراني والبخاري في تاريخه، وقوله:(1 لا إذا (المستئنى فيه الجملة من الشرط وجوابه، وتصفيحها بسطها ومدّها حتى تصير صفيحة وفسر العذاب بالكيّ بهما لأن يوم الخ تفسير له. قوله: (أي يوم توقد النار ذات حمى الخ) يعني أنّ أصله ما ذكر لكنه عدل عنه للمبالغة لأنّ النار في نفسها ذات حمى فإذا وصفت بأنها تحمي دلّ على شدة

ص: 322

توقدها، ثم جعلت مستعلية على الكنوز فطوى ذكرها وحول الاسناد إلى الجار والمجرور فأفاد شدة حرّ الكنوز المكرى بها وقرىء تحمى بالتاء الفوقية بإسناده إلى النار كأصله وقراءته بالياء لأنّ الفاعل ظاهر والتأنيث غير حقيقي، وبها فاصل. قوله:(وإنما قال عليها والمذكور شيثان الخ (أي الظاهر في هذه الضمائر والتثنية فلم أتى بضمير المؤنث فذكر أن وجهه أنه ليس المراد بهما مقدار معين منهما، والجنس الصادق بالقليل والكثير منهما بل الكثير لأنه هو الذي يكون كنزا فأتى بضمير الجمع للدلالة على الكثرة ولو ثنى احتمل خلافه وأيده بما روي عن علي كرّم الله وجهه كما رواه ابن حبان وابن حاتم موقوفا عليه، والتوجيه الآخر أن الضمائر عائدة على الكنوز أو الأموال المفهومة من الكلام فيكون الكلام عاما، ولذا عدل فيه عن الظاهر والتخصيص بالذكر لأنهما الأصل الغالب في الأموال لا للتخصيص والقانون لفظ روي معرّب جمعه قوانين، وهو في الأصل بمعنى المسطر، ثم استعمل بمعنى الأصل. قوله: (أو للفضة الخ) وجه آخر وهو أن الضمير للفضة واكتفى بها لأنها أكثر والناس إليها أحوج ولأنّ الذهب يعلم منها بالطريق الأولى مع قربها لفظا. قوله: (لأنّ جمعهم وامساكهم الخ) بيان لوجه تخصيص ما ذكر بالذكر كونه مكتوبا بأن غرضهم من جمعها طلب أن يكونوا عند الناس ذوي وجاهة أي رآسة بسبب الغنى من قولهم هو وجه القوم لسيدهم، وليس المراد ما تعارفه الناس،

وأن يتنعموا بالمطاعم الشهية التي تشتهب يا أنفسهم، والملابس الب كية ذات البهاء، وهو حسن المنظر فلو جاهتهم ورآستهم المعروفة بوجوههم كأنّ الكيّ بجباههم ولامتلاء جنوبهم بالطعام كووا عليها ولما لبسوه على ظهورهم كويت. قوله:) أو لأنهم ازورّوا الخ) وجه آخر والازوراء الانحراف عن السائل، وهو بالوجه فيكون سبب كيّ الجباه، والإعراض أن يولي عنه جانبه فهو مناسب لكيها وتولية الظهور في غاية الظهور، وقوله:(أو لأنها الخ) يعني تخصيصها لاشتمالها على أشرف الأعضاء بالذات لأنها رئي! الأعضاء كما صرّح به الأطباء أو لأنها أصول الجهات الأربع فالمفاديم الإمام، والمآخر الخلف والجنبان اليمين والشمال فيكون كناية عن جميع البدن، قيل ولم يذكر نكتة لبيان الاقتصار على هذه الأربع من بين الجهات الست. قوله:(على إرادة القول الخ) أي يقال لهم هذا، وقوله لمنفعتها إما إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى محصل معنى الكلام، واللام للتعليل ولم تجعل للملك لعدم جدواه، وقوله:(عين مضرتها) إشارة إلى أنهم حصل لهم خلاف ما قدروه في العاقبة. قوله: (وبال كنزكم) يشير إلى أنّ ما مصدرية مؤوّلة بمصدر من جنس خبر كان لأنّ في كون الناقصة لها مصدر كلاً ما ولذا قال بعض النحاة لا مصدر إلا للتامة، وهو الكون ولأن المقصود الخبر وكان إنما ذكر لاستحضار الصورة الماضية، ولذا خالف الزمخشرقي في تقدير كونكم كانزين، وقدر له مضافا وهو وبال بمعنى ألمه وشذته بالكيّ، وقوله أو ما تكنزونه إشارة إلى موصوليتها وتقدير العائد، وفي قوله ذوقوا ما الخ استعارة مكنية وتخييلية أو تبعية وكنز يكنز كضرب يضرب وقعد يقعد لغتان وبهما قرىء. قوله:(أي مبلغ عددها الخ الما كانت العدّة مصدراً كالشركة، واثنا عشر ليس عينها فلا يصح حمله عليها قدر الكلام بما يصححه، والمبلغ المقدار الذي يبلغه، وقيل إنما قدر المضاف مع عدم الحاجة إليه في تأدية المعنى لأنّ المقصود الردّ على المشركين في الزياد بالنسيء، وهو إنما يحصل به لا بدونه وفيه نظر. قوله: (معمول عدّة لأنها مصدر) أي حالاً كما هو الظاهر، وقيل بحسب الأصل وهو كاف للعمل في الظرف لأن العدد خرج عن المصدرية وهي بمعناه، وهو تكلف لا حاجة إليه وعدة مبتدأ وعند الله معموله، وفي كتاب الله صفة اثنا عشر ويوم معمول كتاب الله على مصدريته أو العامل فيه معنى الاستقرار وفي الإعراب

وجوه آخر مفصلة في محلها، وشهرا تمييز مؤكد لأنه مع قوله:(عذّة الشهور) أي شهور السنة لو حذف استغنى عنه قيل، وما يقال إنه لدفع الإيهام إذ لو قيل عذة الشهور عند الله أثنا عشر سنة لكان كلا ما مستقيما ليس بمستقيم، وهو غير وارد لأنّ مراد القائل أنه يحتمل أن تكون تلك الشهور في ابتداء الدنيا كذلك كما في قوله:{وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [سورة الحج، الآبة: 47] ونحوه

ص: 323

ولا مانع منه فهو أحسن من الزيادة المحضة، وفسر الكتاب باللوح وبالحكم لأنه يقال كتب الله كذا بمعنى حكم به، أو قدره كما مرّ وقدم الأوّل لأنه أظهر وأسلم عن التكرار مع قوله عند الله.

قوله: (متعلق بما فيه من معنى الثبوت الخ) أي بما في قوله كتأ! الله من معنى الثبوت

الدال عليه بمنطوقه، أو بمتعلقه أو بالكتاب إن كان مصدراً بمعنى الكتابة لا عيناً وجثة، وإنما قال والمعنى الخ لأنّ كونها في اللوح أو في الحكم الإلهي أزلي قبل خلقهما فبين أن ا! مراد تقييده به باعتبار الوقوع، ولما كان الوقوع مستمراً لا مقيدا بالخلق أشار بقوله مذ خلق إلى أنه بيان لابتدائه فلا ينافي استمراره، وزاد الأزمنة لأن المراد بخلق السماوات والأرض! إيجادها، وايجاد ما فيها من الجواهر والأعراضى والمعنى أنه في ابتداء إيجاد هذا لعالم كانت عذتها كذلك، وهي على ما كانت عليه فاندفع ما قيل إن قوله في كتاب الله ليس بمعنى حكمه وقضائه وتقديره لأنّ ذلك قبل خلق السماوات والأرض، ومنها أي من الاثني عشر. قوله:(واحد فرد الخ) قال النووي في شرح مسلم الأشهر الحرم أربعة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر أضيف لهم لأنّ بعض العرب وهي ربيعة كانوا يحرمون رمضان ويسمونه رجبا، ولذا قال في الحديث:" رجب مضر الذين بين جمادى وشعبان ") 1 (بيانا له، واختلف في ترتيبها فقيل أوّلها المحرم وآخرها ذو الحجة فهي من شهور عام وقيل أوّلها رجب فهي من عامين، وقيل أوّلها ذو القعدة وهو الصحيح لتواليها، وفي الحديث ثلاث متواليات ورجب مضر، اهـ وأورد عليه ابن المنير في تفسيره أنه إنما يتمشى على أن أوّل السنة المحرّم، وهو حدث في زمن عمر رضي الله عنه، وكان يؤرخ قبله بعام الفيك، ثم أرخ في صدر الإسلام بربيع الأوّل فتأمّله، وقوله وثلاثة سرد أي متوالية من سرد العدد تابعه، والمحرّم لا يستعمل بغير أل لكونه علما بالغلبة. قوله: (أي تحريم الأشهر الآربعة (جعل الإشارة إليها لقربها ولا يضر كون ذلك للبعيد لأنّ الألفاظ لتقضيها في حكمه كما مرّ تحقيقه في ذلك الكتاب، ولم يلتفت إلى جعلها لكون

العدّة كذلك الذي رجحه الإمام بأنّ كونها أربعة محرمة مسلم عند الكفار، وإنما القصد الردّ عليهم في النسيء والزيادة على العدّة لأن التفريع الذي بعده يقتضيه فتأمّل. قوله:(وارتكاب حرامها الك أن تفسر هتك حرمتها بالقتال فيها وارتكاب حرامها بارتكاب المحرّمات على تفسيري الظلم فيتغايران، وأن تجعل الثاني تفسيراً له أي ارتكاب الحرام فيها فالإضافة على معنى في أو لأدنى ملابسة. قوله: (والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة) واختلف في الناسخ لها، ولذا لم يذكره المصنف رحمه الله للاختلاف فيه مع أن الأصح النسخ، وأن الظلم هنا مؤوّل بارتكاب المعاصي فيها وتخصيصها به مع أنه مطلق لتعظيمها وأن الإثم فيها أشذ من غيرها كما في الحرم وشهر رمضان وحال الإحرام، وقوله:(عن عطاء الخ) هو عطاء بن أبي رباح، وهو المراد حيث أطلق، وقوله إلا أن يقاتلوا بصيغة المجهول والضمير للمسلمين أو المعلوم والضمير للكفار وإنما استثنى هذا لأنه للدفع فلا يمنع منه بالاتفاق أو لأنّ هتك حرمته ليس منهم بل من البادئ. قوله:(ويؤيد الأوّل) أي القول بالنسخ المقابل لقول عطاء وما ذكره من كون غزوة حنين في شوّال وذي القعدة رواية صحت عنده، وقال محمد في الأصل إنه حاصر الطائف من مستهل المحرّم أربعين يوما، وفتحها في صفر وهو يدل على النسخ أيضا، ونقل النسفي عن الواقدي أنه خرج لها في سادس شوّال وهزمهم فهرب أميرهم مالك بن عوف مع بقيتهم وتحصنوا بالطائف فتبعهم صلى الله عليه وسلم، ومعه المسلمون وحاصرهم بقية الشهر فلما دخل ذو القعدة وهو من الحرم انصرف فأتى الجعرانة، وقسم السبي والأموال وأحرم بعمرة منها. قوله:(جميعاً) هذا هو المراد منه وهو في الأصل مصدر انتصب على الحال، وهل يلزم النصب على الحال، ولا يتصرف أولاً فيه كلام بسطناه في شرح الدرة وهو بمعنى المفعول لأنه مكفوف عن الزيادة، ويجوز أن يكون اسم فاعل لأنه يكف عن التعرّض له، أو التخلف عنه وهو حال إمّا من الفاعل أو المفعول أي لا يتخلف أحد منكم عن القتال أو لا تتبركوا قتال أحد منهم، وقوله:(بشارة الخ) لأنّ الجند الذين معهم لا يشك في نضرتهم، وقوله: (بسبب تقواهم (لأن التعليق بالمشتق يفيد عليه مأخذ

ص: 324

الاشتقاق كما مرّ مراراً.

فائدة: كان القتال في صدر الإسلام فرض! عين، ثم نسخ وأنكره ابن عطية رحمه الله تعالى. قوله:(تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر الخ) جعله مصدراً على فعيل كالنذير والنكير

لأنه لا يحتاج إلى تقدير بخلاف، ما إذا كان فعيلاً بمعنى مفعول صفة فإنه لا يخبر عنه بزيادة إلا بتأويل أي ذو زيادة أو إنساء التسيء زيادة، وقوله:(وهم محاربون (أي عازمون على الحرب، وقوله حتى رفضوا خصوص الأشهر أي تركوها واستبدلوا مكانها أشهراً أخر، وربما زادوا في السنة شهرا لذلك، وفي النسيء لغات بها قرئ أيضا كإبدال الهمزة ياء وإدغامها فالنسيّ، كالنديّ وهي قراءة نافع، وقوله وقرئ النسي بحذفها أي بحذف الهمزة وتسكين السين بوزن النهي كما في الكشاف ففي كلامه قصور والنسء، كالمس وفي آخره همزة، والنساء بالكسر والمد كالمساس. قوله:) وثلاشها مصادر نسأه إذا أخره) يعني النسي كالنهي والنسء كالبدء والنساء كالنداء، وسكت عن النسيّ بوزن فعيل فإنه اختلف فيه فقيل هو مصدر كالنذير وقيل وصف كقتيل وجريح. قوله:(لأنه ثحريم ما أحله الله الخ) يعني أنهم لما توارثوه على أنه شريعة، ثم استحلوه كان ذلك مما يعد كفرا، وترك الوجه الآخر الذي ذكرهه الزمخشري من أنه معصية، والكفر يزداد بالمعصية كما يزداد الإيمان بالطاعة لما يرد عليه من أن المعصية ليست من الكفر بخلاف الطاعة فإنها من الإيمان على رأي وإن أجيب عنه بما لا يصفو عن الكدر. قوله:(ضلالاً زائداً الخ) لاًنّ أصل الضلال ثابت لهم قبله فالمراد زيادته فيكون لهم زيادة كفر على كفر، وضلال على ضملال فهم في ظلمات بعضها فوق بعض، وهذا على كونه من الثلاثي المعلوم وعلى كونه من الإضلال معلوماً ومجهولاً الفاعل الله، أو الشيطان وعلى المعلومية يصح أن يكون الذين فاعلا ومفعوله محذوف أي اتباعهم ورجح هذا على الأوّل. قوله:(فيتركونه على حرمته) فسر تحليله بتاخير الشهر الحرام ومعناه ثحريم شهر آخر مكانه، وفسر تحريمه بإبقائه على حرمته القديمة وتحريم تأخيره، وجنادة بضم الجيم والنون والدال المهملة علم، والمراد بالمحرم في كلامه شهر المحرّم، أو ما كان محرّما من الأشهر مطلقأ، والقابل غلب في العرف على العام الذي بعد عامك، وقوله:(أو حال) وعلى الأوّل لا محل لها من الإعراب قيل والوجهان سواء في تبيين الضلال وإنما الاختلاف في المحلية وعدمها.

قوله: (واللام متعلقة بيحرّمونه الخ) وإذا حرّموه لأجل موافقة ما حرّمه لزم أن لا يحرّموا بدله لمالا لزادت العدّة فلا يقال كان عليه أن ينبه على هذا، كما قيل وجعله بعضهم من التنازع، وما دل عليه المجموع هو فعلوا ذلك ونحوه. قوله:(بمواطأة العدّة وحدها الخ) يعني كان الواجب عليهم العدة، والتخصيص فإذا تركوا التخصيص فقد استحلوا ما حرّم الله. قوله:(وهو الله تعالى والمعنى خذلهم (تفسير لتزيين الله لهم سوء أعمالهم لدلالة قراءة المبني للفاعل على أنّ المزين هو الله تعالى، والا ففي كثير من المواضع يجعل المزين هو الشيطان، وحينئذ لا يفسر التزيين بالخذلان بل بالوسوسة، وقد مرّ تحقيقه، وقوله: (هداية موصلة الخ) تفسير له وتقييد على القولين لأنه المنفي. قوله: (تباطأتم الخ (تفاعل من البطء، وهو عدم السرعة إلى الجهاد، وأصل إثاقلتم تثاقلتم كما قرئ به على الأصل فأدغصت التاء في الثاء، واجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن، وإذا متعلق به أما على قراءة أثاقلتم بفتح الهمزة على أنها همزة استفهام وهمزة الوصف سقطت في الدرج فيكون العامل فيه فعلا دل عليه الكلام كملتم لأنّ الاستفهام له الصدر، فلا يتقدم مفعوله عليه، والاستفهام للتوبيخ في هذه القراءة، وهو ظاهر. قوله: (متعلق به الخ الما كان تثاقل يتعدّى ضمنه معنى الإخلاد، وهو الميل وضمير بها للغزوة ووقت عسرة أي قحط وعدم عذة والقيظ شدة حرّ الصيف، والشقة بالضم والكسر مسافة بعيدة يشق قطعها وقوله بدل يعني معنى من البدل، وقوله في جنب الآخرة أي إذا قيست إليها، وهذه تسمى في القياسية لأن المقيس يوضع بجنب ما يقاس به. قوله: (مطيعين الخ) ترك قول الزمخشري أطوع وخيراً منكم لأنه زيادة من غير حاجة مع أنه هو الواقع المناسب لعدم نفارهم، وقوله: فإنه الغنيّ الخ إشارة إلى أن عدم الضرّ ليس مقيداً بالاسنبدال بل مع قطع النظر

عنه، والضمير على هذا لله وفي الكلام مضاف مقدر وشيئا مفعول

ص: 325

به أو مفعول مطلق، وقوله وعدله الخ أي وعداً سابقا على هذا الوعد، وقوله فيقدر على التبديل هو من قوله يستبدل قوما غيركم وتغيير الأسباب أي أسباب النصرة، وينصره بلا مدد، وقوله كما قال الخ فيكون قوله:{وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} تتميما لما قبله وتوطئة لما بعده. قوله: (فسينصره الله كما نصره الله الخ الما كان الجواب هنا ماضا والشرط جوابه مستقبل حتى إذا كان ماضيا قلبه مستقبلا، وهنا لم ينقلب جعل الجواب فسينصره كما نصره أوّلاً، وفي الكشاف فيه وجهان أحدهما ألا تنصروه فسينصرهـ من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد، ولا أقل من الواحد فدل بقوله فقد نصره الله على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت، والثاني أنه أوجب له النصرة وجعله منصوراً في ذلك الوقت فلن يخذل من بعده والى هذين الجوابين أشار المصنف رحمه الله بما ذكره لكنه اعترض! عليه بأنّ مآلهما واحد فينبغي الاقتصار على أحدهما، وقيل الوجهان متقاربان إلا أنّ الأوّل مبني على القياس، والثاني على الاستصحاب فإنّ النصرة ثابتة في تلك الحالة فتكون ثابتة في الاستقبال إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان، والحاصل أنه لما جعله دليلاً على الجواب أثبت الدلالة بوجهين والمآل واحد، وقد يقال إنه على الوجه الأوّل يقدّر الجواب، وعلى الثاني هو نصر مستمرّ فيصح ترتبه على المستقبل لشموله له، وإنما قال كالدليل لأنه لا يلزم من إحدى النصرتين الأخرى إذ هو فعال لما يريد لكنه جرى على عوائد كرمه، وأن الكريم لا يقطع إحسانه، وتفسير الإبان لم لتبيين النفي لأنّ إلا في صورة الاستثنائية فلا يرد ما قيل إنه لا وجه له. قوله: (وإسناد الإخراج إلى الكفرة الخ) يعني أنه إسناد إلى السبب البعيد، والحال عن ضمير نصره أو من أخرجه والأوّل أولى، وقيل إنّ إسناده لهم حقيقة شرعية وفيه نظر، وقوله إذ المراد به زمان متسع دفع لتوهم تغايرهما المانع من البدلية، وقيل إنه ظرف لقوله ثاني اثنين، دماذ يقول بدل منه، وقوله والغار أي المذكور، وقوله: (في يمنى

مكة) أي في الجهة اليمنى. قوله: (وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه) في الكشاف وقالوا: من أنكر صحبة أبي بكر رضي الله عته فقد كفر لإنكاره كلام الله، وليس ذلك لسائر الصمحابة رضي الله عنهم، وقيل إنه ليس بمنصوص عليه فيها بل المنصوص عليه أنّ له ثانيا هو صاحبه فيه فمانكار ذلك يكون كفرا لا إنكار صحبته بخصوصه، ولذا قال: قالوا فجعل العهدة فيه على غيره وفيه نظر، وقوله:(بالعصمة والمعونة (يعني أنها معية مخصوصة والا فهو مع كل أحد، وقوله: (روي الخ)(1 (رواه البخاري ومسلم إلى قوله الله ثالثهما، وما بعده رواه البزار والطبراني والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عته والمغيرة بن شعبة رضي الله عته، وقوله: (فأشفق (أي حزن وخاف، وقوله ما ظنك الخ أي أتظن بهما شرّاً وضرراً ويتردّدون بمعنى يجيؤون ويذهبون مراراً، والكلام على السكينة وهي الطمأنينة قد مرّ. قوله: (على النبئ صلى الله عليه وسلم أو على صاحبه رضي الله عنه وهو الأظهرا لأنّ النبيّءلمجرو لم ينزعج حتى يسكن، ولا ينافيه تعين عود ضمير أيده على الرسول صلى الله عليه وسلم لعطفه على قد نصره لا على أنزل حتى تنفك الضمائر، وقيل بل الأظهر الأوّل وهو العناسب للمقام، وانزال السكينة لا يلزم أن يكون لدفع الانزعاج بل قد يكون لرفعته، ونصره كما مرّ في قصة حنين والفاء للتعقيب الذكرى، اهـ وقوله فتكون الجملة الخ يعني على الوجه الثاني لأنه لو عطف على أنزل عليه يكون متعقباً على ما قبله وليس كذلك بخلافه على الأوّل فلا وجه لما قيل إنه على الوجهين، والأولى ترك الفاء المقتضية لتفريعه على الثاني وقوله يعني الشرك الخ فالكلمة مجاز عن معتقدهم الذي من شأنهم التكلم به، وعلى الوجه الآخر بمعنى الكلام مطلقا، وقابله بتفسير كلمة الله بالتوحيد أو دعوة الإسلام على اللف والنشر للتفسيرين. قوله. (والمعنى وجعل ذلك الخ) إشارة إلى ما تضمنه الكلام من إعلاء كلمته تعالى، وتسفيل كلمتهم وكون التخليص سببا لذلك باعتبار أنه مبدأ الجعل المذكور،

وهذا يقتضي كونهما في حيز الجعل وهو على قراءة النصب، وسياق كلامه ليس فيها ودفع بأنهما داخلان فيه لا من حيث تسليط الجعل عليه بل من حيث كون جعل كلمة الذين كفروا سفلى يستلزم علوّ كلمة الله فهو لا ينافي قراءة الرفع، وبتأييده عطف على بتخليصه، وقوله:) حيث

ص: 326

حضر (بالمعجمة من الحضور. قوله: (والرفع أبلغ لما قيه من الإشعار الخ) أي أكثر بلاغة لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام، والثبوت وإن الجعل لم يتطرق لها لأنها في نفسها عالية بخلاف علوّ غيرها فإنه غير ذاتيّ، بل بجعل وتكلف فهو عرض زائل غير قار وان تراءى للعقول القاصرة خلافه، وقيل: إنما الرفع أبلغ لما في النصب من إيهام التقييد بالظروفب السالفة إذ أخرجه وما بعده، وهو وارد على قوله وأيده بجنود فالأولى التعليل بأن جعل كلمة الله في حيز الجعل والتصيير غير مناسب بل هو دائم ثابت، ولا كذلك تسفيل كلمة الكفر الذي هو جعلها مقهورة منكوسة بين الناس، وأما التعليل بأن جعل الله كلمة الله كأعتق زيد غلام زيد، فمدفوع بأنّ هذا لا فائدة فيه، وفي إضافة الكلمة إلى الله إعلاء لمكانها وتنويه لثأنها وفيه بحث. قوله:) في أمره وتدبيره (لف ونشر مرتب، وفسر الخفة والثقل بوجوه خمسة مآلها إلى حال سهولة النفر وحال صعوبته، ولذلك أسباب كنشاط الإنسان وعدمه لما فيه من المشقة أو لقلة العيال، وكثرتهم أو لكونه له سلاج وعدمه أو لكونه صحيحا أو مريضاً، وابن أمّ مكتوم من الصحابة رضوان الله عليهم، وكان رضي الله عنه ضريراً وهذا يقتضي أنّ آية ليس على الأعمى حرج نزلت بعد هذه الآية وهو لا ينافي كون هذه السورة من آخر ما نزل أي مجموعها أو أكثرها، وهذه الآية نزلت في النفير العائم وتفصيله في الفروع، والجهاد فرض كفاية في الأصل. قوله:) بما أمكن الخ) يعني يجاهد بنفسه إن قدر والا فبإنفاقه ماله إن كان له مال فينفقه على السلاح، وتزويد الغزاة ونحوه، وقوله من تركه أي عندكم أو عند الله إن كان في تركه مرابطة، وحفظ للعيال ونحوه. قوله:) تعلمون الخير الخ) يعني علم متعد لواحد بمعنى عرت تقليلأ

للتقدير أو مفعولاه ذلك خيراً فيتعذى لاثنين وجواب إن مقدّر هو علمتم أو بادروا، وفسر العرض بالنفع الدنيوي كما مرّ وقربه عبارة عن سهولة تناوله، وقاصداً من القصد، وهو التوسط أي بين البعد والقرب، وبعد يبعد كعلم يعلم لغة فيه لكنه اختص ببعد الموت غالبا، ولا تبعد يستعمل في المصائب للتفجع والتحسر كما قال:

لا يبعد الله إخواناً لنا ذهبوا أفناهم حدثان الدهر والأبد

قوله: (رجعت من تبوك) أي من غزوة تبوك، وهي معروفة في السير وتبوك محل سمي

بعين فيه، وهي العين التي أمر النبيّء! أن لا يمسوا من مائها شيئآ فسبق إليها رجلان، وفيها شيء قليل من ماء فجعلا يدخلان فيها سهماً ليكثر ماؤها فقال لهما رسول الله لمجير:" ما زلتما تبوكانها "(1 (أي تحفرانها فسميت تبوك وهي غير مصروفة. قوله: (يقولون لو كان لنا استطاعة العدّة أو البدن الخ) بالله إمّا متعلق بسيحلفون وهو مختار المصنف رحمه الله أو من جملة كلامهم ولا بد من تقدير القول في الوجهين أي سيحلف المتخلفون عند رجوعك معتذرين يقولون بالله لو استطعنا أو سيحلفون بالته يقولون لو استطعنا، وقوله لخرجنا فيه مذهبان أحدهما إن لخرجنا جواب القسم، وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم، والشرط إذا تقدم القسم ؤهو اختيار ابن عصفور رحمه الله، والآخران لخرجنا جواب لو وهي وجوابها جواب القسم، وهو اختيار ابن مالك رحمه الله، وأما كونه ساذا مسد جوابي القسم، والشرط فقيل عليه إنه لم يذهب إليه أحد من أهل العربية، وأجيب عنه بأنّ مراده إنه لما حذف جواب لو ودل عليه جواب القسم جعل كأنه سذ مسذ الجوابين، وأما ما قيل لا حاجة إلى تقدير القول لأن الحلف من جن! القو! فهو أحد المذهبين المشهورين، فلا يضر من وجهه على المذهب الآخر، وقدره فعلا لا قائلين لأنه بيان لقوله سيحلفون فيقتضي الفعلية. قوله:) وقرئ لو استطعنا بضم الواو الخ (هي قراءة الحسن وقرئ بالفتح ففيه ئلاثةءوجه وقرا آت، وقوله ساذ مسذ جوابي القسم مرّ تحقيقه أما على كونه من كلامهم فظاهر وأما على تعليقه بالفعل فلأن جملة القول مفسرة، وبيان له فيتضمن معنى القسم وفيه تأمل. قوئه: (وهو بدل من سيحلفون (قيل إن الهلاك ليس مرادفأ للحلف، ولا هو نوع منه، ولأ يجوؤ أن يبدل فعك من فعل إلا أن يكون مرادفاً له أو نوعا منه، وفي كلام المصنف رحمه الله ما يد فيه وهو قوله لأنّ الحلف الخ

فهما مترادفان فإن اذعاء فيكون بدل كل من كل، وقيل إنه بدل اشتمال لأنّ

ص: 327

الحلف سبب للإهلاك والمسبب ببدل من السبب لاشتماله عليه وله نظائر كثيرة وكلام المصنف رحمه الله يحتمله أيضا وعليه حمله بعض أرباب الحواشي. قوله: (أو حال من فاعله (أو استئناف وفي الكشاف يحتمل أن يكون حالاً من فاعل لخرجنا، ولبعده لم يذكره المصنف رحمه الله تعالى لكن سبق منه ما يقاربه في الأعراف في قوله سيغفر لنا فراجعه، وقوله لأنهم كانوا مستطيعين كذب الشرطية إما بكذب الملازمة بأن يقال لا يخرجون لو استطاعوا، أو بتخلف الجزاء مع وجود الشرط، وكذبها بأنهم استطاعوا، وما خرجوا والثاني مستلزم للأوّل، ولذا اختاره المصنف رحمه الله، ولأن النظم دل عليه كقوله: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً} [سورة التوبة، الآية: 46] . قوله: (كناية عن خطئه) تبع في هذا الزمخشرقي، إذ قال في تفسيره أخطأت وبئسما فعلت، وفي الانتصاف ليس يصح أن يفسره بهذا، وهو بين أحد أمرين إمّا أن لا يكون مراداً لله أو يكون ولكن قد أجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم عن مخاطبته بصريح العتب، ولطف به في الكناية عنه بما يلزم أن يقال عنده فما باله لم يتأدب بآداب الله خصوصاً في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم فعلى كلا التقديرين هو ذاهل عما يجب من حقه صلى الله عليه وسلم، ولقد أحسن من قال في الآية إن من لطف الله بنبيه صلى الله عليه وسلم أن بدأه بالعفو قبل العتب، وقال ابن الجهم للمتوكل:

عفا الله عنك ألا حرمة تجودبفضلك يا ابن الندى

وقال السخاوندي: هو تعليم لتعظيمه ع! ، ولولا تصدير العفو في الخطاب لما قام بصولة العتاب، وهو يستعمل حيث لا ذنب كما تقول لمن تعظمه عفا الله عنك ما صنعت في أمري، وفي الحديث عجبت من يوسف عليه الصلاة والسلام وصبره وكرمه، والله يغفر له وفي الشفاء إنه افتتاح كلام بمنزلة أصلحك الله وأعزك، ولقد اشمأز من هذه الكلمة كثير من أهل الورع، وعدوها من قبيح سقطاته، حتى أن البدر النابلسي رحمه الله صنف فيه مصنفاً سماه جنة الناظر وجنة المناظر، وكان هذا سبباً لامتناع الإمام السبكي رحمه الله من إقراء الكشاف، ولهذه السقطة نظائر فيه فكان على المصنف رحمه الله أن لا يتابعه في مثله فإنه إمّا ترك للأولى أو خطأ في الاجتهاد الذي به الثواب فلا متمسك فيها لمن جوّز صدور الخطيئة منهم عليهم الصلاة والسلام على ما فصل في الأصول، وهذا على أنه إنشاء للدعاء، وأما كونه إخباراً فهو يشعر بالذنب، والخطأ فلذا جعل كناية عنه فلا يكون الإخبار عن العفو مقصودا أصلياً لأن العتاب والإنكار بعده بقوله لم أذنت لهم يكون مخالفا للظاهر، وفيه نظر والزمخشرقي جعله كناية عن الجناية وحاول بعضهم توجيه كلامه بأنّ مراده أنّ الأصل فيه ذلك فأبدله بالعفو تعظيماً لشأنه، ولذا قدم العفو على ما يوجب الجناية فلا خطا فيه، ولو اتقى هو والموجه موضع التهم كان أولى وأحرى. قوله:(واعتلوا بثاذيب) أي بينوا علة للتخلف كاذبة، وقوله:(هلا توففت) يشير إلى أن حتى غاية للتوقف المفهوم من الكلام لا للإذن لعدم صحة المعنى عليه، وقيل

تقديره ما كان الإذن حتى يتبين. قوله: (في الاعتذار الخ (قيل لو أطلقه كان أولى أي يتبين الكاذب من الصادق والمخلص من المنافق لأنّ هذا يقتضي إن في هؤلاء ا! معتذرين من صدق في الاعتذار، والنظم مصرّح بخلافه وبناؤه على الفرض، والتقدير مما لا حاجة إليه. قوله: (قيل إنما فعل رسول الله عنييه الخ (قال زبدة المتأخرين قال مولانا مفتي الممالك شمس الدين أحمد بن كمال باشا في بيتي يوم الاثنين ثاني عشر محرّم الحرام لسنة ثمان وثلاثين وتسعمائة بمحضر مولانا عبد القادر قاضي العسكر، وغيره من العلماء الحضر هذا الحصر ليس بصحيح فإنّ لهما ثالثا وهو المذكور في سورة التحريم، يعني تحريم ما أحله الله ابتغاء لمرضاة أزواجه، وقلت أنا بل رابعاً وخامسا إلى غيره، أعني ما دكر في سورة عبس في قصة ابن أم مكتوم رضي الله عنه، ولك أن تقول أشار المصنف رحمه الله بصيغة التمريض إلى ذلك، ويجوز إصلاج كلامه بتقييد الشيئين بما يتعلق بأمر الجهاد، والله وليّ الرشاد اهـ، وقد قرأته بخطه الشريف رحمه الله، وأخذه للفداء قد تقدم في قوله تعالى:{لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ} [سورة الأنفال، الآية: 68] وأذنه للمنافقين ما وقع هنا. قوله: (أي ليس من عادة المؤمنين الخ (نفي العادة مستفاد من نفي

ص: 328

الفعل المستقبل الدال على الاستمرأر نحو فلان يقري الضيف ويحمي الحريم، وقال النحرير حمله على نفي الاستمرار ولو حمله على استمرار النفي كما في أكثر المواضع أي عادتهم عدم الاستئذان لم يبعد وفي الانتصاف لا ينبغي لأحد أن يستأذن أخاه في فعل معروف، ولا للمضيف أن يستأذن ضيفه في تقديم الطعام إليه وذلك أمارة التخلف، ولذا قيل في وصف الخليل لمجز فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين لأنّ معنى راغ ذهب خفية وهذا مما يجب التأدب به، وقوله:(في أن يجاهدوا) فهو متعلق بالاستقرار بتقدير في. قوله: (أو أن يستأذنوك في التخلف الخ (يعني أنّ متعلق الاستئذان محذوف، وأن يجاهدوا مفعول لأجله بتقدير مضاف أي كراهة أن يجاهدوا، والمعنى على نفي الاستئذان، والكراهة معأ فإذا أمرتهم بشيء بادروا إليه، وقيل تقديره في أن لا يجاهدوا كما مرّ نظيره، وقوله:) الخلص! (جمع خالص، وهو مستفاد من الجهاد بالمال والنفس فلا وجه لما قيل إنه ليس بمستفاد من الآية وإنما هو إلواقع منهم،

وقوله: (فضلَا الخ) يعلم من مفهومه لأنهم إذا لم يستأذنوه في الجهاد المطلوب، فكيف في التخلف المذموم، ولذا لم يقدر المصنف رحمه الله أن لا يجاهدوا كما قدره الإمام. قوله:(شهادة لهم بالتقوى وعدة لهم بثوابه) قيل أما ألشهادة فلوضعالمظهر موضع المضمر أو إرادة جنس المتقين ودخولهم فيه دخولاً أوّليا والا لم يناسب المقام، وأما 11 لوعد فلأنّ الأعمال الصالحة تقتضي الوعد بالثواب، كما أنّ الأعمال الفاسدة مقتضية للوعد بالعقاب، ورد بأنّ الوعد بالثواب ليس من مجرّد اقتضاء الاتقاء حسن الثواب بل من جهة إن مثل قولنا أحسنت إليّ فأنا أعلم بالمحسنين، وعدله بأجزل ما يمكن من الثواب كما أنّ قولك أسأت إليّ فأنا أعلم بالمسيء وعيد بأشد العقاب وعلى هذا فلتقس المواضع التي يقع فيها ذكر علم الله بما مرّ من ذلك. قوله:(تخصيصر الإيمان بالله الخ) يعني هنا وفي قوله: {يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} خصا بالذكر لأنهما الباعث على الجهاد والوازع بالزاي المعجمة والعين المهملة أي المانع عنه لأنّ من آمن بهما قاتل في سبيل دينه وتوحيده، وهان عليه القتل فيه لما يرجوه في اليوم الآخر، وهما مستلزمان للإيمان بما عداهما، وقوله يتحيرون يعني التردد مجاز أو كناية عن التحير لأن المتحير لا يقرّ في مكان وأصل معنى التردّد الذهاب والمجيء، وقوله أهبة بهمزة مضمومة تليها هاء موحدة هي هنا ما يحتاج إليه المسافر كالزاد والراحلة. قوله:(وقرئ عدّة بحذف التاء الخ) يعني بضم العين وتشديد الدال والإضافة إلى الضمير الذي هو عوض عن تاء التأنيث المحذوفة فإن الإضافة قد تعوّض عنها إذا كانت لازمة كإقام الصلاة لأنّ التاء عوض عن محذوف كما في عدة بالتخفيف بمعنى الوعد في البيت فلا تحذف بغير عوض، وقوله:

إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا

مطلع قصيدة لزهير بن أبي سلمى، والخليط الأصدقاء المخالطون وانجردوا بمعنى ارتحلوا بأجمعهم وأسرعوا المسير، والشاهد في عد بكسر العين وتخفيف الدال وأصله عدة قال السفاقسيّ: قرأ محمد بن مروان وابنه معاوية عدة بضم العين والهاء دون التاء فقال الفرّاء: سقطت كما في إقام الصلاة. وهو سماعي، وفي اللوامح لما أضاف أناب الإضافة عن التاء فأسقطها قال أبو حاتم: هو جمع عدة كبرة وبرّ. قوله: (استدراك عن مفهوم قوله ولو أرادوا الخ (هذا دفع لسؤال تقديره إنّ قوله أراد الخروج معناه نفي إرادتهم للخروج وقوله كره ال! هـ الخ نفي لإرادة الله الخروج فكيف استدرك نفي إرادتهم الخروج بنفي إرادة الله لهم الخروج

والاستدراك من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، فلا انتظام لهذا الكلام أجاب عنه بأنّ قوله، ولو أرادوا الخروج يستلزم نفي خروجهم والمراد بقوله كره الخ تثبيطهم عن الخروج، لأنّ كراهة انبعاثهم سبب لتثبيطهم فأقيم السبب مقام المسبب فكأنه قيل ما خرجوا لكن تثبطوا عن الخروج فهو استدارك نفي الشيء بإثبات ضدّه كما يستدرك نفي الإحسان بإثبات الإساءة في قولك ما أحسن إليّ لكن أساء والتثبيط التعويق، والصرف عما يريد فعله وهذا كلام في غاية الانتظام وكذا قرّره شراح الكشاف، واعترض عليه بأن لكن تقع بين ضدين أو نقيضين أو مختلفين على قول، وما نحن فيه بين متفقين على تقريرهم، ولذا

ص: 329

قيل في صحة الاستدراك على ما قالوا بحث، والظاهر أنّ لكن هنا للتأكيد كما أثبتوه، ودفعه أنه له لما قال: ما خرجوا خطر بالبال أنه عرض! مانع عوّقهم عن الخروج فاستدرك بنفيه، وقال: إنهم تثبطوا أي تكلفوا إظهار التثبط، والعائق ولا أصل له وبين عدم الخروج المستلزم للعائق غالباً، وعدم العائق تضادّ في الجملة ومن لم يتنبه لهذا قال: لم لم يعتبر نفي إرادتهم واعتبر لازمه من الخروج، ولو جعل المعنى ما أرادوا الخروج ولكن تثبطوا ظهر معنى الاستدراك ولم يدر أنّ التعويق إنما يكون عما أريد فتدبر. قوله:(تمثيل لالقاء الله كراهة الخروج الخ) يعني إنه تعالى جعل خلق داعية القعود فيهم بمنزلة الأمر، والقول الطالب كقوله تعالى:{فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [سررة البقرة، الآية: 243] أي أماتهم، وهو المراد بقوله جعل القاء الله في قلوبهم كراهة الخروج أمر بالقعود، وقوله:(أو وسوسة) بالجرّ معطوف على القاء وبالأمر متعلق بتمثيل أي تشبيه لهذا أو لهذا به، وقيل إنه مرفوع معطوف على تمثيل، وبالأمر متعلق به، والأوّل أوجه. قوله:(أو حكاية قول بعضهم) معطوف على تمثيل وأذن الرسول مجرور معطوف على قول بعضهم، ويحتمل الرفع عطفا على تمثيل، وعلى هذين فالقول على حقيقته. قوله:(والقاعدين يحتمل المعذورين) حكاه بلفظ الواقع في النظم، وفي الكشاف إنه ذم لهم وتعجيز والحاق بالنساء والصبيان والزمني الذين شأنهم القعود، والجثوم في البيوت، وهم القاعدون والخالفون والخوالف، ويبينه قوله تعالى:{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ} [سورة التوبة، الآية: 87] يعني أنه أبلغ من أقعدوا، وكونوا مع القاعدين لالحاقهم بهؤلاء الأصناف الموصوفيز، بالتخلف الموسومين بهذه السمة، وهو من قبيل لأجعلنك من المسجونيبئ كما مرّ تحقيقه وفي كلام المصنف رحمه الله إجمال وابهام لأنه يحتمل أن يريد بالمعذورين هؤلاء، وبغيرهم من سواهم فيكون مخالفاً لما في الكشاف، ويحتمل أن يريد بالمعذورين الرجال الذين لهم عذر يمنعهم عن الخروج كالمرضي، وبغيرهم من لا يحتاج إلى عذر في التخلف كالصبيان والنساء فيقرب مما في الكشاف، وهو الذي ارتضاه بعض أرباب الحواشي مع قصور في بيانه، وحوله: (وعلى

الوجهين) أي سواء أريد المعذورين أو غيرهم لا يخلو عن ذم لأنّ المراد بالأمر التخلية والتوبيخ لا حقيقته، وقيل المراد بالوجهين أن يراد بالقول المجاز أو الحقيقة، ولذا قيل: إنه على الأخير لا ذمّ فيه. قوله: (ولا يستلزم ذلك ان يكون لهم خبال الخ الما! توهم أنّ زيادة الخبال تقتضي ثبوت أصله، وليس فيهم ذلك جعل بعض المعربين الاسعثناء مفرّغاً منقطعا بتقدير ما زادوكم قوّة وخيراً لكن شرّا وخبالا دفعه المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشركما بأنّ الاستثناء المفرغ يقدر المستثنى منه عاما أي زادوكم شيئا إلا خبالا على صلاحكم فلا يلزم ما ذكره مع أن الاستثناء المفرغ لا يكون إلا متصلاً فلا يصح صناعة، وهذه من الفوائد التي لم يصرّح بها النحاة، وقد التزم بعضهم صحته لأنه كان في تلك الغزوة منافقرن لهم خبال فلو خرج هؤلاء أيضاً واجتمعوا بهم زاد الخبال فلا فساد في ذلك الاستلزام ولو ثبت وكونه لا يكون مفرّغاً لأنه من أعم العام فيكون بعضه البتة. قوله: الآنه لا يكون مفرّكا (يعني الاستثناء المنقطع لا يكون مفرّغا) وفيه بحث (لأنه لا مانع منه إذا دلت القرينة عليه كما إذا قيل ما أنيسك في البادية فقلت ما لي بها إلا اليعافير أي ما لي أني! إلا هذه. قوله: (ولا سرعوا ركائبهم بينكم بالنميمة الخ (الإيضاع إسراع سير الإبل يقال وضعت الناقة تضع إذا أسرعت وأضعتها أنا، والمراد الإسراع بالنمائم لأنّ الراكب أسرع من الماشي، كما في الكشاف فقيل المفعول مقدر وهو النمائم فشبه النمائم بالركائب في جريانها وانتقالها وأثبت لها الإيضاع ففيه تخييلية ومكنية، وقيل: إنه استعارة تبعية شبه سرة إفسادهم لذات البين بالنميمة لسرعة سير الركائب ثم استعير لها الإيضاع وهو للإبل والتضريب الإفساد من قولهم ضرب البرد النبات، إذ أسده والتخذيل إيقاع الخذلان وهو عدم النصرة، وخلال جمع خلل وهو الفرجة استعمل ظرفاً بمعنى بين فإن قلت قول المصنف ولا وضحعوا ركائبهم ووضع البعير خطأ لقول الأخفش في كتاب المعاياة إنه لا يصح أن يقال أوضعت الركائب ولا وضع البعير، وإنما يستعمل بدون قيد، قلت: هذا غير متفق عليه كما ذكره نقلا

ص: 330

عن بعض أهل اللغة واستدل له بقوله:

فلم أرسعدي بعد يوم لقيتها غداة بها أحمالها صاج توضع

واعلم أنّ قوله ولا أوضعوا في الإمام مرسوم بألفين الثانية هي فتحة الهمزة والفتحة ترسم

لها ألف كما ذكره الدأني رحمه الله وتبعه الزمخشريّ هنا. قوله: (يريدون أن يفتنوكم الخ) يقال بغاه كذا وبغاله كذا بمعنى قلب، وأراد والجملة خالية أي باغين لكم الفتنة، وضعفة بفتحتين

جمع ضعيف واللام على التفسير الأوّل للتقوية كما في قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [سورة هود، الآية: 07 ا] واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله يسمعون تولهم ففي الكلام مضاف مقدر وعلى الوجه الثاني اللام للتعليل، وتوله والله عليم بالظالمين تقدم تحقيق دلالته على الوعيد قريبا. قوله:(فإن ابن أبز رأس المنافقين الخ) ثنية الوداع موضع معروف شامي المدينة، وهو بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد الياء العقبة، والوداع بفتح الواو سميت بها لأنه يوخ الخارج بها، وقيل الوداع اسم واد خلفها وذو جدة مكان بقربه، ولم أر له ضبطا وأظنه من تحريف النساخ وأنه ذو جسد وهو موضع بقرب المدينة فإنه ذكر في التواريخ ولم يذكروا غيره مع إحاطتهم، وقصص المنافقين ومكايدهم مذكورة في السير. قوله:(ودبروا لك المكايد والحيل الخ) يعني الأمور المراد منها المكايد فتقليبها مجاز عن ثدبيرها أو الآراء فتقليبها تفتيشها واجالتها والآيتان هذه والتي قبلها وما ثبطهم لأجله هو أن حضورهم فيه ضرر دون نفع. قوله: (تداركاً لما فوّت الرسول صلى الله عليه وسلم تعليل لما قبله، وما فوته هو هتك أستارهم وبيان بطلان أعذارهم، وهو دفع لما يقال إنّ خروج هؤلاء إن كان مصلحة فلم كرهه الله، وان كان مفسدة! ما عوتب النبيّء صلى الله عليه وسلم بأنه مفسدة، وإنما عوتب على عدم التأني فيه حتى يفتضحوا فكان الأولى التصفح عن كته ذلك، والتأمّل فالعتاب على ترك الأولى نظراً للظاهر وحمل من ظاهره الإسلام على الصلاج والمقصود زيادة تبصيره وتدريبه فليس جناية كما زعمه الزمخشري. قوله: (أي العصيان والمخالفة الخ (لأنّ الفتنة تكون بمعنى الذنب كما مرّ والإشعار ظاهر وعلى الوجه الثاني الضرر، وقوله: (بنساء الروم (لأنّ غزوة تبوك كانت للروم الذين بجهة الشأم، وجد بن قيس من بني، سلمة أحد المنافقين لعنهم الله تعالى ومولع بفتح اللام بمعنى كثير الشغف والمحبة يعني فأخشى العشق لهن، أو مواقعتهن من غير حل وبنات الأصفر الروم كبني الأصفر، وقيل

في وجه التسمية وجوه منها أنهم ملكهم بعض الحبشة فتولد بينهم نساء وأولاد ذهبية الألوان. قوله:) أي أنّ الفتنة هي التي سقطوا فيها الخ (هذا التخصيص قيل: إنه مستفاد من تقديم الظرف على عامله والتصدير بأداة التنبيه فإنها تدلّ على تحقق ما بعدها ورذ بأنّ تقديم الظرف لا يفيد إلا تخصيص العامل لا بالعكس كما ذكر، وأما التنبيه فيفيد مجرّد التحقق لا التخصيص فالأولى أن يقال لما كان قوله ألا في الفتنة رذأ لقوله ولا تفتني كان نفيا لتلك الفتنة، وهي التخلف أو العيال أو بنات الأصفر واثباتا لهذه، وهو معنى الحصر وقد يقال إنه بيان لمحصل المعنى وأنه لم يقعوا إلا في الفتنة لأن الفتنة هي التي سقطوا فيها لا غيرها فتدبر. قوله:) جامعة لهم يوم القيامة الخ (قال النحرير: فعلى الأوّل المجاز في محيطة حيث استعمل في الاستقبال، وعلى الثاني في جهنم حيث استعمل في الأسباب أو الكلام تمثيل شبهت حالهم في إحاطة الأسباب بحالهم عند إحاطة النار وما ذكره بناء على أنّ اسم الفاعل حقيقة في الحال، وقد حقق في محله فما قيل إنّ اسم الفاعل لا يدذ على شيء من الأزمنة وضعا فيستعمل لكل منه بحسب القرائن وأن جعل جهنم مجازاً بعيد عن الفهم ليس بشيء لمن عرف معنى كلام القوم. قوله: (في بعض غزواتك (قيده به لدلالة السياق عليه، وقوله: (كسر (أي هزيمة لبعض جيشه يقال انكسر العسكر إذا انهزموا، وهو حقيقة عرفية وأصله انشقاق الأجرام، وتبجحوا بتقديم الجيم على الحاء المهملة بمعنى فرحوا وافتخروا، واستحمدوا عدوه صوابا محمودأ والمتحذث بفتح الدال المشددة محل الاجتماع للحديث أي انصرفوا عن ذلك إلى أهليهم وخاصتهم، أو تفرقوا وانصرفوا عنه! سيم، فإن قلت فلم قابل الله تعالى هنا الحسنة بالمصيبة ولم يقابلها بالسيئة، كما قال تعالى في سورة آل عمران {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} اسورة آل عمران، الآية: 120]

ص: 331

قلت لأن الخطاب هنا للنبيّ! وهي في حقه مصيبة يثاب عليها لا سيئة يعاتب عليها، والتي في آل عمران خطاب للمؤمنين. قوله:) 1 لا ما اختصنا بإثباته الخ) يعني إن كتب إما بمعنى قدر لنا ما لا بذ منه واللام للاختصاص أو بمعنى خطه واللوج فاللام للتعليل، والأجل والمراد أنه لا يضرنا ما أنتم عليه فنحن راضون بما أراده الله، ولم يرتض المعنى الثاني الزمخشرقي، وغيره وقالوا إنه غير مناسب للمقام وان قوله هو مولانا لتأكيد ما سبق من

الاختصاص، والدلالة على أنه المراد، وقال الشارح رحمه الله: إنه دفع لما يقال إن المعنى إلا ما كتب الله في اللوح، وجف به القلم فيدلّ على أنّ الحوادث كلها بقضاء الله تعالى، والمصنف رحمه الله لم يعوّل على ذلك لأنه غير مسلم عنده فتدبر. قوله:(وقرىء هل يصيبنا الخ) جعل قراءة يصيبنا بتشديد الياء من صيب الذي وزنه فيعل لا فعل بالتضعيف لأنّ قياسه صوّب لأنه من الواوي فلا وجه لقلبها ياء بخلاف ما إذا كان صيوب على فيعل لأنه إذا اجتمعت الواو والياء، والأوّل منهما ساكن قلبت الواو ياء وهذا قياس مطرد، وقد مرّ تحقيقه في تخير وتدبر ومخالفة ابن جني رحمه الله في أمثاله، وقوله:(من بنات الواو (أي الكلمات الواوية وبينه بأنه مشتق من الصواب لأنّ الإصابة وقوع الشيء فيما قصد به كما أن الصواب إصابة الحق، ووقوعه في محله أو من الصوب وهو القصد أو النزول لأن المصيب يقصد ما أصابه وأما الصوب بمعنى الجهة، كما في قولهم صوب الصواب فجاز كما في المصباج، وهو مستعمل في كلام العرب وجوّز الزمخشرفي، كونه من التفعيل على لغة من قال صاب يصيب. قوله: الأنّ حقهم أن لا يتوكلوا على غيره (فيه إشارة إلى الحصر المأخوذ من تقديم الجاز والمجرور وتفريع التوكل على ما قبله يقتضي أنه لا ناصر ولا متولي لأمرهم غيره فقوله لأنّ الخ بيان لوجه الحصر أي انحصر التوكل عليه لأن حق المؤمن أن لا يتوكل على غيره، وإنما كان حقه ذلك لأنه لا ناصر له ولا متولي لأمره سواه فاندفع ما قيل إنه لا وجه لتعليل المصنف رحمه الله والعلة ما قبله، كما تفيده الفاء والتربص معناه الانتظار والتمهل، وقوله: (1 لا إحدى العاقبتين الخ (إشارة إلى وجه تأنيث الحسنى بأنه صفة لمؤنث، وهو العاقبة، وقوله: (التي كل منها حسنى العواقب (أي كل منهما أحسن من جميع العواقب غير الأخرى أو أحسن من جميع عواقب الكفرة، أو كل منهما أحسن مما عداه من جهة فلا يرد عليه أنه يلزم أن يكون كل منهما أحسن من الآخر. قوله: (النصرة والشهادة (تفسير للحسنيين يعني ما ينتظرونه لا يخلو من أحد هذين وكل منهما حسن، وقوله:) إحدى السوأيين (بهمزة وياءين تثنية سوأى مؤنث أسوأ كحسنى وأحسن وهو كحبليين تثنية حبلى، وفي بعض النسخ السوأتين بتاء فوقية والأولى أولى لمقابلة الحسنيين. قوله: (بقارعة من السماء) القارعة الدا! ة والمميبة ونزو! امن السماء كالصاعقة وريح عاد، وهو في مقابلة بأيدينا فلذا فسر من عنده به، وهو كناية عن كونه من الله

بلا مباشرة البشر، وقوله أو بعذاب بأيدينا إشارة إلى أنه معطوف على صفة عذاب فهو صفة مثله لا أنه مقدر، وفيد القتل بكونه على الكفر لأنه بدونه شهادة واشارة إلى أنهم لا يقتلون حتى يظهروا الكفر ويصروا عليه لأنهم منافقون والمنافق لا يقتل ابتداء كما هو معلوم من حكمه. قوله:(أمر في معنى الخبر الخ) كما أن الخبر يستعمل للأمر في نحو رحمه الله ويتربصن بأنفسهن كذلك الأمر يستعمل بمعنى الخبر كثيرا كما في قول كثير عزة:

أسيئي بنا أوأحسني لاملومة لدينا ولامقلية إن تقلت

وهو كما قال الزجاج: رحمه الله في معنى الشرط أي إن أحسنت وإن أسأت فلست

ملومة ولا مقلية وان تنفقوا طوعا أو كرها فلن ينقبل منكم فلا يتوهم أنه إذا أمر بالإنفاق كيف لا يقبله، وهو استعارة تمثيلية شبهت حالهم في النفقة وعدم قبولها بوجه من الوجوه بحال من يؤمر بفعل ليمتحنه ويجز به فيظهر له عدم جدواه فلا يتوهم أن لفظه لفظ الأمر والتجوّز عن الأمر بالامتحان يقتضي بقاءه على الإنشائية والمبالغة جاءت من هذه الاستعارة ويمتحنوا بصيغة المعلوم أي يجرّبوا. قوله:) وهو جواب قول جدّ بن قيس (قال اين! سيد الناس رحمه الله تعالى في سيرته قال رسول لله مجتي! ذات يوم وهو

ص: 332

في جهازه يعني للعزاة للجد بن قيس أحد بني سلمة: " يا جدّ هل لك العام في جلاد بني الأصفر " فقال: يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشذ عجباً بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله ىسي! وقال: " قد أذنت لك ففيه نزلت ") 1 (. قوله: (ونفى التقبل يحتمل أمرين) كل منهما يقع في الاستعمال فقبول الناس له أخذه وقبول الله سبحانه وتعالى ثوابه عليه ويجوز الجمع بينهما. قوله: (إنكم كنتم قوما فاسقين (في الكشاف المراد بالفسق التمرّد والعتو وهو دفع لما يقال كيف علل مع الكفر بالفسق الذي هو دونه، وكيف صح ذلك مع التصريح بتعليله بالكفر وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا ودفعه المصنف رحمه الله تعالى بوجه آخر وهو أن المراد بالفسق ما هو الكامل وهو الكفر ولذا جعله بيانا

وتقريراً له، والاستئناف نحوفي. قوله:(وما منعهم قبول نفقاتهم الخ) منع يتعذى إلى مفعولين بنفسه وقد يتعدى إلى الثاني بحرف الجز وهو من أوعن وهنا تعدى بنفسه إليهما كما أشار إليه وان كان حذف حرف الجرّ مع أنّ وأن مقيس مطرد ولذا قدره بعضهم هنا، ولذا تعدى بحرف فيقال فيه منعه من حقه ومنع حقه منه لأنه يكون بمعنى الحيلولة بينهما، والحماية ولا قلب فيه كما توهم، وقال أبو البقاء رحمه الله: إن تقبل بدل اشتمال من هم في منعهم ولا حاجة إليه، وفاعل منع أنهم كفروا كما أشار إليه المصنف رحمه الله وقيل ضمير الله وأنهم كفروا بتقدير لأنهم كفروا، وقوله لأنّ تأنيث النفقات الخ وللفصل أيضا، وقوله على أنّ الفعل لله أو للرسول صلى الله عليه وسلم إذا فسر القبول بالأخذ كما مرّ فإن قيل الكفر سبب مستقل لعدم القبول فما وجه التعليل بمجموع الأمور الثلاثة، وعند حصول السبب المستقل لا يبقى لغيره أثر قلنا أجاب الإمام رحمه الله بأنه إنما يتوجه على قول المعتزلة القائلين بأن الكفر لكونه كفرا يؤثر في هذا الحكم، وأما أهل السنة فإنهم يقولون هذه الأسباب معرّفات غير موجبة للثواب ولا للعقاب، واجتماع المعرّفات الكثيرة على الشيء الواحد جائز. قوله:(لأنهم لا يرجون بهما ثواباً الخ (أي بالصلاة والنفقة، وفي الكشاف فإن قلت الكراهة خلاف الطواعية، وقد جعلهم الله طائعين في قوله طوعاً، ثم وصفهم بأنهم لاينفقون إلا وهم كارهون، قلت المراد بطوعهم أنهم يبذلونه من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من رؤسائهم وما طوعهم ذلك إلا عن كراهة واضطرار لا عن رغبة واختيار يعني المراد بالكراهة هنا عدم الرغبة، وهي لا تنافي الطوع كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى لكنه نوقش فيه بأنّ قوله طوعا أو كرها لا يدلّ على أنهم طائعون إذ غايته أنه ردد حالهم بين الأمرين وكون الترديد ينافي القطع كما قيل محل نظر كما إذا قلت إن أحسنت أو أسأت لا أزورك مع أنك لا تحسن. قوله: (فلا تعجبك أموالهم الخ) العجب ما يتعجب منه، وما لم يعهد ويستعار للموفق الذي يروقك يقال أعجبني كذا أي راقني ومنه ما في هذه الآية، وقوله ليعذبهم قيل هذه اللام زائدة، وقيل المفعول محذوف، وهذه تعليلية أي يريد إعطاهم لتعذيبهم، وفيه تفصيل في محله، وقوله يكابدون أي يقاسون فيها ما لم يقاسه لأنهم لعدم حصولهم على شيء غيرها أشد حرصا وتعباً. قوله: (فيموتوا كافرين مشتنلين بالتمتع

الخ الما لم يصح تعليق الموت على الكفر بإرادته تعالى لتنزهه عن إرادة القبيح عند المعتزلة أوّله الزمخشريّ بأنّ مراد الله امهالهم ودوام النعمة عليهم إلى أن يموتوا على الكفر مشتغلين بما هم فيه عن النظر في العاقبة، والقول بأنّ ما يؤدي إلى القبيح ويكون سببا له حكمه حكمه في القبح في حيز المنع وأجاب الجبائي بأنّ إرادة حال الكفر لا تستلزم إرادة الكفر كالمريض يريد المعالجة عند حدوث المرض والسلطان يريد المقاتلة عند هجوم العدوّ ولا يريد المرض والعدوّ، ورذه الإمام رحمه الله بأنّ استلزام إرادة الشيء ما هو من ضرورياته ضروريّ، وحصول الكفر من ضروريات الموت على الكفر بخلاف ما ذكره من الأمثلة فإنّ حاصل المعالجة إزالة المرض! ، ومريد زوال الشيء يمتنع أن يكون مريداً له وكذا مقاتلة العدوّ إزالة لهجومه، واقدامه على الحرب وليست إرادة الموت على الكفر إرادة زواله، وقيل عليه إنّ كون إرادة ضروريات الشيء من لوازم إرادته ليس بمسلم فكم من ضروريّ للشيء

ص: 333

لا يخطر بالبال عند إرادته فضلا عما ادعاه فقول المصنف رحمه الله فيموتوا إشارة إلى ترتبه على ما قبله من أشتغالهم بالدنيا حتى يأتيهم الموت من غير رجوع عن كفرهم، وهذا يعلم من تأخيره وترك الفاء فيه اعتماداً على أنه يعلم من معنى الكلام كما مرّ عن السكاكيّ، ولما كان الاستدلال بالآية على أنّ كفر الكافر بإرادة الله غير تامّ لما عرفت لم يتبع من استدلّ بها، وفسرها بما ذكر مما هو متفق عليه عند أهل السنة والمعتزلة والشغل ضد الفراغ فإذا تعذى بعن كان بمعناه، والتقية ما يظهر لأجل اتقاء الضرر وليس عن اعتقاد وقوله غير إنا جمع غار كثيران ونار تفسير لمغارات جمع مغاوة بمعنى الغار، ومنهم من فرق بينهما بأنّ الغار في الجبل والمغارة في الأرض، وقراءة الجمهور بفتح الميم وقرىء بضمها شاذاً.

قوله: (نفقاً ينحجرون فيه الخ (النفق بفتحتين سرب في الأرض! ، وهو الحجر وانحجر

دخل الحجر وهو معروف وهو مفتعل فأدغم بعد قلب تائه دالاً، وقراءة يعقوب بفتح الميم اسم مكان من الثلاثي، وقراءة مدخلَا بضم الميم وفتح الخاء من المزيد لأنهم يدخلون أنفسهم أو يدخلهم الخوف فيه، ومتدخلا اسم مكان من تدخل تفعل من الدخول ومندخلاً من اندخل وقد ورد في قول الكميت:

ولا يدي في حميت السمن تندخل

وأنكر أبو حاتم رحمه الله هذه القراءة، وقال إنما هي بالتاء بناء على إنكار هذه اللغة والقراءة تبطله. قوله: (لآقبلوا نحوه وهم يجمحون الخ (أي لو وجدوا شيئاً من هذه الأمكنة

التي هي منفور عنها مستنكره لأتوه لشدة خوفهم، وقيل لئلا يظن أنّ مساكنتهم لكم عن طيب نفس، والفرس الجموح النفور الذي لا يردّه لجام ويجمزون قراءة أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فقيل له: يجمحون فقال: يجمحون ويجمزون ويشتدون بمعنى، وليس مراده أنه يقرأ بالزاي كما توهم بل التفسير، وردّ الإنكار وجمازة ناقة شديدة العدو. قوله:(يلمزك يعيبك الخ) ظاهره أنه مطلق العيب كالهمز ومنهم من فرق بينهما بأنّ اللمز في الوجه والهمز في الغيب، وقد عكس أيضا وأصل معناه الدفع، وضمم عينه لغة فيه والملامزة بمعنى اللمز. قوله:) في قسمتها (يحتمل أنه بيان للمعنى المراد، أو تقدير المضاف وفي للظرفية أو التعليل. قوله: (نزلت في أبي الجوّاظ المنافق الخ) قال العراقي: لم أقف عليه في شيء كتب الحديث، والجوّاظ بصيغة المبالغة والظاء لمعجمة كشداد الضخم المتكبر والكثير الكلام. قوله:(وقيل في ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج) الذين خرجوا على عليّ كرم الله وجهه وقتله، وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث (1 (نحوه وعند مسلم ذي الخويصرة بدون ابن، وهو الصحيح واسمه خرقوص وإذا الفجائية معلوم معناها وأحكامها في النحو وهي تسد مسدّ الفاء في الربط فلذا وقعت الاسمية هنا جواباً بدون فاء، وغاير بين جوابي الجملتين إشارة إلى أن سخطهم ثابت لا يزول ولا ينفي بخلاف رضاهم. قوله: (من الننيمة أو الصدقة) عمم الحكم لهما وان كان ما بعده وما قبله في الصدقة لأنه أنسب ولأنّ الموصول من صيغ العموم، وقوله:(كفانا فضله) إما بيان لحاصل المعنى أو تقدير المضاف لدلالة المعنى عليه والتصريح به بعد.، وقوله:(صدقة أو غنيمة) مفعول يؤتينا أو خبر كان أي صدقة كان أو غنيمة أو بدل

من محل الجار والمجرور، وأخرى صفة لكل منهما، وقوله أكثر مما آتانا جعله أكثر لأنه المتبادر من جعله فضلا، وأكثر تسلية فلا يقال إنه لا حاجة إليه بل يكفي أن يكون مثله لأنه لما كان سخطهم لقلة العطية ناسب أن يكون المعنى سيعطينا أكثر مما أوجب السخط وهذا بناء على أنّ معنى الآية، ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله، وان قل فيكون معنى قوله فإن أعطوا منها أعطوا ما أرادوا وان لم يعطوه سخطوا لا إن لم يعطوا شيئاً، وهذا أحد احتمالين للمفسرين، ولذا قيل ظاهر هذه الآية أنهم لا يرضون بما أعطوا وهو خلاف ما يدل عليه ما قبله فإن حملت الآية الثانية على الغنيمة فلا إشكال إذ المعنى رضوا به، وإن لم يعطوا غيره، وان أريدت الصدقة فتحمل الآية الأولى على أنهم إن أعطوا بقدر طمعهم، وقوله والجواب محذوف لا قالوا والواو زائدة كما قيل. قوله:(ثم بين مصارف الصدقات تصويباً الخ) يعني لما ذكر المنافقون وطعنهم وسخطهم بين أن فعله لإصلاح ع لدين، وأهله لا لأغراض نفسانية كأغراضهم فانطبقت هذه الآية وما فيها من الحصر المستدعي لإثباته لم ذكر ونفيه عمن عداه يعني الذي ينبغي أن يقسم مال الله

ص: 334

عليه من اتصف بإحدى هذه الصفات دون غيره إذ القصد الصلاج والمنافقون ليس فيهم سوى الفساد فلا يستحقونه حسما لأطماعهم فظهر جواب أنه كيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين وقوله الزكوات تفسير للصدقات ليخرج غيرها من التطوع. قوله: (وهو دليل على أن المراد باللمز الخ (هذا إشارة إلى أن التفسير الأوّل وهو قوله قيل إنها نزلت في أبي الجوّاظ، وأنه في الصدقات هو المرضيّ عنده. قوله: (والفقير من لا مال له ولا كسب الخ) هذا قول الشافعيّ رضي الله تعالى عنه، وما حكاه بقيل قول أبي حنيفة رحمه الله فعنده الفقير من له أدنى شيء، وهو ما دون النصاب أو قدر نصاب غير تائم، وهو مستغرق في الحاجة والمسكين من لا شيء له فيحتاج للمسألة لقوته، وما يواري بدنه ويحل له ذلك بخلاف الأوّل حيث لا تحل له المسألة فإنها لا تحل لمن يملك قوت يومه بعد ستر بدنه، وعند بعضهم لا يحل لمن كان كسوبا أو يملك خمسين درهما، ويجوز صرف الزكاة لمن لا تحل له المسألة بعد كونه فقيرا، ولا يخرجه عن الفقر ملك نصب كثيرة غير نامية إذا كانت مستغرقة بالحاجة، ولذا قلنا يجوز للعالم وإن كان له كتب تساوي نصبا كثيرة إذا كان محتاجاً إليها للتدرش! ، ونحوه بخلاف العامّي، وعلى هذا جميع آلات المحترفين، ووجه كون الفقير أسوأ حالاً لقوله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [سورة الكهف، الآية: 79، إذ أثبت للمسكين سفينة.

وأجيب بأنها لم تكن لهم بل هم أجراء فيها أو عارية معهم أو قيل لهم مساكين ترحما، وبقوله ع! ز:" اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في رّمرة المساكين "(1 (مع ما روي أنه صلى الله عليه وسلم تعوّذ من ا! قر، وأجيب بأنّ الفقر المتعوّذ منه ليس إلا فقر النض لما روي أف ط ن صلى الله عليه وسلم يسأل العفاف والغنى (2 (، والمراد به غنى النفس لا كثرة الدنيا، واستدل على أنّ الفقير أسوأ حالاً من المسكين بتقديمه في الآية ولا دليل فيه لأن التقديم له اعتبارات كثيرة في كلامهم، وبأنّ الفقير بمعنى المفقور أي مكسور الفقار فكان أسوأ، ومنع بجواز كونه من فقرت له فقرة من مالي إذا قطعتها فيكون له شيء، وأما قوله تعالى: {مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [سورة البلد، الآية: 6 ا] أي ألصق جلده بالتراب في حفرة استتر بها مكان الأزار وألصق بطنه به لجوع فتمام الاستدلال به موقوف على أنّ الصفة كاشفة، وهو خلاف الظاهر، وقوله: يقع صفة كسب والفقار بفتح الفاء عظام الصلب، وقوله أصيب فقاره أي كسر ورمى بمصيبته كقولهم ذكره إذا قطع ذكره، وقوله لا يكفيه أي لنفسه وعيله وكفاية المال للسنة والكسب لليوم، وقوله: (كأنّ العجز أسكنه (قيل إنه ملائم للعكس. قوله:) وأنه صلى الله عليه وسلم كان يسأل الخ) إشارة إلى ما رواه الترمذي رحمه الله عن أنس رضي الله عنه وابن ماجه والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه، وصححوه:" اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين ") 3 (وقوله: (يتعوّذ من الفقر) إشارة إلى ما رواه أبو داود عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بقوله: " اللهم إتي أعوذ بك من الكفر والفقر ") 4 (وأما ما اشتهر من أنّ الفقر فخرى فلا أصل له

كما يظنه بعضهم. قوله: (الساعين في تحصيلها) أي الذين يجبونها يعطي لهم مقدار كفايتهم إلا أن يستغرق المال فلا يزاد على النصف، ولا تقدير فيه والشافعيّ رضي الله عنه قدره بالثمر. قوله: (والمؤلفة الخ (قال ابن الهمام المؤلفة كانوا ثلاثة أقسام قسم كفار كان رسول الله لمجييه يعطيهم ليتألفهم على الإسلام، وقسم كان يعطيهم ليدفع شرّهم، وقسم أسلموا وفيهم ضعف إسلام فكان يتألفهم ليقوي إيمانهم، وفي الهداية انعقد إجماع الصحابة رضي الله عنهم على انقطاعهم بعده صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فإنّ عمر رضي الله تعالى عنه رذهم لما جاء عيينة والأقرع يطلبان أرضا من أبي بكررضي الله عنه فكتب خطاً فمزقه عمر رضي الله عنه، وتال هذا شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم على الإسلام، والآن قد أعز الله الإسلام فأغنى عنكم فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف فرجعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا الخليفة أنت أم عمر فقال: هو إن شاء ووافقه ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم مع احتمال أن فيه مفسدة، كارتداد بعض منهم وإثارة ثائرة، فإن قيل إنه لا إجماع فلا بد من دليل يفيد نسخه قبل وفاته أو يقيده بحياة النبيّ

ص: 335

صلى الله عليه وسلم أو يكون حكماً انتفى بانتفاء علمته وانتهائها ومجرّد الانتهاء لا يصلح دليلاً لنفي الحكم لأنّ بقاء الحكم لا يحتاج لبقاء علته، كما في الاضطباع والرمل فلا بد من خصوص محل يقع فيه الانتفاء عند الانتفاء من دليل يدل على أنّ هذا الحكم مما شرع مقيداً ثبوته بثبوتها غير أنا لا يلزمنا تعيينه في محل الإجماع بل إن ظهروا لأوجب الحكم بأنه ثابت، على أن الآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه تصلح لذلك، وهي قوله تعالى:{الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف، الآية: 29] كذا قيل وفيه نظر فإنه إنما يتم لو ثبت نزول هذه الآية بعد هذه وقوله عيينة ابن حصين بالتصغير كذا في النسخ وصوابه حصن مكبراً، وقوله من خمس الخمس لأن إعطاء حق فقراء المسلمين لغيرهم مخالف للظاهر بخلاف حق نفسه، وقوله وقيل الخ هو قول أبي حنيفة رحمه الله، وقد مز تحقيقه وعدّ طائفة تؤلف على القتال منهم بأن يكونوا أقرب إلى العدوّ ونحوه، وقال بعض الساقط سهم المؤلفة من الكفار دون المسلمين فالآية غير منسوخة وعلى القول بنسخها فهل الناسخ الإجماع على القول بأنه ينسخ أو أنه بانتهاء الحكم لانتهاء علته كما مرّ، وفيه كلام في التفسير الكبير ومنهم من قال إنه تقرير لما كان في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه إعزاز

للدين، وهو بعده يمنعهم فتأمّل. قوله:(وللصرف في فك الرقاب الخ) إشارة إلى تقدير متعلق الجار بمصروفة كما سيأتي، وان في الكلام مضافا مقدرا بحسب الاقتضاء لأنها لا تصرف في الرقاب نفسها، وإنما تصرف في فكها والنجوم جمع نجم وهو الكوكب، ثم استعمل لزمان طلوعه، ثم لكل زمان معين ثم لما يؤذي فيه وهو بدل الكتابة. قوله:(والعدول عن اللام الخ) في الكشاف إنه للإيذان بأنهم أرسخ في الاستحقاق لأنّ في للوعاء فجعل هؤلاء محلا له، وفي الانتصاف إن له سرا آخر أظهر من هذا، وهو أن الأصنات الأربعة الأوائل يملكون ما يدفع إليهم لأخذهم له تملكا، والأواخر لا يملكونه بل يصرف في جهتهم، ومصالحهم فمال المغاتب يأخذه سيده والغارم رب الدين وأما سبيل الله فواضح، وابن السبيل مندرج في سبيل الله، وإنما أفرد تنبيها على خصوصيته مع تجرّده عن الحرف فيمكن عطفه على كل منهما 4 ولكن عطفه على القريب أقرب، ومتعلق الجار إما مصروفة للفقراء كقول مالك رحمه الله: أو مملوكة للفقراء كقول الشافعي رحمه الله الأوّل أولى لاطراده في الجميع لأنه يقال مصروفة لكذا وفي كذا بخلاف الثاني، وهذا محصل ما ارتضاه المصنف رحمه الله لكنه أجمله، وقوله الاستحقاق للجهة جعل الجهة نفسها مستحقة مجازاً، وكناية عن نفي الاستحقاق أو اللام للأجل، وقوله وتيل للإيذان الخ هو ما اختاره الزمخشرفي يعني أنهم جعلوا محلا له لتمكنه فيهم بشدة استحقاقهم له، وهذا على أنّ اللام لمجرّد الاختصاص فأما إذا جعلت للملك فالوجه ما ذكره المصنف رحمه الله لأنه مقتضى مذهب الشافعي رحمه الله إذ عنده أنه لا بد من صرفها إلى جميع الأصناف لأنها على طريق التملك ولا يجوز صرف ملك أحد إلى غيره وعند غيره هي للاختصاص بهؤلاء الأصناف لا تتعداهم فيجوز أن يصرف لبعض دون بعضى وتفصيله في التلويح وكتب الأصول. قوله:(المديونين لأنفسهم في غير معصية الخ) احترز بقوله لأنفسهم عما بعده مما استدين لإصلاح ذات البين، وبقوله في غير معصية عمن استدان للمعصية كالخمر والإسراف فيما لا يعنيه لكن قال النووي في المنهاج قلت الأصح أنه يعطي إذا تاب وصححه في الروضة، والمانع مطلقا قال إنه قد يظهر التوبة للأخذ، وهو الذي ارتضاه المصنف رحمه الله، وقوله لم يكن لهم وفاء أي ما يوفون به دينهم فاضلاً عن حوائجهم، ومن يعولونه والا فمجرد الوفاء لا يمنع من الاستحقاق وهذا أحد القولين عند الشافعية، وهو الأظهر وقيل لا يشترط لعموم الآية وهل يشترط حلول الدين أولاً قولان لهم. قوله: (أو لإصلاح ذات البين (أي الحال التي بين القوم كأن يخاف فتنة بين قبيلتين تنازعا في قتيل لم يظهر قاتله أو ظهر فيعطي الدية تسكيناً للفتنة، وهذا يعطي مع الغني مطلقا، وقيل إن كان غنياً بنقد لا يعطي وهذا

الإطلاق هو المنقول في كتب الشافعية المعتمد عليها كشرح المنهاج فلا تغتر بما وقع في بعض الحواشي هنا. قوله: (لا تحل الصدقة لفنئ الخ ((1 (هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله عنه فالغازي إذا لم يكن له فيء يعطي

ص: 336

وان كان غنياً وهم المتطوّعة وكذا الغارم لإصلاج ذات البين كما مرّ وكذا آخذ الصدقة بشراء أو هبة ممن تصدق عليه وكذا العامل على الصدقات يعطي، وان كان غنيأ كما مز والمراد بالغني غير المزكي وكذا لو ورثها عن الفقير حلت له. قوله:) وللصرف في الجهاد بالإنفاق الخ (المتطوّعة هم الذين لا فيء لهم، وكذا مذهب الشافعيئ رحمه الله، وعن! أبي يوسف رحمه الله في سبيل الله معناه منقطع الغزاة وعند محمد رحمه الله منقطع الحاج والمراد الفقراء منهم واستش! صل مذهبهما بأنه إن كان له مال في وطنه فهو ابن سبيل والا فهو فقير فالعدد ناقص، وأجيب بأنه فقير لكن زاد عليه بوصف انقطاعه فهو أهئم ولذا نص عليه وأورد عليه أنه يعتبر فيها قيوداً تجعلها متغايرة، والتحقيق ما في كتاب الأحكام للجصاص إن من كان غنيا في بلده بداره، وخدف وفرسه وله فضل دراهم حتى لا تحل الصدقة له ف! ذا عزم على سفر غزاة احتاج بعدة وسلاح لم يكن محتاجا له في إقامته فيجوز أن يعطي من الصدقة، وان كان غنيا في مصره، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم الصدقة تحل للغازي الغنيّ انتهى، وبهذا علم أنّ الآية يوافقها مذهبا الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى، وكراع كغراب الخيل والقناطر جمع قنطرة وأمّا القناطير فجمع قنطار والمصانع جمع مصنع ومصنعة وهو مجرى الماء والحصن، ويصح إرادة كل منهما هنا والظاهر الأوّل وقوله المنقطع عن ماله أي إن كان له مال، وهو إشارة إلى أنّ شرطه أن لا يكون معه مال، وإن كان له مال في وطنه فالسبيل بمعنى الطريق. قوله: (مصدر الخ (أي ناصبه مقدر مأخوذ من معنى الكلام، وقيل إنه صفة بمعنى مفروضة، ودخلته التاء لإلحاقه بالأسماء كنطيحة، وقوله يضع الأشياء الخ تفسير لحكيم أولهما. قوله: (وظاهر الآية يقتضي تخصيص

استحقاق الزكاة الخ (كونه يقتضي التخصيص بهذه الأوصاف لا نزاع فيه، وأما اقتضاؤ. وجوب الصرف إلى كل صنف وجد منهم والتسوية فلا دلالة للآية عليه لأنه تعالى جعل الصدقة لهؤلاء، فأما وجوب ما ذكر فلا كما أنّ قوله في الغنيمة {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ} الآية يوجب القسم عليهم من غير توزيع بالاتفاق، والحكم الثابت للمجموع لا يوجب ثبوته لكل جزء من أجزائه، ولذا اختار بعض الشافعية ما قاله أبو حنيفة رحمه الله لقوّة منزعه في الأخذ ووالده عمر ابن محمد البيضاوي رحمه الله، وهو مفتي الشافعية في عصره، وتحقيق الدليل في التلويح وغيره فإن أردته فارجع إليه، وقوله على أن الآية الخ، إشارة لما مرّ. قوله: (سمي بالجارحة للمبالنة كأنه من فرط استماعه الخ) في المفتاح إنه مجاز مرسل كما يراد بالعين الرجل إذا كان ربيئة لأنّ العين هي المقصودة منه فصارت كأنها الشخص كله، قال الشريف قدس سرّه: لم يرد بقوله كأنها الخ أن هناك تشبيهاً حتى يتوهم أنه استعارة ألا تراه لو حمل على ظاهره لم يكن استعارة إذ لم يطلق المشبه به على المشبه بل عكسه، وما ذكره لا يتمشى في كلام المصنف رحمه الله تعالى لأنه جعل الكل كأنه الجزء فالتوهم فيه أقوى، والظاهر أن مراده إطلاق الجزء على الكل للمبالغة كما قيل:

إذا ما بدت ليلى فكلي أعين وان حدثوا عنها فكلي مسامع

وقيل إنه مجاز عقليّ كرجل عدل وفيه نظر وليس بخطأ كما توهم، والمبالغة في أنه يسمع كل قول باعتبار أنه يصدقه لا في مجزد السماع إذ لا مبالغة فيه، وما قيل إن مرادهم بكونه أذنا تصديقه بكل ما سمع من غير فرق كما يرشد إليه قوله يصدقه فليس من قبيل إطلاق العين على الربيئة، ولذا جعله بعضهم من قبيل التشبيه بالإذن في أنه ليس فيه وراء الاستماع تمييز حق عن باطل ليس بشيء يعتد به، وقيل إنه على تقدير مضاف أي ذو أذن وهو مذهب لرونقه. قوله:(أو اشتق له فعل) بضمتين كعنق على أنه صفة مشبهة من أذن يأذن إذناً استمع كقوله:

وان ذكرت بشرّ عندهم أذنوا

وعلى هذا هو صفة بمعنى سميع، ولا تجوّز فيه ففيه أربعة أوجه وأنف بضمتين روضة

لم ترع أو كأس لم تشرب قبل، وشلل بوزنه وشين معجمة بمعنى مطرود وخفيف في الحاجة. قوله:(روي أنهم قالوا محمد أذن سامعة الخ) في سببه قولان قيل إنّ جماعة من المنافقين ذكروه صلى الله عليه وسلم بما لا يليق به وقالوا نخشى أن تبلغه مقالتنا فقال جلاس بن

ص: 337

سويد نقول ما شئنا، ثم إن بلغه نحلف له فيقبل قولنا فإنه أذن، وقيل إنّ رجلاً منهم قال: إن كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقاً فنحن شر من الحمر فقال ابن امرأته والله أنه لحق وانك لشر من حمارك فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له آخر منهم إنّ محمداً أذن فإن حلفت له ليصدقنك فنزلت، وكلام المصنف رحمه الله يحتمل الروايتين لإجماله وما تأذى به! ك! ي! أمّا ما قالوه في حقه من ذلك فيكون قوله في الآية، ويقولون غير ما تأذى به أو نفس قولهم هو أذن فيكون عطف تفسير كما في الكشاف والمصنف رحمه الله تعالى لم يفصله. قوله:(تصديق لهم بأنه أذن الخ) يعني أنه صدّقهم في كونه أذنا لكن لا على الوجه الذي أرادوه من أنه يسمع كل ما يلقى إليه من غير تمييز بل على وجه آخر وهو أنه أذن في الخير وأنّ استماعه خير كله فهو كما في الانتصاف أبلغ أسلوب في الردّ عليهم لأنّ فيه اجتماعاً في الموافقة على مدعاهم بالإبطال وهو كالقول بالموجب. قوله: (من حيث إنه يسمع الخير ويقبله) في الكشاف، وأذن خير كقولك رجل صدق تريد الجودة والصلاح كأنه قيل نعم هو أذن، ولكن نعم الأذن ويجوز أن يريد هو أذن في الخير والحق، وفيما يجب سماعه وقبوله، وليس بأذن في غير ذلك ويدلّ عليه قراءة حمزة ورحمة بالجرّ عطفا عليه أي هو أذن خير ورحمة لا يسمع غيرهما ولا يقبله يعني أنه من إضافة الموصوف إلى الصفة للمبالغة، أو إضافته على معنى في بدليل قراءة حمزة لأنه لا يحسن، وصف بالأذن بالرحمة ويحسن أن يفال أذن في الخير والرحمة والمصنف رحمه الله لم يتعرّض لشيء من الوجهين، وفسره على وجه صادق عليهما وما قيل إنه اختار الثاني، ولم يلتفت إلى الآخر وبنى عليه ما بنى تخيل لا وجه له سوى تكثير السواد. قوله:(ثم فسر ذلك بقوله يؤمن بالله الخ) إذ المراد بالأدلة الأدلة السمعية كالوحي والقرآن ولذا أدرجها في التفسير والمعنى هو أذن خير يسمع آيات لله، ودلائله فيصدقها ويستمع للمؤمنين فيسلم لهم ما يقولون ويصدقهم، وهو تعريض بأنّ المنافقين أذن شر يسمعون آيات الله ولا يثقون بها، ويسمعون قول المؤمنين ولا يقبلونه، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع قولهم إلا شفقة عليهم لا أنه يقبله لعدم تمييزه كما زعموا، وبهذا يصح وجه التفسير فتدبر. قوله:(واللام مزيدة للتفرقة الخ) يعني أنّ الإيمان بالله بمعنى

الاعتراف والتصديق يتعدى بالباء كما مز تحقيقه في سورة البقرة فلذا قال بالله، والإيمان للمؤمنين بمعنى جعلهم في أمان من التكذيب بتصديقهم لهم لما علم من خلوصهم متعد بنفسه فاللام فيه مزيدة للتقوية هذا مراده رحمه الله تعالى، والزمخشرفي قال في وجه التفرقة بينهما إنه قصد التصديق بالله الذي هو نقيض الكفر فعدى بالباء التي يتعدى بها الكفر حملاً للنقيض على النقيض، وتصد السماع من المؤمنين، وإن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقهم لكونهم صادقين عنده فعدى باللام ألا ترى إلى قوله:{وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [سورة يوسف، الآية: 17، فعدى باللام لأنه بمعنى التسليم لهم ومن فسر كلام المصنف بكلام الكشاف فقد خلط. قوله:(لمن أظهر الإيمان الخ (فسره بذلك لأنهم منافقون، وقراءة حمزة بالجرّ عطفاً على المضاف إليه والفرق بينها وبين قراءة الرفع أنها تفيد استماع كلامهم دون الأولى، وعلى قراءة النصب هو مفعول لة لفعل مقدر أي يأذن بمعنى يسمع أو عطف على آخر مقدر أي تصديقا لهم ورحمة لكم وقوله وقرئ أذن أي بالتنوين وخير صفة له بمعنى خير المشدد أو أفعل تفضيل أو مصدر وصف، به مبالغة أو بالتأويل المشهور ولم يذكر الزمخشرقي، كونه صفة فقيل لأنه ليس المعنى على أنه أذن خير لكم بل على أنه مع كونه أذنا خير لكم حيث يقبل معاذيركم، وفيه نظر. قوله:) بإيذائه (أي أذيته والإيذاء مصدر آذاه، وتد أثبته الراغب ولما لم يذكره الجوهري كما هو عادة أهل اللغة في ترك المصادر القياسية ظن صاحب القاموس أنه لم يسمع فقال وأذاه أذى، ولا تقل إيذاء وهو خطأ منه كما ذكرناه في كتاب شفاء القليل، وفيه إشارة إلى أن إيراد الموصول يفيد عليه الصلة للحكم، وقوله تخلفوا أي عن الجهاد معطوف على قالوا وما مصدرية وما قالواة هو ما تقدم من قولهم إذن أو ما أذوه به ع! م على الروايتين، وقيل يحلفون على أنهم منكم. قوله: الترضوا عنهم) تعليل للتعليل أي حلفوا للإرضاء والإرضاء لأجل تحصيل رضاكم عنهم

ص: 338

أو تفسير للإرضاء بالرضا لأنه لازم له ومقصود منه لا مطلق فعل ما يرضى، وإن لم يترتب عليه الرضا. توله:(بالإرضاء بالطاعة الخ (إشارة إلى أن أن يرضوه صلة أحق بتقدير الباء لا مبتدأ أحق خبره والمفضل عليه محذوف أي من غيره وقوله بالطاعة، والوفاق أي الموافقة لأمره تفسير لإرضاء الله ورسوله. قوله: (وتوحيد الضمير الخ الما كان الظاهر بعد العطف بالواو والتثنية، وقد أفرد وجهوه بأنّ إرضاء الرسول! م لا ينفك عن إرضاء الله تعالى فلتلازمهما جعلا كشيء واحد فعاد عليهما الضمير المفرد، وأحق على هذا خبر عنهما من غير تقدير. قوله:) أو لأن الكلام في إيذاء

الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) فيكون ذكر الله تعظيما له وتمهيداً فلذا لم يخبر عنه، وخص الخبر بالرسول وفيه تأمّل، وقوله:(أو لأنّ التقدير الخ) جعل الخبر للأوّل لسبقه وخبر الثاني مقدر وهو كذلك وسيبويه جعله للثاني لأنه أقرب مع السلامة من الفصل بين المبتدأ والخبر كقوله:

نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض! والرأي هختلف

وقيل إنّ الضمير لهما بتأويل ما ذكر أو كل منهما، وأنه لم يثن تأدّبأ لئلا يجمع بين الله

وغيره في ضمير تثنية وقد نهى عنه على كلام فيه، وقوله:(صدقا) أي إيمانا صادقاً في الظاهر، والباطن لا باللسان كإيمان المنافقين، وجواب الشرط مقدر يدل عليه ما قبله، وقراءة التاء على الالتفات للتوبيخ إن كان الخطاب لهم، وقيل إنه للمؤمتين وفي قراءة ألم تعلم الخطاب للنبي مج! ي! ، أو لكل واقف عليه. قوله:) يشاقق مفاعلة من الحد (بمعنى الجهة والجانب كما أن المشاقة من الشق بمعناه أيضا فإن كل واحد من المتخالفين والمتعاديين في حذ وشق غير ما عليه صاحبه، وهو الظاهر إذ المراد يخالف ويحتمل أن يكون الحد بمعنى المنع في كلامه. قوله: (على حذف الخبر (وهو حق وإن وما معها اسم تأويلاً مبتدأ وقدر لأن الفاء جواب الشرط وهو لا يكون إلا جملة، وأن المفتوحة مع ما في حيزها مفرد تأويلاً وقدر مقدماً لأنها لا تقع في ابتداء الكلام كالمكسورة وجوّز أن يكون خبراً أي الأمر أن له الخ. قوله: (أو على تكرير أنّ للتكيد) في كتاب سيبويه بعدما ذكر ما يكرّر للتطرية، ومما جاء من هذا الباب قوله تعالى:{أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 35] فكأنه قال أيعدكم إنكم مخرجون إذا متم ولكته قدمت إن الأولى ليعلم بعد أيّ شيء الإخراج، وزعم الخليل رحمه الله أن مثل ذلك قوله تعالى جذه {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ} ، ولو قال فإنّ كانت عربية جيدة انتهى، وقيل إنه يعني أنه تكرير لطول العهد، وإفادة التأكيد كما في قوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة النحل، الآية: 1119 وكقوله:

لقدعلم الحي اليمانون أنني إذا! لت أ! ابعدفى-اني! ا

وليس من التأكيد الاصطلاحي وفي مثله لا بأس بالفصل سيما بما يكون من متعلقاته، ثم

إنّ هذا المكرر لما كان محض مقحم هاعادة كان وجوده بمنزلة العدم فجاز الفصل به بين فاء الجزاء وما بعدها، ومع هذا لا يخلو عن ضعف، وأما إشكال نار جهنم فالحق أنه قوقي لأنّ أن لما كان تكراراً للأوّل لم يقتض إلا ما اقتضاه، ولم يعمل إلا فيما عمل فيه من غير أن ينفرد بعمل، وفي الجملة فجعل أن الثانية تكريراً للأولى مع أن لها منصوبا غير منصوبها ومرفوعا غير

مرفوعها ليس من قاعدة التكرير لبعد العهد، والمجوز مكابر معاند لا ينبغي أن يصغي إليه اهـ، وما ذكره من الإشكال لصاحب التقريب، والمجوز الذي أشار إليه العلامة فإنه قال هو وإن كان زائداً يجوز إعماله، كما في كفى بالله شهيداً وهذا كله غير وارد لما عرفت أنه مذهب الخليل، وهم ناقلون له كما نقله سيبويه، وليس زعم تمريضا له لأنه عادته في كل ما نقله كما بينه شراحه، وما قال إنه إشكال قويّ ليس بوارد عليه فالحق ما قاله العلامة. قوله. (ويحتمل أن يكون معطوقاً الخ (لا يخفى بعده مع أن أبا حيان رحمه الله قال إنه لا يصح لأنهم نصوا على أن حذف الجواب إنما يكون إذا كان فعل الشر! ماضيأ أو مضارعا مجزوما بلم، وهذا ليس كذلك وليس ما ذكره متفقاً عليه وقد نص على خلافه في مغني اللبيب فكأنه شرط للأكثرية وعلى كل حال لا يرد اعتراضه وأما كون حقه العطف بالواو فليس بشيء لأن استحقاقه

ص: 339

النار بسبب المحادة بلا شبهة، وقراءة الكسر لا تحتاج إلى توجيه لظهورها، وقوله الإهلاك الدائم ثم جعل الإشارة إلى أنّ له النار فناسب تفسير الخزي بالإهلاك وعظمه بدوامه. قوله:(وتهتك عليهم أستارهم) تفسير لتنبئهم لأنه استعارة لإفشاء سرهم حتى كأنها تقول لهم في قلوبكم كيت وكيت، وقوله ويجوز الخ لما فسر ضمير عليهم بالمؤمنين، وكذا تنبئهم أيضا وما عد 51 للمنافقين لقوّة القرينة والدلالة عليه ومثله لا يضر إذ ليس تفكيك الضمائر بممنوع مطلقاً كما صرّج به الكشاف، أشار إلى أنه يجوز أن تكون الضمائر كلها للمنافقين، وكون السورة نازلة عليهم بمعنى مقروءة عليهم وفي حقهم إن كان الجار والمجرور متعلقا بتنزل فإن تعلق بمقدر أي تنزل سورة كائنة عليهم من قولهم هذا لك وهذا عليك فظاهر، وهذا هو الداعي لترجيح الوجه الأوّل، وإسناد الأنباء إلى السورة مجاز، قيل: وكذا المسند على جعل الضمير للمنافقين ورد بأنه إذا كان الأنباء بمعنى الإخبار لا الإعلام لا يجوز، والمقصود لازم فائدة الخبر، وهو أنه لا يخفى على الرسول لمجيرو. قوله:(وذلك يدل على ترددهم أيضاً) أي كتردّد المؤمنين في كفرهم لعدم ظهورهم، إذ لو ظهر قتلوا وكأنّ وجه الدلالة من وجه الدلالة من قوله تنبئهم لأنهم لو كانوا عالمين بها لم تكن معلمة لهم، ولا لنا والظاهر أن يقول وفيه إشعار أو هو من قوله يحذر لأنهم لو كانوا كفرة لم يحذروا إلا أن يكون استهزاء. قوله:(إنه خبر في معنى الآمر الخ) معناه ليحذر المنافقون فوضع موضعه، قال النحرير: إنه ينبو عنه قوله ما تحذرون نوع نبوة

إلا أن يراد ما يحذرون بموجب هذا الأمر، وقوله كانوا يقولونه فيما بينهم استهزاء أي يقولون نحذر أن تنزل الخ على طريق الاستهزاء فعلى هذا لا دلالة فيها على تردّدهم في كفرهم، وقوله لقوله لأنها تدل على أنه وقع منهم ا! شهزاء بهذه المقالة، وعلى غير هذا الوجه فالمراد نافقوا لأنّ المنافق مستهزئ فكما جعل قولهم آمنا، وما هم بمؤمنين مخادعة في البقرة جعل هنا استهزاء. قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} أي مبرزه كان الظاهر، أن يقال إن الله منزل سورة كذلك أو منزل ما تحذرون لكنه عدل عنه للمبالغة إذ معناه مبرز ما تحذرونه من إنزال السورة أو لأنه أعمّ إذ المراد مظهر كل ما تحذرون ظهوره من قبائحكم، واسناد الإخراج إلى الله إشارة إلى أنه يخرجه إخراجا لا مزيد عليه والمساوي ضد المحاسن جمع سوء على خلاف القياس، وأصله الهمزة، وقوله: روي الخ أخرجه ابن جرير عن قتادة. قوله:) تحذرونه) إشارة إلى أن حذر المخفف متعد فإنّ أن تنزل مفعوله لا على تقدير من لأنه تعدى بالتضعيف إلى مفعولين كقوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 28] ويدل عليه أيضا ما أنثده سيبويه رحمه الله تعالى:

حذر أموراً لا تضير وآمن ما ليس ينجيه من الأقدار

وقيل: إنه مصنوع، وقال المبرد إنه غير متعد لأنه من هيآت النفس كفزع، ورد بأنه غير

لازم إذ من الهيآت ما يتعذى كخاف وخشى فعنده أن تنزل على إسقاط الجار. قوله: (لا والله ما كنا في شيء من أمرك الخ) يقتضي أنهم أنكروا القول رأسا، وفي التفسير الكبير أنهم ما أنكروه بل تالوا قلناه، وإنما نلعب ونلهي لتقصر مسافة السفر بالحديث، والمداعبة وهو أوفق بظاهر النظم، وقوله ليقصر من التفعيل. قوله:) توبيخا على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به الخ) يعني الاستفهام التوبيخي أولى المتعلق إيذانا بأن الاستهزاء وقع لا محالة لكن الخطأ في المستهزأ به فقد أخطأتم لوضعه في غير موضعه لأنّ تقديم المتعلق يستدعي حصول الفعل، وانكار متعلقه كما قرّره السكاكيّ واليه أشار المصنف بقوله بمن لا يصح الخ، والزام الحجة بإثبات ما أنكروه. قوله:(ولا تعبأ) ضبط بالخطاب للنبيّ لمجيه، والجزم بلا الناهية وهو معطوف على قل وتعبأ من عبأت بفلان عبأ باليت واعتددت به، واعتذارهم قولهم:{كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} وهو تفسير له لأنّ قول ذلك لهم بعد إنكارهم لعدم الاعتداد به. قوله: (لا تشتغلوا

الخ (يعني النهي عن الاشتغال به وادامته إذ أصله وقع، وقوله أظهرتم الكفر لا أوجدتم أصله لسبقه في باطنهم ولذا فسر الإيمان بإظهاره، وقوله: لتوبتهم وإخلاصهم فالخطاب لجميع المنافقين، وعلى الوجه الآتي للمؤذنين والمستهزئين منهم والعفو فيه عن عقوبة الدنيا العاجلة، وقوله مصرين على النفاق ناظر إلى

ص: 340

التفسير الأوّل وقوله أو مقدمين إلى الثاني. قوله:) ذهاباً إلى المعنى كأنه قال الخ (لما كان الفعل المجهول مسندا إلى الجار والمجرور، ومثله يلزم تذكيره ولا يجوز تأنيثه إذا كان المجرور مؤنثا تقول سير على الدابة لا سيرت عليها، أشكلت هذه القراءة فقال ابن جني وحكاه الزمخشري وتبعه المصنف رحمه الله إنه ميل مع المعنى ورعاية له فلذا أنث لتاً نيث المجرور إذ معنى تعف عن طائفة ترحم طائفة، وهو من غرائب العربية، ولو قيل إنه للمشاكلة لم يبعد وقد غفل عنه في المطول، وقيل إن نائب الفاعل ضمير الذنوب، والتقدير إن تعف هي أي الذنوب. قوله: (أي متشابهة في النفاق الخ) أي طائفة متشابهة في النفاق كتشابه أبعاض الشيء الواحد والمراد اتحاده في الحقيقة والصورة كالماء والتراب فمن اتصالية وكذا في الوجه الآخر، وإذا كان تكذيباً لقولهم المذكور فهو إبطال لمدعاهم وما بعده من تغاير صفاتهم، وصفات المؤمنين كالدليل عليه والآية على هذا التوجيه متصلة بقوله يحلفون بالله إنهم لمنكم، وعلى الأوّل بجميع ما ذكر من قبائحهم، وقبض اليد كناية عن الشح والبخل كما أن بسطها كناية عن الجود لأنّ من يعطي يمذ يده بخلاف من يمنع. قوله: (اغفلوا ذكر الله وتركوا طاعته (يعني بمعنى أنهم لا يذكرونه، ولا يطيعونه لأنّ الذكر له مستلزم لإطاعته فجعل النسيان مجازاً عن الترك، وهو كناية عن ترك الطاعة، ونسيان الله منع لطفه وفضله عنهم، وقيل إنه كناية عن الترك في حق البشر لإمكان الحقيقة، قال النحرير جعل النسيان مجازاً لاستحالة حقيقته على دلّه تعالى، وامتناع المؤاخذة على نسيان

البشر، وحمل الفاسقون على الكاملين كأنهم الجنس كله ليصح الحصر المستفاد من الفصل، وتعريف الخبر وإلا فكم فاسق سواهم، وضمنه معنى البعد والخروج فلذا عداه بعن. قوله. (وعد الله المنافقين) الوعد هنا تهكم وعطص الكفار عطف عامّ على خاص أو متغايرين بحسب الظاهر. قوله:(مقدّرين الخلود) قيل الوجه الإفراد لأنهم لم يقدروه وإنما قدره الله لهم أو أد يقال مقدري الخلود بصيغة المفعول، والإضافة إلى الخلود ولعله جمعه للتعظيم، وقيا! المعنى يعذبهم الله بنار جهنم خالدين فلا حاجة إلى التقدير، وقيل إنه تكلف وتقدير التقدير فيه غير شائع، وقيل إنّ مقدريه اسم مفعول، والخلود مرفوع بدل اشتمال من الضمير فيه، والألف واللام رابطة بدلاً عن الضمير كقوله:{فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [سورة النازعات، الآية: 141 (قلت) هذا كله تكلف وقد قدره الزمخشري هكذا، ولا شك أن المراد دخولهم وتعذيبهم بها وهم في تلك الحال لما يلوج لهم يقدرون الخلود في أنفسهم، ولما كان الخلود دوام المكث، وأوّله داخل فيه جاز أن يجعلوا حينئذ خالدين لتلبسهم بالخلود باعتبار ابتدائه في الجملة فهذا غفلة عن مراده ومغزاه. قوله:) هي حسبهم عقاباً وجزاء الخ) أي فيها ما يكفي من ذلك، وقوله وفيه دليل أي ما يدل على ذلك، وليس من الاستدلال ووجه الدلالة يعلم من السياق لاً نه إدا قيل للمعذب كفى هذا دلّ على أنه بلغ غاية النكاية، ولذا قيل معنى قوله هي حسبهم إنه لر اكتفى به كان حسبهم فلا ينافي الزيادة عليه، وإن كان من نوعه وتفسير الإقامة بعدم الانقطاع إشارة إلى أنه مجاز فيه إذ الإقامة من صفات العقلاء، أو هو مجاز عقلي كعيشة راضية. قوله.) والمراد به ما وعدوه الخ الما كان معنى العذاب المقيم، والخلود واحدا أشار إلى أنه لا تكرار فيه لأنّ ذاك وعد وهذا بيان لوقوع ما وعدوا به مع أنه لا مانع من التأكيد، أو هذا نوع آخر غير عذاب النار في الآخرة فإن قلت قوله هي حسبهم يمنع من ضم شيء آخر إليه، قلت: المراد هي حسبهم في تعذيبهم بالنار فلا ينافي تهذيبهم بنوع آخر وضمه إليه أو ذاك عذاب الآخره وهذا عذاب مما قاسوه مت التعب والخوف من الفضيحة والقتل ونحوه. قوله:) أنتم مثل الذين أو فعلتم الخ) أي الكاف في محل رفع خبر مبتدأ هو أنتم، أو في محل نصب أي فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم فالكاف اسم هنا وجعله الزمخشري مثل قول النمر بن تولب كاليوم مطلولآ ولا طلبا أي لم أر والكلام على هذا يحتاج إلى بسط ليس هذا محله. قوله:) بيان لتشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم الخ) إشارة إلى أن هذه الجملة إلى قوله بخلافهم تفسير للتشببه،

وبيان لوجه الشبه، وأنها لا محل لها من الإعراب، وقد صرح بأنه مأخوذ من مجموع ذلك بقوله تمهيداً لذم المخاطبين

ص: 341

بمشابهتهم فلا وجه لما قيل كان عليه أن يؤخره إلى قوله ذئم الخ، وإنما ذكر كونهم أشذ وأقوى ليعلم إنهم أصابهم ما أصابهم مع ذلك فأنتم أولى وأحق به، والخلاق النصيب المقدر من الخلق بمعنى التقدير، وهو أصل معناه لغة، والملاذ بالتشديد اللذات جمع لذة على غير قياس كالمحاسن. قوله:) ذمّ الأوّلين الخ (إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ هنا تشبيهين، أحدهما مجرى على ظاهره، وهو خضتم كالذي خاضوا وثانيهما فيه أطناب لأن أصله فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم فأقي فائدة في زيادة قوله فاستمتعوا بخلاقهم، وأجاب عنه بأنّ الزيادة للتوطئة، والتمهيد للتمثيل لمزيد تقبيح الاستمتاع بشهوات الدنيا ولذاتها وتثبيته في قلب السامع إجمالاً وتفصيلاً فإمّا أن يقدر مثله في الثاني لعطفه عليه أو لا يقدر إشارة إلى الاغتناء بالأوّل، والمخدج بمعنى الناقص وقوله التهائهم هو افتعال من اللهو. قوله: (دخلتم في الباطل الخ (الخوض الثروع في دخول الماء ويستعار لمباشرة الأمور وأكثر ما يستعمل في الذمّ في القرآن فلذا خصه بالباطل، وقوله: (كالذين خاضوا) يعني أنه جمع وأصله الذين فحذفت نونه تخفيفاً كما في قوله:

وان الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أمّ خالد

وبحتمل أن يريد أنه مفرد واقع موقع الجمع والعائد إلى الموصول محذوف أي خاضوه وأصله خاضوا فيه فحذف تدريجاً لأنّ العائد المجرور لا يحذف إلا بشروط كجرّ الموصول بمثله، أو الذي صفة لمفرد اللفظ مجموع المعنى كالفريق والفوج، أو هو صفة مصدر أي كالخوض الذي خاضوه والضمير للمصدر، ورجح بعدم التكلف فيه، وقال الفراء: إن الذي تكون مصدرية وخرج هذا عليه. قوله: (لم يستحقوا الخ) الحبط السقوط والبطلان والاضمحلال وكونها حابطة في الآخرة ظاهر، وفي الدنيا لما لهم من الذل والهوان وغير ذلك، وقوله خسروا الدنيا والآخرة تفسير له بما يتوجه به الحصر ويتضح. قوله:(وعاد وثمود الخ) غير الأسلوب لأنهم لم يستهزؤوا بنبيهم، وقيل لأنّ كثيراً منهم آمنوا ونمروذ بالذال

المعجمة، وقوله وأهلك أصحابه لم يبين هلاكهم لأنه كان بإبادتهم بعد هلاك ملكهم لا بسبب سماوقي كغيرهم. قوله:(أهلكوا بالنار يوم الظلة (هي غمامة أطبقت عليهم قيل الذين أهلكوا بالنار يوم الظلة هم أصحاب الأيكة من قوم شعيب عليه الصلاة والسلام، وأما أهل مدين فأهلكوا بالصيحة والرجفة وأجيب بأنه على قول قتادة وأما على قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره فأهل مدين أهلكوا بالنار يوم الظلة، ورجفت بهم الأرض وتفصيله في تفسير البغوي في سورة الأعراف، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى مبنيّ عليه. قوله:) والمؤتفكات الخ (معطوف على أهل مدين وأصل معنى الائتفاك الانقلاب بجعل أعلى الشيء أسفل بالخسف، وهو قد وقع في قريات قوم لوط عليه الصلاة والسلام فإن كانت مرادة به فهي على حقيقتها وإن كان المراد مطلق قرى المكذبين، وهي لم تخسف بأجمعها فيكون المراد به مجازاً انقلاب حالها من الخير تشبيها له بالخسف على طريق الاستعارة كقول ابن الرومي:

وما الخسف أن تلقى أسافل بلدة أعاليها بل أن تسود الأراذل

وقريات بالتصغير جمع قرية لأنّ جمع المكبر قرى. قوله:) يعئي الكل) أي جميع ما ذكر

لا المؤتفكات فقط كما قيل لأنّ جمع الرسل على تفسيرها الأوّل يحتاج إلى التأويل برسل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والدعاة لهم وإن صح على الثاني بغير تتأويل. قوله:) أي لم يك وفي نسخة لم يكن من عادته الخ) قيل إنه من الإيجاز بالحذف، وأصله فكذبوهم فأهلكهم فما كان الخ وهو ردّ على قول الزمخشرقي في قوله فما صح منه أن يظلمهم، وهو حكيم لا يجوز عليه القبيح وهو مبنيّ على مذهبه، وقوله:(من عادته (أخذه من المضارع المفيد للاستمرار، ولو حمل على استمرار النفي كان أبلغ كما مرّ في قوله لا يستأذنك يعني أنه لا يصدر ذلك، وتسميته ظلما لمشابهته له لو كان أو لأنه يسمى ظلما بالنسبة إلى العباد الفاعلين له فلو وقع منه لم يكن ظلما على مذهبنا، وقوله عرّضوها بمعنى جعلوها عرضة ومستحقة له. قوله:) في مقابلة قوله المنافقون الخ) وبعضهم

ص: 342

أولياء بعض يقابله قوله بعضهم من بعض، وغير فيه الأسلوب إشارة إلى تناصرهم وتعاضدهم بخلاف أولئك ومقابلة الأمر بالمعروف ظاهرة، وقوله ويؤتون الزكوة في مقابلة قبض أيديهم وسخطهم ويطيعون الله في مقابلة نسوا الله على ما مز من تفسيره، وأولئك سيرحمهم الله في مقابلة فنسيهم المفسر بعدم لطفه ورحمته أو في مقابلة

أولئك هم الفاسقون لأنه بمعنى المتقين المرحومين، والوعد في مقابلة الوعيد على تفصيله أيضاً. قوله:(في سائر الأمور (سائر إن كان بمعنى الباقي عما قبله من الزكاة واخواتها فظاهر! ان كان بمعنى الجميع كما هو مستعمل بمعناه على كلام فيه لغة فصلناه في شرح درة الغوّاص فهو تعميم بعد التخصيص. قوله: (لا محالة) فإن السين مؤكدة للوقوع، وفي المغني زعم الزمخشرفي إنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واتع لا محالة، ولم أر من فهم وجه ذلك ووجهه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل فدخولها على ما يفيد الوعد، والوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه، وليس كما قال والذي غزه قول الزمخشري إنها تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد بل المراد كما صرّح به شراحه، ووقع في مفصلات النحو وهو مصرّج به في الكتاب، وشروحه أيضا أن السين في الإثجات في مقابلة لكن في النفي فتكون بهذا الاعتبار تأكيداً لما دخلت عليه، ولا يختص بالوعد والوعيد، ولا ينافي دلالتها على التنفيس وان كانت قد تجرد عنه كما قد يقصد بها مجرّد التنفيس فإنه أمر مأخوذ من المقام والاستعمال، وأعلم أن ابن حجر قال في التحفة ما زعمه الزمخشرفي من أنّ السين تفيد القطع بمدخولها رذ بأنّ القطع إنما فهم من المقام لا من الوضع، وهو توطئة لمذهبه الفاسد في تحتم الجزاء ومن غفل عن هذه الدسيسة وجهه، وقال شيخنا ابن قاسم هذا لا وجه له لأنه أمر نقلي لا يدفعه ما ذكر ونسبة الغفلة للأئمة إنما أوجبها حب الاعتراض. قوله:(غالب على كل شيء) الكلية مت صيغة المبالغة، وبيان للمراد في الواقع فاللام في الأشياء للاستغراق. قوله:(تستطيبها (فكونها طيبة إما في نفسها لأنّ الطيب ما تتلذذ به الحواس، وهي مما يلتذ به النظر أو ما فيها من العيش والنعيم طيب فالإسناد مجازي، وقوله: (وفي الحديث) وقع بمعناه مرويا من طرق والطيب يكون بمعنى الحلال والطاهر وليس بمراد هنا. قوله: (1 تامة وخلود الخ) أصل معنى العدن في اللغة الاستقرار والثبات فلذا استعمل في الإقامة يقال عدن بمكان كذا ومنه عدن اليمن، والمعدن والإقامة صادقة على الخلود فلذا فسره به لأنه فرده الكامل المناسب لمقام المدح فلا يقال لا يوافق ما ذكر في كتب اللغة وفي الكشات عدن علم بدليل قوله:{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [سورة مربم، الآية: 61] وقال المصنف رحمه الله في تفسيرها وعدن علم لأنه المضاف إليه في العلم أو علم للعدن بمعنى الإقامة كبرة فلذلك صح وصف ما أضيف إليه بقوله التي الخ، وسيأتي تحقيقه هناك فقوله إقامة إمّ بيان لمعناه اللغوي أو العلمي، وقوله في

الحديث المذكور وهو مرويّ عن أبي الدرداء) 1 (في البزار والدارقطني وابن جرير (دار الله (يقتضي العلمية للمكان الذي فيه منازل، واضافته إلى الله للتشريف أو الله معطيها لا دخل لأحد فيها (وطوبى) شجرة في الجنة وبمعنى الطيب ويستعمل للمدح في طوبى له وهو المراد، والحديث يقتضي تخصيصها بالأصناف الثلاثة، وقد قيل: إنه يخالف ظاهر القرآن من أنها لجميع المؤمنين والمؤمنات وتخصيصه بهؤلاء، قد قيل إنه مبنيّ على التوزيع الآتي وعلى خلافه يحتاج إلى التجوّز ونحوه وسيأتي بيانه، وفي الكشاف إنه قيل إنها مدينة في الجنة، وقيل نهر جناته على حافاته. توله:) ومرجع العطف الخ (أي في قوله ومساكن طيبة في جنات عدن إما أن يتغايرا بالذات فيكونوا وعدوا بشيئين، وهما الجنات بمعنى البساتين ومساكن في الجنة فلكل أحد جنة ومسكن أو الجنات المقصود بها غير عدن، وهي لعامة المؤمنين وعدن للنبيين عليهم الصلاة والسلام والشهداء والصديقين، وإما أن يتحدا ذاتأ ويتغايرا صفة فينزل التغاير الثاني منزلة الأوّل ويعطف عليه فكل منهما عامّ، ولكن الأوّل باعتبار اشتمالها على الأنهار والبساتين والثاني باعتبار الدور والمنازل، وقوله في جوار العليين أي سكان الجنان من الملائكة والملأ الأعلى كما هو أحد معانيه. قوله: (ثم وعدهم بما هو كبر الخ (الوعد مفهوم من المقام، وسياق الكلام

ص: 343

لا من المنطوق.

قوله: (لأنه المبدأ لكل سعادة الخ) أي روحانية أو جسمانية إذ لولا رضاه عنهم لما خلقهم سعداء مستحقين لذلك، ونيل الوصول أي للسعادة أخذها وألاتصاف بها بالفعل وقال: رضوان من الله دون رضوان الله قصداً إلى إفادة أنّ قدراً يسيرا منه خير من ذلك، وأحل بمعنى

أوجب من حل به كذا إذا نزل، والرضوان لما فيه من المبالغة لم يستعمل في القرآن إلا في رضا الله. قوله:(أي الرضوان) فهو فوز عظيم يستحقر عنده نعيم الدنيا فلا ينافي قوله تعالى. {أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التربة، الآية: 89، كما قيل، ولذا قيل كان المناسب أن يفسر العظيم بما يستحقر عنده نعيم الجنة، أو الجنة وما فيها، وكأنه فسره بتفسير شامل للوجهين لأنّ ما استحقر عنده الجنة تستحقر عنده الدنيا بالطريق الأولى. قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} ظاهر الآية يقتضي مقاتلة المنافقين، وهم غير مظهرين للكفر، ونحن مأمورون بالظاهر فلذا فسر الآية السلف بما يدفع ذلك بناء على أن الجهاد بذل الجهد في دفع ما لا يرضى سواء كان بالقتال أو بغيره، وهو إن كان حقيقة فظاهر، والا حمل على عموم المجاز فجهاد الكفار بالسيف وجهاد المنافقين لإلزامهم بالحجج وازالة الشبه، ونحوه أو بإقامة الحدود عليهم إذا صدر منهم ما يقتضي ذلك، فقد روي عن الحسن أن المراد بجهاد المنافقين إقامة الحدود عليهم، واستشكل بأنّ إقامتها واجبة على غيرهم أيضاً فلا تختص بهم وأشار في الإحكام إلى دفعه بأنها في زمنه ىجي! أكثر ما صدرت عنهم، وأما القول بأن المنافق عنده بمعنى الفاسق فركيك، ولما لم يره المصنف رحمه الله تفسيراً مستقلا جعله ضميمة، فلا يقال الأولى عطفه بأو. فوله:) في ذلك) الإشارة إلى الجهاد بقسميه وتحابهم من المحاباة والميل وهو مجزوم بحذف آخره، وقوله مصيرهم هو المخصوص بالذمّ. قوله:(روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ ((1 (أخرجه البيهقي في الدلائل عن عروة بن الزبير، والجلاس بضم الجيم والسين المهملة وتخفيف اللام بوزن غراب رجل من الصحابة كان منافقاً وقد حسن إسلامه بعد ذلك، كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (فحلف بالله ما قاله) وتفصيله في الكشاف لكن إسناد الحلف في الآية للجميع مع صدوره عن الجلاس وحده لأنهم رضوا به واتفقوا عليه فهو من إسناد الفعل إلى سببه أو جعل الكل لرضاهم به كأنهم فعلوه كما تقدم إذ لولا رضاهم ما باشره، ولا حاجة إلى عموم المجاز لأنّ الجمع بين الحقيقة والمجاز جاثز في المجاز العقلي، وليى محلا للخلاف، وكذا الكلام في هموا بما لم ينالوا أو لا حاجة إليه لأنهم جماعة من المنافقين ولا يناسب حمله على جماعة جلاس إلا أن

يراد همهم بقتل عامر، وهو الذي بلغ مقالة جلاس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال له أنت شرّ من الحمار كما في الكشاف. قوله:(وأظهروا الكفر بعد إظهار الإسلام) أوّله بالإظهار فيهما لأن كفرهم الباطن كان ثابتا قبله واسلامهم الحقيقيّ لا وجود له، والفتك القتل والضرب على غرة غفلة، والعقبة ما ارتفع من الجبل وتسنمها العلو عليها كما يعلى سنام الإبل، والخطام كالزمام لفظا ومعنى، وإنما أخذ بزمامها لكونه محل مخاطرة لصعوبته، ووقع الإخفاف صوت مشيها وقعقعة السلام صوت حركته، وقوله إليكم اسم فعل بمعنى تنحوا وابعدوا وكرره للتأكيد، وقوله أو اخراجه بالجرّ عطفا على فتك الرسول، وقوله أو بأن يتوّجوا عبد الله أي يجعلوه رئيسا وحاكما عليهم، وكان مترشحاً لذلك قبل قدوم النبيّ لمجوو المدينة، وهو الحامل له على نفاقه لحسده للنبيّ ع! و، وهو معطوف على من فتك بحسب المعنى لأنه بمعنى يفتكوا بالرسول أو العطف على الجار والمجرور فتأمل، وعن السدي أنهم قالوا إذا قدمنا المدينة عقدنا على رأس عبد الله بن أبيّ تاج الرياسة، وجعلناه رئيسا وحكما بيننا، وان لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبيّ لعنه الله:{لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} يعني بالأعز نفسه الذليل عند الله فسمعه ابن أرقم فبلغه النبي لمج! فأنكره، وحلف فنزلت الآية وسياتي تفصيله في سورة المنافقين. قوله:) أنّ خمسة عشر منهم الخ) أخرجه أحمد من حديث أبي الطفيل. قوله: (وما أنكروا أو ما وجدوا ما يورث نقمتهم الخ) النقمة كما قال الراغب: بمعنى الإنكار باللسان والعقوبة فإن أريد الأوّل فظاهر، وإن أريد الثاني

ص: 344

فهو مجاز عن وجدان ما يورث النقمة أي يقتضيها والى ذلك أشار المصنف، وقدّم الأوّل لاستغنائه عن التأويل، وتريب منه تأويله بالإرادة ومحاويج جمع محتاج على غير قياس، والضنك ضيق في المعيشة وقلة الرزق، والعيش ما يتعيش به كالمأكل وغيره، وقدمهم بفتح القاف وكسر الدال المخففة على الحذف والإيصال أي قدم عليهم أو استولى عليهم كقوله تعالى:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ} وأثروا استغنوا من الثراء وهو الغنى والدية عشرة آلاف فزيادة ألفين على عادتهم في الزيادة تكرما وكانوا يسمونها شنقاً بفتح الشين المعجمة، ونون وقاف، وهو ما زاد على الدية والمولى بمعنى القريب أو المعتق

الذي له إرثه وقيل ضمير أغناهم الله للمسلمين أي ما غاظهم إلا إغناء الله للمؤمنين. قوله:) والاستثناء مفرغ الخ) يعني إنّ المعنى ما كرهوا وعابوا شيئأ إلا إغناء الله إياهم فهو مفعول به، أو مفعول له والمفعول محذوف أي ما نقموا الإيمان لأجل شيء إلا لأجل إغناء الله، وهو على حذ قولهم ما لي عندك ذنب إلا أني أحسنت إليك وقوله:

ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إذ غضبوا

وهو متصل على ادعاء دخوله إذ ألاستثناء المفرغ لا يكون منقطعاً، كما مرّ وفيه تهكم وتأكيد الشيء بخلافه. فوله: (هو الذي حمل الجلاس الخ (ضمير هو لما يفهم من الكلام، أي نزول هذا حمله على التوبة بعدما كان يخاف من عدم قبولها فكانت سببا لحسن إسلامه لطفا من الله به، وحمله على كذا أي كان سبباً له والحامل على الشيء سببه، وهو من المجاز المشهور وجعل الضمير للتوب بمعنى التوبة لتذكير الضمير وان كان تأنيث المصادر قد يغتفر، وقوله بالإصرار على النفاق يعني المراد بإعراضهم وتوليهم عن إخلاص الإيمان، والدوام عليه كما في يا أيها الذين آمنوا آمنوا وقد مز تحقيقه، وقوله بالقتل والنار لف ونثر مرتب، والمراد بالقتل أنهم يقتلون إن أظهروا الكفر لأنّ الإصرار مظنة الإظهار فلا ينافي ما مرّ من أنهم لا يقتلون، وإن جهادهم بمعنى إلزام الحجة، وقيل عذاب النار هنا متاعب النفاق أو عذاب القبر أو ما يشاهدونه عند الموت فلا إشكال. قوله تعالى:{وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ}

بن حاطب ويقال ابن أبي حاطب الأنصاري الذي ذكره ابن إسحاق فيمن بنى مسجد الضرار وليس هو ابن عمرو الأنصاري البدري لأنه استشهد بأحد ولأنه مجقيد قال: " لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية ") 1 (ومن كان بهذه المثابة كيف يعقبه الله نفاقا في قلبه فينزل فيه ما نزل فهو غيره كما قال ابن حجر في الإصابة: وإن كان البدري هو المشهور بهذا الاسم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقوله: (لا تطيقه) بتقدير مضاف أي لا تطيق شكره والشكر أداء حقوقه وهذا من معجزاته إذ كان كما قال: وقوله: (كل ذي حق حقه (أي أو في صرف حقوق الله منه إن رزقني، وقوله: (فتمت (أي زادت، والدود بدالين مهملتين معروف وهو إذا حصل في شيء يتضاعف بسرعة وقوله: يا ويح ثعلبة ويح كلمة ترحم لما ناله من فتنة الدنيا، والمنادى محذوف أي يا ناس أو يا زائدة للتنبيه أو المنادى ويح كقوله يا حسرتي كأنه نادى ترحمه عليه ليحضر، وقوله لا يسعه واد أي واد واحد بل أودية ومصدقين بتخفيف الصاد المفتوحة وتشديد الدال المهملة المكسورة، وهم الذين يأخذون الصدقات، وقوله: (فاستقبلهما (وفي نسخة استقبلهم، وباء بصدقاتهم للتعدية أو المصاحبة وكتاب الفرائض أي ما فرض من الزكاة، ومجيء ثعلبة وحثوه التراب ليس للتوبة من نفاقه بل للعار من عدم

ص: 345

قبول زكاته مع المسلمين، وقوله أخت الجزية أي مشابهة لها. قوله:) إن الله منعني أن أقبل منك الخ) الظاهر أنه يوحى له بأنه منافق والصدقة لا تؤخذ منهم، وان لم يقتلوا لعدم الإظهار،

وقوله هذا عملك أي جزاء عملك وما قلته، وقيل المراد بعمله طلبه زيادة رزقه، وهذا إشارة إلى المنع أي هو عاقبة عملك لقوله أمرتك فلم تطعني فإنه أمره بالاقتصار على مقدار يؤذي شكره، وقيل المراد بالعمل عدم إعطائه للمصدقين، ويؤيده أنه وقع في نسخة فلم تعطني بتقديم العين، وقوله فجعل التراب هكذا هو في نسختي بتقديم التراب أي جعل يحثو التراب أو هو من الاشتغال، وقوله منعوا حق الله منه أي من فضله فمن تبعيضية أو من الله فهو صلة المنع وفسر البخل به لأنّ البخل في الشرع منع ما يجب عليه. قوله: (عن طاعة الله (أي في إعطاء الصدقة وضمير عنها لمطلق الطاعة، وهو المناسب للمقام إذ المعنى أن عادتهم الإعراض عن الطاعات فلا ينكر منهم هذا، ولو كان المعنى معرضون عن ذلك لكان تقييد للشيء بنفسه والجملة مستأنفة أو حالية، والاستمرار المقتضى تقدّمه لا ينافي الحالية كما قيل. قوله: (أي فجعل الله عاقبة فعلهم (إشارة إلى أن في الكلام مضافا مقدرا أي أعقب فعلهم، وقوله وسوء اعتقاد عطف تفسير للنفاق وأن المراد سوء العقيدة، والكفر المضمر لأنه الذي في قلوبهم لا إظهار الإسلام واضمار الكفر الذي هو تمام معناه. قوله: (ويجوز أن يكون الضمير للبخل (أي المستتر في أعقب الذي كان في الوجه الأوّل لثه قال النحرير: والظاهر أن الضمير لته لأنه الملائم لسوق النظم سابقاً ولاحقا لئن آتانا ويوم يلقونه، ولأن قوله تعالى:{بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} يأبى كون الضمير للبخل إذ ليس لقولنا أعقبهم البخل نفاقا بسبب إخلاف! الوعد كبير معنى، وإنما اختاره الزمخشري لنزغة اعتزالية من أنه تعالى لا! حي بالنفاق، ولا يخلقه على قاعدة التحسين والتقبيح وما بعده يأباه ولا يتصوّر أن يعلل النفاق بالبخل، أوّلاً ثم يعلله بأمرين غيره بغير عطف ألا ترى إنك لو قلت حملني على إكرام زيد علمه لأجل أنه شجاع جواد كان خلفا حتى تقول حملني على إكرام زيد علمه وشجاعته وجوده كما أفاده بعض المحققين، وقال الإمام: ولأن غاية البخل ترك بعض الواجبات، وهو لا يوجب حصول النفاق الذي هو كفر وجهل في القلب كما في حق كثير من الفساق، ومعنى أعقاب النفاق جعلهم منافقين يقال أعقبت فلانا ندامة أي صيرت عاقبة أمره ذلك، وكون هذا البخل بخصوصه يعقب النفاق، والكفر لما فيه من عدم إطاعة الله ورسوله، وخلف وعده كما قيل لا يقتضي أرجحيته بل صحته، وهي لا تنكر. قوله: (متمكناً في قلوبهم الخ (بيان للمعنى وليس توجيها لفي ولا لكلمة إلى لأنه لو قيل استقز في قلوبهم، أو كائنا في قلوبهم إلى يويم يلقونه لم يكن عليه غبار كما توهم. قوله: (يلقون الله بالموث الخ (لف ونشر مرتب يريد أن الضمير في يلقونه إما لله، والمراد باليوم وقت الموت أو للبخل والمراد يوم القياصة، والمضاف

محذوف وهو الجزاء قيل ولا حاجة إلى أن يراد حينئذ يوم القيامة وكأنه جنح إلى أنّ جزاء أمثال البخل لا يرى إلا في يوم القيامة، وهو ظاهر والمنع عليه غير مسموع، وقوله:) يلقون عمله (أي عمل البخل والمراد جزاؤه، وكان الظاهر عملهم. قوله: (ببب إخلافهم) يعني أنّ ما مصدرية، وجعل خلف الوعد متضمنا للكذب بناء على أنه ليس بخبر حتى يكون تخلفه كذبا بل إنشاء لكنه متضمن للخبر فإذا تخلف كان قبيحا من وجهين الخلف والكذب الضمني، وقوله أو المقال بالجرّ معطوف على الضمير المجرور في قوله كاذبين فيه من غير إعادة الجارّ يعني الكذب إما الكذب في الوعد، أو في المقال مطلقاً فيكون عطفه على خلف الوعد أظهر. قوله:(وقرىء بالتاء على الالتفات) قيل ياً باه قوله: (يعلم سرّهم ونجواهم (وجعله التفاتا آخر تكلف فالظاهر أنّ الخطاب للمؤمنين، وقوله ما أسروه الخ على أن الضمير للمنافقين، وقوله أو العزم على أنه لمن عاهد على اللف، والنشر وكذا قوله وما يتناجون الخ، وقوله فلا يخفى إشارة إلى أنه علة لما قبله وسيق لظهور تعليله له. قوله: (ذمّ مرفوع أو منصوب الخ (أي خبر مبتدأ هم الذين أو مفعول أعني أو أذم الذين أو مجرور بدل من ضمير سرّهم وجوّز أيضا أن يكون مبتدأ خبره سخر الله منهم، وقيل: فيسخرون وعلى ما اختاره المصنف

ص: 346

المراد بالذين يلمزون المنافقون مطلقا لا من قبله حتى يقال يتوقف صحته على أنّ اللأمزين هم الحالفون ودونه خرط القتاد كما قيل وضم ميم يلمزون لغة كما مرّ، والمتطوّعين المعطين تطوّعا. قوله:(روي أئه صلى الله عليه وسلم الخ () 1 (أخرجه أحمد عن عبد الرحمن وابن جرير وابن مردوية عن ابن عباس رضي الله عنهما وقوله:) حث على الصدقة (أي رغبهم وحضهم عليها في خطبة خطبها قبل خروجه إلى غزوة تبوك، ومصالحة إحدى امرأتيه على ما ذكر هي رواية الطبراني والبغوي في المعالم، فله

امرأتان فقط، والذي في الكشاف أنه صولحت تماضر امرأته عن ربع الثمن على ثمانين ألفاً، وعزاه الطيبي للاستيعاب فيكون له أربع زوجات وبين الروايتين بون بعيد، والوسق بفتح فسكون ستون صاعا والصاع ثمانية أرطال وهو كيل معروف وهذه القصة رواها ابن جرير عن ابن إسحاق. قوله:(وجاء أبو عقيل الخ)) 1 (رواه البزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والطبراني وابن مردوية عن أبي عقيل والكل سبب للنزول والجرير حبل تجز به الإبل والمعنى أنه استقى بحبل للناس وأخذ ذلك أجرة عليه، ومفعول أجرّ محذوف أي الدلو، وقيل: هو بالجرير والباء زائدة، وقوله وان كان الله الخ أن هذه مخففة من الثقيلة واللام الداخلة على ما بعدها هي الفارقة بينها وبين النافية، وقوله أن يذكر بنفسه أي أن يذكر الرسول بنفسه، وليست الباء زائدة في المفعول كما قيل. قوله: (1 لا طاتتهم الخ) قرأ الجمهور جهدهم بضم الجيم، وقرأ ابن هرمز وجماعة بالفتح فقيل هما لغتان بمعنى واحد، وقيل: المفتوج بمعنى المشقة والمضموم بمعنى الطاقة قاله القثبيّ، وقيل: المضموم شيء قليل يعاش به والمفتوج العمل والمصنف اختار أنهما بمعنى، وهو طاقتهم وما تبلغه قوّتهم والهزء والسخرية بمعنى. قوله:) جارّاهم على سخريتهم كقوله الله يستهز! ء بهم) في الكشاف سخر الله منهم كقوله: {اللهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} [سورة البقرة، الآية: 5 ا] في إنه خبر غير دعاء ألا ترى إلى قوله ولهم عذاب أليم، يعني إنه خبر بمعنى جازاهم الله على سخريتهم، وعبر به للمشاكلة وليست إنشائية للدعاء عليهم بأن يصيروا ضحكة لأنّ قوله ولهم عذاب أليم جملة خبرية معطوفة عليها فلو كان دعاء لزم عطف الخبرية على الإنشائية، وإنما اختلفا فعلية واسمية لأنّ السخرية في الدنيا وهي

متجدّدة والعذاب الأليم في الآخرة وهو ثابت دائم. قوله: (يريد به التساوي بين الأمرين الخ) يعني هذه الجملة الطلبية خبرية والمراد التسوية بين الاستغفار وعدمه كقوله: {أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [سورة التوبة، الآبة: 53] وقوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} [سورة البقرة، الآية: 6] والمقصود الأخبار بعدم الفائدة في ذلك وأنهم لا يغفر لهم أصلا، وقيل الظاهر أن المراد بمثله التخيير، وهو المروي عنه صلى الله عليه وسلم لما قالي عمر كيف تستغفر لعدوّ الله وقد نهاك الله عنه فقال: ما نهاني، ولكن خيرني فكأنه قال: إن شئت فاستغفر وان شئت فلا تستغفر، ثم أعلمه أنه لا يغفر لهم وان استغفر كثيراً. قيل وليس كما قال لقول النسفي رحمه الله: يبعد أن يفهم منه التخيير ويمنعه عمر رضي الله عنه، وقيل: إنه ناظر إلى ظاهر اللفظ فإنه يدل على الجواز في الجملة، وفي لفظ الترخيص! إشعار بأنهء! كان عالما بحرمة الاستغفار للكافر إلا أنه رخص له في ذلك ليظهر عدمه غاية الظهور مع أن الكلام لا يخلو عن إش! كال، وقيل: لما سوّى الله بين الاستغفار وعدمه، ورتب عليه عدم القبول ولم ينه عنه فهم أنه مخير ومرخص فيه، وهذا مراده صلى الله عليه وسلم لا أنه فهم التخيير من أو حتى ينافي التسوية بينهما المرتب عليها عدم المغفرة، وذلك تطييباً لخاطرهم وأنه لم يأل جهداً في الرأفة بهم، هذا على تقدير أن يكون مراد عمر رضي الله عنه بالنهي ما وقع في هذه الآية لا في قوله:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة! الآية: 113] لعدم مطابقته ل لجواب حينئذ، ثم استشكل استغفاره ع! هـ لابن أبيّ لعنه الله مع تقدم نزول تلك الآية، وتفصى عنه با! النهي ليس للتحريم بل لبيان عدم الفائدة، وهذا كلام واه لأن منعه من الاستغفار للكفار لا يقتضي المنع من الاستغفار لمن ظاهر حاله الإسلام، فالتحقيق أنّ المراد التسوية في عدم الفاندة، وهي لا تنافي التخيير فان ثبت فهو بطريق الاقتضاء لوقوعها بين ضدين لا يجوز تركهما ولا فعلهما فلا بد من أحدهما فقد يكون في الإثبات كقوله تعالى:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} أسورة البقرة، الآية: 6] لأنه مأمور بالتبليغ، وقد يكون في النفي كما هنا

ص: 347

وفي قوله: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} [سورة المنافقون، الآية: 6] الآية فهو محتاج إلى البيان، ولذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:" إنه رخص لي ") 1 (ولعله رخص له في ابن أبيّ لحكمة، وإن لم يترتب عليه فائدة القبول، وأما كلام النسفي رحمه الله فلا وجه له مع ما رواه البخارقي ومسلم وابن ماجه والنسائيّ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مج! هـ قال لعمر رضي الله عنه: " إنما خيرتي الله فقال: استغفر لهم أو لا تستنفر لهم " (2 (فتأمل. قوله:) كما نصر عليه بقوله الخ) هذا وان كان لم يذكر فيه العدم بل

الشق الآخر لكنه يعلم من عدم المغفرة مع الاستغفار عدمها بدونه بالطريق الأولى فلذا جعله مساويا لمعنى التسوية. قوله: (روي أنّ عبد الله بن عبد الله الخ) هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم بمعناه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا رواه ابن ماجه والنسائيّ كما مرّ وهذا هو الصحيح المشهور في سبب النزول، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ سبب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى:{سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سأله اللامزون الاستغفار لهم فنهاه الله عنه، وقيل إنه استغفر لهم فنهى عنه فتشتد مناسبتها لما قبلها ومنه علم اختلاف الرواية في وقوع الاستغفار وعدمه واختار الإمام عدمه، وقال: إنه لا يجوز الاستغفار للكافر فكيف يصدر عنه صلى الله عليه وسلم وردّ بأنه يجوز لأحيائهم بمعنى طلب سببه، وهو توفيقهم للإيمان وإيمانهم، واما أنّ النهي ليس لمعنى ذاتيّ حتى يفيد تحريمه فيجوز لتطييب خاطر أو لحمل الأحياء منهم على الإيمان ونحوه، ففيه نظر وكذا قوله إنّ الاستغفار للمصرّ لا بنفعه لأنه لا قطع بعدم نفعه إلا أن يوحى إليه أنه لا يؤمن كأبي لهب، واما أنّ استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين إغراء لهم على النفاق فضعيف جدا، وكذا قوله إذا لم يستجب الله دعاءه كان نقصاً في منصب النبوّة ممنوع لأنه قد لا يجاب دعاؤه لحكمة كما أشار إليه المصنف رحمه ألله بقوله وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا، وكذا قوله إنه لا فرق في ذلك بين القليل والكثير، وبالجملة فهذه معارضات لا وجه لها مع مقابلة النص فتدبر. قوله:(فنزلت سواء عليهم استنفرت لهم الخ) أورد عليه أنّ سورة براءة آخر ما نزل فكيف تكون هذه الآية نازلة بعدها، وهي من سورة أخرى فإن أجيب بأنه باعتبار أكثرها وصدرها فلا مانع من تأخر نزول بعض الآيات عنها منع بأنّ هذه الآية من سورة المنافقين، وصدرها يقتضي أنها نزلت في غير هذه القصة لأنّ أوّلها:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ} [سورة المنافقون، الآية: 5] لهم الخ وكونها نزلت مرّتين لا يقال بالرأي فالحق أنّ هذا مشكل فتدبر. قوله: (وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام فهم من السبعين الخ) خالف الزمخشرفي في قوله إنه صلى الله عليه وسلم لم يخف عليه ذلك، وهو أفصح الناس وأعرفهم باللسان ولكنه خيل بما قال: إظهارا لغاية رأفته ورحمته على من بعث إليه كقول إبراهيم عليه. الصلاة والسلام: " ومن عصاتي فإنك غفوو رحيم " يعني أنه أوقع في خيال السامع أنه فهم العدد المخصوص دون التكثير فجوّز الإجابة بالزيادة قصدا إلى إظهار الرأفة والرحمة كما جعل إبراهيم صلى الله عليه وسلم جزاء من عصاني أي لم يمتثل أمر ترك عبادة الأصنام قوله: (فإنك غفور رحيم (دون أن يقول شديد العقاب فخيل أنه يرحمهم ويغفر لهم رأفة بهم وحثاً على الاتباع لما قيل إنه بعدما فهم منه التكثير فذكره للتمويه،

والتخييل لا يليق بمقامه وفهم المعنى الحقيقي من لفظ اشتهر مجازه لا ينافي فصاحته، ومعرفته باللسان فإنه لا خطأ فيه، ولا بعد إذ هو الأصل ورجحه عنده شغفه بهدايتهم ورأفته بهم واستعطاف من عداهم فلا بعد فيه كما توهم. قوله:(فبين له أن المراد به التكثير الخ (واستعمال العدد للتكثير كثير، وهو لا يختص بالسبعين لكنه غالب فيها وهو كناية أو مجاز في لازم معناه. قوله: (لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد) فكأنه العدد وبيانه أنّ الستة عند الحساب عدد تامّ، والعدد التاتم عندهم ما ساوى مجموع كسوره المنطقة وما عداه زائد أو ناقص وكسوره سدس، وهو واحد وثلث وهو اثنان ونصف وهو ثلاثة ومجموعها ستة فإذا زيد عليها واحد كانت أتمّ في الكمال، ولذا قال ابن عيسى الربعي السبعة أكمل الاعداد لأنّ الستة أوّل عدد تامّ، وهي مع الواحد سبعة فكانت كاملة إذ ليس بعد التمام سوى الكمال، ولذا سمي الأسد سبعا لكمال قوّته، والسبعون غاية الغاية

ص: 348

إذ الآحاد غايتها العشرات، وقال المصنف رحمه الله في شرح المصابيح السبعة تستعمل في الكثرة يقال سبع الله أجرك أي كثره، وذلك أن السبعة عدد كامل جامع لأنواع العدد كله إذ الأعداد إمّا زوج أو فرد، واما زوج زوج وأما زوج فرد، فالزوج هو الاثنان والفرد هو الثلاثة وزوج الزوج هو الأربعة، وزوج الفرد هو الستة والواحد ليس من الأعداد عندهم لكنه منشأ العدد فالسبعة ستة وواحد فهي مشتملة على جملة أنواع العدد ومنشئها فلهذا استعمل في التكثير اهـ، وقيل إنها جامعة للعدد لأنه ينقسم إلى فرد وزوج وكل منهما إما أوّل، وأما مركب فالفرد الأوّل الثلاثة والمركب الخمسة والزوج الأوّل اثنان، والمركب أربعة وينقسم إلى منطق كأربعة وأصم كستة والسبعة تشمل جميعها فإذا أريد المبالغة جعلت آحادها عشرات ثم عشراتها مئات، وهذه مناسبات ليس البحث فيها من دأب التحصيل.

قوله: (إشارة إلى أنّ اليأص الخ) اليأس ضد الرجاء، والإياس جعله ذا يأس فكان الظاهر الإياس، وقوله لعدم قابليتهم لخلقهم كفاراً والكفر صارف عن المغفرة لأنه يغفر ما عداه، وان كان ذلك ممكنا بالذات كما يشعر به تعبيره بالصمارف، وفسر الفسق بشذة الكفر، وعتوّه ليكون ذكره مع الكفر منتظما. قوله:) وهو كالدليل على الحكم السابق الخ) أي سببية كفرهم لعدم المغفرة لأن المراد به كفر طبعوا عليه، وهو مرض خلقي لا يقبل العلاج، ولا يفيد فيه الإرشاد فالمراد بالهداية الدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل لأنها واقعة فمن قال الدليل هو الآية

السابقة لا هذه فقد وهم. قوله: (والتنبيه على عذر الرسول صلى الله عليه وسلم في استغفاره) وهو مجرور عطف على الدليل وجوّز رفعه بالعطف على محل الجارّ والمجرور، وقد قيل: إنه لا عذر عن الاستغفار الثاني بعد نزول الآية إلا أن يقال بتراخي نزول قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} الخ عن قوله استغفر لهم، وقيل هذا العذر إنما يصح لو كان استغفاره للحيّ كما مرّ عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه نظر، وقوله بعد العلم بموتهم كفارأ أو إعلامه ذلك بالوحي. قوله:(بقعودهم عن النزو خلفه الخ) يعني مقعد مصدر ميمي بمعنى القعود، وخلاف ظرف بمعنى خلف، وبعد كما استعملته العرب بهذا المعنى، وتيل مقعد اسم مكان والمراد به المدينة، وقال المخلفون: ولم يقل المتخلفون لأنه كف منع بعضهم من الخروج فغلب على غيرهم أو المراد من خلفهم كسلهم أو نفاقهم، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم في التخلف، أو لأنّ الشيطان أغراهم بذلك وحملهم عليه كما في الكشاف، واستعمال خلاف بمعنى خلف لأن جهة الخلف خلاف الإمام. قوله:(ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة (فهو مصدر خالف كالقتال فيصح أن يكون حالاً بمعنى مخالفين لرسول الله جمز أو مفعولاً لأجله أي لأجل مخالفته لأن قصدهم ذلك لنفاقهم، ولا حاجة إلى أن يقال قصدهم الاستراحة، ولكن لما آل أمرهم إلى ذلك جعل علة فهي لام العاقبة، وهو علة إما للفرج أو للقعود. قوله:) إيثارا للدعة والخفض (الدعة الراحة، والتنعم بالمآكل والمشارب والخفض بمعناه وكرهوا مقابل فرج مقابلة معنوية لأنّ الفرج بما يحب، وقوله عليها أي الدعة والمهج جمع مهجة وهي هنا بمعنى الأنفس، وإن كان أصل معناه الروج أو القلب أو دمه ووجه التعريض ظاهر، لأن المراد كرهوه لا كالمؤمنين الذين أحبوه والتثبيط التعويق كما مرّ، وقوله: وقد آثرتموها الخ فسر به ليرتبط بما قبله. قوله:) أن مابهم إليها الخ (تقدير لمفعول يفقهون أي لو كانوا يعلمون أن مرجعهم النار، أو لو كانوا يعلمون شدة عذابها لما آثروا راحة زمن قليل على عذاب الأبد وأجهل الناس من صان نفسه عن أمر يسير يوقعه في ورطة عظيمة، وقوله كيف هي تقدير آخر لمفعول يفقهون، أي لو يعلمون أحوالها

وأهوالها، وثوله ما اختاروها إشارة إلى جواب لولا المقدر. قوله:(أخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا الخ) في البحر الظاهر أنّ قوله فليضحكوا قليلاً إشارة إلى مدة عمر الدنيا، وليبكوا كثيرا إشارة إلى مذة الخلود في النار فجاء بلفظ الأمر، ومعناه الخبر فقليلاً على معناه حينئذ، اهـ ولا حاجة إلى حمله على العدم كما ذكره المصنف رحمه الله، وقال ابن عطية إنّ المعنى لما هم عليه من الخطر مع الله وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا، وبكاؤهم من أجل ذلك كثيراً، وهذا يقتضي أن يكون البكاء والضحك في الدنيا كما في

ص: 349

حديث: " لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلاً ") 1 (وقيل المراد بضحكهم فرحهم بمقعدهم، وفليلاً وكثيرا منصوب على المصدريه أي ضحكاً وبكاء قليلاً وكثيراً أو الظرفية، أي زمانا قليلآ وكثيراً وجزاء مفعول له ليبكوا وهو مصدر من المبنيّ للمفعول. قوله: (للدلالة على أنه حتم واجب الأن صيغة الأمر للوجوب في الأصل وأكثر فاستعمل في لازم معناه، ولأنه لا يحتمل الصدق والكذب بخلاف الخبر، فإن قلت الوجوب لا يقتضي الوجود، وقد قالوا إنه يعبر عن الأمر بالخبر للمبالغة لاقتضائه تحقق المأمور به فالخبر آكد وقد مز مثله فما باله عكس هنا، قلت لا منافاة بينهما كما قيل لأن لكل مقام مقالأ، وال! نكت لا تتزاحم فإذا عبر عن الأمر بالخبر لإفادة أن المأمور لشذة امتثاله كأنه وقع منه ذلك وتحقق قبل الأمر كان أبلغ وإذا عبر عن الخبر بالأمر كأنه لإفادة لزومه، ووجوبه فكأنه مأمور به أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى وأما كون الأمر هنا تكويني فركيك جذآ ولا يمنع منه كونه مستقبلاً كما قيل، اً لا ترى قوله إذا أراد شيئآ أن يقول له كن فيكون فتدبر. قوله:) والمراد من القلة العدم (تقدم أنه لا حاجة إليه وأما ما قيل إنه اعتبرهما في الآخرة، ولا سرور فيها فلا دلالة في كلامه عليه، وان كان هو صحيحأ في نفسه. قوله:) رذك إلى المدينة (إشارة إلى أن رجع يكون متعذيا بمعنى رذ كما هنا، ومصدره الرجع وقد يكون لازماً ومصدره الرجوع، وأوثر استعمال المتعذي، وإن كان اللزوم أكثر إشارة إلى أن ذلك السفر لما فيه من الخطر يحتاج لتأييد الهيئ، ولذا أوثرت كلمة إن على إذا، وقوله: أو من بقي منهم لأن منهم من مات فضمير منهم على الأوّل للمتخلفين، وعلى الثاني للمنافقين، وقوله:) فكان المتخلفون (لأحسن للفاء هنا لأنه ليس من مواقعها وما وقع في نسخة

موافقيهم بدل منافقيهم من غلط الناسخ، وما قيل إن المراد بمن بقي من بقي على نفاقه، ولم يتب مما لا وجه له وذكر لذكر طائفة نكتة أخرى، وهي أن من المنافقين من تخلف لعذر صحيح، وهو بعيد فلذا تركه المصنف رحمه الله تعالى. قوله تعالى:{لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا} الآية ذكر القتال لأنه المقصود من الخروج فلو اقتصر على أحدهما كفى إسقاطا لهم عن مقام الصحبة، ومقام الجهاد أو عن ديوان الغزاة وديوان المجاهدين، وإظهار الكراهة صحبتهم، وعدم الحاجة إلى عدهم من الجند، أو ذكر الثاني للتأكيد لأنه أصرح في المراد، والأوّل لمطابقته لسؤاله كقوله:

أقول له ارحل لا تقيمت عندنا

فهو أدذ على الكراهة لهم، وقوله: للمبالغة تقدم تقريره ودفع ما يرد عليه، وقوله تعليل

له أي لنهيهم يعني أنه جملة مستأنفة في جواب سؤال مقدر، وقوله على تخلفهم أي من غير عذر صحيح منهم واللياقة مصدر لاق بمعنى تعلق، وهو مجاز عن المناسبة. قوله:(وأوّل مرّة هي الخرجة الخ) إشارة إلى أنها منصوبة على المصدرية والمعنى أوّل مرّة من الخروج، وقيل: إنها جمنصوبة على الظرفية الزمانية واستبعده أبو حيان رحمه الله وفي الكشاف إنه لم يقل أوّل المرّات لأن أكثر في المضاف عدم المطابقة، وتفصيله في شرح السعد. قوله:(المتخلفين الخ) مع الخالفين متعلق باقعدوا أو بمحذوف على أنه حال والخالف المتخلف بعد القوم وقيل إنه من خلف بمعنى فسد ومنه خلوف فم الصائم لتغير رائحته، والمراد النساء والصبيان والرجال العاجزون وجمع هكذا تغليبا، وقرأ عكرمة الخلفين بوزن حذرين وجعلوه مقصوراً من الخالفين إذ لم يثبت استعماله كذلك على أنه صفة مشبهة كذا قيل، وفيه نظر. قوله:) روي أن ابن أبن الخ)) 1 (أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، والباسه العباس رضي الله عنه قميصه حين أسر ببدر أخرجه البخاري عن جابر) 2 رضي الله عنهما، وقوله:(الذي يلي جسده) تفسير للشعار بالكسر لأنّ معناه ما يلي الجسد من الثياب

".

لمماسته الشعر، وقوله:(وذهب ليصلي عليه فنزلت) وقيل إن عمر رضي الله عنه حال بينه وبينه، وهي إحدى موافقاته للوحي، وقيل: إنّ جبريل عليه الصلاة

ص: 350

والسلام أمسك ثوبه وهذا كله على أنه لم يصل عليه والرواية فيه مختلفة، وقوله:(الضنة) بالكسر أي البخل والمنع بعدما سأله وإلباسه العباس رضي الله عنه سببه أنه كان رضي الله عنه طويلاً جسيماً فلم يحضر ثوب بقدر قامته غير ثوب ابن أبن، وقيل: إنه ظن أنه حسن إسلامه، فلذا كفنه وأراد الصلاة عليه، ثم أخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بأنه مات على كفره. قوله:(والمراد من الصلاة الدعاء الخ) يعني أن المراد بالصلاة عليه صلاة الميت المعروفة، وإنما منع منها عليه لأنّ صلاة الميت دعاء، واستغفار واستشفاع له، وقد منع من الدعاء لميتهم فيما تقدم في هذه السووة، وفي قوله:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة، الآية: 113] ولم يرد أنّ الصلاة هنا بمعناها اللغوي وهو الدعاء كما توهم. قوله: (ولذلك رتب الخ) أي علله بموته على الكفر لأنه حينئذ لا يجوز الاستغفار له فلا يجوز أن يصلى عليه. قوله: (مات أبدا يعني الموت على الكفر الخ (جعل أبداً ظرفا متعلقا بقوله مات، والذي ذكره غيره أنه متعلق بالنهي، وهو الظاهر وما ارتكبه المصنف رحمه الله أمر لا داعي إليه سوى أنه رآه وجهاً صحيحاً ونظرا خفياً فعدل إليه اعتمادا على أنّ الآخر طريقة مسلوكة، واضحة لا حاجة لذكرها، وأما من حاول توجيهه بأنه حمل الموت الأبدي على الموت على الكفر لأنّ المسلم يبعث ويحيا والكافر وإن بعث لكنه للتعذيب فكأنه لم يحيى، فهو كناية عن الموت على الكفر فلذا جعل أبدا منصوبا بمات دون لا تصل لأنه لو جعل منصوبا به لزم أن لا تجوز الصلاة على من تاب منهم، ومات على الإيمان مع أنه لا حاجة للنهي عن الصلاة عليهم إلى قيد التأبيد، فقد أخطأ ولم يشعر بأنّ منهم حالاً من الضمير في مات أي مات حال كونه منهم أي متصفاً بصفتهم، وهي النفاق كقولهم أنت مني يعني على طريقتي، وصفتي كما صرحوا به مع أنّ ما ذكره كيف يتوهم مع قوله: {إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} ومات ماض باعتباو سبب النزول وزمان النهي، ولا ينافي عمومه وشموله لمن سيموت، وقيل إنه بمعنى المستقبل وعبر به لتحققه وقوله لم يحى مضارع من الحياة ضد الموت. قوله: (ولا تقف عند قبوه الخ) القبر مكان وضع الميت وبكون بمعنى الدفن وقد جوّز هنا هذا أيضا، وقوله تعليل للنهي جملة

مستأنفة لذلك، وقوله أو لتأبيد الموت بناء على تفسيره وقد عرفت ما فيه. قوله:(تكرير للتثيد والأمر حقيق به الخ) حيث مرّت في هذه السورة مع تغاير في بعض ألفاظها، وقوله:) والآمر حقيق به) أي بالتأكيد بالتكرير لعموم البلوى بمحبتها والإعجاب بها، وقوله طامحة بمعنى مرتفعة وملتفتة إليها، والمراد تعلق المحبة بها، وقوله مغتبطة أي حريصة وأصل الغبطة طلب مثل ما لغيرك بدون تمني زواله وقد تقدم قوله فلا تعجبك بلفظه لكنه بعيد. قوله:(ويجوز أن تكون هذه في فريق غير الأوّل) قال الفارسيّ: ليست للتأكيد لأنّ تيك في قوم وهذه في آخرين وقد تغاير نطقهما فهنا ولا بالواو ولمناسبة عطف نهي على نهي قبله في قوله:) ولا تصل) الخ فناسب الواو، وهناك بالفاء لمناسبة التعقيب لقوله قبله:{وَلَا يُنفِقُونَ إِلَاّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [سورة التوبة، الآية: 54] أي للإنفاق فهم معجبون بكثرة الأموال والأولاد فنهى عن الإعجاب المتعقب له، وهنا وأولادهم دون لا لأنه نهى عن الإعجاب بهما مجتمعين، وهناك بزيادة لا لأنه نهى عن كل واحد واحد فدل مجموع الآيتين على النهي عن الإعجاب بهما مجتمعين ومنفردين، وهنا أن يعذبهم وهناك ليعذبهم بلام التعليل وحذف المفعول أي إنما يريد اختبارهم بالأموال والأولاد وهنا المراد التعذيب فقد اختلف متعلق الإرادة فيهما ظاهراً، وهناك في الحياة الدنيا وهنا في الدنيا تنبيها على أن حياتهم كلا حياة فيها، وناسب ذكرها بعد الموت فكأنهم أموات أبداً، ومنه تعلم أنه يصح في التأبيد معنى آخر. قوله:(ويجوز أن يراد بها بعضها) بطريق التجوّز بإطلاق الجزء على الكل لا بطريق الاشتراك كإطلاق القرآن على ما يشمل الكل والبعض كما يوهمه كلام الكشاف، وان قيل إنّ هذا مراده أيضا، والمراد بالسورة سورة معينة وهي براءة أو كل سورة ذكر فيها الإيمان والجهاد وهذا أولى وأفيد لأن استئذانهم عند نزول آيات براءة علم مما مرّ، وقد قيل إن إذا تفيد التكرار بقرينة المقام لا بالوضع وفيه كلام مبسوط في محله. قوله:) بأن آمنوا بالله ويجورّ أن تكون أن مفسرة (يعني أن مصدرية وقبلها حرف جرّ مقدر، ويجوز أن تكون مفسرة لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه، قيل والمصدرية تناسب إرادة السورة بتمامها والتفسيرية تناسب بعضها ففيه لف ونشر والخطاب للمنافقين، وأما التعميم أو إرادة المؤمنين بمعنى دوموا عليه فلا يناسب المقام ويحتاج فيه ارتباط الشرط، والجزاء إلى تكلف ما لا حاجة إليه، وفي توله استأذنك التفات، وقال النحرير:

ص: 351

القرآن والكتاب كما وضعا للكل وضعا للمفهوم الكلي الصادق على الكل والبعض، وأما السورة فليست إلا اسماً للمجموع فإطلاقها على البعض مجاز محض. قوله:(ذوو الفضل والسعة) خصهم لأنهم المذمومون، وهم من له قدرة مالية ويعلم منه البينة أيضا بالقياس فهو

الملوم لا غيره كما يدل عليه قوله عقبه الذين قعدوا لعذر وهو شامل للرجال والنساء ففيه تغليب، وخص النساء بعده للذم. قوله: (جمع خالفة (بمعنى المرأة لتخلفها عن أعمال الرجال، والمراد ذمّهم والحاقهم بالنساء كما قال:

كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول

والخالفة تكون بمعنى من لا خير فيه، والتاء فيه للنقل للاسمية فإن أريد هنا فالمقصود

من لا فائدة فيه للجهاد وجمع على فواعل على الوجهين أما الأوّل فظاهر، وأما الثاني فلتأنيث لفظه لأن فاعلا لا يجمع على فواعل في العقلاء الذكور إلا شذوذاً كنواكس، وقوله:(ما في الجهاد) مأخوذ من المقام وقوله: {لَكِنِ الرَّسُولُ} استدراك لما فهم من الكلام، وقوله:(إن تخلف) الخ فهو كقوله: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 189 وقوله فقد جاهد تقدير دليل الجواب أي فلا ضحير لأنه قد جاهد الخ. قوله: (منافع الدارلن الخ (مأخوذ من عموم اللفظ واطلاقه، وقوله وقيل الحور معطوف على منافع الدارين لا على الجنة، وقوله لقوله تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ} [سورة الرحمن، الآية: 70] فإنها بمعنى الحور فيحمل هذا عليه أيضاً، وقوله:) وهي جمع خيرة) أي بسكون الياء مخفف خيرة المشذد تأنيث خير، وهو الفاضل من كل شيء المستحسن منه، وقوله:) بيان لما لهم من الخيرات الأخروية) قيل فلو خص ما قبله بمنافع الدنيا بدليل المقابلة لم يبعد. قوله: (أسداً وغطفان (هما قبيلتان من العرب معروفتان، والجهد المشقة التي تلحقهم بمفارقة الأهل والمعذرون فيه قراءتان مشهورتان التشديد والتخفيف، والمشددة لها تفسيران:

أحدهما: من عذر بمعنى قصر وتكلف العذر فعذره باطل كاذب.

والثاني: من اعتذر وهو محتمل لأن يكون عذره باطلا وحقا، وأما التخفيف فهي من

أعذر إذا كان له عذر وهم صادقون على هذا، وإليه يثير قوله موهما الخ لأنه من التكلف، وقوله:(مهد العذر) أي بينه محتمل للوجهين كما عرفت ووجه الإدغام ظاهر وكسر العين لاك فاء الساكنين بأن تحذف حركة التاء للإدغام فيلتقي ساكنان، وتحرك العين بالكسر وضم العين لاتباع الميم وهو ثقيل لم يقرأ به، وقوله:(إذا اجتهد في العذر (إشارة لصدقه. قوله: (وقرئ المعذرون بتشديد العبن والذال الخ) فهو من تعذر كادّثر من تدثر والتفعيل بمعنى الافتعال فيحتمل الصدق والكذب أيضاً وهذه القراءة نسبت لمسلمة، وليست من السبعة كما توهم، ولذا قال أبو حيان رحمه الله هذه القراءة إما غلط من القارئ أو عليه لأنّ التاء لا يجوز إدغامها في العين لتضادّهما وأما تنزيل التضاد منزلة التناسب فلم يقله أحد من النحاة ولا القراء، فالاشتغال بمثله عبث، وقول المصنف رحمه الله كالزمخشري إنها لحن أي لعدم ثبوتها فلا يقال إنها قراءة فكيف تكون لحناً. قوله:(وقد اختلف في أنهم كانوا معتذرين بالتصنع (أي بالباطل واظهار ما ليس واقعاً بتكلف صنعه، وقد علمت سبب الاختلاف، وأما تعين الصحة لأنّ قراءة التخفيف تعينه والتشديد تحتمله فتحمل عليها لئلا يكون بين القراءتين تناف فدفع بأنّ المعتذرين كانوا صنفين محقا ومبطلاً فلا تعارض بينهما كما قيل وقوله: (فيكون الخ) تفريع على الصحة بأن الذين كذبوا منافقون كاذبون، والمعتذرون مؤمنون لهم عذر في التخلف وكذبهم بادعاء الإيمان، وعلى الأوّل كذبهم بالاعتذار والتصنع والقعود على الوجهين مختلف. قوله:(من الإعراب أو من المعذرين الخ) أي من الإعراب مطلقاً فالذين كفروا منهم منافقوهم أو أعم، وقوله من اعتذر لكسله توجيه لمن التبعيضية ولا ينافي استحقاق من تخلف لكسل العذاب لعدم قولنا بالمفهوم، والمصنف رحمه الله قائل به فلذا فسر العذاب بمجموع القتل والنار لأنّ الأوّل منتف في المؤمن المتخلف للكسل، وقيل المراد بالذين كفروا منهم المصرّون على الكفر. قوله:(كالهرمي والزمني) جمع هرم، وهو الضعيف من كبر السن، وزمن وهو المقعد وفيه لف ونشر، وأشار إلى

ص: 352

شمول المرض لما لا يزول كالعمى والعرج، وان الضعف شامل للخلقي والعرضي وجهينة وما بعده أسماء قبائل، والحرج أصل معناه الضيق، ثم استعمل للذنب وهو المراد. قوله:(بالإيمان والطاعة في السر والعلانية الخ) معنى نصح لله

ورسوله مستعار للإيمان والطاعة ظاهراً وباطنا كما يفعله الموالي بضم الميم كالمصافي لفظاً ومعنى، وفي قوله كما إشارة إلى أنه استعارة أو المراد بالنصح لله ورسوله بذل الجهد لنفع الإسلام والمسلمين فإذا تخلفوا تعهدوا أمورهم وأهلهم، وأوصلوا لهم خبر من غاب عنهم لا كالمنافقين الذين تخلفوا وأشاعوا الأراجيف لأنّ هذه الأمور إعانة على الجهاد، وقوله يعود على الإسلام فيه لقولاً وفعلاً أي له عائدة ونفع للإسلام وأهله. قوله:(أي ليس عليهم جناح الخ) من مزيدة وليس على محسن سبيل كلام جار مجرى المثل، وهو إما عام ويدخل فيه من ذكر أو مخصوص بهؤلاء فالإحسان النصح لله والرسول، والإثم المنفي إثم التخلف، فيكون تأكيداً لما قبله بعينه على أبلغ وجه وألطف سبك، وهو من بليغ الكلام لأنّ معناه لا سبيل لعاتب عليه أي لا يمرّ به العاتب ويجوز في أرضه فما أبعد العتاب عنه فتفطن للبلاغة القرآنية كماقيل:

سقيا لأيامنا التي سلفت إذلايمرّالعذول في بلدي

وكلام المصنف يحتمل أن يكون قوله ليس عليهم جناح إعادة لمعنى ليس عليهم حرج، وقوله ولا إلى معاتبتهم سبيل بيان لهذا وإشارة إلى ترتبه عليه أي لا حرج عليهم فهم لا يعاتبون، ووضع المحسنين موضع الضمير بناء على الوجه الثاني، والتخصيص في قوله لهم إشارة إلى أنّ كل أحد عاجز محتاج للمغفرة والرحمة إذ الإنسان لا يخلو من تفريط ما فلا يقال إنه نفى عنهم الإثم أوّلاً فما الاحتياج إلى المغفرة المقتضية للذنب، فإن أريد ما تقدم من ذنوبهم دخلوا بذلك الاعتبار في المسيء، وقوله فكيف للمحسن في نسخة للمحسنين بصيغة الجمع. توله:(عطف على الضعفاء الخ) هو على الثاني من عطف الخاص على العامّ اعتناء بهم وجعلهم كأنهم لتميزهم جنس آخر وعلى الأوّل فإن أريد بالذين لا يجدون الخ الفقير المعدم للزاد، والمركب وغيره وهؤلاء واجدون لما عدا المركب تغايرا، وهو ظاهر كلام المصنف والنظم وان أريد بمن لا يجد النفقة من عدم شيئا لا يطيق السفر لفقده كان هذا من عطف الخاص على العام أيضا والأوّل أولى. قوله:(البكاؤون) (1 (جمع بكاء بصيغة المبالغة، وهم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم لم يكن لهم قدرة على ما يركبون للغزو مع النبيّ صلى الله عليه وسلم

طلبوا منه ذلك، فلما أجابهم بكوا وحزنوا حزناً شديدا فاشتهروا بهذا وتفصيلهم في سيرة ابن هشام رحمه الله، وعلبة بن زيد بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الباء الموحدة كذا ضبطوه، وهو صحابي مشهور رضي الله عنه وفي أسمائهم وعددهم اختلاف والمعروف أنهم طلبوا ما يركبون وهو معنى قوله فأحملنا فقوله الخفاف جمع خف، وهو في الجمل كالقدم في الإنسان ويطلق عليه نفسه كما يقال ماله خف ولا حافر والمرقوعة التي يشد على خفها جلد إذا أضر بها المشي، والنعال جمع نعل والخصف خياطة النعل، وهذا تجوّز عن ذي الخف والحافر فكأنهم قالوا احملنا على كل شيء مما تيسر أو المراد احملنا ولو على نعالنا وأخفافنا مبالغة في المناعة، ومحبة للذهاب معه. قوله:(هم بنو مقرّن) بكسر الراء المهملة المشذدة كمحدّث، وهم سبعة أخوة كلهم صحبوا النبيّ ع! ي! قال القرطبي رحمه الله: وليس في الصحابة سبعة أخوة غيرهم، وهذا القول عليه أكثر المفسرين وخص المصنف رحمه الله منهم ثلاثة بالمجيء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو قول مجاهد وأبو موسى هو الأشعري رضي الله عنه وأصحابه من أهل اليمن. قوله:(حال من الكاف في أتوك بإضمار قد) فيه وجوه من الأعراب منها أنه على حذف حرف العطف أي وتلت أو فقلت، وقيل قلت: هو الجواب وتولوا مستأنف جواب سؤال مقدر وهو أحسن مما اختاره المصنف رحمه الله وأما العكس بأن يكون تولوا جوابا وهذه مستأنفة في جواب سؤال مقدّر كما في الكشاف فبعيد والمصنف رحمه الله اختار أنّ الأولى حاًل والجواب ما بعده، وزمان الإتيان يعتبر واسعا كيومه وشهره

ص: 353

فيكون مع التولي في زمان واحد أو يكفي تسببه له، وإن اختلف زمانهما كما ذكره الرضي في قولك إذا جئتني اليوم أكرمتك غداً أي كان مجيئك سببا لإكرامك غدا.

قوله: (أي دمعها فإن من للبيان الخ) أي يفيض دمعها فهو إشارة إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل، وقال أبو حيان: لا يجوز كون محل من الدمع نصبا على التمييز لأنّ التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بمن وأيضا فإنها معرفة ولا يجيز كونها تمييزا إلا الكوفيون، وقيل: إنه قفي إجازة الكوفيين وأمّا الأوّل فمنقوض بقولهم عز من قائل ونحوه وهذا وارد بحسب الظاهر وإن كان ما ذكره أبو حيان صرّج به غيره من النحاة فقالوا: لا يجوز جره إلا في باب نعم وحبذا، ومن على كلامه بيانية لا تجريدية، وقيل أصل الكلام أعينهم يفيض دمعها، ثم أعينهم تفيض دمعاً وهو أبلغ الإسناد الفعل إلى غير الفاعل وجعله تمييزاً سلوكا لطريق التبيين بعد الإبهام

ولأنّ العبن نفسها جعلت كأنها دمع فائض، ثم أعينهم تفيض من الدمع أبلغ من أعينهم تفيض دمعا بواسطة من التجريدية فإنه جعل أعينهم فائضة، ثم جرد الأعين الفائضة من الدمع باعتبار الفيض، وقد تابعه غيره على هذا ورد بأن من هنا للبيان لما أبهم مما قد يبين بمجزد التمييز لأنّ معنى تفيض العين يفيض شيء من أشياء العين كما أنّ معنى قولك طاب زيد طاب شيء من أشياء زيد، والتمييز رفع إبهام ذلك الشيء فكذا من الدمع كما تبين كاف الخطاب في نحو قول المتنبي:

فديناك من ربع وان زدتنا كربا

وإذا كان من الدمع قائما مقام دمعاً كان في محل النصب على التمييز، وأما حديث التجريد فلم يصدر عمن له معرفة بأساليب الكلام، ومرّ في المائدة أنّ الفيض انصباب عن امتلاء فوضع موضع الامتلاء للمبالغة أو جعلت أعينهم من فرط البكاء كأنها تفيض بأنفلها يعني أن الفيض مجاز عن الامتلاء بعلاقة السببية، فإن الثاني سبب للأوّل فالمجاز في المسند، والدمع هو ذلك الماء المخصوص أو الفيض على حقيقته، والتجوّز في إسناده إلى العين للمبالغة كجري النهر إذ الدمع مصدر دمعت العين دمعا ومن للأجل، والسببية وتحقيقه مرّ في المائدة. قوله:(حزناً نصب على العلة الخ (إن قيل فاعل الفيض مغاير لفاعل الحزن فكيف سبب قيل إن الحزن والسرور يسند إلى العين أيضا يقال سخنت وقرّت عينه، وأيضاً إنه نظر إلى المعنى إذ محصله تولوا وهم يبكون. قوله: (أو الحال (بمعنى حزينة والفعل المدلول عليه يحزنون حزنا، وقوله: (ولئلا) بتقدير الجارّ قبله وتعلقه بحزنا إن لم يكن مصدر فعل مقدر لأنّ المصدر المؤكد لا يعمل، وقد جوّز تعلقه به أيضا فيكون على جميع التقادير وتعلقه بتفيض قيل إنه على الأخيرين لأنه لا يكون لفعل واحد مفعولان لأجله وإبداله خلاف الظاهر، ثم إن هذا بحسب الظاهر يؤيد كونه مندرجا تحت قوله:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} ومغزاهم أي محل غزوهم أو مقصدهم وسبيلهم، وقوله إنما السبيل بالمعاتبة لم يفسرد بالإثم كما مرّ ولو ضمه إليه كان أحسن، وقيل قيده به ليصح الحصر، ولذا قيل إنها للمبالغة وفيه نظر. قوله: (واجدون للأهبة (أي عدّة السفر ولوازمه وقيده به لخروج البكائين لأنهم أغنياء لكن لا أهبة لهم كما مرّ، وقوله: (استئناف (أي جواب سؤال تقديره لم استأذنوا أو لم استحقوا للمعاتبة،

ووخامة العاقبة سوءها وأصل الوخامة كثرة المرض، وقوله لا يعلمون مغبته بفتح الغين المعجمة العاقبة كالغب أيضا أي عاقبة رضاهم بالقعود، وقوله لأنه الضمير للشأن وأعلم إنّ قولهم لا سبيل عليه، معناه لا حرج ولا عتاب وإنه بمعنى لا عاتب يمرّ عليه فضلا عن العتاب وإذا تعدّى! الى كقوله:

ألاليت شعري هل إلى أئم سالم سبيل فأنا الصبرعنها فلا صبر

فبمعنى الوصول كما قال:

هل من سبيل إلى خمرفأشربها أم من سبيل إلى نصربن حجاج

ونحوه فتنبه لمواطن استعماله فإنه من مهمات الفصاحة. قوله: (لآنه لن نؤمن الخ) يعني

قوله لن نؤمن لكم استئناف لبيان موجب لا تعتذروا، وكذا قوله قد نبأنا الله استئناف آخر لبيان موجب لن نؤمن لكم كأنه قيل لا تعتذروا فقيل لم لا نعتذر فقيل لأنا لن نؤمن لكم أي نصدقكم في عذركم فقيل

ص: 354

لِمَ لَمْ تؤمنوا لنا فقيل لأنّ الله قد نبأ بما في ضمائركم من الشرّ، وتعدبه نؤمن باللام مرّ بيانها. قوله:(أعلمنا بالوحي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بعض أخباركم الخ (نبأ يتعدى إلى مفعولين، ويتعدى إلى ثلاثة كاعلم في المعنى والعمل، وقد ذهب هنا إلى كل منهما طائفة والمصنف رحمه الله اختار أنها متعدية إلى اثنين الأوّل الضمير والثاني من إخباركم أما لأنه صفة المفعول الثاني، والتقدير جملة من أخباركم أو هو من أخباركم لأنه بمعنى بعض أخباركم، وليست من زائدة على مذهب الأخفش، وليس نبأ متعديا لثلاثة ومن إخباركم ساد مسد مفعوليه لأنه بمعنى أنكم كذا وكذا كما قيل لبعده، ولا الثالث محذوف لمنعه عندهم أو ضعفه، ولذا قيل لو قال عرفنا كان أظهر. قوله: (أتنيبون عن الكفر الخ) يشير إلى أنّ رأي علمية وأنه ذكر أحد مفعوليه وتقدير الثاني أتنيبون عن الكفر أي ترجعون من الإنابة أم تثبتون عليه، والمعنى سيعلم الله عملكم من الإنابة عن الكفر أو الثبات عليه علما يتعلق به الجزاء ولش! من التعليق، وبين قوله أتنيبون بنون وباء موحدة وتثبتون بمثلثة وموحدة ومثناة تجنيس خطي، وقوله:(فكأنه استتابة وإمهال للتوبة) لأنّ السين للتنفيس ففيه إشارة لما ذكر وقوله فوضع الوصف الخ يعني وضع عالم الغيب والشهادة موضع ضميره عر وجل ليدل على التهديد، والوعيد وانه تعالى مطلع على سرّهم وعلنهم لا يفوت عن علمه شيء من ضمائرهم وأعمالهم فيجازيهم على حسب ذلك. قوله:(بالتوييخ والعقاب عليه) يعني إعلامهم به وذكره لهم للتوبيخ أو المراد أن

الوقوع في جزائه كأنه إعلام لهم بما فعلوا وقوله فلا تعاتبوهم منصوب معطوف على تعرضوا، وليس بنهي يعني المراد من حلفهم أن تعرضحوا عن معاتبتهم على ما فرط منهم، وقوله:) ولا توبخوهم (نهي لهم عن لومهم وتقريعهم لعدم نفعه ولذا علله بقوله إنهم رجس يعني إنهم يتركون ويجتنب عنهم كما تجتنب النجاسة، وهم طلبوا إعراضى صفح فأعطوا إعراض مقت، وأمّا إنّ الإعراض في قوله لتعرضوا بتقدير للحذر عن أن تعرضوا على أنه إعراض مقت أيضاً فتكلف، والتأنيث اللوم وأنبه بمعنى لامه، وقوله بالحمل على الإنابة أي التوبة إشارة إلى معنى آخر في إطلاقه على اللوم، وهو أنه حامل على التوبة وبين بعدم نفعه أنه بيان لسبب الإعراض! وترك المعاتبة. قوله: (من تمام التعليل) فالعلة نجاسة جبلتهم التي لا يمكن تطهيرها لكونهم من أهل النار في التقدير:

فاللوم يغريهم ولا يجديهم والكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل

فاتركوا ما لا يفيد، ولذا لم يعطف قوله من أهل النار في التفسير، وقوله لا ينفع فيهم التوبيخ في الدنيا والآخرة يقتضي أنهم لا يوبخون مطلقا بل إن التوبيخ ووقوعه في الآخرة ليس لنفعهم بل لتعذيبهم وتحقيرهم فلا يرد أنه ينافي ما سبق في قوله:{فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بالتوبيخ فالأولى ترك ذكر الآخرة إذ ليس الكلام في التوبيخ الأخروي، وان أجيب عنه بأن في الدنيا ليس متعلقا بقوله بالتوبيخ بل بقوله لا ينفع فتدبر. قوله:(أو تعليل ثان والمعنى الخ) فعلل ترك التوبيخ بعلتين إحداهما أنه لا فائدة فيه فلا ينبغي الاشتغال به، وبأنه إن كان لتنكيلهم فيكفي ما لهم في الآخرة نكالاً، وقوله كفتهم عتابا على حد قولهم عتابك السيف ووعظك الصفع، وقوله فلا تتكلفوا عتابهم إشارة إلى كونه علة مستقلة، وجزاء مصدر لفعل تقديره يجزون ذلك، وقيل لمضمون ما قبله فإنه في معناه فهو مفعول مطلق أو مفعول له أو حال من الخبر عند من جوزه. قوله:(فإن رضاكم لا يستلزم رضا الله الخ) يعني أنه نهى للمسلمين عن أن يرضوا عنهم مع أنّ الله لا يرضى عنهم فكان إرادتهم مخالفة لإرادة الله، وذلك غير جائز قيل فقوله ورضاكم وحدكم لا ينفعهم ليس على ما ينبغي لأنّ رضاكم وحدكم لا يجوز فليس لعدم النفع معنى، وأجيب عنه بأنّ المراد إن رضاكم وحدكم على تقدير تحققه لا ينفعهم فلا مؤاخذة عليه ومراده بيان ارتباط الجزاء بالشرط لأنّ عدم رضا الله عنهم ثابت قبل ذلك أي أن

ترضوا عنهم لا ينتج رضاكم لهم شيئا. قوله: (وإن امكنهم أن يلبسوا الخ) أي إن لبسوا عليكم حتى أرضوكم فهم لا يلبسون على الله حتى يرضى عنهم فلا يهتك أستارهم، ويهينهم فالمقصود على الأوّل إثبات الرضا لهم ونفيه عن الله، وعلى الثاني إثبات مسببه ونفيه فيكون قوله ترضوا كناية عن تلبيسهم على المؤمنين بالإيمان الكاذبة. قوله: (والمقصود

ص: 355

من الآية الخ) أي على الوجهين، وقوله بعد الأمر بالإعراض لا ينافي ما مرّ من قوله ولا توبخوهم كما توهم. قوله:(أهل البدو الخ) العرب هذا الجيل المعروف مطلقا والإعراب سكان البادية منهم فهو أعم وفيل العرب سكان المدن والقرى، والأعراب سكان البادية من العرب أو مواليهم فهما متباينان ويفرق بين جمعه وواحده بالياء فيهما، والنسبة إلى البدو بدوي بالتحريك والحضر بفتحتين خلاف البادية، وقوله لتوحشهم أي لبعدهم عن الناس وانفرادهم في البوادي، وقساوتهم أي قساوة قلوبهم لعدم استماع الذكر والمواعظ، وقوله:(بأن لا يعلموا (إشارة إلى تقدير الجار الذي يتعدى به أجدر وأعلم ونحوه. قوله:) فرائضها وسننها (أدخل السنن في حدود الله تغليبا لأنّ الحدود تخص! الفرائض أو الأوامر والنواهي لقوله تلك حدود الله فلا تعتدوها وتلك حدود الله فلا تقربوها، وتيل المراد بها هنا بقرينة المقام وعيده على مخالفة الرسولءلج! هـ في الجهاد، وقيل مقادير التكاليف، وأهل الوبر البادية لأنّ بيوتهم من وبر وشعر وأهل المدر وهو الطين الحاضرة لأنهم أهل البناء، وقوله: (يعدّ (بفتح المثناة التحتية وكسر العين المهملة وتشديد الدال المهملة تفسير ليتخذه مغرماً أي يعده ويصيره، وفسر النفقة بالصرف في سبيل الله والصدقة بقرينة المقام، والمغرم الخسران بإعطاء ما لا يلزمه من الغرام وهو الهلاك، وقيل أصل معناه الملازمة وقوله: (لا يحتسبه قربة (أي لا يتقرب به لله وأجره ولا يرجو عليه ثوابا لعدم إيمانه بالله واليوم الآخر، وقوله رياء أو تقية أي خوفا وفي نسخة وتقية. قوله: (دوائر الزمان ونوبه الخ (تفسير للدوائر لأنها جمع دائرة وهي النكبة والمصيبة التي تحيط بالمرء ونوب جمع نوبة وهو كالنائبة ما ينوب الإنسان من المصائب أيضا فتربص الدوائر انتظار

المصائب لينقلب بها أمر المسلمين ويتبذل فيخلصوا مما عذوه مغرماً. قوله: (اعتراض بالدعاء عليهم) وهو من الاعتراض بين كلامين كما فصل في محله، وقوله:(بنحو ما يتربصونه (عدل عن قول الكشات بنحو ما دعوا به لأن ما صدر منهم ليس دعاء وان وجهه شراحه بما هو خلاف الظاهر كقول النحرير تربصهم يتضمن دعاءهم عليهم وهو غريب منه فالجملة على هذا إنشائية دعائية، وعلى الوجه الأخير خدرية والدائرة اسم للنائبة وهي بحسب الأصل مصدر كالعافية والكاذبة، أو اسم فاعل بمعنى عقبة دائرة والعقبة أصلها اعتقاب الراكبين وتناوبهما، ويقال للدهر عقب ونوب ودول أي مرة لهم ومرة عليهم. قوله: (والسوء بالفتح مصدر أضيف إليه للمبالغة الخ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا السوء وكذا الثانية في الفتح بالضم والباقون بالفتح، وأمّا الأولى في الفتح وهي ظن السوء فاتفق السبعة على فتحها، قال الفراء المفتوج مصدر والمضموم اسم، وقال أبو البقاء: إنه الضرر وهو مصدر في الحقيقة كالمفتوج، وقال مكي المفتوح معناه الفساد والمضموم معناه الهزيمة والضرر وظاهره إنهما اسمان، وقوله:(كقولك رجل صدق) يعني إنه وصف بالمصدر مبالغة وأضيف الموصوف إلى صفته كقوله: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} اسررة مريم، الآية: 28] وقد حكي فيه الضم فيقال رجل سوء، وقوله:(وفي الفتح بضم السين (قد علمت أنه ليس على إطلاقه، وبين الفتح والضم شبه طباق. قوله: (سبب قربات (القربة بالضم ما يتقرب به إلى الله ونفس التقزب فعلى الثاني يكون معنى اتخاذها تقرّبا اتخاذها سببا له على التجوّز في النسبة أو التقدير، وعند الله إعرابه ما ذكر وجوز تعلقه بقربآت أي مقرّباً عند الله، وقوله: (وسبب صلواته! ك! ر) إشارة إلى عطفه على تربات وقد جوز عطفه على ما ينفق أن يتخذ ما ينفق وصلوات الرسول عقي! قربات. قوله: (لأئه صلى الله عليه وسلم! ن ددعوا للمتصدقين) أي الذين يعطون الصدقة، وأما الذي ياً خذها فمصذق من التفعيل وحمل الصلاة على معناها اللغوي، وهو الدعاء مطلقا ليشمل دعاء الناس واستغفارهم ودعاء النبيّ ش! ر لبعضهم بلفظ الصلاة، وهو من خصائصه ع! ي! لأنه حقه فله أن يجعله لغيره إذ الصلاة مخصوصة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما أنّ عز وجل مخصوص بالله، وان كان يقال عزيز وجليل لغيره تعالى، واختلف في الصلاة على غير الأنبياء والملائكة استقلالأ هل هو حرام أو

مكروه أو خلاف الأدب على أقوال المشهور منها الكراهة. قوله: (كما قال صلى الله عليه وسلم اللهتم صل على * أبي أوفى

ص: 356

الخ) (1 (أخرجه أصحاب السنة غير الترمذي، وأوفى بفتح الهمزة والفاء والقصر اسم عقبة الأسلمي من أصحاب بيعة الرضوان روى له البخاري وهو آخر من بقي من الصحابة رضوان الله عليهم بالكوفة سنة سبع وثمانين. قوله:) شهادة من الله الخ) معتقدهم مصدر ميمي بمعنى اعتقادهم، وحرف التنبيه ألا وتوله والضمير لنفقتهم المعلومة من السياق أو لما التي هي بمعناها فهو راجع له باعتبار معناها فلذا أنث أو لمراعاة الخبر. قوله:(والسين لتحقيقه) أي. لتحقيق الوعد، وتقدم أنّ السين في مثله تفيد التحقيق والتأكيد لأنها في الإثبات في مقابلة لن في النفي فتفيد ذلك بقرينة تقابلهما في الاستعمال، وهذا هو المنقول عنهم، وفي الانتصاف النكتة في إشعارها بالتحقيق أنّ معنى الكلام معها أفعل، كذا وان أبطأ الأمر أي لا بد من ذلك، وفيه تأمّل والإحاطة من في لأنّ الظرف يحيط بمظروفه. قوله:(لتقريره الخ) يعني أنّ معناه أنه غفور رحيم، وهذا مقتضى فضله وكرمه فيكون مقرّرا لدخولهم في رحمته، وكالدليل عليه أو أنه متضمن لمعناه فهو مؤكد له. قوله:(قبل الأولى) أي ومن الإعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً والثانية قوله: (ومن الاعراب من يؤمن بالثه (الخ، وذو اليجادين لقب عبد الله بن نهم بضم النون المزني لقب به لأنه لما سار إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قطعت أمه بجادالها وهو بكسر الباء الموحدة وبالجيم والدال المهملة كساء نصفين فاتزر بنصفه وارتدى بالآخر ومات في عصر النبيئ ع! ز ودفنه ع! يرو بنفسه وقال: " اللهم إتي أمسيت راضياً عنه فارض! عته " فقال عبد الفه بن مسعود رضي الله عته ليتني كنت صاحب الحفيرة (2 (وفي الآية أقوال أخر. قوله: (هم الذين صلوا إلى القبلتين الخ) في السابقون وجوه من الاعراب أظهرها أنه مبتدأ لا معطوف على من يؤمن وخبره رضي الله عنهم الخ لا الأوّلون ولا من المهاجرين، وهل المراد بهم جميع المهاجرين والأنصار

ومن بيانية لتقدمهم على من عداهم أو بعضهم ومن تبعيضية قولان اختار المصنف رحمه الله الثاني واختلف في تعيينهم على ما ذكره المصنف رحمه الله، فإن قلت لا وجه لتخصيص المهاجرين بالصلاة إلى القبلتين وشهود بدر لمساواة الأنصار لهم في ذلك قلت المراد تعيين سبقهم لصحبته ومهاجرتهم له صلى الله عليه وسلم على من عداهم من ذلك القبيل، فمن لحق--النبيئ! تهخت بالمدينة، وهاجر قبل تحويل القبلة وقبل بدر كانت هجرته سابقة على هجرة غيره، ومن شهد العقبتين أو أجاب دعوة مصعب رضي الله عنه كان أسبق وأرسخ قدما من غيره من الأنصار رضي الله عنهم فلا تضر تلك المشاركة وتقديم المهاجرين لفضلهم على الأنصار كما ذكر في قصة السقيفة، ومنه علم فضل أبي بكر رضي الله عنه على من عداه لأنه أوّل من هاجر معه صلى الله عليه وسلم، وقيل إنه سكت عن اشتراك الأنصار في القبلتين وشهود بدر لظهور أمره ولا وجه له فالصواب ما قدمناه. قوله:(أهل بيعة العقبة الأولى (كانت في سنة إحدى عشرة من البعثة والثانية في سنة اثنتي عشرة وفي عدد من بايع بها وذكره بسط في السير، وأما حديث مصعب رضي الله عنه فهو أنّ أهل البيعة الثانية لما انصرفوا بعث معهم رسول اللهءلمجييه مصعب بن عمير رضي الله عنه ابن هاشم بن عبد المناف إلى المدينة يقرئهم القرآن، ويفقههم في الدين فأسلم منهم خلق كثير، وهو أوّل من جمع بالمدينة أي صلى الجمعة، وقوله: (وقرئ بالرفع الخ (فيكون جميع الأنصار محكوما عليهم بالرضا بخلاف بزاءة الجر وفيه تأمّل. قوله: (اللاحقون بالسابقين من القبيلتين الخ) من القبيلتين متعلق باللاحقين والسابقين على التنازع، أو باللاحقين فقط لأنّ تقييد السابقين به علم مما مرّ فالاتباع بالهجرة والنصرة، وعلى الوجه الثانى بالإيمان والطاعة لشموله لجميع المؤمنين، وقال بعض السلف: إنه تعالى أوجب لمتقدميئ الصحابة رضي الله عنهم الجنة مطلقا وشرط لمتبعيهم شرطا وهو الأعملى الصالحة، وقوله بقبول طاعتهم بيان لمعنى رضا الله وهو ظاهر، وأما رضا العبد عن ربه فمجاز عن كونه مستغرقا في نعمه ذاكراً لها، وقوله:) في سائر المواضع (في الدر المصون وأكثر ما جاء في القرآن موافق لقراءة ابن كثير وقوله: (حول بلدتكم (تفسير للمعنى المراد أو تقدير للمضاف. قوله: (عطف

على ممن حولكم) فيكون كالمعطوف عليه خبراً عن قوله منافقون كأنه

ص: 357

قيل المنافقون من قوم حولكم ومن اهل المدينة وهو من عطف المفردات، ويكون قوله مردوا الخ جملة مستأنفة أو صفة لقوله منافقون لسكن فيه الفصل ب ق الصفة وموصوفها ولذا عد بعيدأ أو الكلام تم عند قوله منافقون من أهل المدينة خبر مقد! والمبتدأ بعده محذوف تامت صفته مقامه وحذف الموصوف، واقامة صفته مقامه إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو في مقدم عليه مقيس شائع نحو منا ظعن، ومنا أقام كما تقرّر في النحو وقد مرّ تحقيقه، والتقدير ومن أهل المدينة قوم ماردون على النفاق، وما قيل جرت العادة بتقدير الموصوف في الثاني فعلاً كان أو ظرفا دون التقدير في الأوّل ليكون باقياً على أصله من التقديم لا يخفى ما فيه من القصور وقد سبق رده فتذكر. قوله:(ونظيره في حذف الموصوف الخ) هو نظير له في مطلق حذف الموصوف بالجملة لا في خصوصه لأن حذت الموصوف بعد مجرور بمن، وهو بعضه مقيس وبدونه كما في البيت ضرورة، أو نادر فلا يرد عليه الاعتراض بأنه ليس مما نحن فيه. قوله:) أنا ابن جلا الخ (هو بيت هكذا:

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني

وهو من قصيدة لسحيم بن وثيل الرياحي وفيه للنحاة تأويلات فقيل إن الفعل والضمير المستتر فيه صار علما فحكي كما تحكى الجمل، وقيل إنه فعل فقط سمي به ولم يصرف وقيل جلا مصدر مقصور معناه انحسار الشعر عن الرأس أي أنا ابن ذي جلا أي انحسار شعر رأسه لكثرة وضع البيضة عليه، أو جعل نفس الانجلاء مبالغة وعلى هذه الأقوال لا شاهد فيه، والمشهور أنه فعل ماض بمعنى بين وأظهر غير منقول إلى العلمية والمعنى أنا ابن رجل كشف الأمور الشدائد وأوضحها بمباشرته لها، وطلاع الثنايا جمع ثنية وهي العقبة كناية عن ارتكاب عظائم الأمور كما يقال طلاع أنجد جمع نجد وقوله متى أضع العمامة يعرفوني أي لانحسار شعر رأسي، أو أنه يريد كثرة مباشرة الحرب فلا يراه الناس إلا بغير عمامة ولا يعرفونه إلا بزقي المحارب، أو متى حاربت عرفت بشجاعتي واقدامي على الحرب، وقوله:) كلام مبتدأ) أي مستأنف استئنافا نحويا أو بيانياً كأنه قال: ما دأبهم ووصفهم فقيل مردوا الخء قوله: (تمرئهم وتمهرهم في النفاق (يشير إلى أن أصل معنى التمرّد التمرن أي الاعتياد والتدزب في الأمر حتى يصير ماهراً فيه لاتخاذه صنعة ودينا له، ولذا خفي نفاقهم عليه لمجب! مع كمال فطنته وفراسته،

وقال الراكب: إنه من قولهم شجرة مرداء أي لا ورق عليها أي إنهم خلوا. من الخير، وروى أهل الجنة جرد مرد، وهو محمول على ظاهره أو المراد أنهم خالصون من الشوائب والقبائح وصرج ممرّد أي مملس كما قال:

في منزل شيدبنيانه يزل عنه ظفر الطائر

قوله: (لا تعرفهم بأعيانهم الخ) وان عرفهم إجمالاً قيل والظاهر المناسب لا تعرف نفاقهم والتنوّق كالتأنق التصنع، والتكلف بإظهار النيقة وهي الحذق وما يعجب الناظر، وفي المثل خرقاء ذات نيقة، والتحامي الاجتناب والتلبيس عليه بالاعتذار والحلف. قوله:(بالفضيحة والقتل الخ) اختلف في المرتين على أقوال ذكر المصنف رحمه الله منها ثلاثة، وقيل المراد التكثير كقوله:{ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [سورة الملك، الآية: 4] لقوله: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ} [سورة التوبة، الآية: 1126 وقال الآمدي الأوّل عذاب الدنيا مطلقاً والثاني عذاب الآخرة والقتل إئا فرضيّ إذا أظهروا النفاق أو المراد خوفه وتوقعه، ونهكه المرض بمعنى أضناه وأثقله فالمراد به ظاهره لأنّ المرض كفارة للمؤمن وعقوبة عاجلة لغيره، أو المرض المعنوي وهو ما في قلوبهم. قوله:(وآخرون اعترفوا الخ (معطوف على منافقون أي وممن حولكم آخرون أو من أهل المدينة آخرون ويجوز أن يكون مبتدأ واعترفوا صفته وخبره خلطوا كذا قال المعرب وغيره وقيل عليه أنه يقتضي إن اعترافهم مفروغ منه والمقصود بالإفادة غيره، وليس كذلك إذ هو المقصود بالإفادة فآخرون مبتدأ وهو الخبر وسوغ الابتدا أنه صفة موصوف مقدر وفيه نظر لأنّ اعترافهم شاهد بربطهم أنفسهم فالمقصود بيان أنهم ممن تاب الله عليه فلا وجه لما ذكر. قوله: (وهم طائفة من المتخلفين الخ) اختلف في عددهم هل هم خمسة أو ثلاثة أو عشرة، وهلى هم منافقون أو لا لكنهم اتفقوا على أن أبا لبابة رضي الله

ص: 358

عنه منهم وأنه ممن أوثق نفسه، وسواري جمع سارية وهي العمود، وقوله:(على عادته) هي أنه إذا قدم صلى الله عليه وسلم من سفر دخل المسجد وصلى ركعتين قبل دخول منزله، وحديث السواري أخرجه ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس) 1 رضي الله عنهما وهذه صلاة الفتح وهي سنة.

قوله: (والواو إما بمعنى الباء الخ) الشاة الواحدة من الغنم ذكراً أو أنثى ضأناً أو معزاً وتطلق على الظباء، وجمعها شاء بالمد والهمزة آخره وهمزة بدل من الهاء بدليل جمعه على شياه وليس هذا محل بيانه وكونه الواو بمعنى الباء نقلوه عن سيبويه رحمه الله، وقالوا إنه استعارة لأنّ الباء للإلصاق والواو للجمع وهما من واد واحد، وقال ابن الحاجب رحمه الله: أصله شاة بدرهم أي كل شاة بدرهم وهو بدل من الشاء أي مع درهم، ثم كثر فأبدلوا من باء المصاحبة واواً فوجب نصبه واعرابه بإعراب ما قبله كقولهم كل رجل وضيعته، وهو تكلف ولذا قالوا إنه تفسير معنى لا إعراب. قوله:) أو للدلالة على أنّ كل واحد منهما مخلوط بالآخر) في الكشاف كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به لأن المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر كقولك خلطت الماء واللبن تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه، وفيه ما ليس في قولك خلطت الماء باللبن لأنك جعلت الماء مخلوطا واللبن مخلوطا به، وإذا قلته بالواو وجعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطا بهما كأنك قلت خلطت الماء باللبن واللبن بالماء، وفي الانتصاف التحقيق في هذا أنك إذا قلت خلطت الماء باللبن فالمصرّح به الكلام أنّ الماء مخلوط، واللبن مخلوط به، والمدلول عليه لزوما لا صريحاً كون الماء مخلوطا به واللبن مخلوطاً، وإذا قلت خلطت الماء واللبن فالمصرّج به جعل كل واحد منهم مخلوطأ، وأما ما خلط به كل واحد منهما فغير مصرّج به بل من اللازم أنّ كل واحد منهما له مخلوط به محتمل أن يكون قرينه أو غيره، فقول الزمخشرقي: إنّ قولك خلطت الماء واللبن يفيد ما يفيده مع الباء وزيادة ليس كذلك فالظاهر أنّ العدول في الآية عن الباء لتضمين الخلط معنى العمل كأنه قيل عملوا صالحا وآخر سيئا، تال النحرير رحمه الله: يريد أن الواو كالصريح في خلط كل بالآخر بمنزلة ما إذا قلت خلطت الماء باللبن، وخلطت اللبن بالماء بخلاف الباء فإنّ مدلولها لفظاً ليس إلا خلط الماء مثلا باللبن، وأما خلط اللبن بالماء فلو ثبت لم يثبت إلا بطريق الالتزام ودلالة العقل، وتقرير صاحب المفتاح قريب من هذا حيث جعل التقدير خلطوا عملاً صالحا بسيء وآخر سيئأ بصالح إلا أنه جعل الصالح والسيىء في أحد الخلطين غيرهما في الآخر حيث قال بأن أطاعوه وأحبطوا. الطاعة بكبيرة وأخرى عصوا وتداركوا المعصية بالتوبة فالمخلوط على هذا ما يقابل المخلوط سواء كان هو المذكور بعد الواو وبالعكس أو لا بخلاف تقدير المصنف رحمه الله فإنه ذلك المذكور البتة حتى لا يجوز عنده خلطت الماء واللبن بمعنى خلطت الماء

بغيره سواء كان اللبن أو غيره، وخلطت اللبن بغيره سواء كان الماء أو غيره ويجوز عند السكاكي، وقال غيره إنّ هذا نوع من البديع يسمى الاحتباك وهو مشهور (وفيه بحث) لأنّ اختلاط أحدهما بالآخر مستلزم لاختلاط الآخر به، وأمّا خلط أحدهما بالآخر فلا يستلزم خلط الآخر به لأن خلط الماء باللبن مثلاً معناه أن يقصد الماء أوّلاً ويجعل مخلوطا باللبن، وهو لا يستلزم أن يقصد اللبن أولاً بل ينافيه فخلط العمل الصالح بال! يىء معناه أنهم أتوا أوّلاً بالصالح، ثم استعقبوه سيئا وخلط السيىء بالصالح معناه أنهم أتوا أوّلاً بالسيىء، ثم أردفوه بالصالح فأحدهما لا يستلزم الآخر كما قال: وهو يرجح ما ذهب إليه السكاكي لكن ما ذكره من الإحباط مبنيّ على مذهب المعتزلة فتدبر. قوله: (أن يقبل توبتهم الخ) التوبة إذا أسندت إلى العبد معناها ظاهر، وإذا أسندت إلى الله فمعناها قبولها لأنّ أصل معناها العود فالعبد يعود إلى الطاعة والله يعود بإحسانه وتفضله عليه. قوله:(وهي مدلول عليها بقوله اعترفوا بذنوبهم) لما كانت التوبة من الله بمعنى قبول التوبة تقتضي صدور التوبة عنهم جعل الاعتراف دالاً عليها لأنه توبة إذا اقترن بالندم والعزم على عدم العود وكذا لو قدر فتابوا عسى الله أن يتوب عليهم وقوله: (روي الخ) أخرجه ابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما 1 (، وقوله: (فتمدّق بها) أي ضعها مع الصدقات فيما تريد. قوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} الخ جوّزوا في ضمير تطهرهم أن يكون خطابا للنبيّ صلى الله

ص: 359

عليه وسلم وأن يكون للغيب وضحمير المؤنث للصدقة، فعلى الأوّل الجملة في محل نصب على الحال من فاعل خذ، ويجوز كونه صفة صدقة بتقدير بها لدلالة ما بعده عليه، وأما تزكيهم فالتاء للخطاب لا غير لقوله بها إذ جعله للصدقة ركيك لا يليق أن يحمل عنيه وتفصيله في كتب الإعراب. قوله:(أو حب المال المؤدّي بهم إلى مثله) أي مثل ما صدر عنهم من التخلف، وليس كناية من التخلف كقولهم مثلك لا يبخل إذ لا حاجة إليه وتطهير الذنوب تكفيرها، وتطهير حب المال إخراجه من قلوبهم، ولذا ورد أنّ الصدقة أوساخ الناس، ولم يحل له ىلمجي! واختلف في المأمور به في الآية فقيل الزكاة، ومن تبعيضية وكانوا أرادوا التصدق بجميع مالهم فأمره الله بأخذ بعضها لتوبتهم لأنّ الزكاة لم تقبل من بعض المنافقين فترتبط بما قبلها، وان أريد الزكاة فهو عام، وإن خص سببه وقيل: ليست هذه الصدقة المفروضة بل هم لما تابوا أبذلوا جميع مالهم كفارة للذنب

الصادر منهم فأمره الله بأخذ بعضها، وهو الثلث وهذا مروي عن الحسن، وهو المختار عندهم، وقوله تنمي من الإنماء وهو الزيادة، وقوله:(ترفعهم الخ (فيه إشارة إلى أنهم كانوا منافقين وفيه خلاف تقدّم. قوله: (واعطف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم الخ) يعني أنّ الصلاة هنا بمعنى الدعاء، وعدى بعلى لما فيه من معنى العطف لأنه من الصلوين وألا فالدعاء لا يتعدى بعلى إلا للمضرة، وهو غير مراد هنا، وتفسيره بصلاة الميت بعيد هنا وان روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولذا استدل به على استحباب الدعاء لمن يتصدق. قوله:(تسكن إليها نفوسهم الخ (السكن السكون، وما يسكن إليه من الأهل والوطن فإن كان المراد الأوّل فجعلها نفس السكن، والاطمئنان مبالغة، وهو الظاهر وان كان الثاني فهو مجاز بتشبيه دعائه في الالتجاء إليه بالسكن، ووجه جمع صلاة لأنها اسم جنس والتوحيد لذلك أو لأنها مصدر في الأصل. قوله: (الضمير أما للمتوب عليهم الخ) يعني إذا قصد هؤلاء، وقد مرّ ما يشير إلى قبول توبتهم فذكره هنا تمكيناً لذلك في قلوبهم، فالاستفهام للاستبطاء لتوبتهم، وان كان لغيرهم من المنافقين فهو توبيخ وتقريع لهم على عدم التوبة وترغيب فيها، وازالة لما يظنون من عدم قبولها، وقرىء بالتاء وهو على الأوّل التفات، وعلى الثاني بتقدير قل ويجوز أن يكون الضمير للمنافقين والتائبين معاً للتمكين والتخصيص.

تنبيه: قال النووي في شرح مسلم قال الفقهاء: الدعاء لدافع الزكاة سنة لا واجب خلافاً لبعض الشافعية عملاً بظاهر الآية واستحب الشافعيّ رحمه الله أن يقول في دعائه آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهور وبارك لك فيما أبقيت والصحيح أنه لا يستحب انتهى. قوله:) وهو يقبل التوية (الضمير إما للتأكيد أوله مع التخصيص بمعنى أنّ الله يقبل التوبة لا غيره بمعنى أنه يفعل ذلك ألبتة لما سبق من أنّ ضمير الفصل يفيد ذلك والخبر المضارع من مواقعه، وقيل التخصيص بالنسبة إلى الرسول لمجبب! بمعنى أنه يقبل التوبة لا رسوله ع! ب! لأنّ كثرة رجوعهم إليه مظنة لتوهم ذلك وقوله: (إذا صحت) بيان لنفس الأمر لأنّ غيرها لا يقبل بل لا يسمى توبة، وتعديته القبول بعن لتضمنه معنى التجاوز والعفو عن ذنوبهم التي تابوا عنها وليس المعنى أنّ التوبة إذا قبلت فكأنها تجاوزت عته كما توهم، وقيل عن هنا بمعنى من. قوله: (بقبلها قبول من يأخذ الخ (يعني أنّ الأخذ هنا استعارة للقبول والإثابة لا كناية كما قيل لأنّ الكريم والكبير

إذا قبل شيئا عوض عنه إذ الأخذ هو الرسول صلى الله عليه وسلم لا الله تعالى وقد يجعل الإسناد إلى الله مجازا مرسلَا، وقيل في نسبة الأخذ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله خذ ثم إلى ذاته تعالى إشارة إلى أنّ أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قائم مقام أخذ الله تعظيماً لشأن نبيه صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [سورة الفتح، الآية: 0 ا] فهو على حقيقته ولا يخفى ما فيه من البعد في إدعاء الحقيقة وان كان ما فهمه معنى حسنا. قوله: (وإن من شأنه قبول توبة التائبين الخ) هو مأخوذ من صيغة المبالغة التي تفيد تكرّر ذلك منه وأنه شأن من شؤونه وعادة من عوائده أي إنه يقبل ذلك كما علمتم أنه شأنه وعادته، ولولا الحمل على هذا لكان لغوا وقد تكلف من قال إنه جعل الواو في قوله وانّ الله ابتدائية والمقصود التعليل، وقيل الواو للعطف على مقدر كأنه قيل إنّ الله هو البر الرحيم فيكون تعليلاً

ص: 360

لكناية القبول عن إعطاء الثواب وحذف أداة التعليلى لأنه قياسيّ، وتقديمه على ما ذكر في تعليل قبوله للتقريب بين التعليل والمعلل مهما أمكن وقيل عليه إنه لا حاجة إلى الاعتذار عن حذف أداة التعليل لإمكان تقديرها في المعطوف عليه المقدر وكل ذلك من ضيق العطن. قوله:(فإنه لا يخفى عليه الخ) يعني المراد بالرؤية الاطلاع عليه، وعلمه علما جليا مكشوفا له وعلمه كناية عن مجازاته، وأما جعل الرؤية حقيقية وأنه يرى المعاني فلا حاجة إليه لتكلفه، وإن كان بالنسبة إليه غير بعيد وقوله فإنه تعالى لا يخفى من الإخفاء أي لا يخفى ذلك عنهم بل يعلمهم به كما تبين لهم من تفضيح بعض وتصديق آخرين، وفي هذه الآية وعد ووعيد، ولذلك قيل إنها أجمع آية في بابها، وقوله بالمجازاة إشارة إلى أن الأنباء مجاز عن المجازاة أو كناية. قوله تعالى:(وسترذون إلى عالم الغيب والشهادة) قال بعض المفسرين: الغيب ما يسرونه من الأعمال والشهادة يظهرونه كقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [سررة البقرة، الآية: 77] فالتقديم لتحقيق أنّ نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة على أبلغ وجه وآكده لا لإيهام أنّ علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يعلنون كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزه عن أن يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شيء وتحققه في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأمور البارزة والكامنة، ورده بعض فضلاء العصر فقال: لا يخفى عليك انّ هذا قول يكون علمه تعالى حضوريا لا انطباعيا وحصوليأ وقد زيفوه وأبطلوه لشمول علمه تعالى للممتنعات، والمعدومات الممكنة والعلم الحضوري يختص بالموجودات العينية لأنه حصول المعلوم بصورته العينية عند العالم فكيف لا يختلف الحال فيه بين الأمور البارزة والكامنة مع أن الكامنة تشمل المعدومات ممكنة كانت أو ممتنعة ولا يتصوّر فيها التحقق في نفسها حتى تكون علما له تعالى، وتحقيق علمه الواجب بالأشياء من المباحث المشكلة والمسائل المعضلة، ولو أمسك هذا القائل عن

أمثال هذه المطالب لكان خيراً له إذ بالتفوه بأمثال هذه المزيفات، تبين أنه لم يحم حول ما تقرّر عندهم من التحقيقات، وقد حققناه في بعض تعليقاتنا بما لا مزيد عليه انتهى، وهذا ذهول عن مراده والذي أوهمه ما أوهمه قعاقع ألفاظه وتطويله بلا طائل كما هو عادته في التشبه بالحرائر. قوله:(وآخرون من المتخلفين الخ) اختلف في المراد بآخرين هنا فقيل هم هلال بن أمية وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهو المروي في الصحيحين، والمنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وكبار الصحابة رضي الله عنهم ولم يكن تخلفهم عن نفاق ولا شك وارتياب كما في السير وإنما كان لأمر مع الهم باللحاق بهم فلم يتيسر ذلك فلما قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان ما مرّ من المعذرين قال: هؤلاء لا عذر لنا إلا الخطيئة، ولم يعتذروا له صلى الله عليه وسلم فأمر المسلمين باجتنابهم فاجتنبوهم واعتزلوا نساءهم فنزلت يعني آية العفو عنهم وتعذيبهم إلى الله، وإنما اشتذ الغضب عليه مع إخلاصهم والجهاد فرض! كفاية لما نقل عن ابن بطال في الروض الأنف وارتضاه أنه كان على الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه ألا ترى قول راجزهم في الخندق:

نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا

وهؤلاء من أجلهم فكان تخلف هؤلاء كبيرة فإذا عرفت أن هؤلاء من كبار الصحابة رضوان الله عليهم وأنهم من المخلصين كما صرّحوا به فقول المصنف رحمه الله إن أصروا على النفاق لا ينبغي أن يصدر مثله عن مثله ومن قال: إنّ هذه الآية في المنافقين كما هو قول للحسن وغيره لم يفسره بهؤلاء، وما قيل إنّ كلامه محمول على ما يشبه النفاق فهو بعيد ودعوى بلا دليل. قوله:(مرجون بالواو الخ) قرىء في السبعة مرجؤون بهمزة مضمومة بعدها واو ساكنة وقرىء مرجون بدون همزة كما قرىء ترجى من تشاء بهما، وهما لغتان يقال أرجأته وأرجيته كأعطيته، ويحتمل أن تكون الياء بدلاً من الهمزة كقولهم قرأت وقربت وتوضأت وتوضيت وهو في كلامهم كثير وعلى كونه لغة أصلية فهو يائيّ، وقيل إنه واوي. قوله:(والترديد للعباد وفيه دليل على أن كلا الأمرين بإرادة الله تعالى) يعني إما كأو لوقوع أحد الأمرين

ص: 361

والله تعالى علم بما يصير إليه أمرهم والتردد منه تعالى محال فهو للعباد إذ خوطبوا بما يعلمون والمعنى ليكن أمرهم عندكم بين الرجاء والخوف، والمراد تفويض ذلك إلى إرادة الله تعالى ومشيئته إذ لا يجب عليه تعذيب العاصي، ولا مغفرة التائب ولذا قيل إنها هنا للتنويع أي أمرهم دائر بين هذين الأمرين وهو أولى مما ذكره المصنف رحمه الله وقوله: (والمراد الغ (مر

ما له وعليه. قوله: (عطف على وآخرون الخ) قيل إنه على الوجه الثاني من إعرابه فهو مبتدأ خبره من أهل المدينة، وإذا كان مبتدأ فخبره محذوف ونصبه على الاختصاص أي القطع وهو منصوب بمقدر كأذم واعني، وليس هذا الاختصاص الذي اصطلح عليه النحاة، وقطع المعطوف فيه تفصيل سبق في سورة البقرة، وعلى قراءة ترك الواو ويحتمل ما مرّ من الوجوه وأن يكون بدلاً من آخرون على أحد التفسيرين، وفيه وجوه أخر مفصلة في إعراب السمين وغيره. قوله:(ضرارا) مفعول له وكذا ما بعده، وتيل مصدر في موضع الحال أو مفعولاً ثانيا لاتخذوا، وقوله مضارّة أي بتفريق الجماعة وأشار إلى أنه مصدر من المفاعلة. قوله:(روي إلخ (قال العراقي رحمه الله: هكذا ذكره الثعلبي بدون سند وروى بعضه ابن مردوية وابن جرير، وقباء بضم القاف والمد محل بقرب المدينة ويجوز فيه الصرف وعدمه، وقوله:) فحسدتهم إخوانهم) سماهم إخوانا لأنهم أبناء أخوين وأبو عامر الراهب هو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم ا! فاسق من أهل المدينة تر! ب في الجاهلية فلما قدم النبيّ ع! ر إلى المدينة قال لى ما هذا الذي جئت به قال: " الحنيفية البيضاء دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام " قال أبو عامر فأنا عليها فقال له: إنك لست عليها، قال: بلى ولكنك أدخلت فيها ما ليس منها فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية " فقال: أبو عامر أمات الله الكاذب منا فريدأ وحيدا فأفن النبيئ مجش! هـ فمات أبو عمار كذلك بقنسرين) 1 (، وقوله:) إذا قدم من الشأم (أي لأنه هرب ليأتي بجنود قيصر لحرب النبيّ صلى الله عليه وسلم كما يأتي، وقوله لذي الحاجة أي من شغلته حاجته عن المضي للجماعة حتى ضاق الوقت، والعلة يعني المرض! ، والمطيرة بفتح الميم ذات المطر، وقوله: (فأخذ ثوبه) اختصار لما في الكشاف من أنه كان قبل ذهابه لمجر لتبوك فقال: " إئي على جناح سفر وحال شغل فإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه " فلما أتى لمجتن من تبوك أتوه وسألوه ذلك فدعا ع! ي!

بقميصه وهم بذلك فنزل عليه الوحي) 1 (بما ذكر، وقوه: (والوحشئ) كذا في النسخ والصواب وحشيّ بدون أل، وقوله:) واتخذ مكانه الخ (أي جعل محلا لالقاء الكناسة به. قوله: (وتقوية للكفر الذي يضمرونه الخ) قيل الكفر يصلح أن يكون علة فما الحاجة إلى تقدير التقوية فيه وكأنه إنما تدره لأنّ اتخاذه ليس كفراً بل مقوّلة لما اشتمل عليه، وقنسرين بكسر القاف وتشديد النون مكسورة ومفتوحة بلدة بالشأم، وقيل من بلاد الروم لأنها كانت إذ ذاك في أيديهم. قوله:(ومن قبل متعلق بحارب أو باتخذوا الخ) تصوير للمعنى وبيان للمضاف المقدر على هذا الوجه، وهو قبل أن ينافقوا أي ظهروا والنفاق وعلى الوجه الآخر تقديره من قبل الاتخاذ، وقوله لما روي تأييد للثاني وقوله على جناج سفر أي آخذين في السفر شارعين فيه استعارة من جناح الطائر، وقفل بمعنى رجع ومنه الفاعلة تفاؤلاً وكزر مبنيئ للمجهول أي كرّر عليه السؤال في ذلك. قوله: (ما أردنا ببنائه إلا الخصلة الحسنى الخ (فإن نافية والحسنى تأنيث الأحسن وهي صفة الخصلة فهو مفعول به وعلى تقدير الإرادة فهو مصدر قائم مقامه منصوب على المصدرية أي إلا الارادة الحسنى، والمراد بالإرادة المراد فلذا وصفها بالحسنى وفسرها بنحو الصلاة، وهكذا وقع في الكشاف وقد حرفه بعضهم فظن أن العبارة إلا لارادة الحسنى بلام الجرّ التعليلية وقال: إنه وجه متكلف، وقوله في حلفهم أي ما حلفوا عليه، وقوله: (للصلاة (بيان للمعنى المراد، ويحتمل أن يكون القيام مجازاً عن الصلاة كما في قولهم فلأن يقوم الليل، وفي الحديث من قام رمضان إيمانا واحتساباً. قوله: (يعني مسجد قباء أسسه الخ (اختلف

السلف في المراد بالمسجد في هذه الآية فرجح المصنف رحمه الله كونه مسجد قباء لظاهر قوله تعالى من أول يوم إذ لا يراد أوّل الأيام

ص: 362

مطلقا بل أوّل أيام الهجرة، ودخول المدينة المنوّرة لأنه بنى قبل مسجد المدينة وقوله:(وفيه رجال يحبون أن يتطهروا) ولأنه أوفق بالمقام لأنه بقباء كمسجد الضرار، والقول الثاني إن المراد به مسجدهءشر بالمدينة لما روي فيه من الأحاديث الصحيحة، وحديث أبي سعيد (1 رضي الله عنه الذي ذكره المصنف رحمه الله مخرّج في مسلم، وقد جمع الشريف السهروردي رحمه الله بين الأحاديث، وقال: كل منهما مراد لأنّ كلا منهما أسس على التقوى من أوّل يوم تأسيسه، والسرّ في إجابته صلى الله عليه وسلم السؤال عن ذلك مما في إلحديث دفع ما يوهمه السائل من اختصاص ذلك بمسجد قباء والتنويه بمزية هذا عن ذلك، وهو غريب هنا وقد سبقه إليه السهيلي في الروض الأنف، واللام في قوله لمسجد لام ابتداء أو قسم وعلى قيل إنها بمعنى مع والأبلغ إبقاؤها على ظاهرها وجعل التقوى أساسا له. قوله: (من أوّل يوم من أيام وجوده) أي هو أوّل يوم من أيام وجود بنائه وتأسيسه، وإنما قيد به لظهور أنه لم يؤسس على التقوى من أوّل يوم من مطلق الأيام، والمعنى أنّ تأسيسه على التقوى كان مبتدأ من أوّل يوم من أيام وجوده لا حدثا بعده، قال السهيلي: نور الله مرقده في الآية من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين مع عمر رضي الله عنه حين شاورهم في التاريخ فاتفق رأيهم على أن يكون من عام الهجرة لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام، والحين الذي أمن فيه النبيّ ع! ي! وبنيت المساجد وعبد الله كما يحب فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله تعالى:{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} أن ذلك اليوم هو أوّل أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن فإن كان الصحابة رضوان الله عليهم أخذوه من هذه الآية فهو الظن بهم لأنهم أعلم الناس بتأويل كتاب الله، وأفهمهم بما في القرآن من الإشارات، وإن كان ذلك على رأي واجتهاد فقد علمه الله، وأشار إلى صحته قبل أن يفعل إذ لا يعقل قول القائل فعلته أؤل يوم إلا بالإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم، وليس ههنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو حال فتديره ففيه معتبر لمن اذكر، وعلم لمن رأى بعين فؤإد واستبصر. قوله:) ومن يعم الزمان والمكان (هذا مذهب الكوفيين وأنها للابتداء مطلقاً ولهم أدلة من القرآن كهذه الآية، وقوله لته الأمر من قبل ومن بعد ومن كلام العرب كما فصل في النحو منع البصريون دخولها على الزمان، وخصوه بمذ ومنذ

وتأوّلوا الآية بأنها على حذف مضاف أي من تأسيس أوّل يوم وقدروا مثله فيما ورد من كلامهم، وقال أبو البقاء: أنه ضعيف لأنّ التأسيس المقدر ليس بمكان حتى يكون لابتداء الغاية وسبقه إليه الزجاج (قلت) إنما فروا من كونها لابتداء الغاية في الزمان وليس في كلامهم ما يدل على أنها لا تكون لابتداء الغاية إلا في المكان، وقال ابن عطية: يحسن عندي أن يستغني عن التقدير وأن من جرّب أوّل لأنه بمعنى البداءة كأنه قال: من مبتدأ الأيام وفيه نظر، وقيل إنّ من هنا تحتملى الظرفية أي في أوّل يوم فلا يكون فيها شاهد لهم وسبقه إليه بعض المحققين حيث قال لا أرى في الآية ونظائرها معنى الابتداء إذ المقصود من الابتداء أن يكون الفعل شيئا ممتداً كالسير والمشي ومجرور من منه الابتدائية نحو سرت من البصرة أو يكون أصلا لشيء ممتد نحو خرجت من الدار إذ الخروج ليس ممتد أو ليس التأسيس ممتدا، ولا أصلاً لممتدّ بل هما حدثان واقعان فيما بعد من وهذا معنى في ومن في الظروف كثيراً ما يقع بمعنى في وللنظر في هذا كله مجال. قوله:(لمن إلى آخر البيت) وهو:

لمن الدياربقنة الحجر أقوين من حجج ومن دهر

وهو مطلع قصيد لزهير بن أبي سلمى يمدح بها هرم بن سنان وبعده:

لعب الزمان بها وغيرها بعدي سوا في المورق القطر

فغدا بمندفع النجائب من صفوا أولات الضال والسدر

دع ذا وعد القول في هرم خيرالبداة وسيد الحضر الخ

والقنة بضم القاف وتشديد النون أعلى الجبل والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم والراء المهملة بلاد ثمود

ص: 363

وبفتح الحاء محل باليمامة، وقد ضبط بهما هنا وصوّب ابن السيد الثاني رواية وقال: الأوّل غلط وقيل إن هذا البيت ليس لزهير وإنه مصنوع أدخل في شعره، وليس منه وهو الذي ارتضاه الفضل وله قصة مذكورة في مجال! النحاة، وأقوين بمعنى خربن وخلون من السكان وحجج جمع حجة بكسر الحاء فيهما وقوله لمن الديار من فيه استفهامية على عادة الشعراء في ابتداء قصائدهم بمثله كأنه يستفهم عنها لأنه لم يعرفها لتغيرها وخرابها، ومن السهو الغريب هنا ما قاله الفاضل المحشي من أنّ الشاهد في أوّل البيت إذ من الأولى لابتداء المكان والثانية بقسميها لابتداء الزمان والبصريون يقدرونه من مر حجج ومن مر دهر، وقيل من فيه زائدة على مذهب الأخفش وقيل: إنها للتعليل أي لأجل مرور حجج ودهر.

قوله:) أولى بأن تصلي فيه (جعل أحق أفعل تفضيل، والمفضل عليه كل مسجد أو مسجد الضرار على الفرض والتقدير فلا يرد أنه لا أولوية فيه أو هو على زعمهم، وقيل هو

بمعنى حقيق، وفسر تقوم بمعنى تصلي وفسر الطهارة بالبراءة من العيوب مجازاً أو بالطهارة الشرعية من الجنابة، ولو فسر بالطهارة من النجس كما في الاستنجاء أو بما يشملهما لكان ظاهراً أيضاً، وقوله:(يدنيهأ من جنابه تعالى إدناء المحب الخ) إشارة إلى أنه مجاز عن قربهم من الله وقربهم بمعنى كرامتهم وكثرة ثوابهم إذ المحبة الحقيقية لا يوصف بها ألله تعالى، ويحتمل أنه من المشاكلة وقيل تطهرهم بحمى كانت مكفرة لذنوبهم، وقوله:(لما نزلت الخ) أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس (1 رضي الله عنهما وابن مردوبه وسكوتهم حياء من النبي ىلجرو وقوله: (وأنا معهم) بضمير المتكلم أو بكسر الهمزة وضمير الجمع، والمراد بالرخاء سعة الرزق وعدم الشذة ورث الكعبة قسم، وقوله:(إنّ الله عز وبئ قد أثنى عليكم الا يقتضي تعين المسجد لأنهم كانوا يصلون في مسجده أيضا. قوله: (نتبع النائط الأحجار الخ) استدلّ به في الهداية على أفضلية الماء على الحجر قال شيخنا رحمه الله وأورد عليه شيثان ضعف الحديث وعدم مطابقته للمدلول لأنه يقتضي استحباب الجمع، قيل: والمطابق له حديث ابن ماجه، وفيه قالوأ " نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء "(2 (والحاصل انّ الجمع أفضل، ثم الماء، ثم غيره وفي الجمع توفير الماء للوضوء، ولغيره لا سيما في محل الحاجة. قوله: (بنيان دينه) هو من قبيل لجين الماء أو هو مكنية وتخييلية، وهذا يناسب تفسيره الأوّل للطهارة وهو الأرجح لأنه المقتضي لمحبة الله كما قيل ولأنهم ذكروا في مقابلة أصحاب الضرار

فاللائق وصفهم بضدّ ما وصفوا به، والتأسيس وضع الأساس وهو أصل البناء وأوّله وبه أحكامه ولهذا استعمل بمعنى الأحكام إلا أنه إذا تعدى بعلى تعين الأوّل كما قيل فهو المراد هنا ففي الآية شبه التقوى والرضوان تشبيها مكنيا مضمرا في النفس بما يعتمد عليه أصل البناء وأسس بنيانه تخييل فهو مستعمل في معناه الحقيقي أو هو مجاز بناء على جوازه فتاسيس البنيان بمعنى أحكام أمور دينه أو تمثيل لحال من أخلص لله، وعمل الأعمال الصالحة بحال من بنى بناء محكماً مؤسسا يستوطنه، ويتحصن به أو البنيان استعارة أصلية والتأسيس ترشيح أو تبعية والمصنف رحمه الله تعالى بنى كلامه على الأوّل. قوله:(على قاعدة محكمة الخ) يعني أنه استعارة مكنية شبهت التقوى بقواعد البناء تشبيها مضمرا في النفس دل عليه بما هو من روادفه ولوازمه وهو التأسيس والبنيان، والمرضاة بمعنى الرضا وأوّلها بطلبه لأنّ رضا الله ليس من أعمال العبد التي ابتنى عليها أحكام أمره، والذي هو من عمله طلب ذلك فهو إن كان إشارة إلى تقدير مضاف لا ينافي قوله بعيدة تأسيس ذاك على أمر يحفظه عن النار ويوصله إلى رضوان الله فإنه ظاهر في أنه مجاز بإطلاق السبب على المسبب لأنه إشارة إلى توجيه آخر فيه وان كان بيانا لأنّ رضوان الله مجاز عن طلب الرضا بالطاعة لأنه سببه فظاهر. قوله تعالى:{عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} الخ) شفا البئر والنهر طرفه ويضرب به المثل في القرب كقوله تعالى: {وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} [سورة آل عمران، الآية: 103] وأشفى على الهلاك صار على شفاه ومنه شفاء المريض لأنه صار على شفا البرء والسلامة والجرف بضمتين وبسكون الراء البئر التي لم تطور وقيل هو الهوّة وما يجرفه السيل من الأودية لجرت الماء له أي أكله وإذهابه وهار نعت جرف وفيه أقوال، فقيل إنه مقلوب وأصله هاور أو هائر فوزنه فالع، وقيل

ص: 364

إنه حذفت عينه اعتباطا فوزنه فال، والاعراب على رائه كباب، وقيل إنه لا قلب فيه ولا حذف ووزنه في الأصل فعل بكسر العين ككتف، وهو هور أو هير ومعناه ساقط أو مشرف على السقوط، وهو ظاهر قول المصنف رحمه الله فأدى به الخ والخور بالخاء المعجمة والراء المهملة الضعف والتراخي، والاستمساك الثبات واشداد بعضه ببعض كانه يمسكه وفاعل انهار إمّا ضمير البنيان وضمير به للمؤسس أي سقط بنيان الباني بما عليه أو للشفا وضمير به للبنيان، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله. قوله:(على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها) إشارة إلى أنه كان الظاهر في التقابل أن يقال أم من أسس بنيانه على ضلال وباطل وسخط من الله إذ المعنى أفمن أسس بنيان دينه على الحق خير أم من أسسه على الباطل، ولذا قال في الكشاف والمعنى أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة محكمة قوية، وهي الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه خير أم من أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها، وأقلها بقاء وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل شفا جرف هار في قلة الثبات، والاستمساك وضع شفا الجرف في مقابلة

التقوى لأنه جعل مجازاً عما ينافي التقوى، يعني أنه شبه الباطل بشفا جرف هار في قلة الثبات فاستعير للباطل بقرينة مقابلته للتقوى، والتقوى حق ومنافي الحق هو الباطل، وقوله فانهار ترشيح وباؤه إمّا للتعدية أو للمصاحبة فشفا جرف هار استعارة تصريحية تحقيقية، والتقابل باعتبار المعنى المجازي المراد منها وقوله على قاعدة الخ إشارة إلى وجه الشبه تصريحية تحقيقية، والتقابل باعتبار المعنى المجازي المراد منها وقوله على قاعدة الخ إشارة إلى وجه الشبه وما به التقابل الضمني، فإن قلت لماذا عاير بينهما حيث أتى بالأوّل على طريق الكناية والتخييل، وبالثاني على طريق الاستعارة والتمثيل، قلت للتفنن في الطريق رعاية لحق البلاغة وعدولاً عن الظاهر مبالغة في الطرفين إذ جعل حال أولئك مبنياً على تقوى ورضوان هو أعظم من كل ثواب وحال هؤلاء على فساد أشرف بهم على أشذ نكال، وعذاب ولو أتى به على مقتضى الظاهر لم يفده مع ما فيه من التهويل كما سيشير إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله:(وإنما وضع شفا الجرف وهو ما جرفه الوادي الهائر) فيه تسمح أي ما جرفه أي أزاله سيل الوادي الهائر وقيل، أراد بالوادي ما يجري فيه والهائر بمعنى الهادم وضمير هو للجرف، وقوله في مقابلته إشارة إلى ما ذكرنا. قوله:(ثمثيلَا لما بنوا عليه أمر دينهم الخ (يعني أنه استعارة لمعنى به يقع التقابل كما أوضحناه ويجوز أن يكون مراده أنه استعارة تمثيلية قيل، وفرّع على المستعار له الرضوان تجريداً، وعلى المستعار الانهيار ترشيحاً وفيه نظر وقوله تأسيس ذاك، وتأسيس هذا يحتمل الإضافة إلى الفاعل والمفعول، وقوله: (يحفظه من النار (إشارة إلى التقوى لأنّ أصل معناها الوقاية والحفظ، وقوله: (التي الجنة أدناها) إشارة إلى قوله (ورضوان من الله كبر) كما مرّ، وقوله:(على صدد الودوع) إشارة إلى ما مرّ من دلالة الشفاء على القرب، ولفظ الوقوع هنا في محزه وموقعه. قوله:(أسس على البناء للمفعول (أي في الموضعين وأس بالضم وأساس بالفتح مفردان مضافان، وهو أصل البناء وكذا أس بالفتح وأسس بفتحات مصدر أو مقصور أساس وبهما قرئ أيضاً في الثواذ، وقوله: (وثلائتها جمع أس الخ) فيه تسمح لأنّ أساس بالكسر جمع أس وأس! ر جمع أساس وآساس بالمد جمع أسس كما في الصحاح، والبنيان مصدر كالغفران، وقيل اسم جن! جمعي واحده بنيانة كقوله: كبنيانة العادي موضع رجلها

ومن قال إنه جمع أراد هذا كما في الدر المصون. قوله: (وتقوى بالتنوين الخ (أي وقرئ

تقوى وألفه للإلحاق كأرطى الحق بجعفر، ولو كانت ألف تأنيث لم يجز تنوينه وهو تخريج ابن جني والذي قرأها عيسى بن عمر، وتترى بتاءين بمعنى متتابعة وتاؤه مبدلة من واو ويجوز تنوينه على أنّ ألفه للإلحاق وتركه على أنها للتأنيث، وقوله:) جرف (بالتخفيف أي بضم الجيم وتسكين الراء. قوله: (وليس بجمع ولذلك الخ (رذ على من قال: إنه جمع واحده بنيانة كما مرّ، وقد سمعت تأويله واستدل على أنه مفرد بثلاثة أوجه، وفيه نظر لأنّ الجمع قد تلحقه التاء كأساكفة وغيره مع أنه مراد القائل أنه اسم كأ! جمعي إلا أن يقال مراده أنّ فعلان في الجمع لا تلحقه التاء، وكذا الأخبار بريبة لا دليل فيه لأنه يقال الحيطان منهدمة، والجبال راسية وجوز على المصدرية أن يكون الذي مفعوله، وهو لا يرد نقضا على دليل الوصفية كما قيل لإثباته المدعي ومراده

ص: 365

أنه لو كان جمعا لوصف باللاتي ونحوه لا بالذين لاختصاصه بالعقلا، وأما احتمال تقدير المضاف وجعله صفة له وكذا الخبر فخلاف الظاهر، ويكفي مثله في أدلة النحاة وفي المثل أضعف من حجة نحوي. قوله:(شكاً ونفاقا الخ (أصل معنى الريب الشك وقد فسر به هنا، والمراد شكهم في بنوته ع! يرو الذي أضمروه وهو عين النفاق فلذا عطفه عليه للتفسير، ولما كان الحامل على البناء هو النفاق زادهم ذلك بهدمه نفاقا لشدة غيظهم قال الإمام رحمه الله: لما صار بناء ذلك البنيان سببا لحصول الريبة في قلوبهم جعل نفس ذلك البنيان ريبة، وفيه وجوه أحدها أنّ المنافقين عظم فرحهم ببنيانه فلما أمر بتخريبه ثقل عليهم وازداد غيظهم وارتيابهم في نبوّته لمجيرو، وثانيها أنه لما أمر بتخريبه خافوا فارتابوا هل يتركون على حالهم أو يقتلون، وثالثها أنهم اعتقدوا أنهم احسنوا بنيانه فلما هدم بقوا مرتابين في سبب تخريبه والصحيح هو الأوّل ورجح الطيبي الثاني بأنه أوفق للغة وريبتهم بالبناء كأنه سبب لهدمه فليس في الكلام مضاف مقدر والوسم السمة والعلامة وأصل معناه الكي. قوله:) بحيث لا يبقى لها قابلية الإدراك الخ (أي لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت إلا وقت تقطيع قلوبهم أو في كل حال إلا حال تقطيعها وهو كناية عن تمكن الريبة في قلوبهم التي هي محل الإدراك، وإضمار الشك بحيث لا يزول منها ما داموا أحياء إلا إذا قطعت ومزقت فحينئذ تخرج الريبد منها وتزول

والمبالغة في الريبة واضحة، وهذا على التصوير والفرض فلا تقطيع فيه، وعلى الوجه الذي بعد. فالتقطيع والتمزيق بالموت وتفريق أجزاء البدن فهو حقيقي، ويفيد لزوم الريبة ما دإموا أحياء، وعلى الثالث المراد إلا أن يتوبوا ويندموا ندامة عظيمة تفتت قلوبهم وأكبادهم فتقطيع القلب مجاز أو كناية عن شدة الأسف، والفرق بين الوجوه ظاهر لكنه قيل إياك أن تتوهم أنّ مراده بالأوّل ما في الكشاف من أنه تصوير لحال زوال الريبة عنها إذ ليى في كلامه ما يدل عليه، وكأنه لم يرض! به لأن احتمال الحقيقة في الوجه الثاني يمنع الحمل على التمثيل لأن المجاز مشروط بالقرينة وقد دفع بأن جعل الكلام محتملاً للحقيقة، والمجاز في كلامهم كثير ومبناه على أن القرينة لا يجب أن تكون قطعية بل قد تكون احتمالية فإن اعتبرت جعل مجازآ

- والا جعل حقيقة وكناية ومن لا يسلمه قال يتعين هنا أنه كناية ولا يخفى أنه ليس في كلام المصنف رحمه الله ما يخالف كلام الكشاف حتى يقال إنه لم يرتضه ومثله من التكلفات الباردة. قوله: (تقطع) أي في هذه القراءة بفتح التاء وأصله تتقطع فحذفت إحدى التاءين وقراءة الياء لإسناده إلى الظاهر وتقطع بالتخفيف، وهو مجهول الثلاثي وتقطع بالتاء ونصب قلوبهم، والضمير للخطاب أو للريبة وقطعت بفتح القاف والتاء في المبني للفاعل وبضم القاف وسكون التاء في المجهول. قوله:(تمثيل لإثابة الله إياهم الخ (في الكشاف ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن، ولا أبلغ من هذه الآية لأنه أبرزه في صورة عقد عاقده رب العزة، وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضأ لإعلاء كلمته ونصر دينه، وجعله مسجلا في الكتب السماوية، وناهيك به من صك وجعل وعده حقاً، ولا أحد أوفى من واعده فنسيئته أقوى من نقد غيره وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم، وهو استعارة تمثيلية صور جهاد المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه، واثابة الله لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء وأتى بقوله يقاتلون الخ بيانا لمكان التسليم، وهو المعركة هاليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: " الجنة تحت ظلال السيوف ") 1 (ثم أمضاه بقوله ذلك هو الفوز العظيم، ولما في هذا من البلاغة واللطائف المناسبة للمقام لم يلتفتوا إلى جعل

اشترى وحده استعارة أو مجازا عن الاستبدال، وان ذكروه في غير هذا الموضع لأنّ قوله:{فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ} يقتضي إنه شراء وبيع وهذا لا يكون إلا بالتمثيل ومن غفل عنه، قال إنه تركه وهو جائز أيضا، ومنهم من جوّز أن يكون معنى اشترى منهم أنفسهم بصرفها في العمل الصالح وأموالهم بالبذل فيها، وجعل قوله يقاتلون مستأنفاً لذكر بعض ما شمله الكلام اهتماما به. قوله:(استئناف ببيان ما لأجله الشراء) يعني لما قال اشترى الخ كأنه قيل لماذا فقيل ليقاتلوا في سبيله، وليست المقاتلة

ص: 366

نفس الشراء حتى تكون بيانا له كما قيل، وقوله:) يقاتلون في معنى الأمر) قيل إنه مرضه لأنه لا يجري في يقتلون المجهول وجعله بمعنى يباشرون سببه تكلف من غير داع. قوله:) وقد عرفت الخ) دفع لسؤال عدم مراعاة الترتيب بأنّ الواو لا تقتضيه، وبأن المراد يقتل بعض ويقتل بعض لكنه أسند إلى الجميع فعل بعضهم لأنّ المجاهدين كنفس واحدة، وقيل يتعين الثاني لدلالته على جراءتهم حيث لم ينكسر، والآن قتل بعضهم د هاما أنّ الواو لا تفيد الترتيب فلا يجدي لأنّ تقديم ما حقه التأخير في أبلغ الكلام لا يكون بسلامة الأمير، وهذا لا يقتضي عدم صحته بل مرجوحيته، وهو أمر سهل، ثم إنه قال إنه لم يقل بالجنة وهو أخصر لما فيه من مدحهم بأنهم بذلوا أنفسهم ونفائسهم بمجرّد الوعد ثقة بالوفاء، وأيضا تمام الاستعارة به يعني أنه يقتضي بصريحه عدم التسليم، وهو عين الوعد لأنك إذا قلت اشتريت منك كذا بكذا احتمل النقد بخلاف ما إذا قلت بأنّ لك كذا فإنه في معنى لك عليّ كذا وفي ذمّتي لأنّ اللام هنا ليست للملك، إذ لا يناسب شراء ملكه بملكه كالممهورة إحدى خدمتيها فهي للاستحقاق، وفيه إشعار بعدم القبض وكون تمام الاستعارة التمثيلية به لا يخلو من وجه لأنّ الجنة بمعناها الحقيقي تصلح عوضماً، ولأنه لولاه لصح جعله مجازا عن الاستدلال، وهو غير مراد لكنه لا يخلو من نظر ومن لم يقف على مراده قال لا فرق بين اشترى بالجنة، وا! ثيترى بأنّ له الجنة، وهو من قلة التدبر والقائل مسبوق بما ذكره. قوله:

(مصدر مؤكد لما دل عليه الثسراء) فإنه في معنى الوعد قيل هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة لأنّ معنى الشراء بأنّ لهم الجنة وعد لهم بها على الجهاد في سبيله والمفهوم من تقرير المصنف رحمه الله ظاهر أن يكون المجاز في لفظ الشراء، وقد جعل الكلام تمثيلاً فمفرداته باقية على معانيها الأصلية، وقد علمت أن الشراء بأنّ له كذا يفيد النسيئة، وهي وعد فلا ينافي ما ذكره من التمثيل، ولا يرد عليه ما قيل إنّ الوعد مستفاد من مضمون اشترى بأنّ لهم الجنة ومن جعله من الشراء فقد غفل ولا حاجة إلى تكلف أنّ مراده أنه مؤكد لمضمون الجملة، وحقاً نعت له وعليه حال من حقا لتقدمه عليه. قوله:(مذكورا فيهما كما أثبت في القرآن) قال في الكشاف:

وعد ثابت قد أثبته في التوراة والإنجيل كما أثبته في القرآن، قال الطيبي: يعني حقا بمعنى ثابتا ومن المعلوم ثبوت هذا الحكم في القرآن، فقرن التوراة والإنجيل معه في سلك واحد ليؤذن بالاشتراك، ولذلك أتى بحرف التشبيه، وقال كما أثبته في القرآن إلحاقاً لما لا يعرف بما يعرف، وهذا بعينه كلام المصنف رحمه الله لأنّ إثباته فيهما بذكره ثم إنه إما أن يكون ما في الكتابين أن أمّة محمد صلى الله عليه وسلم اشترى منهم أنفسهم بذلك، أو أن من جاهد له ذلك فليس في كلام المصنف رحمه الله اضطراب كما توهم ويجوز تعلفه باشترى ووعداً وحقأ وبمقدر كمذكوراً أو ثابتا، ومن أوفى استفهام إنكاري في معنى لا أحد أوفى من الله وهو يقتضي نفي مساواته في الوفاء عرفا كما مر تحقيقه فإنه إذا قيل ليس في المدنية أفقه منه أفاد أنه أفقه أهلها. قوله:(مبالغة في الإنجارّ) المبالغة من أفعل التفضيل، وجعل الوعد عهداً وميثاقأ قيل وهي لا تقتضي عدم خلف وعده وإنما المقتضى له قوله تعالى:{لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [سورة آل عمران، الآية: 94 ا] فتأقل. قوله: (وتقرير لكونه حقاً) وجه التقرير ظاهر وفي بعض التفاسير قال أبو المعالي رحمه الله: المكاتبة من المعاوضات المجازية الخارجة عن القياس فإنها مقابلة مال بملك وهما لواحد هنا، وهذا على مذصب الشافعيّ رحمه الله فإن العبد لا يملك عنده وعند مالك رحمه الله يملك فالمعاوضة عنده حقيقية وان كان ملك العبد ضعيفا مزلزلاً ففي الآبة حجة له، وقال أبو الفضل الجوهري رحمه الله في وعظه ناهيك بائعها وثمنها الجنة والواسطة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم. قوله:(فانرحوا به غاية الفرح) يقال بشرته وأبشرته إذا أخبرته بخبر سار فاستبشر فرج ووجد ما يبشر به وشر كدّا قال الراغب فليس مستعملاً في لازم معناه كما قيل. قوله: (رفع على المدح أي هم الخ) يعني أنه نعت للمؤمنين قطع لأجل المدح بدليل قراءة التائبين فعلى هذا الموعود بالجنة المجاهد المتصف بهذه الصمفات لا كل مجاهد وهو قول للمفسرين، وعلى القول الآخر وهو تبشير مطلق المجاهدين بما ذكر فالتائبون مبتدأ، وفي خبره أقوال فقيل تقديره من أهل الجنة فيكونون موعودين بها أيضاً كمن قبلهم لقوله:{وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} [سورة النساء، الآية: 95]

ص: 367

لأنّ المراد بها الجنة، وقيل إنه بدل من ضمير يقاتلون وحمل التوبة على التوبة عن الكفر لأنه بعد ذكر المنافقين، وتوبتهم عنه ولأنّ ما ذكر بعده من الصفات لو حمل على التوبة عن المعاصي يكون غير تام الفائدة مع أنّ من اتصف بهذه الصفات الظاهر اجتنابه للمعاصي، وقوله نصبا على المدح أي بتقدير أمدح أو أعني. قوله:(هم الجامعون لهذه الخصال الخ) قيل عليه إنه تبع فيه الكشاف، وفي بعض التفاسير أنه دسيسة اعتزالية كأنه يقول

المؤمنون هم الجامعون لهذه الصفات حتى يجعل المذنب غير مؤمن انتهى (قلت) ويدفع بأنه أراد بقوله على الحقيقة الكاملون إيمانا لا المؤمنون كما سيصرّح به في قوله وبشر المؤمنين ولو تركه كان أولى. قوله: (لنعمانه أو لما نابهم الخ) وفي نسخة يأتيهم والأولى أصح ونابهم بالنون والباء الموحدة بمعنى نزل بهم والسراء بالمد المسرّة والضراء بالمد المضرة يعني الحمد إما في مقابلة النعمة بمعنى الشكر أو بمعنى الوصف بالجميل مطلقا فالحمد لله على كل حال ولا حاجة إلى ما قيل إن المضرة لكونها سببا للثواب يحمد عليها. قوله: (السائحون الصائمون الخ الما كان في الأمم السابقة السياحة والرهبانية، وقد نهى عنها فسرت كما وقع في الحديث بالصوم وهو استعارة له لأنه يعوق عن الشهوات كما أنّ السياحة تمنع عنها في أكثر أو لأنه رياضة روحانية ينكشف بها كثير من أحوال الملكوت، والملك فشبه الاطلاع عليها بالاطلاع على البلدان والأماكن النائية إذ لا يزال يتوصل من مقام إلى مقام ويدخل من مدائن المعارف إلى مدينة بعد أخرى على مطايا الفكر من ساج الماء إذا سأل، وعن عائشة رضي الله عنها: " سياحة هذه الأمّة الصيام " (1)، وروي مرفوعا كما هو ظاهر صنيع المصنف وقوله:(في الصلاة) حمل الركوع والسجود على معناهما الحقيقي وجعلهما بعضهم عبارة عن الصلاة لأنهما أعظم أركانها، وقوله: (بالإيمان والطاعة الو أبقى لفظ النظم على عمومه كان أولى. قوله: (والعاطف فيه للدلالة على أنه بما عطف عليه الخ الما ترك العطف فيها وذكر في موضعين احتاج إلى بيان وجهه والنكتة فيه سواء كانت وتلك الصفات إخباراً أو لا، وقد وقع مثله في غير هذه وبحثوا عن وجهه قال في المغني: الظاهر أن العطف في هذا الوصف بخصوصه إنما كان من جهة أنّ الأمر والنهي من حيث هما أمر ونهي متفابلان بخلاف بقية الصفات لأن الأمر بالمعروف ناه عن المنكر، وهو ترك المعروف والناهي عن المنكر آمر بالمعروف فأشير إلى

الاعتذار بكل من الوصفين وأنه لا يكفي فيه ما يحصل في ضمن الآخر، وما ذكره المصنف رحمه الله من أنهما في حكم خصلة، وصفة واحدة أي بينهما تلازم في الذهن والخارج لأن الأوامر تتضمن النواهي ومنافاة بحسب الظاهر لأنّ أحدهما طلب فعل والآخر طلب ترك فكانا بين كمال الاتصال والانقطاع المقتضى للعطف بخلاف ما قبلهما، فلا يرد عليه اًن الراكعون الساجدون في حكم خصلة واحدة أيضاً فكان ينبغي فيهما العطف على ما ذكره إذ معناه الجامعون بين الركوع والسجود، أو لأنه لما عدد صفاتهم عطف هذين ليدل على أنهما شيء واحد وخصلة واحدة والمعدود مجموعهما، وما ذكره ابن هشام رحمه الله أمر آخر وهو أنّ العطف إما لما بينهما من التقابل أو لدفع الإيهام ولما ورد أنه لا ينبغي العطف فيما بعده أشار إلى جوابه كما ستراه. قوله:) أي فيما بينه وعيته من الحقائق والشرائع للتتبيه على أنّ الخ (يعني أنه من ذكر أمر عام شامل لما قبله وغيره ومثله يؤتى به معطوفاً نحو زيد وعمرو وسائر قبيلتهما كرماء فلمغايرته لما قبله بالإجمال، والتفصيل والعموم والخصوص عطف عليه، فاندفع ما قيل إنه عطف على ما قبله من الأمر والنهي لأن من لم يصدق فعله قوله لا يجدي أمره نفعاً، ولا يفيد نهيه منعا، ومن لم يتنبه لهذا قال إنه للتنبيه على أنّ ما قبله مفصل الخ وليت شعري ما وجه الدلالة في العطف على هذا، وقد ظهر نكتة أخرى أوضح مما قالوه، وهو أنّ المراد بحفظ الحدود ظاهره وهي إقامة الحد كالقصاص على من استحقه والصفات الأول إلى قوله الآمرون صفات محمودة للشخص في نفسه، وهذه له باعتبار غيره فلذا تغاير تعبير الصنفين فترك العاطف في القسم الأؤل عطف في الثاني، ولما كان لا بذ من اجتماع الأول في شيء واحد ترك فيها العطف لشذة الاتصال

ص: 368

بخلات هذه فإنه يجوز اختلاف فاعلها ومن تعلقت به، وهذا هو الداعي لإعراب التائبون مبتدأ موصوفا بما بعده والآمرون خبره فكأنه قيل الكاملون في أنفسهم المكملون لغيرهم، وقدم الأوّل لا! المكمل لا يكون مكملاً حتى يكون كاملا في نفسه، وبهذا اتسق النظم أحسن نسق من غير تكلف والله أعلم بمراده. قوله:) وقيل إنّ هذا للإيذان بأنّ التعداد قد تم بالسبع (وفي نسخة بالسابع، وقد مز بيان كون السبع عدداً تاما وتفصيله، وقائل هذا القول هو أبو البقاء تبعأ لغيره ممن أثبت واو الثمانية، وهو قول ضعيف لم يرضه النحاة كما فصله صاحب المغني رحمه الله وذكروه في قوله تعالى: {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [سورة الكهف، الآية: 22] وسيأتي تحقيقه، وقد نظر فيه بأن الدال على التمام لفظ سبعة لاستعماله في التكثير لا معدودة وفيه نظر. قوله:) يعني به (وفي نسخة بهم أي بالمؤمنين ولم يقل، وبشرهم بكذا إشارة إلى أنه لأمر جليل لا يحيط به نطاق البيان، وقوله:

) روي الخ)) 1 (أخرجه البخارفي ومسلم رحمهما الله تعالى عن سعيد بن المسيب عن أبيه.

قوله:) وقيل لما افتتح مكة الخ) الصحيح في سبب النزول هو الأوّل، وهذا حديث ضعيف أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما فإن قيل موت أبي طالب قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وهذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة فكيف يتأتى جعل ما مرّ في الصحيحين سببا للنزول، قيل إنه لمجي! كان يستغفر له إلى حين نزولها فإنّ التشديد على الكفار، والنهي عن الدعاء لهم إنما ظهر بهذه السورة كما في التقريب واعتمده من بعده من الشراح ولا ينافيه قوله في الحديث فنزلت لامتداد استغفاره له إلى نزولها أو لأن الفاء للسببية بدون تعقيب، والأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة والمد جبل بين مكة والمدينة وعنده بلدة تنسب إليه ومستعبراً بمعنى باكيا من العبرة بالفتح. قوله:(بأن ماتوا على الكفر الخ (خصه لأنه الواقع في سبب النزول، ومثله ما إذا علم بالوحي أنهم مطبوع على قلوبهم لا يؤمنون كما سيشير إليه في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فلا اعتراض عليه كما توهم، وقوله:) وفيه دليل الخ الأنه إنما نهى عنه بعد تبين أنهم من أهل النار، وهو لا يقطع به في حق كل إحيائهم وطلب المغفرة يستلزم بطريق الاقتضاء إيمانهم، أو هو المراد منه فلا يقال إنه لا فائدة في طلب المغفرة للكافر، وقوله وبه دفع النقض يعني أنّ الآية تدل على أنه لا يصح ذلك وقد وقع من إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه ووجه الدفع ظاهر. قوله:) وعدها إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه

الخ) أباه بفتح الهمزة وابىء الموحدة يعني أنّ فاعل وعد ضمير إبراهيم عليه الصلاة والسلام واياه ضمير عائد على أبيه بدليل ما قرأه حماد الراوية والحسن وابن السميفع وابن نهيك ومعاذ القارىء كما في الدرّ المصون فإنهم قرؤوا أباه بالموحدة، وقوله:(منفرتك) أي مغفرة الله لك، وقوله:(بالتوفيق للإيمان) إشارة لما مرّ، ويجب بالجيم بمعنى يقطع ويمحو وهو عبارة الحديث ولا تنافيئ سبب النزول كما قيل لأنّ معنى الآية ما كان لكم الاستغفار بعد التبيين وأما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فإنما كان في حياته وقبل النهي عنه فلا وجه لما قيل إنه يشكل قوله تعالى في سورة الممتحنة {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [سورة الممتحنة، الآية: 4]{إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [سورة الممتحنة، الآية: 4] حيث منع من الاقتداء به فيه ولو كان في حياته لم يمنع منه لأنه يجوز الاستغفار بمعنى طلب الإيمان لأحيائهم لأنه إنما منع من الاقتداء بظاهره وظن أنه جائز مطلقا كما وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم وأما قوله في الكشاف على أنّ امتناع جواز الاستغفار للكافر إنما علم بالوحي لأنّ العقل يجوّز أن يغفر الله للكافر، ألإ8 ترى إلى قوله عليه السلام دعمه لأستغفرنّ لك ما لم أنه فلم يتعرّض له المصنف رحمه الله لأنه لا يلائم قوله تعالى:{إِلَاّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [سورة التوبة، الآية: 14 ا] كما ئيل لأنّ وعده بامتثال أمره يقتضي أنه كان قبل موته. قوله: (ويدلى عليه قراءة من قرأ أباه الخ) قد علمت أنها قراءة الحسن وأنه قرأ بها غير واحد من السلف، وإن كانت شاذة فلا التفات إلى ما قيل إنهم عدوها! حيفان وأنّ ابن المقنع صحف في القرآن ثلاثة أحرف فقرأ إياه أباه، وقرأ في عزة وشقاق في غرة بالمعجمة، وهو بالعين المهملة وقرأ شأن يغنيه يعنيه بفتح الياء وعين مهملة. قوله: (أو وعدها إبراهيم أبوه الأنه وعده أن يؤمن، وبهذا ظهر جواب آخر وهو أنه لما وعده الإيمان استغفر له بعد موته

ص: 369

لاحتمال أنه أنجز وعده وآمن وهذه القراءة لا تنافي الأخرى لأنه وعده الإيمان فوعده أن يدعو له بالتوفيق لذلك، وقوله بأن مات الخ فمعنى عدوّ لله مستمرّ على عداوته والا فهو أوّلاً عدوّا لله لكفره والتبري قطع الوصلة وفسرها بقطع الاستغفار لمناسبة السياق له. قوله:(لكثير التأوّه وهو كناية عن الخ) أوّاه فعال للمبالغة من التأوّه، وقياس فعله أن يكون ثلاثيا لأنّ أمثلة المبالغة إنما يطرد أخذها منه، وحكى قطرب رحمه الله له فعلا ثلاثيا فقال: يقال آه يؤه كقام يقوم أوها وأنكره عليه غيره، وقال: لا يقال إلا أوه وتأوّه قال المنقب العبدي:

إذا ما قمت أرحلها بليل تأوّه آهة الرجل الحزين

وقال الزمخشري: أوّاه فعال من أوّه كلأل من اللؤلؤ وتركه المصنف رحمه الله تعالى لما

أورد عليه والتأوّه قول آه، ونحوه مما يقوله الحزين فلذا كني به عن الحزن ورقة القلب، وقوله:(والجملة) أي إن إبراهيم الخ والشكاسة الشدة وسوء الخلق. قوله: (ليسميهم ضلالأ الخ) ضلال بالضم والتشديد كجهال جمع ضال وإنما فسره به وان كان الإضلال خلق الضلال عندنا لظهوره، وأما تفسير الزمخشريّ فبناء على مذهبه لأنه قبل البيان والتكليف بالنهي عن الاستغفار لا يكونون مؤاخذين وضالين، فالمنايسب لما قبله أن يكون المعنى لا يستقيم من لطف الباري أن يذم المؤمنين، ويؤاخذهم وشمميهم ضلالأ حتى يبين لهم ما يتقون، وهو أنّ الاستغفار لمن مات مشركا غير جائز فإذا بين لهم ذلك ولم يتركوا الاستغفار فحينئذ يسميهم ضلالاً، ويذمّهم وليس هذا متابعة للزمخشرفي على الاعتزال كما بينه الطيبي رحمه الله. قوله:(حظر ما يجب اتقاؤه) حظر بالحاء المهملة والظاء المعجمة بمعنى منع، وهو إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى أنّ المعنى المراد من بيان المحظور من حيث هو محظور بيان حظره والمراد نهيهم عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمه هو لاستغفرنّ لك ما لم أنه وقوله:(في القبلة) أي ماتوا قبل تحويل القبلة وتحريم الخمر. قوله: (وفي الجملة دليل الخ) أي في جملة ما ذكر أو بالجملة وعلى كل حال، والغافل من لم يسمع النص، والدليل السمعي وهو مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة في قولهم إنه مخصوص بما لم يعلم بالعقل كما في الكشاف بناء على القبح والحسن العقلي، وقوله:(في الحالين) أي ال البيان وعدمه، وبشراشرهم بجملتهم وكليتهم جمع شرشرة بشيم معجمة وراء مهملة، وفيما يأتون ويذرون بمعنى ما يأتونه ويذرونه وسوا أي سوى الله، وقوله:(لمن استغفر) عطف على الرسول بزيادة التصريح باللام إذ هو في معنى بيان لعذر الرسول أو لعذر من استغفر أو هو عطف على بيان بتقدير بيان لمن استغفر، وقوله وجوب التبري عنهم رأسا قيل فيه نظر لأن المذكور فيه التبري عمن تبين أنه من أصحاب الجحيم. قوله:(من أذن المنافقين في التخلف الخ) يعني أنّ التوبة إمّا على ظاهرها فتقتضي ذنبا ولا مانع منه في حق

غيره صلى الله عليه وسلم فلذا لم يتعرض له، وفي حقه صلى الله عليه وسلم المراد به ما ارتكبه من الأذن للمنافقين، وخلاف الأولى كقوله:{عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} لهم أو هي مجاز عن البراءة من الذنب، والصون عنه فيكون استعارة لشبه البراءة عنه بعفوه في أنه لا مؤاخذة في كل منهما كما في قوله:(لينفر لك الله) فإنه بمعنى ليصونك عن ذلك، وقيل: المراد بالذنب على هذا ما يكون نقصا بالنسبة إلى الشخص أعمّ من ترك الأولى وفيه نظر، وعلقة بضم فسكون ما يتعلق به منه. قوله: (وقيل هو بعث على التوبة والمعنى ما من أحد الخ (أي حض وتحريض للناس كلهم على التوبة لأنّ كل أحد محتاج إليها حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع عصمتهم لترقيهم في المقامات فكلما وصلوا إلى مرتبة كان الوصول إليها بمنزل التوبة عما دونها فتكون التوبة استغفاره للصعود إلى المقامات وانتقالاً من العليّ إلى الأعلى في الخواص، وفي العوام من حضيض الذنوب إلى أوج التوبة المقربة لهم من العلي الأعلى والتحريض مأخوذ من إسناد التوبة إلى هؤلاء ووصفهم بها فإذا كانوا محتاجين إليها فما بالك بغيرهم فمغايرته لما قبله، واختصاصه بالبعث المذكور ظاهر كما إذا قلت خدم الوزير السلطان مخاطباً للعوام، فإنه يدل على تحريضهم على خدمته فاندفع ما قيل إنّ البعث والإظهار لا يتوقفان على هذا المعنى

ص: 370

بل يحصلان على المعنيين الأوّلين فتخصيص تعليل حصول البعث بما ذكره من المعنى الغير المشهور محل كلام، وكذا ما قيل في دفعه إنه ليس وجهاً ثالثا بل بيان لفائدة الوجهين السابقين، وكيف لا وهو في الأوّلين خاص، وفي هذا عام وكون البعث موجودا فيهما لا يضرّ، وقوله:(1 لا وله مقام) أي مقام يمكنه الوصول إليه وان لم يكن مقاما له في الحال، وضمير دونه لمقام وهو لاحد وفيه لما، وقوله:) والترقي الخ) صريح فيما قرّرنا. قوله: (وإظهار لفضلها (أي لفضل التوبة فيكون المقصود بذكر الصفة مدحها نفسها لا مدح موصوفها كوصف الملائكة عليهم الصلاة والسلام بالإيمان والأنبياء صلى الله عليه وسلم بالصلاج في بعض الآيات ذا لوصف للمدح كما يكون لمدح الموصوف يكون لمدح الصفة، وهذا من لطأور! البلاغة كما نصوا عليه وهو كما قال حسان رضي الله تعالى عنه:

ما إن مدحت محمداً بمقالتي لكن مدحت مقالتي بمحمد

وقد مرّ تفضيله. قوله:) في وقتها الخ) فيه إشارة إلى أنّ الساعة هنا بمعناها اللغوي،

وهو مقدار من الزمان غير معين كما في قوله: {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [سورة الروم، الآية: 55] فليس من استعمال المقيد في المطلق كما قيل، وهي في عرف أهل الشرع يوم القيامة، وفي عرف المعدلين جزء من أربعة وعشرين جزءاً من الليل والنهار كما في شرح البخاري، وضمير هي للعسرة بمعنى الشدة والضيق وجيش العسرة وغزوة العسرة، هي تبوك وتجهيز عثمان رضي الله عنه مذكور في كتب الحديث، وقوله:(في عسرة الظهر) الظهر مجاز عما يركب تجوّز به عنه لأنه المقصود منه كالعين للربيئة أي كانوا في قلة من المركب، والاعتقاب ركوب جماعة نوبة نوبة والزاد والماء بالجرّ عطف على الظهر أي زادهم وماؤهم قليل، واللفظ بفتح الفاء وتشديد الظاء هنا ما يعتصر من كرس البعير والافتظاظ عصره، وفي أمالي القالي العرب كانوا إذا أرادوا توغل الفلوات التي لا ماء فيها سقوا الإبل على أتنم إظمائها، ثم قطعوا مثافرها أو خزموها لئلا ترعى فاذا احتاجوا إلى الماء افتظوا كروشها فشربوا ثميلها وهو كثير في الأشعار كقوله:

وبهماء يشتاف الدليل ثرابها وليس بها إلا اليماني يخلف

وقوله: الفظ) في بعض النسخ الفظظ وهو الظاهر. قوله: (عن الثبات على الإيمان) هو

إما مجرّد همّ ووسوسة أو من ضعفائهم ومن حدث عهدهم بالإسلام، وقوله: أو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هو ما روي أنّ منهم من همّ بالانصراف من غير إذنه صلى الله عليه وسلم. قوله: (وفي كاد ضمير الشأن أو ضمير القوم) قرأ حمزة يزيغ بالياء ففي كاد ضمير الشأنّ، وقلوب فاعل يزيغ والجملة خبرها وعليه حمله سيبويه رحمه الله الآية، ولا يصح أن يكون قلوب اسم كاد ويزيغ الخبر لأنّ السرّ به حينئذ التقديم فيكون التقدير كاد قلوب يزيغ ولا يصح لتذكير الضمير في يزيغ وتأنيث ما يعود عليه، وضعفه أبو البقاء رحمه الله، واستشكل هذا بأنهم قالوا إنّ خبر أفعال القلوب لا يكون إلا مضارعاً رافعا اسمها، فبعضهم أطلقه وبعضهم قيده بغير عسى، ولا يكون سبباً وهذا بخلاف كان فإنّ خبرها يرفع الضمير والسببي وعلى هذا فإذا كان اسم كاد ضمير شأن ورفع الخبر لم يكن فاعله ضميراً عائدا على اسمها ولا سببيا له وقيل: لما كانت الجملة مفسرة لضمير الشان وهي هو في المعنى أغنى عن الضمير ألا ترى أن المبتدأ إذا كان ضمير شأن والجملة خبره لم يحتج لضمير يعود على المبتدأ، وقد ذكره ابن الصائغ رحمه الله في شرح الجمل فقال: وجه ذلك أن المسند والمسند إليه في الحقيقة هو الجملة الواقعة بعد الضمير، وليس بخارج عما تقدم ولذلك يجوز ما كان زيد بقائم على أن يكون في كان ضمير الأمر، ويكون بقائم في موضع رفع خبر المبتدأ وأدخلت الباء عليه، وان لم يكن خبر كان صريحا في اللفظ لأنه الخبر في المعنى، وعلى ذلك تأوّل الفارسي ليس الطيب إلا المسك على أن في

ليس ضمير الأمر، ودخلت الأعلى خبر المبتدا لأنه الخبر المنفي معنى، وعلى هذا لا وجه لتكلف أبي حيان رحمه الله زيادة كاد، وقرأ الباقون تزيغ بالتاء فيحتمل أن يكون قلوب اسم كاد وتزيغ خبرها وفيه ضمير يعود على اسمها، قال أبو عليّ رحمه الله: ولا يجوز ذلك في عسى، وهذا مبنيّ على جوازه في مثل كاد يقوم زيد والصحيح المنع ويحتمل أن يكون اسم

ص: 371

كاد ضميرا يعود على جمع المهاجرين والأنصار أي من بعد ما كاد الجمع وقدره ابن عطية رحمه الله ما كاد القوم وضعف بأنه أضمر في كاد ضمير لا يعود إلا على متوهم وبأن خبر كاد يكون قد رفع سببياً، وقد تقدم أنه لا يرفع إلا ضميراً عائداً على اسمها، وذهب أبو حيان كما علمت إلى أن كاد زائدة، ومعناها مراد ككان ولا عمل لها في اسم ولا خبر ليخلص من الأشكال، ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه من بعدما زاغت بإسقاط كاد وقد ذهب الكوفيون إلى زبادتها في نحو لم يكد مع إنها عاملة معمولة فهذا أولى، وقرأ أبي رضي الله عنه من بعد ما كادت وقرأ الأعمش يزيغ بضم الياء. قوله:(وقرىء من بعد ما زاغت) هذا يستأنس به لما قيل إنها زائدة وجعل الضمير على هذه القراءة للمتخلفين سواء أكانوا من المنافقين أم لا كأبي لبابة رضي الله عنه لوصفهم بالزيغ المحتمل لكونه عن الإيمان أو الإتباع، وأما على المشهورة فلم يوصفوا بالزيغ بل بالقرب منه فيشمل المتخلفين وغيرهم كما مرّ. قوله:(تكرير للتثيد وتنبيه الخ) فالضمير للمهاجرين والأنصار والنبي عتي! ، وقد تقدم أنه تاب عليهم فيكون تأكيداً له والتأكيد يجوز عطفه بثم كما صرح به النحاة وان كان كلام أهل المعاني يخالفه ظاهراً وسيأتي تحقيقه، والتنبيه على أنّ توبته في مقابلة ما قاسوه من الشدائد، وإنما جعله تنبيهاً لأنّ ما قبله يعيده إذ التعليق بالموصول يفيد علية الصفة. قوله:(أو المراد أنه تاب عليهم لكيدودتهم) الكيدودة مصدر كاد كالكينونة، والبينونة أي تاب عليهم لكيدودتهم، وقربهم من الزيغ لأنه جرم محتاج إليهم فيكون مخصوصا ببعض من مضى وهم الفريق، والضمير راجع إليه حينئذ فلا يكون تكريراً لما سبق، ولكيدودتهم متعلق بتاب واللام للتعليل أو الاختصاص وعلى الثلاثة يحتمل عطفه على قوله على النبي وقوله عليهم وكلام المصنف رحمه الله يحتمله، وقيل إن تاب مقدر هنا لتغاير توبتهم للتوبة السابقة وفيه نظر. قوله:(تخلفوا عن النزو الخ) أشار بتفسيره باللازم إلى أن المخلف كسلهم أو الشيطان، أو المراد خلف أمرهم أي أخر وهم المرجؤون فالإسناد إليهم إما مجاز أو بتقدير مضاف، وهو منقول عن السلف كما مرّ بتفصيله في قوله تعالى:{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ} [سورة التوبة، الآية: 106] ومرارة بضم الميم وراءين مهملتين ابن

الربغ العامري كما في مسلم وغيره، أنكره المحدثون وقالوا صوابه العمري نسبة لعمرو بن عوف، قاله البخاري وابن عبد البز ولا عبرة بقول القاضي عياض لا أعرف إلا العامري. قوله: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت (يجوز إذا أن تكون شرطية جوابها مقدر، وأن تكون ظرفية غا! ة لما قبلها، وقوله برحبها بضم الراء إشارة إلى أن ما مصدرية والباء للملابسة، وجعله مثلا لأنّ المكان الضيق لا يسع ولا يكون مقرا لأحد فالمراد مجازاً أنهم لم يقروا في الدنيا مع سعتهاكماقيل:

كأن بلاد الله وهي فسيحة على الخائف المطلوب كفة حابل

لاعراض الناس عنهم عدم مجالستهم ومحادثتهم لأمر النبيّ-لمج! هـ لهم بذلك. قوله:

(قلوجمم من فرط الوحشة الخ) يعني ليس الأنفس هنا بمعنى الذوأت بل بمعنى القلوب مجازاً لأنّ ضام الذوات بها كما قيل المرء بأصغريه إذ الضيق، والسعة يوصف به القلوب دون الذواش، ومعنى ضيقها شدة غمها وحزنها كأنها لا تسع السرور لضيقها فهو استعارة في الفيق، مع التجوّز ويه ترق من ضيق الأرض! إلى ضيقهم في أنفسهم، وهو في غاية البلاغة وفسر الظن بالعلم لأنه المناسب لهم، وقوله:(من سخطه) بيان للمراد لأن الالتجاء فرار من سخطه، وذلك بالتوبة وطلب المغفرة. قوله:(بالتوفيق للتوبة الخ الما كان توبة الله بمعنى قبولى التوبة وقبول التوبة يقتضي تقدمها لم يفسره به ليلتئم مع قوله ليتوبوا والتوفيق للتوبة يتقدم عليها وعلة لها، فقوله بالتوفيق الخ تفسير للتوبة، ولو قال: وفقهم كان أظهر وقوله أو أنزل الخ جواب آخر فالمرإد به أنزل قبول توبتهم في القرآن وأعلمهم بها ليعدهم المؤمنون في جملة التائبين أو هو بمعناه المشهور، وقوله: (ليتوبوا) بمعنى ليستقيموا على التوبة ويستمرّوا عليها أو التوبة الثلأنية ليست هي القبولة، والمعنى قبل توبتهم ليتوبوا في المستقبل إذا صدرت منهم هفوة ولا

ص: 372

يقنطوا من كرمه، وهذا هو المناسب لما ذكره في تفسير الثواب، في قوله ولو عاد الخ، وقد خبط من أدخله في كلام المصنف رحمه الله. قوله:(مع الصادقين الخ) الخطاب إن كان لمن آمزء من أهل الكتاب كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فالمراد بالصادقين الذين

صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على الطاعة، وان كان عامّا فيراد الذين صدقوا في الدين نية وقولاً وعملَا وان كان لمن تخلف وربط نفسه بالسواري فالمناسب أن يراد بالصادقين الثلاثة أي كونوا مثلهم في صدقهم وخلوص نيتهم والى هذه الوجوه الثلاثة أشار المصنف رحمه الله وأيمانهم بفتح الهمزة جمع يمين وعهودهم عطف تفسير عليه، وقيل إنه جعل الخطاب عاما في الوجوه كلها، ولم يلتفت إلى ما مرّ من التفصيل الواقع في الكشاف لعدم القرينة عليه والوثوق بروايته فتأمّل. قوله:(ما كان لأهل المدينة) قيل خص أهل المدينة لقربهم منه، وعلمهم بخروجه وأنه خاص بالنبيئ صلى الله عليه وسلم لا بغيره من الخلفاء لاًنّ النفير ليس بلازم ما لم يلم العدوّ، ولم يمكن دفعه بدونه وقد سبق ما نقلناه عن ابن بطال رحمه الله من أنه كان واجبا عليهم لأنهم بايعوا عليه فتذكره، ووقع في نسخة بعد قوله عن رسول عخيرو عن حكمه فقبل قدره ليدخل ما عداه. قوله:(عبر عته بصبنة النفي للمبالغة) هو نهي بليغ لأنّ معناه لا ينبغي ولا يستقيم، ولا يصح وهو أبلغ من صريح النهي، واذ أنهوا عن أن يتخلفوا عته مجخ! وإن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه وجب عليهم أن يصحبوه! في البأساء والضرّاء وأن يلقوا أنفسهم ما يلقاه من الثدائد فيكونون مأمورين بذلك لأنّ النهي عن الشيء أمر بضده، والمعنى ما صح لهم ولا استقام أن يترفعوا بأنفسهم عن نفسه بأن يكرهوا الشدائد لأنفسهم ولا يكرهوها له فإنه مستهجن جدا بل عليهم أن يعكسوا القضية، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى ما يشير إلى ذلك وهو قوله ويكابدوا أي يقاسوا. قوله تعالى:{وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} عداه بالباء وعن وقال الواحدي رحمه الله يقال رغبت بنفسي عن هذا الأمر أي ترفعت، وفي النهاية رغبت بفلان عن هذا الأمر أي كرهته له ففيه مبالغة أيضا فتأمّله. قوله:(روي أن أبا خيثمة رضي الله عنه بلغ بستانه الخ)(1 (أبو خيثمة من الأنصار أحد بني سالم بن الخزرج شهد أحدا وبقي اإلى أيام يزيد بن معاوية، وهذا الحديث رواه البيهقيّ من طريق أبي إسحاق، وقوله: (بلغ بستانه) أي أتاه ودخله بعد ما ذهب النبيّ ع! برو إلى غزوة تبوك، وقوله:(فرشت له) بفتح الفاء والراء وتشديد الثين من رش الماء على التراب إذا نثره عليه ليسكن ويبرد ويجوز أن يكون من الفرس وقوله: (بسطت حينئذ) تفسير له، والرطب معروف (وظل ظليل) تأكيد له من لفظه كليل أليل ومعنى يافع أي زاه نضيج حسن، والضج بفتح الضاد المعجمة وتشديد الحاء المهملة ضوء

الشمس وحرها بلا ساتر منها، وقوله:(ظل ظليل الخ) بتقدير هذا، أو يكون أو إنهنا والحال أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكر من مقاساة حرّ الشمس وبروزه للرّياح فهذا ليس بخير لإيثار النعيم والراحة على مقاساة ما يقاسي النيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون رضي الله عنهم، (ورحل ناقتة) كمنع أو هو مشدد وضع عليها رحلها وهو ما يركب عليه كالسرج، وقوله ومرّ كالريح أي مرّ يسرع سيره وهو مثل في السرعة، ومد الطرف عبارة عن النظر وأصل الطرف تحريك الجفن ويطلق على العين، وقوله فإذا هي الفجائية ويزهاه السراب أي بالزاي المعجمة أي يرفع شخصه للناظر، والسراب ما يرى من شعشعة الشمس في وسط النهار كالآل. قوله:(كن أبا خيثمة) قال السهيلي رحمه الله في الروض الأنف في الحديث كن أبا ذر وكن أبا خيثمة لفظه لفظا لأمر ومعناه الدعاء كما تقول أسلم أي سلمك الله انتهى، وكذا قال غيره من المتقدمين كالفارسيّ رحمه الله وذكره المطرزي في قول الحريري كن أبا زيد وفي شعر ابن هلال:

ومعذرقال الإله لحسنه كن فتنة للعالمين فكأنها

ولم يزيدوا في بيانه على هذا وهو تركيب بديع غريب، ومعناه مساقه الله إلينا وجعله إيا.

ليكون هو القادم علينا، فاقيم فيه العلة مقام المعلول في الجملة الدعائية الإنشائية على حد قوله في الحديث:" أبلي وأخلقي "(1)

ص: 373

أي عمرك الله ومتعك بلباسك لتبلي وتخلق، وقولهم أسلم أي سلمك الله لتسلم، ثم لما أقيم مقامه أبقى مسندا إلى فاعله وان كان المطلوب منه هو الله، وهو قريب من قولهم لا أرينك ههنا أي لا تجلس حتى أراك، وهو تمثيل أو كناية، وفي شرح مسلم للنووي رحمه الله قال ثعلب كن زيدا أي أنت زيد وقال عياض رحمه الله: الأشبه أن كن لتحقيق الوجود أي ليوجد هذا الشخص أبا خيثمة حقيقة، وهو الصواب وهو معنى قوله في البحر اللهمّ اجعله أبا خيثمة، واسمه عبد الله بن خيثمة وقيل مالك وليس في الصحابة رضوان الله عليهم من يكنى أبا خيثمة إلا هذا وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي انتهى، والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم طلب من الله وترجى أن يكون هو.

قوله: (وفي لا يرغبوا يجوز النصب والجزم) النصب بعطفه على يتخلفوا المنصوب بأن واعادة لا لتذكير النفي، وتأكيده وهو نفي في معنى النهي البليغ والجزم بجعل لا ناهية فهو نهي صريح، وفي الكشاف روي أنّ ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به صلى الله عليه وسلم كأبي ذر وأبي خيثمة رضي الله عنهما، ثم قال: ومنهم من بقي ولم

يلحق به صلى الله عليه وسلم، ومنهم الثلاثة قال كعب رضي الله عنه لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه فردّ علي كالمغضب بعد ما ذكرني، وقال: ليت شعري ما خلف كعباً فقيل له يا رسول الله ما خلفه إلا حسن برديه والنظر في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله (1 (ما أعلم، إلا فضلا واسلاما ونهى عن كلامنا أيها الثلاثة فتنكر لنا الناس، ولم يكلمنا أحد من قريب ولا بعيد فلما مضت أربعون ليلة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتزل نساءنا ولا نقربهن، فلما تمت خمسون ليلة إذا أنا بنداء من ذروة سلع أبشر يا كعب بن مالك فحررت ساجدا، وكنت كما وصفني ربي سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} وتتابعت البشارة فلبست ثوبي وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو جال! في المسجد وحوله المسلمون فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني، وقال: لتهنك توبة الله عليك فلن أنساها لطلحة، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستنير استنارة القمر: " أبشر يا كعب بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا الآية) 2 (، قال النحرير رحمه الله في شرحه هكذا وقع في الكتاب وقديماً كان يختلج في صدري أنه لا يحسن في الانتظام أن يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم في حقه ما قال فيقول معاذ الله، وهو تكذيب له فلا يليق به ثم يردّ على القائل كالمغضب، وينهي عن مكالمته حتى تبين لي من مطالعة الوسيط، وجامع الأصول أنه تصحيف وتحريف والصواب فقال معاذ والله بواو القسم يعني معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صرّج بما ذكر مقسماً، وهذا مما لم يتنبه له أحد من الشراح والعجب العجاب من الفاضل الطيبي طيب الله ثراه مع غاية اطلاعه على كتب الحديث والتاريخ كيف لم يتنبه لهذا (قلت الا عجب ولا عجاب، ولا خطأ ولا صواب فإنّ القصة والحديث كما ذكر ولو نظر إلى جلالة المصنف وكثرة اطلاعه وطبق كلامه على الرواية المأثورة المشهورة وقرأ عبارته هكذا فقال معاذ آلله بتنوين معاذ ومد همزة الله فإنه كما يقال في القسم، والله يقال الله بالمد بمعناه قياسا مطرداً مشهورأ في الاستعمال على أنه رواه بالمعنى أو ظفر فيه برواية هكذا وهو كاصما أفتخر بواو ونحن نفتخر بمدة إن عليّ إلا الأصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، وأنا أعجب أيضاً ممن لم يأت بشيء هنا ثم تبجح، وافتخر فقال بعد ما ساق كلامه انظر إلى التبجح بهذه الجزئية التي مآلها إلى العثور على واو سقطت من الناسخ، ونقل ما ذكره من الوسيط وجامع الأصول مع أنه في الصحيحين فكيف بكتابنا هذا الذي حرّرنا فيه كل صشكلة وحللنا كل معضلة، وهذبنا الأحاديث وألفاظها ونقحنا تخريجها، وأتينا فيه بالعجب العجاب مما ضرب بينه وبين غيرنا الحجاب فلله درّ من

قل لمن لايرى المعاصرشيئا ويرى للأوائل التقديما

إق ذاك القديم كان جديداً وسيبقى هذا الجديد قديما

وإنما نقلنا هذا مع طوله لتعلم أنه ليس كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة. قوله:

(إشارة إلى ما دلّ عليه

ص: 374

قوله ما كان) أي نهيهم عن التخلف عنه أو أمرهم باتباعه لما ذكروا لأمره مأخوذ مما قصد بالكلام ومن النهي لأنه أمر بضده كما مرّ، والمشايعة بالشين المعجمة والعين المهملة بمعنى متابعة، وعدم مفارقة شيعته وقوله شيء من العطش تفسير للظمأ بالقصر والمد وبهما قرئ، وشيء إشارة إلى أنه للتقليل، والإبهام المستفاد من التكثير أي قليل أو كثير، والمخمصة المجاعة أي الجوع من جوع البطن أي ضمورها. قوله:(لا يدوسون مكاناً) الموطئ يجوز فيه أن يكون اسم مكان ومصدراً ميميا والوطء إمّا بمعنى الدوس بالأقدام ونحوها، أو بمعنى الإيقاع والمحاربة كما في الحديث:" آخر وطأة وطئها الله بؤفي " (1 (وهو واد بالطائف وحمله المصنف رحمه الله على معنى الدوس لأنه معناه الحقيقي وجعله اسم مكان لأنه الأشهر الأظهر ففاعل يغيظ ضميره بتقدير مضاف، أي وطؤه لأنّ المكان نفسه لا يغيظ أو ضمير عائد إلى الوطء الذي في ضمنه، وفسر الغيظ بالغضب، وفي نسخة يغيظهم وسيأتي تحقيق الغيظ في سورة تبارك، وأعلم أن خولة بنت حكيم رضي الله تعالى عنها ووت أنه-! يرو خرج وهو محتضن أحد ابني بنته رضي الله عنه، وهو يقول:" إنكم تبخلون وتجبنون، وإنكم لمن ريحان الله، وإن آخر وطأة وطئها الله بؤفي " (2 (وقد خفي على كثير وجه مناسبة آخر الحديث لأوّله، وتوضيحه أنّ معنى تبخلون وتجبنون أنّ محبة الأولاد تحمل على البخل ليخلف المال لهم، وعلى الجبن لخوف ضياعهم إذا قتل، ولما كان قوله صلى الله عليه وسلم:" آخر وطأة " أي آخر وقعة وحرب لي هذه لأنّ غزوة الطائف آخر غزواته ىسي! ، وتبوك وان كانت بعدها لم يكن بها قتال كناية عن قرب أجله لأنّ تمام المصالح يؤذن بالرحيل، فالمعنى أنهم ريحان الله يحى بهم عباده

فحبهم أمر طبيعي يعسر معه فراقهم، واني مفارقهم عن قريب أو محبتهم تدعو إلى الجبن وترك القتال، وقد انقضى القتال فتأمّل والنيل مصدر نال نيلاً وقيل هو مصدر نلته أنوله نولاً ونوالاً فأبدلت الواو ياء حكاه الطبري فإبداله على خلاف القياس. قوله:(كالقنل والأسر الخ) أي لا يأخذون، وينالون شيئا ونيلاً إما مصدر فالمفعول به محذوف أو بمعنى المأخوذ فهو مفعول وتفسيره بالمصدر مشعر بالأوّل، وقوله به وحد الضمير لعوده لجميع ما قبله لتأويله بذلك المذكور أو هو عائد على كل واحد منها على البدل قال النسفي وحد الضمير لأنه لما تكرّرت لا صار كل واحد منها مفردا بالذكر مقصودا بالوعد، ولذا قال فقهاؤها لو حلف لا يأكل خبزاً ولا لحما حنث بواحد منهما ولو حلف لا يأكل خبزا ولحما لم يحنث إلا بالجمع بينهما، وقوله:(استوجبوا به الثواب) أي استحقوه استحقاقا لازما بمقتضى وعده تعالى لا بالوجوب عليه، وإنما أوّل العمل بالثواب لأنه المقصود من كتابة الأعمال فهو بتقدير مضاف أو بجعله كناية عما ذكر. قوله:(وذلك مما يوجب الخ) المتابعة بمثناة فوقية وموحدة أي اتباعه وعدم التخلف عنه، والذي في أكثر النسخ المشايعة بشين معجمة ومثناة تحتية وهو بمعناه وهو الذي في الكشاف. قوله:(على إحسانهم الخ) هذا من التعليق بالمشتق وكونه تعليلا لكتب، بمعنى أنهم استوجبوه لأنه لا يضيع الخ، والتنبيه من وضع المحسنبن مكان المجاهدين والسعي في تكميلهم لأنه يقصد به أن يسلموا كضرب المجنون، وعلاقة السوط بكسر العين لأنها تكسر في الحسيات وتفتح في المعاني كعلاقة الحب، وذكر الكبيرة بعد الصغيرة وان علم من الثواب على الأولى الثواب على الثانية لأنّ المقصود التعميم لا خصوص المذكور إذ المعنى لا ينقصون شيئاً ما فلا يتوهم إنّ الظاهر العكس، وانفاق عثمان رضي الله عنه في جيس العسرة ألف دينار، قيل وألف محمل أعان به المسلمين. قوله:(في مسيرهم) أي سيرهم للغزو، ومنفرج بضم الميم وبفتح الراء اسم مكان بمعنى ما انعطف يمنة أو يسرة لأنه منخفض بين جبال يجري فيه سيولها، وهو منعطف في أكثر وأصل الوادي اسم فاعل من ودي بمعنى سال فهو السيل نفسه، ثم شاع في محله، ثم صار حقيقة في مطلق الأرض وجمعه أو دية كناد بمعنى مجلس جمعه أندية، وناج جمعه أنجية ولا رابع لها في كلام العرب. قوله:) أثبت لهم الخ) جعل

الكتابة مجازا أو كناية عن لازم معناه وهو الإثبات ولو حمل على حقيقته أي كتبه في الصحف أو اللوح صح أيضا، ولم يفسره باستوجبوا كما مرّ لأنه أنسب بقوله ليجزيهم الله والضمير للمذكور كما مرّ، وإليه أشار

ص: 375

المصنف رحمه الله بقوله ذلك أو لكل واحد كما عرفت، وجعله للعمل تكلف محوج إلى تقدير لأنه صفة لما قبله في المعنى وفصل هذا وأخره لأنه أهون مما قبله. قوله:(جزاء أحسن أعمالهم الخ) قال أبو حيان رحمه الله التقدير أحسن جزاء الذي كانو! يعملون لأنّ عملهم له جزاء حسن، وأحسن فجعله أحسن جزاء فانتصاب أحسن على المصدرية لإضافته إلى مصدر محذوف وهو الوجه الثاني في كلام المصنف رحمه الله، وقال الإمام فيه وجهان الأوّل أنّ أحسن صفة عملهم، وفيه الواجب والمندوب والمباح فهو يجزيهم على الأوّلين دون الأخير قيل، وعلى هذا يحتمل أن يكون بدل اشتمال من ضمير يجزيهم، وأورد عليه أنه ناء عن المقام مع قلة فائدته لأنّ حاصله أنه تعالى يجزيهم على الواجب، والمندوب وأنّ ما ذكر منه ولا يخفى ركاكته وأنه غير خفي على أحد، وقد يقال إنه كناية عن العفو عما فرط منهم في خلاله إن وقع لأنّ تخصيص الجزاء به يشعر بأنه لا يجازي على غيره، ثم قال الثاني أنّ اً حسن صفة لجزاء أي ليجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأفضل وهو الثواب، وقيل عليه إنه إذا كان أحسن صفة لجزاء كيف يضاف إلى الأعمال وليس بعضا منها، وكيف يفضل عليه بدون من ولا وجه لدفعه بأنّ أصله مما كانوا الخ فحذفت من مع بقاء المعنى على حاله كما قيل إذ لا محصل له، وقوله:(جزاء أحسن أعمالهم) قيل يحتمل أن يكون جزاء منوّناً منصوباً على المصدرية وأحسن مفعوله، وهو مضاف لما بعده والمقصود تقدير العامل الناصب لأحسن لأنّ الفعل نصب الضمير فلا ينصب مفعولاً آخر إلا أن يجعل بدلاً كما مرّ، والمراد بجزاء أحسن الأعمال أحسن جزاء الأعمال، وليس المراد أحسن هذه الأعمال المذكورة حتى يقتضي أنّ الجزاء على بعضها، ويحتمل إضافة جزاء لمعموله، وهو أحسن وهو كالأوّل في المعنى لكنه كان مجرورا فلما حذف انتصب وهذا ثاني وجهي الإمام (أقول) هذا مما لا وجه له، فإنّ المصدر الواقع مفعولاً مطلقا لا يعمل خصوصاً في غير ما عمل فيه فعله فلا يصح ضربت زيداً ضربا عمراً ولا يخفى ركاكته، فالظاهر أنه مضاف، وأنه لما حذف قام المضاف إليه مقامه فانتصب على المصدرية في الوجهين والمعنى أنه يجازيهم على أعمالهم بإضعافها كجزائه على الأحسن وقال السفاقسي: أحسن يحتمل أن يكون بدلاً من ضمير ليجزيهم بدل اشتمال أي ليجزي الله أحسن أفعالهم بالأحسن من الجزاء أو بما شاء، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي ليجزيهم الله جزاء أحسن أفعالهم اهـ. قوله:(وما استقام لهم أن ينفروا جميعاً الخ) في هذه الآية وجهان مبنيان على كونها متعلقة بما قبلها من أمر الجهاد أو منقطعة لا تختص به أو لبيان طلب العلم فانه فريضة على كل مسلم، والثاني أوفق بصريح

النظم فلذا قدمه المصنف رحمه الله، والمعنى لا يستقيم لهم أن يخرجرا جميعا لطلب العلم كالغزو لأنه تعالى لم بين وجوب الهجرة والجهاد وكل منهما سفر لعبادة فبعد ما فضل الجهاد ذكر السفر الآخر، وهو الهجرة لطلب العلم فيكون النفر والخروج لطلب العلم ولكن المصنف رحمه الله تعالى عمم فيه لبيان أنّ حكمهما واحد فيلتئم بما قبله كالوجه الثاني وقوله:(فإنه يخل بأمر المعاس) تعليل لقوله أن ينفروا وترك الآخر لظهوره، وهو الأثم ويصح أن يكون تعليلاً لهما فإنّ في ترك غلبة العدوّ غلبتهم المخلة بالمعاس أيضا، والثاني وهو الذي أشار إليه بقوله، وقد قيل الآتي أنه لما شدد على المتخلفين قالوا لا يتخلف منا أحد عن جش أو سرية فلما فعلوا ذلك حتى بقي النبيّ صلى الله عليه وسلم وحده نزلت، فقيل لهم لا تنفروا جميعا للقتال ولتقم طائفة معه لتعلم الدين، وتفهم ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم فإذا رجع المجاهدون أفادوهم ما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم، وهذا مرويّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قيل: فعلى هذا لا بد في الآية من إضمار والتقدير فلولا نفر من كل فرقة طائفة وأقامت طائفة ليتفقه المقيمون، ولينذروا قومهم النافرين إلى الغزو إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون معاصي الله تعالى عند ذلك التعلم، وردّ بأنه لا حاجة إلى ا! لتقدير إذ يفهم الفرق من قوله:(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) فإنّ الفرق إذا نفر من كل منها طائفة لزم أن تبقى طائفة أخرى فضمير ليتفقهوا يرجع إلى الفرق البانية المفهومة من الكلام وسيأتي ما فيه. قوله: (فهلا نفر من كل جماعة كثيرة الخ) يعني لولا هنا

ص: 376

تحضيضية لا امتناعية وهي مع الماضي تفيد التوبيخ على ترك الفعل، ومع المضارع تفيد طلبه والأمر به لكن اللوم على الترك فيما يمكن تلافيه، قد يفيد الأمر به في المستقبل، ولذا قيل إنّ الآية تدل على وجوب طلب العلم لا لما قيل إنّ التوبيخ على الترك يقتضي الوجوب، وكون الفرقة كثيرة والطائفة قليلة في الآية مأخوذ من السياق، ومن التبعيضية لأنّ البعض في الغالب أقل من الباقي فلا يرد ما قيل إن الفرقة، والطائفة بمعنى في اللغة فلا يدلّ النظم على ما ذكر، وادعاء الفرق ودلالة النظم عليه وأنّ أهل اللغة لا يبالون بالتعريف بالأعم يحتاج إلى نقل. قوله:(ليتكلفوا الفقاهة فيه الخ) إشارة إلى أنّ صيغة التفعل للتكلف، وليس المراد به معناه المتبادر بل مقاساة الثدة في طلبه لصعوبته، وأنه لا يحصل بدون جد وجهد فقوله ويتجشموا أي يرتكبوها عطف تفسير لما قبله. قوله: (وليجعلوا غاية سعيهم الخ الما كان الظاهر ليتفقهرا في الدين، وليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يفقهون، وقد وضع موضع التعليم الإنذار وموضع يفقهون يحذرون آذن بالغرض! منه وهو اكتساب خشية الله، والحذر من بأسه قال الغزالي رحمه الله: كان اسم الفقه في العصر الأوّل اسم لعلم الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدة الأعمال والإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب ويدل عليه

هذه الآية، وإنما عبر بالغاية لأنّ علة النفر التفقه لكن التفقه لما كانت علته الإنذار كان علة لعلته فهو غاية له إذ علة العلة علة، وهي علة غائية لأنها إنما تحصل بعد ذلك. قوله:(وتخصيصه بالذكر الخ) يعني المقصود منه الإرشاد الشامل لتعليم السنن، والآداب والواجبات والمباحات ولا شك أن الإنذار أخص منه، فما قيل من إنهما متلازمان، وذكر أحدهما مغن عن الآخر غفلة أو تغافل وكذا ما قيل إن غايته تكميل النفس علماً وعملاً فهو مع دخوله في قوله ليتفقهوا إنما سكت عنه لأنه معلوم بالطريق الأولى مع أنه صرّج به في قوله يستقيم، ويقيم ودلالته على فرضيته بالأمر، وأنه فرض كفاية حيث أمر به طائفة منهم لا على التعيين والتذكير الوعظ. قوله:(وأنه ينبني أن يكون غر ضالمتعلم الخ) قيل بل يجب، وهذا لم يدر أن ينبغي تستعمل للوجوب، والترفع طلب الرفعة والعلو والتبسط السعة والبسطة في الجاه والرزق. قوله:(إرادة أن يحذروا) يعني لعل تعليل للإنذار فالترجي كناية عن إرادتهم لأنّ المترجي مراد، والترجي من الله قيل إنه مجاز عن الطلب، وقيل ظاهره أنّ الإرادة من المنذرين على أن لعل متعلق بقوله لينذروا قومهم، وحي! عذ لا يبقى في الآية دليل على حجية خبر الواحد لابتنائها على أنّ الله تعالى أوجب الحذر بقول الطائفة وسياتي ما يدفعه. قوله:(واستدل به على أن أخبار الآحاد حجة الخ) قال الجصاص في الأحكام في الآية دلالة على لزوم خبر الواحد في أمور الديانات التي لا تلزم العامّة ولا تعم الحاجة إليها وذلك لأنّ الطائفة لما كانت مأمورة بالإنذار انتظم فحوى الدلالة عليه من وجهين أحدهما أن الإنذار يقتضي فعل المأمور به وإلا لم يكن إنذارا، والثاني أمره إيانا بالحذر عند إنذار الطائفة لأنّ معنى قوله لعلهم يحذرون ليحذروا وذلك يتضمن لزوم العمل بخبر الواحد لأنّ الطائفة تقع على الواحد فدلالثها ظاهرة فإن كان التأويل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فالطائفة النافرة إنما تنفر من المدينة، والتي تنفقه هي القاعدة بحضرة الرسول ىلمجيح فدلالتها أيضا قائمة لأنّ النافرة إذا رجعت أنذرتها التي لم تنفر، وأخبرتها بالأحكام فهي تدلّ على لزوم قبول خبر الوأحد القاعد بالمدينة مع كون النبيّ صلى الله عليه وسلم بها لإيجابها الحذر على السامعين بنذارة القاعدين، فقد علمت أن في الاستدلال بالآية على حجينه ووجوب العمل به طريقين، وكلام المصنف رحمه الله على الطريقة الأولى فسقط الاعتراض! بأنه مبنيّ على أن الترجي من لله وأنه إيجاب وهو غير متعين هنا. قوله:(يقتضي أن ينفر من كل ثلاثة تفردوا بقرية الخ) قيد الثلاثة بالتفرد ليفيد مطلوبه، وأورد عليه أنه فسر الفرقة آنفاً بالجماعة الكثيرة كالقبيلة، وأهل البلدة وكلامه هذا لا يلائمه ظاهرا ولا يخفى أن كاف التشبيه

تة تضي عدم الحصر، ولذا قال ظاهرا، ثم إن تقريره مبنيّ على أن الطائفة تقع على الواحد وسيأتي في سورة النور

ص: 377

ما ذكره من أن أقلها ثلاثة فبين كلاميه تعارض وسيأتي تفصيله، ولإرادة الواحد من الطائفة قال لتندر بالإفراد ويتذكروا بالجمع كما صححوه هنا لكن وقع في نسخة ولينذروا، وقوله:(ليحذروا الا دخل له في الاستدلال قيل ولم يقيد بقوله واحدا أو اثنين كما قالوا في تقرير ألاستدلال لتعينه من كون الطائفة النافرة بعضاً من الفرقة مع أن الاستدلال لا يتوقف عليه لأنّ المقصود عدم بلوغها إلى حد التواتر، وقوله فرقتها أي الباقية. قوله:) وقد قيل للآية معنى آخر) قد مرّ تقريره، وظاهره أن الاستدلال إنما هو على القول الأوّل وقد عرفت أنه جار عليهما كما نقلنا ذلك عن كتاب الأحكام، وهذا القول قول ابن عباس رضي الله عنهما. قوله:(سبق المؤمنون إلى النفير الخ الأنهم كانوا لعاهدوا أن لا يتخلف أحد منهم عن جيش أو سرية كما مرّ وانقطاعهم عن التفقه لنزول الوحي، وحدوث الشرائع والأحكام في كل زمان، وقوله الجهاد ا! بر فسر كونه جهاداً أكبر بأنه هو الأصل يعني المطلوب من الجهاد إظهار الدين، وتنوير حججه والجهاد الأكبر يستعملونه بمعنى مجاهدة النفس لأنها أعظم عدوّ وأقوى خصم. قوله: (فيكون الضمير في ليتفقهوا الخ) قد مرّ ما قيل إنه لا بد على هذا من إضمار وتقدير أي نفر من كل فرقة طائفة وأقامت طائفة ليتفقهوا الخ ورده بأنه لا حاجة إليه، والضمير يعود إلى ما يفهم منه إذ يلزم من نفر طائفة بقاء أخرى، وقيل عليه انتظام الكلام يقتضي الإضمار إذ لولاه أفاد إن نفور الطوائف للتفقه وليس كذلك فإن أراد أنه بحسب الظاهر والمتبادر لم يلزم الإضمار، وإن أراد أنه لا يصح تعلقه به على أنه قيد وتعليل لمفهومه فلا وجه له. قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} أي الذين يقربون منكم قربا مكانيا لا قربا نسبيا كما قيل وإنما خص الأمر بهم مع قولهم في أوّل السورة اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وتوله وقاتلوا المشركين، ولذا روي عن الحسن رحمه الله أن هذه الآية منسوخة بما ذكر لأنه من المعلوم أنه لا يمكن قتال جميع المشركين، وغزو جميع البلاد في زمان واحد فكان من قرب أولى ممن بعد، ولأن ترك الأقرب الاشتغال بقتال الأبعد لا يؤمن معه من هجوم على الذراري والضعفاء، والبلاد إذا خلت من المجاهدين وأيضاً الأبعد لا

حد له بخلاف الأترب فلا يؤمر به وقد لا يمكن قتال الأبعد قبل قتال الأقرب قال الإمام رحمه الله: إنما لم يقولوا بالنسخ لكون ترتيب نزول الآيتين على عكس ما قاله الحسن رحمه الله تعالى، ومن قال: لا حاجة إلى هذا في نفس النسخ لم يفهم مراده ثم إنه قال: قوله: {يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} ظاهر في القرب المكاني، وقيل إنه عامّ له وللقرب النسبي، وقيل إنه خاص بالنسبي لأنها نزلت لما تحرج الناس من قتل أقربائهم ولا يخفى ضعفه، ولا إشعار في كلام المصنف رحمه الله به كما توهمه هذا القائل لأنّ مراده أنه أمر أوّلاً بإنذار عشيرته! لأنه كان بين أظهرهم فوجب عليه إنذار الأقرب فالأقرب قبل الأمر بالقتال، ثم بعد الأمر به كان على ذلك الترتيب أيضاً والذي غره قوله أحق بالشفقة فتدبر. قوله:(وقيل هم يهود الخ (قيل يرده كون السورة آخر ما نزل وفيه نظر. قوله: (وليجدوا فيكم غلظة) قالوا إنها كلمة جامعة للجراءة والصبر على القتال وشدة العداوة، والعنف في القتل والأسر وظاهرها أمر الكفار بأن يجدوا في المؤمنين غلظة والمقصود أمر المؤمنين رضي الله تعالى عنهم بالاتصاف بصفات كالصبر وما معه حتى يجدهم الكفار متصفين بها فهي على حد قولهم لا أرينك هاهنا كما مرّ تحقيقه، والغلظة ضد الرقة مثلثة الغين وبها قرئ لكن السبعة على الكسر، وقوله:(بالحراسة والإعانة) لأنه مع كل أحد، ولكن هذه معية خاصة وهو تأكيد وتعليل لما قبله، وقوله:(على إضمار فعل الخ (ويصير مؤخراً لأن الاستفهام له الصدر. قوله: (بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة الخ) لما دلت الآية على زيادة الإيمان بما ذكر، والمسألة مشهورة فمن قال بدخول الأعمال فيه فزيادته عنده ظاهرة، ومن لم يقل به ذهب إلى أنّ زيادته بزيادة متعلقه والمؤمن به وقيل التحقيق أن التصديق في نفسه يقبل الزيادة والنقص والثدة والضعف وليس إيماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصحابة رضي الله عنهم كإيمان* غيرهم، ولهذا قال عليّ كرم الله وجهه ورضي عنه

ص: 378

لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً فقوله بزيادة العلم الخ إشارة إلى قبوله الزيادة في نفسه، وقوله وانضمام الخ إشارة إلى زيادته باعتبار متعلقه، وترك القول الآخر لشهرته، وقد ذكره في أوّل سورة الأنثنال، وقوله:(سبب لزيادة كمالهم) بالعمل بما فيها والإيمان بها، وقوله:(مضموماً) إشارة إلى تضمين الزيادة معنى الضم، ولذا عدى بإلى وقد قيل إلى بمعنى مع ولا حاجة إليه،

وقوله: (واستحكم ذلك) أي الكفر بسبب الزيادة. قوله: (أو لا يرون الخ) كون الواو عاطفة على مقدر أو على ما قبلها الكلام فيه معروف، وقد تقدم تحقيقه، وقوله يبتلون بأصناف البليات تفسير للفتنة فإن لها معاني منها البلية والعذاب، وابتلاؤهم لو كانوا أصحاب بصر وبصيرة بردّهم عما هم عليه، وقوله:(أو بالجهاد) فالفتنة بمعنى الاختبار أي يختبرون بظهور ذلك ولم يحمل على الافتضاح لعدم ملايمته للمقام، وقوله لا ينتهون أي عما هم عليه من الاستهزاء أو عن النفاق لأنّ التوبة تستلزم ما ذكر. قوله:(تنامزوا بالعيون الخ) فسر النظر بالتغامز بقرينة الحال لكنه قيل دلالة التغامز على الغيظ غير ظاهرة ولا معهودة وفيه نظر والسورة على الأوّل مطلقة وعلى الثاني مقيدة بسورة فيها ذكر عيوبهم، وقوله:(يقولون (يعني لا بد من تقدير القول فيه ليرتبط الكلام وجملته حالية أو مستأنفة. قوله: (هل يراكم من أحد الخ) قيل معناه هل يراكم من أحد لما تغامزتم فتفضحوا، وقوله حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم إما بمعنى حضوره ومجلسه، أو المراد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأقحمت الحضرة للتعظيم كما هو معروف في الاستعمال ومخافة الفضيحة بغلبة الضحك أو بالاطلاع على تغامزهم وهذا على التفسير الأوّل، وأما على الثاني فانصرافهم بسبب الغيظ، وقيل معنى انصرفوا انصرافهم عن الهداية. قوله:) يحتمل الإخبار والدعاء) والجارّ والمجرور متعلق به على الأوّل، وبانصرفوا على الثاني، ورجح الثاني واقتصر عليه في الكشاف، وقوله لسوء فهمهم يعني أنه إما بيان لحماقتهم أو لغفلتهم، وعدم تدبرهم. قوله:(من جنسكم عربي مثلكم) يحتملأ أنه تقدير معنى أو تقدير مضاف أي من جنس العرب، وهو امتنان عليهم لأنهم يعرفونهم والجنس آلف لجنسه، ويفهمون كلامه، وقيل: المراد من جنس البشر كقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} ، [سورة الأنعام، الآية: 9] وقرئ أنفس أفعل تفضيل من النفاسة والمراد الشرف، وقوله شديد شاق من عز عليه بمعنى صعب، وقوله عنتكم إشارة إلى أن ما مصدرية والمصدر فاعل عزيز والعنت بالتحريك

ما يكره ويشق، وقيل عزيز صفة رسول وعليه ما عنتم ابتداء كلام أي يهمه، ويشق عليه عنتكم. قوله:(أي على إيمانكم وصلاح شأنكم (قدر المضاف لأن الحرص لا يتعلق بذواتهم وأما تعلقه برؤوف رحيم على التنازع كما قيل فلا وجه له، وقوله قدم الأبلغ يعني كان الظاهر في الإثبات الترقي، وقد عكس رعاية للفواصل أي لمناسبة الفواصل المراعى في القرآن، ولذا لم يقل الفاصلة، وهذا بناء على أن الرأفة أشذ الرحمة وقد مرّ ردّه بأنّ الرأفة الشفقة والرحمة الإحسان بدليل أنها قدمت في غير الفواصل كقوله: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً} [سورة الحديد، الآية: 27] ابتدعوها. قوله: (فإنه يكفيك معرتهم الخ) المعرة الأمر المكروه، والأذى مفعلة من العرّ أي الحرب وهذا تعليل للأمر والاكتفاء بالله ولا إله إلا هو كالدليل عليه لأنّ المتوحد بالألوهية هو الكافي المعين، وفسر العرس بالملك وهو أحد معانيه كما في القاموس، ثم ثنى بمعناه المعروف، وهو فلك الأفلاك المحيط بالعالم، وهو أحد معانيه كما ذكره الراغب، وقوله: تنزل الخ إشارة إلى حسن الختام، لما سبق من الأحكام، والرفع على أنه صفة الرب. قوله:(وعن أبر وضي الله تعالى عنه الخ (أخرجه أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وقوله آخر ما نزل الخ يعارضه ما رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} أسورة النساء، الآية: 176] وآخر سورة نزلت براءة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما آخر آية نزلت {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 281] وكان بينها وبين موته صلى الله عليه وسلم ثمانون يوما، وقيل تسع ليال وحاول بعضهم التوفيق بين هذه الروايات بما لا يخلو عن كدر، وفي هذه الآية إشكال مشهور في كتب الحديث. قوله: (ما نزل القرآن الخ) (1 (أخرجه الثعلبي رحمه الله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال العراقي رحمه الله تعالى، وهو منكر جدّاً، وقال الطيبي رحمه الله تعالى المراد بالحرف الطرف منه، والجملة سواء

ص: 379

كانت آية أو أقل أو أكثر مما دون السورة، وهو مخالف لما مرّ في آخر سورة الأنعام، ولما صرّحوا به من أنها لم تنزل جملة (تتم) ما علقناه على سورة التوبة، اللهم يسر لنا الإتمام ببركة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأشرف السلام، والحمد لله

وحده وصلى الله على من لا نبي بعده سيدنا ومولانا محمد ىلمج! ، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرّيته وأهل بيته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين آمين تم.

تم الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس أوّله سورة يونس.

ص: 380